روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و الخمسون 54 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و الخمسون 54 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الرابع و الخمسون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الرابع و الخمسون

قلبي و عيناك و الأيام

قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الرابعة و الخمسون

~… زوجي..وأبنتي …~
لا تغفر امرأة التجاهل بسهولة … خاصةً لو كانت تحب ..
ولكن ليلى كانت تقف عند مدخل المكتب حائرة ، تريد أن يتصالحا ، وبذات الوقت لا تريد الأعتذار عن خطأ لم تفعله بالأساس !
بينما هو كان يجن لهفةً لأن يأخذها إليه … بينما بين لحظة وأخرى تجري أمامه بعض الأمور التي تجعله يضيق منها ويغضب …
لم يعقّب على أمر الصغيرة كي لا يسود الموقف سوء فهم .. ولكن حتى أن أنجب منها مائة طفل لن يتغير موقفه على الإطلاق …
ليتها تفهم وتتفهم ما يدور بخلده … وليس سهلًا عليه أن يشرح ويفسر … وأن فعل ذلك لا يضمن أن مضمون حديثه سيصلها كما يقصده !
أما هي … فهي الحبيبة التي تقترف ذنبًا بحقه ولا يجسر بأزيد من الصمت الذي يليه عتاب .. وبعدهما كثيرًا من الحب والمصالحة.
كما يحب أن تنتهي العقبات بينهما … مهما تأزم الموقف ..
اختلس نظرات سريعة إليها لخصت كثيرًا مما يظهر عليها …. وكانت حتى في حيرتها وعبوسها تلفت انتباه قلبه فيتأملها قبل عينيه … وبعد لحظات مال على الكتاب وتظاهر بالقراءة في اندماج واضح …
ابتلعت ليلى ريقها بتوتر … فمجيئها لهنا يعتبر هذا نصف اعتذار !
وهي وأن أتت فلم تأتي لتقول آسفة لذنب لم تقترفه !
فقالت بصوتٍ رن فيه العصبية بوضوح :
_ ممكن اتكلم معاك شوية …؟
لم يبعد الكتاب عن يديه، ولكن أكتفى بنظرة إليها ولم يجيب …. ثم عاد مرةً أخرى للقراءة !
احتدت عصبية ليلى من صمته المثير للغيظ هذا … وعلى عكس المتوقع استدارت اتجاه الباب وضيق وجيه عينيه بدهشة لظنه إنها ستذهب لغرفتهما حتى دون نقاش !…
ولكن ليلى بدلًا أن تخرج اغلقت باب المكتب عليهما كي لا تدع طرف ثالث يتدخل بينهما ولو بالاستماع …. وبعدما اغلقت الباب استدارت له بعصبية اكتسحت تعابير وجهها ….
وقد كاد وجيه أن ينهض ويذهب خلفها، ولكنه حمد تلك الدهشة التي جمدته للحظات حتى تبين موقفها بوضوح … ولم يعرف لما الابتسامة تحارب للظهور على ثغره!
وتظاهر بالقراءة بقوة بينما اقتربت ليلى منه وانتزعت الكتاب من يديه، والقته بعيدًا عنه بعصبية …. ثم قالت :
_ لما اطلب منك تسمعني يبقى لازم تسمعني ! …
وعلى رغم أن ما فعلته يستفز أي مخلوق ويغضبه … ولكنه يتقبل منها ما لا يتقبله من غيرها … وخلع نظارته الطبية بهدوء وبعدما وضعها على المكتب نظر لها قائلا بثبات :
_ عايزة تقولي إيه …؟!
وهنا كانت الإجابة بها بعض التردد والحيرة … فقالت :
_ أنت مشيت ليه لما شوفت ريميه معايا ؟! …. أفهم من موقفك ده إيه ؟!
وحتى في صمته ساءت الفهم ! … زفر وجيه بضيق شديد، ثم نهض وتحرك ببطء إليها … وعندما وقف أمامها قال بحدة :
_ تفهمي نفس اللي هتفهميه لما ربنا يكرمنا بأطفال وتلاقي ده نفس موقفي ! …. لأن ببساطة أنتي مش قادرة تصدقي أن ريميه بعتبرها بنتي ومش اقل من كده …. مش عارفة تفرقي بين حبي ليها وخصوصيتنا ! …. البنت ماينفعش تتعود على كده !
وأن كنت بعتبرها بنتي بكل مشاعري وأحساسي … أنما اساس الحقيقة أني مش والدها الحقيقي … وأن علاقتي بيها تحكمها الرابطة دي من الأساس….فكري فيها بعقل يا ليلى وهتفهمي قصدي ….
ازدردت ليلى ريقها وهي تعرف أنه محق بالحديث …. فالصغيرة ليست أبنته بصلة الدم … وعلاقته بها تحكمها هذه الرابطة مثلما قال … فقالت مدافعة عن نفسها :
_ أنا فاهمة اللي أنت بتقوله كويس أوي … بس اللي أنت ما تعرفهوش أن هي طلبت مني احكيلها حواديت زي زمان لحد ما تنام … ومن كتر ما بالي مشغول بيك وبتأخيرك خصوصا لما سمعت والدك بيكلم جيهان وعرفت أنك معاها …. تركيزي راح مني ومحستش غير وأنا في أوضتي ….أنا مغلطتش يا وجيه عشان أعتذر ! …
تفاجأ وجيه بذلك … ولم يعرف أن الموقف تصاعد معها هكذا ولم يأتي في باله حتى ! … وعاتب نفسه ولأول مرة يشعر أنه مخطأ الظن فيها…. ويبدو أنها لاحظت لمحات الندم على سيمائه فلم تجد ما تقوله أكثر من :
_ لو غلطت مرة مش معناها أني كل مرة هكون غلطانة ! … يمكن اضايقت من وجودك الغريب في بيت والد جيهان … وحسيت أنها قاصدة تضايقني … بس بعد ما وضحتلي موقفك مكنش له داعي تسيبني وتمشي ! … أنا لو غلطانة مش بتكسف اعتذر! … ومش عشان بحبك بس … عشان بحترمك كمان.
والتمعت دموع بعينيها عتاب ولوم ، وتطلع بها بعمق ، وعندما قررت الخروج واستدارت لتفتح باب المكتب، جذبها إليه في حدة لعدم الابتعاد …. لن يسمح لها أن تبتعد قبل أن يصالحها ويجعلها تبتسم وترضى.
حاولت التخلص من قبضته وهي تدمع وتبتعد عن عينيه المتأسفة بأعتذار حتى همس :

 

 

_ المرادي أنا اللي غلطان … حقك عليا.
نظرت لعينيه المشتاقة وقالت بدموع :
_ أنت مش مقدر الأحساس اللي بحسه لما بتكون معاها ، عارفة أنها مراتك وليها حق عليك زي ما ليا بالضبط …. بس أنا غصب عني مش قابلة مشاركة فيك … وجودك معاها بيموتني.
وضمها بقوة الجمت حركتها … وسكنت على صدره بعينيها الباكية وهو يهمس قائلا :
_ أنا غلطان يا ليلى وبعترف … بس والله كنت جاي ومستني اللحظة اللي هشوفك فيها … تخيلي أنتي اني في عز أنشغالي بالمشكلة اللي حصلت ما روحتيش عن بالي لحظة ! … أنا لما سيبتك فسيبتك عشان عصبيتك ما تزيدش أكتر والبنت موجودة ! … وللحقيقة أفتكرت أنك بتعاقبيني بيها وده شيء ما أحبش أشوفك بتستخدميه ضدي… بس مكنتش هغيب كتير … لو صبرتي شوية صغيرة كنت هاجيلك واغلس عليكي لحد ما نتصالح.
ابتسمت ليلى بين دموعها وقالت :
_ يارتني ما نزلت ..!
ظهرت ابتسامة على شفتيه وهو يبعدها قليلًا وينظر لعينيها بعشق …. وهمس:
_ ماهونتش عليكي …. زي برضو انك مكنتيش هتهوني عليا … عشر دقايق بالكتير وكنتي هتلاقيني بجري عليكي …. هو حد بيعرف يخاصم روحه !
وقبّل رأسها معتذرا مرةً أخرى وقال برقة :
_ حقك عليا .. إديني بقا ابتسامة من وشك الجميل ده .
ابتسمت ليلى ومسحت عينيها …. ثم قالت له بتساؤل :
_ على طول كنت نفسي اسألك السؤال ده …. أنت بتشوفني جميلة عشان بتحبني ؟ ولا بتحبني عشان جميلة !
اتسعت ابتسامته وهو يتعمق بعينيها البندقية … ثم قال بنظرة متأملة :
_ بشوفك زي ما كنت بشوف أمي الله يرحمها …. جميلة وأجمل انسانة في الدنيا …. محدش يقدر ياخد مكانها مهما كان ومهما عمل …. الأجمل منها ما يلزمنيش … هي واحدة وبس مالية عيني ومكانها جوايا خط أحمر ….
المنطق بيقول أنك مش أجمل ست في الدنيا …. بس عنيا وقلبي شايفينك كده ! … وعند الإثبات مش هصدق المنطق واكدب القلب اللي بيدق جوايا !
وشاكسها قائلًا بابتسامة عريضة :
_ قلبي ده زي ما يكون أنتي حلفتيه ما يحبش غيرك ….
جاهدت لتخفي ابتسامتها وقالت :
_ خلاص مش زعلانة …
ضيق عينيه مكرا وقال وهي بين ذراعيه :
_ أنتي بقالك عشر دقايق مش زعلانة ! …. الكلام اللي بعد كده مش للصلح …. ده بس عشان بحب أشوف ابتسامتك دي …
ظهرت ابتسامتها بوضوح هذه المرة وكأنها لم تبك قط …. فضمها مرةً أخرى وهو يبتسم … وقد تعلّم شيء اضافي … أنه يفهم الوضع كاملا قبل أن يحكم عليها …. ويستمع لما تقوله لآخر كلمة ….. ولا يترك جرس الحكم له فقط.
وتبددت الغيامة السريعة عليهما … لتأتي زهور الحب مجددًا بينهما … وعندما صعدا للطابق الثالث صمم أن يحملها مثلما تحب ….. رغم إنه شعر بمرح أن وزنها أزداد مؤخرا ! ….

 

 

************
وبغرفة حسام شقيق “فرحة” بالمشفى ….
بعدما أجرى زايد فحص طبي قد صمم عليه الأطباء للتأكد من سلبية النتيجة .. والذي سيتكرر بالأيام الآتية لزيادة التأكيد ….. دلف زايد لغرفة حسام وهو يستند على عكازه …. فوجد حسام يبدو أنه قرر المغادرة … فقد نهض وأجمع أغراضه القليلة بالغرفة وقرر الذهاب والبحث عن شقيقته ….
وقف زايد أمامه وقال ناظرا لعينيه بدقة :
_ رايح فين …؟
كانت قدم حسام أيضا مصابة جراء ما حدث له على يد شقيق زايد ….. فأجب حسان بنرفزة ووجه شاحب وشاش أبيض ملتف حول رأسه وبه بقع دماء جافة :
_ هشوف أختي فين ! …. ما اتصلتش بيا ولا جاتلي ولا هي موجودة هنا أصلًا !
تنهد زايد تنهيدة ثقيلة وأجمع بعض من تركيزه ليستطع السيطرة على حسام …فقال بإعتراف دون مواربة:
_ أختك هنا في المستشفى ..
وكان زايد يجيب بثقة جعلت حسام يتجمد بصدمة …. شقيقته هنا بالمشفى ولم تجري حتى اتصال سريع لتطمأنه عليها ! …. فربت زايد سريعا على ذراع حسام وقال :
_ نقعد الأول وأفهمك …. أحنا الاتنين ماينفعش نوقف كتير مع الإصابة اللي في رجلينا دي …. الحال من بعضه ..
لم يفسر حسام قول زايد بأي شيء …. فقال بعصبية :
_ أختي فين ؟! …. أنا مش هقعد هنا ثانية واحدة كمان من غير ما أعرف فرحة فين !
صمت زايد للحظات …. ثم نظر لها بقوة وقال :
_ فرحة معزولة هنا في المستشفى … جالها فيروس مُعدي وممنوع حد يشوفها …
ابيض وجه حسام من الشحوب والصدمة ….حتى انهال جسده بضعف على الفراش وبعدها رمى رأسه بين يديه في بكاء نبض بعينيه فجأة …… وقال :
_ لازم أشوفها …. لازم أطمن عليها ، أنا ماليش غيرها … يارب ما تكتبش عليا اليُتم تاني.
وبكا حسام بكاءً شديد جعل زايد يتأثر بألم ينبض به قلبه …. فربت على كتف الصبي بلطف وعطف قائلا :
_ حالتها مش خطيرة ما تقلقش … بس طبيعي كان لازم تتعزل على ما نتيجتها تطلع سلبية …. خصوصا أنها بتشتغل هنا …. أنا هنا جانبكم ومش عايزك تخاف من أي حاجة.
تذكر حسام للحظة ما أخبرته به شقيقته فرحة منذ وقت ….. فقال ماسحا دموع عينيه :
_ خايف عليها ومرعوب …. دي هي أمي وأبويا وكل أهلي ! …. وصاحبي ونصي التاني كمان …. أزاي ما أخافش ! …. أنا أول مرة أحس أني خايف كده ! … انا جربت الفراق ومرارته …. مش حمل أجربه تاني …. ارجوك وديني للدكتور اللي بيشوفها يطمني عليها … وتبقى عملت فيا معروف لو خليتني أشوفها.
دق الألم بقلب زايد واشفق على حسام بقوة …. فقال له برفق وتأكيد:
_ ماينفعش تشوفها دلوقتي … بس هطمنك عليها وعندي حل مؤقت … تعالى معايا ..

 

 

 

***********
قد استفاقت ” فرحة ” مخدرة الأطراف ثقيلة الرأس … ويجتاح صدرها ضيق التنفس والسعال الجاف …. ويبدو أن حرارة جسدها تأبى الهبوط !
وتجولت عينيها الذابلتين ببطء لأرجاء الغرفة الطبية المغمورة برائحة الأدوية والتعقيم …. وطاف بمخيلتها توقع أشد النتائج لحالتها ….الموت !
من منا عندما يشتد به المرض لم يتخيل نفسه على مشارف النهاية ! …. هل اقترب الأجل ؟
علمت من الممرضة حالتها … وقد أشاع بالأونة الأخيرة عن فيروس مُعدي أدى لوفاة بعض الأشخاص …. لذلك اشتد الظن بداخلها وبكت فجأة …. خوف ورهبة …
حتى سمعت صوت دق خفيف على زجاج النافذة القريبة لها ….. ووجدت شقيقها يقف خلف الزجاج ودموع عينيه تشبه دموعها ….. وتشاركا الأثنان بكاء صامت مؤلم للقلب …. ولكن دموع شقيقها كانت أشد …. وبينما هي بقمة الألم والدموع وجدت طيف طويل يقف خلف شقيقها ويربت على كتفه بلطف …. حتى استدار حسام ورمى رأسه على كتف زايد ببكاء كأنه طفل ويستغيث لكتفي والده للأمان.
ربت عليه زايد بلطف شديد ودعم واضح كأنهما أصبحا أشقاء وليس فقط أصدقاء …. شاهدت فرحة ذلك وبدأ الأطمئنان يتسلل لقلبها المرتجف خوفا ….
هو الآن تره بنظرة مناقضة تمامًا للنظرة الأولى …. النظرة الأولى ليست صادقة بأغلب الأحيان ….. ليست كافية لكشف حقيقة انسان ربما كان يتخفى وراء قسوة زائفة ليست من خصاله وشيمه …. وهز زايد رأسه لها كأنه يخبرها أن شقيقها بأمان لا داعي لأن تقلق عليه …. فابتسمت بين دموعها له شاكرة..
ودق قلبه لهفةً !
*********
وعند مطلع الفجر….
وبعدما سردت حميدة حكايات قبل النوم للصغيرة وحماسها في الاستماع …. استغرقت في النوم وتأملتها حميدة بابتسامة ومحبة شديدة لهذه الصغيرة التي تشبه الملائكة …..
وبعدها غرقت حميدة بغفوة عميقة وانتفض جسد الصغيرة واستيقظت وعلى ملامحها يرتسم الذعر والفزع!
ذلك الكابوس مجددًا يزور أحلامها البريئة !
تمتمت بأستغاثة وأحرف متقطعة:
_ حم يد ة …
ولكن حميدة لم تنتبه لهذا الأنين الخافت بين غفوتها العميقة … فبدأ ينتاب الصغيرة رعشة تزداد مع كل لحظة ….
ازداد ذعر الصغيرة وهي تستغيث بصوت مخنوق:
_ ما …ما ، بابا .. وجيه .. يو. سف.
وهذه المرة لم تستيقظ حميدة لإغاثتها مثل المرات السابقة …..
********
تململ وجيه بكسل بنومه ثم فتح عينيه ببطء بعدما شعر بأنفاسه متسارعة بجانبه ….. فلاحظ ليلى جالسة وليست نائمة !
اعتدل سريعا وأضاء المصباح ليطمئن عليها ، فوجدها تضع يدها على صدرها وتتنفس بصعوبة …. فاتسعت عينيه خوف وسألها سريعا:
_ مالك يا حبيبتي في إيه ؟!
ابتلعت ليلى ريقها بشدة وهي تلهث تقريبًا ، ثم قالت بصعوبة :
_ مش عارفة … نفسي اتكتم وحسيت وكأني هموت … عايزة بنتي يا وجيه … هاتلي بنتي …
وبدأت تبكي بعدها بقوة وهي تشعر بعدم استطاعتها على الوقوف من قوة رجفة جسدها .. شحب وجه وجيه وهو ينظر لها متجمدًا …. فقال لها لتهدأ رغم رجفة قلبه المرعوبة :
_ طب أهدي … مافيش حاجة ، هروح أجيبلك ريميه ما تزعليش … ثواني واكون عندك.
جف ريقه من رؤيتها هكذا … وأسرع للصغيرة بالطابق الأرضي … خصيصا بغرفة حميدة….
وبالطابق الأرضي …
دق وجيه بقوة على باب الغرفة حتى فتحت حميدة عينيها بكسل … ولكن تجمدت عندما وجدت الصغيرة تتمتم بصمت وعينيها مفتوحتان وباكيتان …. وكأنها على مشارف أن تفقد وعيها … هتفت حميدة بها برعب :
_ ريمــيـه …!
ويبدو أن الصغيرة ظلت هكذا لفترة طويلة حتى استسلمت للرعب والخوف …. أزداد الطرق على باب الغرفة بعدما سمع وجيه صوت صراخ حميدة …. وبعدها فتحت حميدة بخوف شديد وهي تشير للصغيرة وتقول :
_ مش عارفة يا عمي مالها
هرع وجيه للصغيرة وحملها وهو يربت على وجهها قائلا :
_ ريميه … متخافيش يا حبيبتي أنا جانبك …
ارتجفت الصغيرة بشدة بجسدها الصغير هذا بين ذراعيه وبدأت تبكي بقوة …. وكأنها وجدت الأمان أخيرا لتعلن خوفها ….
فضمها وجيه بقوة وحنان وهو يهمس لها ليتهدأ ….. ودقائق قليلة وهو يحاول أن يهدأ من روعها قبل أن يصعد بها حيث ليلى …. بينما ليلى لم تنتظره وأتت راكضة إلى أبنتها التي تبكي مذعورة …… وخطفتها من يد وجيه لصدرها وهي تربت عليها وتقبلها ببكاء وأعتذار ….. وقالت الصغيرة ببكاء وذعر :
_ بيصرخ يا ماما … بيصرخ وبيعيط ….
لم تفهم حميدة وهي تبك أيضا ما تقصده الصغيرة دائما ويأتي لها بالأحلام هكذا …. بينما وجيه وليلى كان يعرفون ما تمر به ريميه ….. أخذت ليلى أبنتها وغادرت الغرفة ….بينما اقتربت حميدة من عمها الذي يقف ناظرا لخطوات ليلى المبتعدة في تفكير وهي تضم أبنتها بقوة وتركض …. وقالت بدموع:
_ والله العظيم يا عمي ما حسيت بيها خالص ومعرفش نمت أزاي ! …. بس معلش والله ما هتحصل تاني وهفضل سهرانة

 

جنبها لحد الصبح …
التفت وجيه لحميدة وقال برفق وهو يربت على ذراعها :
_ ما تزعليش يا حميدة أنتي ما عملتيش حاجة … والبنت هتكون كويسة ما تقلقيش.
وبعدها تركها وعاد لغرفته ……
فتح باب الغرفة بهدوء ليجد ليلى جالسة على الفراش، وتضع صغيرتها التي استشعرت الأمان وسكنت بين ذراعي أمها ….. وكانت ليلى تبكي وهي تنظر لأبنتها بشعور الذنب ….. رغم أنها لم تتركها بإرادتها والصغيرة من اختارت الذهاب مع حميدة !
بينما وجيه كان شعوره بالذنب أكثر منها بكثير ، ولكنه لم يفصح لها لكي لا يزداد شعورها أيضا …..
قالت ليلى باكية :
_ أنا اللي سيبتها … الحق عليا أنا ….
قال لها بحنان :
_ البنت نفسيتها تعبانة يا ليلى …. بس الوضع ده مش هيستمر صدقيني ….
قالت ليلى وأشتد بكائها :
_ جوازنا مكنش في مصلحتها يا وجيه …. حاسة أني أهملتها !
جلس وجيه متنهدا بعمق وقد تحققت اسوأ توقعاته … فقال لها بتأكيد:
_ أني ما أهملتيهاش يا ليلى …. أنتي معاها طول الوقت ، واللي حصل ده كان ممكن يحصل لو كنتي جانبها برضو هي مكنتش لوحدها ! …. وبعدين أنتي شايفة أني وجودي معاكم مسببلكم أزمة للدرجة دي !
هزت ليلى رأسها وباتت لا تعرف شيء ….. ثم قالت ببكاء :
_ مابقتش عارفة حاجة …. قدام دموعها مابعرفش أفكر في أي شيء ….
تفهم حالتها وموقفها لذلك اقترب وقبل رأسها بحنان …. ثم أخذ الصغيرة من يديها وتوجه لآريكة قريبة من الفراش وجلس …. ثم أحتوى الصغيرة بذراعيه وسكنت هي أيضا على صدره …. ثم قال بهدوء :
_ أطفي النور وتعالي أقعدي جانبي … ريمو بتحب الحكايات وأنا المرادي اللي هحيلها حكاية ….
فعلت ليلى ما قاله واغلقت إضاءة الغرفة …. ثم جلست بجانبه واستمعت لصوته الهادئ … ولأنفاس صغيرتها التي أصبحت هادئة تمامًا أيضا بعد مشقة …بل وبعد لحظات تمتمت ريميه بخفوت ليتابع أحدى القصص فابتسمت ليلى بأطمئنان ومسحت عينيها من الدموع …. ثم مالت برأسها على كتفه وتمسكت بذراعه … وتركته يهمس بالحكايات …. وشعرت أنها تريد أن تسمعه مثل صغيرتها …. بل وربما أكثر أيضا …!
**********
وفي الصباح الباكر ….
وبعد غفوة طويلة …. تحرك جفني فرحة ببطء ، حتى وجدت زايد يقف خلف الزجاج ناظرا لها …. قطبت حاجبيها بدهشة … لم تستطع التخيل أنه ظل واقفا هكذا منذ الأمس !
رفع زايد ورقة كبيرة ويبدو أنه دون عليها عدة كلمات ….. والصقها بالزجاج لتتمكن من قرائتها …. فأطرفت فرحة عينيها عدة مرات لتتمكن من رؤية المكتوب …. فوجدت الرسالة كألاتي مكتوبة بالخط العريض ……
* أنا مش همشي من هنا غير وأنتي معايا..خلي بالك من نفسك *
بصعوبة قرأت الكلمات المكتوبة …. ثم نظرت للواقف خلف الزجاج بصمت …. فابتسم زايد لها ابتسامة خفيفة … بينما عينيه لم تكن تبتسم بخفة …. بل بثورة متقدة من الأشتياق ….
***********
استيقظت ليلى وهي على الأريكة بجانب زوجها النائم في هدوء تام، وصغيرتها أيضا التي تبدلت جلستها إلى جانبه لتكن أكثر إرياحية ورأسها على كتفه بأمان وثقة ….. شعرت ليلى ببعض الألم في رقبتها من هذه الوضعية … فحركت رقبتها بتأوه …ثم نظرت جانبًا لهما …. وابتسمت !
لم تترك يد وجيه الصغيرة ولم تلفتها حتى وهو نائم وتائه بالنوم أيضا ! ….. نهضت لتغتسل بالحمام ….. وتوجهت إليه مباشرةً وبعدها بدقائق خرجت وهي تجفف شعرها برداء أصفر رقيق يكشف عن ذراعيها ورقبتها …..
ولكنها وجدتهما مستيقظان والصغيرة تخبره بشيء في أذنه ويستمع لها باهتمام شديد …. ربما أكثر مما يستمع لأحد …. حتى همست له الصغيرة وقالت :
_ و طوق ورمل للقطة …
هز وجيه رأسه بموافقة وقال :
_ موافق …. شوفي في حاجة تانية عايزاها في الكورة الصغيرة دي …
وشاكسها بيده على رأسها وكان يقصد ذلك الرأس الصغير، فضحكت الصغيرة كأن ما حدث بالأمس لم يحدث …. ففغرت ليلى فاها بدهشة !
قالت الصغيرة وهي تفكر :
_ جاسر قالي لو اتجوز جميلة هيجبلي فستان عروسة زيها في الفرح … خليها تتجوزه …
ضحك وجيه بقوة لبعض الوقت … ثم قال :
_ دي بقا مش في إيدي …. قولي لجميلة توافق…
تدخلت ليلى بضحكة :
_ مش مصدقة أنك بتتكلمي كده ! …. بقيتي لمضة أوي يا ريمو وشقية ….
تأمل وجيه مظهر ليلى المنعش الصباحي وقال بنبرة ماكرة :
_ حد يلبس أصفر وصيفي كده في الشتا …؟! …
قالت الصغيرة وهي تضحك :
_اسبونج بوب … أصفر كموني.
تأمل وجيه ليلى المغتاظة للحظات وقال بثبات :
_ أنا لا يمكن أضحك عليكي على فكرة
ثم ظل ثابتا للحظات وبعدها انفجر بالضحك …..

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!