روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الأربعون 40 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الأربعون 40 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الأربعون

رواية في حي الزمالك الجزء الأربعون

رواية في حي الزمالك الحلقة الأربعون

اعْتِرَافٌ 🦋🤎✨

“مُبارك لكَ عزيزي رحيم Congratulations Rahim, my darlingg.”

“الله! قابل يا معلم!” همس أنس في أذن رحيم، استقامت أفنان من مقعدها واقتربت بينما ارتسمت معالم الصدمة والغضب على وجهها.

على الفور تحرك رحيم نحو ناتالي بإستياء شديد، كانت ترتدي الأخيرة ثوب باللون الأحمر كاشف عن ساقيها كاملة تقريبًا وقد كان منزوع الأكمام كذلك وقد تركت خصلات شعرها الشقراء منسدلة على كتفيها، كان مظهرها مُلفتًا للأنظار لدرجة كبيرة بل صارخًا!

“‘ماذا تفعلين هنا ناتالي، هل فقدتِ عقلكِ’ What the… What are you doing here Natalie have you lost your mind؟!!”

سألها رحيم بنبرة أقرب إلى الصراخ، نبرة لم تعتاد ناتالي أن تصدر من رحيم لكنها لم تتأثر كثيرًا والفضل في ذلك يرجع غالبًا إلى زجاجة الكحول التي تجرعتها كاملة قبل قدومها إلى هنا، رمقت رحيم بإبتسامة سمجة وهي تُردف الآتي بينما تحاول وضع يديها في وجه رحيم لكنه ابتعد على الفور:

“لقد جئت هنا لأهنئك I came here to congratulate youu.”

“يجب عليكّ الذهاب من هنا الآن You should leave noww.”

تمتم رحيم من بين أسنانه محاولًا تمالك أعصابه وفجاءة جاءت أفنان لتقف إلى جانبه وهي تنظر نحوه بإبتسامة تحمل في طياتها الوعيد والغضب بينما تتفوه بالآتي:

“الله الله، مقولتليش ليه يا حبيبي أنك عازم الحرباية دي هنا؟”

“رحيم مرحبًا، مرحبًا ناتالي لما لا نذهب لنتحدث بعيدًا لدقيقة Rahim hello, Hi Natalie.. Why don’t we go away to talk for a minute.” صدرت هذه الجملة من ميا والتي ظهرت من اللامكان فلم تتذكر أفنان رؤيتها اليوم، نظر نحوها رحيم بإمتنان شديد وهو ينبس بالآتي:

“ايوا ميا، خديها من فضلك.” أومئت ميا وهي تسحب ناتالي بعيدًا بينما تتحرك الأخيرة بصعوبة، زفر رحيم بضيق ثم ألتفت ليواجه أفنان والتي كانت ملامحها أكثر هدوءًا مما توقع.

“أفي صدقيني أنا مكنتش أعرف.. حقيقي أنا..”

حاول رحيم إصلاح الموقف سريعًا والذي لم يكن خطأه على أي حال بينما يصطحب أفنان للجلوس على المقاعد المخصصة لهم، لكن أفنان علقت بجملة لا تمت بصلة لما يحدث حيث علقت مُردفة:

“بقولك أيه أنا جعانة، ينفع نطلب حاجة ناكلها؟”

“اه أكيد.. Anything you want ‘أي شيء تُريدينه’.”

“حلو، نشوف المنيو بقى.” تمتمت بجدية لينظر نحوها رحيم وهز يُضيق عيناها بتعجب بينما غادرت تنهيدة شفتيه قبل أن يسأله بجدية محاولًا التأكد من سلامة قواها العقلية قائلًا:

“أفي أنتِ كويسة؟”

“اه.. بقولك أيه مشوفتش ميرال؟”

“مش عارف.. هخلي أنس يشوفها، Give me a minute and i’ll be back ‘أمهليني دقيقة وسأعود إليكِ’.”

“تمام يا حبيبي.”

استقام رحيم من مقعده واتجه نحو أنس الذي كان يقف إلى جوار أروى، اقترب رحيم من أنس وجذبه بعيدًا عن أروى قليلًا وهو يسأله:

“أنس هو حصل أيه؟”

“أنت عملت أيه في حوار ناتالي الزفتة دي؟”

“معرفش زي ما أنت شوفت ميا خدتها برا.. معرفش حاجة..”

“ربنا يستر، الحركات دي متجيش غير من أمك بصراحة، بس مش وقته.. عدي اليوم على خير وبعدين ابقى شوف حل للمشكلة دي.”

“أفنان مش هتعدي الحوار ده بسهولة وهندخل في مشاكل ملهاش لازمة.. لو بس مامي تسيبني افرح يوم وأمشي الدنيا زي ما أنا عايز..”

تذمر رحيم وهو يعيد خصلات شعره نحو الخلف والتي كانت مرتبة ولكنها حركة لا إرادية يفعلها دائمًا، وضع أنس يده على كتفة وهو يُطمئنه قائلًا:

“خلاص بقى افرد وشك كده وكل حاجة هتبقى كويسة.” أومئ رحيم وكان على وشك العودة لأفنان لولا أنه لاحظ كدمة في وجه أنس ليسأله بقلق:

“أنس هو أنت وشك.. محمر كده ليه؟”

“مكسوف منك.” علق أنس ساخرًا وهو يتحسس موضع الضربة بيده ليُشيح رحيم يده وهو يفحص وجهه بينما يُردف بنبرة جادة:
” لا، أنا اتحدث بجدية No, i am talking for real، أيه اللي حصل؟”

“أنا ونوح ضربنا بعض، أنا شلفطت وشه يعني بس هو عرف يضربني برضوا ابن ال…”

أردف أنس بحنق وكاد أن يسب نوح لكن قاطعه رحيم وهو يوبخه بضيق شديد قائلًا:

“اعمل فيك أيه يا أخي؟ هو اليوم ناقص يا أنس؟ ناقص؟”

“ده خبط أروى كان هيوقعها من عالكرسي، وبيعايرني بأبويا! لا والبيه كمان بيمد ايده على أخت أفنان!”

كان رحيم يستمع إلى مبررات أنس بعدم اقتناع لكن فور أن أدرك ما يقوله أنس شعر بنيران الغضب تشتعل بداخله ليعلق مستنكرًا:

“ده اتجنن ده ولا أيه؟ لو مش عارف الأدب نعلمه.”

“لا يا أخويا الطيب أحسن، أنا قومت بالواجب بشكل مؤقت.. لكن لو شوفت وشه تاني بعد الخطوبة دي مش هحله!”

“أنا اه مش بحب العنف وشغل الغجر ده، بس المرة دي معاك حق.”

“بصراحة يوم سيء من أوله.. اه مش يوم عيد ميلادك؟ لازم يبقى كده طبعًا.. أوبا ألحق أفنان واقفة مع ميا وناتالي!!”

كان أنس يتحدث بسخرية في بداية حديثه لكنه اتخذ منحنى جاد حينما لاحظ تقدم أفنان من ناتالي وميا، لقد استغلت ذهاب رحيم للثرثرة مع أنس كي تذهب للشجار مع الفتاة على الأرجح، وقد جرت المحادثة كالآتي:

“بقولك أيه يا قطة أنا عارفة أنك فهماني.. If you don’t stay away from my fiance i will make you see the stars in the afternoon ‘لو لم تبتعدي عن خطيبي، سأجعلكِ تشاهدين النجوم في عز الضهر’.”

“هل فقدتِ عقلكِ، كيف تجرؤين على التحدث إلى بتلك الطريقة Have you lost your mind, how dare you talk to me like thatt؟!!”

“لا بقولك أيه أنا كل ده محترماكِ لكن صدقيني لو مبعدتيش عن رحيم، هوريكي أيام أسود من قرن الخروب، أنتِ يا بت يا مايعة أنتِ ترجميلها اللي بقوله.”

بصقت أفنان جملتها بتحذير حقيقي قبل أن توجه حديثها لميا التي كانت ملامح الذعر مُرتسمة على وجهها تمامًا كناتالي، رمقتهم أفنان بحدة من الأعلى للأسفل قبل أن تتجه نحو الداخل عائدة إلى مجلسها وقد رسمت على وجهها ابتسامة مُزيفة ولكن قبل أن تفعل قابلها رحيم في منتصف الطريق والهلع بادي على وجهه فلقد كان يتوقع أن ينقلب حفل الخطبة إلى مسرح جريمة.

“بقولك أيه، مش هنتصور تاني ولا أنت زهقت من الصور ولا أيه؟”

“مزهقتش طبعًا..”

“مشوفتش ميرال؟” كررت أفنان السؤال مجددًا ولكن في هذه المرة كان رحيم يعرف الإجابة لكنه لم يدرِ هل يجب عليه أن يخبرها بما حدث في الخارج أم لا..

“لا.. مش عارف.” اضطربت معالم رحيم قليلًا لأنه يعرف أنها على الأغلب برفقة نوح الذي تشاجر مع أنس قبل قليل والذي قام أنس بتشويه وجهه في الغالب وإذا علمت أفنان بما حدث فقد ينشب شجار بين الجميع.

“طيب أنا هروح أشوفها.”

“ما تخليكي معايا هنا.”

“هشوفها بسرعة وأجي.” تمتمت أفنان وهي تسحب فستانها كي تستطيع السير بسهولة، كان رحيم يُراقبها وهي تبتعد بينما يزفر بضيق.

بالإنتقال إلى الخارج وقفت ميرال بالقرب من نوح الذي كان يقف بصعوبة بينما كان يُعيد رأسه نحو الخلف محاولًا جعل النزيف يتوقف، رمق ميرال بحده ولوم وهو يسألها مستنكرًا:

“مبسوطة كده؟ كله ده بسببك على فكرة.”

“أنا ذنبي أيه يا نوح طيب؟ خد حط المنديل ده على مناخيرك.” نبست من بين دموعها وهي تمنح نوح منديلًا ورقيًا وتحاول تقريبه من أنفه لكنه في المقابل يُشيح بيديها بعيدًا عنه وهو يصرخ:

“أوعي ايدك، ابعدي عني.”

“يا نوح والله أنا مليش ذنب، أنتوا الأتنين اتعصبتوا على بعض وكلمتوا بعض وحش..”

قاطع جملة ميرال قدوم أفنان التي كانت تسير نحوهم ببطء ولكن بمجرد ما رأت ما حدث هرولت نحوهم وهي تستفسر بقلق:

“هو في أيه؟ يا خبر أبيض أيه اللي في وشك ده يا نوح؟”

“مفيش حاجة أنا كويس..” تمتم نوح وهو يحاول اخفاء ابتسامته كي لا تظهر سعادته لإهتمام أفنان به.

“كويس أيه بس؟ ارفع وشك وريني في أيه؟”

قالت أفنان وهي تحاول فحص وجه نوح دون أن تلمسه ولكن المسافة بينهم كانت قليلة، جاء رحيم من اللامكان ليقف في المنتصف بينهم فتبتعد أفنان نحو الخلف تلقائيًا، ينظر نحوهم رحيم بدهشة مصطنعة وهو يستفهم قائلًا:

“ماله يا أفنان حصل أيه؟”

“مناخيره بتجيب دم.. معرفش في أيه؟”

“طيب Stay away ‘ابقي بعيدًا’ أنا هتصرف.” تمتم رحيم بهدوء لا يتناسب مع نظرة عيناه الحارقة قبل أن تمنحه أفنان المناديل الورقية وتبتعد ليقترب هو من نوح ونظرًا لفارق الطول بينهم يجذبه رحيم ببعض العنف ثم يدس المناديل الورقة في أنفه ويضغط عليها قليلًا لكي يوقف النذيف.

“ما تبراحه يا عم أنتَ.”

“وأنتَ استرجل ها.” همس رحيم من بين أسنانه وهو مازال يضغط بقوة على أنف نوح ليبتعد عنه الأخير قليلًا ويهمس هو ايضًا بخبث وتهديد:

“على فكرة أنا ممكن أقول لأفنان وأولع الدنيا بس أنا عايز الليلة تتلم.”

“بتتحامى في أفنان؟ Seriously ‘بجدية’؟! لو عايز تقولها قولها بس قبل ما تعمل كده فكر لثواني هي هتكون في صف مين فينا.”

كان رحيم يراوغ محاولًا الضغط على نوح، رمقه نوح بسخرية وهو يُعلق بثقة:

“أكيد أنا، متنساش أني ابن خالتها وفي مقام أخوها ومش بس كده لا أنا خطيب أختها كمان.”

“وأنا جوزها المستقبلي وحبيبها، واللي اتضرب ده أخويا واللي حصل ده مش هيعدي بالساهل بس أنا مش عايز ابوظ اليوم أكتر ما هو بايظ.”

قال رحيم من بين أسنانه، طالعتهم أفنان بشك وحيرة وهي تشعر بأن الأجواء بينهم مُشتعلة لتقترب على الفور منهم وهي تستفسر بعد ارتياح:

“هو أنتوا بترغوا في أيه؟ نوح الدم وقف؟ وبعدين أيه اللي عمل في وشك كده؟”

“اتخانق مع واحد كان بيعاكس ميرال.” كذب رحيم لكي لا تزداد المشكلة، أومئت أفنان بهدوء قبل أن تسأل مُستنكرة:

“ده بجد؟ أومال أنتِ بتنوحي ليه؟”

“أصلي خفت على نوح أوي وحسيت بالذنب..”

“طب بطلي عياط خلاص.. وأنت خليهم يجيبولك تلجة من جوا عشان وشك ميورمش أكتر من كده.”

وإلى هنا انتهت الدراما في هذا اليوم، عاد الجميع إلى الداخل وألتقط المصور بعض الصور لهم وسار الأمر بطريقة جيدة، وفي وقتًا متأخر من تلك الليلة وفور عودة أفنان إلى المنزل وبعد انتهاء هذا اليوم المُرهق، ألقت بجسدها على السرير بإهمال ثم أمسكت هاتفها وهي تدعو بداخلها ألا يكون رحيم قد أرسل إليها رسالة فهي تريد أن تسبقه وبالفعل تحققت دعوتها.

‘مش عارفة هتشوف المسدچ أمتى بس كنت عايزة أقولك، إنك أجمل صدفة في حياتي وإني بجد مش مصدقة أن القدر جمعنا ببعض وقدرنا نوصل للي وصلناله.. أحنا وصلنا لنص السكة سوا ودلوقتي قصة حبنا بقى يشهد عليها العائلة والصحاب ومش قادرة استنى اليوم ابقى فيه Yours ‘لكَ’ رسمي ويبقى ربنا والشهود وكل الحضور شاهدين على قصة حبنا.’

في صباح اليوم التالي وبمجرد أن استيقظت أفنان استشعرت خاتم الخطبة في يدها، ابتسامة واسعة ارتسمت على وجهها.. فهي لا تكاد تصدق أن هذا قد حدث بالفعل.. لقد أصبحت علاقتها برحيم شبه رسمية يكفي فقط أن يُعقد قرانهم ويُصبح كلًا منهما جزءًا من الآخر.. تنصهر الحواجز بينهم فيذوب كليهما ليُصبحا كيانًا واحد، اتسعت ابتسامتها أكثر لتلك الفكرة وشعرت بدغدغة في معدتها.. أهذا هو طعم السعادة التي يحكي عنها الجميع؟ ربما..

أمسكت بهاتفها وأرسلت عدة رسائل لرحيم لا تحوي شيء سوى اسمه أو بعض الوجوه المرسومة تحاول تنبيهه لكن على ما يبدو أنه مازال نائمًا.

“صباح الخير على عيون أحلى أفي.”

“صباح الفل عالفل، طبعًا اليوم امبارح كان رائع.. ومعرفناش نحتفل بعيد عيد ميلادك في وسط الخطوبة والدوشة والخناقات واللغبطة دي، فقولت نخرج النهاردة يعني لو فاضي.”

“أنا افتكرتك نسيتي أصلًا..” تمتم رحيم بنبرة ناعسة زادت صوته الرجولي جمالًا فوق جماله، ابتسمت أفنان لا إراديًا وهي تُردف مستنكرة:

“انسى ازاي يعني وأنا أساسًا اللي اخترت اليوم عشان هو يوم عيدميلادك؟”

“في دي عندك حق بصراحة، ها هتودينا فين النهاردة؟”

“بعتلك location ‘موقع جغرافي’ بتاع مكان حلو كده تعالى على هناك.”

“تمام حاضر.”

وصل رحيم إلى المكان المُتفق عليه، مقهى ومطعم في منطقة ‘مدينة نصر’ تعجب رحيم قليلًا من اختيار المكان فهو عادة ما يرافق أفنان إلى أي مقهى أو مطعم في الزمالك أو بالقرب من مقر الشركة في السابق، دلف رحيم إلى الداخل وأخذ يبحث بعيناه عنها حتى وجدها تقف بالقرب من طاولة صغيرة تكفي لفرديين قد زينتها بالورود الحمراء المُجففة والتي تناثرت عليها بالإضافة إلى شموع حمراء اللون كذلك، وعلى أحدى أطراف الطاولة وضعت صندوق هدايا باللون الأسود متوسط الحجم.

ابتسامة واسعة زينت ثغر رحيم.. سعادة غامرة احتلت كيانه فهو لم يظن ولو لوهلة أن أفنان قد تفعل شيء كهذا فهي كما يبدو له ليست من النوع الرومانسي بتاتًا، وهو الذي أحضر لها باقة من الورد فقط..

“أفي..”

“رحيم.. كل سنة وأنت طيب!” أردفت بسعادة شديدة وهي تمنحه الهدية بينما كانت عيناها تلمع من فرط الحماس، كم تمنى لو يستطيع أن يمنحها عناقًا دافئًا يُعبر عن امتنانه وسعادته ولكن لا بأس في الإنتظار قليلًا حتى تصبح خاصته وحلاله بشكلًا رسمي.

“أفي You didn’t have to do this ‘لم يكن عليكِ فعل هذا’.”

“عيب يا رحيم متقولش كده أحنا أهل.”

“أنتِ بتقولي أيه بجد؟” سأل رحيم وهو يقهقه قبل أن ينتبه أنه لم يمنح أفنان باقة الزهور لذا مدّ ذراعه مانحًا إياها الباقة.

“الله! حلو أوي بجد.. بيتنا بقى كله ورد، على فكرة أنا بحتفظ بيه حتى لما بيدبل بشيله عندي، وبعدين يا رحيم ده عيدميلادك أنتَ يعني مينفعش أنتَ تجبلي حاجة.”

“دي حاجة بسيطة يا أفي.”

“لا مش بسيطة ولا حاجة، الحاجات اللي من وجهة نظرك دي صغيرة بتكلف جامد وأحنا محتاجين كل قرش عشان الجواز وكده.” قالت أفنان بنبرة جادة ليضحك هو لبرهة ثم تعود ملامحه الهاظئة مجددًا وهو يتفوه بالآتي:

“حاضر، صحيح عايزين نروح نشوف البيت بتاعنا، ولو مش عجبك نشوف مكان تاني.”

رمقته أفنان بتعابير بلهاء ليعقد حاجبيه متعجبًا منها وقبل أن ينطق بحرف سبقته هي بنبرة درامية بينما تُضيق عيناها قائلة:

“نروح البيت؟ وتشربني حاجة صفراء والكلام ده؟ لا يا رحيم أنا أسفة العنوان غلط.”

“أيه يا أفي اللي أنتِ بتقوليه ده؟ مين قالك أن كل الكحوليات لونها أصفر أصلًا؟ في ألوان تانية كتير السينيما بس هي اللي مصدرة الفكرة دي.”

أوضح رحيم وهو يضحك ساخرًا من حديثها، فما تقوله كان يحدث في بداية الألفينات أو ربما قبل ذلك فلم تعد الفتيات ساذجة، صمتت هي لبرهة قبل أن تعُلق بصوتٍ خفيض مُردفة:

“ما طبعًا ما أنتَ خبرة بقى.”

“أفي، أفي بس شوية.. أحنا هنروح مع أسرتك عشان نشوف البيت وكده، هحدد ميعاد ما Uncle أحمد وهشوف مواعيد الشغل وكده.”

“تمام ظلمتك كالمعتاد، المهم مش هتفتح الهدية بقى؟” أومئ لها رحيم قبل أن تناوله الصندوق فيأخذه منها بحماس شديد، يفتح الصندوق ليجد بداخله عُلبة طويلة سوداء من القطيفة، توقع رحيم ما بداخلها واتسعت ابتسامته.. لقد كان سلسال من الفضة يحوي الحرف الأول من اسم أفنان متداخل مع الحرف الأول من اسم رحيم.

“تحفة يا أفي بجد، Wait ‘انتظري..” تمتم رحيم وهو يفتح الزر الثالث من قميصه لتُشيح أفنان بنظرها بعيدًا عنه على الفوى، ومن ثم مد يديه حول عنقه لينزع السلسال الذي يرتديه ويضع مكانه خاصة أفنان.

“شكلها حلو أوي عليك، المهم في هدية تانية عبيطة كده بس بصراحة مكنتش عارفة أجبلك أيه.”

تمتمت أفنان وهي تُخرج الهدية الآخرى من العلبة والتي كانت ‘مج’ حراري، باللون الأسود وقد نُقش عليه اسم رحيم، لم ينبس بحرف بل أخذ يتأمل هديتها الثانية اللطيفة بينما تابعت هي حديثها:

“أنا كنت بلاحظ أيام التدريب أنك على طول بتشرب قهوة أو نسكافية أو حاجات سخنة يعني فقولت اجبهولك.. بصراحة أنت كل الحاجات اللي بتجيبها غالية وأنا مكنتش هعرف اجبلك حاجة بنفس ال Quality ‘الجودة’ فكرت لجبلك لبس وبعدين افتكرت أنك بسم الله ما شاء الله مكررتش ولا طقم من يوم ما قابلتك يعني فقولت مش هيبقى ليها لازمة.”

“أفي كام مرة هقولك أن الهدية مش بتمنها؟ الهدية بغلاوة الشخص اللي جابها أنتِ لو جبتيلي لبانة هتبسط صدقيني.”

“والله أنت بتحرجني بأخلاقك دي، المهم مش هنطلب ولا أيه؟ أنا واقعة من الجوع.. صحيح أحنا مش هنتأخر أوي وبابا أصلًا عند واحد صاحبه قريب من هنا فهيعدي عليا يروحني معاه.”

“تمام يا حبيبي.”

بعد مرور يومان هاتف رحيم والدها واتفق معه على القدوم لتناول الغداء في منزل أفنان ومن ثم يذهب جميعهم لرؤية المنزل، كان كل شيء يسير على ما يرام حتى جاء اتصال من نوح لأفنان أو بمعنى أدق كانت ميرال تتحدث إلى نوح في الهاتف وقد طلب منها أن تقوم بفتح مُكبر الصوت وقد جرى الحديث كالتالي:

“أيه يا ست أفنان عاملة أيه؟ مسمعناش صوتك من وقت الخطوبة.”

“مفيش مشغولة مع رحيم والترتيبات وكده.” أجابت أفنان بلا مبالاة، ساد الصمت لبرهة قبل أن يُعلق نوح على حديثها ساخرًا:

“والله؟ ربنا يوفقكوا.. ياريت بس تأجلوا الفرح لحد ما وشي يخف ولا ناويين تضربوني تاني في الفرح ولا أيه؟”

“أيه؟ أنا مش فاهمة حاجة.”

“مش فاهمة أيه؟ اه هو البيه لسه مفهمك أني اتخانقت مع واحد في الشارع؟ كدب عليكي يعني ومقالكيش أن أنا وأنس ضربنا بعض.. ضربني بمعنى أصح؟”

سأل نوح بدهشة مصطنعة فهو واثق من أن رحيم لم يُخبرها وأراد إثارة الأمر بطريقة تجعلها تشعر بالغضب تجاه رحيم، نجحت خطته بالفعل فلقد سألت أفنان بإنفعال شديد:

“أيه الهبل ده؟ أنت بتألف ولا أيه؟ وبعدين رحيم هيكدب عليا ليه أصلًا؟”

“والله لما تشوفيه اسأليه، بس واضح أنه شخص أناني بيفرق معاه اللي منه وبس وميفرقش معاه عائلتك ولا منظرك قدام الناس.”
كان نوح يدس السم في حديثه متعمدًاإثارة غيظ وغضب أفنان، حاولت هي الحفاظ على رباطة جأشها لذا تمتمت بلا مبالاة مُصطنعة:

“أنا مش هعلق ولا هقول حاجة غير لما اسمع من رحيم.”

“رحيم لو كان عايز يقولك كان قالك من بدري.”

لقد كان نوح محقًا تلك المرة، فرحيم يخفي العديد من الأشياء عن أفنان ولقد تسببت تلك الخصلة في العديد من الجدالات وسوء التفاهم بينها وبين رحيم، زفرت أفنان بضيق وساد الصمت لبرهة قبل أن تنبس بالآتي:

“اطلع منها أنت يا شُعلة وكل حاجة هتبقى كويسة.”

“هطلع منها يا أفنان بس ياريت تبقى تتكلمي معاه في موضوع أنه بيخبي ده، مظنش دي أول مرة يخبي عنك حاجة.”

بصق نوح كلماته اللاذعة لتُلقي أفنان بالهاتف في يد ميرال وتبتعد عنها تاركة الحجرة بأكملها، أنهت ميرال المكالمة وتبعت أفنان نحو الخارج وهي تُردف:

“عشان تعرفي أنك طول الوقت بتظلمي نوح، وأنس هو اللي غلطان أصلًا وطبعًا رحيم خد صفه.”

“مش عشان موقف حصل رحيم غلطان فيه يبقى نوح كان صح طول الوقت، وبقولك أيه يا ميرال أنتِ وخطيبك السُكر ده تبعدوا عن رحيم خالص.”

حاولت أفنان إنهاء الحوار بينها وبين ميرال فزيادة الحديث في هذا الأمر قد يُزيد من حدة النقاش، كذلك لم تُرد أفنان أن تُثير الجدل بينها وبين رحيم ولم تُرد كذلك أن تبدأ الشجار لذا قررت الإنتظار حتى قدوم رحيم إلى منزلهم لكي تسأله بهدوء قدر الإمكان عما حدث، ستحاول جاهدة أن تُخفي الغضب والإستياء نحو ما حدث.. وبالفعل جاء موعد زيارة رحيم، استقبله والد أفنان على الباب مرحبًا به.

“مساء الخير، أهلًا بحضرتك يا Uncle.”

“أهلًا بيك يا حبيبي اتفضل، برضوا كلفت نفسك؟ لا مش هينفع كده يا رحيم يا ابني.”

“دي حاجة بسيطة مش من مقامكوا.”

“ازيك يا رحيم عامل أيه؟ أيه ده الله جايبلنا جاتوه؟”

“لا تورتة بالفراولة.. أنتِ قولتي قبل كده أنك بتحبيها.”

“يا نهار أبيض ده أنا بعشقها، أحلى حاجة ممكن الواحد ياكلها بجد.”

ضحك رحيم وهو يراقب تعبيرات وجه أفنان وهي تتحدث بحب وشغف عن الكعكة وكم تمنى رحيم لو تُظهر له مقدار قليل من هذا الحب، بعد تبادل بعض الجمل بينهم طلبت أفنان من رحيم أن يجلسوا في الشرفة لكي يتحدثوا قليلًا.

“رحيم كنت عايزة اسألك على حاجة.”

“خير.. أنا مكنتش مرتاح برضوا للقعدة في ال Balcony ‘الشرفة’.”

“هو في حاجة حصلت في الخطوبة أنا معرفهاش؟”

سألت أفنان بمراوغة وهي تراقب تعابير وجه رحيم لكن عكس ما توقعت لم يتوتر بتاتًا بل حافظ على تعابير وجهه الهادئة المعتادة وهو يُعلق على حديثها بثقة شديدة:

“مش فاهم السؤال، لو عندك سؤال صريح عن موقف معين قوليه.”

“وأما أنت بتحب الصراحة أوي كده مش صريح معايا ليه؟”

“في أيه يا أفي؟”

“من غير لف ودوران يا رحيم أنت عارف قصدي.”

“حصل Miss understanding ‘سوء تفاهم’ بين أنس ونوح.”

تمتم بهدوء شديد وقد طفح كيل أفنان عند تلك النقطة من هدوء رحيم المبالغ فيه والذي قد وصل إلى مرحلة البرود بالنسبة إليها لتستقيم من مقعدها بإنفعال وهي تسأله بتأنيب:

“سوء تفاهم؟ دول ضربوا بعض! أنس ضرب نوح وأنت مقولتليش؟”

“اقعدي يا أفنان من فضلك، اسمعيني.. مكنش في أي داعي أني اقولك.”

اتسعت أعين أفنان جراء سماع تلك الجملة بعد أن جلست في مقعدها لكن جلوسها لم يُغير أي شيء في ثورتها حيث عاودت الجدال مجددًا بإستياء شديد وقد تفوهت بجملة كانت تدور في عقلها منذ بداية العلاقة بينهم:

“مش من حقك تقرر أيه اللي ليه داعي وأيه اللي ملوش يا رحيم! أنت ازاي تخبي عليا حاجة زي كده أصلًا؟ شكلك ناسي أنه قريبي.”

“واللي اتخانق معاه ده يبقى أخويا يا أفنان، فاهمة يعني أيه أخويا؟ وبعدين لو كنت قولتلك إمبارح كنتِ هتعملي أيه؟ هتضربي أنس مثلًا؟! مكنش في لازمة نبوظ اليوم.”

“نبوظ اليوم؟ اليوم باظ يا رحيم.. سواء من كلام مامتك ولا تعليقات عمتي وتيتا، وطبعًا الزيارة الغير متوقعة من الست هانم بتاعتك ومينفعش اليوم يخلص عادي طبعًا لازم نختمه بخناقة لنوح وأنس! الجوازة باينة من أولها..”

“أنتِ بتلوميني أنا ليه؟ أنا ذنبي أيه في كل ده؟”

“أنا مقولتش أنه ذنبك.. بس دي مامتك وده صاحبك، ودي كانت صاحبتك ولا أيه؟”

“هو أنتِ بتتكلمي بجد؟ طب اللي حضرتك متعرفيهوش إن مامتي دي أنا وقفت قصادها علشانك، وصاحبي ده اتشتم واتهانت كرامته واتعاير بحاجة هو ملوش ذنب فيها كل ده دفاعًا عن أخته وأختك، والبنت اللي بتتكلمي عنها أنا طردتها من المكان وأصلًا مليش علاقة بيها وفعلًا عندك حق الجوازة باينة من أولها، عن إذنك.”

بصق رحيم كلماته بخذلان شديد وبضيق واضح، استقام من مقعده مغادرًا المكان ومتجهًا نحو باب المنزل لكن استوقفه صوت والدة أفنان وهي تسأله:

“على فين يا رحيم يا ابني؟”

“أنا مضطر أمشي بعد إذن حضرتك.. واعتذري ل Uncle أحمد بالنيابة عني.”

“يا رحيم استنى.. يا رحيم..”

“في أيه اللي حصل يا بنتي؟”

“أفنان أنتِ كويسة؟” سألت ميرال وهي تجذب ذراع أفنان برفق لكن أفنان أشاحت بيدها بعيدًا عنها ثم صاحت بإستياء شديد:

“ابعدي عني بقى، يارب تبقي مبسوطة أنتِ ونوح يا ميرال!”

نظرت نحوها ميرال بصدمة قبل أن تُطالع ميرال والدتها بالحيرة ذاتها، دلفت أفنان إلى حجرتها وأخذت تُلقي بالإغراض خاصتها على الأرضية بعنف ومن شدة غيظها وضيقها لم تستطع أن تبكي، أبت عيناها أن تذرف الدمع لذا ذهبت لتتمدد على السرير محاولة النوم وتخطي ما حدث.

قاد رحيم عائدًا إلى منزل أنس، كان يقود رحيم بإستياء شديد لا يُصدق المحادثة التي جرت بينه وبين أفنان، انتبه رحيم لما فعله وأنه يُعد قلة احترام لوالد أفنان فلقد غادر دون أن يُخبره لذا اتصل به رحيم ليعتذر منه ويخبره بإختصار بأن هناك خلاف بين أفنان ورحيم، وصل رحيم إلى منزل أنس وطرق الباب لكن الأخير لم يُجيب انتظر رحيم لبضع ثوانٍ لكن لم يجد رد لذا قرر أن يستخدم النسخة التي منحها إياه أنس من قبل.

دلف رحيم بهدوء وهو يبحث عن أنس لكن لم يجده لكنه لمح طيفه يتحرك في الحديقة الخلفية.

“ممكن بعد إذنك تأكدي الحجز مع الدكتورة؟ بكرة الساعة ٨.. تمام مناسب جدًا..”

“أنتَ فين بدور عليك.. بتكلم مين؟”

“مفيش مش بكلم حد، أنتَ جيت أمتى؟” حاول أنس تشتيت رحيم لكن الآخر قلب عيناه بتملل وهو يسأله مجددًا بإصرار:

“لا أنا مش أطرش على فكرة، أنتَ كنت بتحجز مع دكتور! أنت تعبت تاني ولا أيه؟ شكلك وقفت أدوية الضغط.. قولتلك مية مرة يا أنس..”

“بس بس في أيه البلاعة دي؟! أديني فرصة أرد.. أيه بالع راديو؟!”

“قولي طيب تعبان فيك أيه؟”

“مفيش مش تعبان قولت، وبعدين خد هنا هو أنتَ بتتصنت عليا ياض؟”

“بتصنت أيه بس؟ ده أنت صوتك جايب آخر الكومباوند!”

“لا في دي عندك حق بصراحة، مفيش أنا كنت بحجز عند psychiatrist ‘طبيب نفسي’.”

“أوه.. بجد؟” سأل رحيم بنبرة لا تخلو من الإنبهار ليومئ أنس بإبتسامة صغيرة قبل أن يقوم بإيضاح الأمر بصدق قائلًا:

“اه.. أنا عارف أني مش طبيعي، يعني مش مريض أوي بس شوية عقد نفسية على كلاكيع على طفولة مشوهة كده.. أنا عايز احب وادخل في علاقة جد يا رحيم وحرام أظلم انسانة معايا وادخل معاها في علاقة وأنا مش سوي.. فلازم أصلح ده قبل ما أدور عالحب يعني.”

“أنس أنت أجمل انسان شوفته في حياتي بجد، ربنا يكملك بعقلك.”

“هو أنت ليك مزاج تطلع فيزا لكندا ولا أيه؟ أنت مش مضبوط ياض.”

“أنا مش هرد عليك، عشان مش قادر ادخل في Argument ‘جدال’ تاني بصراحة.”

“ليه في أيه؟ ثواني كده.. أنتَ مش كنت هتاخد أفنان وأهلها تشوفوا البيت؟”

“عرفت عن خناقتك أنت ونوح، قبل ما تبص كده أنا محكتلهاش اللي حصل وهو طبعًا قالها وأكيد زود كلام من عنده و اتخانقنا ونزلت من عندهم..”

سرد رحيم ما حدث بإختصار ليمتعض وجه أنس ليزفر بضيق ثم يُعلق ساخرًا:

“نوح ده محتاج يتنفي بجد، وجوده خطر وقرف عالبشرية.”

“أنا مقدر غضبها عشان هو ابن خالتها بس أنت بردوا أخويا.”

“بص والله وأعلم مش ده اللي فارق مع أفنان، غالبًا اللي فارق معاها أنك مش صريح يا رحيم.. أنت بتخبي كل حاجة عنها من منطلق أن الحاجة مش مهمة أو هتضايقها فأحنا منقولهاش خالص.. وده مينفعش يا رحيم، أفنان دي مش واحدة عابرة في حياتك ولا واحدة صاحبتك.. دي خطيبتك ومراتك المستقبلية لو الجوازة الشؤم دي تمت على خير يعني.”

“عندك حق..بس رد فعل أفنان كان سيء أوي، أنا أول أحس أني متضايق منها كده بجد وأحساسي ده نفسه مضايقني جدًا.”

“عادي يا رحيم هي دي فائدة فترة الخطوبة تتعرفوا على بعض أكتر وتتخانقوا وتشوفوا رد فعلكوا وقت الغضب والزعل والبعد مش مجرد وقت لللڤلڤة وبس.”

“عندك حق، عمتًا أنا هسيب الموضوع يهدى يومين وبعدين هروحلها ونتكلم.”

في مساء اليوم التالي جاء موعد زيارة الطبيبة والتي قد قام أنس في السابق بحجزه، كان يقود السيارة بتوتر غير معهود.. وصل أنس إلى العيادة في أحدى أحياء منطقة مصر الجديدة.. داخل أحدى الشوارع الهادئة وتحديدًا داخل ‘ڤيلا’ صغيرة كانت عيادة الطبيبة المنشودة، انتظر أنس قليلًا بالداخل حتى سمحت له المُساعدة بالدخول.

“مساء الخير.”

“مساء الخير يا أنس اتفضل.”

“طيب مبدأيًا أنا متوتر وحاسس أني مش مرتاح وبعيدًا عن أني جاي بمزاجي ولكن الوضع كله مريب بالنسبالي.”

“ده طبيعي جدًا خاصة لأول أول مرة تزور فيها طبيب نفسي، أنا عايزاك تاخد نفس عميق و Relax خالص.. أنا النهاردة مش هقول حاجة خالص أنا عايزة اسمع منك بس.”

“المفروض احكي من أول فين؟ يعني من قدام لورا ولا من ورا لقدام؟”

“من النص لو حابب، لو عايز تبدأ من أول ما دخلت هنا براحتك.”

“هحاول أقول اللي يجي في دماغي..” نبس أنس بتوتر وهي يعبث بأعصابه مُتجنبًا النظر إلى زوج الأعين الخضراء المشوبة بالصفرة والتي تنظر إليه بإهتمام وتفحص شديد.

“طبعًا حضرتك.. عرفاني، أنا أخو أروى اللي بتابع معاكي.. معرفش هي حكتلك أيه أو هي فاكرة أيه أصلًا.. أنا أنس..”

بدأ أنس في سرد بعض المعلومات البديهية عن نفسه، كانت الطبيبة تستمع إليه في هدوء وربنا تمازحه بكلمة أو اثنتين ومن ثم ساد الصمت لبرهة قبل أن يبدأ أنس حديثه عن النقطة الأكثر إيلامًا.. عند النقطة التي لم يظن قط أنه قد يذكرها لأحد غير رحيم..

“فريد.. يعني أبويا البيولوچي.. أبويا اللي في البطاقة بالإسم، مات من قريب.. بيقولوا أني كنت السبب في موته، مع أنه مات بجلطة وحضرتك دكتورة وعارفة.. الجلطات أسبابها كتير لكن والدتي أصرت أني السبب، أنا السبب بعيدًا عن كل الأسباب زي السن، التدخين، الشرب، الإدمان وأي عوامل تانية ممكن تكون دمرته.. اختارتني أنا عشان أشيل مسئولية موته.. أيوا فريد كان مدمن..”

بصق إنس كلماته بصدق وحنق في الوقت ذاته، غضب كبير كان يفوح من كلماته المُبعثرة وجمله المتقطعة، كان يتخلل حديثه عده زفرات من الغضب والإستياء بينما كانت الأخيرة تستمع إلى كل ما يقوله في هدوء تام وسكينة عدى من بعض الإماءات وتدوين ملاحظة أو اثنتين.

“فريد.. فريد مش بس آذى نفسه يا دكتور لا.. فريد آذاني وآذى أختي الوحيدة وحتى أمي اللي أنا بكرهها، أحنا كنا مسافرين.. من سنة وكام شهر تقريبًا، كنا في الڤيلا بتاعتنا في الساحل.. كان سايق العربية.. هو قدام وجنبه أمي وأنا وأختي.. أروى راكبين ورا، كان سايق على سرعة جنونية كان شارب ومبلبع من الهباب اللي كان بياخده.. كان في حالة مش طبيعية وقبلها كنت متخانق أنا وهو، صوتنا علي في الطريق وكان بيزعق ومتعصب، كان بيبصلي في المراية بغضب شديد واحتقار.. فجاءة كل حاجة سكتت..”

غلف الصمت المكان بمجرد أن شعر أنس بحرارة تكسو وجنته، انهمرت دموعه دونًا عن إرادته.. كفكف دموعه سريعًا قبل أن يُتابع:

“لحظة وقف عندها الزمن، معرفش ده حصل ازاي بس أنا فجاءة بقيت مقلوب جوا العربية، دم نازل من رأسي وآلم فظيع في جسمي كله.. وأروى.. أروى مكنتش جنبي كانت مرمية عالأرض غرقانة في دمها.. أنا.. بعد إذنك أنا لازم أمشي.”

استأذن أنس قبل أن يستقيم من مقعده على الفور مغادرًا المكان قبل أن تستطيع الأخيرة اللحاق به أو التفوه بكلمة، لقد أباح بما يدور في عقله ويحرق قلبه ولم يتوقع أن يفعل، وربما شعر بالإستياء من نفسه لأنه فعل فلقد تعهد لنفسه بعدم فضح مشاعره أو النبش في طيات الماضي التي يحاول جاهدًا أن يمحيها.

بعد مرور يومان من الهدوء بين جميع الأطراف، لم تتحدث أفنان إلى رحيم ولم يفعل هو المثل.. في تمام الساعة التاسعة كان رحيم داخل مكتبه بالشركة يُنهي بعض الأوراق الخاصة بصفقة هامة، جالسًا على المكتب خاصته مُرتدي!ا بذلة رمادية اللون وفي يد يمسك ببعض الأوراق في الآخرى ‘المج’ الخاص بأفنان وداخله قهوته، طرقت المساعدة خاصته الباب لتُخبره بوجود ضيفة في الخارج تطلب مقابلته، زفر رحيم بضيق شديد.. مؤكد أنها ناتالي وربما ميا.

“رحيم ينفع ادخل؟” سألت أفنان بنبرة خجولة وهي تعبث في خاتم الزواج خاصتها، انتفض رحيم من مقعده على الفور بلهفة شديدة وهو يُردف الآتي موجهًا نصف حديثه لأفنان والنصف الآخر للمساعدة.

“أفي؟! اتفضلي طبعًا.. خلاص تقدري أنتِ تتفضلي.”

“وحشتني.. قصدي وحشني كلامنا مع بعض، أو يعني.. رحيم أنا أسفة، أنا أسفة بجد عشان اتعصبت عليك وأسفة عشان مش بركز أنا بقول أيه وبتصرف ازاي بس أنتَ بجد مش عارف أي حاجة ليها علاقة بنوح بتوترني ازاي..”

كان لرحيم ردة فعل مختلفة على كل كلمة تفوهت بها أفنان، كان يود التعليق على ما تقوله لكنها لم تسمح له حيث أنها استرسلت في حديثها غير تاركة مجال للمقاطعه، تزايدت نبضات قلبه واتسعت ابتسامتة حينما اخبرته بتلعثم وخجل أنها قد اشتاقت له، أو لوجوده أو لحديثهم.. أيًا كانت الصيغة التي تحاول إيصال الأمر بها فقد وصلت بالفعل إلى داخل قلب رحيم وكأن هناك رابط بينهم لقد تفوهت بما كان على وشك أن يقول.. أنه اشتاق إليها، كان كل شيء على ما يرام حتى ذكرت اسم ذلك الوغد وهنا شعر رحيم بنفسه يضغط تلقائيًا على أسنانه لتصبح عظام فكه أكثر وضوحًا.

“أنا خلاص مش زعلان منك، مش زعلان منك من قبل ما تقولي ولا حرف، الزعل كله راح لما مهنتش عليكي ولو مكنتيش جيتي كنت هجيلك أنا عشان مش فارقة مين يصالح مين المهم أننا نتصالح.”

“ربنا يخليك ليا بجد.. عارف الحمدلله أن أنا وأنت عكس بعض، تخيل لو أحنا الإتنين لاسعين زيي كده؟ كانت هتبقى كارثة.”

“ده حقيقي فعلًا، المهم بقولك أيه Uncle و Auntie في البيت؟”

“مش عارفة بابا فين بس ماما في البيت اه.”

“طب يلا بينا نروح نشوف البيت، وناخد ميرال كمان معانا.”

“أيه الجنان ده؟ أنت مش عندك شغل؟” سألته أفنان وهي تضحك ليصمت لبرهة متأملًا ضحكتها قبل أن يُردف:

“اه صح.. طيب بصي، اسبقيني عالبيت وأنا ساعة وهحصلك إن شاء الله.”

“تمام اللي تشوفه.”

في مساء ذلك اليوم اصطحبهم رحيم إلى المنزل المنشود، عُش الزوجية الذي من المفترض أن تستقر بداخله حكاية الحُب التي نمت بين عصفوريين من سلالتين مختلفتين تمامًا لكن شاء القدر بطريقة ما أن يجتمعا، كان أغرب شعور شعرت به أفنان يومًا حماس يعصف بفؤادها، نبضات قلب تتسارع وأرجل ترتجف.. أنامل باردة وسعادة ممزوجة بقلق واضطراب.

كان المنزل يقع في التجمع الخامس، في ‘كمباوند’ كان المنزل أو بمعنى أدق ‘الفيلا’ تتكون من طابقيين وحديقة أمامية وخلفية، كان المكان ذو ألوان هادئة بلون الكراميل والذي قد غلفه الخضرة من جميع الجوانب بأنواع مختلفة من الأشجار والورود ولكنها كانت بحاجة إلى التقليم والترتيب.

“العمال هيضبطوا الزرع وكل حاجة متقلقيش، هو بس في عيب واحد هو إن ال Pool لسه مش جاهز.”

“بول ايه يا رحيم؟ هنعطل الجوازة عشان حمام سباحة؟ هو أنت متجوز رانيا علواني أنا مبعرفش أعوم أساسًا!” سخرت أفنان ليقهقه رحيم قبل أن يشرح وجهة نظره قائلًا:

“بس هو شكله هيبقى حلو أوي، تعالوا اتفضلوا نشوف باقي البيت.”

“المكان هنا حلو أوي، بس كنت فاكرة أننا هنسكن في الزمالك قريب من بيتنا يعني وكده وقريب من بيتكوا برضوا.”

“أنا عندي شقة هناك بس المكان هنا أوسع، ممكن نبقى نوضب الإتنين ونقعد شوية هنا وشوية هناك.”

“ما بدل البعزقة دي يا ابني نساعد حد مش عارف يتجوز وأهو ربنا يكرمنا في الجوازة.”

“عندك حق، خلاص وعد نشوف حد محتاج مساعدة بجد ونتكفل بمصاريف جوازه.”

“بجد؟”

“بجد.” تمتم رحيم لتشعر أفنان بسعادة غامرة، فماذا أفضل من بدء حياة جديدة بفعل الخير؟!

أكمل الجميع جولتهم وتم الإتفاق فيما بينهم على بعض الأشياء ومن ثم قام رحيم بإيصالهم إلى المنزل مجددًا.

بعد مرور شهر على ما حدث، عادت الأمور إلى الإستقرار النسبي مجددًا، رحيم وأفنان بدأو في النقاش حول حياتهم المستقبلية وما ينون فعله في المنزل خاصة بعد الذهاب ورؤيته، سمح الطبيب لأروى بإكمال فترة التأهيل والعلاج في المنزل لذا عاد رحيم للمكوث في منزل والديه مغادرًا منزل أنس.

لم يكرر أنس الذهاب إلى الطبيبة وحاول تناسي الأمر تمامًا، عاود نوح الثرثرة حول تقديم موعد زفافة على ميرال وفي أحدى الأيام اصطحب نوح والدي أفنان وميرال وأفنان للذهاب لرؤية أثاث المنزل والإتفاق عليه قبل أن يأتي هو بمفرده مجددًا لشرائه ونقله إلى عش الزوجية.

وفي أثناء تجولهم شعرت أفنان بالإرهاق لذا قررت الإنتظار بجانب السيارة أمام أحدى المعارض لحين انتهاء أسرتها من اختيار الأثاث ولكن أثناء وقوفها فوجئت بنوح الذي غادر المعرض واقترب ليقف أمامها، عقدت حاجبيها وهي تسأله بتعجب:

“في حاجة ولا أيه؟”

“عايز اتكلم معاكي شوية.”

“عايز أيه يا نوح؟ خلص.”

“أيه الأسلوب ده؟ وبعدين أيه المشكلة لما نقف ونتكلم هو مش أنا قريبك برضوا ولا أيه؟”

“المشكلة إن مفيش كلام بينا والمشكلة أني مخطوبة ورحيم هيتضايق جدًا من كلامنا مع بعض.”

“يا خسارة وأنا اللي كنت فاكرة Open minded ‘مُنفتح’.”

“هو ده مفهومك عن التفتح؟ ربنا يعينك عالمهلبية اللي في دماغك، عمتًا رحيم مش متضايق أكيد أني بتكلم مع ابن خالتي في المُطلق طالما بحدود وآدب رحيم متضايق منك لشخصك وهو عنده حق عمتًا.”

“وماله شخصي بقى إن شاء الله؟”

“متلفش وتدور يا نوح عايز أيه؟ وانجز قبل ما ميرال ما تيجي.” سألته أفنان ليأخذ نفسًا عميق قبل أن يُفصح عما يدور في خاطرة منذ زمنًا بعيد:

“أفنان أنا هقولها بصراحة ووضوح.. أنا بحبك، بحبك وعايز اتجوزك يا أفنان.. أفنان دبلتي المفروض تكون في إيدك أنتِ.. مكان الخاتم ده، أنا كنت جاي اتقدملك أنتِ مش ميرال لكن أنتِ احرجتيني ولاقتني بقول اسمها عشان اخرج من الموقف الزفت اللي اتحطيت فيه ده.. أفنان أنا مش قادر اتصور حياتي من غيرك.. ولكن لو اضطريت هكمل في الجوازة، هتجوز ميرال عشان ملهاش ذنب قلبها يتكسر وعشان على الأقل اقدر ألمحك حتى ولو من بعيد..”

كانت أفنان تستمع إليه بنصف عقل، الصدمة جعلت عقلها يتشتت.. نيران الغضب تشتعل داخل قلبها وتتمنى لو بإمكانها دفن نوح حيًا الآن، ما هذه الكارثة التي حلت على رأسها؟ ذلك الوغد الوقح يتفوه بكلماته تلك بكل صراحة وجرأة دون حياء أو خجل من فعلته تلك، لا تدري أفنان كيف لتلك السُمية أن تتجسد في شخصًا واحد؟! لم تُجب أفنان، هربت كل الكلمات الغاضبة من فمها، عجز لسانها عن الحركة وحُشرت الكلمات في جوفها لم تستطع فعل شيء سوى أن ترفع يديها عاليًا وتهوي بكف قوي على وجنة نوح ابتعد بضع خطوات للوراء على آثره.

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك رد

error: Content is protected !!