روايات

رواية ضبط وإحضار الفصل الأول 1 بقلم منال سالم

رواية ضبط وإحضار الفصل الأول 1 بقلم منال سالم

رواية ضبط وإحضار البارت الأول

رواية ضبط وإحضار الجزء الأول

ضبط وإحضار
ضبط وإحضار

رواية ضبط وإحضار الحلقة الأولى

بخطواتٍ متخاذلة محبطة، خرجت من البوابة الزجاجية لإحدى الشركات الحديثة وهي تحمل في يدها مغلف بلاستيكي يحوي أوراق سيرتها الذاتية، بحثت عن أقرب صندوقٍ للقمامة، وألقته بداخله، فلا جدوى من البحث عن وظيفة شاغرة وهي لا تضم بطاقة التوصية أو لها صلة بذوي الوساطة، ساعتها فقط ستفتح الأبواب الموصدة، ويمهد الطريق لها للحصول على وظيفة مرموقة ومناسبة، وإن كانت لا تملك من المؤهلات الدراسية إلا المحدود.
أخرجت “بهاء” زفرة طويلة معبأة بموجاتٍ من اليأس والضيق وهي تنعت حظها العثر الذي ما زال يُعاندها، إنها المرة العاشرة التي تتلقى فيها ردًا بالرفض المباشر خلال شهر واحد، رغم سعيها الدؤوب لإثبات كفاءتها في وظائف شبه متواضعة لا تليق مع ما جمعته من شهادات علمية وأدبية. رفعت رأسها للأعلى، وراحت تخبر نفسها في شيءٍ من العزم:
-الظاهر لازم أكمل طريق الدراسة، هو ده الوحيد اللي مفتوح قصادي.
شتتها عن الغوص في أفكارها التعيسة رنين هاتفها المحمول، نظرت إلى اسم المتصل، فوجدته عمها “سليمان”، توقفت في مكانها متسائلة في تخبطٍ:
-طب أرد أقوله إيه؟ اطردت قبل ما اشتغل!
عاودت السير مجددًا قائلة بعد حسم أمرها:
-مافيش داعي أكلمه دلوقت، هيزعل لما يعرف، وأنا مش حباه يشيل همي أكتر من كده.
تركت هاتفها يرن حتى انقطع الاتصــال، وتلفتت حولها يمينًا ويسارًا لتحدد أين ستتجه بعدئذ. لفت ناظريها صاحبة الوجه المألوف، تلك التي ترتكن بظهرها على إحدى سيارات الدفع الرباعي، دققت النظر فيها وهي تتساءل:
-هي دي مش “ميرا”؟
وجدت أحدهم يقترب من رفيقتها وهو يحمل باقة من الورد في يده، لم تستطع رؤيته بوضوح لكونه يوليها ظهره؛ لكنها تابعت من موضعها ما يحدث بينهما من انجذاب وانسجام، اتسعت عيناها في غير تصديق، بل إنها بالكاد كتمت شهقة فاضحة، عندما تفاجأت به ينحني ليحملها بين ذراعيه بعدما أخذت منه الباقة، وكأنه يدلل أميرته المفضلة إليه، خجلت من تقاربهما الحميمي الزائد، وخفضت بصرها بسرعة، لتقول وهي تستعد للتحرك في الاتجاه العكسي:
-معقولة دي بيحصل عيني عينك كده ..
تنهدت بتعجلٍ، وأكملت حديث نفسها:
-يا رب يطلع بس الموضوع بجد، وتتخطب…
بدت وكأنها تحلق في سماء الأحلام الوردية الزاهية، لتضيف بتلهفٍ:
-ساعتها هتكسر لعنة العزوبية اللي مسيطرة على شلتنا دي.
شعَّ وجهها بالمزيد من الحماس وهي تتخيل تطور علاقة رفيقتها لتصل إلى الزواج، فيزور الحظ السعيد باقي صديقاتها تباعًا ويرتبطن واحدة تلو الأخرى. عقدت آمالها وأمنياتها الحالمة على مشهدٍ عابر، ربما تراه في الأفلام فقط؛ لكنه كان حقيقيًا وواقعًا، وشهدته بغير قصدٍ، فأبهجها وجعلها ترغب في الحصول على من يدللها كالأميرات، ويعشقها بجنون.
……………………………………….
حالتها المزاجية الرائقة استحثتها على تمضية سهرتها في مشاهدة الأفلام الرومانسية على حاسوبها المحمول، ومعايشة لحظات مفعمة بالشوق والمشاعر المرهفة، لهذا أعدت العدة لذلك، وجلست باسترخاء على فراشها، ثم بيدٍ أمسكت بالمشروب، وبالأخرى قطعة من البيتزا، انتفضت في عينيها فراشات الحب حينما غازل البطل محبوبته بطريقته المخضرمة، لم تشعر بالابتسامة المشرقة التي بقيت تتراقص على ثغرها مع كل مشهد يعزز من تعميق المشاعر بين البطلين. فجأة انفلتت منها صرخة مستنكرة عندما انقطع التيار الكهربي، وتجمدت الشاشة للحظاتٍ قبل أن تنفصل نهائيًا لكون جهازها لا يعمل بالبطارية المشحونة. نفخت عاليًا وأخذت تدمدم في استياءٍ:
-هي كانت ناقصة الكهربا تقطع؟!!
تركت كوب المشروب، وما تبقى من قطعة البيتزا في الصينية المجاورة لها، وسحبت منديلًا نظيفًا لتمسح البقايا من يديها وهي لا تزال تشكو:
-حتى الحب الوهمي مش عارفين نعيشه!
أدارت رأسها نحو هاتفها المحمول المتروك على جانب الفراش الأيسر عندما صدح رنينه مبددًا السكون، استطالت ذراعها لتلتقطه، وأجابت عليه فور أن رأت صورة رفيقتها تحتل شاشته:
-أيوه يا “بسنت”.
سألتها رفيقتها في صوت يبدو للوهلة الأولى باكيًا:
-إنتي صاحية؟
في شيء من الاستغراب المستهزئ أجابتها:
-أومال هرد عليكي إزاي؟
اندفعت تقول دون مقدماتٍ تمهيدية أجبرت “بهاء” على تحفيز كافة حواسها واستنفارها دفعة واحدة:
-طب في مشكلة كبيرة حصلت، واحنا عايزينك معانا فيها!
…………………………………………..
على هذا الفراش الناعم –متوسط الحجم- جلست الشابات الأربعة في حالة جمعت ما بين التحفز والضيق، يواسين صديقتهن الخامسة، تلك التي تبكي بحرقة على ما وصفته بخيانةٍ عظمى لا تغتفر، من قِبل من اعتبرته حب حياتها اليافع. استلت “ميرا” المخدوعة منديلًا ورقيًا نظيفًا آخرًا من العلبة التي أفرغت ما يقرب من نصفها، لتمسح أنفها الرطب، وأكملت شكواها المريرة:
-أنا مجرد رقم في القايمة بتاعته، واحدة بيتسلى بيها، لحد ما يشوف غيرها تلفت نظره وتغريه، وبعد كده أترمى في الزبالة.
فداحة مشكلتها معه، لا تكمن في كونها قد أفرطت في التعلق به، بل لأنها وضعت كامل ثقتها بشخصٍ أجاد استغلالها من كافة النواحي العاطفية والوجدانية، فجاءت الصدمة قاسية وموجعةً لها بشدة. تكلمت “بسنت” في غيظٍ وهي تشير بيدها:
-لازم ننتقم منه، ما ينفعش نسكتله.
لحظتها التفتت “بهاء” صاحبة الملامح الجادة، والنظرات الحادة نحوها لتخبرها في عزمٍ:
-أومال أنا بقول إيه من الصبح، ده لازم يتربى!
اتفقن جميعًا ضمنيًا على إبداء الطاعة، والقبول بما تفوه به “بهاء”، فهي الصديقة الشجاعة المقدامة، التي لا تخشى في الحق لومة لائم، ولا تهاب من يفوقها قوة وتسلطًا. تساءلت صديقتهن الرابعة باهتمامٍ، وأعين الجميع مرتكزة عليها تحديدًا:
-قولي يا “بهاء”، بتفكري في إيه؟
استرخت أكثر في جلستها رغم انتصاب كتفيها، وتحدثت بابتسامةٍ ماكرة تشكلت على زاوية فمها:
-شوفوا أنا حطيت خطة بسيطة، بس هتطلع من نافوخه.
انعكس على ملامحهن المزيد من الاهتمام، فواصلت إخبارهن بحماسٍ:
-هخليه يتفضح قصاد الكل، ويبقى عِبرة.
قمن بتأييدها جميعًا، حيث كانت “بسنت” الأسبق في تشجيعها:
-واحنا معاكي فيها، مش هنسيبك.
استدارت “بهاء” ناظرة مجددًا إلى رفيقتها بنظرة صارمة، تطل من حدقتيها العسليتين، واشترطت عليها بشيءٍ من التشديد:
-بس مافيش رجوع يا “ميرا”، مش زي اللي قبله!
أكدت لها وهي تجفف دموعها بمنديلٍ آخر:
-لأ خلاص، أنا اتعلمت الدرس، قلبي مش هسلم مفتاحه لأي حد يضحك عليا بكلمتين حب والسلام.
رفعت “بهاء” يدها لتخلل أصابعها في شعرها المحلول لتسوي ما تناثر من خصلاته، واستطردت قائلة، بينما نظرتها قد راحت تشرد في الفراغ:
-أتمنى ده.
……………………………………..
مساعدته غير المباشرة، عن طريق الاستعانة به لاقتراض سيارته الفارهة –وإن كانت بحس نية منه- من أجل خداع الفتيات المهووسات بالبحث عن الشريك المثالي، صاحب الجاه والسلطة والمال، بين أروقة النوادي والمراكز الرياضية الفاخرة، وإيهامهن بالحب جعلته يشعر بالاستياء العميق، والنفور من الوضع برمته، فطبيعته مغايرة تمامًا لما يبدو عليه رفيقه اللعوب، ذاك الذي يعرف جيدًا التلاعب بالكلمات، والغوص في المشاعر الحسية المرهفة للأنثى، من أجل بلوغ هدفه، وعيش بضعة أسابيع في حضن إحداهن، يتمتع خلالها بما تمنحه له من سعادة وسرور، حتى يمل منها ويذهب اهتمامه بها، لينتقل إلى أخرى تعيد إحياء الرغبة بداخله. هذه المرة تحديدًا رفض “عمر” معاونته على استدراج سذاجة فتاة جديدة حديثة العهد بالإيمان بوجود الحب النقي، وتمسك برفضه الصارم.
وردته مكالمة هاتفية من والدته، فأجاب عليها باسمًا:
-ست الحبايب، خير؟ مش بعوايدك تتصلي بيا الميعاد ده.
أخبرته السيدة “نهيرة” في صوت هادئ:
-بفكرك إن أخوك جاي مع مراته وعياله، حاول تظبط أمورك علشان تبقى فاضي، وتقضي الكام يوم دول معاهم.
قال بعد زفرة سريعة:
-حاضر، هشوف الدنيا إيه.
أنهى معها المكالمة ليجد رفيقه “أنس” مقبلَا عليه، فتح باب السيارة، وجلس مجاورًا له، ليبدأ في الثرثرة بتفاخرٍ عما قام به بلا عناءٍ للظفر بمحبة شابة جديدة. نتيجة لذلك تبدلت تعابير وجه “عمر”، وأصبح واجمًا للغاية، رفض بطبيعة الحال التجاوب معه، ومع ذلك ظل “أنس” يلح عليه لإقناعه، فأخبره في حزمٍ:
-لأ، مش هيحصل تاني.
نظر إليه الأخير متعجبًا من موقفه الغريب، وهتف مذهولًا:
-ليه كده؟
رغم أن صداقتهما لا تزال قائمة بعد جم المشاكل التي يتعرض لها جراء جرائره، إلا أنه أبقى على موقفه الحاسم، فأخبره وهو يرفع نظارته القاتمة أعلى رأسه:
-المفروض احنا ناس مسئولة، بنعلم غيرنا الالتزام وحماية الوطن، نقوم نكون احنا العكس.
كان يعلم “أنس” بمدى اهتمام رفيقه بمكانته التي وصل إليها بعدما تخرج من كلية الدفاع الوطني، ليصبح أحد أهم القائمين على تدريب وإعداد قادة المستقبل من القيادات العسكرية والمدنية رغم صغر سنه، إلا أن ذكائه الحاد وكفاءته المشهود بها عند الجميع خولاه ليتقلد ذلك المنصب في فترة وجيزة بالمقارنة مع أقرانه. حاول رفيقه انتهاز فرصته معه مستغلًا طيبته، وتقبله المسبق للوضع، فألح عليه:
-يعني يرضيك أطلع قصاد المزة الجديدة أي كلام؟
سأله في نوعٍ من التهكم:
-ولما تلبس في حيطة؟
بغير مبالاة رد:
-يا سيدي هلبس لواحدي، مش هجرك معايا.
صمت ولم يقل شيئًا، فواظب ضغطه عليه:
-ماشي يا “عمر” باشا؟ هتديني عربيتك؟
أراح مرفقه البارز من كم قميصه الأبيض المثني على مسند النافذة الزجاجية الملاصقة لجانبه من السيارة قائلًا بهدوء:
-والله لو فضلت كده للصبح، أنا عند رأيي.
على مضضٍ تحدث إليه، وقد انعكس التبرم على كامل محياه:
-إنت هتضطرني كده أروح لـ “أمير”، وهو ما هيصدق يشاركني في حتت اللقمة الطرية.
بنفس الأسلوب غير المكترث علق عليه:
-إنتو أحرار مع بعض، طلعوني برا حواراتكم دي.
ترجل “أنس” من السيارة هاتفًا بتعصبٍ طفيف قبل أن يصفق الباب:
-براحتك.
تابعه “عمر” ببرود واضح وهو يختفي عن مرمى بصره، ليظل قابعًا في مكانه الذي اختاره لصف سيارته بالنادي الرياضي، منتظرًا مجيء رفيقه الآخر لإيصاله إلى منزله في طريق عودته.
…………………………………………..
من مسافة لا تبدو بعيدة عنه، اختبأت الشابتان في سيارتهما المركونة في الجهة المقابلة، حاولت “بسنت”، من زاويتها، وبنظرتها المتمعنة المدققة اختراق الزجاج الداكن لرؤية الجالس خلف المقود، لم تستطع تبين ملامحه، أو رؤيته بوضوح، فنفخت في سأمٍ، وتوجهت بسؤالها إلى رفيقتها المجاورة لها:
-إنتي متأكدة إنه هو ده؟
أمعنت “بهاء” النظر هي الأخرى في سيارة الجيب، وقالت مؤكدة:
-أيوه، هي نفس العربية، أنا شوفتها قبل كده.
برغم من تأكيداتها الواثقة إلا أن الشكوك ما زالت تساور “بسنت”، فتساءلت بتوترٍ ملحوظٍ في صوتها:
-بس إنتي شوفتي اللي كان مع “ميرا” قبل كده؟
سكتت لهنيهة قبل أن يأتي جوابها منطقيًا:
-الصراحة لأ، بس ماظنش إنه هيكون حد غيره، وخصوصًا إن النادي ده مش بيدخل أي حد من برا غير بكارنيه العضوية حتى لو كان مرافق.
في التو اقترحت عليها رفيقتها وهي ترمش بعينيها:
-طب ما نصوره، ونبعت صورته لـ “ميرا”، ونتأكد منها إن كان هو ولا لأ.
مرة ثانية حاولت “بهاء” تبين ملامح ذلك الشاب، وقالت وهي تشرأب بعنقها للأعلى قليلًا لتعطي نفسها أكبر مساحة لرؤيته:
-مش باين من الإزاز.
من جديد تساءلت “بسنت” بتحيرٍ:
-والعمل؟
بعد لحظة من التفكير هتفت رفيقتها بعزمٍ وهي تشير بيدها:
-احنا نخش عليه بخطة الهجوم مرة واحدة، وتيجي زي ما تيجي.
تلقائيًا انعكس القلق على قسمات وجه الأولى، فأخبرتها بمخاوفها:
-أنا مش مرتاحة يا “بهاء”، لأحسن يطلع حد تاني، ونقع في مشكلة كبيرة…
وقبل أن تبدي الأخيرة اعتراضها، واصلت “بسنت” كلامها عاقدة عزمها:
-بصي أنا هكلم “ميرا”، واتأكد منها.
تنهدت مليًا لترد عليها بعدها بلا جدالٍ:
-ماشي.
بعدما ضغطت “بسنت” على زر الاتصــال برفيقتهما، ألصقت الهاتف بأذنها، لتجد هذه الرسالة المسجلة التي تفيد بعدم تمكنها من الوصول إلى المتصل، فامتعضت تعبيرات وجهها مرددة:
-تليفونها مقفول.
علقت الجالسة بجوارها في تبرمٍ منزعج:
-وده وقته!
في صوت حائر، مصحوبٍ بنفس النظرات سألتها “بسنت” وهي تضع الهاتف بداخل حقيبة يدها:
-طب إيه العمل؟
تحفزت “بهاء” في جلستها، وأخبرتها بلا ترددٍ، وكأنها تُلقي بهواجسها وراء ظهرها:
-الفرصة هتضيع مننا، لازم نتحرك دلوقتي.
ببطءٍ قليل ابتلعت ريقها هاتفة:
-ربنا يستر.
ردت عليها بثقةٍ غير مشكوكٍ فيها:
-متخافيش، أنا اللي هكون في وش المدفع.
لوت ثغرها مهمهمة:
-أنا مش قلقني غير كده!!
………………………………………..
بحذرٍ واضح حملت “بهاء” من المقعد الخلفي كوب النسكافيه الساخن، وكذلك علبة البيض الطبيعي الطازج، قبل أن تترجل من السيارة، لتسير بتؤدةٍ نحو الأمام، ساعدها على التحرك بخفة وثقة ارتدائها للزي الرياضي. التصقت بها “بسنت”، استطاعت أن تتلمس ارتعاشة نبرتها عندما خاطبتها في خفوت:
-ما بلاش الخطة دي!
سألتها في استنكارٍ تلازمه نظرة معاتبة:
-أومال هنربيه إزاي؟
ازدردت ريقها، وأكملت تعبيرها عما يجوس في بالها:
-أنا مش مرتاحة، حاسة إن في حاجة غلط.
ردت عليها بغير مبالاة:
-جمدي قلبك، وما تخافيش.
تقدمت الاثنتان نحو الأمام إلى بلغت كلتاهما سيارته، لحظتها أخفت “بهاء” كوب النسكافيه وراء ظهرها، وأعطت نظرة ذات مغزى إلى رفيقتها لتخفي هي الأخرى علبة البيض عن الأنظار، ثم هللت بصوتٍ مرتفع جعل “عمر” يستدير ناظرًا تجاه صاحبة الصوت المزعج:
-إنت يا كابتن!
خفض من زجاج سيارته الملاصق له، ليحدق فيمن تجرأت وأفسدت عليه لحظات سكينته وسكونه، منحها نظرة شمولية فاحصة لها، فتابعت أوامرها الصارمة إليه:
-انزلّي شوية.
رفع نظارته الشمسية أعلى رأسه، وسألها مستفهمًا بتعجبٍ:
-أفندم؟ إنتي بتتكلمي معايا أنا؟
أعطته نظرة استحقارٍ صريحة، لتخاطبه بعدها بتأففٍ:
-أيوه، هو في غيرك هنا؟
أزعجه للغاية طريقة معاملتها المتعجرفة معه، ناهيك عن شعوره المتعاظم بوجود عداوة مُبيتة تجاهه، دون أن يكون هناك أدنى سبب لهذا، خاصة مع عدم معرفته لها، لذلك –وعلى مضض كبير- ترجل من سيارته متسائلًا في شيء من الضيق:
-خير يا آنسة، إيه مشكلتك؟
حين وقف أمامها، مع انتصاب كتفيه، وانتفاخ ثيابه بعضلاته البارزة، ظهر الفارق الجسدي بينهما في الطول، والحجم. ورغم هذا طالعته بنظرة دونية لتردد في اشمئزازٍ:
-إنت!!
تحفز في وقفته هاتفًا في حنقٍ قد أخذ في التصاعد:
-نعم؟
استطردت بعدئذ متسائلة بنبرة مليئة بالاتهام، ورفيقتها راحت تتوتر من احتدام الجدال:
-مفكر إن محدش هيحاسبك على اللي بتعمله؟
رغم أنها تملك على مقياس الجمال بالنسبة لتقييم الرجل أعلى النسب إلا أن لسانها السليط جعلها في أدنى المراتب، وزع نظراته المستهجنة بين الشابتين، ليتساءل في سخافةٍ:
-هو ده مقلب ولا حاجة؟
تصنعت الضحك قبل أن ترد:
-وهنعمل معاك مقلب إنت بالذات ليه؟
لم يطق البقاء لمبادلة الحديث غير المجدي معها، فأعاد وضع نظارته على عينيه قائلًا بعزوفٍ:
-بصي أنا مش فاضي للحوارات الفارغة دي، أنا ….
بتر جملته في منتصفها حينما تفاجأ بهذا السائل الدافئ يُقذف على ملابسه النظيفة ليلطخها، ويفسد مظهره الأنيق، تدلى فكه للأسفل، وصاح بصوتٍ أجش غاضب:
-إيه الجنان ده؟
في التو تراجعت “بهاء” خطوتين للخلف، واختطفت علبة البيض من يد رفيقتها، لتقوم بفتحها، وإلقاء ما فيها واحدة تلو الأخرى تجاهه، وعلى سيارته، وهي تواصل تعنيفه بتحدٍ:
-ده درس بسيط يعلمك إن بنات الناس مش لعبة، ومش أي واحدة تقدر تضحك عليها، احنا لحمنا مُر.
حاول قدر استطاعته تفادي ضرباتها الخرقاء التي أفسدت بالكامل مظهره، وسيارته، وجعلته في موضع سخرية واستهزاء، ارتفع صوته الهائج ليلومها بشدةٍ:
-إنتي متخلفة؟ إيه اللي بتعمليه ده؟
ارتاعت “بسنت” من ملامحه الحانقة، وخشيت أن يقوم بالاعتداء بدنيًا عليهما، فأمسكت برفيقتها تجذبها وهي تقول بصوتٍ مرتجف:
-يالا يا “بهاء”!
لم يتمكن “عمر” من التحرك من موضعه بعدما تعرض لذلك الهجوم المخجل، وظل يصيح في استهجانٍ عظيم:
-إنتو طبيعين؟
ركضت “بهاء” بعيدًا عنه، وصوتها يهلل بتهديدٍ:
-ابقى فكر تيجي جمب “ميرا” تاني.
لم يفهم ما الذي فعله ليتورط في هذا الثأر الغبي، ويتلقى الجزاء عن آخرٍ نجح في الفكاك من انتقامهما، استفاق من صدمته ليبادلها التهديد مشيرًا بإصبعه تجاهها:
-اقسم بالله لهوصلك، وهندمك.
جلجلت ضحكاتها الهازئة منه وهي تستقر بالمقعد الأمامي في السيارة، لتنطلق بعدها “بسنت” على أقصى سرعة، وباندفاعٍ نحو البوابة لتفر من المكان، وقلبها يدق بخوفٍ كبير، لم يبعد “عمر” نظراته النارية عنهما، وصاح في توعدٍ:
-أنا هعرف أجيبكم بطريقتي!
بحالته المزرية تلك غادر في الحال، وهو يكاد ينفجر غيظًا مما تعرض له من هجومٍ مباغت؛ لكنه أقسم ألا يمرر الأمر دون عقابٍ رادع لمن تجرأت وتعدت عليه بوقاحةٍ وبغير حق.
………………………………………
لم تتوقف عن الضحك حتى أدمعت عيناها وهي تستعيد في ذاكرتها تفاصيل ما أقدمت عليه بشجاعةٍ لم تتوقع أنها تملكها، ظلت متباهية بتصرفها الانتقامي، رغم أن رفيقتها كانت على النقيض معها، ما زال هاجس الخوف مسيطرًا عليها. تشبثت “بسنت” بكلتا يديها في المقود، وأردفت في صوت شبه مهتز:
-أنا قلبي وقع في رجلي، أنا قولت هيـــمـــوتك.
استرخت “بهاء” أكثر في جلستها، وأخبرتها بتفاخرٍ:
-ولا يقدر يمس شعرة مني.
بنفس الصوت الخائف تساءلت رفيقتها:
-تفتكري ممكن يعرف احنا مين؟
رفعت حاجبها للأعلى قائلة:
-يا بنتي إنتي هبلة؟ ما أنا نبهت عليه ما يقربش من “ميرا”، أكيد هيكون خمن إننا أصحابها.
ابتلعت ريقًا غير موجودٍ في جوفها، وتابعت بتوجسٍ:
-استر يا رب.
اندهشت “بهاء” للغاية من خوف رفيقتها الزائد، وخاطبتها في عتابٍ:
-ما يبقاش قلبك ضعيف كده، إنتي لو كنتي مكانها مكانش ده هيبقى ردة فعلك.
اكتفت بهز رأسها، فاستأنفت الأخيرة أمرها:
-ويالا ودينا عند “ميرا” خلينا نبشرها بالأخبار الحلوة.
-طيب.
قالت كلمتها المقتضبة قبل أن تدير عجلة المقود لتنحرف بها نحو الطريق الجانبي، وعقلها لا يزال مشغولًا بالتفكير في تبعات تصرفهما الجنوني.
…………………………………..
مستخدمًا سلطته، وكذلك صلة معارفه القوية، استطاع “عمر” الاطلاع على التسجيلات المرئية للكاميرات المثبتة بطول أسوار النادي، ليتمكن من معرفة هوية تلك الشابتين الغامضتين بوضوحٍ أكبر. وقف إلى جواره “أنس” بداخل غرفة المراقبة الأمنية وهو بالكاد يكبت ضحكاته، فحينما رأى من على بعد ما جرى له، لم يجرؤ على التدخل، واكتفى بالمشاهدة والضحك، والتقاط الصور التذكارية ليستغلها في المزاح معه، ناهيك عن إعادة رؤية هذه المشاهد الضاحكة لمرة أخرى في وقت فراغه بدافع التسلية والمرح. لكزه في كتفه معقبًا وهو يغمز له بطرف عينه:
-مكونتش أتخيل إن في واحدة تعلم عليك كده.
اشتاط “عمر” غيظًا من أسلوبه المستفزة، وحذره بنظرة صارمة من عينيه:
-أحسنلك إنت بالذات ما تكلمش…
وقبل أن يتمادى أكثر ازدادت نبرته تهديدًا عندما أكمل كلامه الموجه إليه:
-بدل ما أطلعه عليك، لأن شكلك إنت المقصود بالحوار ده.
في التو تراجع عن مزاحه اللزج معقبًا:
-وعلى إيه، الطيب أحسن.
ظل “عمر” يتحدث إلى الفرد الأمني محاولًا تقريب صورة وجه الشابة الغامضة التي اعتدت عليه للحصول على أوضح تجسيد لملامحها من زوايا مختلفة، ثم التقط بهاتفه المحمول صورتها، والتفت ناظرًا إلى رفيقه يخاطبه:
-افتكرت، إنت تعرف واحدة اسمها “ميرا”؟
بدا الاسم مألوفًا لديه بدرجةٍ كبيرة، فعلق بحاجبين معقودين:
-“ميرا”؟!!!
علل له أسبابه:
-هي عملت كل ده عشان المفروض إني بخونها.
فرك “أنس” جبينه للحظاتٍ، ثم استطرد بعد لحظة من التفكير:
-لأحسن تكون البت بتاعة الجيم.
بدا وكأنه يتحدث بغموضٍ، فاستفهم منه “عمر” بجديةٍ:
-مين دي؟ تعرفها ولا لأ؟
عبث “أنس” في هاتفه لعدة ثوانٍ، ثم وجه شاشته نحو رفيقه يسأله:
-بقولك هي دي صورهم؟
أمسك “عمر” بالهاتف يتأمل الصورة التي تملأ مساحة الشاشة بإمعان، لتتحول في طرفة عين تعابيره إلى التجهم والحنق، اشتدت قبضته عليه متسائلًا بصوتٍ محتدٍ:
-أه هما، إنت تعرفهم؟
سرعان ما مد “أنس” يده ليستعيد هاتفه منه، ثم حمحم في تحرجٍ:
-الظاهر معاك حق، وأنا ورطتك في حاجة تخصني.
بالكاد جاهد “عمر” ليضبط أعصابه، وقال في زفيرٍ ثقيل:
-حسابك معايا تقل.
تصنع رفيقه الابتسام مبررًا بسخافةٍ وهو يربت على جانب ذراع “عمر”:
-معلش يا باشا، الصاحب ليه إيه عند صاحبه غير آ…
مدفوعًا بحنقه أخرسه “عمر” قبل أن يتم جملته للنهاية هاتفًا:
-ولا كلمة زيادة.
استخدم يده في الإشارة إلى فمه معلنًا عن صمته، وإطاعته له؛ لكنه كان واثقًا أن رفيقه لن يدع الأمر يمضي بهذه البساطة، فهناك من جعلته أضحوكة من لا شيء، وهو لن يقبل أبدًا أن تمس إحداهن كرامته.
بالطبع لم يجد صعوبة في تحديد هويتهما، واستعان بأمن النادي لمعرفة كافة التفاصيل عنهما، وليصدر كامل تعليماته المباشرة بتعليق عضويتهما، وحظر دخولهما تمامًا إلى النادي أو أي ملحق به، إلى أن يجتمع مجلس الإدارة ويبت في مسألة بقائهما فيه من عدمه، لتعلم كلتاهما جيدًا مع من عبثت.
………………………………………
ظلت على حالتها المتفاخرة غالبية الوقت، حتى بعدما جاءت بصحبة “بسنت” إلى منزل رفيقتها المقربة لتبشرها بالأخبار السارة المتعلقة بانتصارها على ذلك المخادع صاحب الجولات النسائية في اصطياد الشابات واللعب بعقولهن. ارتمت “بهاء” بجسدها على جانب الفراش، أراحت رأسها على الوسادة لتقول وهي تلف خصلة من شعرها حول إصبعها:
-بجد كان لازم تكوني معانا واحنا بنربيه.
لم تبدُ “ميرا” في حالة من الرضا التام، وتساءلت في تحيرٍ، وعلامات الاستياء تبدو جلية على ملامحها:
-مين ده اللي بتتكلموا عنه؟
أجابتها “بهاء” بنبرة هازئة، لا تخلو من الزهو كذلك:
-اللي ما يتسمى، دنجوان عصره وزمانه.
أعطتها رفيقتها نظرة قاتمة قبل أن تبرز شاشة هاتفها المحمول في وجهها لتخبرها بضيقٍ عارم:
-البيه طالع لايف من نص ساعة وعايش حياته ولا كأن في حاجة حصلت.
اعتدلت في رقدتها، وأمعنت النظر في الشاشة لتسألها باستغرابٍ مستفهم:
-معقولة؟ إزاي كده؟
امتعضت تعبيراتها أكثر، وتابعت:
-بصي في التوقيت لو مش مصدقاني.
أمسكت “بهاء” الهاتف لتفحص ما ظهر نصب عينيها بعناية كاملة، ثم تساءلت بوجهٍ يشوبه الحيرة:
-مين ده أصلًا؟
لوت “ميرا” ثغرها قائلة بتأففٍ:
-اللي استغفلني وضحك عليا.
في التو مدت “بسنت” يدها لتخطف منها الهاتف، ودققت النظر في صاحب الفيديو المرئي، لتنعكس على قسماتها علامات الاندهاش قبل أن تجرؤ على التساؤل بصوتٍ مضطرب:
-أومال مين اللي آ…؟
لم تملك من الشجاعة ما يخولها لإكمال جملتها، فقط اكتفت بإعطاء نظرة ذات مدلول خاص لرفيقتها، فهمتها “بهاء” على الفور، ولاذت بالصمت مرغمة، فما أقدمت عليه يدعو للشعور بالخزي والخجل من نفسها. السكوت الذي أصبحت عليه كلتيهما جعل الريبة تنبعث في دواخل “ميرا”، فسألتهما وهي توزع نظرتها القلقة بينهما:
-إنتو عملتوا إيه؟
أطبقت “بهاء” على شفتيها تحاول التفكير في حجة مقنعة تفسر بها خطئها غير المقصود، بينما هتفت “بسنت” بنبرة لائمة:
-مش قولتلك قلبي مش مرتاح.
تضاعفت حيرة “ميرا” من غموضهما المقلق، وتساءلت في انفعالٍ طفيف:
-هو حصل إيه؟
لم تنتظر “بسنت” رفيقتها لتنتقي من الكلمات المناسبة ما يقص ما حدث؛ حيث اندفعت من تلقاء نفسها تهتف:
-مصيبة يا “ميرا”، مصيـــــبة!
………………………………………
رغم مضي ما يقرب من أسبوعين على هذه الحادثة المؤسفة، وتعقد الأمور بشأن تعليق عضويتهما في النادي الاجتماعي، إلا أن “بهاء” بقيت تدافع عن نفسها بقوةٍ، ورافضة الاعتقاد بأنها أسرعت في عدم تحري الدقة أثناء إقدامها على إيذاء أحدهم، لم تكترث بأي أراء أخرى معارضة لها، وكان التبرير منطقيًا بأن ذلك الشخص هو شريكه المخضرم في نصب الفخاخ للفتيات، خاصة مع رؤية صور مشتركة تجمع بينهما على صفحات التواصل الاجتماعية.
في هذا اليوم تحديدًا، ذهبت مع “بسنت” إلى ذلك المعهد المتخصص في تدريب وإعداد القادة المتميزين، ليس فقط من القيادات العسكرية، وإنما أيضًا من الأفراد المدنيين. تجولت في أروقة المكان بعدما قامت بملء بياناتها للاشتراك في أحد الدورات التدريبية الجديدة لتضمن الحصول على شهادة أخرى معتمدة تؤهلها للحصول على وظيفة أفضل في حال توافر واحدة بتلك المواصفات بالمستقبل القريب.
مفعمة بإحساسها بالحيوية والنشاط تأنقت “بهاء” في ثياب رسمية، فارتدت بدلة سوداء، من أسفلها قميصًا أبيض اللون، على حذاء ذي كعب مرتفع، وجمعت شعرها في ربطة واحدة، لتتدلى كذيل حصان على ظهرها. لم تتوقف “بسنت” عن لومها، واستطردت تخبرها وهما تسيران بتلكؤٍ في الردهة الواسعة للمعهد:
-احنا تقلنا العيار حبتين، وده خلا موقف “ميرا” وحش أوي…
ازدردت ريقها، وتابعت في خوفٍ مفهومٍ وهي تضم ملف أوراقها الخاصة إلى صدرها:
-واحتمال كبير ينهوا عضويتنا في النادي، ما هو أكيد مش هيسكتوا عننا، وخصوصًا إن الراجل ده شكل واصل.
بدت “بهاء” غير مبالية كليًا بتبعات جريرتها، وقالت بعجرفةٍ:
-عادي، النادي مش أملة أوي علشان نندم إنه هيفصلونا منه، ده احنا كل فين وفين لما بنروحله، وبعدين خلينا نركز في تدريبنا اللي هيبدأ.
هزت رأسها قائلة:
-بالمناسبة احنا المفروض نحضره 3 أيام في الأسبوع، آخر النهار.
تفقدت “بهاء” ما بحوزتها من أوراق، وخاطبتها:
-عايزين نشوف إن كان ينفع يكون الميعاد بدري شوية ولا لأ.
أخبرتها رفيقتها وهي تشير إليها بإصبعها لتنعطف نحو الرواق الجانبي:
-ده على حسب المجموعة اللي معانا، وكمان المحاضر اللي هيدينا.
تحدثت إليها بإيماءة من رأسها:
-كل حاجة سهل تتظبط.
في غمرة حديثهما الجاد أثناء سيرهما العادي، لم تلحظ أيًا منهما ذاك الذي تمكن بسهولة من التعرف إليهما رغم تبدل مظهرهما، حينما كان يتحرك في الاتجاه المعاكس لوجهتهما .. ما لبث أن اشتاط غضبًا، كما تصاعدت الدماء الفائرة إلى رأسه، وقد تنشطت ذاكرته بتفاصيل ما تعرض له من إهانةٍ فجة بواسطتهما. لم يترك الأمر يمضي دون ردٍ، بل أسرع في خطاه، واعترض طريقهما ليستوقفهما بلهجة الآمر الناهي، وموجهًا حديثه على وجه الخصوص إلى “بهاء”، وعيناه تشعان نارًا:
-استني عندك!
شهقت “بسنت” في ارتعابٍ فور أن رأته قبالتها بهيبته ومهابته، عرفته في الحال، وارتعشت شفتاها مدمدمة بخفوت:
-يا نهار إسود!
بينما اتسعت نظرات “بهاء” نسبيًا بعدما استوعبت الصدمة المباغتة، حيث استطاعت هي الأخرى التعرف إليه، واستعادة فداحة تصرفها المتجاوز معه، تسمرت في مكانها، ليتدلى فكها للأسفل مرددة في ذهول كبير:
-مش ممكن، إنت ………………………… ؟!

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ضبط وإحضار)

اترك رد

error: Content is protected !!