روايات

رواية سجينة جبل العامري الفصل السادس 6 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري الفصل السادس 6 بقلم ندا حسن

رواية سجينة جبل العامري البارت السادس

رواية سجينة جبل العامري الجزء السادس

سجينة جبل العامري
سجينة جبل العامري

رواية سجينة جبل العامري الحلقة السادسة

“أتى المستحيل الذي هددها به، لازت بالفرار وانتهت روايتها مع عائلة العامري”
نظر إلى عيونها الزرقاء وتابع بعينيه هو البحث في ملامحها، النظر إلى شفتيها التي هتفت اسمه برقة لا مثيل لها وكأنه قطعة من قماش الحرير لمسه الهواء والهوى بكل رقة ونعومة..
أومأ إليها برأسه للأمام يؤكد أنه هو:
-آه عاصم
وجدها تنظر إليه ببلاهة ولم تتحدث فأردف مرة أخرى يسألها:
-بتعملي ايه هنا دلوقتي
نظرت إلى الهاتف بيدها ثم إليه وتحدثت بصوتٍ خافت والملل يتأكل منها:
-أصل بصراحة الدنيا ملل أوي هنا والجزيرة مافيش فيها شبكة نزلت اتمشى في الجنينة أحاول أجمع شبكة
ابتسم وهو يتابع ملامحها المُنزعجة وكأنها طفلة فاقدة أصدقائها الذي تلعب معهم، قال بجدية:
-الجزيرة فيها شبكة في كل مكان على فكرة اومال احنا بنتكلم إزاي
أكملت بعد حديثه موضحه له مقصدها وهي ترفع الهاتف أمامه:
-أقصد شبكة نت
أقترب خطوة بقدميه فأصبح جسده العريض أمامها يخفيها لمن نظر من خلفه:
-فيها كمان شبكة نت تحبي افتحهالك؟
نظرت إليه بسعادة مُتسائلة عن صحة حديثه:
-بجد؟ ياريت أوي
أومأ إليها برأسه للأمام يهتف بصوته الرجولي المميز بالنسبة إليها بهدوء:
-حاضر
نظر حوله في الظلام الدامس في هذه المنطقة المتوارية عن بوابة القصر والقصر نفسه والحرس جميعًا وقال لها بجدية بعد أن استقر بعيونه عليها من جديد:
-متبقيش تنزلي تحت في وقت متأخر كده
رفعت أحد حاجبيها الشقراء وتركزت بعينيها عليه تسائلة باستفهام:
-ليه؟
ضحك واتسعت شفتيه تبتعد عن بعضها ظاهرة من خلفها أسنانه وفي رأسه أشياء عديدة يعبث بها ليست هي من تعبث به:
-لمصلحتك
حركت رأسها بخفة وهي تنظر إليه لا تستوعب حديثه:
-مش فاهمه
ابتسم أكثر وهو يتابعها قائلًا بجدية:
-أحسن بردو إنك مش فاهمه.. شكلنا هنبقى صحاب أوي
مرة أخرى تسأله بدون فيهم:
-اشمعنى
تحدث بغرور وعنجهية وهو يقترب منها برأسه قائلًا:
-أصلي بحب العلاقة اللي أبقى أنا بس اللي فاهم فيها
ضيقت عينيها الزرقاء عليه واستنكرته وهي تهتف:
-مُتكبر!
ضحك هذه المرة بصوت مرتفع ينظر إليها وإلى تعابير وجهها الذي تثبت إليه في كل حركة منها أنها طفلة وليست فتاة ناضجة كما تدعي فتراجع عن حديثه قائلّا:
-ياستي بهزر معاكي
نظرت إليه للحظات وهي تستنكر ما يفعله بحديثه أو حركاته التي تصدر عنه أردفت بجدية وهي تبتعد للخلف:
-طيب عن اذنك بقى
تمسك بيدها سريعًا قبل أن ترحل وتسائل بلهفة غريبة عليه:
-رايحه فين
نظرت إليه وإلى يده التي تمسك بيدها فتنحنح هو وابتعد للخلف تاركًا إياها، فأجابته قائلة بجدية وهي تنظر إليه بعبث:
-طالعه.. مش قولتلي بلاش أنزل في وقت متأخر
استنكر ما فعله وتلك اللهفة الغريبة التي تأتي منه إليها هي فقط دون الجميع، ولكنه يستطيع تفسير ذلك جيدًا، أردف بسخرية:
-وأنتي مطيعة أوي كده
وجدها تنظر إليه باستغراب لم تجيب عليه ولم تبدي أي ردة فعل على حديثه وكأنها تقف مستغربة للغاية مما يفعل ومما يقول فتابع مرة أخرى باقتراح:
-مافيش مانع نفضل مع بعض شوية.. أضيعلك الملل وتعملي صحاب ولا ايه
فكرت للحظة في حديثه فهو محق للغاية، أنها تحتاج لتكوين صداقات، لا الحقيقية هي لا نحتاج لذلك ولكن الهوى يلقيها عليه لتستكشف ما به ذلك الرجل العملاق:
-عندك حق
أشار إليها بيده ناحية الحديقة في الأمام عند القصر أمام الجميع من الحرس وغيرهم:
-طيب تعالي نقعد.. تعالي
سار معها ليجلسوا سويًا وهي جواره، تسير بخجل وفراشات معدتها تعبث بها في الداخل لأجل تلك الفكرة الغبية التي وافقت عليها.. كيف تجلس معه وتتحدث وتنظر إليه وهو يباغتها بنظراته الجريئة الحرة!.
من الأعلى رصدتهم فرح من داخل شرفتها بعيون تشتعل بالغضب والبغض الشديد تجاه “عاصم” الغبي الذي يسير خلف جمالها ورقتها المصطنعة وتلك الفتاة الغبية التي تدعي الخجل مع الجميع وتزداد به معه وتتصرف كأنها طفلة في الثامنة من عمرها كابنة شقيقتها..
ظلت تنظر من الأعلى بغضب يشتعل داخلها يجعلها تتحرك في الشرفة بعنف وضراوة غير قادرة على المكوث في مكانها لحظة فقد نشبت النيران داخلها بسبب غيرتها من تلك الغبية الماكرة المتصنعة..
ظلت تأتي من بداية الشرفة إلى نهايتها وعينيها عليهم بعد أن جلسوا وأصبح “عاصم” جوارها يعطيها وجهه وجسده بالكامل يسترسل معها في الحديث وهي ترد عليه بخجل تارة وبغضب تارة والآن ضاحكة!..
جعلها تضحك بصخب تضع يدها على فمها لتكتم ضحكاتها بعد أن استمع إليها الحرس في محيطهم ونظرت بخجل بعد تلك الفعلة المباغتة..
يا لك من فتاة غبية وضيعة سارقة، لقد سرقته بتلك الرقة المصطنعة والخجل الكاذب، خدعته بجمالها الغير طبيعي وسرقته في لحظات وهو كان كالغبي..
رجل كأي رجل غبي يرمي بشباكه وأحباله إلى أي فتاة جميلة تمر من جواره وقد كان معها، يا الله تعابيره غير مسبوق لها أن تراها..
أنه يتحدث بود، ينظر إليها بهدوء ويتودد إليها!، يتابع عيناها الزرقاء ويدقق في ملامحها بهيام وانسجام خالص لها..
يا لك من ماكر يا “عاصم” يا لك من ماكر مخادع غبي..
ضربت بقبضة يدها على سور الشرفة وهي تتابع ما يحدث بينهم وفي لحظة رفعت الهاتف من على المقعد بينهم وفتحته لتوريه به شيئًا فاقترب منها وهي تشير بإصبع يدها على الهاتف وتضحك بصخب؟!
متى تعرفت عليه إلى هذه الدرجة متى! لا أنها من فتيات المدينة لا تحتاج لوقت حتى تتعرف عليه فقط يلقي عليها سلام الله فتلقي عليه شباك الخبث الضارية…
رفع “عاصم” وجهه إلى الأعلى بعفوية والإبتسامة مُرتسمة عليه ليقابل وجهها، نظرات عينيها الحمراء الغاضبة وملامح وجهها بالكامل التي تجعلها تبدو مخيفة وهي تنظر إليهم بهذه الطريقة الغريبة..
نظر إليها لحظة والأخرى اعتقادًا منه أنها ستدلف للداخل أو يصدر منها أي ردة فعل فقط خجلًا من نظراته نحوها ولكنها كما هي فتاة مغرورة، متكبرة عليه وعلى الجميع.. والأهم من كل هذا لا تخطئ وكأنها قديسة لا تعرف طريق للخطأ..
أبعد عينه مرة أخرى وعاد بها إلى “إسراء” الماكثة جواره ولم تلاحظ نظرات عينيه المرتفعة للأعلى بسبب انشغالها بهاتفها بعد أن قام هو بفتح شبكة الإنترنت داخله كي يساعدها أو يقتصر الطريق إليها قليلًا ويصبح صديقها جديًا وبعد ذلك يتسلل للأكثر من هذا..
في الناحية الأخرى وقف جلال على أعتاب غرفة الحرس الصغيرة بجوار بوابة القصر، نظر إلى “عاصم” و”إسراء” الفتاة الجميلة، فاتنة الجمال التي ليس هناك مثلها على الجزيرة وكأنها من أصول أوروبية أتت إليهم ليتأملوا في جمالها..
تمتم بينه وبين نفسه بغيظ وسخرية:
-طول عمرك واقع واقف يا عاصم يا ابن المحظوظة
أبتعد بعينه إلى الأخرى التي تقف في الشرفة عيناها ستنقلع من مكانها عليه وقلبها سينقبض منها بسبب شدة النيران المشتعلة به من غيرتها التي أخذتها في صميم قلبها بسبب “إسراء” وجمالها الخلاب الذي لم تراه في حياتها..
تموت على “عاصم” يعلم ذلك جيدًا وهي تُجيد المكر والخبث، ونقل الحديث من مكان إلى آخر، ابتسم بسخرية أكثر وهو يتابعها ويراها تود لو تلقي نفسها من الشرفة كي تصل أسرع إلى الأسفل وتقوم بجذب خصلات تلك المسكينة من مكانها..
نظرت إليه من الأعلى فتابع يدقق داخل عينيها من على بعد مسافة ثم غمز بعينه اليسرى بغرور فنظرت إليه بضيق وانزعاج وضربت مرة أخرى على سور الشرفة ثم استدارت تدلف إلى الداخل مرة أخرى دافعة الباب من خلفها بقوة ليصدر صوتًا استمع إليه كل منهم..
❈-❈-❈
مر يومين آخرين غير الأيام الذي مرت عليهم منذ أن أتوا إلى الجزيرة، وفي اثنائهم لم تكن تحسن التدبير ولا التفكير ولا تعرف ما الذي ستفعله معه ولا حتى كيفية الهروب من الجزيرة.. أو بالأحرى القصر فهو الخطوة الأولى للهرب..
ولكن ما توصلت إليه مع نفسها أنها إن خرجت من هنا وابتعدت عن الجزيرة ومن بها ستلقي بهم جميعًا خلف ظهرها وأولهم “جبل العامري” وستلقي تهديدها له خلف ظهرها معه لأنه للحق لن تكون قادرة على مواجهته..
ولكن أن بقيت هنا وهذا من رابع المستحيلات فلن تكن نهايته إلا على يدها وهذا وعد منها، وعد من إمرأة حرة ليست للترويض وإن كانت فلن تكن امرأة تروضت على يده..
ابتعدت عنه تمامًا في هذان اليومان، لم تكن تتقابل مع وجهه إلا بالصدفة البحتة فهي لم تكن مستعدة أن تتقابل مع رجل قاتـ ـل مثله وتلطخ نفسها وعينيها بالنظر إليه أو تجعل لسانها يتسخ ويدنس بالحديث معه.. قللت كل شيء تشاركه معه إن كان حديث أو نظرات أو طعام.. رجل مثل هذا لا يشاركه أفعاله إلا الشياطين مثله
بقيٰ خوفها الأكبر على شقيقتها وابنتها الصغيرة، كيف ستهرب بهم وإن لم يكن فكيف ستجعل حياتهم هنا!..
تراقص الخوف على أعتاب قلبها، ولكن زجره الكبرياء مُعلنًا نصرها وبين هذا وذاك لم يحسن التدبير عقلها ففقدت نفسها بينهم وتشتت تفكيرها وبقيت سجينة جبل العامري غير راضية عن قدرها..
بينما هو ترك لها الفرصة في التفكير والإختيار على الرغم من أنه يعلم ما الذي سيحدث بالنهاية..
ترك نظرات عينيه المخيفة تعبث بها كلما وقعت عليها، يستشعر دقات قلبها العالية كلما تقابلت تلك النظرات، فيبتسم بخبث وقسوة لأجل إشعال الخوف والرهبة داخلها مسببة ارتعاش لجسدها كلما رأته..
إلى الآن هو صامت وتركها الأيام الماضية مبتعدًا عنها سامحًا لها بالفرار منه وهو على علم أن الأيام القادمة ستكون على عكس السابقة عندما يكون مقرها داخل غرفته..
دقت على باب الغرفة بيدها بقوة تحاول أن ترسل له من خلالها أنها ليست ضعيفة هشة.. فتحت لها الباب والدته فولجت للداخل بهدوء وجدية رافعة رأسها للأعلى بشموخ تدلف بثبات تقول من عبر نظراتها وحركاتها المحسوبة أنها قوية للغاية.. وما كان في الداخل سوى الخوف
أغلقت والدته الباب بعد أن دلفت هي وسارت خلفها للداخل وهو يقف بجوار الفراش يستند على العمود بذراعه..
أشارت لها والدته أن تجلس على الأريكة ولكنها رفضت قائلة بجدية:
-اتفضلي أنتي يا طنط.. خير
جلست “نجية” على الأريكة أمامهم وبقيت الأخرى واقفة على قدميها تبعث إليه النظرات المشمئزة ولكنه بادلها بالبرودة التام
تحدثت والدته بكل جدية وهدوء وهي تنظر إلى “زينة” تسألها:
-ها يا زينة قوليلنا قرارك.. موافقة تتجوزي جبل
رفعت يدها الاثنين أمام صدرها ووقفت بزاوية جسدها تنظر إلى البعيد قائلة بضيق:
-لأ مش موافقة
ضيقت والدته عينيها عليها وحاولت أن تتحدث بعقلانية معها على الرغم من أنها تدرك أن رفضها قاطع:
-ليه كده يا زينة فكري في مصلحة بتك
هبطت بيدها من أمام صدرها وصدح صوتها تنفي ما تقوله بعنف:
-مصلحة بنتي أنها تمشي من هنا وامبارح قبل النهاردة
أجابت الأخرى بفتور وهدوء تريها الحقائق التي تغاضت عنها:
-ليه؟ هنا كل حاجه بتاعتها وكل حاجه هتبقى تحت رجليها ورجليكي أنتي كمان
تسائلت “زينة” بسخرية وبلهجة متهكمة ساخطة:
-هنا فين؟ في جزيرة وسط الميه محدش يعرف عنها حاجه؟ في مكان مليان سلاح واللي حاكمه تاجر سلاح؟ إحنا لو موتنا محدش هيدري بينا
وقفت سريعًا بعدما استمعت إلى حديثها الذي كشف كل شيء يحدث على الجزيرة وأردفت بذهول:
-أنتي جبتي الكلام ده منين
أشارت إلى “جبل” بيدها متحدثة بانفعال وعصبية:
-اسألي ابنك.. ولا هو مقالكيش إني عرفت كل حاجه؟ مقالكيش إني شوفته بعيني وهو بيقتل؟
استدارت إليه والدته تنظر إليه باستنكار شديد لما تقوله “زينة” فهي إن كانت رافضة مرة قبل أن تعلم بكل ذلك الآن ستكون رافضة ألف مرة.. نطقت اسمه بذهول:
-جبل!..
أبتعد هو عن العمود وتخلى عن الصمت الذى تحلى به بينهم، نظر إليها بجدية وجمود قائلًا:
-ده شيء كويس علشان تبقى عارفه هي بتتعامل مع مين
استنكرت حديثه متهكمة عليه بسخرية لاذعة قائلة بضجر وانزعاج:
-هكون بتعامل مع مين يعني؟ واحد قـ ـاتل وتاجر سلاح يعني راجل عصابات
ابتسم إليها بكل عنجهبة وبرود وقال بثقة وتأكيد:
-بالظبط.. الكلمتين اللي قولتيهم بكل بساطة دول كان المفروض تفكري فيهم بعقلك أكتر من كده
لوت شفتيها ببرود واختناق في ذات الوقت من حديثه وسألته:
-ولو مفكرتش؟
أجاب بصرامة وقوة:
-هتخسري
تركته ونظرت إلى والدته عندما علمت أنه سيقوم بتكرار حديثه مرة أخرى وهي سئمت من الاستماع إليه فقالت بجدية:
-اسمعي لو سمحتي بقى.. أنا مش محبوسة هنا أنا عايزة أمشي ومع بنتي وأختي
تابعت النظر إليها بعمق تتحدث بكل جدية وقوة توضح لهم أنها ليست غبية:
-لما جيت مفكرتش إن ده هيحصل عارفين ليه؟ علشان يونس لما مات من خمس سنين مافيش حد فيكم فكر بس أنه يسأل على وعد اللي الكل دلوقتي عايزها أنا فاهمه كل واحد فيكم عايز ايه
تركتها وذهبت بعينيها إليه تُكمل ما بدأته بشراسة وعنف:
-اللي في دماغك مش هتاخده مني مهما حصل إلا على جثتي.. والميراث مش عايزاه خلاص، حتى الشنط اللي جينا بيها مش عايزاها عايزة نخرج من هنا وبس أظن كده أنا اتخليت عن كل حاجه ليكم
وكأنه لم يستمع إلى أي من حديثها تقدم للأمام وقال ببرود ولا مبالاة بها:
-حلو نكتب الكتاب الخميس الجاي
صاحت بغضب وهي تتقدم ناحيته خطوة تشيح بيدها بعصبية وانفعال:
-أنت مجنون بقولك مش موافقة ومش عايزة منكم حاجه خلاص لا ميراث ولا غيره خليهولكم
أكمل بنفس البرود واللا مبالاة وهو ينظر إليها مُبتسمًا باستفزاز:
-إحنا بقى عايزين.. وعد العامري.. وزينة العامري
وقفت قبالته بشموخ وعزة أردفت بثقة ووضوح وهي تعني كل كلماتها:
-أنا إسمي زينة مختار ووعد اسمها وعد يونس العامري إحنا الاتنين مننتميش ليك ولو ننتمي هنتبرى منك
استفزها أكثر وهو يردد حديثه مرة أخرى:
-يبقى على خيرة الله كتبت الكتاب الخميس الجاي
صرخت به بعصبية وجنون منفعلة للغاية:
-أنت عايز تجنني ايه الاستهبال ده أنا بقولك مش موافقة
نظر إليها هو مُبتسمًا باتساع وهو يراها ستجن بسبب حديثه فقط.. مظهرها رائع للغاية ستكون حياته معها مُسلية أكثر من هذا الملل الذي يشعر به واللعب معها سيجعله يتحمس أكثر فـ إلى اليوم لم يستطع أحد التغلب عليه.. هل هذا الغزال هو من سيتغلب!
أقتربت منها والدته وقالت بهدوء:
-فكري تاني يا زينة ده كله لمصلحتكم
نفت حديثها وأكدت بقسوة وهي تجيبها بحدة:
-مصلحتكم انتوا.. وخوف البيه من إني أبلغ عنه
نظر إليها بعينيه المخيفة ثم استمعت إلى ضحكاته العالية التي طالعتها بغرابة وهتف بسخرية:
-لأ بلغي.. تحبي اوصلك المديرية
نظرت إليه مُطولًا وحقًا لم تعد تدري أهو مجنون أو مختل أو أنه قاسي قاتـ ـل أم أنه رجل عادي غريب يبتسم ويضحك بسخرية! ولكن ما تعرفه أنها عليها الانتقام منه قبل الابتعاد عنه
ظلت تتابعه بعينيها بشراسة وخرجت الكلمات من بين شفتيها بحدة وتهديد واضح له:
-اسمعوا أنا مش موافقة وعلى جثتي إني اتجوزك وأنا سبق وحذرتك بس أنت مهتمتش بكلامي.. قابل بقى
انتهت من تهديدها وهو ينظر إليها بلا مبالاة وتقليل شديد منها وكأنها غزالة تحاول وتحاول ثم عندما يأتي الصياد تقع فريسة من أول محاولة.. ثم بعد ذلك النظر أكمل على نفس الوضع:
-قولتلك قبل كده مستني
نظرت إليه بسخط وكره شديد وملامح وجهها ممتعضة للغاية ثم استدارت واتجهت إلى الباب دون اي حديث آخر وعقلها يحثها على إنهاء كل شيء الليلة، جذبت الباب من خلفها بعد أن خرجت بعنف وقوة أصدر صوت ينم عن غضبها منهم..
اتجهت والدته إليه وتسائلت باستغراب:
-زينة شافتك إزاي وأنت بتقـ ـتل وعرفت منين إنك تاجر سلاح
أجابها بهدوء وبساطة وعينه مازالت على باب الغرفة وعقله مع تلك الغزالة التي خرجت..
-شافتني في الجبل وأنا اللي قولتلها إني تاجر سلاح
صرخت عليه والدته بقوة:
-اتجننت.. افرض مشيت توديك في شربة ميه
أخذت الكلمة انتباهه فنظر إلى والدته وابتسم قائلًا:
-مش هتمشي
هدأت قليلًا ونظرت إليه برفق ثم قالت متسائلة وهي على علم مسبق بالإجابة:
-ايه دخلت مزاجك
أومأ إليها برأسه وأكملت شفتاه بتأكيد:
-آه.. دخلته ومش هسيبها تمشي
سألته باستياء:
-هي من البداية مش موافقة تفتكر هتوافق بعد ما عرفت بكل ده؟
أومأ إليها مرة أخرى بتأكيد:
-هتوافق
قالت والدته بصوت جاد ونظرة واثقة:
-الطريقة غلط.. افتكر إني قولتلك، مش هي اللي تيجي كده
اتجهت هي الأخرى إلى باب الغرفة وخرجت منه وتركته وحده في الداخل يتذكر كل موقف مر عليه معها وهي تقف به أمامه تتابع بنظرات عينيها الواثقة وحركاتها الشرسة.. يتذكر كلماتها وعنفوانها الواثق من كل كلمة تخرج منها وكأنها ستفعلها لا محال وحتى لو كان السيف على رقبتها..
يا لها من إمرأة صعبة تحتاج إلى الترويض، كيف عاشرها شقيقة وهي بهذا الطبع؟ كيف كان رجل وهو معه امرأة كالرجل في كل شيء إلا مظهرها.. وكيف يشعر الرجل بأنه رجل إلا عندما يفرض سيطرته على امرأته ويكن هو بالنسبة إليها الرجل والبيت والأمن والأمان.. ويكن مالكها وكل ما تملكه.. فتجعله محور حياتها والأمر الناهي لها.. كيف كان يعيش مع هذه وهي بكل هذا التكبر والغرور، امرأة “قادرة” أمام نفسها؟..
ستكون امرأته وستتروض على يده، سيجعلها كما يشاء وكما يحب إن كان بالرضا أو.. بالقسوة فلا مجال هنا للحب..
❈-❈-❈
خرجت الصغيرة “وعد” من غرفة الصالون ركضًا وخلفها خالتها “إسراء” تركض قائلة بصوت مرتفع وهي تضحك بصخب:
-هاتي الموبايل والله ما هسيبك
سارت الأخرى وأبتعدت وصوت ضحكاتها البريئة يرتفع معها مثل الأخرى:
-لأ.. مش هتاخديه
بينما وهي تخرج من الغرفة خلفها تركض ضاحكة اصطدمت بـ “فرح” بقوة حيث أن الأخرى كانت تدلف إلى الصالون..
وقفت “فرح” تصرخ بعصبية وغضب:
-مش تحاسبي أنتي عميا
أجابتها “إسراء” بتروي وهدوء كي تمتص غضبها الظاهر عليها دون سبب واضح:
-مشوفتكيش
تهكمت الأخرى عليها وصاحت بسخرية وهي تنظر إليها ببعض وكراهية شديدة:
-يبقى عميا بقى
حركت “إسراء” رأسها بنفي وقالت بجدية:
-لأ مش عامية
نظرت إليها “فرح” بشر وعنف ووجدت أن الفرصة المناسبة للنيل منها حتى ولو ببضع كلمات تبرد نار قلبها قد أتت:
-يبقى قاصدة تعملي كده
حركت كتفيها بهدوء وبساطة ونظرت إليها بعينيها رائعة الجمال ذات اللون الأزرق الساحر قائلة برقة وهدوء:
-لأ أكيد مش قاصدة أنا خارجة بجري وأنتي داخله من جنب الباب مشوفتكيش
رفعت “فرح” يدها تشيح بها بعصبية وغضب عارم وهي تنظر إلى جمالها ورقتها التي تخرج منها بعفوية:
-هو أنتي كمان هتقفي تبجحي
أجابتها باستغراب ونظرتها نحوها غريبة وكأنها تحدث نفسها بأنها مجنونة:
-أنا مبجحتش أنا بقولك اللي حصل
صدح صوت الأخرى أكثر وأعلى وهي توبخها دون سبب:
-أنتي هتقلبي القصر ملاهي طول النهار لعب وتنطيط ما تبصي لطولك
أكملت والنيران تنهش داخل قلبها من شدة الغيرة وضراوة الحقد:
-بالنهار لعب في القصر وبالليل سهر مع الحرس في الجنينة
نفت قولها بنفس الهدوء الذي هي عليه:
-أنا مش بسهر مع حد
عارضتها وهي تفشي بالحديث بصوت عالي لعل هناك أحد يستمع إليها:
-لأ بتسهري أنا شيفاكي بعيوني وأنتي قاعدة مع عاصم
تذكرت “إسراء” ذلك وأتى على خلدها تلك اللحظات والحديث الهامس الجاد الحاني العنيف بينهم، وتلك المشاعر المتخبطة وهوجتها الغريبة فقالت بصوت خافت والذكريات تأثر عليها:
-دي كانت صدفة
أغتاظت منها ونظرت إليها بحدة وهي تريد لو تمد يدها الاثنين إلى عنقها لتقوم بخنفها في الحال:
-بلاش السهوكه دي متعمليش فيها عبيطة
وكأن “إسراء” مصرة على أن تجعلها تخرج كل ما عندها بتلك الطريقة الهادئة البسيطة، ولكن في الحقيقة هذه كانت طريقتها العفوية تخرج منها بكل رقة ونعومة:
-أنا معملتش عبيطة أنا برد عليكي بالحقيقة
أردفت مُعقبة بغيرة اشتدت أكثر وأكثر بسبب كل ما يصدر منها فقالت بقسوة وإهانة:
-لأ الحقيقة دي تخليها ليكي أنتي والزمي حدك هنا أنتي مش في ملك أبوكي
كانت الصغيرة تقف بينهم صامتة والآن أتى دور أن ينفرج فمها بالحديث الهادئ وهي تنظر إلى الأعلى لتأتي بوجه شقيقة والدها:
-خلاص يا عمتو إسراء معملتش حاجه
أبعدت “فرح” نظرها إلى “وعد” بعد لحظات وهي لا تستطيع أن تترك تلك الفتاة واقفة هكذا أمامها وقامت بتوبيخ الأخرى بتهكم وسخرية:
-وأنتي عرفتي منين يا قلب عمتو.. وبعدين بتدخلي في كلامنا ليه هي زينة معرفتش تربيكي
أجابتها الصغيرة بهدوء وتودد إليها ليست قاصدة شيء:
-أنا متربية يا عمتو بس كنت بقولك إن إسراء مش قصدها
نهرتها بعنف ورفعت وجهها إلى الآخر تلقنها الحديث القاسي إليها وكأنها التي تأمر هنا:
-وأنتي مالك اخرسي خالص ومش عايزة أشوف الهبل ده في القصر تاني
ذهبت من أمامهم إلى الداخل بعد أن دفعت “إسراء” في كتفها لتعبر إلى الغرفة قائلة بغيظ وضيق:
-جاتكم القرف.. مش عارفه ايه البلوة اللي اتحدفت علينا دي
نظروا إليها الاثنين بذهول بعدما عبرت إلى الغرفة، لقد تابعتها “إسراء” بعفوية ناظرة إليها وهي تتسائل أهي مجنونة أم مُختلة الأمر يختلف..
ابتسمت بسخرية بعد أن نظرت إلى وعد وحركت رأسها يمينًا ويسارًا غير قادرة على استيعاب تصرفات وحديث تلك الغريبة..
❈-❈-❈
في المساء بعد أن توجه الجميع إلى غرفهم بعد تأخر الوقت كان الجو هادئ للغاية في سكون الليل لا يصدر أي صوت إلا من الخارج أصوات الكلاب الذي تنبح في الطرقات..
وصوت ذئب مزعج للغاية يأتي إليهم ليمر عبر أذنهم من الغابة.. ككل يوم الحرس كل منهم في موضعه..
لا يوجد اختلاف في هذه الليلة سوى تفكير من هم داخل القصر وأولوياتهم، لا يوجد سوى مخططات لكل فرد بينهم كي يحصل على ما يريد..
بداية من أكبر امرأة بهم وهي والدته التي أصبح وجود “ابنة” ولدها أمر حتمي لن تتنازل عنه وليحدث فعلى والدتها أن تتزوج بابنها الآخر.. كثير من الأمور داخل عقلها تدور حول هذا الأمر من مخاوف قادمة بسبب “زينة” ووجودها معهم بعد أن علمت بعمل ولدها.. ومخاوف أكبر من تصرفات “جبل” القاسية..
“جبل” وتذكره لها ولشراستها، عنفوانها وحدتها وتلك القوة الهشة التي تمثل أنها عليها، تفكيره كله كان حولها.. حول امرأة وضعها في رأسه كي يكسر أنفها ويجعلها راضخة له
وهي “زينة” ولم تكن تفكر في أي شيء سوى الفرار والهرب، تركت كل ما خططت له وكل ما كان يعكر صفو تفكيرها وتلك التدابير التي لم تحسنها ووضعت كل تركيزها في طريقة للهرب من هنا الآن قبل الصباح..
بينما تغير تفكير شقيقتها البريئة للغاية هي الأخرى، “إسراء” تحول كل ما تريده في يوم وليلة بعد أن تقابلت مع ذلك الجسد الصلب الطويل الذي يبتلعها كلما وقفت أمامه، ذلك الصوت الرجولي المميز ذو البحة الغريبة التي أصبحت تميزها من بين الجميع.. لا تدري لما ذلك التفكير به وما الذي فعله بها!.
وأخيرًا وليس أخرًا هنا “فرح” هي الأخرى من الأشخاص الذين يعيشون داخل القصر وتغير تفكيرهم، وهذا حدث بعد أن نهشت الغيرة قلبها بسبب تلك الجميلة الرقيقة التي تتصنع كل ذلك كي تستحوذ على تفكيره.. وتفكير غيره.
والصغيرة التي لا تفقه أي شيء مما يدور حولها بين الجميع وأولهم والدتها وعمها القـ ـاتل الذي يهددها بها، تفكيرها تغير وتحولت أولوياتها بعد أن عانقتها جدتها والدة والدها وطالبت بالقرب منها والمكوث معها ولكنها أيضًا تريد العودة إلى مكان نشأتها وتلك الحياة التي اعتادت عليها…
لحظة واحدة كانت هي الفاصلة بين ذلك السكون وحالة المرج تلك، حدثت عندما صرخ أحد الحراس على البقية وهو يرى النيران المُشتعلة خلف القصر تصعد للأعلى مصحوبة بالدخان الذي صعد معها وسبقها..
لقد شعروا أن هناك نيران وعبرت رائحة الدخان إلى أنفهم ولكن هذا عاديًا يحدث فلا خوف ولا رهبة
كانت النيران نشبت خلف القصر وارتفعت للأعلى ولم يلاحظ أي حد منهم إلا عندما رصدها واحدًا منهم بعينيه من الأمام بعد أن تعالت للغاية بدخنتها فصرخ عليهم جميعًا وحدثت حالة غريبة من الهرج والمرج بينهم وكل منهم ترك سلاحه في غرفة الحرس الصغيرة وسارعوا بالركض للنيران كي يخمدوها بالمياة..
استمع من في القصر جميعهم إلى ما يحدث وقد خرج جبل معهم هو الآخر والتفكير ينهش عقله كيف حدث ذلك يصرخ عليهم من كل إتجاه خوفًا من أن تتصاعد أكثر ويحدث ما لا يحمد عقباه
كانت قد اشتعلت ببنزين وتصاعدت للأشجار الذي سكب عليها هي الأخرى بنزين وتأكلت الأسلاك المتواجد وكل ما كان في محيط خلف القصر وجانبيه..
بينما في الخفاء وتلك الدوامة تأخذهم للقضاء على النيران في الخلف هبطت “زينة” مع شقيقتها وابنتها الدرج برفق دون إصدار صوت حتى لا ينتبه إليها أحد من الداخل وهم لم يخلدوا للنوم بعد إلا عندما يسيطروا على النيران..
ترتدي بنطال من الجينز الواسع وتيشرت بنصف كم أبيض اللون وخلف ظهرها حقيبة صغيرة ليس بها إلا جوازات السفر وقليل من النقود والهواتف..
لم تأخذ أي شيء آخر، وقفت خلف البوابة الداخلية للقصر وهم خلفها تنظر إلى الخارج لترى أن كان هنا أحد يراها فلم تجد فسارعت معهم للخارج تركض إلى أن وصلت إلى البوابة الخارجية.. بوابة قصر العامري.. نظرت إليها بابتسامة واسعة وقلبها يدق بعنف وقوة.. مزيج من المشاعر كالخوف والسعادة يمكثون داخلها..
فتحت البوابة وأخرجتهم استدارت تنظر إلى الخلف لترى النيران تبدأ بأن تخمد فابتسمت أكثر وهي تراهم من بعيد والجميع يركض ثم خرجت خلفهم سريعًا..
خرجت من قصر العامري! خرجت بابنتها وشقيقتها؟ الآن تراقصت السعادة والفرحة على أعتاب قلبها بدلًا من ذلك الخوف الذي أرهبها.. الآن تحررت من سجن جبل العامري.. الآن فقط تستطيع أن تقول إنها امرأة حرة قوية لا أحد يستطيع ترويضها..
كان الهروب أمر صعب للغاية، الفرار من جزيرة العامري مستحيل ولكنها امرأة قوية نالت منها الصعاب ونالت هي من المستحيل..
قم بالتسجيل أيها التاريخ داخل كُتبك “زينة مختار” هربت من سجنها قصر العامري، ونالت من العائلة بأكملها، أكتُب أنها لازت بالفرار من جزيرة العامري ولن تكن مرة أخرى “سجينة جبل العامري”
❈-❈-❈

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سجينة جبل العامري)

اترك رد

error: Content is protected !!