روايات

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم آية محمد

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) البارت الثامن والثلاثون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الجزء الثامن والثلاثون

رواية ترويض الشرس (أحفاد الجارحي 5) الحلقة الثامنة والثلاثون

جاب القاعة الرئيسية ذهابًا وإيابًا، وهو يتابع ساعة يده بتذمرٍ، إتجه جاسم للدرج وعاد يصيح بإنزعاجٍ:
_يالا يا جماعة إتاخرنا!!
ركضت داليا للأسفل وهي تحمل طرف فستانها الأزرق الفضفاض، مشيرة له بسعادةٍ:
_خلاص أهو يا حبيبي، أنا جهزت.
مد يده لها وهو يحني قامته الطويلة لها، وكأنه يستقبل أميرته التائهة، فتعالت ضحكاتها وهي تراقبه يلثم أصابعها بشفتيه برقةٍ جعلتها تسحبها على استحياءٍ، واتجهت للصالون الملحق بالردهةٍ قائلة:
_هستنى البنات هنا.
أومأ برأسه بخفةٍ، وتابع الدرج وهو يعود لحالته المتعصبة:
_مينفعش كده يا جماعة ساعتين بتلبسوا، يا معتز… يا رائد الله!
هبط “أحمد ” للأسفل على مضضٍ، وهو يعدل من جاكيت بذلته الأنيقة وإتجه لأقرب أريكة ، جلس وهو يراقب جاسم الذي عاد يردد بضيقٍ:
_يالا بقى يا جماعة كل ده بتلبسوا!
تحرك عن صمته حينما قال بضجرٍ:
_إقعد بقى فلقتنا، أديني هاودتك ولبست أهو وأنا متأكد إني مش هعرف أخرج معاكم بسبب آسيل!
تحرك جاسم عن عمود الدرج الرئيسي تجاهه، قائلًا ببسمة واسعة:
_بعد الكوبيتين القهوة دول مستحيل، شوية وهتلاقيها نازلة.
زم شفتيه بسخطٍ:
_متتعشمش عشان متنقهرش!
******
بالطابق العلوي وبالأخص بجناح ياسين.
وقفت شاردة أمام المرآة، ومازالت تلك الدعوةٍ تقتحم أفكارها الغريبة، انتهت مليكة من ارتداء حجابها فتعلقت عينيها بإنعكاس صورته بالمرآة بعدما حرر باب الخزانة ليطل إليها بوسامةٍ تخطت المعهودة عنه، وكأنه اليوم عريس يستعد لحضور حفلة زفافه، حضوره يحفه الرجولة والثراء، لم يعتاد يومًا إرتداء مثل تلك الحلى الفاخرة، مشط ياسين خصلات شعره بحرافيةٍ ونثر البرفنيوم الخاص به على جاكيته الأسود، ثم جلس على المقعد يرتدي حذائه الأنيق، وحينما وجدها صافنة بالمرآة لفترةٍ طويلة قال بذهولٍ:
_في حاجة يا مليكة؟!
استدارت إليه وعينيها تكاد تلتهمه حيًا، ومع ذلك رسمت بسمة خافتة وقالت بثباتٍ:
_غريبة إنك متشيك على الأخر كده عشان مشوار عادي زي ده!
استقام بوقفته ودنى للكومود يجذب هاتفه ومتعلقاته ويدثها بجيب بنطاله مرددًا:
_مهو أنا عندي مشوار مهم كده تبع الشغل، هقضيه وهجيلكم على هناك.
ضمت شفتيها معًا وحركت رأسها وهي تردد بمكرٍ:
_أممم… مشوار شغل!
ضيق عينيه باستغرابٍ لطريقتها الغريبة، وما كاد بالحديث حتى أوقفته قائلة:
_تمام يا ياسين، عن إذنك.
وتركته وهبطتت للأسفل ومازال يراقب طيفها بدهشةٍ، اعتصر رأسه في محاولةٍ لتذكرٍ أي شيءٍ قد فعله أثار ضيقها منه، ولكنه لم يصدر منه ما يجعلها تعامله بتلك الطريقة، كاد ياسين بأن يلحق بها فما أن فتح باب جناحه حتى وجد رائد قبالته، يردد ببسمة مشاكسة:
_ابن حلال مصفي، كنت لسه في طريقي ليك.
زوى حاجبيه بغضبٍ:
_خير، عندك أيه تاني!
انحنى رائد يعقد رابطة حذائه الأبيض وهو يتابع حديثه الهام:
_المؤتمر هيكون لمدة 25دقيقة وبعده هيكون في حفلة جوه الفندق، وزي ما أنت عارف الحفلة دي سرية ومش هيحضرها كل رجال الأعمال عشان كده هيكون في تشديدات على كروت الدعوة، فخليها معاك متنسهاش.
وتابع بتحذيرٍ:
_لازم على الأقل تكون في الحفلة نص ساعة، عشان الشكل بس.
وربت على كتفه بتسليةٍ:
_يعني المشوار الروتيني الكئيب ده يتلخص في ساعة الا ربع.
أزاح ياسين يده عن جاكيته بعصبيةٍ لحقت نبرته المستنكرة:
_هو أنت ليه سعيد وأنت بتنقلي المعلومات دي، لو حسيت إنك شمتان فيا للحظة مش هخطي برة البيت ووريني بقى هتقنع أحمد يروح إزاي!
برق بعينيه بصدمةٍ، فهبط عن غرور نبرته المتفاخرة وقال بتوسلٍ:
_لا يا ياسين أنا مبحبش أحضر التجمعات اللي من النوع ده، ما أنت عارفني مش اجتماعي ودبش!
شملته نظرة رضا وهو يردد بعنجهيةٍ:
_كويس إنك عارف قدر نفسك!
*******
هبطتت مليكة للأسفل تبحث بين الشباب عنه، فما أن وجدته حتى نادته بحرجٍ:
_أحمد، عايزاك دقيقة لو سمحت.
نهض أحمد عن الأريكة ولحق بها وهو يردد بدهشةٍ:
_أيوه يا مليكة.
حافظت على انتظام تنفسها حتى وإن كانت تضم بركان ثائر داخلها، وقالت وهي ترسم ابتسامة هادئة:
_بقولك يا أحمد هو إنتوا جاين معانا انت وياسين ولا عندكم شغل.
انكمشت تعابير وجهه بذهولٍ من سؤالها الغريب، البديهي إنه يخص زوجها، ولكن كالعادة النساء غامضة دائمًا، ربما هناك ما يعكر صفوهما لذا لجئت لسؤاله هو،لذا أجابها بهدوءٍ:
_أنا عن نفسي جاي معاكم، وأعتقد إن ياسين كمان مش هيروح المقر النهاردة والا كنت هكون على علم بده!
ازدادت شكوكها التي خلقت من العدم، ووجود أحمد هنا أكبر دليل إليها، أفاقت مليكة من غفلتها القصيرة على سؤال أحمد المتردد:
_في حاجة ولا أيه؟
هزت رأسها وهي تخبره ببسمتها الزائفة:
_لا أبدًا، أنا كنت بسألك عادي.
واتجهت للصالون الملحق بالردهة مرددة:
_عن إذنك.
تابعها أحمد بدهشةٍ حتى اختفت من أمامه، وما أن استدار حتى وجد عمر قبالته يتهامس بالهاتف بصوتٍ منخفض، انتظر أحمد أن ينتهي من مكالمته فتساءل بذهولٍ:
_شكلك يخوف، أوعى تكون بتحضر لكارثة أنت كمان!
ارتسمت ضحكة على وجهه الوسيم، فمال إليه يجيبه:
_عيب يا أحمد أنا وش كذلك!
وتابع بمكرٍ:
_ثم إني بحاول أحترم ذاتي في غياب عدي لياسين الجارحي يعمل مني بوفتيك.
شاركه المزح الرجولي مرددًا:
_متقلقش عدي لو مش موجود فأخوك رقبته سدادة.
ربت على كتفه باستحسانٍ:
_طول عمرك سداد يا حبيبي.
انضم إليهما رائد ومعتز وياسين فتبادلوا الحديث والمرح بينهم لا يترك مجلسهم، تلاشت ضحكة أحمد تدريجيًا بصورةٍ ملحوظة للشباب، فوجدوه يتأمل الدرج بصدمةٍ، تأملوا ما يجذب انتباهه لتلك الدرجة فوجدوا آسيل قبالتهم تهبط للأسفل ومازالت على قيد الحياة، لم تفقد وعيها ككل ليلةٍ، بل ترنو بكامل نشاطها، كبت عمر ضحكة كادت بالانفلات منه وهو يراقب صدمته العارمة، تجهمت معالمه حينما وجدها تقف قبالة أخيها وهي تشير له بفرحةٍ:
_شوفت خلصت في ثانية إزاي!
كز على أسنانه بغيظٍ، واندفع نحوها وهو يصيح بانفعالٍ واضح:
_أيه اللي أنتي لابساه ده يا هانم!
بدى للشباب بأنه قد وجد معاناة البحث عن حجةٍ مقنعة لسحبها لشجارٍ، مرر جاسم نظرة سريعة إليها، وردد بصدمة:
_ماله لابساها!
جذبه ياسين للخلف وهو يهمس له ببسمة ماكرة:
_متتدخلش إنت، أنا فاهم حالته كويس!
ضحك عمر هو الآخر وقد تسنى له فهم مغزى حديث ياسين، فقال هو الآخر:
_خليك بعيد يا جاسم.
تابع الحديث بينهما بصمتٍ، فوجدها تشير له بدهشةٍ:
_ماله لبسي!
ورفعت ذراعيها مرددة:
_ده اسدال شبه فراشة! شبه الملحفة!! يعني شوية وهطير!
وتابعت وهي تبرر:
_واخده من ماما ويعتبر أوسع حاجة في لبسي كله يا أحمد.
كاد بأن يدمي شفتيه وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه:
_أنا قولت إطلعي غيري اللبس ده يبقى كلامي يتسمع بدون نقاش!
خرجت الفتيات على صوته المرتفع، فقالت رحمة:
_خلاص يا آسيل إطلعي غيري هدومك وانزلي بسرعة وإحنا هنستناكِ.
أومأت برأسها باستسلامٍ، وصعدت للأعلى مجددًا ومازالت نظرات أحمد المغتاظة تلاحقها، ومن خلفه عمر وياسين اللذان يكادان ينفجران من الضحك، وخاصة حينما ركض من خلفها للأعلى!
********
أسرعت لخزانتها لتبدل ملابسها سريعًا قبل أن يغادر الجميع، فارتدت فستان بسيط من اللون الزهري واتجهت سريعًا للخروج، فاندهشت حينما وجدت أحمد قبالتها، يغلق باب الجناح ويقترب منها، ظنته أتى ليخبرها بالاسراع، ولكنها وجدته يرمقها بنظرةٍ غاضبة، تراجعت آسيل للخلف تلقائيًا حينما وجدته يرنو إليها دون توقف، فرددت بخفوتٍ:
_مالك يا أحمد؟ في أيه؟
لاحت على شفتيه بسمة ساخطة، وراح يردد ساخرًا:
_مالي يا حبيبتي ما أنا زي الفل أهو، مستحملك طول الأيام اللي فاتت وبحاول أتعامل مع الغيبوبة المتكررة اللي بتجيلك.
وكز على أسنانه وهو يردد ببسمة مخيفة بمعنى الكلمة:
_صابر ومستحمل عشان عارف إن الأمر خارج عن إرادتك، بس بدل ما تحسي بيا وبصبري اللي طال ده يوم ما تفوقي من غيبوبتك قررتي تقضي اليوم مع أخوكي عشان تحتفلي بعيد جوازه بدل ما تنقذي جوزك من الحرمان اللي هو فيه!
عبست بعينيها باستغرابٍ، وهي تجاهد لفهم ما يلقيه إليها، فقالت بذهولٍ:
_حرمان أيه! أنا مش فاهمه أنت بتتكلم عن أيه؟!
التقط نفسًا مطولًا، يبعد عنه ذاك الغيظ المميت، وتابع باقترابه منها، وتوقف فجأة وهو يمرر يده على جبهته مرددًا بتحكمٍ:
_استغفر الله العظيم وأتوب إليه!
ثم أبعد يده وهو يشير إليها:
_أنا مش عارف مالي، شكلي كده أعصابي مش تمام.
أقبلت عليه بخوفٍ وهي تتمسك بيده وتتساءل بلهفةٍ:
_مالك يا حبيبي ، أيه اللي تعبك؟!
حدجها بنظرة باردة تخفي غضبه الثائر، فقبض على خصرها ليقربها إليه مستندًا بجبهته على جبهتها، وصوته الدافئ يلفح وجهها:
_أنتي بتخلصي حقك مني يا آسيل!
وراقب شفتيها بنظرةٍ جعلتها ترتجف بين ذراعيه، وخاصة حينما همس بصوته العذب:
_أنا بعيش أيام معشتهاش أيام المراهقة!
أسبلت جفنيها بصدمةٍ، أرغمتها على الضحك وقد تبين لها باطن حديثه، فابتسم وهو يردد لها بخبثٍ:
_مبسوطة وأنتي معذباني كده صح!
ومد يده يزيح عنها حجابها فحاولت إبعاد يده عن خصرها وهي تصيح بضيقٍ:
_بتعمل أيه يا أحمد، هنتأخر على جاسم!
ردد ساخرًا:
_أخوكي مش هيحتاجك النهاردة، الليلة كلها تخصه هو ومراته!
اعترضت قائلة:
_بردو مينفعش لازم أكون معاه، ثم إن البنات مستنيني تحت.
رفع أحد حاجبيه بغضبٍ لحق نبرته:
_مش هتخرجي برة الباب ده يا آسيل وكلامي مفيش بعده نقاش!
عادت للمحايلة من جديد ومازالت تكبت ضحكاتها بتمكنٍ:
_عيب يا أحمد ميصحش!
أفرجت شفتيه عن بسمة مستهزئة:
_حبيبتي أنتي مخلتيش فيها يصح ولا ميصحش!
تعالى رنين هاتفها، فجذبته من حقيبة ذراعها وأشارت له قائلة:
_شوف رحمة بترنلي.
جذب منها الهاتف وأغلقه أمامها، ومن ثم جذب هاتفه من جيب سرواله وأغلقه هو الآخر، ثم ألقى بهما على الكومود مرددًا ببرودٍ:
_وأدي التليفونات، صدقتي إني قراري اللي هيمشي ولا محتاجة إثباتات تانية؟
أخفضت عينيها بخجلٍ حينما دنى منها مجددًا وعينيه لا تفارق خاصتها، رفع كف يده يحتضن به وجهها ليرغمها على رفع رأسها إليه، فدق قلبها كقرع الطبول حينما بدأ بأول طائفة جمعت عشقهما ومن ثم حملها إليه لتشاركه جنون عشقهما الفريد من نوعه، وبالنهاية انتصر باضرام قراره الحاسم بعدم الرحيل عن جناحهما!
*******
زفر جاسم بضيقٍ وهو يعيد الاتصال بأحمد للمرة الثالثة، ومازال عمر يراقبه بصمتٍ، هز الهاتف بعنفٍ وهو يردف:
_تليفونه مقفول!
أتت رحمة من خلفه تردد هي الأخرى:
_وتليفون آسيل كمان مقفول.
أشار لها عمر ولجاسم قائلًا بضحكة ماكرة:
_يلا يا جاسم أحمد مش جاي.
ران للشباب الأمر، ومازالت رحمة محلها تردد بقلقٍ:
_ما تطلع تشوفهم يا عمر، أنا قلقانه يكون أحمد إتخانق معاها!
ضحك معتز وردد بمشاكسةٍ:
_أحلى خناق بينهم حاليًا.
ركله عمر بغضبٍ:
_وقح!
وأشار لزوجة أخيه ببسمةٍ هادئة:
_متقلقيش مفيش خناق ولا حاجة، يلا عشان هنتحرك.
اتبعته للخارج فوجدته يستدير إليها وهو يتساءل باستغراب:
_فين نور!
ضحكت وهي تخبره:
_مصممة تيجي معانا بعربيتها.
ردد بصدمة:
_ازاي دي لسه متعلمتش السواقة!
هزت رأسها وتابعت بسخرية:
_لا ومصممة أركب معاها مستغنية عن عمري أنا واللي في بطني!
طرق بيده على جبينه وصاح بغضب:
_هتجنني أنا عارف!
وفتح باب السيارة لرحمة، فما أن أستقرت بمقعدها بالخلف حتى تحرك قائلًا:
_هشوفها وراجع.
******”
راقبت مليكة ياسين وهو يغادر بسيارته، فاستغلت انشغال الشباب بمساعدة زوجاتهم بالصعود للسيارات المصفوفة أمام البناية الخارجية لقصر آل الجارحي، فاتجهت لأحدى السيارات وطلبت من سائقها باتباع سيارة زوجها، تعلم بأنه لن ينحضر لذاك المستوى الدنيء ولكن شيئًا غريزيًا داخلها يحرضها على تتبعه، ثمة سلاحًا كان بمثابة السطو المسيطر عليها، فجعل غيرتها تزداد أضعافًا مضاعفة، ودت لو أرغمته على البقاء خشية من أن يراه أحدٌ بتلك الجاذبية المهلكة غيرها، رؤيتها لتلك الدعوة أفتكت بما تبقى بعقلها، هي بالنهاية أنثى تغار وغيرتها تتخطى الجنون أحيانًا، مثل ما يحدث لها الآن.
توقفت سيارة ياسين أمام أحد فنادق القاهرة الفاخرة، فترك بابها لفرد الآمن الذي صعد محله ليصفها بچراچ الفندق المخصص، تراجلت مليكة وطلبت من السائق الانصراف، ثم لحقت به خلسة وبحذرٍ شديد، مضت أكثر من ربع ساعة تبحث عنه وسط الوجوه، فكان يجتمع عددًا غفيرًا من رجال وسيدات الأعمال، وفجأة انصرفت مجموعة من باب صغير يؤدي لمطعم راقي للغاية، توارت مليكة وسط مجموعة من السيدات حتى تمكنت من الولوج معهن للداخل، فوقفت جوار إحدى الأعمدة المزينة وأخذت تراقب الوجوه، حتى تمكنت من رؤيته أخيرًا يجلس على الطاولة الرئيسية، ومن جواره عدد صغير من رجال الأعمال، وأمام كل رجلٍ تجلس امرأة، الا هو كان يجلس بمفرده يعبث بهاتفه تارة ويتابع حديثه مع رجلًا كبيرًا بالعمر يجلس جواره تارة أخرى، شعرت بالارتياح وندمت لما فعلته، لذا ودت أن تنسحب سريعًا قبل أن يرأها حينها لن يسامحها أبدًا.
على بعدٌ منها.
كان يقف رجال الآمن يحرصون ألا يدلف أحدٌ لا يحمل بطاقة الدعوة لمجلسهم السري، بعد أن تلاقوا أوامر مشددة من منظمي الحفل، فالتقطتها أعينهم، وارتابوا لأمرها، خاصة بأنها كانت مختبئة خلف احدى الأعمدة منذ لحظة ولوجها للحفل، وكأنها تتلصص على أحدًا، فعلى الفور إتجه لها كبيرهم، فوقف من خلفها وهو يردد بخشونة أرعبتها:
_بطاقة دعوتك لو سمحتي يا آنسة!
*******
استند عمر على جسد السيارة الأمامي بإرهاقٍ بعد محاولاتٍ عديدة لاقناعها بأنها لن تتمكن من القيادة بمفردها، فتركها تحاول وإستند على الجزء الأمامي بقلة حيلة، طرقت على الدريكسيون بغيظٍ، وهبطت إليه لتشير له بأن يحملها لتجلس جواره، فرفعها على صندوق السيارة الأمامي جواره، عبثت بقدميها بصمتٍ مطبقٍ، وشفتيها تتدلى للأسفل بضيقٍ استفز عمر فصاح بعدم تصديق:
_وكمان إنتي اللي زعلانه!
منحته نظرة مغتاظة، وصاحت بضجر:
_أنت جاي ورايا ليه يا عمر، أنا بعلم نفسي بنفسي وواحدة واحدة هكتشف الموضوع.
برق بعينيه لوهلة، وصاح باستهزاءٍ:
_تستكشفي أيه بالظبط! هي طبخة وهتحاولي تستكشفي مكوناتها!
ردت بتعصب:
_هحاول أحسن ما أتحوجلك تعلمني.
زوى بيده أنفه وهو يحرر بالأخرى رابطة عنقه هامسًا بخفوتٍ:
_الصبر على ابتلائي يا الله.
واعتدل بوقفته إليها:
_نور بلاها عناد النهاردة بذات عشان خاطري، احنا إتاخرنا عليهم، خلينا نمشي ولما نرجع أوعدك هعلمك عشان أخلص.
اتفقنا؟
طرقت بيدها على خدها بتفكيرٍ، ثم مدت يدها إليه مرددة ببسمة واسعة:
_اتفقنا، نزلني بقى وحاسب على الفستان.
ابتسم وهو يراقب طرف فستانها الأسود الطويل، فلف طرفه على ذراعه وجذبها إليه بالأخر وهو يهمس لها بحبٍ:
_الا الفستان، أنا أفديكم بروحي لو حكمت.
طوفت رقبته بيديها معًا وهي تشاكسه بمرحٍ:
_خف من رومانسياتك يا دوك إحنا في رمضان!
أشار باعتراضٍ:
_احنا بعد الفطار وانتي حلالي فين المشكلة!
ضحكت وهي تخطو خطوتين للخارج مشيرة له بغمزة ساحرة:
_شيل الفستان وتعالى ورايا، هنتأخر.
انحنى عمر وجذب طرف فستانها الطويل، ليتبعها باستياءٍ لحق قوله:
_دي خروجة عادية مش مستهلة الفستان المهلك ده!
*******
ابتلعت مليكة ريقها الجاف بصعوبة بالغة حينما وجدت الحارس يقف قبالتها، صمتها جعله يعيد مطلبه على مسمعها من جديدٍ:
_بطاقة الدعوة من فضلك!
حاولت التماسك بانفعالات وجهها المشدود وقالت بخوفٍ:
_آآ.. أنا نسيت الدعوة..
تعصبت ملامح وجه الحارس بصورة أفزعتها، وخاصة حبنما قال بحدةٍ:
_ودخلتي هنا إزاي من غير بطاقة دعوة!
وردد بالجهاز الذي يحمله بصرامة وغضب:
_هاتلي الأتنين اللي واقفين على الباب فورًا.
ارتعبت مليكة من تصاعد الأمر الذي ريثما سيصل لزوجها، فقالت بتلعثمٍ وهي تتجه بضعة خطواتٍ للخروج:
_مفيش داعي أنا كده كده كنت خارجة.
تهاونه مع الأمر قد يعرضه لعقوبةٍ شديدةٍ، خاصة بأن الحفلة تضم أشخاصًا هامة للغاية، لذا أمسك بيدها وهو يصر بحدةٍ:
_مفيش خروج من هنا غير لما نعرف حكايتك، فمن فضلك اتعاوني معانا بدل ما يحصل مشاكل.
لعقت شفتيها الجافة وهي تحاول التفكير بما قد ينجدها، فشعرت وكأن الدماء قد غادرت عروقها، ما ظنته لن يصل له حتمًا سيصبح ساطعًا كضوء الشمس، شرودها بما سيحدث لها على يد زوجها جعلها لا تلاحظ فرد الأمن الذي مازال يقبض على معصمها، وكأنها لصة قامت بسرقة شيئًا ثمينًا، وتأوهت فجأة حينما شعرت بتصلب عروق بارزة فوق يد فرد الأمن ليواجه غضب ياسين يحيى الجارحي، وخاصة حينما صاح بصوته الذكوري المتعصب:
_إنت إزاي تجرأ تمد إيدك ال** دي على مراتي!
جحظت عينيه في صدمةٍ، من المعتوه الذي لا يعلم بشأن نفوذ عائلة الجارحي، كاد بأن يصلب محله من فرط خوفه، فأخذ يبرر إليه برهبةٍ:
_أنا آسف يا باشا مكنتش أعرف إن الهانم تكون مرات حضرتك، بس والله هي متكلمتش ولا قالت شيء، واقفتها كانت غريبة فلما طلبت منها البطاقة آ…
يعلم بأنه ليس مخطئ، المخطئ هي من تقف قبالته، لذا منحه الغفران حينما قاطعه بحزمٍ:
_روح شوف شغلك أحسنلك.
غادر من أمامه وهو يردد:
_بكرر أسفي مرة تانية، عن إذنكم.
ما أن غادر من أمامهما حتى شعرت وكأنها مجردة أمام عينيه الملتهبة بحمرةٍ غضب قاتل، فوقف قبالتها يرمقها بحدةٍ وهو يردد بصوت مازال يتحكم بانخفاض مستواه:
_مصدقش عيني أول ما شوفتك!!
وجذب معصمها إليه فارتد جسدها لصدره تلقائيًا وهو يصيح بحدةٍ:
_بتراقبيني يا مليكة!
رفعت عينيها الباكية إليه، وبصعوبة قالت:
_آآ… أنا كنت بآ..
وابتلعت باقي كلماتها وهي تفرك أصابعها الباردة برعبٍ، التقط ياسين أنفاسه الهائجة بانفعالٍ، لا يعلم ماذا سيفعل بتلك اللحظة؟
لا يتوجب عليه ترك الحفل في الدقائق الأولى، ولم يعتاد إليه اختراق قانون ياسين الجارحي الأساسي إليهم بحضور زوجاتهم لمثل تلك الحفلات التي يملأها الخمر والعري ونظرات الرجال الكاسرة لحاجز الرجولة، ود لو أن يقتلها في تلك اللحظة، وخاصة حينما اقترب منهما مؤسس الحفل برفقة زوجته الغربية، ليتساءل باهتمامٍ:
_في حاجة يا باشا، شايفك واقف مع أفراد الأمن من ساعتها، لو في مشكلة عرفني بيها.
وانتقلت عينيه لتلك الفاتنة جواره وهو يعود ليتساءل:
_مين دي؟
أجابه وهو يضم يدها إلى يده:
_ مفيش مشاكل، زوجتي مكنتش عايزة تقعد معانا على تربيزة الشغل عشان الملل، بس غيرت رأيها وحابة تنضم لينا.
تفحصتها نظرات تلك المرأة الجريئة، كانت ترتدي فستانًا قصيرًا للغاية بالكد يخفي ركبتها، وصدرها مكشوف بشكلٍ مقزز، ومع ذلك هي من تقابلها بنظرات مستحقرة لحجابها وملابسها المحتشمة وكأنها من تتعرى هنا وليس هي!
فرسمت بسمة متكلفة وهي تشير للطاولة:
_أهلًا بكِ عزيزتي، انضمي إلينا وأعدك ألا تشعرين بالملل برفقتنا.
ومالت تقبل زوجها بجراءةٍ:
_أليس كذلك عزيزي.
بادلها الرجل الغرام المتدني بطريقة جعلت مليكة تشهق بصدمةٍ، فرفعت عينيها لزوجها فوجدته يصوب إليها نظرة نارية لما وضعت ذاتها به، ومع ذلك عليه بالحفاظ على ثباته كونه وجهة آل الجارحي المشرفة، فأجبرها على الخطى معه للطاولة، وأجلسها على طرفها وهو يعبث بالسكين من أمامه ليصدر صوتًا حادًا يسكن نيرانه المقتادة، ارتعش جسد مليكة رعبًا فلأول مرة تراه بتلك الحالة الغاضبة، ليت تلك الليلةٍ الباردة تمر مرور الكرام، راقبت المكان بنظرةٍ متفحصة فلم تجد سوى المحرمات في شهرٍ فاضيل هكذا، فمرت بعينيها على مقعد ياسين الحامل لجاكيته فوجدت أمامه كوبًا من العصير وكأنه المنفرد من بينهم جميعًا، شعرت بالذنب وبخطيئة ما ارتكبته بحقه، ولكن ماذا ستفعل أمام بركانه الثائر!
_هل تسمح لي السيدة الفاتنة برقصة؟
ما كان ينقصها سوى هذا اللعين الذي يعرض عليها أن تشاركه الرقص، ابتلعت مليكة ريقها بصعوبة، وانتقلت نظراتها تلقائيًا لياسين، الذي أدمى شفتيه معًا ويده تطوف سكينه المعدني القريب من طبق اللحم أمامه، وكونه عاقلًا لن يسمح للصحافة الممتلئة للمكان من حوله بالتقاط تلك الاساءة بحق عائلته، لذا تصرف بعقلانيةٍ ورسم بسمة خافتة وهو يشير إليه:
_أعتذر لك، زوجتي ستشاركني أنا بالرقص.
ونهض عن الطاولة ثم جذبها للمنصة حتى لا يتيح لأحدٌ عرض الرقص عليها، لا يود اختلاق أي نوعًا من المشاكل، يترقب مرور الثلاثون دقيقة بفارغ الصبر ليغادر بها الآن في تلك اللحظةٍ، اختياره للرقص معها كان أبشع قرار يتخذه لا يريد لاحد رؤيتها أو لمحها، ولكنه مجبور حتى يتلاشى المشاكل التي ستخلق حتمًا.
اعتصر خصرها بين يده وصوته المحتقن يهدر من بين اصطكاك أسنانه:
_اللي عملتيه النهاردة ده عقوبته عندي أكبر مما تتخيلي.
وطعنها بنظرة قاتلة وهو يتحرك بها:
_انعدام ثقتك فيا جريمة مش هسامحك عليها مهما كانت أسبابك.
انهمرت دمعة من عينيها، فرسم بسمة مصطنعة لاحد رجال الأعمال الذي يتابع الرقص برفقة زوجته لجوارهما، وعاد ليردد:
_الحفلة ملانة صحافة، شوفي بقى لما ياسين الجارحي يشوفك على غلاف المجلات والجرايد، ويعرف إنك جيتي هنا برجليكي.
واسترسل بحدة:
_ياسين الجارحي عمره ما سمح لحريم بيته يظهروا في أماكن زي دي، مانع ظهوركم معانا في أي حفلات فيها القذارة اللي تستباح حريم بيته، هينبهر لما يلاقي بنته اتخطت قوانينه.
ولفها إليه وهو يتابع:
_أوعدك مش هحميكي من غضبه لإنك تستاهليه.
أشعل ضوء الكاميرا هاجسها، فالتفتت لتجد أحد الصحافين يلتقط إليهما صورة، انقبض جسدها وارتجف بين يديه وتدفقت دموعها دون توقف، فتوقف عن الحركة بها، وإتجه للطاولة فجذب حقيبتها وألقاها إليها ثم جذبها للخروج فاتبعته السيدة مرددة باستغراب:
_إلى أين سيد ياسين، مازال الحفل بالبداية!
استدار لها وأخبرها بلباقةٍ:
_أعتذر منكِ سيدة أماندا، ولكن زوجتي لا تعتقد بأنها بخير.
تقبلت دعواتها المزيفة بالشفاء العاجل ببسمة رسمتها بصعوبة واستجابت ليد زوجها القابضة عليها، فما أن خرجت معه حتى توقف بها، فتركها وعاد لأحد رجال الأمن يهمس له بشيءٍ لم تستطيع سماعه، ثم عاد لها فجذبها مجددًا لخارج الفندق ينتظر السيارة التي أتت إليه برفقة أحد العمال، فصعدوا إليها وظل ياسين داخل سيارته لدقائق، حتى عاد إليه الأمن يقدم له شيئًا لم يكن واضحًا لمليكة، كل ما تمكنت من رؤيته حزمة المال الذي قدمها ياسين للرجل، وبعدها انطلق عودة للقصر.
طوال الطريق ساد الصمت بينهما، صوت أنفاسه المتعصبة كانت تعلو كالجمرات المشتعلة، اهتز كف يدها وهي تقربه من يده الموضوعة على متحكم الفرامل، فأطافته بيدها وصوتها المبحوح يناديه:
_ياسين!
سحب كفه بعيدًا عنها وهو يشير لها:
_مش عايز أسمع صوتك وده لمصلحتك عشان مأذيكيش!
ابتلعت باقي كلماتها بجوفها، والتزمت الصمت حتى توقف بسيارته داخا چراچ القصر، فاستدارت بجلستها إليه تتوسل له ببكاءٍ:
_ياسين عشان خاطري متقولش لبابا حاجة.
استدار بوجهه إليها، وردد بعدم تصديق:
_ده اللي فارق معاكي!!
أخفضت وجهها للأسفل حرجًا، فصاح بعنفٍ لم يسبق لها رؤيته منه:
_مش فارق معاكي اللي عملتيه، مش فارق معاكي شكلي قدامهم كان أيه مع إني حاولت أنقذ كرامتك وشكلك قدامهم بس الكل كان عارف أنك جاية ورايا بتراقبيني!!!
وصرخ باهتياجٍ:
_مش فارق معاكي إن أهنتيني بشكوك ومراقبتك ليا!!
وسألها بغضب:
_قوليلي شوفتي أيه مني يخليكي تراقبيني؛!
وصرخ بها:
_ساكتة ليه ما تنطقي!!!
******
بالحديقة..
كان يجلس ياسين وآية برفقة الأولاد بعدما غادر جميع من بالقصر، كعادته يستمتع بلحظاته برفقة أحفاده وبالأخص برفقة رحمة وحلا، كان يحمل إحداهن على قدمٍ والآخرى على قدم، يستمع لرحمة وهي تخبره بطفولية:
_جدو أنا نفسي يبقى عندي اسطبل خيول.
ابتسم وهو يتساءل بفضولٍ عن سبب حلمها الغريب:
_ليه؟
أجابته ببسمة واسعة وهي تراقب يحيى الذي يجلس بعيدًا عنهم يتابع قراءة كتبه التي لا تفارقه أينما كان:
_عشان أدي ليحيى خيل أبيض وآ..
بترت جملتها ببسمة جعلت ياسين يبتسم هو الآخر، فطبع قبلة على جبينها وقال بخبث ومرح:
_يحيى عايز مكتبة كتب مش خيل يا رحمة!
تعالت ضحكات آية وهي تراقبهما، فحملت حلا عن قدمه وطبعت قبلة على خديها، ثم أشارت لزوجها بضجر:
_كده يا ياسين مش قولت هنطلب لبس الأولاد أون لاين عشان بعد بكره هنقضي اليوم معاهم بالدار ونقدملهم الهدايا واللبس.
منحها نظرة حنونة ثم أشار على حلا ورحمة:
_أنتي شايفة بعينك أهو، أول ما لقونا قاعدين تحت قاعدة رايقة لفوا حولينا!
ضحكت وهي تخبره:
_بيحبوك وبيحبوا يقعدوا معاك.
غمز بعسليته:
_معايا أنا بردو!
صححت له بحب:
_معانا.
هز رأسه وأشار لرحمة بحنان:
_روحي إلعبي مع مريم وليان يا حبيبتي.
ركضت الصغيرة لمشاركة الفتيات اللعب، بينما على مسافة منهم كان يلعب الأولاد بمفردهما دون مضايقة الفتيات أو الاختلاط بما هو حد خطير لهم، وعلى بعد منهم يجلس ياسين برفقة آية، يحاول مساعدتها في اختيار ملابس العيد لدار الأيتام الخاصة بها «آية الرحمن»، كما نسبه هو لها، ذاك الملجئ الذي كان سببًا في عودة حفيده الأكبر ياسين، مازال يحمل معزة كبيرة تخصه، بعدما زرع الخير وحصده بعودته لأحضانه..
قطع مجلسهما عبور تلك السيارة فرددت آية باستغراب:
_هما رجعوا بدري ليه كده؟
ضيق عينيه في محاولة تحديد كناية السيارة، فقال بصوته الرخيم:
_دي عربية ياسين.
لم يتسنى مرور الدقائق وتسرب لهما صوت ياسين المنفعل، فنهضت آية واتجهت إليهما بقلق وخاصة حينما لمحت مليكة تبكي لجواره.
******
سحب ياسين مفاتيح سيارته وهبط منها ليتجه للأعلى، فكادت مليكة بأن تلحق به إلى أن أوقفها صوت والدتها المنادي:
_مليكة!
التفتت إليها بارتباكٍ تضاعف حينما رأت أباها يجلس على بعدٍ منهما، فازدردت ريقها الجاف وهي تحاول اخفاء دموعها:
_نعم يا ماما.
اقتربت منها آية وتساءلت بشكٍ:
_في أيه وياسين متعصب ليه بالشكل ده؟
واسترسلت بدهشة:
_وبعدين إنتي مش كنتي مع عمر وجاسم والبنات، أيه اللي مرجعك مع ياسين!
وصاحت ببعض الحدة:
_فهميني في أيه بالظبط؟
ارتعبت وكادت أن تقتل ببطءٍ وخاصة حينما نهض ياسين عن مقعده وكان بطريقه إليهما، لم ترى زوجها الذي توقف عن استكمال طريقه للأعلى ووقف يراقبهما، فما أن وجد ياسين الجارحي بطريقه لزوجته حتى هبط وحاصرها بذراعه وهو يمنح آية بسمة هادئة لا تناسب حالته بالمرة:
_ممكن أخطف منك مراتي، أنا لسه خاطفها من وسط الشباب عشان نقعد مع بعض شوية!
منحته نظرة مندهشة، هي لم تتوهم سماع صوته المتعصب، ومع ذلك لم ترغب بالتطفل عليهما فقالت بلطفٍ:
_طبعًا يا حبيبي اتفضل.
صعد بها ياسين للأعلى، ومازالت آية تراقبهما بدهشةٍ، أفاقت من شرودها على يد ياسين الممدودة إليها وهو يسأله بنظراته المتفحصة:
_واقفة كدليه يا آية؟
تطلعت إليه وهي تردد بتشتتٍ:
_ياسين أنا متأكدة إني سمعتهم وهما بيتخانقوا!
وبقلقٍ قالت:
_إطلع وراهم وشوف في أيه أنا خايفة على البنت.
ابتسم وهو يضمها إليه، مرددًا وعينيه تراقب الدرج بنظرة عميقة اتسعت نبرته:
_بنتك متجوزة راجل قادر يحميها من أقرب الناس ليها تفتكري مش هيحميها من غضبه!
ورفع وجهها المبتسم إليه وهو يردد بغرور وثقة:
_أنا عارف أنا إختارت لبنتي مين!
*****
بالأعلى.
ما أن ولج لجناحه حتى إنفك عنها، فحل رابطة عنقه بغضبٍ وفتح أزرار قميصه عل الهواء يصل لقصبته المشتعلة، جاب الغرفة ذهابًا وإيابًا بثورةٍ تكاد تحرق ملامحه، ومازالت تقف ورأسها مطموس بالأرض، جلس ياسين على حافة الفراش يتطلع إليها بصمت طال بينهما فقطعه بصرامة:
_منتظر إجابة لسؤالي.
رفعت عينيها إليه بعدم فهم، فصاح بها بهدوء حذر:
_شوفتي أيه يخليكي تشكي فيا وتراقبيني!
بكت بصوتٍ مسموع ومن بين بكائها رددت:
_أنا آسفة يا ياسين صدقني أنا معرفش عملت كده إزاي.
حرك وجهه يسارًا ويمينًا وقدمه يهتز بعنفٍ، في محاولةٍ بائسة للتحكم بكافة انفعالات جسده المتعصب، فنهض فجأة تجاهها لدرجة جعلتها ترتد للخلف وهي تخفي وجهها برعبٍ جعله يقف مصعوقًا، متخشبًا محله، طال بها السكون فاعتدلت بوقفتها تتفحصه فوجدته يبرق لها بصدمة، تحرر عنه لسانه ليخبرها بوجعٍ استطاعت لمسه جيدًا من كلماته:
_ثقتك فيا مش مهزوزة من الخيانة بس، لا من كله!
وتابع بألمٍ:
_أنا بحاول أشوف الصورة الجديدة اللي في عيونك ليا وهتبقى كارثة لو طلع إحساسي صح! انتي متخيلة إني ممكن أمد إيدي عليكي بجد!!!
وكور يده بعصبية جعلتها تكاد تنفجر من شدة قوته، فتلجلجت الكلمات عن منطقها لذا عاد للفراش يسحب جاكيته من جديدٍ وإتجه ليغادر المكان بأكمله قبل أن يحدث ما لا يحمد أبدًا، لحقت به مليكة للخارج باكية، فنادته ببكاء:
_ياسين استنى، أنا آسفة.
_ياسيــــــــن أرجوك اسمعني.
لم يعيرها إنتباهًا فاتجه للمصعد ليستقله، فكانت فرصة لها بأن تصل إليه قبل أن يدخل إليه، فتمسكت بذراعه وهي تردد ببكاءٍ:
_خلينا نتكلم من فضلك آ…
ابتلعت باقي كلماتها بصدمة جعلت ياسين يتطلع داخل المصعد، تحديدًا لما تتطلع إليه، ليجد ياسين الجارحي يقابله، ونظراته تحيطهما، ومن ثم خرج صوته النافذ بثباتٍ:
_حرم كمال السواح بتتصل مخصوص عشان تطمن عليكي، قالت إنك تعبتي في الحفلة النهاردة!
جحظت عينيها صدمة، فتراجعت للخلف وبالأخص خلف ظهر زوجها، يدها معلقة بقميصه، تحثه بصوتٍ مهزوز، متوسل:
_ياسين!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية ترويض الشرس (احفاد الجارحي 5))

اترك رد

error: Content is protected !!