روايات

رواية وجلا الليل الفصل الثامن 8 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل الفصل الثامن 8 بقلم زكية محمد

رواية وجلا الليل البارت الثامن

رواية وجلا الليل الجزء الثامن

وجلا الليل
وجلا الليل

رواية وجلا الليل الحلقة الثامنة

ما إن سمع بوقع خطواتها، رفع بصره بفضول يقتله منذ البارحة، يدفعه لمعرفة من تلك التي وضعته في هذا المأزق، وحشرته في زاوية لا فرار منها، ضغط على فكه حتى أحدث صوتًا، وقعت عيناه الملبدة بغيوم الغضب العاصف، والذي إذا سقطت أمطاره ستودي بحياتها، لم يهتم بهيئتها بقدر شعوره بالرغبة العارمة في شق رأسها، لعن الظروف التي وضعته في الموقف برمته، ولكنه المخطئ الأول وكل منا يجني ما زرعه .
تحدث “عامر” بنبرة هادئة حينما رأى الذعر يتشكل على قسمات وجهها :- قَربي يا بتي تعالي أقعدي چاري إهنة .
سارت نحوه بخطوات شعرت وكأنها تسير أميال، جلست على مقربة منه باستحياء، وتطلعت له بعينيها البنية الواسعة المنتفخة من أثر البكاء .
هتف بحنان وهو يوجه حديثه لوالدتها بعتاب، ما إن رأي آثار الضرب بينة على قسمات وجهها :- بردك إكدة تضربيها يا عطيات !
أردفت بحنق وهي ترميها بوابل من قذائف الكمد :- ولو طولت أقتلها واخلص من العار اللي لبستهولي مش هتأخر يا حچ .
زفر بضيق قائلًا :- طيب شوفي يا عطيات أنا مرضاش بالفضيحة ليكم واصل عشان إكدة خالد هيتچوز بتك آخر الشهر .
طالعته بصدمة قائلة بذهول :- كيف دة يا حچ ؟! أنا مفهماشي حاچة واصل .
استرسل بهدوء :- اللي سمعتيه، بس في حاچة لازمًا تعرفيها لحد ما معاد الفرح ياچي إن شاء الله.
ثم قص عليها ذلك الاتفاق الذي حدث منذ لحظات فأومأت بموافقة وهتفت براحة :- ربنا يخليك يا حچ ويچعلك في كل خطوة سلام يسترك دنيا وآخرة كيف ما سترتنا.
أردف بود :- يلا خُشي وخدي بتك وبلاش تقسي عليها اعتبريها وَزْة شيطان وراحت لحالها .
ثم نظر لوجد قائلًا بعتاب :- وأنتِ يا وچد يارب تكوني اتعلمتي من غلطك واستفدتي .
هتفت بنبرة انكسار :- والله يا حچ أنا م……
قاطعها قائلًا :- خلاص يا بتي إحنا مش هنفتح في القديم خلينا في دلوك قومي مع أمك وچهازك بكل حاچة أنا هچبهولك متحملوش هَم .
هتفت بضعف :- ربنا يخليك يا حچ .
أخذتها والدتها وانصرفت للداخل بينما هتف خالد بحنق :- ها يا أبوي خلاص كل حاچة إكدة تمام ؟
أردف بغيظ :- أيوة يا خالد لإني خابر زين إن البت ما عملتش إكدة برضاها ووشك أكبر دليل .
مسد الخدوش التي بوجهه بحرج ثم نهض قائلًا بغضب مكتوم :- طيب أنا ماشي رايح العيادة .
انصرف بسرعة الرياح العاتية، لا يعرف بأي وجه سيواجهها، تلك التي قطع الوعود معها بأن تكون ملكه، لتأتي أخرى دون أن يحسب لها حساب، وتحتل مكانها لطالما أخبرها مرارًا بأن لن تأخذ محلها أخرى، بينما هتف الجد بتمني :- يا رب تكون توبتك على يدها يا خالد وتحترم حالك بدل الصرمحة اللي أنت فيها دي .
★★★★★★★★★★★★★★★
بعد أربعة أيام يجلس كالطائر الذبيح، يحلق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يا ليته يعلم بمكانها لذهب وانتشلها وإن كانت في منتصف المحيط، أتى والده الذي لم تختلف حالته عنه، حيث أنهكه الحزن على ابنته، جلس إلى جواره وردد بوهن :- قوم يا طايع أعمل اللي هو رايده، خلينا نطمن على خيتك اللي مخبرينش عنها حاچة دي .
رفع عينيه واللتين كان الجحيم متمثلًا بداخلهما، وهدر بعنف :- أطاطي لسالم وولده يا أبوي ! هي دي أخرتها ؟ بقلم زكية محمد
ردد بقهر وخوف ينهش جدران صدره على ابنته :- يا ولدي مفيش حل تاني غيره، ولا أنت مخايفش عليها.
نهض وقد نفرت عروقه، وكادت أن تنفجر محدثة جلبة عنيفة، أردف بغيظ :- وهو مين اللي چابلنا الحديت دة كله مش هي ؟
تحدث بنبرة لينة ليستعطفه :- معلش يا ولدي، لما تاچي أعمل فيها ما بدالك بس تبقى إهنة چارنا، بدل ما هي بعيدة ومخابرينش عنها أيوتها حاچة .
زفر بضيق في بالأخير هي شقيقته، وإن ظن والده أنه لا يخشى عليها، فهو مخطئ فنيران الوجل تحرقه، ولكنه في منتصفها حائر بين أن يختار أخته، أم يختار هيبته التي ستُدعس على يد ” سالم” وابنه، حينما يفعل ما طلبه منه، خرج صوت ملتاع بداخله يخبره عن أي شيء يفكر فشقيقته في المقام الأول، نظر لأبيه وتابع بحسم :- خلاص يا أبوي هعمل اللي رايدينه أهم حاچة أرچع خيتي .
لاحت ابتسامة خفيفة لم تزوره منذ أن رحلت عن المنزل، وردد بود :- هو دة ولدي، ربنا يكملك بعقلك أنتوا ملكوش غير بعضكم في الأول والآخر .
هز رأسه بموافقة يؤكد حديثه، وما يفعلانه أكبر دليل على أنه هو المذنب، توجه للمحكمة برفقة والده فاليوم النطق بالحكم، وسيغير أقواله وهو مستعد لتوابع ذلك .
///////////////////////////////////////////////////////////
ليلًا كان المنزل يكتظ بالجموع التي أتت للمباركة لابنه، بعدما خرج من السجن ليدلف الآخر يُعاقب بضعة أشهر، على شهادة الزور_ التي هي بالحقيقة شهادة حق _ والتي ما قالها إلا لينقذ شقيقته، كانت الغبطة تغرق ” زبيدة” برجوع ابنها سالمًا لها، فكانت تقدم المشروبات والمأكولات بسخاء للحاضرين، والذين ما أتوا إلا ليشبعوا بطونهم .
يقف يهز قدميه بعصبية مفرطة بالخارج، بعد أن فهم كل ما يحدث فأفعال عمه الدنيئة وكذلك نجله، زجت بصديقه للسجن، ما يستحق أبدًا ذلك فهو على تمام المعرفة به، وكل ذلك بسبب خطأ شقيقته الفادح الذي تكبد بكل ذلك العناء، سحب شهيقًا طويلًا ليأتيه صوت من خلفه مرددًا بمزاح :- وه مالك يا مؤمن إكدة ؟ كأنك أنبوبة بوتچاز وهتهب في وش الواحد .
لوى شدقه بتبرم، وهتف بكمد مكتوم :- مفيش حاچة يا خالد، متضايق بس عشان زميلي اللي أتسچن ظلم دة،الود ودي أروح أحش رقبته ورقبتها والله ما يستاهل واصل يبات يوم في الحچز .
أردف بشفقة وتعاطف :- يلا محدش بيهرب من نصيبه .
قالها بسخرية مبطنة وهو يقصد ذاته، قبل أن يرميها لزميله، بينما ردد الآخر باختناق :- أنا طالع برة الدار على ما الهيصة دي تفض، بلا خنقة !
تركه وانصرف بغيظ، بينما تطلع الأخير نحوه بحذر، يخشى أن يلقاها ولو بمحض الصدفة، ليس لديه شجاعة للمواجهة الآن، بعد أن وضعه والده في موقف يحسد عليه، استدار ليختفي هربًا منها إلا أن سفنه لم ترسى عند مرفأه الذي يرغب به، بل عصفت به الريح وجعلته يتخذ مسارًا آخر، حينما وجدها ماثلة أمامه تطالعه بنظرات حانقة ملتهبة بنيران الغضب، ازدرد ريقه بصعوبة وكأنه طفل صغير في انتظار عقاب أبيه، ابتسمت بسخرية، ووضعت يدها في خصرها قائلة باستخفاف :- يا أهلًا بعريسنا !
مسح بكفه الغليظ على وجهه بنفاذ صبر، أكان ينقصه حديثها اللاذع ذاك ؟ هتف بنبرة جاهد أن تكون هادئة :- يا نورا أنتِ مفهماش حاچة .
رددت بتهكم واضح :- تصدق صُح ! طيب ما تفهمني أنت الحقيقة، الحمد لله ربنا كشفك ليا قبل الفاس ما توقع في الراس .
أنهت كلماتها وهمت بالذهاب إلا أنه أعاق حركتها، حينما جذبها من ذراعها قائلًا بغيظ :- نورا أعقلي إكدة واسمعيني، مكنتش واعي للي چرا .
سحبت ذراعها منه، ورددت بغضب :- مليش صالح كل واحد بيشيل شيلته، هملني لحالي .
أردف بألم يعذب نطفته التي تقبع في أضلعه :- أهملك ! بعد كل دة وبتقوليلي هملني ؟
ربعت يديها قائلة بخيلاء :- أيوة تهملني، هو أنت مفكر إني هربط حالي بواحد هيتچوز كمان أيام ! لاه دة أنا نورا يا واد عمي اللي زي الفريك مبحبش شريك . بقلم زكية محمد
أردف بلهفة :- هطلقها بس بعد ما الحديت يسكت والناس تبطل رط .
رفعت حاجبها باستنكار وتابعت بخبث :- لاه مينفعش الحديت دة وياي، يا تهملك منيها البت دي، يا تنسى إن حداك بت عم اسمها نورا .
أنهت كلماتها وهي ترمقه باحتداد، فلقد باء مخطط والدتها بالفشل في الإيقاع بين الإخوة، استدارت ورحلت والغضب كالطير يحوم فوق رأسها، بينما زفر بموجدة ونشب حريق هائل بصدره، حتى كاد يصاب بالاختناق فخرج هو الآخر ينفث عن كمده .
في ركن بعيد عن تلك الضجة، اجتمع بابنه على انفراد، نظر حوله بأعين ذئب حذر، مشط المكان بعينيه قبل أن يهتف بصرامة وجدية :- بص يا راضي تهملك واصل من الحريم وشغلها ما بيچيش من وراهم غير الغم، لازمًا تفوقلي إكدة وتصحصحلي.
هتف بانتباه شديد :- خير يا أبوي .
أردف بحذر وخفوت :- الأيام اللي چاية عينك تكون وسط راسك، الزرعة خلاص قربت تتحصد عشان تتباع، رايدين ناخد حذرنا وخصوصًا عمك وعياله اللي طبوا علينا كيف القضا المستعچل .
أومأ بفهم وردد بثقة :- متخافش يا أبوي هنخلوا بالنا زين، متقلقش .
أردف بهدوء :- تمام انت ولدي اللي محدييش غيره، أنت اللي هتبقى خليفتي رايدك تشرب الصنعة زين .
ابتسم له بطمأنينة قائلًا :- ربنا يديك طولة العمر يا أبوي، متخافش دة الصنعة ساهلة ورايدة دماغ متفتحة وبس .
نهض وردد بهدوء :- طيب يلا بينا نعاود وسط الناس عشان مياخدوش بالهم .
بالداخل وبالتحديد بالمطبخ، حيث تجلس بإحدى زواياه، تتطلع أمامها بشرود وكأنها نسجت عالماً آخر لها، تهرب فيه من هذا الواقع، تساءلت بداخلها لم لا تشعر بالبهجة، وهي ستقترن به ؟ لم ما عاد لها شغف في رؤيته ؟ خيم الخوف منه على جدران فؤادها، يا للعجب أبعد أن كانت تقف بالساعات دون كلل تنتظر رؤيته، أصبحت الآن تتحاشى كل شيء يذكرها فقط به، لمعت الدموع بعينيها على ذلك الجرم العظيم الذي أُلصق بها، وما هو إلا بهتان كبير، هي بريئة منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب .
تقدمت منها والدتها التي هتفت بسخرية :- موقفاش تطلعي على الچدع زي عادتك يعني ! زهقتي ولا خلاص مبقاش حلو دلوك ؟
جذبتها من موجة التيه التي كانت تغرق في منتصفها، ورفعت مقلتيها المتورمة الدامية نحوها، وهتفت بصوت وهن يكاد يكون مسموع مختلط بوجع :- بزيداكِ يا أما حديتك بيقتلني الله يرضى عنك .
مصمصت شفتيها بسخط قائلة :- طيب زين أنه بيقتلك يعني لساتك بتحسي، طيب ما تحسي بالمصيبة اللي غرقتينا فيها دي يا شيخة، روحي يا وچد قلبي غضبان عليكِ ليوم الدين .
مسكت يدها وجلست أرضًا ورددت برجاء ملح :- لاه يا أما أحب على يدك متقوليش إكدة، أنا مليش غيرك والله، من وقت ما وعيت ع الدنيا وأنا مخبرش غيرك، خلينا نمشي مريداش أتچوزه .
جذبتها من شعرها الذي يغطيه وشاحها بعنف قائلة بغضب :- رايدة تفضحينا بعد ما الراچل هيستر عليكِ، مش دة اللي كنتِ بتقعدي لنصاص الليالي في الشباك عشان توعيله ؟ دلوك بقى كُخة !
أردفت بدموع غزيرة تتساقط على وجنتيها فغمرتهما بالمياه بعد أن فاضت :- والله يا أما ما حصل بيناتنا حاچة دول كدابين .
اتسعت عيناها بذهول قائلة وهي تشير على دليل ما يثبت صدق حديثهم :- ودة جه من وين ؟ لما هما كدابين ! يا خسارة يا وچد يا خسارة، منك لله كسرتيني وحطيتي راسي في الطين وسط الخلق، مخبراش اتحدت وياهم لما بيبصولي إكدة، قتلتيني بالحيا يا وچد .
هزت رأسها بنفي قائلة بتأكيد :- والله يا أما كيف ما بقولك، طيب لو ممصدقاش نروح للحكيمة وساعتها هتعرفي إني ما بكدبش واصل، أحب على يدك يا أما بلاها المعاملة الشينة دي، رايدة تاخديني في دراعاتك طمنيني يا أما أنا خايفة .
دفعتها بقوة قائلة وهي تحارب شعورها الداخلي، الذي يود ضمها بقوة يحميها من العالم بأسره، ولكنها تظاهرت بالجمود فما فعلته ليس بهين ورددت بقسوة :- تستاهلي اللي بيشيل قِربة مخرومة بتخر على راسه .
تركتها وغادرت وهي في أمس الحاجة لها، احتضنت نفسها تحاول بث الطمأنينة بداخلها، بعد أن هرب الأمان من دروبها بعد فعلته ومن نظراته في ذاك اليوم، والتي لو كانت رصاصًا لقتلتها في الحال حينئذ، أخذت تفكر دون هوادة بما ستفعله، فهي ضائعة في طريق دلفته دون أن تحسب له .
وفي مكان آخر حيث هي، تقبع بين ذراعي والدها تبكي بحرقة، وبعد ماذا فما عاد الندم ينفع بعد ذلة قدم صاحبه، عضت على أناملها بندم ودت لو يعود الزمان، يقلص فترته فما كانت ستفعل ذلك، فها هو أخيها يدفع ثمن أخطائها، ربت والدها على رأسها بحنو، فهي مازالت صغيرة وعدم وجود أم أو شقيقة تنصحها، ربما أثر ذلك عليها فلكل حصان كبوة، هتف بهدوء :- بكفياكِ يا ملك بُكا عاد، بزيدانا هم أخوكِ دلوك .
هتفت بصوت متحشرج :- لاه يا أبوي، خوي في الحچز بسببي يا ريتني موت ولا حصل اللي حصل .
نهرها بعنف مرددًا بوجل :- وه ! وأنا أروح وين من بعدكم لما رايدة تهمليني، غلطي يا ملك غلط واعر .
ابتعدت قليلًا لتكون في مواجهته، وشرحت له كل شيء والسبب الذي قادها لفعل ذلك، وما إن انتهت أردف بلوم :- وهو عشان تغظيها تعملي عملتك دي ! لاه يا ملك بردو مش هيشفعلك غلطك، تقدري تنسي الناس طيب بلاها دي، تقدري ترچعي ثقتي وثقة أخوكِ فيكِ تاني ؟
طالعته بصدمة جلية على محياها، الذي ذبلت ملامحه :- كيف يا أبوي ؟
نظر أمامه وردد بجمود :- يعني تنسي إنك تطلعي تاني من الدار غير على بيت عدلك غير إكدة ميلزمناش .
هوى قلبها تحت قدميها، وشعرت بتيار ماء جارف جذبها معه نحو الهلاك، أحلامها أضحت غبار لا قيمة لها ؟ لا لا لن يحدث ذلك أبدًا، يا الله ما الذي اقترفته لتنل هذا ؟ أيتها الغبية ألا تعلمين ؟
سحبت كف والدها وأخذت تقبله مرارًا وتكرارًا قائلة بهلع :- لاه يا أبوي أعمل أيوتها حاچة، بس إلا العلام يا أبا أحب على يدك متقتلنيش بالحيا، والله ما هعمل إكدة تاني واصل خلاص اتعلمت يا أبوي .
هز رأسه بأسى وتابع بنفس الجمود :- معادش ينفع دلوك اعتذارك يا ملك، كأنك بتقولي يا كوباية يا اللي اتكسرتي عودي من تاني .
انخرطت في نشيج حار، وهو يراقبها ما بين قلب لين وعقل عاص يعنفه، ويخبره بأن ما تفعله هو الصواب .
**********************************
بعد يومين ذهب فيه بهدوء برفقة والده وأشقائه اللذان شهدا على عقد زواجه، ووالدتها ووالدته حتى لا يثيروا الجدل، ويكونوا صادقين في حديثهم الذي ابتدعوه ليصمتوا ألسنتهم، بعد أن انتهوا عاد كل منهم إلى وجهته.
ليلًا ظل يذهب ويجيء بداخل غرفته، يود تحطيم ما بداخلها لعله يطفئ ألسنة اللهب التي اشتعلت بخلاياه، ابتسم بسخرية أبعد كل ذلك يتزوج بهذه الطريقة، من فتاة لا يعرف عنها أي شيء، حتى أنه لا يتذكر ملامحها في المرة التي رآها بها، شعر بأنه على شفا جرف هار من الجنون، وسيسقط في أعماقه يغرق به، نزل مسرعًا للأسفل في طريقه للإسطبل، ولكنه توقف حينما سمع صوتًا يأتي من المطبخ، فتوجه ناحية الصوت وما إن دلف وجد جسدًا صغيرًا لا يتبين ملامحه، من الظلام الذي يغطي المكان إلا من بعض ضوء القمر الذي تسلل من النافذة، وألقى بأشعته الهادئة على الظلام .
شعرت بالعطش الشديد بعد ساعات قضتها في النحيب، فتحت البراد وتناولت زجاجة مياه وارتشفت منها حتى ارتوت، وما إن استدارت لترحل وجدت جسدًا يقف على مقربة منها، أطلقت صرخة مدوية كان نصيبها أن توأد عندما كمم فيها بيده، وألصقها بالجدار هامسًا بغل وغضب مكبوت :- اكتمي بدل ما أقتلك وأتاويكي في الچبل .
اتسعت مقلتاها بذعر، حينما استنشقت رائحته التي تعرفت عليها فورًا، ارتجف سائر بدنها وأخذ صدرها يصعد ويهبط بعنف، تطالعه برعب وذكريات تلك الليلة تجوب بعقلها، خشية أن يكرر ما فعله مسبقًا .
شعر برجفتها تحت يديه، واستطاع رؤية الوجل المشكل بحدقتيها على ضوء القمر، بينما هتف هو بسخرية :- وه بتترچفي ليه ؟ مش دة اللي أنتِ رايداه ؟
هزت رأسها بنفي وهي تعلن قلبها الذي فكر فيه يومًا، ليتابع هو بقسوة وهو يضغط على ذراعها الغض :- مين اللي سلطك علي يا بت أنتِ ؟ ها انطقي .
أحدثت همهمة غير واضحة، فأبعد يده فقالت بخفوت وتلعثم :- محدش زقني عليك، نصيبي الأغبر اللي وداني عند الخيل في الساعة دي .
رفع حاجبه باستنكار قائلًا بازدراء :- بقولك إيه شغل التلات ورقات دة ميخيلش علي، لو مقولتيش مين اللي وزك علي هوريكِ أيام أسود من شعرك .
ألجمتها الصدمة وهي تطالعه بعدم تصديق، صحيح المظاهر خداعة، أذلك هو الذي هامت به عشقًا ؟ أهو نفسه من يقبع أمامها ؟ شعرت بنصل حاد يمزق ضلوعها بحدة دون شفقة، نزلت دموعها ترثي الحلم الضائع الذي نسجته في مخيلتها، لتستيقظ على واقع مرير وموجع .
شهقت بألم حينما غرس أظافره بذراعها مجددًا وأردف بفحيح :- انطقي وقولي مين اللي زقك ؟
أردفت بمرار :- محدش زقني محدش، رايد تصدق صدق مرايدش براحتك .
صمتت لتتابع بكذب، فيكفي كرامتها المهدورة لتضيف المزيد من الوجع عليها :- أنا روحت أشوف في أكل عند الخيل ولا خلص، وفجأة أنت ظهرت قبالي، و ……. بقلم زكية محمد
صمتت وعضت على شفتيها بحزن، فماذا ستخبره وهو لا يتذكر ما فعله بها، والذي بسببه جعل والدتها تقاطعها، وهذا ما يؤرقها فأي شيء يهون عداها هي .
هزها بقوة قائلًا بغيظ دون أن يلحظ ما يرميه من خناجر من كلام، فتتوجه تصيب هدفها بسهولة ويسر :- أوعاكِ تفكري إنك إكدة بقيتي مرتي بحق وحقيقي، كلاتها شهرين بالكتير وأطلقك وأتچوز اللي حرمتيني منها بعملتك دي .
سحبت نفسها من تحت قبضته بصعوبة، ورددت بقهر :- أعمل اللي أنت رايده، أنا اللي بكرهك ومريداش العيشة وياك بعد اللي عملته فيني، كنت فكراك بني آدم طلعت ديب سعران تنهش وبس .
رفع يده وكاد أن يهوى على وجنتها بقوة، ولكنه توقفت في الهواء ضاغطًا عليها بقوة، بينما انكمشت بخوف في انتظار صفعته، إلا إنها لم تجد شيء ففتحت عينيها لتجده على تلك الحالة، تراجعت للخلف بحذر، ليغادر هو المكان بسرعة قبل أن يفتك بها تلك الحمقاء التي جعلته يغلي كالمرجل، أسرعت هي إلى الغرفة الخاصة بهم، لا تصدق أنها نجت من براثنه، وتمددت إلى جوار والدتها الغافية، واحتضنتها بخوف تستمد منها بعض الأمان الذي فقدته .
********************************
بعد مرور أسبوع في مجلس الرجال، حيث اكتظ المكان بالحشد الذين سيشهدون على عقد قران ابنة “سالم”.
كان يجلس والدها إلى جوار المأذون الشرعي، وعلى الجانب الآخر “راشد” الذي يبتسم بنصر لتحقيقه مبتغاه .
ما إن هم المأذون بالحديث، دلف هو بهيبته المعتادة، وردد عليهم التحية ليقف قبالتهم وهو يهتف بخبث :- ينفع يا شيخنا تچوز واحدة متچوزة بردو ؟ ………

يتبع…
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية وجلا الليل)

اترك رد

error: Content is protected !!