روايات

رواية براثن اليزيد الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد الفصل التاسع عشر 19 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد البارت التاسع عشر

رواية براثن اليزيد الجزء التاسع عشر

براثن اليزيد
براثن اليزيد

رواية براثن اليزيد الحلقة التاسعة عشر

“غيوم رمادية احتلت زُرقة سمائها،
بعد ابتعاده عنها لأيامٍ تُعد”
منذ ذلك الحين الذي تحدث معها به وهي لا تدري هل ما حل عليها سعادة أم حيرة بسبب ما فعلته؟، منذ أن قال لها “تامر” أنه يود معرفة كل شيء عن ما قالته له وهي هكذا بين السعادة والحزن من هنا تارة ومن هنا تارة..
تخاف أن يأخذ خطوة متقدمًا بها إليها ويكن في النهاية لا يشعر بها من الأساس!، أو ربما يأخذ خطوة ناحية شخص آخر فهو لا يدري أنها هي من قصدته بحديثها..
زفرت بهدوء وهي تنظر على المارة في الأسفل من نافذة ذلك المطعم الذي تجلس به، أتت صديقتها “نهى” من بعيد لتقف هي على قدميها تسلم عليها بحرارة وشوق:
-حمدلله على السلامة
جلست الأخرى أمامها مُبتسمة، وضعت حقيبتها جوارها على المقعد ثم أجابت بحماس:
-الله يسلمك.. قولي بسرعة ايه الموضوع بقى
ابتسمت “ميار” باستنكار متعجبة من صديقتها فهي قد أتت اليوم من سفرها مع زوجها الذي ذهبت معه منذ بضعة أيام ولم تحتمل أن تنتظر أكثر من ذلك، تود وبشدة معرفة ما حدث والذي لم تقصه عليها “ميار”:
-في ايه بس براحة يابنتي
تقدمت منها الأخرى ووضعت يدها على الطاولة أمامها تتحدث بجدية:
-لأ بقى مش كفاية مردتيش تقوليلي وأنا مسافرة قال ايه لازم تكوني هنا علشان نتناقش بهدوء… يلا قولي
مازالت “ميار” مُبتسمة إلى الآن، تقدمت منها هي الأخرى بعد أن تنهدت بهدوء وراحة لأنها ستروي ما حدث لشخص ما، تحدثت بهدوء شديد وهي تروي لها بداية من كلماته إلى نهاية كلماتها ولم تترك حرف إلا وقالته لتفهم ما الذي سيحدث منه ربما يصيب ظنها..
تهللت أسارير “نهى” وتحدثت قائلة والابتسامة تزين ثغرها:
-ده كويس أوي أوي كده هو بدأ يفكر طبعًا يا ميار وكمان نسي مروة
عادت الأخرى تستند بظهرها إلى ظهر المقعد خلفها وقد ظهر اليأس على ملامح وجهها وهي تقول:
-أنا بجد مش عارفه بعمل ليه كده.. كان المفروض أنساه وأشوف حياتي بس مقدرتش، أنا مش عارفه ممكن يحصل ايه بعدين، خايفة لو الحكاية تمت افتكر أنه بيحب مروة.. أو في أي تجمعات يختلط بمروة.. أنا محتارة أوي يا نهى
أنها تفكر بشكل صحيح حياتها لن تكن وردية بهذا الشكل ولكن هي فقط من يستطيع أن يغير كل شيء، أجابتها “نهى” بجدية وهدوء:
-أنا معاكي في كلامك بس تامر أكيد نسي مروة لأنها خلاص اتجوزت ومش هتبصله، وفي التجمعات كل ما تشوفوا بعض هيكون جوزها معاها أكيد.. أنتِ بس فكري براحة وطلعي الحكاية دي من دماغك علشان متعملش حساسية بينك وبين أختك
تحدثت سريعًا قائلة بلهفة عندما أتت إلى هذه النقطة:
-لأ طبعًا مفيش حاجه هتغيرني من ناحية مروة ولو كان مين حتى
ابتسمت صديقتها بهدوء وهي تراها هكذا تخاف وبشدة على علاقتها بشقيقتها.. بينما تريثت الأخرى قليلًا ثم تحدثت مرة أخرى:
-خايفه يفكر في حد تاني مش فيا
عادت “نهى” إلى الخلف وهي تنستد إلى ظهر المقعد وتحدثت بجدية وثقة:
-هيطب عليكي مرة واحده يخطبك وهتقولي نهى قالت
_______________________
دلفت إلى الغرفة بخطى مترددة، تفكر في حديث “يسرى” بجدية فقد اقنعتها أنها المخطئ الوحيد من البداية..
دلفت إلى غرفة النوم، وجدته ممدد على الفراش يضع حاسوبه على قدمه وينظر إليه بتركيز شديد، ذهبت إلى مكانها على الفراش وجلست عليه متقربه منه حتى تجعله يلين معها، أغلقت الحاسوب بيدها ونظرت إليه بتردد قائلة بصوتٍ خافت:
-هنفضل كده كتير؟!
نظر إلى عينيها الذي هربت زُرقتها منها ليحل محلها لون الخضرة الرائعة المحببة لقلبه، أبعد نظره عنها متحدثًا بسخرية وهو يجب على سؤالها:
-شوفي مين عمل كده واسأليه
اقتربت منه إلى أن سارت تجلس جواره ولا يفصل بينهم شيء ثم نظرت إليه وهو يدير وجهه بعيد عنها وقالت بنبرة حافظت على ظهورها خافتة وضعيفة حتى يرضخ:
-أنا آسفة
أعاد نظرة إليها بعد أن استمع حديثها، ينظر إليها بجدية شديدة ولا يوجد تعابير على وجهه سوى ذلك ولم يتحدث ولو بحرفٍ واحد فقط ينظر إليها، فتابعت هي بهدوء:
-أنا بجد آسفة.. والله مكنتش أقصد كل اللي حصل ده، مجرد كنت حابه أعملك مفاجأة يا يزيد
ابتسم بسخرية ثم وقف على قدميه مبتعدًا عنها تاركًا الفراش وتحدث بتهكم قائلًا:
-آه تقومي تنزلي بقميص زي اللي كنتي لبساه ده في وسط البيت اللي المفروض أنه بيت عيلة.. ممكن حد لسه مرجعش.. حد خارج.. بس إحنا مش بيهمنا صح؟
وقفت هي الأخرى وتقدمت لتكن مقابله له وتحدثت بجدية متذكرة ما فعله:
-وأنتَ كمان مقصرتش يا يزيد كفاية البهدلة والكلام السم اللي أخدته منك.. أنا مراعية أنك وقتها مكنتش في وعيك أصلًا
اقترب منها بهدوء شديد وهو ينظر إليها نظرة ذات مغزى، أردف بجدية بعد أن وقف أمامها مباشرة وملامح وجهه تتغير في كل مرة يتحدث بها:
-مش في وعي!… وديني يا مروة لو كان حد تاني غير فاروق أخويا لكونت دفنتك مكانك أنتِ وهو
حديثه كما هو، تتغير الكلمات ولكن هي نفس المعاني الذي يوصلها إليها، في المرة الأخرى لم يكن واعي فغضبه كان يعميه وقدرت هي ذلك ولكن الآن هو واعي جيدًا.. إذًا لماذا يقول هذه الكلمات؟.. تحدثت بجدية متسائلة بتعجب:
-أنتَ بتتكلم كده كأني روحتله برجلي وقولتله أتفرج عليا أرجوك
-آه عملتي كده يا مروة روحتي برجلك
ذُهلت أكثر من حديثه وردوده عليها، أتت له لتجعله يعود كما السابق وتعتذر عما بدر منها وهو كما هو يلقي كلمات مسمومة عليها!..
نظرت إليه بحزن شديد وتحدثت متسائلة باستغراب:
-يعني جايه اعتذرلك على اللي عملته ده يكون ردك؟ بدل ما أنتَ كمان تعتذر على اللي عملته؟ مديت إيدك عليا للمرة التانية واتهمتني بحاجات بشعة وقطعت هدومي وحرقتها!…
تحدث مُجيبًا إياها بتهكم وسخرية شديدة وهو يشير عليها بيده باستهزاء:
-جاية تعتذري علشان غلطي.. مديت ايدي عليكي علشان بدل ما تعتذري كنتي بتقاوحي وبتعلي صوتك عليا.. اتهمتك بسبب اللي شوفته.. قطعت هدومك علشان مش فاكر الصراحة دي المرة الكام اللي يحصل فيها موقف بايخ زي ده بسبب لبسك… أعتذر على ايه بقى ماهو لكل فعل رد فعل
أجابته بعصبية شديدة بعد أن انتهى من حديثه وقد غلت الدماء بعروقها وهو يتهرب منها ومن اعتذارها:
-عايز ايه يعني يا يزيد.. عجبك وإحنا كده؟ ولا عجبك قربك من ريهام قول متكسفش
أجابها ببرود وهو يجلس أمامها على الفراش مرة أخرى محاولًا أن يخفي ابتسامته عنها:
-ريهام بقالها سنين قدامي لو عايزها كنت اخدتها
ذهبت إليه وجلست على عقبيها أمامه بهدوء وهي عازمة أمرها على إنها تلك المنازعة بينهم والعودة كما السابق وأفضل بكثير، تحدثت برقة وهدوء شديد:
-أنا بعتذرلك وبقولك آسفة يا يزيد.. مش حابه بعدنا عن بعض بالطريقة دي علشان خاطري كفاية بقى.. وعلى فكرة أنا مغلطش لوحدي أنتَ كمان غلطان لأنك عالجت الموضوع بطريقة غلط
تذكر نظرة شقيقه مرة أخرى وقد رُسمت داخل عقله ولم تُمحى، أردف بضيق شديد بعد أن أمسك بمعصمها بحدة:
-والمفروض أعمل ايه وأنا شايف أخويا بيبص لمراتي كده؟ أنا كان في نار جوايا وأنا شايفه وشايف نظرته ليكي وكل ما أفتكر النار بتقيد من تاني.. كنتي عايزاني أعمل ايه قولي
جذبت يدها منه بهدوء، وقفت على قدميها وجلست جواره ثم دون مقدمات عانقته وبشدة وهي تشعر بأثر كلماته عليها فهو محق للغاية، تحدثت وهي تشدد على احتضانه:
-أنا آسفة يا حبيبي والله غصب عني.. مش قادرة أكمل كده من غيرك يا يزيد أنتَ بالنسبالي النفس اللي بتنفسه.. سامحني أني حطيتك في الموقف ده
زفر بهدوء بعد أن استمع لحديثها، جذبها أكثر إليه وبادلها العناق هو الآخر متحدثًا بهدوء بجانب أذنها:
-أنا كمان آسف متزعليش مني.. أوعدك عمري ما أمد ايدي عليكي تاني بس أنا مكنتش شايف قدامي
أبتعدت عنه متحدثة بحماس وهي تحاوط وجهه بكفي يدها وتنظر داخل عينيه التي أصبحت زرقاء بشدة بسبب قميصه الأزرق:
-يعني صافي يا لبن؟
ابتسم بسعادة غامرة فلم يكن يريد أن يحدث ذلك من الأساس، أسبوعين متتاليين وهم كما الغرب عن بعضهم، لم يروقه ذلك أبدًا غير أنه كان يشعر بالذنب لما فعله بها.. ولا يريد أن يطول هذا الحال عليهم أنه يريد أن ينعم باحضانها.. أردف يُجيبها بسعادة:
-حليب يا قشطة
نظر إلى وردية وجهها الذي يذوب عند الإقتراب منها وهناك رغبة ملحة للإقتراب ودق بابها الآن ليشعر بكرم الضيافة عندها هي وحدها.. أقترب من شفتيها بعد أن وضع يده خلف رأسها يقربها منه لتتيح له الفرصة ليفعل ما يريده وما يحلو له..
قبلها بهدوء شديد ورقة بالغة لبعض الوقت وكأنها قطعة حرير غالية الثمن يخاف خدشها، استمر في قبلاته الحنونة الرقيقة لعبض من الوقت الآخر..
ثم دون سابق إنذار داهم شفتيها بقبلة دامية، قاسية لم ترغب بها أبدًا منه في تلك اللحظات بينهم.. دفعته بعد اختناقها وقد وجددت أنها لا تتحمل أسنانه الذي عضت على شفتيها بعنف..
أبتعد عنها وهو يبتسم بسخرية ليتشفى بها وبحالها، وجدها تلهث بعنف وشفتيها متورمة من فعلته فتحدث بمرح قائلًا:
-بس بردو كل ده مايمنعش إني أخد حقي بطريقتي
مررت إصبع يدها على شفتيها وهي تشعر بالحرارة تندلع منهم، أردفت بانزعاج وضيق وصوتٍ خافت:
-سافل
استمع إليها وابتسم بمرح قائلًا بجدية:
-بتقولي حاجه يا حبيبتي؟
نظرت إليه بهدوء وقد وجدتها الفرصة المناسبة للتحدث فيما تريده منه فقالت برقة بعد أن وقفت على قدميها وذهبت لتجلس على قدميه بأريحية:
-بقول إني عايزه أزور بابا وميار.. أنا مروحتش هناك خالص يا يزيد من وقت ما اتجوزنا
لفت يدها حول عنقه بغنج واضح فأعاد هو خصله متمردة لخلف أذنها مُجيبًا بجدية:
-بس كده؟ نروح بكره الصبح يا ستي
نظرت إليه غير مصدقة حديثه فهو أول مرة يوافق على طلبها هذا بهذه السرعة والجدية، تحدثت متسائلة بلهفة:
-بجد؟
-بجد
لفت يدها حول عنقه بشدة محتضنه إياه وهي تقبله من وجنته بسعادة غامرة وقد تعالت ضحكاته وهو يرى ردة فعلها هذه الغير متوقعة
-بحبك أوي يا زيزو يا قمر أنتَ
نظر إليها نظرة ذات مغزى وأردف بمرح قائلًا:
-مدام فيها زيزو يبقى استعنى على الشقى بالله
____________________
“في صباح اليوم التالي”
جلست جواره في سيارته منذ لحظات متوجهين إلى العاصمة لزيارة عائلتها، تحدثت متسائلة عندما وجدته لم يتحرك:
-ما تطلع يا يزيد واقف ليه؟
أجابها بفتور بعد أن استمع إلى سؤالها وهو ينظر إلى الهاتف الذي بيده:
-مستني ريهام
استغربت حديثه بشدة فلما ينتظر تلك البغيضة وهو ذاهب معها إلى عائلتها، سألته مرة أخرى باستغراب ودهشة:
-نعم؟ مستنيها ليه
ترك الهاتف من يده ووضعه أمامه ثم نظر إليها بهدوء وتحدث مُجيبًا إياها بجدية:
-رايحه معانا القاهرة يا حبيبتي، هنوصلها في الطريق
تحدثت بحدة وجدية شديدة بعد أن ألقى كلماته تلك عليها وهي لا تدري كيف علم بذلك ولما لم يقول لها:
-وأنتَ ليه مقولتليش؟ وبعدين ماهي معاها عربية
زفر بضيق وهو يعلم أنها تُغار منها وبشدة ولكن دائمًا تحمل الأمور فوق بعضها، أردف بجدية محاولًا إقناعها بما حدث وهو يعلم أنها لن تصمت:
-لما عرفت وإحنا بنفطر يا حبيبتي قالت إنها هي كمان هترجع وطلبت مني أوصلها في طريقنا
تحدثت مرة أخرى بحدة متسائلة فهي تعلم أنها معها سيارة هنا إذًا لما ستذهب معهم؟:
-وعربيتها فين بقى إن شاء الله؟
استدار إليها بجسده لينهي هذا الحوار سريعًا، أمسك بكف يدها رافعًا إياه إلى فمه ثم قبله برقة وهدوء وأجابها قائلًا بجدية:
-عربيتها فيها حاجه بايظه يا روحي.. هتتصلح وابعتها ليها ممكن تهدي بقى
جذبت يدها منه ونظرت أمامها دون أن تتحدث ثم أتت غريمتها وجلست بالمقعد الخلفي قائلة بصوت هادئ:
-سوري يا يزيد اتأخرت
أجابها وهو ينظر إلى الطريق أمامه بعد أن أدار محرك السيارة وذهب بها:
-لأ عادي ولا يهمك
كان الطريق طويلًا وهي لا تستطيع أن تتحدث معه بهدوء أو تقول ما بخاطرها بسبب تلك البغيضة التي تجلس بالخلف تتحدث معه بين الثانية والأخرى بأي شيء يُقال وهو يُجيبها باقتضاب فقط لأنه يعلم أن زوجته منزعجة وبشدة..
تحدثت “ريهام” بجدية وهي تنظر إلى “مروة” ومن ثم “يزيد”:
-اظن كفاية راحة بقى يا يزيد المصنع محتاج وجودك فيه
أجابها بجدية هو الآخر وهو ينظر إلى الطريق بتركيز:
-همر عليه النهاردة بما إني هنا
أجابت مرة أخرى بسعادة أخفتها وهي تنظر إلى “مروة” بتشفي:
-كويس هستناك
بينما نظرت إليه “مروة” بانزعاج وضيق شديد وهي لا تصدق أنه سيتركها ويذهب، تحدثت بضيق واضح قائلة:
-تروح فين يا يزيد هو إحنا مش جايين لأهلي بردو؟
نظر إليها ومن ثم إلى الطريق وتحدث بهدوء راجيًا إياها أن تتفهم موقفه:
-معلش يا حبيبتي أنتِ عارفه إني عندي شغل كتير متراكم هبص عليهم بس وارجعلك متقلقيش هنقضي اليوم سوا
نظرت إليه بضيق ثم أدارت وجهها الناحية الأخرى تنظر من الزجاج على السيارات في الخارج وهي تفكر به وبما يفعله بها من مواقف غريبة وكلمات أغرب..
أمسك بكف يدها وهو يقود السيارة ورفعه إلى فمه يقبله مرة أخرى بهدوء حتى لا تنزعج تحت أنظار القابعة بالخلف، ابتسمت “مروة” لذلك فقط لأنها رأته وهو يقبل يدها ومن ثم تحدث قائلًا:
-متزعليش بقى يا مروتي مش هطول عليكي
ابتسمت بوجهه بسعادة لما فعله أمام الأخرى وتناست ما كانت تفكر به من الأساس وظل هو ممسكًا بيدها والأخرى يقود بها السيارة وقد علم أن ذلك سيأتي بنتيجة حتمًا لذا فعلها..
______________________
أوصل “ريهام” إلى منزلها ثم ذهب مع “مروة” إلى منزل عائلتها الذي جلس معهم بضع دقائق وذهب إلى المصنع لكي يرى ما الذي يحدث به بغيابه، ويباشر عمله من جديد وهو هناك، أخذ بعض الساعات وهو بالخارج ثم عاد مرة أخرى إلى منزل “مروة” وجلس مع عائلتها وقت هادئ ومريح..
قالت “ميار” مُبتسمة بهدوء بعد أن ابتلعت ما بحلقها من طعام وهي تنظر إلى “مروة” التي تجلس أمامها على طاولة الطعام:
-بجد مفاجأة هايلة يا مروة كنتوا اعملوها من زمان
ابتعلت “مروة” هي الأخرى ما بحلقها ونظرت إلى “يزيد” ومن بعده “ميار”، ترسُم ابتسامة على محياها:
-يزيد كان مشغول أوي ومحبش إني اجي لوحدي.. كان عايز يكون معايا
حرك “يزيد” رأسه يمينًا ويسارًا يبتسم بسخرية على حديثها فهي تكذب فقد كان يفعل ذلك فقط ليجادلها..
أكمل طعامه بهدوء إلى أن استمع إلى والدها يقول بسعادة قد رُسمت على ملامحه بدقة صادقة:
-والله البيت منور يا يزيد يابني
أجابه “يزيد” مبتسمًا هو الآخر فقد كان “نصر” بوجهه البشوش يجعل النفوس صافية:
-ده بنورك طبعًا يا نصر بيه
ابتسم والدها بهدوء، تنحنح ثم قال بحرج شديد وهو يضع الملعقة بطعامه قبل أن ينظر له:
-بصراحة يعني يابني إحنا كنا خايفين منكم ومقلقين كلنا على مروة… يعني هتروح بيت منعرفش فيه حد وكمان السبب مش طبيعي بس الحمدلله أنتَ طلعت راجل تقدر تصون بنتي، لحد النهاردة مروة عمرها ما اشتكت وباين على وشها السعادة
ابتسمت بسعادة وهي ترى والدها يمدحه فهو محق للغاية بكل كلمه قالها ولكن لم يقول أن العشق حليفهم الآن، أخفضت يدها إلى أسفل الطاولة لتتمسك بيده بشدة وهي تبتسم بوجهه، بينما هو تصنع الابتسامة رغمًا عنه، لم يكن قادرًا على فعلها، الرجل يمدح به، يقول أنه رجلًا، يقول أنه صان ابنته، ألا يدري ما الذي يريد فعله بها إلى الآن؟، ألا يدري أنه لا يختلف شيئًا عن السارق، لقد أتت الكلمات بمقتل عن حق، فهو لا يريد أن يستمع إلى أي من هذه الكلمات التي تمدح رجولته فليس عنده ذرة منها من الأساس، يكاد يختنق صدره على قلبه ليسحقه أسفله ويلقى حتفه..
سحب يده الذي قبض عليها بشدة من أسفل يدها وتؤكد هي بتلك الفعلة على حديث والدها.. أنه ليس كذلك!
استغربت فعلته فنظر إليها في محاولة منه أن يبتسم ويلقي كل شيء خلفه الآن حتى لا يلاحظ أحد ما يحدث معه وقد اقتنعت هي بعد أن قال بجدية:
-الحمدلله شبعت.. سفرة دايمه، تسلم ايدك يا ميار
ابتسمت له بهدوء وأجابته قائلة:
-بالهنا والشفا
وقف على قدميه ثم ذهب إلى غرفة الصالون بعد أن استأذن منهم، لينفرد بضميره ويخرسه حتى لا يكتشف أحد أمره أو تلاحظ زوجته ما يحدث له وتمطر فوق رأسه أسئلة لا يعلم لها إجابة..
ذهب خلفه والد زوجته ليجلس معه بينما بناته منهم من تصنع الشاي للجميع والأخرى تضع محتويات السفرة بمكانها المناسب داخل المطبخ..
أتت “مروة” بصينية الشاي وخلفها شقيقتها التي قدمت لوالدها الشاي وجلست جواره بعد أن وضعت “مروة” الصينية على الترابيزة أمامهم وفعلت شقيقتها المثل لزوجها وجلست جواره..
تحدث “نصر” قائلًا بجدية وهو يسأل زوج ابنته:
-هو كل شغلك هنا في المصنع يا يزيد؟
أجابه بفتور معتقدًا أنه يتبادل معه الحديث فقط:
-آه
نظر الآخر إلى ابنته وقد عاود نظره إلى زوجها وتحدث بجدية قائلًا:
-أنا عارف من قبل جوازك من مروة أنك شغال هنا وليك بيت كمان وكنت عايش فيه.. ليه مرجعتش تعيش هنا أنتَ ومراتك؟ أظن العيشة هنا أحسن ليك ولمروة كمان
ترك الكوب من يده ثم نظر بانزعاج إلى زوجته والذي أعتقد أنها من قالت لوالدها أن يقول ذلك حيث أن آخر نقاش بينهم حذرها من أن تتحدث بهذا الأمر، أعاد نظره إلى والدها وتحدث بجدية شديدة:
-لأ مش أحسن ولا حاجه أنا بتابع شغلي عادي ومروة كمان عايشة كويسة معانا.. إن شاء الله هنيجي هنا لكن لما ظروفي في الشغل هناك تتحسن شويه
شعرت باختلافه في الحديث عن زي قبل نظرت إلى والدها الذي وجدته يهز رأسه إليه متفقًا معه، قالت بهدوء وابتسامة:
-تعالى يا يزيد شوف البيت واوضتي.. عن اذنك يا بابا
ذهبت معه إلى غرفتها، دلفت معه وأغلقت الباب خلفها فلم يعطيها فرصة للحديث وقال هو بانزعاج:
-أنتِ اللي قولتي لوالدك يقولي كده صح؟
نظرت له باستغراب ودهشة فهي لم تتحدث مع والدها بشيء وهو فقط كان يتجاذب معه الحديث، قالت بنفي:
-لأ مش صح أنا مقولتش حاجه
ابتسم بسخرية وهو يتجه ليجلس على الأريكة التي بالغرفة وتحدث بتهكم قائلًا:
-لا يا شيخة عايزه تفهميني أنه هو اللي قال كده من نفسه!
اتجهت ناحيته ووقفت أمامه تنظر إليه بضيق من حديثه وأفعاله غير أنه لا يصدقها، قالت بحنق وانزعاج:
-آه يا يزيد هو اللي قال من نفسه والمفروض لما أقولك حاجه تصدقني أنتَ عارف إني متعودتش على الكدب
وقف أمامها وتغاضى عن الأمر برمته متحدثًا بهدوء وجدية تُحي ملامحه:
-ماشي يا مروة مصدقك.. أظن لازم نمشي بقى قدامنا طريق طويل وسفر من هنا للبلد، أنتِ قاعدة معاهم طول اليوم وادينا المغرب أهو
استغربت حديثه ولكنها كانت متوقعة ذلك، تحدثت باستنكار وهناك ما تخطط له:
-ايه ده هو إحنا هنمشي؟
نظر إليها بهدوء وتحدث مُجيبًا إياها بجدية شديدة:
-آه لازم نمشي
اقتربت منه بغنج ليس واضحًا له ولكنها كانت تعلم ما الذي ستفعله حتى يرضخ لما تريد هي، وضعت يدها على صدره وسارت يدها تعبث بشكل غير واضح:
-طب ما تخلينا لبكره
وضع يده على يدها الاثنين الذين يعبثون به وتحدث بتوتر وقد فهم ما ترمي إليه:
-مش هينفع يا حبيبتي لازم نرجع
اقتربت منه أكثر وجذبت يدها من أسفل يده، أخذت تفتح له أزرار قميصه الأبيض وهي تتمايل أمامه بجسدها وتحدثت بخفوت وصوتٍ تعلم جيدًا أنه يروق له:
-بس أنتَ مشوفتش اوضتي ولا أي حاجه فيها
رفع نظره وعينيه الذي تريد أن تخرج من مكانها في أنحاء الغرفة ليرى فراش في المنتصف ومرآة، وهناك أريكة أيضًا والكثير من اللوحات المعلقة على الحائط، لم يستطيع التركيز بسبب يدها الذي فتحت كل أزرار قميصه وسارت تعبث بصدره العاري، أمسك بيدها سريعًا بعد أن اندلعت النيران بداخله..
تحدث بمكر وخبث غامزًا لها وهو يلهث بعنف بسبب ما فعلته به:
-اللي بتعمليه آخرته وحشه.. علشان مش هعرف أعملك حاجه هنا لما نرجع بيتنا هردلك كل ده
أجابته وهي تعلم إلى أين يذهب حديثه وستستمر إلى أن تصل إلى ما تريد وهو المكوث هنا إلى بضعة أيام بعيد عن كل شيء في منزله:
-طب ما ترده هنا ايه اللي مانعك
نظر إلى الفراش خلفها ثم أعاد نظره إليها من جديد وتحدث بخبث قائلًا وهو يشير بعينيه إليه:
-السرير ده جامد؟
توردت وجنتيها بالحمرة ولكن أكملت فيما بدأته متغاضيه عنها وهي تجيبه بغنج:
-أوي أوي
ابتسم باتساع بعد أن وضع يده على وجنتها مستدير بها ليجعلها تستند على الحائط وهو أمامها وتحدث بخبث:
-مش اللي في دماغك يا أستاذة أنا أقصد يعني بما أنه سريرك هيشيل شخصين ولا لأ
ابتسمت هي الأخرى وأجابته بهدوء وهي تلوي شفتيها:
-يشيل أربعة وعشرين شخص لو عايز
اندلعت ضحكاته في الغرفة عندما قالت هذه الكلمات ليصحح لها غامزًا بعينيه ومقصده ماكر خبيث:
-أربعة وعشرين حصان قصدك؟
قُتلت الكلمات في فمها حيث أنه سأل ولم يعطيها الفرصة لتُجيب ملبي لها طلبها في المكوث هنا أكثر وأخذًا ما وجدته هي يناسبه لتغريه، أخذًا منها لحظات العشق والغرام التي لا يعرفها سوى المتزوجين المحبين لبعضهم، لا يعرفها سوى العاشق لزوجته، أخذًا منها ما يريد ويعطي لها لحظاتٍ لا تُنسى برفقته، لحظاتٍ تروي ظمأ عاشته في مقتبل زواجهم.

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!