روايات

رواية سمال الحب الفصل الثامن 8 بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب الفصل الثامن 8 بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب البارت الثامن

رواية سمال الحب الجزء الثامن

رواية سمال الحب كاملة (جميع فصول الرواية) بقلم مريم محمد غريب
رواية سمال الحب كاملة (جميع فصول الرواية) بقلم مريم محمد غريب

رواية سمال الحب الحلقة الثامنة

#سمال_الحب
#وقبل_أن_تبصر_عيناكِ ج٢ _ الفصل ( ٥٢ ) :
_ غرامٌ سام ! _
شعرت بأنها قد نامت طويلًا، و أن جسمها متصلبًا و كأنها لم تتحرك طيلة فترة النوم، في تقاطع حلمًا ما، وعى عقلها، أستيقظ، و لكن بقى جسمها ثابتًا على حالته
لعله الخوف ما أبقاه هكذا، إنما أيضًا قرون استشعارها الحساسة، نبهتها هنا بقربه الشديد منها
و بينما هي أسيرة خوف مُبهم يشلّ حركتها كليًا، أحست فجأة بكفه الضخم يلامس بشرتها العارية، إنفتح جفناها دفعةً واحدة، في نفس اللحظة تعالت أصوات دق و قرع على باب و جرس الشقة …
أفاقت “فاطمة” من غيبوبتها القاتمة، لتجد زوجها و قد عبر من فوقها كنسمة هواء بالكاد شعرت به و لمحة طيفه قبل أن يخرج من الغرفة مسرعًا، ذعرت حين تبيّنت أكثر بأنها في الحقيقة عارية الآن.. عارية كما ولدتها أمها
خرجت شهقة من أعماقها و هبت تبحث عن ثوبها، بعد تنقيبٍ سريع و شاق وجدته هناك باقصى السرير يتدلى من الحافة إلى الأرض، فالتقطته فورًا و ألقته فوق كتفيها، بينما يتناهى إلى سمعها الحوار الآتي بين زوجها و أمه بالخارج …
-إيـــه يا مصطفـى كل ده. نايم في الكهف ؟!!
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
يقابل “مصطفى” أمه بابتسامةٍ مشرقة حالمة قائلًا :
-صباح الفُل يا ست الكل
تجهمت ملامح “هانم” و هي ترد عليه باستهجانٍ :

 

 

-صباح ! ده العصر وجب يا عين أمك.. و إيه إللي عامله في نفسك ده …
و ما لبثت أن لاحظت الحال التي بدا عليها، إذ كان يقف أمامها بسرواله الداخلي لا غير، و قد تشعّث شعره و تلبّدت بشرته الخمرية بمادةٍ لامعة إنتثر بعضٌ منها فوق صدره و كتفيه العريضين
رفعت “هانم” بصرها ليستقر على عينيه القريرتين …
-لأ ماتقولش ! .. تمتمت “هانم” على نحوٍ مذهول مباغت
نظرت لإبنها بإلحاحٍ متسائل، ليبتسم “مصطفى” مدركًا مقصدها تمامًا و يومئ برأسه مفصحًا بخفوتٍ :
-أيوة ياما.. حصل
أفلتت ضحكة مبتهجة من بين شفاهها و قد تبخر غضبها الذي جاءت به فجأة، كبحت الضحكة بسرعة لتواصل إستجوابه و هي تقترب منه لتهامسه :
-الله أكبر. إن شالله يحيمك من العين يا حبيبي. بس إوعى.. إوعى يا مصطفى تكون غصبت على مراتك تاني. و لا تكون عملت فيها حاجة !!
إنبلج السأم على وجه “مصطفى” في الحال و هو يرد عليها بجفاء :
-غصب إيه ياما. هو إنتي مفكراني إيه.. أنا مش كده و كلكوا تعرفوا ده. إللي جرى أول مرة كان خارج عن إرادتي. وزة شيطان.. و ربنا خلتيني ندمت إني كنت باجي أفضفض معاكي
-ماتبقاش حمقي كده ياولا ! .. زجرته أمه بقسوةٍ هشّة
وضعت يدها على كتفه المتشنج و أجبرته على النظر إليها ثانيةً و هي تقول :
-إفهمني يا عبيط. أنا أمك.. أنا أكتر واحدة تحمل همك و تتمنا لك السعادة و راحة البال. أنا كل غرضي أطمن عليك بس.. يا ابو مخ زنخ إنت يا غشيم
تراخت عبسته شيئًا فشيء تحت تأثير مداعباتها الكلامية، فقال بابتسامة لم تصل لعينيه :
-ماشي ياما.. طيب خشي واقفة على الباب ليه
و أفسح لها لتدخل، لكنها إمتنعت هاتفة و هي تتذكر ما أتت لأجله :
-لأ مش جاية أضايف أنا.. صراحة كنت جاية أبستفك بس خلاص. سماح المرة دي طالما عرفت إللي فيها
-إيه إللي حصل ؟ .. تساءل باهتمامٍ
-في إيه ؟
تنهدت “هانم” بثقلٍ و حكت له ما حدث ليلة أمس بإيجازٍ …
-كل ده حصل و أنا مش داري ؟؟!!
إبتسمت “هانم” قائلة بخبثٍ :
-و هاتدرى إزاي يا عنيا ؟ لما تغرق في الغسل لشوشتك و الله لو قامت حرب على بابك ما هاتسمع …
و ضحكت مشاكسة إياه، فضحك بدوره و قد أتت مزحتها أكلها، تراجعت للخلف خطوتين و أمسكت بمقبض الباب متمتمة :
-يلا أنا نازلة أشوف اخواتك.. انت كمان لو عوزت حاجة كلمني
-أنا داخل أخد دش بسرعة و نازل وراكي
-لأ.. ماتنزلش. خليك جمب مراتك ماتسيبهاش.. بالإذن يا عريس !
و غمزت له قبل أن تغلق الباب تمامًا …

 

 

أنارت الابتسامة وجه “مصطفى” أكثر، و ها قد إزداد ثقة و إعتداد أكثر في نفسه، ولّى عائدًا إلى الغرفة النوم
ليجد زوجته الآن في ثوبها الأكثر إحتشامًا، تقف أمام الخزانة لتعد بعض الملابس النظيفة تأهبًا للإستحمام …
-بطة ! .. هتف “مصطفى” بهدوءٍ و هو يقبل عليها
-بتعملي إيه كده ؟
لاحظ إرتعاشة يداها و هي ترتب الثياب أمامها بينما تجيبه بثباتٍ متكلّف :
-بطلع شوية هدوم ليا. لو هاتخش تستحمى انت الأول هاستناك.. مافيش مشكلـ آ …
قاطعها لافًا ذراع حول خاصرتها من الخلف، و ممسكًا بإحدى يديها، ضمها بقوة لاصقًا ظهرها بصدره و هامسًا بحرارةٍ في أذنها :
-إنتي إيدك بتترعش كده ليه ؟ مالك يا حبيبتي حاسة بتعب و لا إين ؟
إبتلعت ريقها بصعوبة و قالت بتوتر :
-لأ. أنا كويسة.. مافياش حاجة
-حقك عليا يا بطة !
أذهلها رده، فسألته :
-عشان إيه بتقول كده ؟
جاوبها بصوتٍ يقطر عشقًا و حنانًا :
-على أي غلطة غلطتها في حقك. و على ليلة إمبارح.. سامحيني لو كنت قسيت عليكي حبة منغير قصد. اعرفي بس إني مية في المية بنسى نفسي و أنا معاكي. مش بشوف غيرك قصادي. و ماكنتش مصدق نفسي.. في كل ثانية مرت علينا و انتي في حضني كان بيتهيأ لي إنك حلم. و هاصحى ألاقيكي لسا غضبانة عليا. أنا لحد اللحظة دي خايف أكون بحلم يا فاطمة !
تمالكت نفسها من الانهيار اعتراضًا و رفضًا له، و خفيةً بيدها الحرّة أخذت تقرص وركها بشدة مؤلمة لتنسى وجودها بين أحضانه و قالت :
-لأ ده مش حلم يا مصطفى.. و أنا أهو بين إيديك. بقينا إتنين متجوزين فعلًا و إللي حصل المرة دي كان برضايا.. عاوز إثبات إيه أكتر من كده ؟
رد بلا تفكيرٍ :
-تخلفي لي. هو ده كل إللي ناقص لي من بعد ما رضيتي عني.. نفسي تشيلي عيال مني. عيال كتير أوي يا بطة
و كأنه ساعدها من خيث لا يدري لتتجاوز بعض مشاعرها المتنفرة منه، لتلفت في مواجهته الآن، و تضع يديها فوق صدره العاري قائلة في ما يشبه التضامن :
-في دي معاك كل الحق. أنا كمان عايزة أخلف يا مصطفى. عايزة أخلف عيال كتير …
ركز نظراته على شفاهها المكتنزة و هو يدمدم مبتسمًا :
-طاوعيني بس. و كمان 9 شهور بالعدد و هانكون 3 في الشقة دي !
اومأت مرددة بآلية :
-أنا موافقة.. و كلي ليك و تحت أمرك
لم يصدق “مصطفى” ما تسمعه أذناه، كان واقعًا جهنمي لم يخطر حتى على باله أن يحدث قط، و ما كانت هناك إلا طريقة واحدة ليتأكد من صحة ما يعيشه
و هي ما إتبعها في الحال ملاقيًا إستسلامًا تام من جانب زوجته …
••••••••••••••••••••

 

 

مزاجها هذا الصباح في تحسنٍ كبير
كانت فكرة جيدة أن تنتقل للعيش و لو مؤقتًا بشقة شقيقها و زوجته، فقد حملاها على أكف الراحة كما يُقال، و بفضل جهد يُذكر لـ”رزق” ضحكت كثيرًا على مائدة الغذاء و قد كانت كل لقمة بنكتة و مزحة
مع هذا لم تشعر “ليلة” بأيّ غيرة أو ضغينة، إذ أن زوجها الذي حرص على إشباعها عاطفيًا و قد كانت هذه وظيفته طوال الليل بجانب نصيبه الخاص من المتعة، و هذا ما يجعلها تشيد به و برفعة و حذاقة تصرفاته و أفكاره
أنه ينال ما يريد، و يشبع شراهته الرجولية، لكن في الوقت ذاته يراعي شريكته، و يوفر لها كل سُبُل الراحة و الرضا، لم يتركها إلا راضية و غافية بين ذراعيه كطفلةٍ …
-كلي دي من إيدي عشان خاطري !
سعى “رزق” محاولًا أن يزق الطعام بفم شقيقته
لتدعمه “ليلة” رابتة على ذراع الفتاة الشابة :
-ماتكسفيش أيده بقى يا نور. بيقولك عشان خاطره
وزعت “نور” نظراتها بينهما حائرة :
-أنا كلت كتير و الله.. مش قادرة آكل تاني
احتجت “ليلة” فورًا :
-لأ يا قلبي ماينفعش معايا الكلام ده.. إنتي ببؤك طلبتي تاكلي نجرسكو على الغدا. و أهيه قدامك بعد ما صحيت مخصوص عشانك و طبختها تسيبيها ؟ و الله أزعل
-كلت منها كتير. و حلوة صدقيني.. بس مش قادرة آكل أكتر من كده
تنهد “رزق” مستسلمًا لإرادة أخته و قال و هو يسقط اللقمة في طبقه ثانيةً :
-خلاص يا ليلة. سبيها براحتها.. نور أساسًا مش غريبة و ده بيتها. لو عازت أي حاجة هاتقوم تاخدها و تعملها. صح يا نور ؟
اومأت “نور” بطفولية محضة، فضحك لها و دنى منها ليقبلها على خدها …
تنهض “نور” فجأة معلنة :
-طيب أنا هانزل تحت شوية !
عبس “رزق” قائلًا :
-تنزلي تحت فين ؟!!
نور بعفوية : هانزل أشوف بابا. وحشني !
لوى “رزق” فمه مجاهدًا لموارة إنفعالاته، الأمر الذي إنتبهت له “ليلة” فقامت هي الأخرى و ساندت “نور” قائلة :
-مافيش مشكلة يا حبيبتي. روحي طبعًا.. زي ما رزق قال البيت كله بيتك. تقدري تكلعي و تنزلي براحتك.. مش كده يا رزق ؟
نكس الأخير رأسه مجيبًا على مضض :
-آه.. كده !
إبتسمت “نور” و جاءت من خلفه تحيط برقبته، طبعت قبلة شقية على خده المشعر فجعلته يبتسم من قلبه و يقول بلطفٍ :
-إنزلي يا حبيبتي. و انا شوية و هانزل بردو عشان أشوف كوكي.. أبقى أشوفك تحت و نعمل إللي إتفقنا عليه. ماشي ؟
تنفست “نور” بعمقٍ و قالت على ضمانته :
-ماشي. هاستناك
و قبلته مرةً أخيرة، ثم ركضت كريشةٍ طائرة تجاه باب الشقة، هبطت الدرج متمّة طابق، لتصل أمام شقة أبيها
قرعت الجرس مرة
إثنان
ثلاث …
ما من مُجيب
أين تُراه ذهب !!!
-إزيك !
-هيييييييييييييييييييييه ! .. تلك الشهقة العميقة أصدرتها و هي تقفز مذعورة
عندما أتاها صوته فجأةً
إلتصقت “نور” بلوح الباب و هي تحملق شاخصة في “علي” الذي ظهر من العدم بغتةً، بينما الأخير يرفع كفّاه أمام عينيها مأخوذًا بردة فعلها
اعتذر منها في الحال :
-أنا آسف. آسف ماقصدش أخضك و الله.. إنتي كويسة ؟؟؟
لم تقوَ على الرد في الحال، المفاجأة تقريبًا شلّتها، ليتفاقم قلقه و هو يقترب منها بحذرٍ قائلًا :
-نور ! إنتي سمعاني ؟ أنا ماكنش قصدي أخضك. أنا كنت نازل و سمعت خطوتك.. كان بودي أسلّم عليكي بس… نور !!
إستغرقها الوضع الحساس لحظاتٍ طويلة، حتى تمكنت من النطق أخيرًا :
-أنا… كويسة !
و كأن عقدة لسانها حُلّت، مضت متسائلة ببلاهةٍ صبيانية :
-و إنت إزيك عامل إيه ؟
إبتسم رغمًا عنه و قال مسترخيًا فجأة :
-الحمدلله.. تمام. إيه إللي موقفك على السلم كده ؟

 

 

أشارت “نور” بيدها قائلة :
-كنت جاية أشوف بابا. بس شكله مش جوا
وافقها : هو فعلًا مش جوا. أنا لسا سايبه مش شوية هنا و كان قال نازل يفطر تحت مع إخواتك
-إمم ! .. همهمت بتفهمٍ
ليسألها بطريقة غير مباشرة :
-إنتي أكيد مش هاتنزلي تحت تاني صح ؟
عقدت حاحبيه …
-لأ أكيد هانزل. وعدت رزق إني هانزل و هاتصالح مع سلمى
-هو إيه إللي حصل يا نور ؟
صمتت أمام سؤاله بلا نية في الإجابة …
فواصل متخذًا خطوة أخرى صوبها :
-أنا عارف إنكم أختين مع بعض. و جايز ده مايخصنيش.. بس أنا مش قادر أرمي من على كتفي إنك مسؤوليتي. إللي يزعلك يزعلني. ماتستغربيش.. أنا من ساعة ما شوفتك و إنتي دايمًا في بالي. حتى لو ماكنتيش بنت سالم الجزار. كنت راجعلك. النشار ماجبلكيش سيرة ؟ أنا كنت طلبتك منه. في نفس اليوم إللي شوفتك فيه من سنتين و شوية …
حدقت فيه ملء عينيها و بقيت صامتة، فسألها بوهنٍ :
-إنتي ساكتة ليه ؟ كلميني. معقول مش فاكرة اليوم إللي قضيناه سوا ؟!
-فاكرة ! .. جاوبته متذكرة أحداث ذلك النهار كله حتى الأمسية الرائعة
كانت تحتفظ بتلك الذكريات في عقلها مثل أفلامٍ قصيرة تلجأ إليها في وحشة الليالي و زحام النهار …
يستطرد “علي” شاملًا إياها بنظراتٍ فوضوية مبهورة :
-لما شوفتك هنا ماصدقتش.. البنت الوحيدة إللي لمست حاجة جوايا. إللي قدرت تحرك حاجات كنت مفكر إنها إستحالة تتحرك لواحدة.. فجأة بقت قصادي. لأ و أصلًا مكتوبة على إسمي.. و الأكبر من كده إنها عارفة و طلعت بتبادلني نفس المشاعر !!!!
أخذ قلبها يطرق صدرها بعنفٍ الآن حين قطع المسافة الباقية بينهما ليذر بضع سنتمترات قليلة فقط، و يقول بصوته الخفيض العذب مثبتًا عينيه الحادتين بعينيها الواسعتان البريئتان :
-قوليلي يا نور.. إنتي حبتيني بجد ؟
من جديد اومأت له أن نعم
ليكتم صيحة بداخله شادًا على أسنانه، لوهلةٍ خشت تصرفاته، إلى أن تابع :
-إنتي خسارة فيا. تعرفي ده ؟ خسارة فينا كلنا.. لما شوفتك امبارح و انتي منهارة و بتعيطي. عرفت إن حياتك لو كملتيها هنا هـ …
لم يستطع إكمالها، فتجاوزها و أضاف هازًا رأسه كأنما يحاول إقناع نفسه بالمقام الأول :
-أنا ماستهالكيش يا نور !
-مش فاهمة قصدك !! .. أجفلت باضطرابٍ
حاول أن يشرح لها :
-أنا خايف عليكي !
ذهلت معقّبة : من إيه ؟
نظر “علي” لها نظرة قاسية و جاوبها :
-مني !
فغرت فاها و رفعت حاجبيها غير قادرة على الاستيعاب مطلقًا :
-إنت.. بتقول. كلام غريب أوي.. أنا مش فاهمة أي حاجة… إنت مش عايز تتجوزني يعني ؟!!

 

 

تجرأ الآن بوضع كفه على خدها الأيمن و قال بما يشبه الهمس المنفعل :
-أنا مابقتش عاوز أي حاجة من حياتي غيرك. من يوم ما شوفتك… بس خايف أزعلك. خايف تكرهيني في يوم من الأيام. عاوز أبعدك عني. و في نفس الوقت مش طايق فكرة إنك تبعدي أو إن قلبك يميل لحد غيري بعدين !
لم تكن تعي حقًا معاني كلماته، أو أبعاد معاناته، لكنها فهمت أمرًا واحدًا فقط
أنه بالفعل خائف، لذلك كان عليها أن تطمئنه، و هو ما فعلته
إذ أخذت بيده الأخرى و ضمتها بقبضتيها الناعمتين، و قالت مبتسمة برقة :
-ماتخافش يا علي. لو مشاعرك حقيقية و واثق من حبك.. ماتخافش. أنا كمان بحبك. و مش خايفة !
تلك الجنيّة الصغيرة
لو تعلم فقط أن كلماتها لم تفعل شيئًا إلا زيادة مخاوفه أكثر، و إشتداد وساوسه بأنها قابلة للكسر كثيرًا، و أنه لن ينجح طويلًا بابقائها سليمة …
•••••••••••••••••••••
تتظاهر بالنوم منذ الصبيحة، موعد إستيقاظها قد مرّ، و هي لا تزال قابعة بين الفرش و الدثائر
مكتئبة، حزينة، تشعر بسخونة و إلتهاب خدها، حيث الصفعة التي تلقّتها من كف أبيها، لأول مرة في حياتها تنال منه مثل هذا العقاب
لو يعلم كم ذلك قاسي عليها.. إذا كانت معتادة ما كانت لتجزع… لكن المعضلة الكبرى أنه كان يعاملها كماسة تاجه
حتى تبيّن لها بالأمس أن تاجه الحقيقي كان و سيظل دائمًا “نور”… أختها التي ظهرت بحيانها كعفريت.. لتسرق منها كل شيء و تسلبها حب و إهتمام أبيها و جميع المحيطين بها
الآن هي مجرد نكرة
نكرة …
أطبقت “سلمى” عينيها بشدة في هذه اللحظة، عندما سمعت قرعًا على باب غرفتها، لم تمر لحظة إلا و إنفتح الباب، في البادئ لم تعرف من
لكنها بعد قليل أحست بالفراش يثقل بجوارها، و سمعت احتكاك بعض الأواني و الصحون ببعضها، ثم جمدت حين تغلغل بأذنها صوت أبيها :
-قومي يا سلمى. أنا جايبلك الفطار بنفسي لحد هنا.. قومي يا سلمى أنا عارف إنك صاحية !
و إرتعدت بقوة عندما لمس ساقها، سحبت نفسها و قامت لتجلس على مسافة منه، كان شعرها الناعم ينهمر فوق وجهها مخفيًا عيناها المتوّرمتان من البكاء طوال الليل
طوت ساقيها و أحاطت بهما ذراعيها و مكثت هادئة أمامه، ليطلق نهدة حارة من صدره و هو يرنو إليها بنظراتٍ آسفة :
-تصدقي لو قلت لك أول مرة في حياتي أحس إني تعبان ؟ أول مرة قلبي يترعش بين ضلوعي. دماغي تلف.. رجلي ماتشلنيش.. كل ألم نزل على وشك من كفي ده يا سلمى. كان بينزل على قلبي الأول. على أد حزنك و زعلك مني. حسيت بكل إللي حسيتي بيه بسببي.. أراهنك إنك ماعرفتيش تنامي طول الليل. لأني أنا كمان مادوقتش طعم النوم !
لا زال لم ينجح باستمالة قلبها إليه، فأردف مادًا يده إليها :
-إنتي حتة من قلبي يا سلمى. إنتي بنتي حبيبتي.. إنتي الوحيدة إللي اسمك على اسمي. سلمى.. سلمى سالم الجزار. إزاي فكرتي إني مابحبكيش ؟ أو إن ممكن حد يزحزحك من مكانتك عندي. حتى لو نور.. كل واحدة فيكوا ليها مكانة خاصة. و كل واحدة بحبها بنفس الدرجة حتى لو اختلفت المعاملة.. انتي فكرتيني باخوكي مصطفى و موقفه من اخوكي رزق طول عمره. يمكن هو ده إللي جنني. و خلاني أعمل فيكي كده و ماشوفش قدامي …

 

 

استرقت بعض النظرات إليه من خلال غلالة شعرها المتشابكة، فابتسم بحزنٍ و تأوه محتذبًا إياها بقوة لتستقر بين أحضانه في لحظة :
-حبيبتي يابنتي. حبيبتي يا سلمى. حقك على عيني. على راسي.. دموعك الغالية. قوليلي أعمل إيه عشان أمسحهم من جواكي… قوليلي يا سلمى عايزة إيه.. إللي إنتي عايزاه أنا هاعملهولك.. قولي يا حبيبتي …
و كأن أخرى نطقت بلسانها، و لكن في الحقيقة كانت هي، بمنتهى الثقة و الثبات قالت :
-أنا عايزة أتجوز عاصم السويفي يا بابا !

يتبع ….

اترك رد

error: Content is protected !!