روايات

رواية هواها محرم الفصل العاشر 10 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم الفصل العاشر 10 بقلم آية العربي

رواية هواها محرم البارت العاشر

رواية هواها محرم الجزء العاشر

هواها محرم
هواها محرم

رواية هواها محرم الحلقة العاشرة

منذ نصف ساعة وهي جالسة تفكر ثم تعود لنفس النقطة كأنها تركض داخل كرةٍ مغلقة .
لا تعلم أين هي و لا تعلم هوية هذا المكان وكيف خطط لكل شيءٍ هكذا وبهذه السرعة ودون إثارة أي شكوك .
تفكر في حال أهلها خاصةً والدها وبمَ يشعر الآن وتتآكل قلقاً كي تطمئن عليه ولكنها تأبى التوسل لهذا المختل الذي اختطفها ، عزيزة نفسٍ وخلقٍ لن تترجاه ويجب أن تجد حلاً معه .
يتوهم إن ظن أن بفعلته تلك سيحصل عليها ، يتوهم إن ظنها سترضخ لطلباته ، يتوهم إن ظن أنها لن تستطيع التغلب على قلبها الأبله الأعمى ، ستتجاوزه وتسير في الدرب الذي اختاره لها والدها فهو كان محقاً بشأن هذا الخالد .
هذا الخالد ؟ ، أولم تقرري مساعدته ؟، أولم تتعهدى أمام ربك أنكِ ستحاولين ؟، أولم تحبينه ويلتمع حبه في عيناكِ الشفافة ؟
كان هذا عتاب قلبها المتألم لها ، كان يتقلب بين القبول والرفض ، بين الرضوخ طواعية إلى عقلها والتمرد عليه ، يعاتبها ويجبرها على سماعه ، وآهٍ لو خُيّر الحبيب بين عقله وقلبه .
زفرت بقوة ثم التفتت تنظر للطعام الذي أحضره ، تتضور جوعاً خاصةً وأنها لم تتناول وجبة العشاء أمس ولم تتناول إلا اليسير من الطعام منذ أن تركوا منزلهم ولكنها غاضبة وخجلة في آن واحدٍ .
لتستسلم أخيراً لنداء معدتها وتحسم أمرها حينما مدت يدها تتناول الشطيرة لتبدأ في قضمها بعد أن هدأت قليلاً وقررت التروي مع هذا المجنون وإلا لن تغادر .
أرغمت شهيتها على تناول قضمتين فقط ثم وضعت المتبقي منها في الصحن وتناولت كوب العصير تنظر له بشك يروادها ماذا إن كان قد وضع به محذراً ؟
ابتسمت على غبائها فهي بالفعل كانت مخدرة لذا ارتشفت منه القليل ليبتل حلقها ثم نهضت بتردد لتناديه كي تهاتف والدها على الفور فهذا كل ما تسعى إليه الآن .
تحركت نحو الجدار الزجاجي مجدداً بحذرٍ فوجدته مازال يسبح كأن بينه وبين المياة قصة عشق لا تنتهي فتعجت منه وانتابتها قشعريرة بسبب البرودة التي لا يشعر بها كأنه رجلٌ خشبي .
زفرت ترفع رأسها قائلة بنبرة تحفيزية وهمس إيماني :
– ساعدني يارب ساعدني .
خطت أولى خطواتها نحو الخارج تنظر لتلك الحديقة الساحرة وهذا المكان المنعزل بذهول ، مكاناً رائعاً طبيعياً بشكلٍ سالبٍ للأنفاس ولو كانت هنا بإرادتها لكانت أكثرهن سعادة .
انتبه لها فرفع رأسه وجدها تنظر حولها وتتأمل المكان بتيه وملامحها البريئة تشع كأن الشمس قد سطعت لتوها فابتسم وتسارعت نبضاته ثم اتجه لطرف المسبح واتكأ ينهض خارجه ليستقبلها قائلاً بصوتٍ وصل إليها وهو يخطو نحو المقعد :
– هل أكلتِ .
لم تنظر نحوه برغم أنها تمركزت أمامه بل أومأت وتحدثت وعيناها تنظر لكل شيء سواه وقلبها يقرع طبول الحرب والتوتر :
– عايزة أكلم بابا حالاً .
اتجه يلتقط منشفةً كانت على المقعد وانتزعها يلفها حول كتفيه ثم جلس يطالعها بنظراتٍ خبيثة كعدسة تفصيلية ويتحدث بترقب ساخراً بالانجليزية :
– ليس لدى مانع ، ولكن كوني هادئة كي لا ينزعج ، أنا أخشى عليه من الحزن .
زمرت شفتيها بغضب والتفتت تطالعه بعيون متوهجة يعشقها وجسدٍ تحميه بذراعيها قائلة بتوبيخ سقط على قلبه كالمدح :
– مش هتستفاد حاجة من كل اللي بتعمله ده ، بابا هيرجعني ومش هيسكت وانت هتتحاسب على كل ده ، ولو كان فيه احتمال بسيط إننا نتجوز إنت قضيت عليه تماماً .
نهض يخطو نحوها فتراجعت بتوتر تجلى على ملامحها وهي تحذره بعينيها برغم اهتزازها الذي يلاحظه إلا أنه يعجبه شراستها التي تشبه قطة في عرين أسد .
تشعر أن قدماها كالهلام فثبطت محاولتهما في السقوط وتحاملت على نفسها تظهر قوةً لحظية كوسيلة دفاع تبعده فابتسم ومر من جوارها وانحنى قليلاً يقول بهمس قبل أن يبتعد عن أذنها :
– نحن تزوجنا خديجة ، لم يبقى سوى توقيعك على العقد .
مر وتركها تبحث عن أنفاسها كأنها تبحث عن إبرة داخل كومة قش ، فرت الدماء من ملامحها وشردت في جملته التي فسرتها كما يريد هو بعدما أصابها همسه بالبلاهة لذا انتفضت فجأة تلتفت كمن مستها صاعقة كهربائية وهي تردف باستفهام مميت وملامح شاحبة تحاكي وجوه الموتى :
– يعني إيه اتجوزنا ؟
ابتسم لنجاح كلماته التي وقعت على قلبها فأضنته لذا تحدث وهو يهز كتفيه يفسر جملته بشكلٍ صحيح قائلاً بنبرة انتصار تشعره بالنشوى خاصةً مع وجودها أمامه :
– نعم تزوجنا ، انظري حولك نحن في منزلٍ صغيرٍ على جزيرةٍ نائية في وسط البحر بمفردنا ، حتى لو عدنا أنتِ أصبحتِ لي ، حتى لو لم نمارس الحب إلى الآن ولكنكِ أصبحتِ لي وانتهى الأمر ، ولعلمك هذا قانون والدكِ وليس قانوني .
لا تعلم أتشعر بالراحة أم بالحسرة ، أتزفر أم تشهق ، هو محق في ما قاله لذا وقفت متجمدة تطالعه بشرود كأنها تعاود قراءة كلماته من فوق ملامحه فابتسم لها وعاد يتقدم منها فلم تنتبه كأنها تتصارع مع أفكارها فمال قليلاً عليها يردف بنبرة تحمل تهديداً مغلفاً بمشاعر صدقٍ نبعت من أعماقه تنافي برودة المكان :
– لو لم يسمح والدكِ لهذا الرجل أن يجلس معكِ لما فعلت هذا ، هذا المنزل الصغير كنت أعده لنقضي به رحلتنا بعد الزواج ، ولكن والدكِ خالف ظنوني به ، لذا فلم يعد بإمكاني التوقف ، أنا أريدكِ لي ، لا أعلم ما الرغبة القاتلة التي تتملكني حينما أراكِ ولكنني لا أريد سواكِ في حياتي .
إما أن تكوني أنتِ سيدتها أو تفنى حياتنا سوياً ، سأقدم نفسي للموت إن لم تكوني وسآخذكِ معي ، لن أسمح لنظراتِ مخنثٍ أن تراكِ ، أنتِ لي خديجة ، أنتِ لي وانتهى الأمر .
زفر أنفاساً ساخنةً مصدرها مشاعره الملتهبة فلفحت بشرتها وأرجفتها ليبتعد قليلاً ويتركها تلتقطت أنفاسها كأنها تنتشلها من بئرٍ عميق ، ثم تحدثت بتيه وتشتت وعيون غائمة :
– إنت مجنون .
قهقه يردف بنبرة شاكرة وهو يميل في تحية ممثل مسرحي قائلاً بتباهي :
– بكل فخر .
نظرت له مطولاً فوجدت في عينيه البرود ، ظلت تطالعه تحاول فهم شخصيته التي ربما هي أخطأت في فهمها ولكنه كان بارعاً في رسم ملامحه كما يريد لذا استبدل نظرات البرود بنظرات العشق وهو يضيف بنبرة دافئة :
– أنا أحبكِ خديجة ، وهكذا هو حبي ، لا تنظري لي وكأنني المذنب هنا .
توترت نظرتها من تصريحه بعشقها لتعود وتعنف نفسها سريعاً على تأثرها به وبكلماته لذا تحدثت بهدوء كي تحصل على مبتغاها :
– تمام ، ممكن أكلم بابا بقى ؟
زفر مطولاً ثم تحرك للأعلى يصعد الدرج بخطواتٍ واسعةٍ ثم اختفى داخل الغرفة وعاد بعد ثوانٍ إليها يحمل في يده هاتفاً يطالعه وهو يعيد تشغيله مترقباً حتى فتح الهاتف فبدأ يطلب رقم والدها وينتظر رده بعدما قام بتشغيل مكبر الصوت .
وكأن بهجت كان جالساً فوق الهاتف حيث أجاب بلهفة وترقب مسرعاً :
– ألو ؟
استمعت لنبرة والدها المتلهفة فظهرت غيومها وتحركت لتأخذ منه الهاتف ولكنه تحدث قبل أن تصل إليه قائلاً بنبرة استفزازية منتصرة :
– أهلاً بهمايا الأزيز .
اكفهر وجه بهجت وانسحبت دماءه كأنها ستغادر جسده وهو يقول بغضبٍ وصراخ :
– بنتي فيييين ، خديجة فييين ، أوعى تقربلها وإلا هيبقى أخر يوم في عمرك .
– حتى أنني فعلت .
نطقها بالانجليزية وابتسامة واسعة أظهرت أسنانه البيضاء أمام عين خديجة التي طالعته بغضب قبل أن تنتزع منه الهاتف وتغلق مكبر الصوت واضعة إياه على أذنها تقول بهمس حنون من وسط دموعها وانقباض حلقها :
– بابا ؟
صرخ قلبه مطالباً بعودتها متسائلاً بنبرة مهمومة عاجزة :
– عملك حاجة ؟ ، أذاكِ ، أتعدى عليكِ ، هقتله ، هقتله يا خديجة .
تحدثت تطمئنه وهي تبتعد عن هذا الذي يقف واضعاً كفيه في جيبي شورته بتشفي بينما هي قالت بتروي :
– متقلقش يا بابا ، أنا كويسة ، مقربش مني ولا هيقدر يقرب مني أبداً .
بكى بهجت وزاد إحساسه بالعجز ولا يعلم بأي حديثٍ يطمأنها لذا تابعت هي تطمئنه بدلاً عنه وتربت على قلبه المتألم :
– بابا لو سمحت أنا كويسة وهيرجعني في أقرب وقت ، مش هياخد مني حق أو باطل ، أنا بنتك يا بابا ومش هسمحله يقربلي ، الموت عندي أهون ، اطمن إنت وماما .
حديثها لا يريحه بل يزيده ألماً ، يزيده عجزاً يصب فوق قلبه جبالاً من الهموم لذا تساءل بتأهب :
– إنت فين ياخديجة ، أوصفيلي المكان طيب ، أي حاجة تعرفي توصفيها وأنا بلغت البوليس وهجيبه .
نظرت أمامها فوجدت البحر ولا شيء سواه وحولها صخرةً كبيرةً حُفر فيها هذا المنزل لذا سقطت عبرتها عجزاً وقالت بحزن تجاهد لتخفيه :
– أنا مش عارفة أنا فين يا بابا ، المكان مالوش أي ملامح أقدر أحددها ، بحر وجبال بس .
اعتصر عيناه بقوة وقبض على كفه أمام ابنه مازن الذي يترقب أي خبرٍ أو معلومةٍ لذا تابعت خديجة بعدما طرأت لها فكرة :
– بلغ صقر يا بابا ، صقر هو الوحيد اللي ممكن يساعدك .
أجفلت تلتفت حينما وجدت يده تنزع منها الهاتف ويغلقه وهو يطالعها بضيق بعدما كان لا يبالي ، كان قريباً منها حد الالتصاق فابتعدت تقول له بحدة وعبراتها تتساقط نسبةً لقهر والدها ونبرته :
– ابعد عني وإياك تاني مرة تقرب مني كدة .
كانت عيناه داكنة بعدما سمعها تطلب منه اللجوء إلى صقر ، تريد أن تنجو منه بعدما أوقعته في شباكها بسحرها ؟ ، تريد أن تعود بعدما آسرته في جزيرة براءتها وعلى شاطيء عيناها اللامعة ؟
لم يُعِر تهديدها ذرة اهتمام وتقدم بخطوات مدروسة فأسبلت أهدابها مراتٍ عدة وسلبت أنفاسها وهي تبتعد للخلف وهو يتقدم متلذذاً بملامحها الخائفة حتى اصطدمت بالجدار الصخري فحاصرها بذراعيه التي ارتكزت حولها يبتعد عنها إنشاً فقط وقد انزاحت المنشفة من فوق جذعه لتسقط أرضاً وقال بنبرة جليدية متوعدة : ( بقلم آية العربي)
– إياكِ مرةً أخرى أن تستنجدي بأحدهم مني ، أنا لم أفعل كل ما فعلته إلا بعدما رأيت الحب في عينيك ، حبكِ لي كان بمثابة إشارة خضراء لي ، أنتِ تحبينني لا تجبريني على التصرف معكِ بطريقةٍ أكرهها ، لا صقر ولا والدكِ ولا الشرطة التي لجأ إليها ولا عشيرة من الچن يمكنها حمايتكِ مني إن حاولتِ ذلك ، أحبيني كما كنتِ خديجة ، فهمتِ ؟
ابتلعت ريقها بصعوبة بعدما جف حلقها تماماً وشحبت ملامحها بشكلٍ واضحٍ أمامه ولم تهتز حدقتيها بل سلطت عليه برهبة فقط كان مهيمناً على الوضع بطريقة كادت تحولها إلى سراب .
نعم تعترف أنها أحبته ويبدو أن هذا الحب سيكون ذنبها الذي لا يغتفر في حق نفسها ، يبدو أنها أحبت مجنون عشقٍ لا خلاص منه إلا بالموت .
جاهدت لتظهر قوتها المنعدمة وتحدثت وهي تحاول الالتصاق بتلك الصخرة قدر الإمكان كي لا تلتصق به قائلة بالإنجليزية وعيناها لا تفارق عينه وبنبرة يغلفها الخجل والخوف والرعشة :
– هل ما تفعله الآن حباً ، هل احتجازي عنوةً هنا حباً ، هل محاولة استحلال ما ليس حلالاً لك حباً ، إذا ما الكره بالنسبة لك ؟ ، لنقل أنني أحبك وأنت تحبني ، لمَ علي أن أحبك بطريقتك ؟ لمَ لا تحبني أنت بطريقتي ؟
أبعد كفيه عن الصخرة خاصةً عندما تجسد ذعرها أمامه الذي أجبره على التروي معها والتعامل بمقدار مع مشاعرها ثم تكتف يطالعها بترقب متسائلاً ببرود :
– وكيف هي طريقتكِ أيتها الأميرة ؟
استشفت نبرة السخرية في سؤاله ولكنها تابعت بتوترٍ ظهر في نبرتها وهي تجيبه بقدر ضئيل من الراحة بعدما ابتعد قليلاً :
– طريقتي بالزواج فقط ، بإرضاء ربي وعائلتي وأي طريقة غير ذلك لن تفلح معي .
بسط ذراعيه أمامها قائلاً باستفاضة ويسر :
– حسناً لنتزوج الآن .
نظرت له بذهول ثم هزت رأسها تردف بترقب وتوتر ملحوظ :
– أنت تحلم ، لا يمكننا الزواج هنا وبهذه الطريقة أبداً.
انتشلت تنهيدة قوية ثم تابعت بترجي عله يفلح معه :
– لنعود إلى عائلتي ثم سأقنع والدي ، حسناً ؟ أعدك بذلك ، سأقنعه ونتزوج ولكن لنعود ! .
كانت تترقب إجابته كأنها تنتظر قراراً مصيرياً ولكنه التفت يقهقه ساخراً ثم عاد يطالعها وعيناه تسافر على ملامحها بحبٍ قائلاً بنبرة يغلفها البرود :
– حبيبتي أتركي هذه الطريقة لطفلنا الذي سوف أنجبه منكِ ربما أقنعتيه بها ولكنني لستُ طفلاً ، أنتِ لا تعرفينني بعد ، أنا أجاهد لأتعامل معكِ بطريقة متحضرة لا تمت لعالمي بصلة .
زفرت بغيظ تطالعه بعيون مشتعلة تجاهد كي لا تتأثر بكلماته ثم تملكها الغضب ولم تستطع التنفيس عنه لذا التفتت تغادر وتركته وتركت لأنفاسها العنان بعدما سلبها توترها وخجلها منه لتصعد تلك الغرفة وتمكث بها وتفكر في حلٍ لهذا المأزق ولكنه أوقفها يقول بعلو قبل أن تختفي عنه :
– في الأعلى أطعمةً مختلفة أحضري لنا وجبتين منها سأنتظرك هنا لنأكل ونتحدث عن زفافنا .
كان يريد استفزازها وإثارة حنقها كي تعود وتوبخه ولكنها لم تعره اهتماماً فقط علمت أنها تتعامل مع مختلاً يدير الأمور لصالحه لذا صعدت واتجهت تجلس على الفراش وتتلحف بلحافها كأنها تحتمي به ، شاردةً أمامها تفكر كيف ستنجو منه وتعود لعائلتها بأقل الخسائر .
أما هو فعاد يغلق الهاتف ويتجه نحو المقاعد يجلس عليها بأريحية بعدما تعمد التقرب منها ورؤية خجلها وتوترها .
خجلها الذي يكاد يصيب قلبه بسكتةٍ قلبيةٍ مطالباً بها ، طاقته مضاعفة حينما تكون أمامه ولو تعلم كيف يتحكم في غريزته كي لا يندم بعدها لتبخرت خجلاً كالماء المغلي من أفكاره .
❈-❈-❈
كان حبيس غرفته بإرادته ، فلا يختلط بهم ولا حتى يريد رؤية وجوههم .
كل ما يفعله هو الجلوس أمام حاسوبه وكأن الحياة كلها تدور هنا .
يدون منشوراً بابتسامة منتصرة خاصةً بعد أن ازداد عدد المتابعين لصفحته التي استلمها خصيصاً لإثارة الشكوك لدى النفوس الضعيفة .
دوّن منشوراً وقام بنشره وهو يتذكر جيداً كلام ذاك الشخص له ، يجب أن يتحدث بالعلم لتكن حجته قوية ولا يشكك بها أحد ، لذا فها هو يرتدي ثوب المكر المزين بحكمة وهمية عبر منشور محتواه :
( جئنا الحياة كفرصة ، فرصة لن تعوض ، وجودنا هنا هو عبارة عن عملية فيزيائية بصدفة بحتة ، الكون كله عبارة عن انفجار عظيم جاء من العدم كصدفة ، وهذه الصدفة فرصة لن تعوض ، عش الحياة وخض التجارب واكتشف كل مافيها بنفسك ، احذر من وضع قوانين لحياتك واستغل فرصتك جيداً قبل أن تنفى ، استمتع فلا يحق لشيءٍ أن يتحكم بك أو يقيدك )
نشر المنشور وعلى ملامحه ابتسامة انتصار كأنه محارباً يدافع عن الحق ، لقد تعلم القليل عن كيفية التأثير على العقول وأولهم هو الابتعاد عن السب والسخرية في منشوراته .
ليتبع قانوناً أشد خبثاً وهو العزف على أوتار العقول ، هذا هو المراد ، يتحدث بطريقة علمية دون تعصب أو غضب لتتبعه عقولاً اكتفت بالهاتف في بحثها أو اتخذت من قسوة أهلها ذريعةً وسبباً واهياً كي تتحرر ، عقولاً يشوبها الكسل وتتبعت أفكاراً خبيثة دون بحثٍ أو استكشافٍ أو عناء .
ألا يستحق الأمر العناء ؟، ألا يستحق مصيرك أن تبحث وتقرأ وتتعلم وتفتح آفاقاً جديدة في دروبك ؟
ألا تستحق حياتك سعياً لتتأكد من الحقيقة بنفسك ، دع نشأتك جانباً واترك معاناتك في الزاوية واسعَ للبحث عن إثبات هويتك وتذكر أنك وحدك من ستواجه مصيرك ، تعقل .
بدأت التفاعلات تنهال عليه لتكن أغلبها من الداعمين لأفكاره والمبرمجين لنشر هذا الفكر .
تعليقات مؤيدة ومناصرة له وتعليقات تؤكد على حديثه بدلائل علمية واهية لا تقنع مؤمناً يقينه عظيم ولكنها تقنعه .
كان في حالة من النشوى ، فلأول مرة يشجعه أحد ، يهتم بأرائه أحد ، يؤيد أفكاره أحد ، إذا هو في الطريق الصحيح .
أحياناً يُكابد الإنسان لسنوات ، يضعف طاقته كل من حوله ويثبطون محاولاته للنهوض .
وحينما يوضع في اختبار يظن أنه فرصة ويتعلق بها كالعلقة ويشتد عليه فترسَل له الأهواء والشهوات ويسخر له الشيطان حبها وهنا فقط وعند تلك النقطة تظهر حقيقتك .
إما أن تكون محارباً عظيماً تنتصر لروحك من احتلال شيطاني غاشم
وإما أن تكون خائناً ملعوناً تخذل روحك وتسحقها بأقدام عدوك الأول والأخير .
وكلاهما اختيارك وأنت وحدك صانع القرار .
انشغل في الردود ليشعر بالتعالي ويظن أنه أصبح شخصاً مؤثراً ذو أهمية أخيراً .
ومن بين التعليقات ظهر تعليقاً من نفس الطبيب المسلم الذي لن ينساه والذي على ما يبدو يقف له ولأمثاله بالمرصاد فقد دون :
– ( أتعتقد أن الإنسان جاء صدفة ؟ جاء من العدم ؟
الجسد البشري يحتاج إلى كل أنواع الهندسة والإبداع الإلهي
فهو يحتاج إلى :
-هندسة إنشائية في بناء عظامه
-هندسة الميكانيك في بناء عضلاته
-هندسة الكهرباء في بناء أعصابه التي تمتد إلى كل جسمه كأسلاك الكهرباء .
-هندسة الحاسوب والاتصالات في بناء دماغه
-هندسة البرمجيات التي تؤمن عمل كل خلية فيه من خلال DNA في نواة خلاياه
-هندسة الاستشعار في بناء بصره وسمعه وإحساسه بالحرارة والضغط الخ
-هندسة الري في بناء قلبه و شرايينه
-هندسة لصرف في بناء أوردته وكليته وجهازه الهضمي
-هندسة الهيدروليك من خلال جريان الدم في الجسم
-هندسة الطاقة في بناء الميتاكوندريا في خلاياه وهي معامل إنتاج الطاقة في الجسم.
{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} )
هكذا ختم الطبيب تعليقه بالآية الكريمة ليتوقف طه أمامه عاجزاً يقرأهُ مراراً وتكراراً لثوانٍ ، وها هو يحاربه بالعلم الذي ظن أنه يفقه به ، لتتجعد ملامحه بضيق وكأن الشيطان تهيأ فوقها وسعى ليستحوذ على عقله قبل أن يتعمق في التعليق ، أراد أن يسبه ، يلعنه ودل على ذلك غليان دماءه وبروز عروقه .
ولكنه عاد يتذكر كلام ذاك الشخص بألا يتعامل مع مثل هذه التعليقات فلها مختصين غيره .
وما زاد غضبه واشتعال ملامحه وكأنها غُلفت بنسيجٍ متوهج أن تعليق هذا الطبيب حصد الكثير من الإعجابات في وقتٍ قليلٍ جداً .
ليتبعه تعليقاً آخراً قاذفاً بمنشوره عرض الحائط وهو يدوّن :
-( يقدر عمر الكون 13 مليار سنة ولم يستطع العلم أن يخلق إنساناً أو يعرف مصير الإنسان بعد الموت ولم يعرف من أين جاء الإنسان وكيف ولماذا وما الهدف فلا تقنع نفسك أن العلم يعرف كل شيء ، عقل الإنسان محدوداً لا تجعل العلماء مصدرك وخليفتك ، الإنسان لم يستطع أن يصل للأسئلة الفلسفية الوجودية ولا أنا ولا أنت نعرف علم الغيب فلا تحكم من عندك أننا جئنا بالصدفة هذه أمور أنت لا تملك لها دليلاً قاطعاً )
ها هو يعود ضئيلاً جداً أمام هذه الكلمات ، يعود لأصله كبالون تضخم بالهواء حتى ظن أنه آمناً ومع أول وخزة عاد لأصله وحجمه .
تملكه غضبٌ أعمى لذا أطبق على جهازه بعنف وأصبح يتنفس بصخب كأنه يمتلك مصنع أوكسجين خاص به، هذا الغضب الذي يغطي سماء آماله وأفكاره بغيمة من اليأس فيعود مجدداً لنقطة البداية ولكن الغضب هو وسيلته الجيدة حتى لا يهدأ ويفكر في حقيقة الأمور .
لتأتي شقيقته في تلك اللحظة وتقتحم غرفته دون استئذان وتطالعه بملامح مكفهرة بعدما عادت للتو هي ووالدها قائلة :
– بيقولك أبوك قوم كلمه بدل ما يجيلك هو .
كانت ملامحها متشفية كأنها سعيدة بما سيحصده من توبيخ خاصة وأنها حصلت لتوها على دعم مكثف من والدها بعدما فعلته بتلك المايا ولكنها لا تعلم أنها ألقت بعود كبريت مشتعل وسط بركة بنزين فهب واقفاً وجل ما استحوذ عليه هو التنفيس عن غضبه وها قد جاء كيس الرمل خاصته .
في خطوتين كان قد وصل إليها وبدون أن تعي جذبها من خصلاتها يلقيها أرضاً ليبدأ في رطمها بقدمه بضرباتٍ عنيفة ويقول بغل :
– لو دخلتي أوضتي مرة تانية هقطع نفسك ، إنتِ فـــــــــاهمة .
صرخ بها وهي أيضاً كانت تصرخ وتتلوى مستنجدة بوالدها الذي أسرع يطوي الأرض طياً حتى وصل إليه ودلف الغرفة ليجحظ مما يراه وهو يسرع لينتشل ابنته من بين براثن هذا الغاشم قائلاً :
– إنت اتجننت ، بتضربها وأنا موجود ؟ ، دانت ليلتك سودة .
أوقفها وأبعدها عنه حيث كانت مشعثة تبكي وتتوعد له وترميه بقذائف من السباب اللاذع الذي خرج منها دون وعي فتعجبت والدتها التي أتت لتوها تطالعهم بخيبة .
أما سمير فقد تقدم من ابنه الذي كان في أوج حالاته ورفع يده ليصفعه بغضب ولكن الآخر صدها مستحوذاً على يده بكفه يقبض عليها بقوة ويطالعه بعيون حمراء يتطاير منها الشر قائلاً بشر :
– جرب مرة تانية تحاول تمد إيدك عليا وانت هتشوف أنا هعمل فيك إيه ، أنا مبقتش طه ابنك اللي هيخاف منك من هنا ورايح لو ايدك اترفعت عليا هقطعهالك .
تدلى فك سمير بصدمة وهو يحول بنظراته بين وجه ابنه وبين يده المعلقة التي نفضها طه بعنف ارتد له سمير الذي وقف مصدوماً يلملم مكانته التي بعثرها ابنه .
رفع طه سبابته يطالعهم ويردف بتحذير قاطع وعيناه تجول بينهم :
– من هنا ورايح محدش في البيت ده ليه دعوة بيااا ، أنا قاعد هنا غصب عني ومن دلوقتي لحد ما أغور وأسافر محدش يخبط على أوضتي ولا ليه علاقة بيا نهائي ، إنتوا فاهمين .
تحدثت والدته معترضة تردف بنبرة مرتدية ثوب الضعف الذي اعتادت ارتداءه كأنها بدونه عارية :
– ايه اللي إنت بتقوله ده يا طه ؟ ، إحنا أهلك وده أبوك يابني مينفعش كدة .
طالعها بعيون مشتعلة وتحدث بغضبٍ مكبوت وتحذير شيطاني :
– إنتِ بالذات متتكلميش خاااالص ، إنتِ السبب في اللي إحنا فيه ؟ ، كملي بقى في حياتك زي ما انتِ ومالكيش دعوة بيا .
وقفت تبكي وتهز رأسها عله يرأف بها ولكنها قد فقدت هذا الحق منذ زمن لا هي لها حق الرأفة ولا هو يمتلك قلباً رحيماً .
أما سمير فقد التزم الصمت وبات يخشى بطش ابنه خاصة وأنه يرى الآن وجهاً مختلفاً أكثر قوة وغضباً غذاه هو بوجباته العنيفة القاسية العدوانية حتى امتلأ جوفه وبات في حالة من القوة والجمود .
تحرك نحو ابنته التي تبكي وتطالع شقيقها بغل ثم حثها على الخروج قائلاً بصدمة مازالت قائمة داخله :
– تعالوا نخرج دلوقتي ، سبوه ده اتجنن رسمي .
غادروا الغرفة وتركوه ينظر حوله بجنون ، لم يكتفِ بضربه لأخته بل يريد شيئاً أشد تأثيراً ليخرج جل غضبه به فلم يجد سوى المرآة حينما التفت ووجد هيأته الغاضبة فانحنى ينتشل كوباً به عدة أقلام سكبها أرضاً ورفع الكوب يقذفه في المرآة بغضب فسقطت متهشمة كفتاة أغشى عليها من أفعال هذا المختل الغاشم .
❈❈-❈-❈-❈-❈
في فيلا أسيا
تجلس مع نارة بعدما علمت منها بخطف خديجة تقول بانزعاجٍ واضح وصدمة :
– مجنون ده ولا إيه ؟ ، أكيد نسرين وبهجت حالتهم صعبة .
زفرت نارة بحزن نقش خطوطه على ملامحها وقالت وهي تمسد عقلها بكفها شاعرةً بصداعٍ يتصاعد :
– هو عارف كويس جداً إن حاجة زي دي هتأثر على خديجة وعمو بهجت وعليهم كلهم ، وحتى لو رجعها مش هيبقى مقبول عند عمو بهجت اللي حصل ، تخيلي لو مثلاً حد اتقدم لخديجة وعرف إنها كانت مخطوفة هيبقى الوضع عامل إزاي ! ، خالد فاهم النقطة دي كويس وبيلعب عليها ، فعلاً مش سهل أبداً .
زفرت آسيا تفكر في حديث ابنتها المحقة تماماً بالنسبة لوضع بهجت ثم عادت تطالعها وتساءلت بتريث :
– طيب وصقر يا نارو ؟ ، أكيد يعرف يوصله ولا إيه ؟
تحدثت بعقلٍ شاردٍ تُردد صدى كلمات صقر في عقلها :
– المشكلة إن الاتنين فاهمين على بعض جداً فصعب صقر يعرف يوصله لو هو مش عايز ، بس أكيد صقر هيحاول يوصل .
أومأت تردف بقلقٍ خدش قلبها :
– ربنا يستر .
تنهدت نارة ثم تذكرت أمر عائلتها التي تخفيه عن أسيا ولكن آن الآوان كي تخبرها لذا تحمحمت وطالعتها بتوتر ثم قررت البوح دون مراوغة قائلة :
– ماما كنت عايزة أتكلم معاكِ في موضوع مهم .
تنبهت أسيا لها فطالعتها بجبين مقتطب متسائلة :
– خير يا حبيبتي قولي .
تنهدت تستمد طاقتها ثم تعمقت في والدتها بتوترٍ ملحوظ وقالت وهي تفرك أصابعها بنبرة هادئة تحمل بين طياتها الكثير :
– أنا عرفت أهلي يا ماما ، أهل بابا الحقيقي .
تكونت غيمة من الدموع في عيني آسيا فوراً ما إن سمعتها كأنها عارضة تقف منتظرة لحظة ظهورها خلف الستار ولم تجد كلماتٍ تنطقها لذا ظلت تطالع نارة باستفهام وأسئلة صامتة فامتدت يد نارة تلقف يدها وتربت عليها بحنو قائلة بنبرة مؤثرة ومتأثرة بحالتها :
– ودي حاجة مستحيل تغير حقيقة إنك أمي ، أبداً .
انسحب قلب أسيا حتى سقط عند قدميها ثم أسبلت لتسقط دمعتيها على خديها ثم عادت تطالعها قائلة بصوتٍ مبحوحٍ وقلبٍ ممزقٍ مرتعب :
– بس والدك الحقيقي هو شفيق يا نارة ، هتنسي بابا شفيق ؟
تألمت نارة وغزل نسيج الحزن فوق ملامحها ونظرت لها تترجاها ألا تفعل وظهر ذلك في نبرتها وهي تقول باستنكار :
– إيه الكلام ده يا ماما ؟ ، مستحيل طبعاً ، إنتِ وبابا شفيق الله يرحمه أهلى وعيلتي وأماني وكل حاجة ليا في الدنيا .
زفرت تلتفت لتعاود استجماع طاقتها الضئيلة ثم عادت تطالعها وأضافت بتروٍ وهي تحتضن كفيها :
– أنا كان نفسي أعرف عيلتي الحقيقية علشان أفهم ليه سابوني وأنا صغيرة في ملجأ ، السؤال ده كان واجعني أوي يا ماما وكنت كتماه جوايا سنين ، ولما عرفت إن الأم والأب اللي أنا المفروض بنتهم عملوا حادثة واتوفوا برغم إن دي حاجة مؤلمة بس ريحت قلبي ، أنا بنت شرعية وأهل بابا هما اللي اتخلوا عني ، عايزة بس أعرف ليه اتخلوا عني ، مين عنده قلب أو معندوش قلب يقدر يعمل كدة ؟ ، عايزة أشوف الناس اللي المفروض چينياً أنا منهم ، أشوف شكلهم وحياتهم وطباعهم ، وأنا متأكدة إن مهما كانوا كويسين مستحيل كنت هبقى معاهم أفضل من حياتي دلوقتي ، ماما إنتِ عاملتيني كأني قطعة من روحك و….
التقفتها يد أسيا لتسحبها في حضنها قاطعة حبل كلامها وهي تقول بتأكيد حار وتعتصرها بقوة :
– إنتِ فعلاً قطعة من روحي يا نارة ، متكمليش لو سمحتِ ، كلامك بيعذبني أوي ، إنتِ بنتي البكرية ودنيتي وأول فرحتي يا نارة أوعي تقولي غير كدة مش هقبل ، مش هقبل أبداً .
رفعت نارة ذراعيها تطوق جسد والدتها وتعانقها بقوة كأنها بحاجة هذا العناق الدافيء مستكينة داخله تستمع إلى نبضات وكلمات أسيا التي سقطت كمرطبٍ على قلبها المشتعل وهي تتابع :
– كل ده كان جواكِ وكنتِ مخبياه عني يا نارة ، طول السنين دي وإنتِ عايشة مع الحقيقة وأنا معرفش ، ليه يا نارو مجتيش واتكلمتي معايا وقلتي كل اللي في قلبك ؟
تحشرجت نارة وابتعدت قليلاً تنتشل محرمة ورقية من عبوتها الموضوعة فوق الطاولة ثم جفتت دموعها ونظرت لأسيا تقول بصدق ودموع تعاود تقتحم جفنيها بدلاً عن الأخرى :
– عمري ما حسيت لحظة إني محتاجة أتكلم في الموضوع ده برغم رغبتي في معرفتهم ، بس الكلام في الموضوع ده معناه إني مش شبعانة حب أو حنان وده مش حقيقي يا ماما ، مش حقيقي أبداً .
ابتلعت أسيا ريقها وجففت دموعها هي الأخرى ثم حاولت التروي وتقبل كلمات صغيرتها بصدرٍ رحب كي لا تزيد من الضغط على مشاعرها لذا بعد ثوانٍ تعمقت في عينيها وتساءلت بهدوء :
– طيب ، قوليلي عرفتيهم إزاي ؟
تنهيدة عميقة خرجت من نارة ثم بدأت تخبرها بمَ حدث وكيف عثرت عليهم وعثروا عليها عن طريق صقر وعن مقابلتها لأميرة وزوجها وعن لقاءها لهم الذي من المفترض كان الليلة .
اتسعت عين أسيا تقول باستنكار :
– يعني إنت رايحة تقابليهم النهاردة ؟ ، معقول يا نارو ومخبية عني ؟ .
تحدثت بتريث وتعقل كعادتها :
– لاء مش مخبية عنك وكنت جاية علشان أقولك بس أنا عارفة حساسية الموضوع ده بالنسبالك علشان كدة محبتش أحكيلك من الأول واشغل بالك بيه ، كفاية عليكِ موضوع مايا ، ثم إني مش رايحة أقابلهم ، أجلنا اللقاء لما اطمن على خديجة ، مش هقدر أروح اقعد معاهم واتكلم وخديجة مخطوفة ، لما نشوف المجنون خالد ده ناوي على إيه ربنا يستر..
قالتها بعدما تحولت أفكارها لتعود إلي خديجة وحالتها لذا أومأت آسيا قائلة بقلق ملحوظٍ :
– طيب خدي بالك منهم كويس أوي ، أنا مطمنة علشان صقر هيكون معاكِ بس بصراحة لازم أقلق من العيلة دي ، متزعليش مني .
هزت رأسها تردف برفض وتأكيد معاً :
– لا طبعاً يا ماما أزعل منك إزاي ، انا كمان زيك بالضبط وحتى صقر مش مطمن من ناحيتهم بس هي مقابلة لازم منها بمَ أني عرفتهم ، وبعدين هما اللي طلبوا يشوفوني .
أومأت لها ونهضت تردف بحنو لتبدل دفة الحديث المزعج بالنسبة لها :
– طيب أنا هروح أعمل الغدا ونكلم صقر ييجي نتغدا سوا .
تحركت خطوتين ثم تنبهتا لمجيء مايا عن طريق صوت سيارتها التي يقودها عمر .
التفتت أسيا إلى نارة قائلة بحنوٍ وترجي :
– مايا جت يا نارو ، ممكن متقوللهاش على الموضوع ده ؟ .
أومأت نارة بابتسامة فهي أخفت عنها ما علمته عن مايا حتى لا ينتابها القلق لتقول مؤكدة :
– أكيد طبعاً يا ماما .
زفرت أسيا باطمئنان ثم تحركت نحو الباب تفتحه فوجدت أمامها مايا ويجاورها عمر فابتسمت قائلة :
– حمد الله على السلامة .
رد عمر عليها بينما دلفت مايا بملامح حزينة باكية ولكن لاحظت أسيا جرح شفتيها وكدمة رأسها فاتسعت عيناها تقول بلهفة وهي تلحقها وتتحس وجهها بحنو :
– مايا إيه اللي حصل ؟ ، مين اللي عمل فيكِ كدة ؟
نهضت نارة أيضاً تتجه إليهما لتراها بينما تحدث عمر بتروٍ كي لا يفزعها بعدما اتفق مع مايا :
– اهدي يا آسيا هانم مافيش حاجة مهي زي القردة أهي .
نظرت له مايا بحزن ممزوج بالغيظ بينما تعجبت آسيا من مزاحه الذي أكد لها عودة الأمور بينهما لطبيعتها ثم تساءلت وهي تنظر إلى عمر قائلة بنبرة متلهفة :
– إيه اللي حصل يا عمر ؟
تحدثت مايا تطرق رأسها وتتجه نحو الأريكة مع نارة وجلستا عليها ثم قائلة بهدوء :
– مافيش يا ماما أنا كويسة ، حصل مشكلة بيني وبين واحدة معايا في الكلية ، ضربنا بعض بس الموضوع اتحل .
قطبت أسيا جبينها بصدمة وفرغ فاهها وردت باستنكار :
– ضربتوا بعض ؟ ، من امتى وإنتِ بتتعاملي بالطريقة دي أصلاً ، وإزاي ده يحصل في الجامعة ؟
تحدث عمر بتروي مهيمناً على الموضوع :
– متقلقيش يا آسيا هانم الموضوع ده عندي ، بس دلوقتي في حاجة مهمة لازم أقولها .
تنبهن له جميعهن وقالت أسيا بترقب :
– خير يا عمر في إيه ؟ اتكلم .
نظر لمايا التي تطالعه بتوتر ثم لف نظره نحو نارة التي تسأله بعينيها ليرتكز بنظرته عند آسيا قائلاً بنبرة بدت ثابتة ولكنها مبطنة بالتوتر :
– أنا طالب إيد مايا .
اتسعت أعينهن وهن تناظرن بعضهن بينما شهقت مايا وتبخر حزنها لتعلو الدهشة على ملامحها ثم تحولت لسعادة وهي تطالعه بعيون لامعة بينما ابتسمت نارة توميء له داعمة أما آسيا فتفاجأت من طلبه بهذا الوقت وهذا الشكل ولكنها تنهدت قائلة بمشاكسة خاصةً بعدما لاحظت تبدل ملامح مايا :
– هو أنت كنت لسة مطلبتهاش ؟
ابتسم عمر وأطرق رأسه للحظات ثم عاد يطالعها قائلاً بنبرة هادئة رخيمة بعدما رفعت عنه أسيا التوتر :
– حضرتك عارفة إني بحبها ومقدرش أعيش من غيرها ، وأنا طالب إيدها على سنة الله ورسوله بس يارب ماتجننيش معاها .
ضحكت نارة بسعادة وقالت مؤكدة لتشاكس شقيقتها التي تنظر ببلاهة :
– لاء من الناحية دي اطمن يا عمر إنت هتتجنن هتتجنن .
التفتت تطالع مايا التي تطالعه بسعادة وحب وصمت كأنها في حالة هيام بينما تحدثت أسيا باستنكار ولطف وحنو :
– يعني ينفع تطلب إيد بنتي واحنا واقفين كدة ؟ ، ادخل يا عمر يالا أنا هروح أعمل الغدا وهنكلم صقر ييجي وتطلبها مننا رسمي بعد الغدا ، أنا لما بكون جعانة برفض أي طلب .
دلف نحو المقاعد يجلس مقابل مايا ويردف بنبرة مرحة تماثل نبرة أسيا التي رفعت عنه أي توتر قائلاً :
– لا وعلى إيه استنى بعد الغدا طبعاً .
جلس أمام مايا التي ما زالت تطالعه بصمت بينما أسرعت نارو تعانقها قائلة بحبٍ وغيثٍ من السعادة لها :
– ألف مبروك يا مايا .
بادلتها مايا العناق وعيناها لا تفارق عمر قائلة بهيام :
– الله يبارك فيكِ يا نارو .
ابتعدتا ثم نظر عمر لمايا يغمزها قائلاً بمشاكسة :
– مبسوطة ياستي عملتلك اللي إنتِ عايزاه أهو .
فرغت تطالعه بصدمة محببة إليه ثم قالت بتعجب :
– اللي أنا عايزاه ؟ ، بقى كدة يا عمر ؟
رسم على ملامحه الغرور وهو يضع ساقاً فوق الأخرى ويتابع أمامهما بنبرة سعيدة وملامح تظهر مافي قلبه بشفافية دون خبثٍ :
– أيوة تنكري إنك هتموتي عليا وكان نفسك اطلب إيدك من زمان وياما جريتي ورايا .
ابتسمت حتى ظهرت لآلأها بينما تحدثت نارة تؤكد على حديثه بمرح :
– أيوة وأنا شاهدة .
لكزتها مايا بخفة وتحدثت موبخة بسعادة غمرتها وأظهرت غمازتها :
– إنتِ معايا ولا معاه يا نارو ، ده هو اللي مقدرش يقاوم عيوني .
قالتها بتباهي فتحدث مصححاً وهو يعتدل في جلسته ويتكيء على ساعدته :
– قصدك جنونك مش عيونك .
تناولت وسادة خفيفة من جوارها وألقتها نحوه تعاقبه بطريقتها فالتقفها يدفعها مجدداً نحوها فارتطمت في وجهها وبعثرت خصلاتها قليلاً في جوٍ يشوبه المرح والسعادة قبل أن يرن هاتف نارة برقم صقر فتناولته تجيب ووقفت تتجه للبعيد قليلاً وتجيب متسائلة بحب :
– صقر ؟ ، عملت إيه يا حبيبي ، فيه جديد ؟
زفر صقر وقال بضيق :
– للأسف لسة ، بس بهجت كلمني وقال أن خديجة كلمته وقالتله إنهم في مكان عبارة عن بحر وصخور هي مش قادرة تحدده وبعدها الاتصال اتقطع .
تنهدت بعمق ثم قالت بعد ثوانٍ كأنها تفكر بصوتٍ عالي :
– طيب يمكن أخدها على المكان اللي أنا وأنت كنا فيه قبل كدة ؟
ابتسم صقر على تشتت زوجته وقال بهدوء :
– لا يا حبيبتي ، مستحيل هيفكر كدة ، ثم إن المكان ده كان شط وبحر مش صخور ، عامة أنا قريب جداً هعرف مكانه ، ألاقي بس السواق اللي كان معاه وقتها وهنوصله علطول .
أومأت تزفر ببعض الراحة ثم قالت بهدوء :
– تمام يا حبيبي ، خلص اللي وراك وتعالى علطول ماما بتجهز الغدا وهنستناك ، عمر هنا كمان ، فيه خبر حلو متتأخرش علشان تعرفه بنفسك .
تحدث متسائلاً بترقب :
– مايا كويسة ؟
التفتت تطالع شقيقتها التي تضحك مع عمر بسعادة ثم تحدثت بحبٍ :
– كويسة جداً ، يالا هستناك متتأخرش عليا .
بثباتٍ ورزانة ممزوجان بالحب قال :
– تمام يا حبيبتي ، مش هتأخر .
أغلقت معه واتجهت مجدداً تجاور مايا التي تتحدث مع عمر ولكنهما لاحظا شرودها فتساءل عمر بترقب :
– نارة ؟ حصل حاجة ؟
زفرت ونظرت إليهما ثم تحدثت باستفاضة :
– خالد خطف خديجة ؟
– إيـــــــــــه .
نطقاها سوياً وتجلت الدهشة على ملامحهما بينما نطق عمر منفرداً بعد صدمته :
– خطفها إزاي ؟ ، إيه الجنون ده ؟
هزت نارة كتفيها تردف بشرود :
– فعلا جنون ، عمو بهجت وطنط نسرين حالتهم صعبة ، الله يكون في عونهم .
تحدثت مايا تعبر عن وجهة نظرها :
– مهو عمو بهجت اللي غلطان يا نارو ،، خالد كان عايز يتجوزها وطلبها منه ، وبعدين ده أسلم علشانها ، كان لازم عمو بهجت يديله فرصة ، هو السبب .
تحدث عمر معترضاً بتعقل يقول :
– لاء طبعاً هو معذور جداً وأنا لو مكانه هعمل كدة ، متنسيش خالد كان إيه وجاي من عالم شكله إيه ؟
دار حواراً معارضاً بينهما استمعت له آسيا في الداخل ونارة بينما أجابته مايا باقتناع :
– طب لو أنت مكان خالد هتعمل إيه ؟ ، وبعدين حتى لو ماضيه سيء هو بيحاول علشانها ، وعندك صقر أهو مثال حي ، تنكر إن صقر بيحب نارة جداً ؟
زفر عمر يردف بهدوء وبعض التفهم :
– لا مانكرش ده طبعاً بس صقر غير خالد ، وأنا لو مكان خالد بالنسبالي كـ عمر أكيد مش هخطفها وأرعبها وأوجع قلب أهلها كدة ، الحب مش كدة .
تكتفت تقول بعناد :
– لاء الحب كدة ، بالنسبالي الحب مغامرة ومخاطرة وشغف يا إما ميبقاش حب ولا يمكن يتحدى أي قوة تواجهه .
طالعها بعمق وشرد قليلاً ، ربما هي محقة ولكنها تعبر عن أفكارها بطريقة خاطئة لذا قال بهدوءٍ ويقين :
– في النقطة دي أنا معاكِ ، بس لازم أهم حاجة يكون تحت حدود ربنا أولاً ، الحب بيقوى بالتصرف الصح ، والصح بيقول إن تصرف خالد غلط ، والنتيجة في النهاية مش هتكون في صالحه .
نظرت له بتمعن ثم تحولت نظرتها لإعجاب ثم لحب ثم قالت بحالمية ودلال لتغير دفة الحديث مترقبة :
– طب لو أنا مثلاً عايشة في برج عالي زي روبانزل وفي ساحرة شريرة حبساني مش هتيجي تنقذني وتخطفني على حصانك الأبيض ؟
كتمت نارة ضحكتها بكفها وهي تتفحص ملامح عمر المصدوم يتخيل شرحها بعيون ضيقة ثم تحمحم يتعمق في عينيها قائلاً بجدية مزيفة :
– مش هينفع يا مايا ، أول حاجة شعرك أد كدة يادوب يوصل لأخر الشباك ، ثم إني خايف أصحى في يوم ألاقيكي إنتِ اللي خطفاني .
اغتاظت بشدة وعادت تقذفه بالوسادة التي مرت من جواره بعدما انحنى قليلاً وهو يقهقه هو ونارة على ملامحها المنزعجة بغيظ وتوعد له .
❈-❈-❈
دلف بهجت منزله ناكساً رأسه يخطو بجوار ابنه بقهرٍ وعجز بعدما ضاقت سبله ، بات يبحث في الطرقات كابن سبيل لا يعلم أي باب يطرق . (بقلم آية العربي )
اقتربت منه نسرين متسائلة بقلبٍ منفطر ودموعٍ لم تتوقف قائلة بعدما أخبرها مازن عبر الهاتف بمَ حدث معهم :
– هنعمل إيه يا بهجت ؟ ، هنسيب خديجة ؟
هي الآن لا تستطع تخفيف أعبائه هي تريد من ينزع هذا الثقل من فوق صدرها ويعلم ذلك جيدإ لذا مد يده يربت على ظهرها بحزن واتجه بها نحو الأريكة يجلسان ثم قال بيقين :
– هترجع ، هترجع بإذن الله ، أنا السبب .
قالها وهو على وشك البكاء لتستبدل نسرين مكانه في المواساة وهي تمسد على ظهره قائلة بلطفٍ :
– لا يا بهجت ، إنت كنت بتحميها منه .
اعتصر عيناه وتحدث بنبرة عاجزة :
– ماعرفتش ، ماعرفتش أحميها منه يا نسرين ، جه أخدها من وسطنا كلنا ولا حد حس بيه ، كان لازم أفضل صاحي طول ما هي نايمة ، مكنش ينفع أنام وارتاح والبني أدم ده موجود حوالينا .
تعجبت من كم اللوم والهموم الذي يحملها على عاتقه وقالت من بين حزنها وحسرة قلبها المكلوم :
– متحملش نفسك فوق طاقتك يا بهجت ، إنت ماقصرتش في حقنا .
هز رأسه مستنكراً وعم الصمت لثوانٍ لتعاود نسرين قطعه قائلة بريبة وترقب بعد تفكير أرهق ذهنها وزاد من ملئ خزان حزنها :
– وافق يا بهجت ، وافق على جوازهم ، اوصله بأي طريقة وبلغه أنك موافق على جوازهم بس يرجعها ، حاول معاه مرة واتنين وتلاتة بس يرجعها ، يمكن عمل كدة علشان يضغط عليك ، يمكن مايئذيهاش .
اتسعت عيناه وهو يلتفت لها فأومأت مؤكدة تتابع بقلبٍ منفطر مهموم وأنفاساً مسلوبة تسحبها غصباً :
– أهم حاجة عندي بنتي ترجع لي سليمة ، إحنا دخلنا معاه في دايرة مقفولة يا بهجت ، مهما هنلف مش هنخرج منها ، يا إما بنتي تموت أو هو يموت يا إما يتجوزها ، وأنا لازم أدور على الوجع الأهون على قلبي يا بهجت )
ترددت كلماتها على عقله ، عقله الذي كان رافضاً لسماع أصواته الداخلية التي تخبره بنفس حديث زوجته ، الآن هي تلقيه على مسامعه لتجبر عقله المشتت العاجز على التفكير به ، يناظرها بذهولٍ وعجز ويهز رأسه رافضاً هذا الواقع المؤلم لذا قال متأملاً :
– فيه حل يا نسرين ، يتسجن وميطلعش برا السجن أبداً ، فيه حل إني أقتله وهكون بدافع عن عيلتي .
هزت رأسها تردف بنبرة واقعية مؤلمة :
– بنتك معاه يا بهجت ، بنتك معاه في مكان محدش يعرفه ، هو رتب لكل حاجة ودلوقتي مافيش قدامنا غير رحمة ربنا وإننا نفكر في حل يطلعنا من المحنة دي بأقل خسارة .
عاد القهر يجاوره وعاد يبكي بقلبٍ ممزقٍ وحديث زوجته يتردد على ذهنه يزيد من عجزه .
بعد ثوانٍ من الصمت مجدداً تحدث بوهن وحزن :
– ونعم بالله العلي العظيم ، هلاقي حل وارجعها يا نسرين ، هرجع بنتي صاغ سليم .
هكذا يحاول إقناع عقله الذي يبث الشيطان سمومه الخبيثة فيه ولكنه يؤمن بأن الله يختبره ولن ينصر هذا الخالد عليه .
❈-❈-❈
جالسة على مكتبٍ في غرفةٍ متطرفة في فيلتها تدون خواطرها في دفترٍ شهد على دموعها قبل أم تشهد أحرفها على آلامها .
تخط حروفاً خرجت من أعماق قلبها ، خواطر نسجت من علاقات مشوهة وحياة مؤلمة وقسوة قلوب لا تحتمل .
تكتب كل ما يجول في خاطرها ، كل ما تحب أن تعيشه .
أحلامها وأمنياتها ومستقبلها ، زاد شغفها وتنفست بقوة تقلب صفحاتها لتنتابها فكرةٍ ما وتستولى على عقلها .
لمَ لا تكتب قصتها ؟ ولكن بنهاية سعيدة كما تأمل ؟
وها هي الفكرة تتجسد أمامها حينما نهضت تلتقط من أدراج المكتبة دفتراً آخراً تخصصه لكتابة قصتها .
فتحته وبدأت تخط بالقلم أولى أهدافها .
هنا تسكن آلامي وآمالي ، هذه مملكتي وقلعتي التي سأحتمي بها دوماً من قذائف كلماتهم المدمرة لروحي ومن نيران نظراتهم الحارقة لفؤادي ومن آثار قسوتهم الموشومة على جسدي .
سأكتب في صفحاتي واحدة تلو الأخرى ولن أعود لصفحةٍ سابقةٍ ما حييت ، سأكتب ولن أقرأ ما كتبته أبداً بل سأقرأ قصصاً عن الأمل والتفاؤل والحياة .
سأجد فرصة لأحيا حتى لو مرورها يشبه سم الخياط سأمر ولن ألتفت أبداً .
الخضوع بالنسبة لي هو سجدة أشكو فيها عناء قلبي لخالقي فقط .
كان قلمها يتحرك مدوناً أحرفه التي امتزجت مع دموعها فأنتجت بقعاً زرقاء ستجف ولكنها لن تزول أبداً .
مر الوقت وهي تكتب عن طفولتها حتى وصلت إلى مراهقتها وهنا توقفت .
رفعت وجهها تتأكد مما سمعته فتأكدت حينما أصدر زوجها صوتاً بسيارته يعلن عن وصوله ، أغلقت دفترها وتنفست بقوة كبيرة تستجمع كامل طاقتها لتستقبله استقبالاً مختلفاً .
❈-❈-❈
أسدل الليل ستائره في ذلك المكان الطبيعي الرائع .
سكون تام هنا وأضواء المنزل هادئة تتناسب مع ضوء القمر الذي ينير السماء ويعطي شعاعاً مسلطاً فوق مياة البحر في شكلٍ بدى كلوحةٍ طبيعية بيد خالقٍ عظيم .
داخل تلك الغرفة وتحديداً على سريرها تنام هي متمددة داخل لحافها الذي رافقها في تلك الرحلة وهذا قليلاً من حسن حظها .
لا تعلم كيف غفت بعد تفكيرٍ طويلٍ أرهق ذهنها وأرادت الهرب بعقلها طالما لا تستطيع الهرب بجسدها لذا تمددت تدثر نفسها جيداً بالغطاء وتنام علّ النوم يأخذها ويعيدها إلى منزلها .
رفرفت أهدابها بعدما أيقظها الجوع الذي يصرخ في معدتها ، لحظاتٍ فقط حتى انتفضت فزعة تبتعد دون انتباه منها لتسقط أرضاً متألمة حينما وجدته يتمدد جوارها نائماً بعمق .
صدر منها تأوهاً جعله يجفل ناظراً نحوها ثم إتكأ قليلاً يراها فوجدها تدلك الجزء الخلفي من جسدها والذي سقطت عليه فضحك عليها وانحنى يمد لها يده قائلاً ببرود يوازي حرارة جليد روسيا قائلاً :
– هل آلمتكِ ؟ ، أعطني يدكِ .
سحبت جسدها للخلف مبتعده عنه ترمقه بنظراتٍ غاضبة فزفر وارتفع يجلس على الفراش ويمسد وجهه مراراً بكفيه ليستفيق ثم عاد يطالعها وهو يستند لتقف بعدها تنظر حولها بضيق حتى استقرت عليه وهو يغمزها ويبتسم قائلاً :
– اهدئي خديجة إن أردت فعل شيء لفعلته ، أنا أحبكِ بطريقتكِ كما طلبتِ ، إلى الآن .
قالها بغمزة فنظرت له بضيقٍ جلي وتحدثت بنبرة شرسة محذرة بسبابتها :
– لو قربت مني تاني أنا ــــــــــ
– ماذا ستفعلين ؟
نطقها صارخاً يقاطعها فأجفلت وكادت تبكي من عجزها فزفر وترجل يخطو مقترباً منها فباتت تحذره بعينيها تحذيرات كانت كنسمات هواء تنعشه حتى توقف أمامها يبتسم وهو ينحني عليها قائلاً بنبرة صارمة برغم تدفق مشاعره المتفاقم :
– ماذا ستفعلين إن امتدت يداي وتحسست خصلاتكِ هذه التي تخفيها عني ؟ ، ماذا ستفعلين إن تلمست أصابعي ملامحكِ ، ماذا ستفعلين إن لامست شفتاي خاصتكِ في قبلةٍ عميقةٍ مستكشفاً بها رحيق هاتين الشفتين المكتنزتين ؟ ، ماذا ستفعلين ؟
تبخرت صرامته ونطق الأخيرة بهمس بعدما صور له عقله ما يتفوه به وأغمض عيناه مقترباً منها لينفذ تهديده تحت أنظارها الجاحظة وجسدها المتحجر الذي لا تعرف ماذا أصابهه وأي القوةٍ تلك هاجمته فجأة لتتحرك يداها للأعلى حيث وجهه وتسقط عليه في صفعةٍ قوية جعلته يتجمد كأنه أصبح تمثالاً حجرياً .
ابتعدت تركض من أمامه قبل أن يستوعب لتصل إلى الجهة الأخرى من الغرفة وتردف صارخةٍ به بتهديدٍ عنيف برغم ارتعاشة قلبها وخوفها من ردة فعله :
– هعمل كدة ومش هسمحلك تقرب مني مرة تانية ، إنت فاااااهم .
فتح عيناه اللتان تحوّل لونهما تماماً لتصبحا أشد قتامة وابتسم ابتسامة ثعلبية دون أن يلتفت لها يطالعها ، امتدت يده تتحس صفعتها التي سقطت على صدغه أخرجته من بركان مشاعره .
ثوانٍ من الصمت الذي عم الغرفة إلا من نبضات قلبها التي تجزم أنها تسمعها تركض كأنها تود الهرب منها وتركها تواجه هذا الوحش الذي بدأ يلتفت بخطواتٍ ممنهجةٍ يطالعها بنفس ابتسامته ونظرته قائلاً :
– أخطأتِ خديجة .

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية هواها محرم)

اترك رد

error: Content is protected !!