روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الثلاثون 35 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الثلاثون 35 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الخامس و الثلاثون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الخامس و الثلاثون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الخامسة و الثلاثون

~… حادث وطريق آخر للقلب …~
دق الهلع بقلب فرحة ، من خلف ما يحدث لها الآن ؟! …. وبأي شيء تستطيع انقاذ نفسها من هذه الكارثة ! … حتى أنها لا تسطع الصراخ!
ولم يكتفوا فقط بقيدها ، بل عصبوا عينيها عن الرؤية بشريط أسود قاتم، واصبحت مقيدة تمامًا عن الحركة والرؤية وحتى النطق!
وبعد ما يقرب بحوالي الساعة تباطئت سرعة السيارة رويدًا حتى وقفت تمامًا ، وترجل منها الخاطفين ليجذبوها بقوةً من ذراعيها ويدفعوها لداخل مبنى قديم ، على قدر رحابة مساحته ولكنه يبدو كشجرة قائمة من زمن الأساطير وهجرها صباها ، فأصبحت هيكل لا روح فيه ، قائم كالتمثال فقط.
وبغرفــة واسعة داخل هذا القصر المهجور زُجت فرحة بدفعة غادرة قوية ، وسقطت على الأرض وهي تتأوه باكية ويديها مغلولةً بحبلٍ سميك…. حتى انتبهت لخطواتٍ تقترب! ، تقترب اتجاهها تحديدًا فاعتدلت بصعوبة وهي تزدري ريقها برعب …
نفحت أنفاسه رائحة تبغ مميزة وهو يقترب إليها ويهمس بصوتٍ به رنة منتصرة:
_ ها إيه رأيك ؟! …. عرفتي بقا أنتِ بتتحدي مين ؟! أقل من ساعة وكنتِ قدامي هنا … الوصول ليكِ أسهل مما تصورت…تخيلي ؟!
تنفست فرحة بسرعة عالية وهي تستجمع في ذاكرتها وتبحث عن صاحب هذا الصوت ، ولكن يا للغباء التي شعرت به عندما ادركت أنه هو ….”زايد” ، ذلك الشاب المتعجرف الأحمق ، فهزت يديها بغضب وهي تحاول فك قيدها …
ابتسم زايد بسخرية على محاولاتها الفاشلة ، وقرر ترك بعض الحرية لها ، فسحب عن فمها اللاصقة وعن عينيها العصبة السوداء …. ثم نظر لعينيها الحمراء الباكية وقال بابتسامة شامته:
_ ما اعتقدتش أنك اتصدمتي كتير ! ، كان لازم تعرفي من أول لحظة أني أنا ورا اللي بيحصلك …. واللي هيحصلك.

 

نطقت فرحة بغضب يفتك غروره :
_ كان لازم بدل محضر واحد اعمل فيك أنت كمان ، لأنك أكتر من أخوك حقارة وإجرام …
مط زايد شفتيه باستهزاء ورد قائلًا بابتسامة ماكرة؛
_ هو مش هيكون في محاضر خالص لمعلوماتك ، بس فكرة أني اتحدى حد ضعيف وبيقاوح وعايز يقف قصادي بالشكل ده… دي فكرة مغرية جدًا بالنسبالي …
هتفت فرحة بصوتٍ عنيف قائلة:
_ لو أنت مش عارف أني أقدر مكنتش جبتني هنا ! ، ومكنتش كلمتني وحتى ما عندكش الجرأة تفكني ! …. كان عندي بُعد نظر لما عرفت أنك جبان من أول مرة شوفتك.
اسودت عينا زايد وبدأ غضبه يتصاعد منها ، ولكنه اقترب بعصبية وفك قيدها بحركة عنيفة المتها …. وما كاد أن يلقي الأحبال من يده حتى وجد دفعة قوية من يدها جعلته يترنح !
اتسعت عينيه بدهشة وهو يعتدل واقفًا ، بينما انفلت زمام السيطرة من أعصابها وهوت على وجهه بصفعة موجعة … لم تحسب لأي شيء حساب ، لم تستمع سوى لغضبها وعناقيد الانتقام بنفسها.
واصبحت عينيه كالجمر الأسود من الغضب ، ويده على خده بنظرات قاتلة لها ، لم تنكر أنها ارتعدت بداخلها ، ولكن عليها أن لا تظهر ذلك …. حاول الرجل الذي خطفها الاقتراب والتدخل …بينما أشار له زايد ليبتعد وعينيه مُسلطة عليها بوعيد شرس ….
نظرت فرحة حولها جيدًا بنظرات خاطفة ، علها تجد شيء تستخدمه للدفاع عن نفسها، وقدميها تبتعد لتوسع المسافة بينهما ، واقترابه كان نذير خطر جعلها ترتجف رعبًا.
وقعت نظراتها على سلسلة من الحديد “جنزير” ملقاه على بُعد خطوتين من جانبها الأيمن ، فركضت فجأة لها قبل أن يسرع إليها زايد وسحبتها بخطفة عابرة لتصبح السلسلة المعدنية بيدها ….. صرّ زايد على أسنانه بعنف من وقوفها أمامه بتلك الجرأة والقوة ……
وظن أنها لن تفعل بها شيء سوى التهديد بها فقط من بعيد ، ولكنه ما أن تقدم خطوة واحدة مقتربًا حتى ضربته فرحة على قدميه بقوة ….. تألم زايد وتأوه صارخا من الألم وهو يتحسس موضع الضربة ، والتي يبدو أنها تنزف دمًا أسفل ملابسه…
بعدما قرر بشكل قاطع أن ينتقم منها أشد انتقام أتى والده فجأة مسرعا للغرفة وأوقفه بعصبية :
_ خليك في مكانك يا زايد أوعى تقرب لها !
تفاجأ زايد من وجود والده وقال :
_ مين اللي قالك أني هنا ؟!
تنفس والده بسخط وغضب ثم أجاب :
_ اللي قالي قالي مش ده المهم ، المهم أني لحقتك قبل ما تتهور وتوقعنا في مصيبة أكبر من مصايب أخوك !
التفت زايد ناظرًا لفرحة بشراسة وقال :
_ اللي في دماغي هنفذه مهما كانت العواقب …
مضى والده ليه وهزه بعنف من ذراعيه بصياح :
_ فوق من عصبيتك وتهورك بقا ، لأمتى هفضل اصلح غلطاتك أنت وأخوك ! … أمتى هتعقلوا بقا ! الدنيا مش بالدراع زي ما انتوا فاكرين كده !
اطمئنت فرحة بعض الشيء لوجود والده ، وصرخت ببكاء معلنة ما بداخلها :
_ أنا همشي من هنا بس مش هعدي اللي حصل ده غير لما أخد حقي ، وهوديكم كلكم في داهية.
نظر الرجل لأبنه زايد بنظرة قوية تجبره ألا يتحدث ، ثم استدار لفرحة ولانت تعابير وجهه قليلًا وقال:
_ وإيه دليلك ؟! ما ممكن على ما تروحي تشتكي نكون اتصرفنا برضو ولفقنالك تهمة !
هزت فرحة رأسها بتأكيد ، فهي لم تحسب الرجل ملاكا وهؤلاء أبنائه ! ….. قالت بكراهية:
_ ايوة بانو على حقيقتكم كلكم ، كلكم أسوأ من بعض ، ماصدقتش وش الطيبة اللي كنت رسمه لنفسك قدامي.
ظهر على وجه زايد أنه على وشك الأنفجار ، فرد أبيه عليها بهدوء قائلًا:
_ أنا قولت ممكن ! …ما اكدتش أني هعمل كده !، المرادي أوعدك أن محدش هيتعرضلك تاني بأي أذى … اتفضلي أخرجي وهبعت السواق بتاعي يوصلك لبيتك…. بس خليكِ فاكرة أني اقدر اعمل كتير ، طالما أنتِ بخير يبقى الأفضل تفكري بعقل…

 

أتفضلي.
رمت فرحة نظرات كره وغضب لكلاهما ، وخرجت راكضة من المكان المغلق تقريبًا والمعبأ بالتوتر والضيق …
عاد الرجل واقفًا أمامه أبنه بغيظ وقال :
_ أنت ليه مصمم تودينا في داهية ؟! … أنت كنت ناوي تعمل فيها إيه ؟!
تشنجت عروق عنق زايد من العصبية المفرطة ، وهو الذي لم يستطع حتى رد كلماتها خلافا عن الضربات الموجعة التي اصابته! …. فقال بتوعد :
_ مكنتش ناوي اعمل اكتر من كارت تهديد لو أصرت تعمل اللي في دماغها ، بس دلوقتي ناوي اعمل كتير ومش هرحمها.
أطبق والده شفتيه للحظات بغضب ، ثم قال بأمر:
_ أنت وأخوك أكبر بلوى ابتليت بيها ، ناويين تضيعوا كل اللي بنيته في سنين ، استفدت إيه من اللي عملته دلوقتي بغبائك ده ! ، ليه أول حل بنسبالك هو التهديد لما ممكن تستخدم مخك شوية وتحلها ودي !
هتف زايد بأنفعال :
_ هو ده اللي اتعلمته منك ! ، أنا مجبتش حاجة جديدة عليك ! ، جاي بعد السنين دي كلها وتقولي أهدا وفكر ! … أنت لا علمتني الهدوء ، ولا علمتني أفكر بهدوء !
وتابع بسخرية بها طيف من المرارة :
_ كل ما تكلمني تقولي أهدى وفكر وبلاش العنف ! …. مع أن أنت أول واحد علمني يعني إيه قسوة ، ويعني إيه مايهمنيش مخلوق حتى لو كنت أنا غلط ، علمتني الأنانية والغرور وجاي دلوقتي بتخلي مسؤوليتك وبتلومني ! ….
تأفف الرجل الأشيب بضجر من فتح سجلات الماضي مجددًا وقال :
_ وبعدين ! …. مالوش لزوم نفتح القديم يا زايد !
ضحك زايد ضحكات عالية بمنتهى الاستهزاء ، ثم نظر لوالده بنظرة معذبة وغاضبة قائلا :
_ عشان ما بتحبش تواجه نفسك بغلطك ، شايفني وحش …. بس ماشوفتش أن السبب في اللي أنا فيه هو أنت ! …. لا أنا عارف اتغير …. ولا أنت هتبطل تشوفني كده ، يبقى سيبني زي ما أنا وبلاش تحسسني أنك كنت الأب المثالي وأنا الأبن الضال! … وبلاش أفكرك أني اتسجنت خمس سنين من عمري في مستشفى أمراض نفسية وكنت أنت السبب!
قال ممدوح محاولًا امتصاص غضب أبنه :
_ عشان كده مستحملك يا زايد ، مش لأني شايفك وحش بنصحك وبصلح وراك ، لأني معترف أني غلطت في حقك أنت ووالدتك كتير … للأسف هي ما استنيتش ولا صبرت عليا …. و…انتحرت !
ظهر تأجج العذاب والألم بعينان زايد ، ونظر لوالده بنظرة اتهام صامته والدموع تتلألأ بعينيه على ذِكر والدته ….. تشنجت عروق رقبته بشكل واضح ، ويبدو أنه يكبت موجة من الهيستريا التي تلحق به كلما وقف عند تلك الدرجة من الغليان العصبي ….
ثم تحرك بخطوات واسعة وسريعة للخارج كأنه هارب من ذنبٍ عظيم ، ودخل سيارته والدموع تلتمع بعينيه السوداء ولم يتوقف لأي صوت يناشده ويأمره بالوقوف.

 

**********
وقف الجد أمام سيارته بنظرة دقيقة ، فخرج رعد من السيارة بتعابير وجه لا تنذر بالخير …. اقترب لجده ووقف أمامه لدقيقة صامتً ….فقال الجد بقلق :
_ أنت قولتلها إيه ؟!
تنهد رعد بعصبية وقال:
_ اللي قولته ، واللي هي قالته ، وكل اللي بيحصل ده أنت السبب فيه يا جدي.
رد عليه الجد بضيق وقال :
_ أنت اللي عنيد وجايب الغلط عندي !
هز رعد رأسه بيأس وحزن قائلًا :
_ لأ …. إجبارك لينا في كل حاجة فاتت هو السبب في اللي أنا فيه دلوقتي … كنت فاكر أنك جبت البنات هنا تصلح الأمور بينا وتخلينا نختار بعض برضانا ، أنما أنت جبتهم عشان تتحدانا ، ياريت تعرف من دلوقتي أنك بالشكل ده بتفرق مابينا أكتر !
نظر له الجد بصمت تام ، نظرة مرتبكة تظهر خشيته من حقيقة ما قاله رعد …. ذهب رعد مبتعدًا اتجاه سيارته وترك جده واقفًا متخبطا في أفكاره …. ثم نظر لرضوى التي تاهت عينيها للبعيد بشرود حزين ، وللحظة دق قلبه خوف من مسار خطته التي يبدو أنها تسير بالطريق الخطأ !
*******
وفي خضم الزحام بطريق السير ، كانت تركض سيارة بأعلى سرعتها كأن من يقودها بحالة سُكر أو شبيهتها …
عينان مصوبتان على الطريق الذي تقريبًا لا يرى منه شيء ! ، عينان دامعتان يكبلهما الحزن ويطوقهما بأسياج من ذاكرة الماضي المتقدة بنيران القسوة والحرمان ….
لا ينفك أبيه أن يُلقي عليه وابل من الوعظ وأشارة غير مباشرة أنه فاشل ! … بالكاد استطاع أن يثبت له بسنوات قليلة أنه ليس كذلك … ولكن في نفسه سيظل ذلك المريض النفسي الذي يرى كل شيء ضبابي ، أسود قاتم ، رؤية فولاذية للوحة سوداء ! …
قد ظن الكثير أنه تعافى ، ولكنه بقرارة نفسه يعرف أنه يحمل مدخر هائل من الثورة الغاضبة ، تنتظر فقط الأنفجار لتعلن عن نفسها …..
ضرب زايد المقود بغضب شديد ، وصورة والدته الراحلة أمام عينيه معلقة بحبل بسقف أحدى الغرف الفندقية … وكانت محاولة انتحار ناجحة وقعت أمام عينيه البريئة طفلًا لم يتعدى العشر سنوات …
وفجأة أسودت الرؤية أمامه ، بعدما تم أصطدام سيارته بسيارة أخرى وتلقى ضربة عنيفة على رأسه من قوة الأصطدام.!
آخر ما شعر به هو تجمع حشد غفير من البشر حوله وأصوات تستغيث بطلب الأسعاف …. كان يردد فقط كلمة واحدة قبل أن يتيه بغيبوبة …
_ أمــي ..
*******
عند خروج الفتيات والشباب من الفندق ، ابتسم يوسف لحميدة وقال بتلقائية :
_ النهاردة مالحقتوش تلفوا على كل المحلات ، المرة الجاية هاكون معاكم بأذن الله.
أخفت حميدة رفرفة ابتسامة عندما تذكرت تحذير جدها وقاات برسمية:
_ مافيش داعي … طالما جدي معانا يبقى مافيش داعي تتعب نفسك.
أصر يوسف وقال :
_ مافيش تعب ولا حاجة ، بس ماينفعش تبقوا لوحدكم حتى لو جدي معاكم …. وكمان هو مش كل مرة هيكون معاكم ، صحته هتتعب كده.
لم تتجادل معه حميدة بل تظاهرت بالتجاهل التام لحديثه ، فسرق نظرات جانبيه لها بتعجب ، كان يظنها ستفرح للأمر وتستقبله بالموافقة والترحاب !.
بينما سار آسر بخطوات هادئة كي يساير خطوات سما ، وعندما وجد اللحظة المناسبة قال لسما بتحذير:
_ لما أقولك على حاجة لأ يبقى لأ ، ماتنسيش أني أبن عمك ومن حقي أخاف عليكِ ، ومن حقي كمان لما أشوف لبسك مش عاجبني أنبهك وأحذرك …
قالت سما بسخرية:
_ هو اللبس اللي جبته مش عاجبك ؟!

 

رد عليها آسر بغيظ :
_ آه ، وبالذات الفستان الأسود! …
ابتسمت سما بخبث ولم تتفوه بحرف ، فزفر آسر بعصبية عندما لاحظ نظرات عينيها التي تضمر الكثير وقال :
_ لو الفستان ده اتلبس مش هيعجبك رد فعلي … أنا عارف أنك عنيدة وواخدة وضع التحدي دايمًا … بس هنا مش زي البلد خليكِ فاكرة!
قالت سما بهدوء أثار غيظه أكثر :
_ الفستان محترم ، وأنت مالكش عندي حق ، واحمد ربنا أني سيباك تتكلم معايا …
ضيق آسر عينيه بنظرة غاضبة تحذرها ، ولكنها مضت في سيرها كأن ليس له وجود بالأساس ….
تسحبت نظرة جاسر نحو جميلة ، التي يبدو تنتظر أي لمحة منه كي تتشاجر معه … ابتسم وهو يسير واضعا يديه بجيوب بنطاله بثقة عالية …. ثم قال بخبث :
_ بما أني سمعتك وأنتي بتقولي مقاساتك في المحل … فأنتظري مني هدية هتعجبك يا أبنة العم …
قالت جميلة بسخرية ولم تلقي عليه حتى نظرة جانبية:
_ خليهالك … مابقاش إلا أنت اللي هاخد منه هدية كمان ! … هنخيب ولا إيه ؟!
رفع حاجبيه بنظرة قوية وقال :
_ مابقاش إلا أنا ؟! …. مالي يعني ! .
قالت بابتسامة جاهدت كي تواريها عن أنظاره :
_ مش بطيقك ياجدع … بستتقل دمك.
استطاعت بنجاح أن تستفزه وتثير أعصابه ، فقال لها بتحذير :
_ ما تستفزنيش … عشان لو حطيتك في دماغي هخليكي تولعي في نفسك، بس صحيح يا جميلة … هو إنتِ مش راضية تخليني أشيل الشنط اللي معاكِ دي ليه ؟ … هي فيها إيه ؟!
قالها وقد عادت لثغره ابتسامة ماكرة ، فغضبت جميلة وارتبكت بعض الشيء … ثم قالت بغيظ :
_ فيها رخامة وحشرية … تاخد شوية ولا أنت مستكفي ؟!
اتسعت ابتسامته بأستفزاز ثم قال :
_ سبحان الله … كل البنات اللي عرفتها كانوا بيموتوا واسألهم عن أي حاجة ، أفتكر مرة كنت مع توتو بنعمل شوبينج … سألتها عن شيء كده فضحكت و….
لم يكمل حديثه حتى وقعد أحد الأكياس التي تمسكها جميلة تندفع على وجهها بلطمة قوية … ثم نظرت له وهتفت به بعصبية وبداخلها تئز غليان :
_ أنت قليل الأدب ومش محترم … وأنا مش توتو عشان تكلمني كده !
وقف الفتيات والشباب ينظرون لجاسر الذي يتطلع بجميلة بغضب …. وصاحت جميلة به أكثر وعينيها تلتمع بوميض غامض :
_ لو ما احترمتش نفسك معايا مش هتلاقي مني غير الإهانة ، أنا بنت جاية من الريف ، يعني جزمتي بس بمليون واحدة زي توتو بتاعتك السافلة دي !
أطبق جاسر على شفتيه بعصبية حتى ركضت جميلة متحكمة بغضبها بقدر ما استطاعت ، وجلست بجانب رضوى بسيارة الجد …
ذهبت سما وحميدة خلفها ، فقال يوسف بعتاب لشقيقه جاسر:
_ أنت هتقارن بنت عمك زي اللي كنت بتخرج معاهم !
قال جاسر بغيظ :
_ لسانها أطول منها ، بس والله ما أنا سايبها غير لما تسلم.
رد آسر بتحذير:
_ ماتفوق يا جاسر !… دي بنت عمك ! .. يعني مش زي البنات اللي كنت بتعرفهم !
رد جاسر بحدة وقال :
_ بنات إيه ؟! … وهي لو زي البنات دي كنت هسيبها تخرج اصلًا ولا تشوف الشارع؟! … بس بتغيظني وبتعرف تستفزني ! … أنا مضايق ومش طايق حد ! ولا طايقك أنت كمان يا يوسف !
قال يوسف كاتما ضحكة :
_ وأنا مالي ! …..لأ وأنت اللي فضولك واخدك تعرف اشترت إيه ، اديك اضربت بنفس ذات الشنط !
صرّ جاسر على أسنانه بغضب فقال يوسف معتذرًا :
_ أنت هتبلعني ولا إيه ؟! …. لا أستنى ، نروح ونتعشا الأول.

 

 

سأله آسر بتعجب :
_ أنت مش اتعشيت يابني ؟! ….
شرد يوسف بابتسامة شاعرية وقال بهيام :
_ كل ما بشوفها بحس أني جعان حتى لو لسه متغدي … مش عارف ببقى جعان بجد ، ولا الحب سعراته الحرارية عالية وبيحرق الأكل جوايا….. حبيبتي فيها شيء من الزبادي.
قال جاسر بعصبية :
_ أستاذ طبيخ …. يلا نرجع البيت ، وإلا …
قاطعه يوسف بنفس الابتسامة السابقة:
_ نرجع منرجعش ليه …
زفر جاسر وآسر وهما يجذباه نحو سيارة رعد …
بينما عاد الفتيات مع الجد بسيارته ، واسرعت سيارة رعد التي تحمل الشباب الثلاثة خلفهم …
لاحظ يوسف مدى الغضب الواضح على سيماء أبن عمه “رعد” ، فغمز لجاسر بيأس …. قال جاسر وهو يجلس بالمقعد الخلفي للسيارة:
_ أنت هببت إيه ؟ رضوى بتعيط وأنت مش طايق نفسك ؟!
*******
وبعد مرور الوقــــت لساعاتٍ
دقت الساعة الواحدة ليلًا ….واجتمع الفتيات الأربعة بغرفة رضوى …. نظرت حميدة لها بلوم ورضوى جالسة على فراشها تبك بصمت :
_ على فكرة أنتِ اللي غلطانة يارضوى ! ، أنا حذرتك وأنتِ اللي استعجلتي … هو أنتِ كنتي عارفه أنه جاي ؟!
لم تجيب رضوى مباشرةً ، بينما نطقت بعد دقيقتين وقالت بصدق :
_ كنت حاسة أنه جاي ، مكنتش متأكدة بس حاسة ومتوقعة ، ورغم كده لما شوفته اتفاجئت بجد ! …. معرفش أنا بقيت بفكر أزاي ! ….حاسة أني تايهة !
قالت سما بمواساة:
_ موقف وعدى ماتفكريش فيه كتير ، بس ما تتسرعيش تاني … وبصراحة يعني المفروض تفرحي …. غيرته كانت باينة وواضحة !
قالت رضوى بمرارة وبكاء :
_ أفرح ! ….. أفرح أني بشوف الرفض في كلامه ، ونظرته ليا اللي بتأكدلي أنه شايفني أقل من أني استحق حتى يبصلي ! ، ولا أفرح أن مع كل ده مصمم يخليني اتعذب وأفضل أحبه ! …. هو مش بيحبني … هو عايزني أفضل أحبه ودي الحقيقة للأسف !
نهضت جميلة وقالت بغيظ :
_ دول عايزين يتربوا ونثبتلهم أننا مش قليلين.
قالت سما بثقة:
_ أنا كنت نقررة اتكلم مع جدي بكرة أن شاء الله ، قررت اقدم ورقي في جامعة مفتوحة … إيه رأيكم تكملوا معايا ! ، مش ده كان حلمنا ؟
مسحت رضوى عينيها بقوة وقالت بموافقة:
_ وأنا موافقة …
“وأنا كمان ”
قالتها جميلة بتأكيد فسيارتهم حميدة بالموافقة …. فأضافت سما قائلة :
_ ومش بس هنكمل جامعة ، هنشتغل ، ومافيهاش حاجة لو كلمنا جدي يتوسطلنا لشغل كويس ومناسب لينا …. على الأقل هننشغل ومش هيبقى في وقت نفكر فيهم …
نال الأقتراح اعجاب الفتيات واتفقوا على التحدث مع الجد بالصباح ….
********
وعند صباح اليوم التالي ….
وقف وجيه أمام المرآة يضبط ربطة عنقه وينثر بعض من رذاذ العطر الفواح على ملابسه …. وقفت جيهان خلفه تتأمله بكل لافته …. فاستدار وابتسم لها قائلًا :
_ شكلك عايزة تقوليلي حاجة ؟!
اقتربت جيهان له وقالت بنظرات متألمة :
_ أنت حددت الجواز من ليلى أمتى ؟
أجابها بصدق :
_ هنكتب الكتاب الأسبوع الجاي ، كلمت جدها قبل ما يسافر واتفقنا.
قطبت جيهان حاجبيها وتلعثمت في القول …ثم طرحت سؤالها :
_ هو مش المفروض أن طليقها أبن عمها ومات ! … يعني في عزا عندهم وكده !
أوضح وجيه الأمر :
_ أولًا هو طليقها ، ثانيًا اللي عرفته أن محدش زعلان في موت صالح بالعكس ، كل الناس ارتاحت من شره وأذيته ، فمعتقدتش أن خبر جواز ليلى هيكون صادم لحد … وبعدين اللي يزعل يزعل مايهمنيش …. اللي يهمني هي.
نظرت له جيهان بألم وكأنه صفعها صفعة حادة ، فادرك وجيه خطأه سريعا وربت على كتفيها معتذرًا وقال :
_ أنا أسف …. أنا…
قالت جيهان بابتسامة تخفي عذابها وقالت :
_ أنا مزعلتش …. أنا سألتك وجاوبتني بصراحة … وبس !
ابتعدت عنه وهي تتظاهر بالثبات ، بينما تنهد وجيه بضيق من نفسه … يجب أن ينتبه بالحديث معها أكثر من ذلك …
*********
ظهرت بعض الدوائر القاتمة حول عينين فرحة وهي تدخل المشفى …. بعدما ظلت طوال الليل تبك من قلة حيلتها وضعفها أمام هؤلاء الأثرياء ….حتى فوضت أمرها لله ..
وحمدت ربها أنها وصلت المشفى بوقتٍ أبكر وكافٍ حتى تستطع الذهب لرؤية شقيقها ….
وبينما هي تتوجه لغرف العناية حتى تفاجئت بوالد زايد يقف باكيًا أمام أحدى غرف العمليات …. وعندما لمحها أسرع إليها بحالة صدمتها !
وقف الرجل أمامها وعينيه ممتلئة بالدموع وقال :
_ زايد أبني عمل حادثة ، ودلوقتي هو بين الحياة والموت …. سامحيني يابنتي …وسامحيه.
اتسعت عين فرحة بذهول …. وحوقلت ولا زالت بحالة صدمة ، وادركت المعنى الحقيقي لضعف البشر … وأن القوة التي تخيلتها مساء أمس وبكت من ضعفها أمامهم …ليست أكثر من بضع كلمات يختبأ خلفها انسان بكل ضعفه، ولكنه يوهم الجميع بأكذوبة قوته الزائفة.

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!