روايات

رواية ديجور الهوى الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم فاطمة طه سلطان

رواية ديجور الهوى البارت الرابع والعشرون

رواية ديجور الهوى الجزء الرابع والعشرون

ديجور الهوى
ديجور الهوى

رواية ديجور الهوى الحلقة الرابعة والعشرون

أخافُ أن يتسرب الحزن من عيني إلى العالم فيجعله هادئًا باردًا كقلبي تمامًا.
#مقتبسة
كُل ألفاظ الوداع مُرّة ، والحرُوب مُرّة ، والموت مُر ، والشّوق مُر ، وكُل شيء يسرِقُ الإِنسان مِن الإِنسان مُر.
#مقتبسة
مابال الإشتياق الذي أحملهُ في صدري لايتوقف عن التكاثُر فإني دون وعيٌ وإدراك تخرج ألف تنهيدةٌ من
عُمق جوفي، أتمنى لو ينتشل من صدري ولو لبضع ساعات.
#مقتبسة
_______________
بعد أن أدت شمس رقصتها ولجت إلى الحجرة..
لتجد والدتها تجلس على الفراش بأريحية وعبده يقوم بعد النقود وابتسامة راضية مرسومة على وجهه بينما مريم تقوم بجمع أشيائها من فوق الطاولة.
سحبت شمس الشال الحريري المتواجد على الفراش ووضعته على أكتافها العارية ثم أقتربت من الطاولة لتصيح بجنون:
-فين الألفين جنية اللي كانوا هنا اللي سيبتهم قبل ما اخرج من الأوضة وانزل تحت؟!!!.
تمتمت سوسن بنبرة هادئة وهي تعتدل من فوق الفراش منتبهة لحديث ابنتها:
-ألفين جنية ايه يابت؟!.
قالت شمس وهي تنظر ناحية مريم بنظرات شك هكذا ترجمتها سوسن:
-في ألفين جنية كنت سيباهم هنا على الترابيزة هو أنتِ اخدتيهم ياما؟! ولا اخدتهم أنتَ يا جوز امي؟!…
تمتم عبدة بنبرة ساخرة بعد أن توقف عن العد:
-ألفين جنية ايه اللي هاخدهم؟! ده أنا لسه داخل وراكي وأنتِ بتقولي سيباهم من قبل ما تنزلي وأنا مكنتش موجود.
أردفت شمس بغيظ وغضب:
-أنتِ ياما اللي اخدتيهم؟!.
عقبت سوسن بسخرية:
-ما لو اخدت حاجة هقولك يا بنتي، وبعدين أنا لما دخلت الأوضة مشوفتش حاجة.
قالت شمس بنبرة ذات معنى وهي تنظر ناحية مريم:
-اومال مين اللي اخدهم هو مين اللي كان في الأوضة؟!.
تمتمت سوسن بلا مبالاة:
-البت مريم هي اللي كانت قاعدة زي كل مرة.
وهنا أقتربت شمس من مريم المنهكمة في جمع الأشياء في الحقيبة الجلدية الخاصة بها:
-أيه ياست مريم؟! مش سمعاني بتكلم ولا اطرشتي؟!.
عقبت مريم بنبرة مرتجفة بعض الشيء:
-هو ايه الي اطرشت يا شمس ما أنا سامعة اهو.
صاحت شمس بسخرية وهي تمسك أحدى ذراعيها:
-ومدام سمعتي يا ست الشحرورة، مردتيش ليه؟!!! فين يابت الألفين جنية اللي كانوا في الاوضة؟!.
هتفت مريم بنفي وارتباك:
-وأنا هعرف منين يا شمس بس، أنا كنت قاعدة بلم حاجتي ولا اخدت حاجة ولا غيره.
أردفت سوسن باستغراب:
-مفيش حد كان في الاوضة غيرك يابت يا مريم اكيد أنتِ اللي اخدتيهم..
أسترسل عبدة عد النقود ولم يهتم بما يحدث فقالت شمس بسخرية:
-قالوا للحرامي أحلف يا بت، وبعدين امي قالت مفيش غيرك كان هنا، طلعي الالفين جنية يابت، هو أنا بستسخر فيكي حاجة ما أنتِ بتهُبري على قلبك كده كده ومحسباكي والالفين جنية دول باقي الفلوس اللي اديتك منها فلوسك، وجيت ملقتهمش وأنا متاكدة اني سيباهم هنا.
عقبت مريم باستنكار:
-هي حصلت يا شمس بتتهميني بالسرقة؟! وأنا اللي طول عمري سرك وغطاكي وعارفة حقيقتك وعمري ما اتكلمت ده جزاتي يتقال عليا حرامية في الاخر؟!!.
أردفت شمس بجدية وهي ترمقها وترمق حقيبتها الجلدية السوداء الموضوعة عند كتفها والتي تمسكها بحرص:
-لا يا حبيبتي متعشيش الدور عليا، وبعدين ريحي نفسك أنا اتفضحت واللي كان كان يا حبيبتي، هاتي الشنطة اللي أنتِ مكلبشة فيها دي.
تمتمت مريم برفض شديد وهي تحاول أن تبتعد عنها ولكن وقفت خلفها سوسن لتسد عليها الطريق:
-لا طبعا أنتِ اتجننتي.
هنا تحدثت سوسن بنبرة متهكمة:
-مدام أنتِ واثقة في نفسك أنك ماخدتيش حاجة افتحي شنطتك وريها ليها وخلصينا من الهم ده عايزين نروح بقا.
هتفت مريم بارتباك وهي تنظر إلى شمس برجاء في نهاية حديثها:
-أنا واثقة في نفسي بس برضو مش أنا اللي اتفتش.
جذبت شمس من ذراعها الحقيبة عنوة عنها مما جعل مريم تشهق. وهي تجدها تفتح الحقيبة تحت أنظارهم وقامت بتفريغها على الفراش لتجد نضارة شمسية ومناديل ورقية ومحفظة جلدية وعدة ورقات أخذت شمس تقوم بعدهم بابتسامة ساخرة تحت أنظار مريم..
وبعدها قامت بفتح المحفظة لتجد النقود التي أعطتها لها، وبضعة ورقات لا تتجاوز المئتي جنيهًا..
صاحت شمس بسخرية:
-والله ودول ايه بقا ان شاء الله؟!.
أردفت مريم بنبرة عادية:
-عادي فلوس كانت معايا.
خرجت ضحكة ساخرة من شمس وهي تقول:
-والله وسبحان الله طلعوا ألفين جنية بالظبط، هي الفلوس اللي سيباها؛ بقولك ايه خدي فلوسك وحاجتك وانا مش عايزة اشوفك تاني ولا اشوف وشك..
أخذت مريم تأخذ أشيائها دون قول كلمة واحدة وغادرت الغرفة تحت صياح سوسن:
-شوفي البت سرقتك ادي اخرة اللي تطبطبي عليه، ياما قولتلك البت دي سهنة ولئيمة مصدقتنيش تقوليلي دي غلبانة ووحدانية، أنتِ عمرك ما سمعتي كلام أمك، لولا أننا في الفندق لكنت عجنتها في ايدي.
هتفت شمس بارهاق:
-خلاص الموضوع خلص مش عايزة اشوف خلقتها تاني واهو الواحد مش بيتعلم ببلاش واتقي شر من أحسنت إليه، أنا هشوف غيرها.
أردفت سوسن بصلف:
-اهم حاجة تسمعي كلام أمك بعد كده لما تقولك دي لا يبقى لا….
____________
-ألف سلامة عليك يا ابني.
قال توفيق تلك الكلمات وهو يجلس على المقعد الخشبي بجانب الفراش المستلقي عليه داغر؛ وعلى الفراش بجانب داغر يجلس كمال…
هتف داغر بحرج ونبرة مختنقة:
-مكنش له لزوم تتعبوا نفسكم ده شوية برد عادي لا أكتر ولا أقل.
تمتم كمال بنبرة ذات معنى وعتاب كبير فمهما كان هو لا يقبل معاملة شقيقته بأي شكل من الأشكال:
-أفنان قالت انك تعبان اوي وكنت سخن، وقولتلها نجيب دكتور بس قلقت تتعصب عليها…
قال داغر محاولا قول أي شيء قد يُجدي نفعًا:
– يعني مكنتش عايز اقلقكم على الفاضي، الموضوع مش مستاهل أصلا ولما اخدت العلاج اللي اديتهوني بقيت كويس عن الصبح، الحمدلله يعني مفيش حاجة……..
عقب توفيق على حديثه باهتمام:
-الحمدلله يا ابني أنك دلوقتي أحسن.
أسترسل توفيق حديثه بنبرة هادئة وماكرة:
-أنا خليتهم ينضفوا اوضة شريف علشان فهد ينام فيها لأن حاسس نومه مع امه لغايت دلوقتي في الاوضة مش حاجة حلوة، وعلشان كمان ميتعديش أنا سمعت من أفنان أن مناعته ضعيفة..
نظر له كمال بغيظ وهو يعقد ساعديه ولم يعقب على تلك النقطة….
وأيضًا داغر لم يجد تعقيب مناسب رغم أن الأمر أعجبه كنه فجأة تحدث:
-بس أفنان قالت أنه مبيعرفش ينام لوحده؟!..
عقب توفيق على حديثه بهدوء وبصوت رخيم:
-اللي مبيعرفش بيتعود يا داغر وده أحسن؛ وبعدين أنا كنت جاي علشان أتكلم معاكم في موضوع تاني أنتم الاتنين.
سأله كمال باستغراب:
-موضوع أيه؟!..
هتف توفيق بنبرة هادئة تحت نظرات الاثنان المهتمة:
-فاكرين العمارة اللي بانيها من سنين ناحية **** *****.
عقب كمال بجدية:
-أيوة اللي ولا عايز تبيعها ولا عايز تعمل فيها حاجة.
تمتم توفيق بهدوء وتوضيح:
-العمارة دي ليكم يا ولاد، شقة ليك يا كمال، وشقة لأمك، وشقة ليا ده لو عرفت اعيش في حتة تانية غير هنا، وشقة لاختك وشقة لداغر، وشقة لبكر، وشقة لشريف…
قطع داغر حديث توفيق معترضًا:
-طب هو ابنك ودول أحفادك، ليه شقة ليا أنا؟!.
عقب توفيق وهو يرفع عكازه ويلكزه به بخفة:
-أنتَ كمان حفيدي زي ما أنتَ حفيد أخويا يا *** وبطل طريقتك دي معايا، محدش فيكم هيكبر عليا..
أبتلع توفيق ريقه ثم قال بوضوح:
-العمارة دي ليكم ولاولادكم تلموهم حوالين بعض، لان حتى بعد موتي مش عايزكم تتفرقوا كلكم عن بعض ويمكن في المستقبل كل واحد فيكم يحب يكون له خصوصية لوحده وساعتها البيت هنا يكون صغير عليكم بس برضو ساعتها لازم تكونوا كلكم حوالين بعض.
تمتم كمال وداغر في نفس واحد:
-بعد الشر عليك.
أبتسم توفيق وهو يغمغم بنبرة هادئة تناسب سنه:
-محدش مخلل فيها، العمارة هتكون خارج ميراثي وخارج أي حاجة تانية دي هدايا ليكم كلكم على حياة عيني، وورث أبوكم مني يا كمال مكتوب من يوم ما مات يعني بعد موتي هتاخدوا نصيبكم اللي كان الغالي هياخدوا عند موتي، أنا محضر كل حاجة، ومش قلقان من حاجة إلا حاجة واحدة.
عقب كمال وهو ينهض ويجثو على ركبتيه ليقبل يد جده قائلا:
-حسك في الدنيا أنتَ الخير والبركة أحنا من غيرك ولا حاجة أنتَ كنت الجد والأب لينا.
-ربنا يخليك يا ابني، بس سبيني اكمل كلامي، أنا عايزك تتكلم مع فردوس بعد فترة كده..
ضيق كمال عيناه وسأله باستغراب:
-اتكلم معاها في أيه؟!!!.
كان داغر يتابع الحوار بصمت وتركيز وفضول لن ينكر…
قال توفيق مريحًا فضول الاثنان من يعبر، ومن يصمت:
-احنا عايزين ندفع دية حسن، واخوك شريف لازم يسلم نفسه، أنا كلمت هلال النهاردة الصبح وكل فترة بتكلم أنا وهو، علشان نوصل لحل لأنه مش عاجبه حال شريف…
تمتم كمال مردد حديث جده بذهول:
-دية!! حضرتك بتقول ايه؟!!.
هتف توفيق مستفيضًا في الشرح:
-اخوك قتله في الخناقة بالغلط لما وقع على دماغه هو ساعتها كان متعصب ومش نيته يقتله بالمعنى الحرفي وهلال قالي هنتعامل على الأساس ده، ومن حق فردوس بما انها الباقية من عيلته أنها تاخد دية أخوها، واخوك يسلم نفسه هلال قالي هياخد سنة او سنتين ومش أكتر من خمس سنين…
هنا أقتحم داغر الأمر قائلا:
-ايوة بس الكلام ده كان في ساعتها لكن ده داخل في سنين هربان، وده في حد ذاته هيزود العقوبة عليه غير موضوع انه عايش باسم شخصية تانية.
تمتم توفيق بنبرة هادئة:
-هلال قالي هيشوف صرفة هو وابوه فاهمين وعارفين هما بيعملوا ايه وليهم ألف صرفة وألف دخلة وهو بيتكلم صح، عيشة شريف كده مش عيشة لازم نعمل اللي كان المفروض يعمله زمان، حتى لو قضى في السجن سنة ولا اتنين أحسن ما يفضل عايش مسجون طول حياته باسم شخصية تانية.
كان كمال يسمعه ولا يدري ما التعقيب المناسب الذي عليه قوله في أمر هكذا….
تذكر مكالمته مع شريف وعتابه له، واخباره بأنه كان يوجد العديد من الحلول غير ما فعله، ولكن هذا حديث يخبره به فقط حتى يكف عن تهوره منذ ان كان مراهقًا ولكنه يرى بأنه لو كان مكانه لفعل الامر ذاته دون تفكير….
تمتم توفيق بنبرة ذات معنى:
-مش عايز اموت وحفيدي ميحضرش جنازتي او يحصل اي ظرف ميعرفش يشوفنا…
“بعد الشر عليك”
خرج من فم الاثنان مرة تانية..
فاسترسل توفيق الحديث بنبرة جادة:
-أنا شايف أن ده أنسب حل، ولازم نفكر فيه ونوجد حل نهائي للمشكلة دي، هلال قالي أفكر واخد وقتي وكده كده مش عايزني افاتح شريف دلوقتي لأنه بيقولي هو دلوقتي مش هيتقبل كلام لأن في حاجة شاغلاه بس مفهمتش ايه اللي شاغله يعني؟!، المهم انا حبيت أقولكم اللي ناوي اعمله لأن محدش ضامن عمره، وانا فهمت بكر على حوار العمارة.
هتف داغر باستغراب وتردد:
-يعني معقول الموضوع ممكن يتحل!!.
خرجت ضحكة ساخرة من كمال ولا يدري لما يشعر بالراحة بسبب حديث جده..
لسبب ما هو يعرف فردوس ويعرف شقيقه أيضًا..
عقب توفيق بتوضيح أكبر:
-اصلا ايمان وابن خالة عبد الرحيم شهدوا أنها كانت خناقة وده هيفيدنا لو اللي عطله زمان موضوع حمل افنان وبعدين الحاجات اللي كانوا بيحكوا عليها دي لازم نحل الموضوع في أقرب وقت ممكن وفكروا في كلامي كلكم ونبقى نتكلم وقت تاني…
______________
بعد مرور ساعة تقريبًا كان كمال يجلس على الأريكة في المكتب يستعد للنوم، بعد ما سمعه من جده لم يكن لديه الطاقة للصعود والنوم معها في غرفة واحدة كما وعدها ليلة أمس…
وقامت بالفعل بإرسال رسالة..
“مش هتطلع؟!”
كان رده عليها بسيطًا قبل أن يضع الهاتف على الطاولة..
“لا عايز أكون لوحدي”
هكذا انتهت الليلة بالنسبة لفردوس بخيبة أمل، وكأن محاولاتها معه لم تجدي نفعًا، هو بالفعل بات لا يرغب بها، لقد سأم حسب ظنها..
وبالنسبة لكمال لم تنتهي ليلته هناك الكثير من الأمور تشغله….
حديث جده يدور في عقله ولا يتوقف..
______________
-اتفضل.
قالت أفنان كلمتها تلك بعد أن وضعت الحساء بجانب الفراش على الطاولة الخشبية التي أتت بها وبجانب الحساء واللحم المسلوق كان يتواجد الأدوية التي بدأت أن تجدي نفعًا عليه ومعهما كوب من الماء.
كانت على وشك الرحيل فتحدث داغر في استغراب:
-رايحة فين؟!.
عقبت أفنات على حديثه بنبرة عادية:
-رايحة لفهد أشوفه نام مع جدو ولا لا لانه كان نعسان لو منامش هوديه اوضة شريف..
تمتم داغر بنبرة يحاول جعلها هادئة:
-اعتقد لو مغلبه أو في مشكلة كان قال ليكي فعلشان كده خليكي معايا شوية…
لم تفهم أفنان نبرته ولكنه أسترسل حديثه بنبرة خشنة:
-يعني علشان عايز أتكلم معاكي شوية، أقعدي..
وبعد كلماته تلك أعتدل في الفراش وترك لها مكان…
وبعد هدوئه هذا ونبرته الجيدة لم تستطع حل سوى أن تجلس قبالته متمتمة بتوتر:
-اتفضل يا داغر عايزنا نتكلم في أيه؟ .
قاطعها داغر قائلا بنبرة خافتة ولم يرضى كب الرضا التام على نبرته ولكنه شعر بأنه يجب عليه قولها:
-أنا يعني مكنش قصدي اللي قولته ليكي أنا بس كنت منفعل شوية.
ألجمها أخذت تنظر له افنان وهي تحاول استيعاب ما سمعته منه، هل حقًا يقصد أن يعتذر منها بطريقة غير مباشرة كما فهمت؟!.
هل هذا داغر التي تعرفه؟!
أم أنه شخص أخر؟!!
تمتم داغر في ضيقٍ حقيقي وهو يعتدل ويجلس في نصف جلسة:
-أنا غلطت لما طول الوقت كنت بزعق فيكي، وبقول كلام يجرحك، هحاول مكررهاش تاني، بس ربنا وحده يعلم أيه اللي فيا من ساعة لما رجعت وشوفت فهد وعرفت اللي حصل عارف أنه مفيش طريقة تانية كنتوا تحلوا بيها الموضوع بس أنا لغايت دلوقتي بحاول أتقبل الوضع ومش عارف.
نظرت له افنان بامتنان وهي تقول بصدق شديد:
-مهما قولت ومهما عملت صدقني أنا عذراك ومدياك الحق أه بتصعب عليا نفسي ساعتها بس أنا عارفة أن اللي علمناه لو حد غيرك كان قوم الدنيا حريقة، فكتر خيرك أن هناك قدامهم مقولتش حاجة على الاقل قدام امي وفردوس وعمي.
ابتلعت ريقها ثم قالت بوضوح أكبر:
-داغر أنا بحترمك وعمري ما هنسى اللي عملته معايا، بس أنا مضغوطة أنا مش كويسة زي ما أنتَ قولت ولا قاعدة ومفضية دماغي ومش مستوعبة اللي حصل، أنتَ متعرفش أيه اللي فيا يا داغر…
سألها داغر بجدية واهتمام:
-أيه اللي فيكي؟! عرفيني..
أبتلعت ريقها ورفعت بصرها لتجده ينظر لها بنظرات مهتمة ومُلحة نظرات أربكت عقلها ولم تجد نفسها سوى وهي تقول:
-أنا حاسة بالذنب يا داغر ساعات بنام من كتر التفكير، بنام هروب من الواقع، أنا عارفة كويس ان حياة كمال مدمرة حتى لو اتجوز واحدة تانية؛ وعارفة أن مستقبل شريف ضاع بسببي ، استحالة أكون مفضية دماغي، يمكن غلطي سكوتي مرة ورا التانية، واني مفكرتش أقول لحد أي حاجة من أول ما الموضوع بدأ.
تمتم داغر بنبرة تلقائية:
-وبعدين.
لا تدري لما كانت ترغب في البوح بكل تلك الأشياء له متمتمة:
-أنا شوفت المُر يا داغر، أنا كنت عايزة أنزل فهد مكنتش عايزة أخلفه، بس أنا اصلا عرفت متأخر اوي، وكان الوقت عدى اني اعمل اي محاولة وصحتي وكل حاجة فيا كانت ضعيفة كنت ببات في المستشفى كتير اوي وانا حامل فيه.
ابتلعت ريقها ثم أسترسلت حديثها:
-وهو اتولد ضعيف جدًا، مكنتش عارفة ساعتها اروح الجامعة بعد ما شريف نقل ورقي واتصرف، ولا اراعيه ولا اعمل ايه، انا حياتي اتشقلبت وساعتها مكنتش مستوعبة الوضع اللي أنا فيه كنت اصغر من اني افهمه كنت بتمنى الموت كل يوم.
صمتت وهبطت دمعة من عيونها ولكنه تحدث بإصرار ورغبة في أن يسمع منها:
-كملي أنا سامعك..
ولم تبخل عليه فقالت بوجع:
-أول فترة بعد ولادة فهد كان في ممرضة وواحدة تانية معانا في البيت هي اللي بتشيله؛ أنا قعدت شوية ويمكن كذا شهر عقبال ما استوعبت اللي حصل، واستوعبت ان بقى عندي طفل لازم اهتم بيه، وطفل بالطريقة دي، وعلى فكرة أحنا مسجلناش فهد أول ما اتولد، لا فضلنا شهور نتناقش أنا وشريف، وكل ما أرفع سماعة التليفون وأكلم جدي أو كمال الاقيهم ملهين في حوار يخص ماما غير أنهم كانوا رافضين يكلموني في البداية أصلا..
أبتلعت ريقها وقالت في ألم فظيع يحتل قلبها ولكن اذا رغب في معرفة ما يحدث ليسمع:
-لا أنا ولا شريف حد فينا كان عنده الجراءة يقولهم مصيبة جديدة، يقولهم اني خلفت في عز اللي كانوا فيه، ولما فهد بقا عنده ثمن شهور واكتشفنا مشاكل قلبه والمشاكل اللي عنده كان لازم يتحجز في المستشفى ويعمل عمليات وحاجات كتير كان لازم ساعتها نتصرف ويكون له شهادة ميلاد علشان نقدر نعمل كل اللي نقدر عليه معاه، وهنا بدأت احس اني ام..
نظرت له وقالت باختصار تلك المرة مستوعبة حقًا أنها تتحدث أمام داغر التي كانت ملامح وجهه غريبة لا تستطيع تحليلها:
-كبر وكبرني معاه، مفيش اعتذار أقدر اقوله ليك بس والله كل حاجة حصلت غصب عننا..
ثم وجهت بصرها ناحية الطاولة قائلة:
– كل الاول وبعدين خد العلاج، والمياة اهي المهم صحتك دلوقتي ولما تخف نشوف هنعمل ايه.
تمتم داغر بنبرة مغتاظة وكأنه لم يسمعها فحديثه رغم الألم الذي أصاب قلبه بسببه إلا أنه اغضبه في الوقت ذاته:
-طيب بطلي عياط.
مسحت دموعها بأناملها ثم أردفت بهدوء:
-حاضر، انا همشي بقا.
ألا تريد الاطمئنان عليه حتى؟!
ستتركه وتذهب؟!!..
حسنًا يبدو أنه يتدلل أكثر من اللازم…
هكذا خاطب نفسه، فهو اعجبته لهفتها واهتمامها الشديد به كما لو كان طفلها الثاني حتى لو كان بطريقة عفوية منها….
-تمام.
نهضت أفنان بعد أن كانت تجلس على طرف الفراش قائلة بهدوء:
-تصبح على خير.
-وأنتِ من أهله يا أفنان.
____________
بعد أن خرجت من الغرفة ذهبت إلى غرفة جدها أولا واخذت الصغير منه متحججة بأنه سيأخذ حمامه ويتناول العشاء ولينم في غرفته الليلة..
“في غرفة شريف”.
فكانت تمشط خصلات صغيرها بمشاعر مختلطة، فهي تفتقد وجوده، تحديدًا وهي في غرفته..
هو ليس بشقيق فقط بل هو أب ثاني لها، منذ أن كانت صغيرة وهي تحت حمايته تحاول أن تتخيل مصيرها لولا وجوده..
لم يكن احد ليدعها تعيش حتى تشرح لهم الأمر حتى…
….عودة إلى ما قبل سنوات……
تقف بفستانها الزهري اللامع الذي يليق بها كشقيقة العريس، ولكن ملامحها كانت منطفئة إلى أبعد حد بالرغم من مستحضرات التجميل التي وضعتها فوقها، عيناها حزينة ومتوترة….
كانت أفنان مهووسة بالتصوير مع الجميع وبمفردها وبكل الوضعيات وكانت دومًا تحب أن يقوم شريف بتصويرها لانه يقوم بتصويرها صور فواغرافية رائعة من الزوايا الصحيحة ولكنها لأول مرة لا تفعل ولا حتى تشارك أقاربها والفتيات في الرقص كعادتها الجنونية…
تجلس على المقعد بتوتر رهيب ترسل له العديد من الرسائل حتى اليوم لم تكف عنها..
وهو لا يجيب عليها يرى الرسائل ولا يجيب..
جاء شريف الذي يلاحظ أن بها شيء ما ولا يستطيع تخمينه..
تحدث باستغراب وهو يلاحظ اختفائها عن الأجواء:
-ايه يا افنان مالك مختفية وقاعدة لوحدك هنا ليه؟!.
عقبت أفنان بنبرة متوترة وهي تحاول الخروج من المحادثة بأسرع وقت:
-مفيش يا شريف، عادي بطني وجعاني شوية.
كان شريف يشعر بأنها منذ أيام تغيرت، تغير كل شيء بها وكأنها ليست هي ولكنه كان يحاول تفسيره دومًا بأنها أصبحت فتاة شابة لم تعد صغيرة، وهي كأي أنثى رُبما لديها بعض الأشياء التي تزعجها ولا تود الافصاح عنها او تمر بفترة مزعجة بلا سبب..
فهي لم تعد صغيرة لتركض له وتقص له كل شيء وكان الجميع منشغل بتحضير زفاف كمال، لذلك حاول بقدر المستطاع ألا يعطي الأمر أهمية وقتها..
-غريبة يعني مصدعتيش امي واللي خلفوني بأنك عايزة تتصوري؟!.
قالت أفنان بارتباك:
-مليش مزاج..
تمتم شريف بنبرة حنونة:
-هو ايه اللي ملكيش مزاج؟!، قومي اصورك كام صورة وتيجي تتصوري معانا كلنا اخوكي بيسأل عليكي….
وأخذها تحت أحضانه لتنعض مجبرة ومستجيبة لالحاحه وذهب معها إلى أحد الأماكن وأوقفها قائلا:
-اقفي هنا الصورة هتطلع حلوة الإضاءة والخلفية هتبقى حلوة.
ابتسمت له أفنان وذهبت للوقوف مكان ما يشير لها، وحاولت اخذ وضعية فتمتم بنبرة هادئة:
-هاتي موبايلك أصورك علشان مش عارف سيبت موبايلي مع مين..
وبعفوية شديدة اعطته الهاتف وأخذ شريف يقوم بتصويرها أكثر من صورة بتركيز كبير لعله يخرجها من حالتها تلك، ولكن وسط هذا لفت نظره رسالة نصية أرسلت إليها وظهرت في النصف العلوي من الشاشة وكانت من رقم مسجل بحرف (H)..
“لو محلتيش عن نافوخي أنا هوريكي اللي عمرك ما شوفتيه وهفضحك يا أفنان مع اخواتك وهقول أنك كنتي ماشية معايا”.
وبرد فعل تلقائي قام بالضغط على المحادثة رغم أنه غير معتاد على أن يمسك هاتف شقيقته ويبحث عن اي شيء أو يقوم بالتقليب بداخله..
أخذ يقوم بقراءة الرسائل المتواجدة بينهما لم يفهم معظمها فهو لم يتعمق كثيرًا ولكن ما قام بقرأته كان كفيل بأن يجعل الشرار يتطاير من عيناه، لم تفهم أفنان ما حدث فاقتربت منه قائلة بعفوية:
-ايه يا شريف بطلت تصوير ليه؟! وريني الصور اللي فاتت حلوة ولا لا..
وما أن نظرت على الهاتف ووجدت الرسائل المتواجدة بينها وبين حسن شعرت بالارتجاف، شعرت بأن الموت يحوم حولها..
جذبها شريف من ذراعيها قائلا بجنون:
-ده أنا هقتلك يا أفنان وهوريكي اللي عمرك ما شوفتيه هولع فيكي قصاد الناس كلها…
تحدثت أفنان بتوتر:
-والله الموضوع مش زي ما أنتَ فاهم يا شريف..
جذبها من ذراعيها محاولا الخروج من هنا إلى الخارج قبل أن يقتلها بالفعل:
-ما أنتِ هتفهميني، هتفهميني قبل ما اخلص عليكي لو اللي في دماغي صح، والله ما حد هيدفنك حية غيري….
هنا الخوف دب في أوصالها علمت بأنه ليس هناك مفر، لن تستطيع الكذب فلتخبره بكل شيء وليحدث ما يحدث حتى لو قتلها فهي تستحق هذا…
…….عودة إلى الحاضر……..
فاقت من ذكرياتها على صوت طفلها:
-ماما أنتِ سرحانة في ايه أنا بكلمك..
هتفت أفنان معتذرة من صغيرها فهي لا تدرك كم من الوقت فقدت تركيزها بتعمقها في ذكرياتها:
-معلش يا حبيبي مكنتش مركزة، كنت بتقول ايه؟!.
عبس بوجهه قائلا بضيقٍ:
-بقول ليه هنام أنا هنا؟! أنا اخدت على الاوضة التانية وليه هنسيب بابا لوحده؟!.
منذ أن جاء إلى هنا وهو يسألها الكثير من الاسئلة التي يصعب عليها أن ترد باجابة منطقية عليها في أغلب الأوقات…
ولكنها تحدثت بهدوء:
-يعني جدو شاف أن كده أحسن علشان أنتَ كبرت ولازم تنام في اوضة لوحدك.
عقب فهد بانزعاج ورفض لتلك الفكرة:
-أنا مبعرفش أنام من غير ما تكوني جنبي، أنا عايز أنام معاكي ومع بابا زي الأول.
منذ متى وأصبح يناديه بتلك الطريقة؟!…
ومتى توطدت العلاقة بينهما؟!…
لم يمر الكثير..
والاحتكاك بينهما قليل جدًا..
ما سر هذا التعلق؟!..
هتفت أفنان بحنان:
-أنتَ كبرت ولازم يكون ليك أوضة لوحدك، ولما نروح بيتنا نعمل ليك اوضة لوحدك تختار فيها أنتَ كل اللي تحبه يكون حواليك وتكون بتاعتك أنتَ لوحدك، وبعدين أحنا هنجرب واحدة واحدة مع بعض لغايت ما تتعود تنام لوحدك ايه رايك؟! والنهاردة علشان أول يوم بس هنام معاك هنا.
بدأ يشعر بالقليل من الرضا والاقتناع، ولكن سرعان ما تحدث معترضًا:
-يعني بابا هينام لوحده؟!.
هزت رأسها في إيجاب مما جعله يعقب بنبرة حنونة:
-وهو مش هيزعل؟! ولا هيخاف ينام لوحده؟!.
ضحكت أفنان رغمًا عنها؛ فهي نادرًا ما تضحك من قلبها، ولا يحدث هذا إلا معه هو…
فحقًا داغر!!
داغر التي تعرفه سيخاف من النوم وحيدًا؟!!!!!
كادت أن تخبره بأنه من الممكن أن يصيب مدينة بأكملها بالخوف، ولكنها تحدثت بنبرة عادية بعد أن توقفت عن ضحكاتها:
-لا هو كبير مش هيخاف ينام لوحده، ايه رايك بقا ننزل نحضر العشاء مع بعض علشان تأكل وننام؟!…
-ماشي.
_______________
“اليوم التالي”
في العاشرة صباحًا…
كانت بشرى تجلس على المقعد الجلدي عند مكتبها تتناول فطورها والشطائر التي قامت بتحضيرها في المنزل وأثناء تناولها أياها غفيت وبين يديها يتواجد أحدى الشطائر التي لم تستكملها….
فهي لم تنم جيدًا بسبب المسلسل التركي التي كانت تقوم بمشاهدته لا تعلم الحلقة الواحدة الأولى التي كانت تنوي أن تشاهدها، تجاوزت الأربع حلقات، وصادف اليوم بأن أغلب الشباب والفتيات التي تعمل معهم أرسلهم هلال إلى المحكمة وقضاء بعض المشاوير الخاصة بالعمل والقضايا أما هي كان كل ما لديها لليوم هو الذهاب إلى مكان ما في الظهيرة…
تململت في نومتها وحركت رأسها، وشعرت بأن جسدها لا يشعر بالراحة يبدو أنها لم تنم فوق الفراش كما كانت تتخيل واختلطت أحلامها بالواقع…
والواقع هو أن هلال يجلس على المقعد المجاور لمقعدها ومريم تجلس على المقعد أمامهم متوترة من رؤية هلال لها ورغبته في أن يلقنها درسًا..
كان أمامه الشطائر التي قامت بتحضيرها يتناولها وكانت قد انتهت تقريبًا ويتناقش مع مريم في العمل…
تحدثت بشرى بذهول وبصوت به بقية نوم بعد أن فتحت عيناها بفزع:
-هو أنا بعمل ايه في مكتب متر هلال!!.
عقبت مريم بعد ضحكة خرجت منها لم تستطع كبحها:
-بتشتغلي.
تحدث هلال بنبرة ساخرة:
-لا متقوليهاش في وشها مرة واحدة سبيها تفوق الأول…
أعتدلت بشرى في جلستها قائلة وهي تحاول أن تستوعب الأمر:
-هو أنا نمت؟!.
-سافرتي، وياريت متكررش تاني.
كان هذا تعقيب هلال الساخر وهو يجذب السندوتش المتواجد بين يديها فقد انتهت المتواجدة في العلبة البلاستيكية وتركها تحت ذهولها وتوجه صوب مكتبه فهو أتى حديثًا مع مريم…
تمتمت مريم بنبرة عملية:
-خلي بالك يا بشرى بعد كده متناميش، علشان مش كل مرة هو هيعديها؛ أنتِ مش نايمة كويس ولا ايه؟!.
هتفت بشري بحرج:
-للأسف منمتش كويس امبارح يعني.
-طيب خدي بالك بعد كده، لأن مش كل مرة هياخد الموضوع ببساطة دي علشان أول مرة، المهم متمشيش النهاردة أنتِ وملك لما ترجع غير لما الاوردر يجي.
تحدثت بشرى باستغراب:
-منمشيش ليه؟! واوردر ايه؟!.
عقبت مريم بنبرة عملية وهي تنهض من مكانها:
-النهاردة مولد النبي والمتر عادل بيحب يدي علبة حلاوة المولد لكل اللي في المكتب وهو علشان تعبان شوية الفترة دي مش هيجي بنفسه؛ كل سنة وأنتِ طيبة.
-وأنتِ طيبة يارب.
رحلت مريم وتوجهت صوب مكتبها بينما بشرى نظرت إلى العلبة قائلة وشعور الجوع يحتلها:
-هو خلص السندوتشات كلها؟! انا مكلتش غير واحد بس، ايه العقاب ده، كان اتخصملي احسن ما يأكل سندوتشاتي، واضح ان بابا عنده حق انا مش هتحمل الشغل أنا ارجع بني سويف أحسن…
ثم قالت معاتبة ذاتها:
-وأنا لازم أنام زي الجاموسة كده؟، لا وماسكة السندوتش في ايدي، وخده كمان، طب اروح اطلب من الشبراوي؟ ولا اعمل ايه؟! انا جعانة..
ثم نظرت على ساعة يدها متمتمة وكأنها تبث الهدوء في نفسها:
-خلاص انا هنزل كمان شوية اروح المشوار اللي ورايا وساعتها اخش على الغداء علطول…
_____________
يجلس عزت أمام شقيقته وزوجته ينتظر منهما تفسير للكلمات التي سمعها والذي استطاع من خلالها معرفة وجود خلاف بين شقيقته و زوجها…
وسمع زوجته التي تقوم بتزويد الحريق..
أردف عزت بنبرة هادئة:
-ها محدش فيكم هينطق ولا ايه؟!.
تحدثت جهاد بهجوم انثوي شديد:
-جرا ايه يا عزت؟! اختك وبتفك معايا بالكلام شوية ايه مشكلتك مش فاهمة يعني؟! هتقف لينا على الواحدة.
تمتم عزت بنبرة منفعلة هو الأخر:
-وانا اخوها لو في مشكلة بينها وبين جوزها تستاهل انها تخرجها ما بينهم وتقوليها ليكي يبقى تقولي برضو وانا اكلمه، وبعدين يعني أنا شوفت كمال امبارح ساعة صلاة الجمعة ومقالش اي حاجة ومسلم عليا عادي.
قالت داليا بحرج:
-مفيش حاجة أصلا يا عزت خناقة عادية يعني مش خناقة كمان هو خلاف عادي زي ما بيحصل بين اي اتنين، وانا اكيد لو في أي مشكلة هقولك طبعا، اومال هقول لمين يعني؟!.
عقب عزت بهدوء:
-انا مش عايز اعرف ايه سبب المشكلة أنا بسال في حاجة تستدعي اني ادخل ولا لا؟!، لاني سامع جهاد عماله تأكل ودنك زيادة فقلقتني، وحسستني ان في مصيبة.
لوت جهاد فمها بتهكم وهي تقول:
-والله يعني أنا اللي حسستك ان في مصيبة؟! وبعدين انا بنصح اختك و بوعيها..
ضحك عزت وهو يقول مداعبًا زوجته:
-والله هي المشكلة هنا أنك أنتِ بتنصحي يا حبيبتي وفري نصايحك لنفسك ومتخربيش على اختي، علشان مش كل الرجالة عندها قدرة تحمل زيي وخلقها واسع زيي.
نهضت جهاد ووضعت يديها في جانبيها قائلة:
-والله يا أستاذ عزت؟! بقا انتَ مستحملني وجاي على نفسك للدرجاتي أنا متعاشرش؟!
عقب عزت بنبرة درامية من الدرجة الاولى:
-الحمدلله أنا راضي بنصيبي وان شاء الله ربنا يعوضني خير على صبري….
ضحكت داليا ونهضت وهي تتوجه صوب غرفة والدتها:
-لا أنتم بدأتم الوصلة بتاعتكم انا ادخل اشوف ماما صحيت ولا لا علشان اغديها أحسن من القعدة معاكم…
وبالفعل بعد رحيلها وجذبها عزت لتجلس بجانبه متمتمًا:
-في ايه مالك؟!.
-بعد كل اللي رصيته ده تقولي مالك؟!.
هتف عزت بمرح:
-انا مقولتش حاجة.
تمتمت جهاد بضيقٍ:
-يا حبيبي لو مش طايقني روح اتجوز زي صاحبك او جوز اختك وقلده ما أنتم رجالة ميملاش عينها إلا التراب، أنا هروح اشوف يوسف صحي ولا لا…
رغم انزعاجه من حديثها تحديدًا من قلقه أن تسمعها شقيقته إلا أنه غمغم بنبرة عابثة:
-ليه لا فكرة كويسة ولا هو عيب ولا حرام…
منعت نفسها بصعوبة من ألا تصرخ في وجهه، على الاقل حتى يعودا إلى منزلهما….
______________
“في منزل نجوى”.
كانت فردوس تجلس على الأريكة بجانب نجوى، فهي حينما أتت لم تجد مراد فكان يقوم بشراء بعض الأشياء التي تحتاجها والدته من أجل الغداء..
أردفت نجوى بعتاب ولطافة:
-ايه يا فردوس مينفعش نشوفك إلا لو في حاجة؟!.
عقبت فردوس بحرج وهي تقول:
-أسفة والله حقك عليا أنا عارفة اني مقصرة معاكي.
تمتمت نجوى بهدوء:
-انا عايزة اشوفك بس علشان اطمن عليكي، المكالمات دي بالنسبالي مش زي ما اشوفك يا بنتي، هو كمال مانعك تيجي؟!.
قالت تجوى كلماتها الأخيرة بشيء من الحدة لتعقب فردوس عليها بنبرة جادة:
-لا هو مش مانعني بالمعنى الحرفي، بس يعني أنا ساعات ببقى مش عايزة اتحرك من اوضتي وبكون مخنوقة بشكل غبي، ومش عايزة اعمل حاجة، ويدوبك زي ما قولتلك أنا روحت الجيم وكده وبدأت اتحرك شوية.
هتفت نجوى بنبرة ذات معنى:
-هي خطوة كويسة فعلا واهو تغيري جو.
ثم سألتها بطريقة مباشرة:
-امبارح وأنا راجعة من السوق صحيح شوفت ناس في بيتكم، واتخضيت وروحت قولتلهم بتعملوا ايه قالوا بيكملوا تشطيب البيت، أنتِ اللي عملتي كده؟!.
هزت فردوس رأسها بإيجاب ثم قالت بنبرة عادية:
-ايوة انا يعني هيكون مين غيري يعني؟! اهو قولت لازم بيت أهلي يتفتح من جديد ولازم يكون موجود لأي وقت احتاجه فيه.
تمتمت نجوى بشكٍ وهي تنظر لها من أسفل نظارتها الطبية:
-ليه أنتِ قررتي تطلقي من كمال؟!.
تنهدت فردوس ثم قالت بنبرة جادة:
-بعني ده شيء أكيد، علاقتي أنا وكمال من ناحيتي او من ناحيته عارفين أن العلاقة مش هتكمل، ومش هينفع مهما كنا بنحب بعض، ولأني مش هعرف انسى، ولا هو هينسى لو اخوه في يوم اتعدم، العلاقة خلصانه من سنين بس يعني زي ما بتقولي بنقاوح فيها، هو بيقاوح وأنا بقاوح بس النهاية مكتوبة…
نظرت لها نجوى بغموض، لا تدري هل هي تقول الحقيقة أم لا؟!..
ولكنها لا تظن بأن بعد هذا الوقت سيقوم أحدهما بالاستغناء عن الآخر، تلك حقيقة لا تنكرها بالرغم من كرهها إلى كمال وعائلته…
انفرج باب المنزل معلنًا عن وصول مراد الذي ما أن ولج ووضع الحقائب البلاستيكية أرضًا، ووجد فردوس جالسة بجانب والدته تحدث في احترام واعتذار:
-معلش لو كنت اعرف ان فردوس هنا كنت رنيت الجرس مفتحتش بالمفتاح.
أقترب منهما بعد أن اغلق الباب وجلس على المقعد قائلا بترحاب:
-منورة الدنيا يا فردوس ليكي وحشة والله، ايه اخبارك؟!.
عقبت فردوس بودٍ:
-الحمدلله بخير، المهم أنتَ عامل ايه؟! وحلوة الحلاقة دبي، بدأت في حوار الشنب.
تحدث مراد بنبرة مرحة:
-اهو شنب أمير كرارة وخلاص مهوا مش هيبقى لا دقن ولا شنب، خلاص انا اصلا ماشي بعد بكرا، أنتِ ايه اخبارك مع الجانب الآخر خلصتي عليهم ولا لسه؟! عملتي حاجة من غيري؟!.
تمتمت فردوس بتوضيح ومرح في الوقت نفسه:
-انا مقدرش اعمل حاجة من غيرك يا متر فواخده هدنة.
قال مراد بنبرة صادقة وهو يتذكر هذا الأمر الذي حتى الآن يحاول استيعابه تحديدًا بعد حديث مريم التي أكدت بأنه جار هلال منذ سنوات:
-ولا تعملي حاجة ده الاحسن؛ عيشي لنفسك واعملي اللي يبسطك وفكك من اي حاجة، لو راحتك في الطلاق اطلقي، راحتك تكملي معاه كملي، فضي دماغك بقا الكوكب بينتهي وهنموت كلنا، الحقي اعملي اللي يبسطك ياست الكل.
ضحكت والدته متمتمة:
-بطل فقر..
اما فردوس نظرت له بحيرة لا تدري سبب كلماته تلك…
وفي الوقت نفسه اقتحمت نجوى الحديث مرة اخرى متمتمة:
-صحيح البت ايمان مجتش معاكي ليه؟! مش قولتي جاية.
غمغمت فردوس بتلقائية:
-هي كانت جاية معايا فعلا بس على اخر لحظة اتصلت بيا وقالتلي انها رايحة وراها مشوار مهم تعمله لابوها، فقولت اجي علشان الحق اشوف مراد واسلم عليه قبل ما يسافر والموضوع يتأجل.
تمتمت نجوى بحزن:
-صعبانة عليا البت ايمان دي كمان…
_______________
“في شركة السياحة”.
حيث يجلس كمال، يقوم بمراجعة بعض الأوراق، وصدع صوت هاتفه يعلن عن رقم غريب، فترك الأوراق وأجاب بهدوء:
-ألو.
جاءه صوتها الانثوي الذي لا يعرفه او يتذكره فهو نادرًا ما يسمعه أو يراها يكفي فقط ذكر اسمها أمامه ليغضب دون سبب حقيقي لذلك:
“الو يا كمال، أنا ايمان”.
عقب على حديثها بسخرية بعض الشيء فهل قول اسم إيمان كافي لمعرفة هي أي ايمان؟!..
-ايمان مين؟!.
جاءه صوتها المستفز:
“ايمان خطيبة حسن وصاحبة فردوس”
هذا ما ينقصه حقًا:
-ايوة خير؟!.
تمتمت ايمان بتوضيح:
“انا في البنك بقالي شوية وسألت عنك ولقيتك مش موجود وفي حاجات عايزة اعملها ومش لاقية حد يخلص ليا بسرعة واخدة دور و….
قاطعها كمال مستوعبًا ما تقوله:
-أنتِ في البنك ازاي؟! أنتِ مش مع فردوس؟!!..
“لا مش مع فردوس أنا مشوفتهاش من يوم الخميس في الجيم”.
لم تسمع منه رد…
فعادت تناديه:
“كمال”.
-أسالي عن احمد سعيد وقوليله أنا تبع كمال وعرفيه أنتِ عايزة أيه، سلام..
أغلق المكالمة في وجهها ولم ينتظر أن تتفوه بحرف…
الآن هو غاضب جدًا مما جعله يأتي برقم فردوس من هاتفه ويتصل به لتجيب عليه بصوت هادئ:
-ألو.
-أنتِ لسه هناك؟!.
“ايوة همشي خلاص”.
تمتم كمال بنبرى منفعلة:
-لا خليكي عندك أنا جايلك….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ديجور الهوى)

اترك رد

error: Content is protected !!