روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع عشر 19 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل التاسع عشر 19 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت التاسع عشر

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء التاسع عشر

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة التاسعة عشر

~… مواجهة صعبة…~
ذكر يوسف أمر “الفطير” فوقفت حميدة متجمدة والفتيات ينظرن إليها في شك …..ابتعلت ريقها بتوتر ثم تابعت طريقها إليهم وكأن ما قيل لم يربكها ولا تخشى ان يعرفه أحد …..
بينما نظر جاسر له في شك واقترب له هامسا بخبث ويبدو أنه قرر أن ظنه حقيقي فقال :
_ هي دي البنت اللي اديتلك الفطير وزعلت بعدها ؟
هز يوسف رأسه بالايجاب ورد عليه بصوت لم يسمعه الفتيات من الجهة الأخرى والذي تبعد عنه امتارًا :
_ هي بعينها بفطيرها بقلبها الطيب ….شوفت رغم أنها كانت زعلانة مني إلا أننا وكأننا اتصالحنا ….أمتى وأزاي معرفش ! ….بتديني كل مرة اكلة بحبها …..بس صحيح ..هو إيه الفرق بين الايس كريم والچيلاتي ؟ ….مش هما واحد ؟!
نظر جاسر ليوسف الذي يبتلع الحلوى الباردة بسلاسة وكأنها رشفة ماء وقال بسخرية :
_ وهيفرق معاك إيه ؟ …. أنت بتاكل الأكل قبل ما تعرف اسمه اساسا !
قال يوسف وهو يبتلع ريقه بتلذذ من المذاق البارد بعض الشيء :
_ عايز أعرف من باب العلم بالشيء …..
صعد رعد عندما شعر بتأخر يوسف وجاسر وتمنى أن يكن ما هطر بباله صحيح وأن يكن الفتيات بسطوح منزل العمدة كعادتهن ……صدق ظنه ولمحهم وهن جالسين على آريكة قديمة بالية ….. ابتسم وهو يتجه برأسه اتجاههن فأحمرت وجه رضوى بحياء ملحوظ …….
اقترب رعد إلى أبناء عمه وقال لهما في ابتسامة عريضة :
_ اتأخرتوا ليه يا حبايبي ؟
رفع جاسر حاجبيه في مكر وقال ببعض السخرية :
_ حبايبك !! …..
وضع رعد يديه في ثقة في جيوب بنطاله الرياضي الاسود وأجاب بنفس الابتسامة المشكوك بأمرها :
_ طبعا حبايبي ….. أنت شاكك ولا إيه ؟! …. كفاية عليا أشوفكم بتبتسموا بس كده ……
لمح جاسر ابتسامة رضوى الخجولة وهي تنظر له سريعا وتعود ناظرة للأسفل فقال بضحكة صوتها ليس عال ولن يسمعه الفتيات وبها بعض السخريةِ :
_ الكلام بيتجه هجمة مرتدة على السطوح اللي جنبنا …… ما تفهمني اللي بيحصل يا رعديد !
وضع يوسف علبة الحلوى الفارغة على السور الفاصل وقال :
_ وأنا نازل هاخدها أرميها في الباسكت …..النظافة يا ولاد أهم من أي شيء …..سيبوني بقى أنشر دور الغسيل ده …..
بدأ يوسف بفرد قطع الغسيل على الأحبال فقالت جميلة للفتيات بعدما أكلت نصيبها من الحلوى المثلجة :
_ بقولكم إيه ….. تعالوا ننزل ما يصحش نفضل كده وهما هنا ! ….. أي نعم بينا وبينهم مسافة بس برضو القاعدة دي مش هضماها ….
وقفت سما وقالت بموافقة :
_ عندك حق ….. يلا بينا …
قالت حميدة لهن وقالت بتصميم :
_ لأ خلينا قاعدين ….هما هينزلوا أهم ….خلينا قاعدين شوية احنا ما بنصدق الجو يروق ونقعد في الهواء بدخل القاعدة في الدار طول النهار كده ! ……
هبط الثلاثي الشباب بالفعل بعد دقائق قليلة وعندما تسللت نظرة رعد إلى رضوى وجدها لا تهتم لأمره فنظر لها بغيظ وقرر عدم الصعود مجددًا …..
نظرت سما للأمام بشرود ……ذهبت للبعيد بعينيها وببعض الظلام التي تراه برؤيتها لكل شيء …حتى في وهج النهار !
نظر الفتيات لبعضهن عندما لاحظوا شرودها الذي بات يرافقها طيلة الوقت ….فقالت جميلة لها واجتهدت لكي يكون حديثها يبدو كمزاح :
_ إيه يا سمكة ؟ ….مابقتيش بتسمعي المسلسلات زي الأول ولا حتى بقيتي بتهزري خالص ….. ده أنتِ مكنتيش بتبطلي هزار !
تنهدت سما وكأن يد تقبض على أنفاسها بقسوة ….ثم أجابت ببطء وعينيها لا زالت تائهة:
_ مابقتيش لاقية حاجة تضحك أهزر عليها ….ولا بقيت بصدق المسلسلات …..
فهم الفتيات ما تحاول أن تقوله ….ولكنها لا تريد قوله …وعينيها التي كافحت لتخفي شيء ….. انكشف رغم المحاولة !
ابتلعت سما تلك الدمعة التي كادت تكشف ستر ضعفها ونهضت قائلة بضيق :
_ أنا نازلة أخد الدوا بتاعي ….. نسيت ومخدتهوش وبطني بدأت توجعني تاني….
اسرعت سما الخطا على الدرج الخرساني للمنزل الريفي …..بينما خيم الصمت على الفتيات الثلاثة ……
قالت حميدة بعينيه تلتمع ببوادر دموع :
_ لو أبويا كان لسه عايش مكنش فضلت سما كده ….هو اللي كان بيقدر يخرجها من أي زعل …. الله يرحمه …
هزت رضوى رأسها وضعفت مقاومتها للدموع أيضا وقالت بألم :
_ يمكن لو جدي ……
قاطعتها جميلة بنظرة حادة وعين التمعت من العبرات المنزعجة الغاضبة وأشارت لهن بعصبية وهي على حافة البكاء هي الأخرى :
_ محدش يجيب سيرتهم …. أنا بكرهم ومش عايزة افتكرهم …..اللي زعل أبويا عمري ما هسامحه أبدًا …..
ومرت لحظات وانخرطا الفتيات الثلاثة في البكاء الصامت المنقطع من النقاش والكلمات …..دموع فقط تسرد ضعفهن بعد وفاة أباهم….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كان قد ذهب الصبي نعناعه للمنزل وترك الشباب في المندرة …….وقف جاسر يسند ظهره على الحائط ونظرته حائرة شاردة ….بينما انهمك يوسف في غسل الملابس بالغسالة اليدوية……
لمح آسر شرود إبن عمه جاسر وتساءل بفضول وهو يجلس على الأريكة :
_ سرحان كده ليه ؟! ….
خرج جاسر من شروده ونظر لآسر بحيرة شديدة وقال :
_ يا أخي أنا عرفت بنات أشكال والوان …… أنما بشراسة ولسان البنت دي مقابلنيش !! ….. اللي يحير إنها مش أجمل بنت شوفتها ولا حتى أحلى من اللي عرفتهم !
بس فيها حاجة بتستفزني وتخليني لما أشوفها أبقى رخم ورزل وغتت وعايز أغيظها بأي شكل !
وضع رعد على الطاولة الخشبية القديمة كوب كبير من “النسكافيه” الذي أعده للتو ، ثم جلس ووضع ساقا على ساق قائلًا قبل أن يرتشف منه كوبه :
_ ده حب …..أو عداوة !!
اتسعت عين جاسر وحدق عينيه في رعد بدهشة ….. ليكن صادق مع نفسه فأنه لم يقابل الحب يوما …..علاقاته العابرة والكثيرة مع الفتيات جعلتهن في عينيه سواء ….جميعهن سواء …..
يلتفتن للمظهر والمال والمكانة الاجتماعية ……قال لرعد بإعتراض واستنكار:
_ أنت اكيد بتهزر ! …..حب إيه اللي بتتكلم عليه ؟! ….لا طبعا مستحيل …..
ارتشف رعد رشفة أخرى من النسكافيه فسبقه يوسف وقال :
_ تبقى عداوة ….ما هي هزقتك كتير بصراحة فمن حقك تكرها ….
نظر جاسر له بغيظ للحظات ثم تنفس بحدة وقال بصدق :
_ برضو مش عداوة…..لأ…..
بصراحة كنت فاكر نفسي مقطع السمكة وديلها وراسها كمان ….كنت فاكر أني عرفت كل أنواع البنات وفهمتهم ….. بس أظاهر أن في لسه نوع ما أعرفهوش …يمكن ده اللي شاددني كده صح ؟
وضع رعد كوبه وقال بتوضيح بعدما فهمه :
_ بقولك إيه ….خدهم مني كلمتين ….. اللي انت بتقوله ده حب بس لسه في مرحلته الأولى اللي اسمها “الأعجاب” …فلو كنت فاكر أن البنت دي زي اللي عرفتهم وماشي في سكة مش سالكة يبقى تفرمل يا معلم وتبعد ……أنت هنا لو عاكست بنت هتتفضح حرفيا …..فكر عشان البنت دي سكتها يمين مش شمال زي اللي في دماغك ……
قال يوسف بأنفعال وقد حمسه حديث رعد فهتف :
_ اعتبرها أختك يا أخي !
أشار له جاسر بغيظ شديد منه وقال له محذرا :
_ أختي!! …..بعد اللي بقوله وتقولي أختي ! ….وبعدين أنصح نفسك ! …ولا فاكرني مش واخد بالي من صانعة الفطير! ….ولا الأستاذ رعد اللي شوية وهيقوم يجيب السبحة …. كل ما يشوفها بيسبل ويبتسم لها وهي تتكسف ووشها يحمر وأنا مش هفضحكم أكتر من كده بقا احنا أهل برضو……
نهض رعد بنظرة غاضبة إلى جاسر ووقف أمامه قائلًا بحدة :
_ أنا معملتش نفسي شيخ ولا أنا من النوع اللي بوشين ومالكش دعوة برضوى وماتجيبش سيرتها تاني أنت فاهم !
أتى يوسف منفعلا هو الآخر وقال بنفس درجة العصبية :
_ ايوة صح …. وبتاعت الفطير ما تتكلمش عنها ….
نظر لهما جاسر بشك وقال :
_ ممكن أفهم ده اسمه إيه ؟
نظر له يوسف بحيرة ثم نظر لرعد وسأله بأهتمام :
_ آه صحيح يا رعد ….هو اللي احنا فيه ده اسمه إيه ؟!
رد آسر عنه وقال بإستهزاء :
_ اسمه نزوة ….أو فراغ عاطفي …..أو تقضية وقت …..اللي بتعملوه ده غلط في غلط وماينفعش من كل الجهات وماتنسوش أن حتى لو في اعجاب فلازم تنسوه ….. مافيش أي تكافؤ بينكم وما اعتقدتش أن هيكون في …….
هز رعد رأسه بنظرة بها بعض اليأس وقال بصدق :
_ للأسف كلامك فيه شيء من الحقيقة …..
اعترض يوسف وقال بضيق :
_ أنا مش بتاع نزوات ولا تقضية وقت ….وتقريبًا عمري ما كان ليا علاقة مع بنت ولو مجرد كلام …… وبرضو مش فراغ عاطفي …..أنا ابسط منكوا كلكم ….كل اللي بحلم بيه انسانة بسيطة زيي تحبني بكل عيوبي ومميزاتي …. شهاداتها مش هترسم راحة بالي معاها …..ولا هتخليني أتمنى أشوفها ….. ولا هتخليني أحب أشاركها كل حاجة بحبها حتى لو شاركتها اكلة بسيطة…..يمكن فعلًا التكافؤ مهم …..بس بالنسبالي التكافؤ هو الراحة والقبول ….
ابتسم رعد وهو يتذكر شيء وردد :
_ القبول …… شكلها أشارة ولا إيه ؟
هز آسر رأسه بيأس منهم وقال بنفاد صبر :
_ انتوا محتاجين تجربوا عشان تعرفوا الواقع على حقيقته ….
رد رعد عليه سريعا :
_ الواقع أني كنت عارف أن عمك مصطفى سعيد مع مراته البسيطة الفلاحة اكتر من أبويا وأمي اللي المفروض بمنطقك ده يكونوا أسعد زوجين ….أبويا وأمي مكنش بينهم مشاكل أو خناقات صحيح ….بس حياتهم كانت نمطية ….شغل وبيت وبيت وشغل …. مافيش بينا دفا الأسرة والعيلة ….. أنا مش عايز الحياة دي ! …..
قال آسر بسخرية ومط شفتيه قليلا قبل أن يتحدث :
_ وأنت بقى بتقلد تجربة عمك ! ….مش عشان هي عجباك فعلًا …..!!
أطرف رعد عينيه بصمت وهو ينظر لآسر …للحظة فكر بالأمر وأنه من الممكن أن يكن الأمر صحيحا ! ….قال ببعض الحيرة :
_ لا ما اعتقدتش !
ابتسم آسر باستهزار من لحظات الشرود التفكير التي ظهرت على رعد وقال :
_ كلامي دخل عقلك وحيرك ….يبقى شكي في محله ….. فكروا كويس قبل أي خطوة …صدقوني الندم وحش أنا مجربه ، مش حابب أنكم تمروا بتجربة فاشلة لأن الأمر فعلًا بيدمر النفسية …..
اتجه آسر ليوسف وقال :
_ وأنت يا يوسف …..ما تنكرش أنها لفتت نظرك بسبب أن اكلها عجبك ! ……هل ده سبب كفاية أنك ترتبط بيها ؟
جاسر أكتر واحد بيفكر فيكم ….على الأقل بيحاول يدور جواه على السبب الحقيقي اللي شاده للبنت دي ….مش ماشي ورا ميوله زيكم …..
عبس وجه يوسف وعاد لغسل الملابس وترك المناقشة بالكامل …….
دلف رعد لغرفة النوم الملحقة بالمندرة بعدما ترك أبناء عمه بالخارج …..تمدد على الفراش ونظر للأعلى شاردًا ……
رغم أن حديث آسر به شيء من التفسير المنطقي ولكن ما يشعر به تجاه تلك الفتاة يشبه ايجاد حجر شديد الندرة ….
الفتاة حقا تضي شيء بداخله كلما رآها كأنها تضغط على زر الاضاءة !!
ليس الأمر أنها ريفية !! وإلا كان احتار بكل فتاة ريفية صادفها هنا وأحتار من يحب فيهن !
الأمر ببساطة أن القلب يبتسم عند رؤيتها ….. ويجبره أن يلتفت للنظر ….. ويرسل ابتسامته بنظرة خاطفة …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بعدما ركضت ليلى لخارج غرفة العناية مرت بخطوات أشبه بالركض بالممر …..
خرج وجيه خلفها وترك الصغيرة مع جدها مؤقتً…..أسرع بتتبع اتجاه سيرها وهي تسرع الخطا …….
دخلت ليلى بزاوية كانت تعرف أنها خاصة بأدوات التنظيف للعاملات ….ثم اغلقت الباب عليها وهي تنخرط بموجة بكاء شديدة …..
الأمر أشبه بخيانة الوعد ….فقد قطعت التزاما مع زوجته أن تبتعد عنه …..لم يزول الخطر كليًا حتى بمعرفتها بما فعله جدها …فهذا المجرم أخطر من أن يترك نفسه لأحدًا يقتله بهذه البساطة …
وأيضا هو لا يعرف تفاصيل الماضي ….وثقيل على نفسها أن تخبره أنها تعرضت لمحاولة أقرب للأغتصاب !
جلست على الأرض وهي تبكِ بقوة …..حتى سمعت دق شديد على الباب ….ولم تسأل حتى فهي تعرف من الطارق ….تمنت أن يذهب ويتركها خاصةً بهذا الوقت ولكنه همس بقرب الباب قائلًا بلهفة :
_ لازم نتكلم يا ليلى …..ماينفعش كل مرة تهربي من المواجهة بالشكل ده !
اغمضت ليلى عينيها بحيرة شديدة …..لا بد أن تواجهه بالفعل ولكن لتصر على رأيها ….نهضت وحاولت التماسك قبل أن تفتح الباب بعينيها الحمراء من البكاء …..فتحت الباب ببطء ووقعت عينيها على عينيها الثائرة بالحب ……قالت ليلى بحدة لا تناسب ما بعينيه :

 

 

_ فعلًا الأفضل نتكلم وننهي الموضوع دلوقتي …..
أشار لها لمكتبه قائلًا ببعض الضيق من عصبيتها :
_ اتفضلي على مكتبي …..
بعد قليل …..
فتح وجيه المكتب وقبضة يده ثبتت على مقبض الباب للحظات حتى دخلت ليلى….. قالت وهي تره يغلق الباب :
_ سيبه مفتوح شوية ما تقفلهوش خالص ….ماينفعش نقعد لوحدنا …..
تنفس وجيه بحدة وفعل مثلما أمرت ……عاد وجلس على مكتبه وأشار لها لتجلس ……
جلست ليلى برجفة شديدة تكتسح جسدها ولكن ما يبدو على ملامحها المقتضبة ذلك ….. لا بد أن تتحلى ببعض القوة والجدية أمامه …. قال وجيه بعد لحظات من الهدوء المربك بينهما وبشيءمن العصبية في صوته :
_ لحد أمتى يا ليلى ؟! ……أنا بقيت بحس أنك بترتاحي أكتر لما تعذبي نفسك وتعذبيني !
ابتلعت ليلى ريقها المر ثم قالت بصوت به بحة من البكاء:
_ وأنا قولتلك أني مش هقدر اكون سبب أني اجرح واحدة تانية واكون السبب في كسر قلبها …..مش معقول من كام يوم الناس تباركلكم على جوازكم والنهاردة تقرر تتجوز عليها !!
أنت مش بتأذيها هي بس وبتأذي نفسك وشكلك قدام الناس كمان !
ضيق وجيه عينيه عليها وشعر أن هذا ليس السبب الحقيقي رغم ان ما تقوله صحيح ويعرف ذلك فقال:
_ جيهان كانت عارفة أني بحبك وبحاول انساكِ وقبلت أننا نكمل …..خيرتها بعد كده أنها لو عايزة تطلق أنا موافق واختارت برضو تكمل وبرضو مع ما عرفت واتأكدت أني صعب انساكِ…
لو كنت ظلمتها فهي ظلمت نفسها قبل ما اظلمها ……
تابع وجيه بعصبية وقال :
_ وبعدين اتفاق إيه اللي كان ما بينكم ؟! …..قادر بشوية تفكير اتوقع الأتفاق ده كان إيه….
تلعثمت ليلى وهي بأوج حيرتها ….أن أخبرته الأتفاق ستتأكد جيهان أنها غدرت بها ….وأن صمتت ستقع بموضع الاتهام مجددًا أمامه ……قالت ليلى وهي تتهرب من نظراته الثابته وتحاول أن تقرأ أوراق خاطرها السرية :
_ مافيش اتفاق ولا حاجة …..كل ما في الأمر أني كلمتها ….عشان أقدر أخد أبويا من المستشفى …..عشان مكنتش عايزة اكلمك…..
دخلت جيهان بتلك اللحظة ويبدو أنها كانت تريد أن تعرف ما هو رد ليلى على هذا السؤال ……تفاجئت بعض الشيء من كذبتها التي انقذتها من غضب زوجها …… ولكن كرهت أن تكن بهذا الدور الشرير بحياته ….دخلت بطريقة الهجوم ووقفت أمامه وبعينيها دموع متجمدة ….وقالت بصوت مرتجف رغم عصبيته :
_ لا يا وجيه ….الأتفاق مكنش كده ، أنا اتفقت معاها أني هوفرلها شغل ومكان تعيش فيه ومكان لوالدها في مستشفى تانية ….عشان تبعد عن عينك ….أيوة كان قصدي كده …..أنا مأذيتهاش أنا كنت بحافظ على بيتي وأظن من حقي !
دخلت جيهان بموجة بكاء بعدما قالت ذلك ……كان بداخل وجيه الغضب والشفقة اتجاهها …..احتار بالفعل أيهما يستخدم……نظر إلى ليلى وقال بنظرة فيها رجاء أن تتفهم موقفه :
_ ليلى لو سمحتي …..
نهضت ليلى قبل أن يكمل حديثه وكأنها أرادت ذلك منذ أن أتت وقالت له :
_ أعتبر المقابلة مع جدي محصلتش ….
تحدث بلهجة بها غضب وتحذير :
_ ده قراري أنا ….. واللي عرفته مكنش صدفة أعرفه ….
خرجت ليلى دون رد وكأنها تهرب منه ….كعادتها !
كانت نظرته تقول ذلك وهو يتتبعها بعينيه المتلهفتان بشوق بعاشق لأن يركض خلفها ……
اتجه لجيهان بعد قليل وقال بمحاولة الهدوء :
_ أنتِ قبلتي نكمل وأنتِ عارفة أني بحب واحدة تانية …..قولتلك بحاول انساها ما قولتش أني نسيتها !….لو كنتِ رفضتي مكنتش هجبرك …
قالت جيهان ببكاء مرير :
_ طبعا قولتلها أني أنا اللي عرضت عليك أننا نرجع ! …..قولت وبررت رجعوك ليا …..
أجاب وجيه بصدق وبعض الرأفة لحالتها :
_ لأ …..ما قولتش كده ….. بس أنتِ اللي لازم تعرفي حكايتي معاها ……
قالت جيهان بمرارة بها بعض السخرية وهي تبكِ :
_ مش فارقة التفاصيل ….حب بقاله مدة ….قبل ما تعرفني أو بعد مش فارقة ….. تعرف اللي فارق معايا إيه ؟
أني مش أقل منها في أي حاجة عشان تحبها أكتر !
أنك محاولتش ولو مرة تجرب وتفكر فيا !
أنها بتبعد عنك وأنت مش بتبطل تحبها يمكن بتحبها أكتر !
أنت ظلمتني لما رضيت ترجعلي وأنت بتحب واحدة تانية بالشكل ده !
ابتلع وجيه ريقه بإعتراف صريح بعينيه وقال بندم طل من نظراته :
_ أنا عمري ما ظلمت حد ….ولا كنت أقصد أظلمك …..بس صدقيني أنا مش عارف أزاي وافقت واتسرعت بالشكل ده …..بس

 

 

أنا كمان مكذبتش عليكِ !!
أنا فهمتك يا جيهان على موقفي من البداية وأنتِ اللي اخترتي …..لو ما كلمتنيش عن أننا نرجع مكنتش هكلمك !
صرّت جيهان على أسنانه بطعنة دفعت بقلبها من حديثه الذي كان هو الحقيقة ولا يلام بقوله …..قالت بحرقة :
_ أنت ظلمتني لحظة واحدة لما قولت موافق …..بس أنا ظلمت نفسي أكتر بكتير لما عرضت عليك وأنا عارفة أنك مش بتحبني ….ولما كملت وأنا شايفة لهفتك عليها كل لحظة ….. ولما قررت أبعدها وأنا متأكدة أنك هتدور على أي خيط يوصلك بيها وهتلاقيها !
تنفس وجيه قبل أن يخبرها قراره بموقف ليلى :
_ جد ليلى جه بالصدفة …عرفت منه الحقيقة وأنها اتجوزت غصب عنها …..ليلى أعرفها من عشر سنين يا جيهان يعني قبل ما أعرفك ……وقررت أني اتجوزها ….أنا مش هقدر أعيش أكتر من كده من غيرها خصوصا بعد ما رجعتلي ….ولو أنتِ قررتي تفضلي على ذمتي اوعدك أحاول أعدل ما بينكم ……
كده مش هكون ظلمتك …. لأن قرار جوازي من ليلى كان قبل ما أعرفك حتى …..لو حد اتظلم فينا احنا التلاته بشكل أكبر يبقى هي بكل اللي عانته في جوازها الأولاني …..وعلى فكرة هي رافضة طلبي عشان ما تجرحكيش ….. بس مش هسيبها غير لما توافق…
كانت تنظر له جيهان في صدمة …..جوازة ثانية !!
أي كارثة وضعت نفسها بها منذ البداية !!
كانت أكبر حمقاء عندما ارتضيت أن تقترن برجل وهي تعلم أن قلبه مع أخرى ! …….
قرار زواجه لم يكن بالمفاجئة بل كان متوقع ….ولكنها صدمت أنه أتى مبكرًا هكذا …….
هناك ضجيج كبير بعقلها جعلها تسقط مغشيا عليها ……

 

يكون الأمر شديد الصعوبة إذا اقتصرت رؤيتنا على اتجاه واحد نرى فيه السعادة والامل…… ويكون الأمر أكثر صعوبة إذا كان هذا الاتجاه مضاد لما نحلم به ونتمناه !
وقعت جيهان مغشيًا عليها بعد صدمةً گ مطرقة صلبة هوت بحدة على رأسها ….جعلتها هشة تقذفها الرياح ….
بعد لحظات كانت على الفراش الأبيض الطبي بمكتب وجيه بالمشفى …..فتحت عينيها فوجدته يقف بجانب الفراش ويتأملها بدقة …..
ولكن الغريب أن عينيه كانت بعيدة عن رؤيتها رغم ذلك!! …كأنه ينظر لشيء آخر بنفس الإتجاه !
ارتفع صدرها وهي تتنفس بقوة وقد عادت لوعيها بلحظاتٍ وأرادت النهوض …..وضع وجيه يده على كتفها لتبقى وأخيرًا نظرته كانت تقصدها….وقال بلطف :
_ لو لسه تعبانة خليكي مرتاحة هنا … ولا تحبي ارجعك البيت ؟
أطرفت جيهان عينيها عليه للحظات وشعورها يمتزج بين الغضب والحزن ….تريد أن تصرخ …. وتريد أن تركض باحثة عن أبعد مكان عن الجميع وتختفي عين الأعين …..!
قالت بنبرة وافقت نظرتها العاتبة :
_ غريبة أنك ما سبتنيش وروحت وراها !! ….. مجهود كبير أنك تمنع نفسك للدرجة دي !
رغم صيغة السخرية بجملتها ولكنها قالتها بمرارة ….ودموع مختبأة ….. فقال وجيه برد العتاب لها :
_ جيهان …أنا مش بكرهك …..يمكن لو ليلى مدخلتش حياتي كنتِ أنتِ هتبقي مكانها …..لأنك تستاهلي تتحبي ودي مجاملة لمجرد أني أرضيكي..بس ليلى حبي ليها كأن أغرب شيء شوفته في حياتي …. رغم إنه بدأ من أول نظرة ….بس استمر عمر ولسه باقي ! …….
ابتلع ريقه بنظرة بها هموم ثقيلة وتابع :
_ أنا بعترف أني غلطت لما وافقت أننا نكمل ….. بس حقيقي كنت بحاول بكل جهدي أنساها ….مقدرتش …
أنا مش حابب ابدًا أشوفك بتتعذبي قدامي وبسببي …. ارجوك لو حاسة أني ظلمتك سامحيني ….وأنا موافق على أي قرار تاخديه ….
طفرت عينيها دموع وهي تنظر له في رجفة جسدها وكأنها محمومة…. هي تعرف أنه لم يقصد ظلمها …وهي لم تحسب أن الأيام أحيانا تدور ضد توقعاتنا وجميع الظنون ….. كانت تظن بسذاجة أنها ستستطع هذه المرة أن تكسب جولتها مع قلبه ….وخسرت اللعبة !
اطلقت تنهيدة طويلة مرتجفة من رئتيها وقالت بعدها وهي تنهض من الفراش :
_ أنا محتاجة أبقى لوحدي شوية يا وجيه …. كمل شغلك وأنا هرجع البيت ….ارجوك سيبني براحتي الفترة دي ….محتاجة أفكر وأخد قرار ….. هرجع بعربيتي
نظر لها لبرهة ثم هز رأسه موافقا وقال :
_ خدي القرار اللي يريحك ….. هوصلك
رفضت بشدة واعترضت حتى سلّم للأمر تحت رفضها …..
ثم تحركت ببطء من أمامه حتى وقفت فجأة واستدارت له ….حركت عينيها بنظرة غامضة وقالت :
_ هي ليلى هتوافق على الجواز لو أنا وافقت أنك تتجوز وأفضل على ذمتك ؟
شعر بكيد الأنثى بسؤالها ….ورغم ذلك يقدر مدى شعورها …ولكنه لا يعرف إجابة الشؤال حقا وهذا ما يقلقه …..قال بصدق :
_ مش عارف …..بس اللي أعرفه أني مش هرتاح غير لما توافق….ومش هقبل رفضها تحت أي سبب …..
تكورت غصة شديدة المرارة بحلقها ….أي شعور قاتل هذا الذي يهجم على قلب امرأة ترى رجل تحبه يحب أخرى ؟
شيء كأنها تجري استئصال قطع حية من جسدها بعملية جراحية دون مخدر أو شيء يذهب الألم عنها !
لم تجيبه بأي كلمة ولا حتى أشارة …..خرجت من المكتب مباشرةً وهي تحبس الدموع عن تلصص النظرات حولها …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بغرفة العناية …..
وقفت ليلى تنظر لأبيها وهي تبكِ …..صامته كالتمثال …..نظرتها وكأنها تصرخ وتتوسل لكي ينهض ويخبرها ماذا تفعل !
ربت الجد صادق على كتفها وقال :
_ وافقي يا بنتي وريحي ابوكي في رقدته دي …… أنا متأكد أنه سامع وعارف اللي بيحصل …..طمني قلبه عليكِ ….
أغمضت ليلى عينيها بدموع وقالت بألم:
_ أنا وعدت مراته أبعد ….لو وافقت هبقى أنانية وغدرت بيها …..أنا مكسورة أوي …. من اليوم اللي صحيت فيه ولقيت نفسي تقريبا عريانة وبين ايدين مجرم وأنا قلبي اتكسر ….حتى لما اكتشفت أني لسه سليمة مقدرتش أفوق من الكسرة دي ….يمكن لو كنت أنت خدت حقي وقتها مكنتش وصلت للحالة دي !
هزت رأسها برفض فكرة أن يعرف وجيه ما حدث وقالت :
_ هقول لوجيه أزاي الموضوع ده !! ….. مش هقدر ابص في عنيه بعدها حتى لو كنت مظلومة ….. أنا بتمنى أني ارجعله …..بس لو معرفش هحس أني مخبية عليه حاجة وهفضل متعذبة ….. وتقيل عليا احكيله طب اعمل إيه ؟!
كانت الصغيرة بهذا الوقت تجلس خارج العناية مع الممرضة “منى” التي تفاجئت برؤيتها وصممت ان تأخذها بعض الوقت وظلت تشاكسها وتضحك معها …..
أجاب الجد صادق على ليلى بندم :
_ أنا السبب وأنا اللي لازم أصلح الغلط ده …. وعشان اطمنه هقوله أنك محتاجة وقت عشان نفسيتك تعبانة ……
ازدردت ليلى ريقها بقوة ولم تستطع أن ترفض الاقتراح …..لا ترفض مطلقا ….بل أن مجرد عرضه لطلب يدها جعلها تعود سنوات ماضية ….جعلها نبته بقلبها وكادت أن تموت تحيا من جديد ……
هناك أشياء نريدها بقوة …..ولا نستطع البوح بأننا نريدها ….. تصعب الظروف الأعتراف وتثقل نطق الموافقة !
قبّلت ليلى رأس أبيها وهمست له قائلة بدموع عينيها :
_ قوم يا بابا وقولي اعمل إيه ….خد بإيدي أنا تايهة ….. أنت اكتر انسان بتملا قلبي أمان ….. محتاجة أطمن …. قوم وقويني بيك …
قبّلت رأسه مرةً أخرى ثم استقامت وقالت لجدها وهي تمسح عينيها من الدموع :
_ أنا قاعدة في فندق (…) تبع الشغل اللي بدأته جديد ….. لو حبيت تشوفني يا جدي …بس من فضلك ما تقولش لوجيه العنوان …..
رد جدها بتأكيد :
_ اكيد مش هقوله عنوانك هو ده يصح برضو ! ….بس هو لو عايز يعرف عنوانك مش هيصعب عليه يعرفه !
قالت ليلى وهي على يقين بذلك :
_ عارفة ….. بس برضو ما تقولش …..أما صالح فلازم ما نثق أوي أنه انتهى …..لازم نستنى ونشوف …. صالح مش سهل ده مجرم ! …وليه رجالته واكيد بيدورو عليه ….واكيد برضو أول حد هيشكوا فيه هما السوالم وهيراقبوهم!

 

➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أخذت ليلى أبنتها من الممرضة منى بعدما خرجت من غرفة العناية…. فقالت منى بابتسامة لطيفة :
_ مطولتيش معانا يا ليلى …..بس وحشتيني والله ….سيبتي الشغل ليه فجأة والدنيا كانت مقلوبة عليكِ ؟!
احتارت ليلى كيف تجيبها حتى أتى وجيه من الممر …لاحظت منى قربه فقالت سريعا بتوتر :
_ د.وجيه جه ! ….طب همشي أنا بقى قبل ما يجي ويشوفني واقفة كده ! ….
اسرعت منى مبتعدة وحمدت ليلى مجيئه لينقذها من إجابة لم تستطع قولها …..اقترب وجيه منها حتى وقف أمامها في ثبات قائلًا ونظرته تتنقل بينها وبين الصغيرة التي تنظر اتجاه خطواته بابتسامة :
_ عنيدة …..بس عارف أن عندك بسبب خوفك ….. أطمني ….هتكوني ليا في جميع الاحتمالات …..
تمنت ليلى بداخلها أن يحدث هذا الأمر …..ابتسم بنظرة ماكرة وقال :
_ طالما ريميه بتدعي نبقى مع بعض …يبقى بأذن الله هنبقى مع بعض ….. أنا عارف أنك بتطمني بدعوتها …
اتسعت عين ليلى بدهشة …من أين عرف هذا الأمر؟! …..راقه دهشتها فاتسعت ابتسامته بتسلية ….نظرت ليلى لأبنتها التي تضمها بين يديها وسألتها بهمس :
_ أنتِ قولتي إيه ؟
ابتسمت الصغيرة وأشارت بأحدى يديها واليد الأخرى ممسكة بالهرة الصغيرة وقالت:
_ كل حاجة ….قولت لبابا وجيه كل حاجة ….
شحب وجه ليلى بارتباك شديد يغمر عينيها …..توجهت متهربة من عينيه المتسليتان بإرتباكها فقال بجدية :
_ أنا مش هقولك فكري ……هقولك أطمني …..لأني مش هتنازل عنك …..مقابلة بعد عشر سنين كانت أول خطوة في فتح ورقة جديدة لصفحة جديدة في حكايتنا من تاني يا ليلى ….. أنتِ خايفة وأنا هعرف أحميكي حتى من نفسك …..
استدارت ليلى له وقالت بألم يشتد بنظراتها :
_ مش عايزة أكسر قلب جيهان …..هي مأذتنيش في شيء …. وجيه أنت متعرفش حاجة عن اللي حصلي في السنين اللي فاتت….. بس كل اللي اقدر أقوله أن لو لينا نصيب نرجع ….هنرجع …. بس من غير ما يكون في طرف تالت مظلوم …
فهم ما تقصده …رغم أنه احتار بعض الشيء في بعض حديثها وغموض السنوات الماضية معها….. أجاب وكأنه يحال أرضاء هذا الألم القابع بعينيها :
_ جوازي منك مش ظلم ليها ……لأني مكدبتش عليها من البداية وهي قبلت موقفي وشعوري ناحيتك ، بُعدي عنك مش هيخليني أحبها ومش هينصفها بالعكس هيأزم الموقف أكتر …..بس رفضك هيظلمنا احنا الاتنين يا ليلى ….. أنا سيبت الأختيار لجيهان في وجودها على ذمتي أو الطلاق لأني هتجوزك يعني هتجوزك ….
رغم أنها تعترف سرًا أن هذا لأمر شاق على جيهان ولكنها كرهت هذه الفكرة أيضا ….أن يكن لأنثى غيرها ….ولا يعقل أن تطلب منه أن يطلق زوجته الأولى !
سيكون ظلم بيّن لجيهان أن قالت ذلك !
قالت ببعض التيهة :
_ يبقى كلامنا بعد ما جيهان تقرر ….. وعلى ما اتأكد أن صالح مابقاش موجود ….
ودت لو تقوله أنه توفى أو لقى مصرعه …فهي حقا لا ترى راحتها الا بسجنه أو وفاته …. ولم تجد شعور ولو ضعيف بتأنيب الضمير لرغبتها هذه ….. ولكن لا تحب أن تقول ذلك أمام أبنتها ….
تحركت مبتعدة عنه …فقال كأنه لا يريدها أن تذهب من أمام عينيه :
_ عارف أنك مش عايزة تعرفيني عنوانك …أمشي يا ليلى….بس ده بُعد مؤقت ….. أنتِ رجعتيلي ولا يمكن أسيبك تبعدي تاني …..
لم تقف هذه المرة بل تابعت طريقها في الأبتعاد ….رفعت الصغيرة يدها الرقيقة ولوحت له بالسلام ….ابتسم وجيه وقال بمحبة لهذه الملاك :
_ هتوحشيني يا ريمو على ما أشوفك تاني ….
ابتسم الصغيرة باتجاه صوته ثم وضعت رأسها على كتف أمها برقة ……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
عادت جيهان للبيت الكبير ملك عائلة الزيان ……
صادف دخولها المنزل وجود الجد ” رشدي” وهو ينزل الدرج بتثاقل قدميه ….وعصاه يتوكأ عليها وهو يتحرك ببطء …… توجهت صاعدة هي أيضا والقت عليه السلام عندما صعدت الدرجة الذي يقفه عليها ناظرًا لعينيها المنتفختين من البكاء …..فقال بقلق :
_ مالك يابنتي شكلك معيطة ليه ؟!
وقفت جيهان وعينيها تعصف حمم من نيران الحزن …فقالت :
_ تعبانة شوية يا بابا ….. أنا بستأذنك هغيب عن البيت كام يوم اريح أعصابي ….
تعجب الجد من طرحها لهذا الأمر وكأنها لم تخبر زوجها !! …فقال بتعجب :
_ طب ووجيه عارف ؟ اكيد ماينفعش تمشي من غير أذنه !
قالت جيهان بعد صمت دام لدقيقة :
_ هو تقريبًا عارف …. لما أوصل هتصل بيه وأقوله عنواني …..
نظر اليها الرجل في حيرة ….أي شيءجعلها بهذه الحالة ؟ …لابد أن الأمر خطير ليجعلها هكذا …..فقال :
_ طب احكيلي حصل إيه ….. هو أنا مش زي بابا برضو ؟
ابتلعت جيهان ريقها المرير وقالت وهي تأخذ أنفاسها بضيق شديد ….ثم اجابت عليه بألم :
_ هو هيقولك اكيد ….. لأني ما اعتقدتش أنه هيتجوز من وراك !
صدم الجد واتسعت عينيه على آخرهما من الصدمة ….يتزوج مرة أخرى ؟! ……. أي شيء يجعله يصدق أن أكثر أبنائه عقل وحكمة يفعل هكذا ؟! ……بالتأكيد أن جيهان مخطئة فقال بتأكيد :
_ مستحيل أصدق ….اكيد أنتِ فاهمة غلط!
امتزج السخرية مع مرارة صوتها وأجابت :
_ هسيبه يأكدلك بنفسه ….. أنا هاخد جزء من هدومي … لحد ما أخد قراري ….ياريت تبلغه كلامي ….
اسرعت جيهان لغرفتها بالطابق الأعلى وهي تبكي ….وقد تسمر الجد ؤشدي بمكانه لبعض اللحظات حتى أخرج هاتفه الخاص من جيب روبه الثقيل وأجرى اتصال على رقم وجيه ……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
غرفة يسود الظلام بها ……يرافق البرد القارس قسوة المشهد ….. وعيون الأمل في النجاة آبية أن تستيقظ ….. هناك فقط من بعيد ضوء ضعيف لقنديل ضوئه ضعيف …ولكنه يعكر قتامة الظلام الحالك…
ها هو هنا ….بين عواقب جرائمه …وبين انتقام وبراثن الأعداء …..
دفع بوجه صالح المقيدة يديه بالأصفاد الحديدية دفعة كبيرة من الماء البارد ….حتى استفاق قليلًا من وعيه المفقود بسبب العنف والضرب الذي تلقاه بالأيام الماضية ……أخذ أنفاسه بصعوبة من رذاذ الماء وجسده العاري ينتفض بشدة وكأنه محموم …..
نظر اسماعيل سالم وهو من أحد رجال العائلة المعادية لعائلة الجد صادق للمقيد بكراهية وسخط وقال بنظرة عنيفة :
_ ورحمة أبوك اللي موته كان على ايدي ما هتطلع من هنا غير جثة …لا ومش أي جثة …..هوريك غضب السوالم الأول ….هتتمنى الموت في كل نفس تتنفسه …وبعديها هولع فيك حي ….. بحق أخواتي اللي موتهم يا ……
نظر صالح بإعياء والدماء تنزف من كل مكان بجسده وقال بابتسامة ساخرة شريرة :
_ أنت مش هتلحق يا أسماعيل …… واللي أنت بتعمله ده هتدفع تمنه دم …..
نظر اسماعيل لسوط ملقى بالقرب …كان يتم تعذيب صالح به منذ قليل …..انحنى وأخذه قائلًا بغضب :
_ أنا هوريك التمن …..
وهوى على جسد صالح بالسوط في غضب مميت ….صرخ صالح بألم شديد من لسع الضربات التي تهوى غاضبة على جسده …وكأن السوط ذاته ينتقم لثأر !

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!