روايات

رواية أترصد عشقك الفصل السابع والخمسون 57 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل السابع والخمسون 57 بقلم ميار عبدالله
رواية أترصد عشقك البارت السابع والخمسون
رواية أترصد عشقك الجزء السابع والخمسون
أترصد عشقك
أترصد عشقك

رواية أترصد عشقك الحلقة السابعة والخمسون

أنا وأنت
وبيننا أميال
أنا وأنت
وحوائط منيعة تفصل بيننا
أخبرنى أهو القدر؟
هل علىّ الاستسلام أم المحاربة ؟
وإن حاربت هل سأظل مثابرة لنيل ما ابتغاه كحالك؟
أم سأفقد كامل قوتى أطاحن بدون جدوى؟!!
أخبرني..
هل بعد تلك المعاناة .. راحة أم سيظل الشقاء ينخر بين أوردتى حتى الموت ؟!!
الأجساد وقفت بتصلب بعدما ألقي معتصم قنبلته أمام صغيرتيه
ورغم جمود ملامح وجه شادية، إلا أن روحها داخلها تثأر
تطالبها بالرفض
عدم الخنوع مرة اخرى
لقد سئمت من معاملتها كدمية قابلة للكسر؟
إلا أن صوت عقلها أوقف اجراس انذار القلب
والدها خائف
تشعر بيه بين نظرات عينيه الخاوية من اى تفاعل او عاطفة؟!
لقد كسرته .. كسرت هامته وشموخه وكبريائه
أى تصرف يقوم به، فهو لـ لملمة بقايا كرامته الجريحة !!
لكن القلب
اللعنة على صوت القلب، وما سبب لها من أذى كاد أن يودى بحياتها لمرتين.. لمرتين لكن …بئسًا .. جوارحها منصبة على الإيطالي!!
أى حالة بائسة وصلت إليها هى؟
وأى تعويذة قيدتها به؟
انتفضت على صوت جيهان التى خرجت عن صدمتها تباغتهما بصياح مستنكر
-بابا تقصد ايه انك موافق عليه
الأب عينيه معلقة على صغيرته
يرى التيه المرسوم في عينيها، والشرود الذي اكتنفها، لم يفت عنه تهدل كتفيها بيأس ولا حتى شعوره بالنفور للفكرة.
غمغم بجدية وهو يخرس ثورة جيهان بعينيه
-يعنى مفيش رفض، ده قرار نهائي
الا ان جيهان اتخذت دور المدافع الحامى لشقيقتها، وقفت تجادله قائلة
-بابا انت مش هتجبر شادية تتجوز بالطريقة دى
جز معتصم على اسنانه وعينيه تنتقل بين ملامح شادية الساكنة وثورة “البلوة” الخاصة به أمامه ليقول بنبرة حادة لا نقاش بها
-جيهان متتدخليش فى قرارى، بنتى وأنا أدرى بمصلحتها، ولا ايه رأيك يا شادية
ألقى معتصم الكرة فى ملعبها، ليراها ترمش بعينيها منتبهة على سؤاله، لوهلة شعرت شادية بالعجز عن تحريك لسانها
وألم طاعن يستقر فى منتصف صدرها، افترت شفتيها تجيبه بهمس خافت كان وقعه فى اذنيها كتهشيم قلبها بيديها
-قرارى من قرارك يا بابا
اتسعت عينا جيهان بذهول، و لبرهة عجزت عن الرد .. ماذا عن الآخر الذى سافرت من أجله منذ عدة أشهر؟
تتذكر حديثها مع فريال، لقد اخبرتها فريال صراحة ان شقيقتها واقعة حد اليأس فى حب الرجل وحينما استدرجت شقيقها علمت أنها زارته فى مشفاه، المجنونة ذهبت إليه بقدميها وهي من كانت تتمنى له الموت وقت مصيبتها..
رباااااه .. ستجن، حتما ستجن وهى المقبلة على الزواج خلال أسابيع قليلة، رأت نظرة استحسان والدها وهو يقترب منها مربتًا على ظهرها
-ربنا يكملك بعقلك، هتتفق فى يوم تقابليه وتحكوا مع بعض .. انا متأكد انه الشخص المناسب
انتظرت جيهان ان تنتفض تلك المخبولة من مغبة ما تقحم نفسها به، عادت بعينيها تحدق فى شادية .. شقيقتها ليست فى حالتها الطبيعية بالمرة نظرًا لملامح وجهها كالرخام
كادت تجذب خصلات شعرها وهى تجادل بعزيمة
-بابا انت اكيد بتهزر.. انت عمرك ما عملت كدا .. ازاي تجبر شادية تتجوز واحد هى متعرفهوش بالطريقة دى، ولأ كمان عايزها متعترضش على قرارك
انتفخت أوداج معتصم ضيقًا، وضاق به ذرعًا لمجادلته .. صاحبة الشأن وافقت ما فائدة الشجار والمجادلة .. صاح بصوت مرتفع محاولا انهاء جدال عقيم لا طائل منه
-جيهان لتانى مرة بقولك متتدخليش فى قرارى
عادت جيهان تنظر بيأس تجاه شادية، ترجوها للتحدث، تحاول يائسة إنعاش قلبها الميت هذا للحياة.. غمغمت بيأس
-بابا انت عارف شادية لسه بتحب سرمد.. استحالة تقدر تفكر فى شخص تانى .. تقولى تتجوز واحد دى هتظلمه معاها
تجمعت الدموع فى مقلتى شادية، ولسانها عاجز عن الرد
هل عادت لنقطة الصفر مرة أخرى؟!
كلا .. كلا .. حاولت يائسة اخراج صوتها لكن أبى لسانها عن التحدث
دمعة واحدة سقطت من جفنها، لتنكس رأسها بتخاذل
تسمع الى اصوات شجارهم كصدى صوت بعيد، شعرت بيد والدها تعيدها إلى واقعهما وهو يقول
-ايه رأيك فى الكلام ده يا شادية
نظرت الي كليهما بصمت، ملامح جيهان المتحفزة والمتوسلة لها للاعتراض، تشجعها للتحدث وبوح ما بداخل صدرها
غمغمت جيهان بيأس وهي تمسك زندها مشجعة إياها للتحدث أمام والدها
– اتكلمى يا شادية، انطقي وقولي انك معترضة
ران الصمت بين الجميع لبرهة، قبل ان تقول شادية بجدية اصابت الجميع بدهشة
-لو انت شايف يا بابا ان اللى هتعمله ليا صح، انا مش هعترض على قرارك
تصلب جسد معتصم لكلماتها المتوارية،
لاحت شبه ابتسامة على ثغره، حتما لم يتوقع بحياته ان تجعله عاجزًا عن الرد لمغزى المبطن لمعاني كلماتها
ببساطة تركت له القيادة، لتخبره أنه الوحيد الذى سيكون المتحكم فى سبب تعاستها او فرحها .. إلا ان جيهان لم تصدر سوى شهقة مستنكرة تاركة اى منطق يحلل كلماتها لتهدر فى وجه شقيقتها
– انتى مجنونة يا شادية، تتجوزى واحد انتى متعرفيهوش .. طب و اللى بتحبيه، ده انتى روحتيله المستشفى برجليكى لعنده
اتسعت عينا شادية وهى تحدق فى وجه جيهان، تبًا حتما علمت من فريال.. جزت جيهان على اسنانها وهى تنظر الى معالم وجه أبيها المتهجمة لكن ليست غاضبة، حتما علم هو الآخر بزيارتها السرية التى لم تعد سرية على الإطلاق
– ايه فاكرانى مش عارفاكى، ولا هعرف انك هتروحيله حتى لو مقولتليش
قالتها جيهان بتهكم وهى ترشق شادية بنظرات لائمة، اجابت شادية بصلابة وهى ترفع عيناها محدقة فى عيني والدها باعتذار صامت
– ايوا انا روحتله فعلا مش هكدب ..غصب عنى يا بابا والله
هل بسبب علم والدها أصابه غضب بالغ؟! فقرر وضع حد لمسمى تلك العلاقة بتزويجها لغريب؟؟!!!
هزت جيهان رأسها رافضة منحنى تفكيرها الشاذ.. والدها لن يلقي بابنته إلى التهلكة .. هو الى حد واثق يعلم بهذا
يعلم انه لن يدفع ابنته الى الهاوية.. لكن عقلها الخبيث عاودها للتفكير.. ربما هو مجرد تأديب لفترة مؤقتة، بالطبع شقيقتها تعتبر العانس الأكثر تطلبًا فى عالم الأعمال والعديد من العائلات تتمنى مصاهرتهم.. أى حظ تعس تعيشه شقيقتها؟!!!
انتبهت من مجرى افكارها على صوت والدها الهادئ إلى حد البرود، يكاد يصيبها بالجنون وهو يربت على ظهر ابنته بمودة
– فى يوم هخليكى تستعدى عشان تقابليه و تتكلموا مع بعض
اومأت شادية برأسها لتستأذن مغادرة تاركة اياهما.. همت بالتحدث الى والدها الا ان رنين هاتفه بتر أى محاولة نقاش بينهما واتخذ باب مكتبه كعزلة عن الجميع.. توجهت تلقائيا نحو المخبولة الاخرى صائحة بجنون
– انتى مجنونة يا بت انتى، و الراجل المسكين ده اللي عشمتيه فيكي
زفرت شادية وهى تهمس بشرود
-جيهان من فضلك سبيني، محتاجة افكر
جذبت جسد شقيقها لتصبح فى مواجهتها، امسكتها من عضديها قائلة بيأس
-بتفكرى فى ايه يا بنت المجنونة انتى، انتى ازاى موافقة على الجنان ده.. احنا فى عصر ايه عشان توافقي تتجوزي بالطريقة دى، سيبك من نفسك .. اللى هيجي ده ذنبه ايه انه يعرف فى قلبك حد شاغله وأنه مهما عمل مش هيقدر يوصل لنفس مكانة حبيبك
رأت الدموع فى عيني شقيقتها، لتزفر بيأس وهى تزيح يديها عن عضديها، مررت يدها على وجهها بيأس .. لقد حذرتها
حسنًا هذا ما تفعله الأشقاء، ليس من حقها أن تجبرها على شئ تعتقد الأخرى بصحته!!
لقد أدت رسالتها على أكمل وجه، تصاعد رنين هاتفها بنغمة مميزة لزوجها المستقبلى جعلها تتراجع قائلة بحدة
– فكرى كويس، واضح انك لما رجعتى اتجننتى
غادرت غرفتها صافعة الباب خلفها بقوة، تاركة شادية تغمض جفنيها وتأوه خافت خرج من شفتيها.. ألقت بجسدها على الفراش وطلب يائس خرج من شفتيها .. تتمنى من الإيطالى غزو حياتها مرة أخرى!!
*******
داخل مؤسسة المالكى،،
فترة الطلاق لم تكن صعبة كما تخيلت
الأمر فقط احتاج إغراق نفسها حد النخاع فى العمل لتمر أشهر عدتها بسرعة البرق ؟!
اين طليقها؟
لا تعلم
هل تشعر بالفضول؟
فى البداية نعم.. لكن منذ مدة فقدت الشغف للمعرفة
ترى هل تفكر إن كان يواعد إحدى النساء؟
ربما.. من الصعب جدًا أن لا تلاحقه النساء، فالرجل امتلك جاذبيتين
جاذبية الخطورة والمال.. وهو بارع فيهما حتمًا …
غالب يشركها فى جميع اعمال العائلة، واضعًا ثقة لا تستطيع الإفراط بها لإثبات كفاءتها، فرجله الرئيسي غائب إلى وقت غير معلوم
وسيم ووجد وشقيقتها رفعا ايديهم عن عمل المؤسسة وهذا لن يترك لها الخيار
دفعت بقوة نحو سوق العمل، وبجوارها غالب .. داعم اساسى وهو يوجهها نحو السوق المصرى
الأمر لم يكن صعبًا .. فعالم التجارة لم تتغير مبادئه كالتى فى امريكا.. وان كانت تلعب ببعض الخبث والمكر مستخدمة عدة حيل حتى تستطيع مقارعة المنافسين
فالأمر هنا سيان …
وجهها كعلامة تجارية للمؤسسة، تأبطها ذراع غالب في كافة الاحتفالات كان أمر اشتقات له اسيا منذ فترة
فاللعب بقذارة كان هوايتها المفضلة، وبفضله استعادت تلك الهواية منه..
لكن غالب منع أي ذكر محاولا الاقتراب منها، وهذا الأمر لم يكن يضايقها، فلم تكن ترغب برجل يسيل لعابه من حلوى مستوردة ويظن أنها ستستجيب لفراشه لمجرد تسلية
أو كما سمعتها صراحة.. لا يوجد حاجز لإكتشاف أى رجل أنها تنتقل بين فراش الرجال
اغبياء .. يتوقعون العذرية مجرد سبب يمنع المرأة من الإنزلاق لشهواتهم..
انتبهت آسيا على نقرات لباب مكتبها وبجوارها غالب يناقشان سياسات الموظفين، سمح غالب بدخول الزائر .. ليتبين الطارق ما هو إلا زاهر !!
وبالحديث عن زاهر
فالرجل لا يبدو كاشباه الرجال الذين عرضوا عليها طلباتهم
عيناها عادت تتفحصه مرة آخرى.. جسد عضلى متناسق، طوله مناسب يتعداها بكعب حذائها المرتفع عدة انشات.. ذو لحية مهذبة بها شعيرات فضية اكسبته نضج لعينيه العميقتين كليل سرمدى!!
قابلته أول مرة حينما عقدا شراكة معًا داخل طاولة الاجتماعات، مهذبًا .. انيقًا وكل تلك رايات حمراء
لا يوجد رجل مهذب انيق أمام امرأة كمثلها
تعلم أن ما يقبع بداخله، رجل بربرى اسفل بذلته الفخمة برهن اشارتها للتحرر
وهذا جل ما تريده
عاصفة تقتلع جذورها كليًا
رسمت خط ابتسامة لطيفة على شفتيها، لتجده يومأ برأسه بتحية لغالب الذي حدق به بصلابة وآسيا الذى خرج اسمها بخفوت
-آسيا
ابتسامة لطيفة وبشاشة ردت عليه بغنج متعمد
-نعم
رأت اختلاجة عضلات فكيه.. ونظرة غالب التى تزداد قتامة وما بداخله يعلمه
نظرته لا تخطئ
نظرته .. نظرة رجل لأنثى، رجل اشتهى انثى، وما كان يملكه سابقًا كحائط حماية رُفع الآن بكونها أنثى حــرة !!
غمغم قائلا بصوت أجش
-من فضلك محتاج دقيقتين معاكى
راوغته قائلة بصوت ناعم يخفى الكثير من المكر وداهية انثوية جعل غالب يرفع عينيه بتحذير نحوها
-تقدر تتكلم هنا يا زاهر، انت عارف مفيش حاجة بتستخبى على غالب .. كل صغيرة وكبيرة فى الشغل بيعرفها
رأت وقفته المتصلبة تزداد تخشبًا ليغمغم بنبرة خشنة يدل بها على نفاذ صبره، ليس منها ولا منه، ولكن من الأمر برمته الذي جاء لأجله
استأذن غالب قائلا
– استأذنك خمس دقايق معاها
القى غالب نظرة ذات مغزى تجاههما، هى بكل وداعة تجلس على كرسيها وابتسامة لطيفة.. الا ان اللطف لا يلتصق بـ آسيا
فـ آسيا حفيدته، داهية صغيرة ستودى بعقل الرجال كما أودعت بعقل حفيده نحو الجنون..
وذلك الأسلوب المراوغ يعلمه، ليستقيم من مجلسه مستندًا على عكازه قائلا بحدة
– سايبلكم الاوضة احسن
انطلق صوت آسيا تخبره بمكر
-مش كانوا دقيقتين، زودتهم ليه؟
القى غالب نظرة محذرة تجاه زاهر الذى فهم معنى نظراته ثم التفت مغادرًا ليترك الأسد بجانب انثى الأسد
اختفت التسلية التى تبرق فى زرقة عينيها لتواجهه بصلابة قائلة بنبرة ثابتة
-اتفضل، خلص بسرعة عشان معنديش وقت
جلس زاهر على المقعد مقابلا اياها.. لينظر الي عينيها بثقة قائلا
– اسيا خلال الفترة اللى اتعاملت فيها معاكى، او بمعني اصح من اول ما شوفتك فى فرح بنت عمك وانا حاسس انا مشدود ليكي بطريقة غريبة
قاطعته آسيا بلهجة حادة وهى تنظر اليه بشرز
– متكملش يا زاهر، طلبك مرفوض
إلا أنه كمثل باقى جنسه
لم يقبل لا من أنثى كعرض لطلبه.. غمغم بنبرة هادئة أثارت حفيظتها
– اسمعيني من فضلك
انتفضت من مجلسها بحدة، وكل حواسها تنفر نفور عجيب حينما يحوم رجل حولها بعكس زوجها
-اسمع ايه يا مخبول انت، انت عارف وقت فرح وجد انا كنت ست متجوزة
لكنها لم تعد متزوجة، تداركت هذا اخيرًا وهى تنظر اليه يحدثها بهدوء وتعقل مثيرين
– انا صريح معاكي يا اسيا، و منكرش انى حسيت بالكره الشديد لنفسي من طريقة تفكيرى لناحيتك، بس صدقيني عمرى ما فكرت فيكي بطريقة مش كويسة
رفعت حاجبها بسخرية، لتنظر اليه بتفكهه شديد.. كيف لم ينظر نحوها بطريقة غير لائقة؟!! هذا بحد ذاته كذب ليتنحنح زاهر معدلاً ياقة قميصه واحمرت أذنيه جراء نظرتها المتفحصة التي تخبره ببساطة كون كاذب مدّعى
وهو بصراحة لم يكذب .. بل بالغ قليلاً، ولن ينكر انه استرق بعض النظرات، غمغمت آسيا بتهكم
– هو انت خليت فيها كويسة حتى… اسمع يا زاهر .. عيلة المالكى مش بتاخد حد أقل منها .. انا لما اتجوزت لؤي واطلقت منه اوعى تفتكر ان مستوايا هيتتحدر وهاخد واحد اقل منى
لمعت عيناها حينما انتفخت أوداجه غضبًا
اووه كم تعشق الكبرياء الشرقى فى الرجل
لا يوجد ذكر شرقى يسمح لأى انثى حتى وان كانت زوجته ان تتعدى على كبريائه..
عينيه التى ناظرتها بغموض قبل أن ترتسم ابتسامة على شفتيه سرعان ما تحولت الى ضحكة خافتة جعلت اسيا تنظر إليه ببلاهة لوهلة
لم تكن تتوقع ردة فعله هكذا مطلقًا
بحق الجحيم لقد إهانته.. كيف يضحك هذا المخبول؟!!
زمجرت مهسهسة بعصبية
– انت بتضحك على ايه
رمقها زاهر من رأسها حتى ما استطاع المكتب أن يظهر بثوبها الكحلى العملى.. اللون على بشرتها الشاحبة وحمرة شفاهها الأحمر الفاقع كان كالقنبلة الموقوتة زرعت بين جنبات المؤسسة
لا شئ من ثيابها يدعو إلى الخطيئة أو الاغواء .. لكن جسدها.. تلكئت عينيه نحو بعض مناطق لم تستطيع ثيابها ولا حتى بنطالها العملى اخفاءه ليغمغم بنبرة خشنة
– كنت عارف انك هتاخدى وسيلة الهجوم عشان تبعدينى عنك
نظرته له أوقفت هجومها.. وبلعت أى اعتراض يخرج من شفتيها
لن تنكر أن جزء داخلى اشتاق لتلهف رجل نحوها
عادت تجلس على مقعدها، ومغناطيس السواد فى حدقتيه جعلتها تسكن تدريجيًا وهى تسمع الى نبرة الصدق فى صوته
– اسيا انا مش عيل صغير، انا واحد عندي ٤٢ سنة .. يعني مش عيل ساذج .. وانا انتظرت فترة العدة ومحاولتش حتى اني المح بحاجة عشان ميحصلش اى حرج ما بينا
اقترب بجسده نحو المكتب الفاصل بينهما وهو يغمغم بصلابة
– انا راجل واعى جدًا انا عايز ايه يا اسيا، وانا قضيت فترة طويلة عازب، ودلوقتي مشتاق لست تكون معايا .. محتاج أكون أسرة وسكن
ران الصمت بينهما وحل بينهما السكينة
دواخلها هاجت لعرض طلبه
تقسم انه رمى الكرة في الشباك.. لعب على وتر حساس للغاية وستعترف أنه أخذ نقطة لصالحه
هى بحاجة لعائلة .. بحاجة ماسة لأن تستجيب لرجل
رأته عينيه المتفرسة باهتمام لملامح وجهها الرخامية ليسمعها تخرج صوتها حاد
– لو فاكر انى هكون ست بيت يبقي بتحلم
اتسعت ابتسامة زاهر وهو يسألها بنبرة ذات مغزى
يعلم انها لن تخرج إجابة شافية لطلبه، لكن مراوغتها يستطيع فهمها، تلك الأشهر التي قضاها بجانبها استطاع أن يلم بجميع سكناتها قبل حركاتها!!
– يعنى اعتبرها موافقة مبدئية ؟
ولكون اسيا لن تجعل رجل يظفر بكامل انتشاءه بفوزه في الجولة الأولى .. غمغمت بنبرة جادة
– اثبتلى انك احسن منه، اثبتلى انك تستحقني
تلك النيران .. نيران رجل شرقى لأمر يخص رجولته تعشقها.. ابتسمت عيناها وهى ترى استقامته من مجلسه واضعا كفى يديه على طاولتها ليقترب منها قائلاً بهيمنة رجولية
– اعتقد احنا كبرنا على الكلام ده، مش كفاية جرى لحد كدا ولا ايه؟
لم تبتعد مقدار انش، بل رحبت لأول غازى لإرضها وهي تنظر نحوه ببراءة مخادعة وهمس مستنكر
– بمعنى؟
اجابها بغلظة لم تكن موجهه لها، ليجذب عينيها فى تواصل بصرى لأكثر فترة ممكنة، قائلاً بصوت خشن
– ببساطة انا مش بتحط فى مقارنة مع حد، وزي ما قولتلك انا راجل واعي جدًا لقراراتي عايز أسرة وزوجة وأولاد .. انا مستعد ناخد فرصة نقدر نعرف بعض اكتر بعيد عن الشغل، واثبتلك يا ستي انى عندى جدية فى طلبى، بس هى لفترة واحدة بس المقارنة دى .. مرة واحدة بس يا آسيا
لم يفتها نبرة التحذير فى صوته ، فالأمر لم يكن سهلاً بالنسبة لها
يفرض ذكوريته امامها، كارهًا مقارنته بأي رجل آخر امام انثى، وحتى ان لم تكن الأنثى تخصه .. بل امراة غريبة عنه.. حسنا كل هذا نوعها المفضل
غمغمت آسيا تسأله بهدوء مثير لإعصاب الرجل أمامها
– غالب عارف بطلبك ده
ابتسم وهو يجيبها
– انا برضو بتاع اصول داخل البيت من بابه
اعتدل بجلسته وهو ينظر اليها قائلاً بنبرة رجل يعرف كيف يأسر اهتمام انثى التى امامه
– هنتظر رأيك بعد اسبوع.. موافقة مبدئية وتقدرى تحطى فى مقارنة زى ما انتى حابة بس لفترة مؤقتة
العرض مغرى .. يصعب عليها أن ترفضه، لكنها لم تكترث لعرضه بالمرة .. ما إن أغلق باب المكتب حتى انفتح الباب مرة اخرى وصوت شقيقتها المتسلية تقول
– مين المز ده
هزت آسيا كتفيها بلا مبالاة مجيبة اياها
-عريس
شهقت مارية بتفاجئ سرعان ما ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيها قائلة
-آسيا انتى اكيد بتهزرى
لوت شفتيها بعدم اكتراث قائلة
-مبهزرش
لمعت عينا مارية بوميض وهى تقترب منها جالسة على المقعد كما لو أنها صاحبته
-بالسرعة دى، حقيقي منبهرة، حد يعرف؟
اغلقت اسيا الملفات امامها بحدة، فـ مسامرة شقيقتها ستستمر لساعات ولن تنهى أى ملف أمامها في الوقت الراهن.. أولت اهتمام لشقيقتها التي باتت كضيف متوقع زيارته لمؤسسة
– قال لغالب
هزت مارية رأسها باستحسان بالغ، رغم انها لم ترغب بالحديث عن الماضي.. وآسيا أعلنتها صراحة.. ان انتهى لؤى دوره الفعال كزوجها فهو بالنهاية ابن عمها
وابن العم له حقوق قرابة فقط … غمغمت مارية بإعجاب لم تستطيع اخفاءه تجاه المدعو بجدهما
-واضح أنه عند وعده ليكي، مش كدا ولا ايه؟ بعد طليقك عن الصورة واستجاب لرغبتك ودلوقتي اهو جايبلك عريس
حتى تلك اللحظة لم تنطق كلتاهما لفظ “جدى” ولن ينطقا بها مطلقًا .. لكن سماحة مارية المثيرة للتعجب لآسيا بمكوث صغيرتها شمس بين أحضان جديها وعائلة والدتها.. بل وتقبلها له فى حياتها .. قالت آسيا بشك
-سيبك منى دلوقتى، قوليلى خير بقى سبب الزيارة السعيدة دى .. واخدة بالى انك رجلك اتعودت على الدخول هنا وبيت العيلة
كلمة “بيت العيلة” كان لها وقع مختلف على أذن مارية .. فهى لم تحظى مطلقًا ببيت عائلة، حتى ذكرياتها مع والدها شبة منعدمة
الدفء الحقيقى الذى استشعرت به كان فى بيت زوجها ماهر بين شقيقاته وحماها، وبالمثل فى منزل المالكي
أجابت آسيا بصراحة
– ليا نصيب فى المكان ده زيك، وان كنت عضو غير فعال، ثم البيت اللي بتحكي عنه ده بروحه عشان شمس تعرف عيلتها ويبقى ليها عزوة وسند
اختفت معالم التهكم من على وجه اسيا لتسأل شقيقتها بشك
– قررتى فجأة تتخلى عن حقدك يا مارية؟
هزت مارية رأسها وهي تبتسم قائلة
– قررت فعلاً، لأنى استوعبت الحقد ده مش هيدمر غير صاحبه.. شمس علمتنى انضج فكريًا و استوعب ان غلطة الكبار مش هنشيل احنا ذنبه
استشعرت اسيا مدى جدية حديث مارية، مارية لم تتحدث بهذا التعقل والجدية من قبل
حتمًا شئ جديد زعزع الفكرة المسيطرة على عقلها
فمنذ شهور كانت لا تطيق سماع اسم عائلة والدها، اما الآن فأصبحت تكثر الزيارة مصطحبة صغيرتها بل وكونت علاقة مريحة نوعًا ما مع وجد التى تنتظر مولودها لقدومه للحياة بفارغ الصبر..
استقامت آسيا من مقعدها لتستدير حول المكتب متخذة المقعد الشاغر أمامها قائلة
– ايه اللى حصل يا مارية عشان تغيرى تفكيرك
لمعة عيني مارية والدموع التى طفقت تخرج من مقلتيها، جعل اسيا تتوجس خيفة ..
لكن الابتسامة الساطعة على وجهها ويدها التي وضعت على بطنها جعلت اسيا تشهق بذهول وعينيها جاحظة بعدم تصديق .. إلا أن مارية أكدت لها قائلة
– انا حامل
مسحت مارية الدموع من عينيها سريعًا وهى تهمس
– يدوب لسه عارفة، ماهر مش هيصدق وهيطير من الفرحة زى ما انا حاسه بكده
غصة مريرة كانت كالعلقم ابتلعتها آسيا
فى داخلها تسب ذلك الذى امتنع عن جلب الفرحة لقلبها
لربما انضمت مع الفتيات لكن ذلك اللعين
سبته بكل افظع الشتائم التى تعلمها، الا ان هذا لم يمنع أن تضم شقيقتها فى عناق كانت هى فى أمس الحاجة اليه
دمعة حارة سقطت من جفنها لتزيحها سريعًا وهي ترسم بسمة حقيقة على شفتيها قائلة لشقيقتها
-مبروك يا مارية
امسكت مارية بكفى شقيقتها قائلة بنضج لم تراه مسبقًا، فلطاما تعاملت كونها هى الشقيقة الكبرى، الأم الفعلية لها
– صدقيني هيجي اليوم اللى هتقررى فيه تنسى الماضى وتبدأي من جديد، الموضوع مش مخيف زي ما كنت متصورة
اكتفت بهز رأسها مغمغة بحنق
– منك لله يا زاهر، مكنش وقتك تيجى خالص
ستفكر فى عرض ذلك الـ زاهر بجدية الآن
تبـًا لـه !!
*******
توقفت سيارة اجرة امام المركز التأهيلي الذي خضعته منذ مدة لا تحتسبها.. ابتسمت فرح بإشراق بعدما ترجلت من السيارة وعينيها تلمع بشقاوة..
لقد راهن الطبيب لعودتها
و .. حسنًا هى اشتاقت لمشاكسته، والاستماع الى نصائحه وان كانت تجاهلتها .. لكنه كان الحافز الأساسي لتغيرها نحو الأفضل..
لم يتغير المكان كثيرًا منذ آخر مرة .. ألقت تحية وسلام عابر ثم اقتربت من موظفة الاستعلامات تستفسر معلومات عن اسم الطبيب المعالج لها، لم تتفاجئ بكونه ما زال يعمل فى المركز .. تركت اسمها وطلبت منها موعد سريع .. ابتسمت الموظفة ببشاشة وبعد عدة دقائق سمحت لها بالدخول قائلة إنه بإنتظارها..
نقرت على باب غرفته ثم دفعت الباب لتتفاجئ من رائحة الغرفة، اتسعت ابتسامتها من رائحة العود الذي يعبق في أرجاء الغرفة بعكس رائحة المطهرات الخنيقة.. إلا أن الجدران ما زالت بيضاء .. وقعت عيناها على الطبيب لتغمغم
-اتمنى تكون فاكرنى
ابتسم الطبيب وهو يستقيم من مجلسه قائلا ببشاشة وعينيه لمعتا بالفخر وهو يرى الحالة التي وصلت إليها..
ففرح التى قدمت اليه كانت مرتعدة، مهزوزة الشخصية، والأهم كانت مفطورة الفؤاد
لكن الآن وهي تتقدم نحوه ببهاء وألق حياة مرتسم على ملامحها جعله يغمغم
-للاسف انتى صعب حد ينساكى.. ايه سبب زيارتك السعيدة
همست فرح بسعادة مطلقة من عينيها، وخبر بإصدار النسخة الثانية فى الأسواق بل والإقبال الحافل من الفتيات جعلها تكاد تبكى من فرط سعادتها.. ناقشت منذ قليل عن موعد حفلة التوقيع التى ستعقد آخر الأسبوع
-انا مبسوطة بجد .. مبسوطة من حياتى الجديدة، وحاسة بجد بقى عندى هدف وحياة
اتسعت عينا الطبيب فرحًا الا ان صوتها كان به شئ من الخيبة، غمغم باستفسار
-بس؟!
تعست ملامحها فوريًا وهى تغمغم بصراحة
-قلقانة
انتظر بصبر حتى تطلق سجيتها معه فى الحديث كما اعتاد معها، ولم تخذله مطلقًا وهى تضع كفها على صدرها قائلة بخشية
– قلقانة انى اخسر ايمانى فى الحب، مش حب الناس لأ .. حب خاص من راجل لست
ساعدها على الجلوس والتفت جالسا في مقعده سائلاً بإهتمام
– وايه اللى مخوفك
عضت على باطن خدها لبرهة قبل أن تهمس بقلة حيلة مطلعة اياه على دواخلها
– مبقاش عندي كامل الثقة فى الشخص اللى قدامى، أى راجل قدامى مش بتحاشاه… لأ بصده وده مخوفني ان ممكن أخسر شخص بجد ممكن بيحبنى
افتر على شفتيه ابتسامة وهو ينظر اليها بنظرة ذات مغزى قائلاً
– وهو لو بيحبك يا فرح تفتكرى هيبعد عنك لمجرد صد خفيف منك .. اللى هيحبك بجد هيهدم أى عازل ما بينك وبينه عشان يقدر يوصلك
حسنًا
الطبيب الخاص بها أصبح رومانسي، عيناها حدقت به لبرهة من الوقت، تحاول أن نستشف أثر تغيره هو الآخر
ليس الأمر عادلاً أن يكون طرف يعلم أكثر من الطرف الآخر، عيناها مرت على خاتم فضى مزين بنصره الأيمن لترتفع عيناها بتفهم وهى تسأله بمكر
– مؤمن بالحب يا دكتور ؟
ضحك وهو يهز رأسه مجيبًا
– مؤمن بيه .. تمامًا
حسنًا .. لقد احسنت صنعًا تلك المرأة التى ارتبط بها، لقد كان أشبه بالة روبوت مستفزة خالى من أى مشاعر انسانية، لكن الآن بدى اقرب انسان تستطيع ان تتسامر معه لبعض الوقت .. انتبهت على صوته الهادئ
-سعيد بنجاحك لكتابك الورقى لو انى ملحقتش اقتنيه
عبست وهي تنظر نحو بتوجس متسائلة
-انت عرفت ازاى ؟
تلك المرة لم يمنع نفسه أن ينفجر ضاحكًا .. خاصة تعبير الحذر والريبة التي اكتنفت ملامحها، لربما تظنه مترصد لها.. لكنه رفع يديه باستسلام قائلاً
-صدقيني يا فرح انك بقيتي من اهم الاشخاص على السوشيال ميديا، وخبر صغير عنك بيسمع مصر كلها
كادت فرح تفقد وعيها .. وللحظة نست انها اصبحت شخصية مؤثرة على التواصل الاجتماعى
مغفلة يا فــرح .. وانتى منذ قليل ظننتيه قاتل مستأجر.. عادت الابتسامة توضى وجهها لتقول
-اوعدك اول ما الطبعة التانية تنزل هحتفظ بنسخة هدية ليك
هز الطبيب رأسه لتستقيم فرح من مجلسها مغادرة .. ليست من محبى الرسميات او التحيات.. إلا أنها توقفت عند باب الغرفة تهمس
– دكتور
ثبت الطبيب عينيه نحوها ليراها تبتسم فى وجهه قائلة
– شكرا بجد انك استحملتني … و خليني اقول بجد يا بختها بيك
ادعى عدم الفهم وهو يسألها بمشاغبة
– هى مين
ضحكت فرح وهى تهز رأسها يائسة وعينيها معلقة نحو خاتمه لتهمس
– اللى لابس خاتمها.. مبروك
شكرها بلطف لتغلق الباب خلفها وهى تتنهد بقلة حيلة.. الجميع يرتبطن أو ينجبن
وما زال حظها تعس حتى الآن..
رنين هاتفها اخرجها من شرودها لتجيب على اتصال غالية قائلة
– ايوا يا غالية .. ” صمتت لبرهة مستمعة اليها قبل ان تجيبها قائلة” لأ مفيش مشكلة حاضر متقلقيش .. فى طريقي
حسنًا يبدو انها ستنسى نعى حظها البائس بصحبة أطفال غالية المشاغبين!!
……..
العودة لقرية الغانم لم يكن امرًا سهلاً عليها، فعلى رغم من ترحاب العائلة، الا أنها أصرت على أن تغلق جميع دفاترها نهائيًا …
زفرت فرح وهي تنظر نحو بوابة المجمع المدرسى بابتسامة … ترجلت من سيارة اوبر التى طلبتها خصيصًا ودفعت هواء داخل رئتيها وهى تتمنى ان لا يوقعها حظها بملاقاته
يكفى تكديره بوجوده فى الدار، بل وسخافته بالحديث وهو يعرض الزواج من صديقتها.. كأنها تهتم مثلا!!!
تواصلت مع احدى المعلمات بعد فحص هويتها وتأكيد ولي الأمر على الشخص الذى سيصطحب الأطفال إلى المنزل.. وجهتها إلى نطاق الحديقة حيث الأطفال منطلقين للعب بحرية… بحثت بعينيها عنهما لتتفاجئ بمقطورة عنيفة اندفعت من خلفها وصوت يحيي المشاغب يصيح بمرح
-فــرح
تأوهت فرح وهى تحاول التماسك بعد اندفاع جسد الصغير نحوها، كما لو اشبه بكرة البولينغ.. غمغمت بتوجع
-يا بني براحة.. انا والله مش قدك
نظر يحيى نحو جسدها النحيف ليجيبها وهو يربت على صدره بفخر طفولى
– انا قولت انك ضعيفة وعايزة تتغذى
الجمتها الصدمة لوقاحة الصغير، صغيرها الاخر حلو المعشر، معسول الكلام بالطبع لن يخبرها انها بحاجة للتغذية … جذبته من ياقة قميصه المغبرة وبعثرت خصلات شعره المشعثة قائلة بتهديد
-لسانك طويل يا استاذ يحيي
هز الطفل رأسه بعدم مبالاة قائلا وهو يستعرض عضلة كتفه النحيلة قائلاً
– انا صريح، انتى اضعف منى .. انا اقوى منك
ابتسمت وهي تهز رأسها بأسى لشجار لا طائل منه لتجذبه من يده قائلة بجدية
– ماشي يا سيدى انت اقوى منى، اعتقد كفاية لعب لحد دلوقتي ماما بعتانى انى اخدكم البيت
لوى الطفل شفتيه .. ليغمغم بحنق بالغ
-قولى ليوسف الكلام ده مش ليا، قاعد مع صاحبته بيرسموا
استشعرت مدى ضيق الصغير من صديقة يوسف.. سارقة توأم روحه لبعض الوقت، لتربت على ظهره ببعض المواساة متسائلة
– هما فينهم
اشمئزت معالم الصغير نفورًا وهو يشير نحو بقعة توأمه والمشاكسة صديقته قائلا بحنق
-تحت الشجرة هناك
مالت تطبع قبلة على خده، واضعة اصبعها على جبينه مزيلة تلك التكشيرة على جبينه .. لتقول بجدية
– دقيقتين وهجيبه، مش عايزة شقاوة يا يحيي
أومأ يحيي يهز رأسه موافقًا، إلا أن صديقه جذبه للعب مرة آخرى مما جعلها تهز رأسها بيأس.. لا تستطيع كبح جماح ذلك المسمى بـ يحيي وحدها والدته القادرة على ذلك..
توجهت نحو الصغير الآخر المطيع لجميع طلباتها، تعلم ما ان يستجيب يوسف لمتطلباتها يرضخ التوأم الآخر.. وجدت رأسين صغيرين ملتصقين وهما منهمكين بالتلوين .. مالت تضع يديها على عيني يوسف جاذبة اهتمامه هامسة بمرح
– الحلوين بيرسموا ايه
ازاح يوسف يدي الشخص عن عينيه، والتفت غير مصدقًا الصوت الذى سمعه، ركض نحوها ملقيًا بجسده على ذراعيها ملتقطة اياه بصدر رحب وهو يصيح بمرح
– فرااااح .. انتى جيتى امتى
عينين ذهبيتين شبيهتين بعينىّ الآخر.. فغرت فرح شفتيها ولم تسمع حرفًا مما نطقه يوسف لتهمس بشفتين مرتجفتين لاسمها
– شمس
ترقرقت عينا شمس بالدموع، وودت لو تركض كصديقها في أحضانها، لكن والدها أخبرها أنها من تركتهما باحثة عن حياة آخرى بعيدًا عنهما… زمت شفتيها الصغيرة بحزن و أشاحت بعينيها عنهما واعتكفت على كراسة الرسم .. انتبه الصغير على نظرات عينا فرح المغرورقة بالدموع ليبتعد وهو ينظر نحوهما بفضول … اقتربت فرح من الصغيرة وعينيها تتشبع من رؤيتها
لقد كبرت الصغيرة
كبرت وأصبحت أميرة صغيرة، المدللة الصغيرة بجمالها سرقت لبها للمرة الثانية، مالت نحوها تنظر الى اصابعها الصغيرة وهى تعبث بالألوان لتهمس بصوت مرح
– مش عايزة تسلمي عليا يا شمس
زمت شمس شفتيها تهز رأسها نافية قائلة بحنق طفولى
– لأ.. انتي مشيتي
سبت فى تلك اللحظة الأحمق الآخر
لن يتغير نضال
لقد حذرته ان ما بينهما لا علاقة له بـ الصغيرة، لكن أيصمت الأحمق ويدع الأمر يمر مر الكرام!!!
بالطبع أخذ الأب يدس سمومه فى اذنى الصغيرة، لن تسامحه قط ما حييت على إفساده علاقتها بالصغيرة.. تهدلت كتفيها بيأس لتهمس نحو صغيرتها
– مش بإيدي يا شمس، كان احسن حل للكل
لم تجد ردًا من الصغيرة، وما زالت تعبث بورقة الرسم .. مما جعلها تنتبه على يوسف الذى يبتسم بمؤازرة لطيفة.. سمحت للصغير بالاقتراب لتطبع قبلة على خده الأيسر أثار انتباه شمس .. لمع الغضب في حدقتى الصغيرة وهي تراها تقبل صديقها
الغيرة استفحلت فى عروقها، لكن كبرياءها امتنع عن التفوه بحرف… لم يفت كل هذا عن عينا فرح التى لمعت عيناها بالخبث
الصغيرة لن تكسر بكبريائها، هى فقط حزينة مبتئسة لرحيلها.. غمغمت وهى تشجع الصغير على متابعة رسمته لتجذب شمس للحديث قائلة بابتسامة متفائلة
– بقيتي عروسة يا شمس، قوليلى مبسوطة من الحضانة
لفترة لم ترد الصغيرة، ولم تشعر سوى بكتف يوسف وهو يلكزها لترد على صديقته فرح .. زمت شفتيها وهى ترفع عيناها الغاضبتين تجاه فرح قائلة
– مش بكلمك، بابى زعلان منك وانا كمان
بالطبع .. وهل يوجد سواه نضال الغانم، الذى يعبث ويفسد جميع علاقاتها مع من تعلمهم
ألا يكفى ما أفسده ؟!! … ألم يكتفي بعد؟؟
غمغمت فرح وهي تسألها بتشكك
-بابا!!
اومأت الصغيرة رأسها مجيبة بصدر رحب
-ايوا، بابى قالى انك مشيتي
زمت فرح شفتيها، ولا تعلم ما هى على وشك القيام به إذا كان ذلك المفسد لعلاقاتها أمامها
ربما ستقتله..حتمًا القتل مفيد للبشرية جميعًا
إلا أنها استوقفت على وجه الصغيرة الباكى.. حثتها على الاقتراب منها لتركض الصغيرة فى احضانها لتحكم وثاقها بين جنبات صدرها.. دفنت الصغيرة وجهها فى صدر فرح شَكاء .. بكاء
وفرح تربت على صدرها تهمس بالعذر مئة مرة، حتى هدأت الصغيرة، مالت فرح تزيل دموع الصغيرة لتخرج حلواها المفضلة من حقيبتها معطية لها و ليوسف الذين أغرقهم بالقبل والاحضان .. احتفظت بحلوى اخرى للصغير يحيي
وبالحديث عن يحيي .. بحثت بعينيها عنه، لتتنهد بيأس وهي تعلم انها ستستغرق وقتًا للبحث عنه
فـ يحيي ان اراد الظهور فسيظهر وقتما يريد.. مالت تقبل مقدمة رأس صغيرتها الملتصقة بحضنها متسائلة باهتمام
– مين المفروض يجي ياخدك دلوقتي يا شمس
اجابتها شمس بعينين تلمعان بالحياة
– بابى وعدنى انه هيوديني الملاهى النهاردة
ما زالت لا تصدق انها تركت الصغيرة بالكاد تتحدث كلمتين .. أما الآن فما تشاهده هو طفلة ناضجة تستطيع التعبير عن مشاعرها وأفكارها بنضج.. حسنًا ربما تلك الحسنة الوحيدة التي ستشفعه من القتل اليوم.. انتبهت على صوت يوسف المتطلب
– انا كمان يا فرح عايز اروح الملاهى
عضت فرح باطن خدها، ولمعة الأمل المكللة فى عيني الصغيرة جلبت الغصة في حلقها.. همست بأسف
– مقدرش يا حبيبي، ماما طلبت انى اجيبكم البيت
زم يوسف شفتيه معارضًا ولاحظت الحزن وخيبة الأمل التى ارتسمت على ملامح الصغير لتجده يغلق كراسة الرسم خاصته واضعًا إياها في الحقيبة، مغمغمًا بصوت واشك على البكاء
– بابا وعدني الاسبوع اللى فات بس مجاش، وماما وعدتني برضو بس كل مرة بتأجله .. من فضلك يا فرح
ترجيه كان كالسكين الذى اخترق صدرها، كيف ترفض طلبه بعد رجاء الصغير.. همست وهى تهز رأسها بيأس
– اكسفك واقولك لأ ازاي بس بعد ما كلمة من فضلك دى، طلعت مش سهل وانا اللي كنت فكراك غلبان
الصياد كان يراقبها من على بعد
تاركًا الفرصة لها للتحدث مع صغيرته، عيناه تعلقت على فستانها الصيفى ونيران شعواء تشتعل فى صدره
لم تكن ترتدى تلك الثياب الانثوية المذيبة لأعصابه حينما كانت ملك له
أم أنه البعد والهجر هيأ له انها ازدادت نضارة وفتنة
فرح التى تتجسد أمامه، لم تكن تلك البريئة بعينين غزالتين شريدتين كأول مرة حطت عيناه عليها، ولا تلك التى كانت تراقبه بحذر وعينين متسعتين بفضول وهو يعلمها ابجديات معنى كونها انثى لرجل مثله
ولا تلك التي أصابها العشق ونحرها بكل خسة ودناءة منه
تلك فرح اخرى نضجت من بعده، لم يملك سوى الابتسام.. وقد استحال طلبه امنية لن تتحقق
لا يستطيع كسرها.. ليس لأنها قابلة للكسر.. لكنه كره الضعف الذي اكتنفها من قبله.
لم تفته عينيه الصقريتين عن تشبع صغيرته باحضانها، لتبيض سلميات كفيه وهو يهدأ الثور بداخله.. يلعن ذاته لأنه لم يسمح لنفسه من اقتراب من أى كائن مؤنث من بعدها…
تبًـا لـذاته ولمثاليته الزائفة!!
اقترب منها حينما لاحظ اليأس يكتنف ملامحها ليسمع حديثهما وهو يرى الصغير يطلب منها الذهاب للملاهى، حين عودته للمنزل سيكافئ الصغيرة ببيت الدمى الجديد الذي طلبته
تدخل مقاطعًا جلستهما الحميمة قائلا بسخرية
– كويس والله ان فيه حد متفق مع قراري
قفزت الصغيرة من أحضان فرح لتندس فى جسده، رفع نضال بقامتها وهو يراها تشبعه قبلتين من كل جانب، ضحك نضال بملئ فيه وأنفه التقطت عطر الاخرى على جسم صغيرته
رغمًا عنه سمح لنفسه للانجراف
اشتياق موحش لم يتخيله لعودة الخائنة بين احضانه
-بابي
غمغم للصغيرة وعينيه التى اسودتا ينظر نحو فرح قائلاً
– روح قلب بابى انتى
لاحظ التوتر المنبعث من جسدها، النفور منها اعتاد عليها فى كل مرة يقترب من مدارها
انتبه على صوت الصغيرة تهمس بتطلب
-بابى يوسف عايز يروح الملاهي
القى نضال نحو يوسف المندس بين احضان فرح، ليجز على اسنانه والغضب التمع في حدقتيه
ذلك الطفل
سيقتله .. حتمًا سيقتله، الا يكفى صغيرته، ليقرر عدم الاكتفاء بها وأخذ المرأة التى يأمرها بالعودة مرة اخرى اليه، غمغم بفظاظة
-وانا اعمله ايه سي يوسف
لاح الاستنكار على وجه فرح، وازداد تشبث يوسف فى احضان فرح لتنظر بعبوس نحوه كعبوس شمس التى غمغمت ببساطة
-خليه يجي معانا يا بابي
القى نظرة حادة تجاه الصغير الذى تهدلت كتفيه بخزى والحزن الذى يزين وجهه
يعلم أن هناك علاقة شائكة بين الوالدان والضحايا هم الصغيرين
لكنه ليس نادمًا مطلقًا على شد ذيل الأسد من مخدعه وعرض زواجه من غالية
عرضه ما زال قائمًا، وترك غالية وقت للتفكير .. غمغم بحدة
-يوسف عنده مامته وعنده ابوه يفسحوه، احنا ملناش دعوة
تزمرت شمس وهى تطلب منه بيأس
-بابي .. خليه يجي معانا
زفر نضال بيأس وهو يجيبها قائلا بسخرية
– امه مش هتوافق، وابوه لو شم خبر مش بعيد هتترحمى عليا
لمح البسمة التى زينت وجه فرح نحو سخطه، القى نظرة خاصة نحوها وهو يغمغم ببرود
– عجبك طبعًا الكلام
اتسعت ابتسامتها من الأذن للأذن لتجيبه
-جدًا فوق ما تتخيل
لبرهة فكر فى حل يئد تلك البسمة على وجهها، ليس مسموح لآخر ان يفتتن بتلك البسمة سواه.. عرض عليها قائلاً
– تيجي الملاهي مع الشياطين دول
انمحت بسمة فرح من وجهها ليحل محلها التوتر قائلة
– صعب، يوم تانى احسن
الا ان يوسف زاد من الوضع سوءً وهو يطلب منها بيأس
– فرح، اقنعى ماما من فضلك
هزت فرح رأسها بيأس وهي تبتعد لعدة خطوات عنهما مخرجة هاتفها لتحادث والدتهم، لتقع أنظار نضال نحو يوسف هامسًا برضا تام
– الواد طلع مش سهل
جذبت شمس اهتمامه وهى تشد ياقة قميصه قائلة بتطلب
– بابى عايزة ايس كريم
ضيق نضال عينيه وهو يسألها بنبرة ذات مغزى
– أسرار موافقة على الايس كريم النهاردة ؟
صمت صغيرته واحتقان وجنتيها جعله يعلم ان ما تطلبه محرم فى هذا اليوم
وتحت توسلات عينيها رضخ لها قائلا
– مش هنقولها .. ماشى
لمعت عيناها بشقاوة وهى تميل تقبل وجنته
-بحبك يا بابى
لم يفت هذا المشهد من عيني الصغير الذى تهدلت كتفيه بأسى، يعلم ما يدور فى عقله
يتمنى من والده ان يكون حاضرًا فى الوقت الحالى، متدللاً عليه كما تفعل صغيرته، القى نظرة نحو فرح التى ما زالت تتحدث على الهاتف
حسنًا ان لم توافق غالية، سيأخذ الصغيرين مع شمس نكاية لوالديهم
تعلق الأمل في وجه الصغير حينما قدمت فرح نحوهما ليسأل بأمل
– وافقت
هزت فرح رأسها قائلة بنبرة جادة
– وافقت بشرط ساعة واحدة بس
احتضنها يوسف بامتنان قبل ان تبعثر شعر الصغير، وللمرة الاولى لم يجادل معها بل كان فى عالمه الاخر، همست بهدوء
– روح جيب اخوك عشان نلحق الوقت قبل ما يتأخر
أومأ يوسف رأسه قبل أن ينطلق نحو وجهه محددة يعلم أن توأمه سيكون متواجد بها..
شيعته فرح بنظراتها، قبل ان تنتبه على سؤال نضال
– معاكى عربية؟
وقعت انظارها على زوجين من العيون الذهبية، ابتسمت في وجه الصغيرة إلا أنها سرعان ما عبست في وجه الآخر وهي تجيبه ببرود
– طالبة أوبر
هز نضال رأسه وهو يجد التوأمين عادا بابتسامة متحمسة، القت نظرة نحو شمس قائلة
– هنبقي نقابلكم
ابتسم نضال.. وأصبحت تتحاشاه الان فى الحديث معه
يكاد يشعر انها ستنفجر من الغضب جراء التصاقها لساعة أخرى معه…
توجها الاطفال الى الالعاب فورًا ما وطئت اقدامهم على ساحة الألعاب، جلست فرح على مقعد خشبى وعينيها معلقة على الصغيرين وهما منهمكين من اللعب، الا ان ما يعلو وجوههم من ابتسامة يهون لكل ما فعله ذلك الخبيث
يظن أن استمالة عواطف الصغار سيحدث فرقًا
اللعنة عليه.. ما زال كما هو!!
انتبهت على جلوس رجل بالقرب منها.. محتلاً مساحة أكثر من حقه، كغازى وهى تجده يجلس بأريحية على المقعد كما لو انه فى اريكة منزله.. تخضبت وجنتيها وهي تجلس على الطرف متفادية ولو انش واحد بالقرب منه، تصلب جسدها ما ان شعرت بذراعه امتدت خلف ظهر المقعد ليشملها فى حماية صريحة دون حاجة لتأويل
عيناها ارتفعت لتحدق اليه لتجده ينظر نحو جهة محددة.. حطت عيناها نحو مرمى بصره لتجده ينظر نحو شاب بعداء شديد.. شاب مراهق لم يتعدى الثامنة عشر من العمر
لكن يبدو ان ما يدور فى مخيلته لم يعجب الجالس بجوارها.. أشاحت نظرها بلا مبالاة وركزت على الطفلين.. لقد وعدت غالية أنها ستحافظ عليهما حتى ايصالهما للبيت.
شعرت بتصلب شعيرات رقبتها حينما وجدته يقترب منها بهمس اجش
– مبروك على الكتاب
رفعت عيناها محدقة فى الظلام الداكن فى حدقتيه، اجابته بصلابة متيقظة لأساليبه الحمقاء لإيقاعها فى شباكه
-مكنش ليه لزوم يا نضال اللى عملته
وهو قرر أن يلعب بمراوغة، ليسألها
-عملت ايه ؟
التفتت بكامل جسدها لتزمجر بعصبية فى وجهه
– انت مجنون، تشترى الطبعة الاولى من قبل ما الناس ما تقرأه
رد عليها بثقة وشبه ابتسامة مزينة ثغره المغوى
– هشتريه للعاشر
هزت رأسها بيأس وعينيها عادت للصغيرين لتغمغم بضيق
– بطل جنون، انا عايزة الناس تقراه
هز نضال رأسه وهو يغمغم ببرود
– الكتاب حلو
رفعت حاجبها بشك وهى تنظر نحو عينيه متسائلة بشك
-قريته ؟
أومأ رأسه موافقًا ليقول بنبرة ذات مغزى
-قريته .. لسه المشاعر متحكمة فيكي يا فرح
صمتت فرح وهى تنتظر استرساله فى الحديث الذى لم يمنعها عنه قائلاً بسخرية
– السعى للحب والتذلل ليه .. تفتكرى كل ده يستاهل التضحية عشانه
ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيها، وهزت رأسها بيأس .. لا فائدة ترجى منه مع هذا الجلمود
كلما تظن أنها تستطيع التعامل معه بتحضر يصدمها بأنه ملتوي مخادع .. ما زال على عهده القديم.. أجابته بثقة وعينيها تغيمان بتأثر
– أنا مؤمنة بدا يا نضال، لسه جوايا مصدق الحب وهلاقيه
تجهمت ملامح نضال فور رؤيته لتلك النظرة الحالمة، اللعنة يعلمها تلك النظرة جيدًا، طالما رمقته بها ايام زواجهما
طحن ضروسه وهو يزأر مهسهسًا بغضب
– على جثتى
انتفضت على تلبد الأجواء، وتلك الذبذبات السلبية التى تشعر بها تخرج من جسده، عقدت حاجبيها بريبة متسائلة
– بتقول اي
وهو .. اللعنة على شياطين عقله، وما يصوره له.. غمغم بخشونة
– بقول لو كنت معاكي كنت زمانك جبتيلي قرود زي دول
اتسعت عيناها حد الجحوظ لجرأته في ما قاله، الا انها ابتسمت بلطف قائلة بلا مبالاة
– اعتقد مش هتغلب تجبلك واحدة تجبلك عيال
تلك المرة تعمد الاقتراب منها وهو يلتفت بكامل جسده امامها قائلا بصراحة
– بس انتى عارفة مش عايز ستات غيرك
أغمضت جفنيها بيأس لتهمس اسمه بتحذير من مغبة ما يحاول الوصول اليه
– نضال
شعر بها تنتفض للقيام، الا ان يده كانت اسرع للتحكم بها وتثبيت جسدها على المقعد.. صاح فى وجهها بجراءة
– حاولت يا فرح .. حاولت كل مرة انساكى بس كل محاولة بتنتهي انى بفكر بيكي حامل بعيالى
تخضبت وجنتى فرح غضبًا وحرجًا، متعمدًا ذكر أمر شائك بينهما، بل استحالته
ولإستحالته ظل نضال يلعب بكل خسة معها وجراءة ليست هى أهلاً لها!!
– مش قادر اقبل ست تحمل عيالى الإ منك
إلا أن فرح داخلها يموج فى غضب.. تلك الذكرى اللعينة فى حمام المحكمة لا تستطيع ازالتها من ذاكرتها كلما يقترب منها، الفاسد الحقير يتحدث بكل دناءة عن اشياء خصوصية ونسى انها لم تعد سبية لنزواته
استمعت الى صوته الكريه قائلاً
– مش سامع صوتك يعني
رفعت عينيها المدججتين بالغضب والثورة العارمة، شبه ابتسامة لاحت على شفتيها لتهمس بسخرية
– كلامك جيه متأخر اووى يا نضال، اوعى تفتكر بالكلام ده هتأثر عليا .. تستفز الامومة اللي جوايا عشان شبح حلم بدور عليه
استقامت من مجلسها لتشعر به هو الاخر ينتفض من مجلسه، غير سامحًا لها بالرحيل فى الوقت الحالى
هدرت فى وجهه غاضبة
– نضال انت لسه زى ما انت .. عايز وبس .. فرح انا عايز .. فرح انا عايز، بس فرح طز فيها وفى اللى هى عايزاه
اجابها بعصبية هو الآخر
-انا صعب اتغير .. دى حاجة مش بإيدي
همت ان تهدر فى وجهه أن يتركها في حال سبيلها، إلا انها تعلم ان الغضب والعصبية هما وقوده .. قالت ببرود
-وانا مليش علاقة، دى حاجة ترجعلك انت تتغير او لأ، بس انت متدخلنيش فى الصورة نهائى وبكل بجاحة تطلب منى ألبي طلباتك
استدارت لجلب الصغيران ومغادرة قرية الغانم كليًا، إلا ان جسده الضخم اعاقها قائلا اسمها بحذر
– فرح
نظرت نحوه بحدة قائلة بحسم
-نضال كفاية كدا، استسلم للوضع، انا لو بموت وحياتى متعلقة بيك عمرى ما هطلبها منك.. من فضلك كفاية كدا
تحركت لتتخطاه الا ان كف يده أمسك رسغها مانعًا إياها من التحرك، رفعت عيناها بيأس ناظرة نحو يده الخشنة عليها لتقول بحدة
– نضال ميصحش كدا
ضغطة قوية لم تكن عنيفة على رسغها، ثم استسلم لتركها لتقول فرح بابتسامة باهتة
– صدقني انت مجرد متأثر بيا، تأثير مدمن لما يتعالج هينسى إدمانه.. انت كنت بالنسبالي كدا
حدق نحو عينيها مجيبًا بصوت أجش
– لو كنتى انتى ادمانى، مش عايز اتخلى عنه
تنهدت يائسة من الوضع، لتغمغم بنفاذ صبر
– مرة واحدة فى حياتك بطل انانية تفكيرك يا نضال، ركز فى مستقبلك مع شمس .. طلبى الوحيد ليك انك تبقى ليها العزوة والسند والقوة ومكان تعرف تلجئ ليه لما العالم كله يديلها ضهرها.. انا عارفة انك بتحبها ومستعد تضحي الكون عشانها، بس عشان انا عارفة جنونك وعارفة الحب الكبير ده تجاه غلطة واحدة ممكن يهدم كل حاجة.. اتعالج يا نضال
لم يكترث لما قالته بل غمغم بصوت جاد
– وانتى اوعديني
عينيه المظلمتين لم يكن مؤشر جيد لها، جادلته قائلة
– نضال انا قولت
قاطعها بحدة وهو يهسهس بتملك
-عشان مظهرش فى حياتك تانى، انتى كمان اوعديني متخليش ذكر يا فرح.. ذكر بس يقرب منك.. الدنيا دى كلها لازم تعرف انك لسه فرح الغانم
صاحت بسخرية ولم تكترث لاغواءته
– عايزني ابقي راهبة يا نضال، واضيع سنين عمرى مع حد ممكن يستاهلنى
اختلجت عضلة فى فكه، والنظرة فى عينيه تكاد تحرقها.. تعلم ان اللعب معه سينتهي بحرقها حية .. إلا أنها لم تكترث له.. أصبح خارج نطاق حياتها لتسمعه يقول بنبرة عنيفة
– بتقولى ممكن مش أكيد، خليكي ناصحة ونفذي اللي طلبته
لم ترد عليه
تحركت نحو الطفلين لتعلو بصوتها جاذبة انتباههم
– الساعة خلصت، يلا يا ولاد محتاجين نرجع البيت
تحت أصوات تذمراتهم، أمرتهم بجدية للمغادرة.. وضع نضال جسده حائلا للأطفال ليغمغم بصوت أجش
– مدتنيش قرارك
زفرت بيأس قائلة بحنق
– مفيش فايدة الكلام معاك، هتفضل نضال الغانم
ابتسم وهو يغمغم بنبرة ذات مغزى وهو يرى الحنق والغضب الجليان على وجهها
– نضال الغانم عمره ما يستريح غير لما نصه المفقود يرجعله تانى
رفعت حاجبها ساخرة
-عشان ترجع بجبروتك تانى، عيش بنصك المفقود لحد اخر عمرك.. واياك تظهر فى حياتى تانى وبطل شغل جنانك ده مع الناس
التمعت عيناه وهو يرى انها لم تنسى ما حدث فى الدار وعرضه للزواج من الآخرى غمغم بمشاكسة
– غيرانة انى طلبت ايديها
غمغمت فى وجهه بنبرة محذرة
– ابعد عن غالية، فيها اللى مكفيها مش ناقصة انت كمان وجودك
تعجبه فرح وهي تكشر عن أنيابها، قطته ما زالت بحاجة لمروض بارع، انتبه على صوت صغيرته وهى تحمل دمية دب قائلة بسعادة
– بابى، بص كسبت أي
مالت فرح تقبل رأس شمس هامسة
– هتوحشيني يا شمس
عبست ملامح الصغيرة متسائلة بحيرة
– هتمشى تانى
هزت فرح راسها موافقة، لتهمس
– وقت ما تعوزيني بابا هيعرف يجيبك عندي
اغرورقت الدموع فى عيني الصغيرة وهى تنظر الى والدها بيأس وحيرة
– مش هتعيشي معانا تانى ؟، بابى وعدنى
رشقت الآخر بنظرات غاضبة قبل أن تتمتم
– ساعات فيه وعود منقدرش ننفذها، صدقيني ده احسن للكل .. اعرفى ان العالم ده كله كوم وانتى لوحدك فى كوم تانى
نفضت شمس سريعًا يد فرح التى تحاول احتضانها لتهدر فى وجهها
– انا بكرهك.. امشى
الجمتها فرح الصدمة، ليهدر نضال فى غضب حقيقي أمام ابنته
– شمــس
إلا أن الصغيرة كان بها العناد يفوق عناد والدها لتقول
– بكرهها يا بابى، خليها تمشي
تلونت وجنتي فرح حرجًا وهمت بالمغادرة إلا أن نضال صاح بلهجة جادة أمام وجه الصغيرة
– بت اعدلى لسانك، اعتذريلها
ورغم جنون غضب والدها، ودموع الصغيرة التي تباسل سامحة لها بعدم الهبوط، لم ترضخ ولم تستجيب لطلب والدها .. مما ترك نضال يقف بلا حيلة ليسمع همس فرح
– ارجوك اتعالج
اقتربت فرح تميل هامسة فى أذن شمس هامسة
– وانا هفضل احبك لحد لما اموت يا روحى
قبلة أخرى طبعت على رأسها جعلت الصغيرة تبكى بصمت وهي تشيعها بنظراتها مغادرة مع صديقها وتوأمه.. التفتت الى والدها الذى غمغم بسخط
-عجبك كده .. طفشتي الست
******
دقت سـاعـة الصفـر ..
ستذهب لمقابلة العريس كما أخبرها والدها صباح اليوم، مخبرًا إياها أن تستعد بعد الظهيرة لأنه سيصطحبها نحو مكان مقابلتهم
ذلك الغموض، وعدم إخراج أي معلومة مفيدة من شفتيه جعلتها تعقد حاجبيها ريبة
ذلك الرجل الغامض لن يكون شخصًا غريبا فى الوسط، والا لكان والدها اخبرها بتفاصيل صغيرة عنه..
أحكمت وثاق حجابها وهي تنظر بتوتر الى المرآة العاكسة
الشعور بالخيانة يكتنفها، وهى كالحمقاء تشعر انها موشومة بالآخر
لا يحق لها التزين وابراز جمالها امام عيني آخر غيره
اللعنة عليها!! لقد فسدت تمامًا بفضله..
لقد رمت الكرة فى ملعب والدها، فى انتظار حكمه، وهو لم يجور عليها مطلقًا
أسيبدأ الآن؟!
انتبهت على صوت جيهان المتذمر
-انتى لسة مصممة عند رأيك
رفعت شادية عينيها أمام المرآة لتبصر شقيقتها الحانقة الرافضة للأمر .. كحالها تمامًا
لكنها لن تكسر بهامة والدها مطلقًا
ستذهب معه كما رغب، لن تمرغ اسم والدها فى الوحل حينما يحتاجها.. سحبت حقيبتها وهى تجيبها بصلابة
– جيجي مش وراكي ترتيبات فرحك، ابعدى عنى دلوقتى
رفعت جيهان حاجبها بشك تجاه تعاملها البارد تجاه الأمر، شقيقتها تخطط لأمر ما
يقين داخلى يجعلها تؤمن بهذا، لكن لما اصبحت متباعدة مفضلة تعامل الأمر بمفردها؟!!
لم تمنع أن تصدر غمغمة متذمرة
– والله لو كملتى الهبل ده، لاروحله واقوله انك كنتى مراته ولسه على ذمته
تركت شادية ما بيدها والتفتت تنظر إلى شقيقتها بشك، لتهز جيهان رأسها قائلة بصلابة
– مجنونة واعملها
لكن دخول الأب في تلك اللحظة قطع مجادلة على وشك الحدوث، لينظر معتصم نحو ساعة يده ثم قال بتعجل
– يلا يا شادية، العريس مستنينا مش عايزين نتأخر
هزت شادية رأسها بطاعة تحت نظرات جيهان الحانقة منهما، ومن ما يدور فى عقل كليهما.. فقط لو تعلم ماذا يدور فى عقل والدها الآن
لقد علمت تفاصيل من فريال، وتحدثها مع والدها كى يقوم بعلاج مسألة شقيقتها والإيطالى
ليحل الوالد المسألة ببساطة بتزويجها من إحدى معارفه، كما صرح آخر مرة حاولت أن تستعلم عن العريس وخلفيته…
وما زاد الأمر حيرة هو عدم إبداء رأى من شقيقها ماهر، فقط وثق ببساطة برأي والده، قائلا انه لن يتدخل ما دام لم يجد طرف متذمر رافضًا للوضع….
نظرت شادية عبر نافذة السيارة وهي توصلهما نحو وجهتهم المنشودة، الطريق كان صامتًا .. لم يتجاذب معها أى حديث مما جعلها تلتفت نحوه متسائلة بشك
– بابا انت تعرفه من فين، وامتى اتقدملى ؟
اغلق معتصم هاتفه والتفت اليها قائلا بجمود
– اعرفه من فترة، اما امتى اتقدملك… فده من فترة بس طلبت منه يستنى لحد الوقت المناسب
عضت شادية باطن خدها، لتشبك اناملها وهي تهمس برهبة
– بابا انا خايفة .. انا قولتلك انى مستعدة متجوزش وابقى معاك طول عمرى
ضحكة ساخرة خرجت من شفتى معتصم قبل أن يقول بحدة
– متأكدة مش عايزة تتجوزي عشانى ولا عشان حبيب القلب، انا مش فاهم الحيوان ده عمل ايه عشان تبقى لدرجة اليأس بتزحفى وراه
عضت شادية باطن خدها ونكست وجهها خجلاً، تعلم ان والدها يكبح ثورة عارمة لكنها غمغمت ببسالة وهى ترفع رأسها تنظر في عيني والدها
– اثبتلي انه اتغير .. انا اسفه انى روحتله ومقولتش لحضرتك، بس يا بابا حاول تفهمني
اشاح معتصم يده بحدة وهو يقاطعها قائلاً بجمود
– رغم الأذى لسه بتحبيه، الوقت عدى ولسه بتفكري فيه، يا بنتى افهمى الحب مش هو اللى هيكمل .. الود والرحمة هما اللى هيكملوا فى الحياة الزوجية
لا فائدة ترجى للحديث معه الآن، ستؤجل الأمر حتى عودتهما .. يجب ان تضع كافة مبرراتها وما التمسته من صدق لذلك الإيطالى
جذبت اهتمامه مشيرة بحديثها نحو الرجل القادم
– هو زيك يا بابا؟
ارتسمت على الاب ابتسامة واثقة وهو يجيبها بأنفة
– بت قولتلك مفيش غير واحد معتصم السويسري والباقين كلهم نسخ باهتة
انفجرت ضاحكة وهى ترتمى برأسها على صدرة بغتة، مما جعل الاب يتنهد وهو يربت على ظهرها متمنيًا صلاحها وارشادها للطريق المستقيم.
ترجلت شادية وهى تنظر نحو بوابة الفندق بوجوم، لن يكسب نقطة بحجز طاولة في فندق فاخر .. تأبطت ذراع والدها وهما يدلفان تجاه الفندق، لم تهتم شادية بالانتباه لحديث والدها مع الموظف الذى ابتسم بعملية مرحبًا
– مساء الخير يا فندم
غمغم معتصم بجمود
– حجز بإسم السويسرى
اتسعت عينا الرجل بإدراك ليغمغم وهو يشير نحو عامل آخر لايصالهم نحو وجهتهم
– اتفضل يا فندم، المكان كله تحت امرك
انتبهت شادية على تربيتة والدها لظهرها جاذبًا انتباهها لتبتسم بعملية وداخلها يكفى توتر يكاد يحطم ثباتها وتماسكها…
طريق المصعد لم يكن يخلو من التوتر خاصة أن الأجواء كانت كئيبة، صامتة، جعلت شادية تعض باطن خدها محاولة التماسك..
لن تضعف .. يجب عليها أن تتماسك
لأجلها ولأجل سبب قيامها بهذا الأمر
انتبهت على صوت المصعد وهو يفتح أبوابه لتتفاجئ حينما خطت بقدمها داخل المطعم، لقد جاءت الى هنا عدة مرات نظرًا لمقابلة عملاءها ولم يكن ابدًا شاغرًا حتى فى أوقات الذروة، سألت والدها بتعجب
– انت حجزت مطعم الفندق كله ليه
لوى معتصم شفتيه ساخرًا ليجيبها
– مش انا.. هو اللى حجز
رفعت شادية حاجبها بعدم فهم، ليتابع معتصم وهو يخرج هاتفه قائلاً
– هعمل كام مكالمة لحد لما تخلصى كلامك معاه
لا لا مستحيل ان يتركها هكذا أمام الرجل .. على الاقل يكسر التوتر فى بادئ الأمر
اسيتركها أمام عرين الأسد هكذا دون حماية، زمت شفتيها وهى تنظر الى ارجاء المطعم و واجهته الزجاجية المطلة على النيل من على ارتفاع عشرين طابق .. زفرت بحنق مغمغمة
– فاكر هيبهرنى بفلوسه وقت ما يحجز المطعم كله
انتبهت على صوت نادلة وهى تجذب اهتمام المرأة التي ترغي وتزبد
– انسة شادية
رفعت شادية حاجبها وهى ترى العاملة تبتسم لها ببشاشة تشير بيدها قائلة
– اتفضلى معايا
عقدت شادية حاجبيها بريبة قائلة
– هو هناك ؟
وجهت العاملة الى ركن أكثر خصوصية، دائمًا تكون للأعضاء المهمين فى المطعم، لتبتسم وهى ترى طاولة المعدة بإتقان لتواجه شادية قائلة
– دقايق وهيكون موجود
تركتها لتشعر شادية بالحيرة، والشك بدأ يأخذ دوره
اللعنة هل تورط والدها مع احدى العصابات ؟! لتتزوج من شخصية هامة، غامضة كما أحب إيصال رسالته !!
لم تستطيع الجلوس بل ظلت تنظر نحو النافذة الزجاجية وعينيها شردت نحو نقطة فى الفراغ
تحاول تهدئة انفاسها، ولملمة بعثرتها التى حدثت بفضل الغريب.. لقد جاءت الى هنا لهدف واحد ولن تحيد عنه
لن تتزوجه وإن عنى هذا موتها!!
والدها لن يجبرها على هذا الأمر..
قلبها معلق نحو الآخر فى انتظار رهن إشارته
ستخبره انها تحب رجل آخر.. وستنهى تلك المهزلة فورًا .. تعلم مدى كبرياء الرجال الشرقيين ولن يقبلو بإمرأة حواسها كلها متجهة نحو رجل آخر
فببساطة أما يرحلون، وأما يصبحوا غازيين !!
اشمئزت معالم وجهها نفورًا وبدأت تشعر بالإعياء تجاه مجرى افكارها.. أغمضت جفنيها وهى تعد للعاشرة.. سترفض وسترحل
ستخبره أنها شاكرة لعرض زواجه لكنها تحب رجل آخر، ثم ستعتذر لوالدها ..
اقشعر جسدها حينما استمعت الى صوت معذب فؤادها يغمغم بخشونة تفعل الأفاعيل فى قلبها العليل به
– أخبروني أن العاشق حين غياب معشوقته يستصرخ ناجيًا إياها يعد الليالي حتى موعد مقابلتهما.. وحينما يعد لمقابلتها لا يعلم أتزداد بهائًا كل يوم أم قلبه المتيم لا يرى سوى أنها أجمل نساء الكون
استدارت على حين بغتة، وشفتيها انفرجتا بصدمة.. اتساع حدقتي عينيها وهى تمرها على الكائن الرجولى أمامها …
انفلتت اعصابها
وخذلها جسدها لتقترب خطوة واحدة محاولة تأكيد حواسها أن ما تراه حقيقي
حواسها لا تخونها بالتأكيد، عينيها وأذنيها حتى انفها الذي التقط عطره الرجولي الفج كظهوره من عدم لا يخونوها بالتأكيد.. همست اسمه بالكاد الحروف خرجت من شفتيها
– س.. سرمد
اتسعت ابتسامته مقتربًا منها قائلاً بصوت أثخن من العاطفة
– ويل لقلب سرمد المسكين لنطقك لإسمك بين شفتيك المناجيتين لى
انهار جهازها العصبى لتشعر بتخاذل ساقيها منهارة ارضًا وهى تغمض جفنيها واضعة يديها على وجهها هامسة بحدة
– انا فى حلم مش كده، مش معقول كبرت وخرفت فى السن ده
تحاول الافاقة من ذلك الحلم، الأمر سيصبح كابوسًا بعد قليل
الا إن جسدها الانثوي استشعر جسد حرارى مقتربًا منها، وصوته المتلاعب يغمغم
– أتريدين تأكيدًا مني؟
رفعت رأسها نحو الحلم ولا تعلم كيف اتتها الجرأة لتهز رأسها
رغم جميع إنذارات عقلها بالرفض، خاصة تلك النظرة الداكنة فى عينيه.. ذلك الاشتهاء الخاص من رجل مثله نحوها
ذلك التوحش والجموح فى عينيه تشعر بهما.. وهى .. تبًا لها ترغب بهم جميعًا .
احمر وجهه وازدادت عينيه رغبًا محدقًا نحو شفتيها ليضع اصبع الابهام نحو شفتيها متحسسًا مدى اكتنازهما قائلاً
– احذرى مما تتمنيه يا برتقالية، فجل ما أفكر به هو ارتشاف تلك البتلات الندية من بين شفتيك
تلك اللمسة منه كثورة بركان ألقى حمومه .. مسببًا فى اجفالها وابتعادها عن مرمى يديه … عيناها جاحظتان وصدرها يرتفع ويهبط بجنون جراء لمسته لشفتيها
لمسة شجعته عليها، اللعنة.. هو هنا
عينيها تتأمله وهى تلاحظ انها لم تنتبه ابدًا لكرسيه المتحرك الجالس عليه!!
لا تعلم كيف عيناها محت أى شئ يقلل من سطوته وجاذبيته حتى بعجزه المؤقت
كرسيه المتحرك لم يقلل منه .. تبًا له
غمغمت بصدمة جلية وهي ترى ابتسامته الماكرة تزين ثغره المغوى
– انت .. انت بتعمل ايه هنا.. عرفت ازاى ان انا هنا ازاى
عيناه تأكلها حية كما لم تشعر به قبلاً
تشعر بعينيه تلمسان جميع مواضع جسدها كما لم يفعل قبلاً
لم تستطيع اخفاء تورد وجنتيها تحت وطء نظراته لتسمعه يجيبها
– لم اتحمل البقاء فى المشفى دون حافز كافى، عدت رغم عن انوفهم لمقابلتك
شعرت بتحرك عجلات كرسيه مقتربًا منها، لتنتبه أنها ما زالت ارضًا، حاولت دفع جسدها للاستقامة ورفع الهوان إلا انه لم يستجيب … غمغمت وهى تنظر يمينا ويسارًا خشية أن يأتي الرجل الغامض لتهمس
– سرمد .. صدقني مش وقتك دلوقتي، انت جيت هنا ازاي، فين طنط غيداء .. فين اخوك
ضحك ملء شدقيه، والتماع عينيه بالحياة والإصرار اجفلها، لم يكن هكذا حينما زارته منذ أشهر في مشفاه
تلك اللمعة فى عينيه كالتى سبق ورأتها أول مرة حينما قابلته
ما الذي تغير به؟ سمعته يغمغم بابتسامة ماكرة
– جلبت غسان معى، تعلمين أن زواج شقيقه اقترب، فأخذتها فرصة للقدوم ورؤيتك
عيناها حطت على ساقيه لتتغضن ملامحها بألم، ترى كم سيستغرق الأمر لرؤيته مرة أخرى على قدميه.. الأمر يؤلمها بطريقة لم تكن تتخيلها.. رغمًا عنها سألته
– كيف حال ساقيك، هل انت بخير ؟ اخبرنى ولا تكذب علىّ رجاء
اختفى المرح من ملامح وجهه وحل محله الجمود، حتى تلك اللمعة فى عينيه انطفئت لترى جمود وتصلب وجهه وهو يغمغم
– انهما بخير رغم انى لا ابذل جهدًا كثيرًا فى التنقل
هطلت الدموع لا اراديًا وهي تهمس بأسف
– انا اسفه، اسفه بجد انا السبب
اختلج قلبه لرؤيته لدموعها، ألم يخبرها انه ضعيف تجاه دموع النساء .. خاصة دموعها هى
دموعها غالية كحالها هى عنده، غمغم بنبرة اذابت اعصابها
– حياتى كلها فداء لعينيك يا برتقالية، انا لست عاجز لتلك الدرجة ما زلت اتعالج
هزت راسها بنفي وهي تهمس برجاء
– اريد رؤيتك مرة اخرى تقف على ساقيك
كان يحاول تهدئتها ولملمة تبعثرها خاصة وهو يراها تبكى عليه، لكن الأمر جعله يسألها بحدة خرجت غير مسيطرة
– هل يأكلك الذنب لتلك الدرجة ؟ أهي مجرد ساقى؟ وحينما اشفى تكفين عن السؤال
انفرجت شفتاها تجاه مسار تفكيره، ذلك المجنون ما زال يشكك بنواياها حتى بعد اصابته، تعلم ان الأمر ما زال حساس خاصة رجلاً بكبريائه، سمعت صوته اليائس هادرًا فى وجهها
– أجيبي يا شادياااه
هزت رأسها نافية عدة مرات مغمغمة
– لا
ابتسامة بسيطة زينت محياه، وعاد ذلك البريق يلمع فى حدقتيه المظلمتين ليهمس بتطلب
– تزوجيني
حطت عينها عليه والصدمة ا فقدتها القدرة حتى على رمش عينيها لتنظر اليه وهو يطلب بيأس
– لم أعد أتحمل فراقك عني، طيفك يؤرقيني فى مضجعى يا شاديااه، ألاحق طيفك فى احلامى وها انتى هنا امامى أجمل من الحلم ألف مرة وقلبى يسألك الخلاص
كل ما قدرت عليه هو همسها باسمه
– سرمد
اقترب منها وهو يميل برأسه تجاه موضع جلوسها ليهمس بإلحاح
– تزوجيني .. لقد كرهت المشفى، كرهت كل شئ عداكِ انتِ
وهى كالمغيبة لا تأتي بشيء يخرج من حلقها سوى مناجاتها بإسمه
– سرمد
ابتسم سرمد وهى ترى تلك الشعلة فى عينيه تزداد رغبة ليهمس في وجهها ولفح أنفاسه يضرب وجهها
– رفقًا بى يا امرأة، مناجتك بإسمي ليس سوى فتيل يحرق قلبي
حدق الى عينيها وهو يرى صدمتها المتجلية فى وجهها، يعذرها ألف مرة على هذا الصمت
لكنه بحاجة إلى تأكيد .. شئ يحفزه أنه لم يفقدها كليًا
استجابات جسدها الفطرية له جعله يستبشر خيرًا .. ينتظر فقط إرضاء عقلها حتى يستطيع غزوها برضا تام
– اعتذاري لن يفي بحقك.. لو ظللت كل يوم كل ساعة اعتذر عما اجرمته فى حق نفسى يا شادياااه، لو تعلمين يا شادياااه كم مرة تمنيت أن تبتر يداى
صاح بها بغضب ليسمع شهقتها الخافتة قبل أن تزمجر بغضب
– بعد الشر يا مجنون.. اياك تقول الكلام ده تانى
ارتسمت ابتسامة على شفتيه رغم حالته ليهمس
– أتخشين علىّ حقًا؟
لكن اجابتها على سؤاله لم يقابلها سوى انها سألته بإدراك
– انت العريس؟
يبدو أن عقل برتقاليته بدأ يعمل بعد افاقتها من الصدمة، ليجيبها بغمزة ماكرة
– يبدو انه لا يوجد سوانا يا برتقالية
تأكيده جعلها تسأله بإصرار
– روحت اتقدمت لبابا
هز رأسه موافقًا تحت دهشتها وهى تسأله بإصرار رهيب
– وبابا وافق؟
تلك المرة تنهد وهو يجيبها بصراحة عهدتها منه
– حسنًا .. ليس كليًا، لكن الموافقة المبدئية موجودة، والدك يكرهنى لانى أذوب بك عشقًا
تنهد من وضعها اليائس على الأرض، ماذا ستكون ردة فعل والدها حينما يقتحم جلستهما ويرى ابنته جالسة ارضًا
ايخبره من صدمتها لم تستجيب كحاله!!!
غمغم ببرود وهو يحاول الحفاظ على مسافة بينهما كما وعد والدته.. تلك المرة تستحق شادية الكثير منه
– انهضى واجلسى على مقعدك، يكفى هكذا والدك لن يعجبه الوضع إن رآك هكذا

نظرت الى حالها لتستقيم من مجلسها وتحمد ربها ان تلك المرة لم تخذلها ساقيها لتجلس على مقعد طاولتهما ليسمعها تهمس
– بس .. بس ازاى …ده قالى العريس طلب ايدى من فترة
اجابها بصراحة وهو يبعثر خصلات شعره التى استطالت كثيرًا عن آخر مرة رأته بها
– طلبت الزواج قبل رحيلى من مصر، وفوجئت بصفعة تستقر على خدى منه قائلاً انه لو ظللت الرجل الوحيد لن يزوجنى إياكِ
تنهد وهو يضع يديه على ساقيه قائلاً بإصرار
– لكنني أصررت قائلاً أن العجز لن يبقى حائلاً بيني وبينك، وان ما بيننا لم ينتهي لقد استشعرت به، استشعرت بوجود امل بيننا
ذلك الأحمق دائما يجلب امر عجزه كما انه لن يستطيع الوقوف على قدميه قط، الأمر صعب لكن ليس مستحيل وما رأته من اصراره على العلاج الفيزيائى جدد الأمل بداخلها
همست شادية بيأس وهي تنظر الي عينيه المتيمتين بها
– انت مجنون
هز رأسه ضاحكًا
– اعلم
ثم سرعان ما نزع رداء العبث، ليطالبها تلك المرة بعشق
– تزوجيني
حدقت به مليًا وهى لا تصدق أن والدها ترك لها الكرة في ملعبه.. نظرت نحو عينيه هامسة
– بس علاجك يا سرمد، مش معقول بعد ما قطعت شوط طويل فى العلاج توقفه
غمغم محاولا نحر أى خوف او قلق سيبعده عنها
– لن اوقفه، سنتتم زفافنا وانا احملك على ذراعي هذا وعدى لك
زفرت بيأس نحو معانيه المستترة الوقحة لتهمس
– لسه زي ما انت وقح
لمعت عيناه بشغف وهو يهمس لها بألف قصيدة عشق
– وقح لأجلك فقط يا كهرمانية العينين
********

فى قصر المالكى،،،
تحديدًا داخل غرفة آسيا،،،
ليست غرفتها الزوجية .. بل غرفتها المستقلة.. الغرفة الأخرى كانت بالأساس ملك طليقها
وضعت اسيا احمر شفاه المفضل لديها وظلت تنظر الى تبرجها الذى لم يكن مبتذلا تحت تصورها … عيناها حطت على وجد التى تتناول احدى المقرمشات فوق اريكتها المفضلة التى غمغمت برفض تجاه فكرة العريس الغامض
-تفكيرك غلط يا آسيا
لوت آسيا شفتيها ساخرة لتقول
– العيلة كلها بقت حامل، وانا فكرت ادى لنفسى فرصة اتعرف عليه
إن كانت ابنة عمها تبحث عن زوج لمجرد الحمل والأطفال، فحتما هى غبية بتفكيرها هذا…
هزت وجد رأسها قائلة بعدم رضا
– آسيا انتى لسه متخطتيش لؤى، لؤى لسه عايش جواكى، تصرفاتك الشهور اللى فاتت وصدك للرجالة بتوضح انك ست منتمية لراجل
دائمًا يلجمها لسانها قبل التحدث مع وجد.. وجد استطاعت ببراعة وخلال فترة قصيرة أن تقرأها
ربما هى تعجلت .. لكن تبًا .. ليست صبية صغيرة لتؤجل أمر الزواج
تحتاج لعائلة وهذا الأمر يرغبه زاهر كحالها تمامًا
لما الانتظار .. ستحتاج لفترة لدراسته ثم الأمر لن يكون صعبًا
ربما هي تحاول يائسة عدم التفكير بأن جسد اخر سيمتلكها، لكن لكل رغبة وحلم كتبت التضحيات
وإن كانت ستضحي بكل ما تملك للظفر بطفل ينمو بين احشائها ستفعلها.. به أو مع غيره
ابتسمت اسيا بمرارة قائلة وهى تزيح دمعة كى لا تفسد تبرجها
– لؤى كان الحاجة الوحيدة الحلوة فى حياتى، عارفة بعد ما بابا مشى اضطريت اشيل حمل المسؤولية بدرى اووى .. غلفت نفسي بمية غلاف عشان امنع نفسي اني اقع فى اى زلة .. كلام بابا لسه معلق فى ودانى .. انى جوهرة والجوهرة تبقى متصانة لحد لما يجي اللى هيحافظ عليها
صمتت وجد وهى تستشعر المرارة فى صوت ابنة عمها، حديثها وشغفها عن والدها يجلب الغصة فى حلقها هى الآخرى.. ربما لم تستطيع تذكر والديها .. لكن الشعور بالفقدان اختبرته، غمغمت آسيا قائلة ببؤس
– مع لؤي بقيت ست .. انثى بكل ما للكلمة من معنى بس…
بترت آسيا باقى عبارتها لتحفزها وجد قائلة
-بس ايه اللى حصل
هزت اسيا راسها بيأس قائلة
-مبقناش زي الاول، كل واحد فينا مستنى من التاني غلطة عشان يعلق كل الغلطات عليه
زمت وجد شفتيها وهى تشعر بألمها، لو تعلم فقط اين اختفى هذا الآخر
ليس بعادته أن يختفي دون سبب أو مدة معلومة، لكن بصمت الجد تعلم جيدًا أنه يعلم اختفاءه
تنهدت متسائلة بخشية
– وزاهر ده مجرد لعبة جديدة
هزت اسيا راسها نافية لتهمس بصدق
– لأ .. زاهر مش فى لعبة جديدة، المرة دي مفيش خطط ولا افكار ولا العاب .. المرة دي هسيب نفسى
وتلك طامة أخرى
ماذا لو تبين انه سيجرحها.. او يهينها، اسيا رغم صلابتها الخارجية إلا أنها ضعيفة جدًا تجاه لمن تهتم بأمرهم.. وماذا ان تحقق حلم آسيا وكانت تعيسة بزواجها، او الأفظع أن طلبت الطلاق وساومها هو على الطفل!!
هزت وجد رأسها محاولة ازاحة تلك الافكار الخبيثة من عقلها، من الافضل لها ان تخشي علي الرجل وليس منه.. اسيا استطاعت أن تطلب الطلاق من حبيبها و حاربت بضراوة لنيل الطلب… غمغمت بتساؤل
– هتعملى ايه لو لؤى عرف

رفعت اسيا حاجبها بشك وهى تغمغم بسخرية
-كأنى خنته يا وجد !!.. مالك فيه اي، لو عايز يرجعلى كان رجعنى ليه
قلبت وجد عينيها بملل مجيبة اياها
-على اساس لو رجعك، كنتى هتوافقى وتسيبيه يحدد حياتك
هزت رأسها بنفى تام لتجيبها بصراحة
– للأسف لأ، كنت هندمه انه رجعنى ليه بدون اذنى
طرقات على باب غرفتها، جعل وجد تبتلع أي حديث يمر على خاطرها سامحة آسيا بالدخول.. لتنتبه إلى صوت الخادمة تقول بصوت حيادى
– غالب بيه منتظر حضرتك فى المكتب
هزت اسيا راسها لتستأذن مغادرة، وآسيا تستقيم من مجلسها لتستمع الى صوت وجد المتذمر
– مطوليش عشان لسه ورانا مشاوير للبيبي
لمعت عينا اسيا بشقاوة وهى تسحب منها المقرمشات كى لا تزداد وزنا غير طبيعي في تلك الفترة خاصة مع اشتهاءها للطعام الغير مبرر لحاجة الجسد.. غمزت بعبث
– مطلعش سهل الدكتور بتاعك
القت وجد وسادة امام وجه اسيا التى تفادتها بمرح، لتتأفف وجد تجاه معانى اسيا المبطنة بوقاحة تجاه حملها .. اللعنة هل اصبح الحمل الآن جريمة تعاقب عليه.. ربما اتى مبكرًا لكنها لن تجرم على هذا!!
طرقت آسيا باب مكتب غالب، لتبتسم بعملية وهى ترى زاهر جالس على مقعد جلدي وفى مواجهته غالب .. أشار غالب لها للجلوس قائلاً
– اتفضلى يا آسيا
التفت آسيا بكليتها جالسة على المقعد لتقول بصراحة دون الحاجة لأى انتظار
– انا موافقة ناخد فرصة
غمغم الجد بتحذير
-آسيا
نظرت الى غالب نظرة واحدة وهى تهمس
– من فضلك .. “عادت بكامل جديتها تحدق فى وجه الآخر قائلة”
– انا موافقة تديني سبب يقنعني اني اتجوزك، بدون ما تديني سبب مقنع كأن مفيش حاجة ما بينا حصلت
ارتسمت ابتسامة على وجه زاهر وهو يهز رأسه موافقًا
– وانا موافق
حسنًا الأمر لم يكن سيئًا .. سيتم الأمر وفق إرادتها
إلا أنها لا تعلم لما تشعر بغصة في حلقها!!

يتبع

لقراءةالفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك رد

error: Content is protected !!