روايات

رواية تراتيل الهوى الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ديانا ماريا

رواية تراتيل الهوى الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم ديانا ماريا

رواية تراتيل الهوى البارت السادس والثلاثون

رواية تراتيل الهوى الجزء السادس والثلاثون

تراتيل الهوى
تراتيل الهوى

رواية تراتيل الهوى الحلقة السادسة والثلاثون

تجمد الدم في عروق تاج ونهض قائلا بتوتر: سروة اسمعيني قبل ما تقولي أي حاجة.
هزت رأسها كان الأمر أشبه بحريق في القلب، نظرات عيناها تتوجه فقط نحو تاج تلومانه بخيبة أمل وخذلان، نهضت عمتها بسرعة تقول بارتباك متلهف: سروة متفهميش غلط يا حبيبتي مش قصدي والله أنا….
لم تنتظر سروة لسماع المزيد، استدارت على الفور وغادرت تركض على السلم تتمنى لو بمعجزة ما تختفي، لحقها تاج فورا، كانت تركض على السلم تتمنى ألا يصلها، حاول تاج أن يصل لها وهو يناديها إلا أنها أسرعت وأوقفت سيارة أجرة وأمرت التاكسي أن ينطلق بأقصى سرعة، نظر أسرع تاج نحو سيارته وصعد إليها وانطلق يلحق سيارة الأجرة.
ضرب على المقود بعنف يلعن سوء الحظ الذي صادف مجئ سروة في نفس وقت كلام والدته عن رفضه الزواج منها في البداية، ضغط على دواسة البنزين حتى يلحقها، في سيارة الأجرة كانت سروة جامدة لا شيء يدل على ما تعانيه إلا عيناها ودموعها المحبوسة داخلهما ترفض النزول، في تلك اللحظة التي سمعت عمتها تتحدث كيف شعر تاج بالنسبة للزواج منها وظن أنه سيدمر مستقبله وحياته، تقسم أنها في تلك اللحظة سمعت صوت تحطم قلبها، كان تاج يحاول الوصول لسيارة الأجرة التي فرقت بينها وبينه عدة سيارات ويدعو أن تستمع سروة له، أغلق قبضته على المقود بشدة وهو يجز على أسنانه، لقد وصلت علاقته بسروة الآن إلى نقطة مصيرية، لكن كيف ستستمع له؟ لقد عمل جاهدا في جعلها تصدق أنه يرغب في إكمال حياته معها برغبته ولكن الآن لا شيء سيجعلها تصدق أنه اختارها بعقله …وبقلبه أيضا.
فجأة ظهرت سيارة أمامه أوقفته تنضم للطريق فضغط تاج على المكابح على الفور حتى يتفادى الاصطدام، أصدرت إطارات سيارته صوتا حادا وهي تحتك بالأرض فضرب بيديه على المقود بغيظ وغضب شديد، ثم أدار السيارة مرة أخرى وانطلق ليلحق بسروة.
وصلت سروة للمنزل فصعدت بسرعة وهي تركض لغرفة النوم وتغلق الباب ورائها بالمفتاح ثم رمت حقيبتها على الأرض وألقت بنفسها على السرير وهي تخبئ وجهها في الوسادة وتنفجر في البكاء بصوت مكتوم.
وصل تاج بعدها بدقائق وصعد بسرعة ثم تقدم لغرفة النوم وهو يناديها، حاول فتح الباب ليجده مغلقا بالمفتاح، طرق على الباب طرقات قوية وهو يقول برجاء: سروة افتحي الباب خلينا نتكلم.
علت شهقاتها فدفنت وجهها أكثر في الوسادة، سمع تاج صوت بكائها الذي مزق قلبه، كان يشعر بالعجز وبالذنب أمام بكائها الذي تسبب فيه دون قصده ولكن عليها أن تستمع إليه.
طرق مرة أخرى بقوة على الباب وهو يقول بتوسل: سروة افتحي بالله عليكِ، افتحي واسمعيني صدقيني أنتِ فاهمة غلط، ماما مكنش قصدها اللي أنتِ فهمتيه أبدا.
رفعت رأسها من الوسادة وصاحت به بقهر: أنا أخيرا فهمت صح! ليه تعمل فيا كدة؟ ليه؟ امشي مش عايزة أشوفك ولا أسمع صوتك!
ثم دفنت وجهها مرة أخرى في الوسادة وهي منهارة تمامًا، تنهد تاج بضيق وحزن ووقف حائرا لا يعلم ماذا يفعل وماهو هو الصواب في حالتها، يمكنه أن يجد المفتاح الإضافي أو يكسر حتى الباب ولكنه لا يعلم كيف ستكون ردة فعلها أو حالتها، ابتعد عن الباب لأنه لم يعد يتحمل صوت بكائها الذي يشعره بالاختناق والعجز وهو يأمل أن تهدأ بعد قليل حتى يتمكن من الحديث معها.
كانت تستعيد في ذاكرتها حديث عمتها مرارا وتكرارا كل مرة يؤلمها قلبها أكثر، اعتدلت على ظهرها فتساقطت الدموع من جانبي عيناها.
همست بحرقة ممزوجة بالمرارة: ليه؟ ده أنا حبيتك أكتر من نفسي طلعت بالنسبة لك حِمل تقيل كدة وبدمر حياتك ومستقبلك؟ يعني حتى قلبك مدقش ليا ولا مرة! طلعت ليها هي زي ما قالت! طب وأنا؟
عادت دموعها تنهمر أكثر من السابق وألم قلبها يكاد يفتك بها فوضعت يدها عليه عله يرحمها ويهدأ قليلا.
انقضى اليوم على ذلك الحال حتى حل المساء كلما حاول تاج أن يطلب من سروة أن تفتح حتى لتأكل قليلا تصرخ به بانهيار أن يذهب ويبتعد عنها وأنها لا تريد أن تراه فيعود تاج لمكانه مجددًا حتى نفذ صبر فنهض وهو مصمم على أن يجعلها تفتح الباب حتى وإن قام بكسره.
دق الباب وهو يقول بنفاذ صبر: سروة افتحي لو سمحتِ أنا مش همشي غير لما تفتحي متضطرنيش اكسر الباب.
لم تكن هناك أي إجابة فدق الباب مجددا وحين لم بجد أي إجابة منها أقترب بإذنه من الباب ليسمع لأي صوت قادم من الداخل، كان الجو هادئ بشكل مريب ففكر فجأة بقلق هل يمكن أن يكون حدث لها شيء؟
أخرج المفتاح الاحتياطي بسرعة يفتح الباب بخوف وهو يدعو ألا يكون حدث لها مكروه وإلا لن يسامح نفسه أبدا.
حين فتح الباب ولج بخطوات واسعة ثم توقف مكانه وقد رآها نائمة على السرير، أغلق عيونه وهو يزفر بارتياح، أغلق الباب برفق وتقدم إليها ثم جلس على السرير أمامها.
تأملها بعيون حزينة وهو يشاهد الدموع التي جفت على وجهها، اعتدل وهو يتمدد بجانبه ويدثرهما بالغطاء، وضع يده أسفل وجهه وهو يستلقي على جانبه ويستمر في تأملها، قلبه يتألم من أجلها لم يرد أبدا أن يكون السبب في اذيتها يوما، لقد عمل جاهدا حتى تصل علاقتهما لهذه المرحلة ويستطيع أن يجعل سروة تثق به لقد انهدم كل ماعمل لأجله في لحظة غير متوقعة.
رفع يده يمسح بها على وجنتها بشوق إلا أنه قطب حين وجد أن حرارتها مرتفعة قليلا، في تلك اللحظة فتحت سروة عينيها التي يظهر عليها التعب.
تغيرت نظرات سروة المتعبة إلى العتاب واللوم وامتلأت عيونها بالدموع.
قالت بصوت مرهق: ليه يا تاج؟ ليه تجرحني بالشكل ده؟
كان تاج على وشك الرد عليها والدفاع عن نفسه ولكنه لاحظ شيئا غريبا بها، كانت تفتح عيونها وتغلقها بتعب ثم تحدثت مرة أخرى كأنها تهلوس من كثرة البكاء والضغط النفسي: أنا مكنتش متوقعة أني عبئ تقيل عليك بالشكل ده.
حاول التحدث إلا أنها وضعت إصبعها على شفتيه وهي تتابع بمرارة: أنا كنت غبية لما فكرت أنك ممكن تحبني زي ما أنا بحبك.
اتسعت عيون تاج وخفق قلبه بشدة، وضع يده وأبعد إصبعها وهو يرد بلهفة: بس أنتِ مش غلطانة يا سروة، أنا…أنا بحبك فعلا.
هزت رأسها برفض وهي تقول بألم ممزوج بالحرقة: مش لازم تشفق عليا وتقول الكلام، أنا عارفة أنه قلبك مش ليا.
أقترب بوجهه منها وهمس لها بعاطفة جياشة: بصي في عيوني يا سروة وأنتِ تعرفي أنا عيوني عمرها ما كدبت عليكِ، هتشوفي فيها أني بعشقك مش بحبك بس
أغمضت عيونها بقوة ترفض النظر في عيونه أو تصديق ما يقوله، فكر سريعا فيما يمكن أن يثبت لها أنه يحبها هي.
اقترب منها سريعا يمطر أنحاء وجهها بقبلاته الحارة وهو يغرس أصابعه في شعرها يقربها منه، أغمضت سروة عينيها باستسلام، لم تقاومه لقد أرادت أن تشعر بقربه للمرة الأخيرة، برغم كل ماحدث كان قلبها ضعيفًا اتجاهه يرغب بتلقي الحب منه لآخر مرة، أرادت ذكرى أخيرة لها تبقيها معها لتؤنس وحشتها في الليالي القادمة بدونه، أرادت أن تودعه وتكون بقربه قبل أن تفترق عنه إلى الأبد.
في الصباح تحرك تاج في نومه وهو يمد يده حتى يشد سروة لحضنه إلا أنه وجد المكان فارغ فعقد حاجبيه باستغراب وفتح عيناه ليجد أن المكان فارغ، نهض وهو يبحث عنها في أرجاء الغرفة، ظن أنها في الحمام فناداها دون إجابة فنهض وطرق على الباب، لم يأته رد ففتح الباب ليجد أنه فارغ، ازدادت حيرته أكمل بقية بحثه في أرجاء الشقة ولم يجد لها أثرا، فكر بحيرة أن يمكن أن تكون ذهبت؟
ضرب بيده على جبينه بخفة وهو يفكر بالتأكيد ذهبت لبيت والدها فعاد لغرفة النوم حتى يرتدي ملابسه ويذهب إلى هناك بسرعة بالتأكيد هي مازالت غاضبة منه.
توقف أمام منضدة الزينة حين لمح ورقة عليها، رفع الورقة وفتحها لينقبض قلبه وهو يقرأ محتواها المُتمثل في كلمتين” متدورش عليا”.
اضطربت أنفاسه وهو يستوعب المعنى الحقيقي للكلمات وهمس بصوت مختنق: مصدقتنيش!
بعد مرور خمس أسابيع كان تاج يجلس في مكان عمله شاردا أمامه ولم يكن هذا مستغربًا فقد كانت هذه حالته منذ اختفاء سروة، بعدما قرأ تلك الورقة، ألقاها في القمامة ثم ارتدى ملابسه وهو يرفض طريقة سروة في الهروب وصمم على جعلها تستمع إليه، لن يسمح لها بهدم حياتهما سويًا بهذه السهولة، إلا أن مخططه ذهب أدراج الرياح حين لم يجد سروة في منزل والدها بل وصدم حين علم أن لا أحد منهم يعلم مكانها، كاد يجن جنونه وهو يبحث عنها في كل مكان يعرفه ولا يجدها، شعر بأنه على وشك أن يفقد عقله من شدة القلق عليها كما كان والدها ووالدته، حين وصلت منها رسالة بعد اختفاءها بأيام لوالدها تطمئنه عليها وتطلب منه ألا يبحث عنها وهي ستعود حين ترى الوقت ملائما.
لم يقتنع تاج بذلك وأكمل بحثه عنها دون جدوى حتى أنه وظف أناس ماهرين ليجدوها وها قد مرت خمسة أسابيع دون أثر لها، زفر بشدة وهو يستند بذراعيه على المكتب ويُخفي وجهه بين يديه بارهاق.
رفع وجهه بتعب حين رأى هاتفه يرن، رد بسرعة وهو بلهفة: ها عرفت حاجة؟
استمع للطرف الآخر قبل أن يرد بغضب: خمس أسابيع كل ده ومش عارف تلاقي مكانها أو أي معلومة عنها، هتكون راحت فين اختفت من على وشك الأرض!
تابع بعصبية: خلاص أقفل!
أغلق هاتفه وألقاه على المكتب بعصبية، ضرب بقبضه بقوة وهو يتسائل بحرقة: هتكوني روحتِ فين بس! للدرجة دي مش عايزة تشوفيني!
رن هاتفه مجددا فتنهد وهو يرد على والدته التي قالت بحماس: تاج سروة رجعت!
انتفض تاج ونهض من مكانه وهو يقول بعدم تصديق: بتتكلمي بجد يا ماما؟
أكدت والدته بسعادة: اه والله هي هنا دلوقتي لسة واصلة.
قال بارتباك: ط..طيب أنا جاي حالا.
أغلق الهاتف بسرعة وخرج من المكان هو يسرع لسيارته، قاد وهو يشعر بسعادة ممزوجة بالتوتر والترقب للقائهما بعد كل هذا الوقت، أين كانت يا ترى؟ هل هي بخير؟
أهم شيء لديه أن يتأكد من سلامتها ثم سيكون لديه حساب معها على اختفائها بهذا الشكل المقلق.
وصل وصعد السلم بلهفة يدفعه الاشتياق لرؤيتها وقد استبد به الشوق، حين ولج للمنزل ورآها توقف مكانه، كانت تجلس بجانب والدها تتبادل الحديث معه تضحك كانت تبدو مشرقة ومليئة بالحيوية عكسه هو الذي بهت وجهه ووجدت الهالات السوداء مكانها تحت عينيه من السهر قلقًا عليها وقد انخفض وزنه قليلا بسبب انعدام شهيته أغلب الوقت.
حين رأته سروة تغيرت قسمات وجهها وتحولت للجمود وظهر في عينيها البرود، تقدم نحوها تاج بتردد فنهضت سروة، رفع تاج ذراعيه ليحتضنها إلا أنها صدمته حين مدت يدها وأمسكت بيده تسلم عليه ببرود.
كانت عيون تاج تحدق إليها بعدم تصديق ولكنه تدارك الموقف وسلم عليها، كانت والدته تجلس بجانبها ولكن صامتة متوترة لعدم احتكاكها بسروة منذ آخر مرة فلم تجد الفرصة لتوضح سوء الفهم.
قال تاج بجدية: عايز أتكلم معاكِ ضروري.
رفعت سروة كتفيها: تمام هريح شوية ونتكلم.
أمسكها من ذراعها وهو يقول بصرامة: لا دلوقتي أنا قولت ضروري.
ثم دون أن يترك لها فرصة للرد شدها معه لغرفة نومها.
ولج بها للداخل فنزعت ذراعها من قبضته وهي تقول بغضب: إيه اللي أنت بتعمله ده؟
أغلق الباب ثم استدار لها وفي عيونه تحذير، تحدث بجدية: دلوقتي عايزك تقوليلي كنتِ فين؟
رفعت سروة حاجبها: و ده يخصك أو يهمك في أيه؟
رفع حاجبيه بعدم تصديق وفغر فمه بدهشة: يهمني في إيه؟ أنتِ بتهزري ولا بتتكلمي بجد؟
ابتسمت سروة ببرود: لا طبعا بتكلم بجد، شايفين بهزر فين؟
اشتدت تعابير تاج وقال بغضب ساخر: يخصني أني جوزك مثلا؟ اللي سبتيه أكتر من شهر ميعرفش أنتِ فين!
شبكت ذراعيها أمام صدرها وقالت بثقة: بالنسبة أني كنت فين دي حاجة تخصني فعلا أما بالنسبة لجوزي ده على وشك أنه يتغير.
قطب تاج بعدم فهم: يعني إيه؟
أجابته سورة بوجوم: طلقني.
حدق إليه تاج بصدمة وقد تذكر سبب خلافهما وتركها له، تقدم منها يمسك بذراعيها وهو يقول بتوتر: سروة أنتِ فهمتِ غلط ولازم تسمعيني مش معقول تهدي حياتنا كلها على سوء تفاهم.
تحولت ملامح سروة للغضب الشديد وهي تتذكر صورته وحديثه مع روفان وقالت بحدة: فهمت غلط؟ فهمت غلط في إيه؟ أنك اتجوزتنب غصب عنك؟ ولا أنك كنت شايف ده هيدمر حياتك ومستقبلك؟ مش ده الكلام اللي سمعته من عمتي نفسها؟ ولا أنت كنت بتحب واحدة تانية وهي هي نفس البنت اللي كانت في الحفلة!
تراجع تاج بذهول وهو لم يتوقع يوما أن تعلم سروة عن علاقته بروفان بل وأنها هي من كانت بالخفل: أنتِ عرفتِ منين؟
ابتسمت سروة بسخرية رغم الألم الحارق داخلها: مش مهم عرفت منين، المهم دي الحقيقة مش كدة؟
حاول تاج تبرير موقفه والدفاع عن نفسه لأنه لم يتوقع أن يكون في هذا الموقف في يوم من الأيام وقال بثبات: بس ده كان ماضي قبل ما اتجوزك ومات واندفن من يوم ما اتجوزتك وطلبت منك نكمل حياتنا مع بعض.
اغتاظت سروة منه بشدة وقالت بتهكم: صحيح بأمارة لما ورحت تقابلها وأحنا متجوزين! وتعاتبها ليه مسمعتكش لما حاولت تبرر لها أنك اتجوزت واحدة غيرها وأنت بتحبها هي.
رغم تظاهرها بالتماسك إلا أن صوتها ارتعش قليلا في نهاية الكلام والألم داخلها يزداد وهي تستعيد تلك الكلمات.
كان ذهول تاج يزداد فكيف علمت بكل هذا؟ لمعت فكرة في رأسه فجأة، بالتأكيد روفان! ربما أرادت الانتقام للمرة الأخيرة لأنه فضل سروة عليها.
أسرع لسروة التي تفاجئت وأمسك بوجهها بين يديها يقول برجاء صادق: سروة اسمعيني بالله عليكِ، أنا فعلا روحت يومها اقابلها لكن علشان احذرها متقربش مننا تاني وتخرج من حياتنا مش زي ما أنتِ فاكرة، الكلام اللي بتقوليه ده مكنش عتاب ليها ده كان استهزاء بيها والله.
تابع بصوت أجش: صدقيني روفان مبقاش لها وجود في حياتي ولا قلبي من ساعة ما اتجوزتك، ومن ساعة ما طلبت منك نكمل مع بعض مفيش غيرك في قلبي أنا بحبك أنتِ.
أمسكت بيده ونزعتها بعنف وهي تقول بشراسة: كداب! أنت كداب أنا مش مصدقاك!
تصلبت ملامح وجهه وقال بحدة: أنا مبكدبش يا سروة ولا مضطر أكدب عليكِ في حاجة زي دي.
ردت بجمود: على العموم مش هتفرق أنا عايزة أطلق.
حاول مجددا أن يجعلها تستمتع إليه وقال بعدم رضا: سروة أنا بحبك بجد أنتِ ليه مش راضية تصدقي؟
صرخت به سروة بعصبية: علشان أنت كداب أنت مبتحبنيش! طلقني أنا بقولك طلقني أنت إيه معندكش دم!
تحكم في غضبه وهو يقول بتحذير: مش هحذرك تاني أنا مش كداب أنا باقي عليكِ علشان كدة بحاول أصلح اللي أنتِ عايزة تهديه.
قالت سروة باستفزاز وكبرياء: متتعبش نفسك أنا مقبلش أكمل مع واحد شايفني مجرد عالة عليه ومكمل معايا عطف بس.
رد تاج باهتياج: برضو بتقولي عالة!
ردت سروة بانفعال: ايوا وأنا عايزة أطلق منك، ليه مش راضي تطلقني وتسيبني في حالي بقى! طلقني هو أنت مبتحسش! مش عايزة أكمل معاك هو بالعافية!
غادر الانفعال وجه تاج تاركًا ملامح جامدة.
قال بهدوء: لا مش بالعافية، أنا هنفذ لك رغبتك وأطلقك زي ما أنتِ عايزة.
ثم التفت وخرج من الغرفة، انهار قناع القوة الذي كانت تتسلح به سروة وجلست على السرير وهي تبكي وتضم نفسها، مهما تظاهرت بالقوة من داخلها مازالت ضعيفة للغاية أمامه، رغم أنها من استفزته ليوافق على الطلاق إلا أنه حين وافق بالفعل كأنه طعنة اخترقت قلبها.
لم يعد تلك ذلك اليوم وقد علم والدها وعمتها بالاجواء المتوترة بينهم منذ اختفاء سروة، في اليوم التالي أتى تاج فأخفت سروة توترها وهي تتجاهل وجوده رغم أنها تستمع بإنصات لما يتحدث به مع والدته ووالدها.
جلسوا لتناول الطعام وفجأة قال تاج بهدوء: عايز أتكلم معاكم في موضوع مهم، استمع له نصير وسميحة باهتمام بينما لم ترفع سروة بصرها عن طبقها.
قال تاج بجدية: أنا مسافر.
حدقوا إليه بصدمة بينما تجمدت سروة وهي تناظر الطبق الذي أمامها.
قالت والدته بذهول: هتسافر؟ فين وليه؟
أمسك تاج بيدها ورد بنعومة: شغل يا حبيبتي جالي فرصة شغل واستقرار هناك، عرضها عليا دكتور هناك وأنا رفضتها في الأول بعدين لما أصر عليا كام مرة وافقت لما لقيتها فرصة كويسة.
أنهى حديثه وهو ينظر لسروة بقصد ثم عاد يحدق لوالدته التي قالت بنبرة مرتجفة وهي على وشك البكاء: يعني الفرصة دي متنفعش هنا؟ لازم تسافر وتسيبنا؟
ربت على يدها وقال بحنان: اه هتبقى فرصة كويسة جدا ليا معلش يا ست الكل.
نظرت سميحة لسروة بعتاب فأشاحت سروة بوجهها بعيدا.
قال نصير بجدية وهو لا يريد التدخل بينه وبين ابنته: ربنا يوفقك يابني بس وحياتك هنا؟
نظر له تاج وقال بحزم: أنا مليش حياة هنا يا خالو.
صمت نصير وهو لا يدري بما يرد، شعرت سروة بالاختناق من رده فنهضت وهي تقول بجمود: عن إذنكم.
سارت لغرفتها تتبعها نظرات تاج، حين دلفت لغرفتها تسارعت أنفاسها وهي لا تصدق أنه سيسافر، سيتركها ولن تتمكن من رؤيته! حتى وإن افترقا كانت تطمع في رؤيته وبقائه قريبا منها بسبب القرابة التي بينهما ولكنه الآن سينهي كل هذا بسفره وخروجه من حياتها.
جلست على سريرها وهي تضم ركبتيها لصدرها، تحدق أمامها بعيون تلمع بالدموع دون أن تنهمر وهي تخبر نفسها أن ذلك أفضل، لقد انتهت حياتهما معا وهذا القرار هو الأصلح لهما.
إلا أن قلبها رفض الإقرار بهذا الكلام وبكى لفراقه، احنت وجهها ودموعها تنهمر بصمت على وجهها، شعرت بشخص يفتح الباب ويولج للغرفة فرفعت رأسها بسرعة لتجد نفسها في مواجهة عمتها.
مسحت دموعها بسرعة وهي تقول بتوتر: عمتو، فيه حاجة ولا إيه؟
اقتربت عمتها وجلست أمامها وهي تقول بجفاء: هتسبيه يسافر؟
ردت سروة متصنعة الجهل: هو مين؟
زفرت عمتها بحنق وردت: سروة مش وقته اللي بتعمليه ده، أنتِ عارفة كويس قصدي، هتسيبي تاج يسافر؟
قالت سروة ببرود: عمتو أنا مبقاش ليا علاقة بحياة تاج أنتِ عارفة كويس أنه خلاص طرقنا افترقت.
ردت عمتها بتهكم: والدموع دي كانت علشان مين؟
توترت سروة وحاولت تجنب النظر لها: دموع إيه؟ أنا مكنتش بعيط أنا بس مخنوقة شوية.
ردت عمتها بإصرار: مخنوقة علشان تاج مسافر.
نظرت لها سروة وقالت بحدة: عمتو لو سمحتِ الموضوع ده اتقفل خلاص.
نظرت لها عمتها في عيونها مباشرة وقالت بتحدي: تقدري تبصي في عنيا وتقولي أنك مش بتحبيه؟
اخفضت سروة نظراتها وقد عجز لسانها أن ينطق وينكر ما تقوله فقالت بصوت منخفض متألم: بس هو مش بيحبني هو بيشفق عليا وأنا كرامتي متسمحليش أكمل معاه وهو مش بيحبني.
تنهدت عمتها وقالت بعدم تصديق لما تسمعه:مين قالك أنه مش بيحبك؟ لو على الكلام الاهبل اللي سمعتيه مني انسيه خالص الحكاية دي كانت قبل ما يتجوزك.
ثم تابعت بحكمة وجدية: أنتِ مشوفتيهوش كان عامل ازاي وأنتِ مش هنا؟ مكنش بياكل ولا بينام من قلقه عليكِ يا ترى أنتِ فين وبتعملي إيه يا ترى كويسة ولا فيكِ حاجة، سايب كل حاجة في حياته ومش وراه هم غير أنه يدور عليكِ وقبل كل ده المفروض تكوني عرفتِ لوحدك أد إيه بيحبك، مخدتيش بالك من معاملته ليكِ؟ من لمعة عيونه لما بيشوفك؟ اختياره يكمل معاكِ حياته كلها بإرادته؟ طب حتى كزوج وزوجة المفروض تكوني بتحسي بشغفه ناحيتك؟ إيه كل ده ميعرفكيش أنه بيحبك واد إيه هو بيحبك؟
كانت ملامح سروة تُظهر الصراع الذي يدور بداخلها.
فقالت عمتها بلوم وهي تنهض: على العموم مفيش داعي للكلام طالما أنتِ رافضة تسمعي ومصرة تهدي حياتكم سوا بسبب أوهام ملهاش داعي بتفضلي الخوف على أنك تواجهي بشجاعة، خليكِ في خوفك ده بس مترجعيش تندمي بعدين!
ثم خرجت من الغرفة وتركت سروة في عذابها بين عقلها وقلبها والصراع الذي يدور بداخلها، رفضت الخروج من غرفتها بقية اليوم حتى حين حاول والدها الكلام معها تظاهرت بالنوم إلا أن عيناها لم تذق طعم النوم.
في اليوم التالي كانت جالسة في غرفتها مازالت على وضعها، حين دلفت عمتها للغرفة وقالت بجمود رغم وجهها الملئ بالدموع: تاج سافر.
تسمرت سروة مكانها تنظر لها بعدم استيعاب.
نطقت بتلعثم: س.سافر؟
أومأت عمتها فنظرت أمامها وصدرها يعلو ويهبط بانفعال، لماذا تشعر وكأن هناك شخص ضربها بشدة على رأسها؟
كأن قلبها انتُزع وسُلب منها؟ لقد سافر تاج؟ سافر قبل أن تراه وتُشبع عيناها من رؤيته؟ سافر قبل أن تودعه؟
وضعت يدها على بطنها وهي تشد عليها وتفكر باختناق
سافر قبل أن تخبره أنها تحمل داخلها جزء منه؟ تحمل داخلها طفله!
تدافعت الذكريات في رأسها منذ بداية زواجها من تاج وعمله بحقيقة ماحدث لها، وقوفه بجانبه ودعمه لها طوال الوقت، تضحيته من أجلها، دخوله السجن بدلا منها والمخاطرة بحياته ومستقبله، الحياة الهانئة التي عاشوها معا في شهر العسل.
بعد أن زالت الغشاوة عن عينيها تتذكر الآن أن تاج كانت أمامه الفرصة ذلك اليوم ليعود إلى روفان وعاد إليها! لقد اختارها هي!
انهمرت دموعها وهي تدرك الحقيقة التي اعمت نفسها عنها قصدًا لأنها كانت خائفة من أن تصدق، خائفة وقليلة الثقة في نفسها وترفض أن تصدق أنه يحبها! لذلك كانت تختبئ تحت ستار اللوم له لقد كان من السهل أن تعلق فشل العلاقة عليه هو بدلا من أن تخوض التجربة بنفسها.
نهضت بسرعة وهي تقول بلهفة: هو مشي امتى يا عمتو؟
نظرت لها عمتها بتعجب: من ساعتين كدة، طايرته الساعة اتنين.
نظرت سروة الساعة لتجدها الواحدة ظهرا.
نظرت لعمتها بتحفز: تفتكري هلحقه؟
حدقت إليها عمتها بدهشة للحظات قبل أن تبتسم بفرح: اه ربنا يوفقك حاولي.
ارتدت ملابسها في أقل من دقيقتين ثم خرجت وهبطت السلم وهي تدعو الله بأن تلحقه، ركبت سيارة الأجرة وهي تتوسل للسائق بأن يسرع بأقصى ما عنده.
كانت تدعو طوال الطريق بتضرع بأن تلحق به قبل أن يسافر كانت معدتها تؤلمها من الخوف والترقب، كانت تنظر الساعة كل ثانية تقريبا حتى وصلت أخيرا فاندفعت تركض إلى المطار، في البداية رفض الضابط أن يدخلها بدون جواز سفرها ولكن سروة توسلته وهي تبكي وقد شرحت له موقفها فسمح لها بالدخول.
ركضت وهي تتلفت برأسها في كل مكان باحثة عنه أو حتى عن طيفه، بحثت في مكان تقريبا حتى توقفت مكانها وهي تسمع نداء إقلاع طائرته، توقفت مكانها وهي تريد البكاء بأعلى صوتها إلا أنها انتحبت بصمت وهي تدرك أنها خسرت تاج، خرجت من المطار بخطوات بطيئة منكسة الرأس بحزن مرير حتى توقفت وهي تسمع صوتًا يناديها.
تجمدت مكانها بعدم تصديق ثم التفتت ببطء وهي تشعر أنها تحلم.
اتسعت عيونها بذهول وهي ترى تاج أمامها على مسافة منها، يمسك بحقيبة.
حدقت عيناه إليها بحب ممزوج بالشوق وهو يقول باستسلام: مقدرتش…. مقدرتش أسافر وأسيبك، مقدرتش أبعد عنك.
انهمرت دموع سروة هذه المرة بارتياح وهي تضحك بسعادة ثم ركضت لأحضانه، احتضنته سروة وهي تلف ذراعيها حول عنقه وتدفن رأسها في عنقه، استقبلتها ذراعي تاج الذي لف ذراعيه حولها واحتضنها بشدة وهو يرفعها من على الأرض ضاحكًا تغمر ملامحه البهجة والسعادة.

كانت سروة مازالت متمسكة بشدة بتاج الذي يمسح على شعرها بحنان.
قالت من بين بكائها بنبرة مكتومة: أنا آسفة، أنا كنت غيورة، أنا بحبك.
ازداد ضغط ذراعي تاج حولها وهو يدير وجهه ليقبل شعرها بحنو كبير.
هدأت قليلا فأبعدها تاج وهو ينظر لوجهها بابتسامة وبنظرة طالما تمنتها وحلمت بها.
مسحت على وجهه باشتياق وهي تتأمل ملامحه الوسيمة، عينيه البنية التي اشتاقت للنظر لها براحة، ملامحه التي يهدأ قلبها حين تراها، ارتفعت يدها لشعره الأسود بشوق.
وضع يداه على وجهها يمسح دموعها برقة لأنها لم يعد يتحمل دموعها: خلاص يا حبيبتي كفاية عياط علشان خاطري أنا مش بستحمل دموعك دي.
ردت بصوت متحشرج: يبقى متخلنيش اعيط تاني يا تاج، متخلنيش اعيط تاني أبدا.
قبل جبينها فأغمضت عيناها بارتياح وهي تحمد الله وتدرك أنها أخيرا وصلت لنهاية محنتها التي طالت.
ابتعد عنها وهو يبتسم: يلا نروح إيه رأيك نرجع بيتنا ولا نروح بيت خالي؟
نظرت له سروة بمشاكسة وقالت بدلال وهي تعبث في أزرار قميصه: عايزة أروح بيتنا أصله وحشني أوي.
ازدادت ابتسامته اتساعا ولمحت في عينيه لمحة خبث أحبتها ولكن انقلبت تعابير وجهه في لحظة وقال بجدية: قرار صح إحنا كمان محتاجين خصوصية علشان نصفي بقية الأمور اللي بيننا.
نظرت له سروة بارتباك وهي لا تفهم مقصده، أية أمور عالقة بينهم؟
أمسكها من يدها وحمل حقيبته في يده الأخرى ثم حدق إليها: يلا بينا.
ساروا معا ليُوقف سيارة أجرة حتى تُقلهم للمنزل، جعل الارتباك سروة تصمت طول الطريق لقد ظنت أن كل شيء أصبح على مايرام بينها وبينه.
حين وصلوا للمنزل دلفت قبله إلى الداخل وهي تستعد لما سيوجهه لها من أقوال.
أغلق الباب ووضع الحقيبة على الأرض ثم كتف ذراعيه وقال بنبرة خشنة: كنتِ فين؟
ارتبكت سروة فقد بدا وكأنه يستجوبها ولا يبدو عليه أنه على استعداد للتحرك من مكانه قبل أن يحصل على إجابته.
أخذت نفسا عميقا قبل أن تجيب بهدوء تُخفي توترها: كنت عند صاحبتي.
رفع حاجبه باستهجان: صاحبتك مين؟ أنا سألت عنك عند كل صحابك ومفيش حد كان عارف مكانك!
نظرت إلى الأرض كمن يخفي شيء وقد ظهر على وجهها الذنب فقال بتوجس: يعني إيه؟ يعني حد منهم كان عارف مكانك وكدب عليا؟
رفعت بصرها بسرعة وقالت باندفاع: أنا كنت عند سارة وهي كدبت بعد اصريت عليها لأني كنت عايزة أفضل لوحدي.
اتسعت عيونه بغضب: يعني كل الأسابيع دي كنتِ عند صاحبتك وأنا عمال أدور عليكِ لا بأكل ولا بشرب ولا بنام بفكر ممكن تكوني فين أو حالك إيه وأنتِ مستخبية مني!
ردت بيأس: حاول تفهمني يا تاج أنا كنت محتاجة أبعد شوية.
حدق إليها باستنكار وصاح بحدة: تبعدي عن مين؟ عني؟ وليه؟ كل ده علشان سمعتي بالغلط حاجة مش مقصودة وكانت ماضي؟ لسه عاقبتيني على ذنب معملتهوش؟
لم تجب وهي تشيح وجهها للناحية الأخرى تحاول في دموعها إلا أنه اقترب منه وقد صاح بصوت أعلى: ما تردي!
فزعت بسبب صوته العالي، ازدردت ريقها بصعوبة وهي تشعر كأن هناك حجر ثقيل يجثم على قلبها بسبب تغيره معها.
ردت بصوت متهدج: ده مكنش السبب الوحيد اللي خلاني أبعد يا تاج فيه حاجات تانية خليتني أعمل كدة.
قال بهدوء: أحب أعرف الحاجات دي، من حقي أعرف السبب اللي خلاكِ تسيبيني أنا وباباكِ وماما قلقانين عليكِ مش عارفين أنتِ فين.
مدت يدها التي ترتجف بشكل طفيف إلى حقيبة يدها وأخرجت هاتفها، فتحته وناولت له.
أمسكه منها وهو مقطب الجبين ثم اتسعت عيناه من الصدمة حين رأى صورته مع روفان في اليوم الذي قابلها فيه، رأى العبارة المرفقة أسفل الصورة والرسالة الصوتية ففتحها لتزداد صدمته وهو يسمع نفسه وقد اُقتُطع جزء من حديثه ليتم إرساله لسروة.
تسارعت أنفاسه من شدة الغضب والانفعال حتى برزت عروق وجهه، لا يصدق إلى أي مستوى حقير قد تدنت له روفان حتى تحقق غرضها وتنتقم وتفرق بينه وبين سروة.
تغيرت قسمات وجهه للبرود وسروة تنتظر بترقب ردة فعله.
ناولها هاتفها دون حديث فأخذته باستغراب وهي تحدق إليه بدهشة.
ابتسم بتهكم حين رأى دهشتها: إيه؟ متوقعة مني أقول إيه؟ أنتِ عارفة أنه دي حاجة تدينك أصلا!
أشارت سروة إلى نفسها بذهول: أنا!
أطلقت منه ضحكة سخرية: طبعا واحدة تخبي على جوزها حاجة مهمة زي دي وتسيبه وتمشي وهو زي الأطرش في الزفة ميعرفش حاجة أصلا يبقى تدينك ولا لا؟
اخفضت رأسها مما زاد في غضبه فأمسكها من ذراعها بقوة: ردي عليا! مقولتليش ليه؟ مواجهتنيش ليه؟ مستنتيش تسمعي تبريري ومشيتي سايباني تايه لا عارف ليه إيه ولا أنا عملت إيه! أنا استاهل منك كدة؟
ترك ذراعها وهو يتابع بعدم تصديق ممزوج بالقهر: أنا فضلت شهور بحاول ابني علاقتنا وأعمل كل حاجة علشان تثقي فيا وتبقي قادرة تعيشي حياتك من جديد وتقفي على رجلك وتتقبلي حياتك معايا وتتقدمي في علاقتنا بدون خوف وثقة وأنتِ هديتي كل ده في لحظة!
حاولت القول بتلثعم: ت..تاج الموضوع مش كدة أنا..
قاطعها بجفاء: مفيش تفسير للموضوع غير كدة أنتِ عمرك ما وثقتي فيا أبدا كنتِ مستعدة تصدقي الأسوأ عني من غير ما تسمعيني.
زفر بشدة وهو يمسح وجهه بيديه ويقول باستسلام: الظاهر اني كنت غلطان لما فكرت أنه ممكن نبني حاجة سوا وفي الآخر أنا اللي كنت بنبي لوحدي.
خطى لغرفة النوم فلحقته سروة بخطوات سريعة وهي تقول برجاء: يا تاج اسمعني أنت فاهمني غلط.
استدار لها بنفاذ صبر: أفهم إيه؟ أني ولا حاجة بالنسبة ليكِ؟
صرخت به بقهر: لا أنت عارف كويس أنت بالنسبة لي إيه بس أنت مش فاهم حاجة مش فاهم إحساسي كان عامل إزاي وهي جاية بكل بجاحة تقولي أنها حبيبتك وأنت بعدت عنها غصب عنك واتجوزتني وهي نفس البنت اللي كانت في الحفلة، خيبت عليك لأني قولت مش مهم المهم أننا مع بعض دلوقتي بس لما وصلتني الرسائل دي وسمعت كلام عمتو مقدرتش! عارف يعني مقدرتش استحمل؟ ايوا أنا عارفة ظروف جوازنا كويس بس كان صعب عليا أوي بعد ما حبيتك أسمع أنه الكلام ده طلع منك وأنه كان بالنسبة لك بتدمر حياتك لما بتقرب مني! حسيت أن قلبي انقسم نصين ساعتها، مكنتش عايزة أشوف حد ولا أسمع حد أنا تعبت وعانيت فترة كبيرة أوي يا تاج وأنت عارف كدة كويس عارف أد إيه ثقتي في نفسي اتدمرت مش بس اتهزت وكنت بحاول ابنيها واحدة واحدة تتخيل إحساسي إيه لما أعرف كل ده!
كانت الدموع تنهمر على وجهها أثناء حديثها حتى انهارت كليا مرة أخرى في البكاء وغطت وجهها بيديها وبكت بحرقة، لعن تاج نفسه لأنه تسبب في بكائها مرة أخرى لقد ترك الانفعال يجره دون أن يشعر وقد آلت الأمور للأسوأ.
اقترب منها وهو يزيح يديها من على وجهها ويمسك بذقنها حتى يرفع وجهها له.
قال بندم: أنا آسف أنا غبي….
قاطعته بصوت باكي من بين شهقاتها: لا أنت مش غلطان بس أنت مش فاهم أنه المشكلة مكنتش فيك يا تاج كانت فيا أنا.
ترك ذقنها وأمسك بوجهها بين يديه يقول بحزم: أوعي تقولي كدة أبدا المشكلة عمرها ما كانت فيكِ أنت مفكيش مشكلة أصلا عايزك تعرفي كدة كويس وتحفظيه، يمكن دي كانت غلطة نتعلم منها لقدام.
ضحكت باستخفاف من بين دموعها ووجهها المحمر: قولتلي مش بتستحمل دموعي وخليتني اعيط تاني أهو.
رد بعبث وعيونه عادت تلمع ببريق الخبث: يا خبر مليش حق طبعا لازم أصلح غلطتي حالا وأمسح الدموع دي.
اقترب منها وهو يمسح الدموع بشفتيه، أغمضت سروة عيناها بتأثر وقد سرت قشعريرة في كامل جسدها.
مرر أصابعه في شعرها وهو يقول بحنان: متعرفيش إزاي كنت عايش من غيرك الفترة اللي فاتت، كانت صعبة أوي وأنا اللي بقول المرة دي متبعديش عني تاني.
ابتسمت له بسعادة وهي تهز رأسها بقوة، فجأة تكلم بتعجب كأنه يحدث نفسه: بس إزاي كنتِ عند سارة ومحدش فينا عرف؟ ده حتى باباها صاحب باباكِ أوي.
توترت سروة بشدة واحمر وجهها وهي تبتلع ريقها، قطب تاج حاجبيه بريبة: إيه؟
تراجعت خطوة للوراء والكلام يخرج منها: على فكرة بابا كان عارف أنا فين و….
توقفت عن الكلام حين تغيرت قسمات وجهه وقد ظهر في عينيه بريق خطير، تقدم نحوه ببطئ فتراجعت للوراء وهي تقول بارتباك: هو…هو كان عارف أنا فين بس…بس أنا نبهت عليه ميقولش علشان… كانت نفسيتي لسة تعبانة…
كانت أثناء حديثها تتراجع للوراء وتاج يتقدم نحوها بوجه جامد حتى اصطدمت بالسرير الذي خلفها وتعثرت به فوقعت عليه، ألقى تاج بنفسه فوقها وهو يضع يديه بجانب رأسها.
قال بنبرة غامضة: أنتِ عارفة على كلامك ده أنا نفسي أعمل فيكِ إيه؟
قالت بحيرة ممزوجة بالفضول: إيه؟
رد تاج وقد تشكلت ابتسامة خطرة على شفتيه: نفسي اعلقك من رجلك وأمسك عصاية امدك بيها.
ارتفع حاجبيها بذهول قبل أن تنطلق منها ضحكات عالية عذبة قبل أن يكتم تاج ضحكاتها بقبلته القوية التي طال عمقها قلب سروة التي استجابت له بعاطفة جياشة.
بعد وقت كانت سروة نائمة في أحضان تاج بينما هو مازال مستيقظ يفكر، لم يذهب عن باله ما رآه على هاتف سروة، لم ينطفئ غضبه كليا من روفان التي سعت لآخر لحظة حتى تدمر حياتهما معا، ابتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه حين تذكر أنه سمع منذ فترة أثناء اختفاء سروة أن روفان قد جردها والدها من كل الصلاحيات التي كانت تتمتع بها من قبل وقد منعها من السفر إلى الخارج مجددا والخروج بحُرية من المنزل ثم عقد خطوبتها على ابن شريك له في الأعمال رغم عدم موافقتها وذلك حتى يُحجم من تصرفاتها الطائشة لأن الانضباط والسمعة الحسن هو أكثر ما يهم رجل الأعمال المعروف ولن يسمح لأي شخص أن يتلاعب بذلك حتى لو كانت ابنته المدللة.
أفاق من شروده وهو يحدق إلى سروة النائمة بسلام، اقترب منها ليطبع قبلة على حبينها بحب.
تحركت سروة قليلا ثم فتحت عينيها وابتسمت له وهي مازالت تفيق من النوم.
قالت بصوت ناعس: نمت كتير؟
هز رأسه فتثائبت سروة بكسل ثم أبعدت شعرها عن وجهها.
قالت لتاج بنبرة ذات مغزى: تاج عايزة أسألك على حاجة.
رد تاج بتساؤل: إيه؟
استندت سروة بيديها على صدره وهي تقول بمشاغبة: حبيتني امتى؟ أو اكتشفت أنك بتحبني امتى؟
حدق إليها تاج لثانية قبل أن يضحك بشدة.
نظرت له سروة باستياء وضربته على صدره: إيه اللي يضحك! جاوب على سؤالي.
كان يضحك بصوت رجولي سحرها وجعلها تنظر له بهيام رغم كل شيء، عسل بشكل خفيف قبل أن يتوقف عن الضحك.
كانت تنظر له بعبوس وهي تكتف ذراعيها، سحبها له لتقع على صدره قبل أن يمرر يده في شعرها وهو يقول بصوت أجش من المشاعر: عرفت أني بحبك من يوم ما بقى وجعك هو وجعي، إحساسي بالغضب والانتقام ليكِ كل ما بحس نار في قلبي وأنا شايفك قدامي بتتعذبي وحاسس أني عاجز أعمل لك أي حاجة، يوم ما دخلت السجن كنت بقولك لنفسي ده لمصلحتك وسُمعتك بس الحقيقة اللي اكتشفتها بعدين أني مكنتش هسمح أبدا أنك تتبهدلي وأنا أقف ساكت، أيام جوازنا اللي بدأناه حقيقي مع بعض كانت أحلى أيام في حياتي وأنتِ جنبي بإرادتك يوم ما مشيتي يوم ما حسيت الدنيا كلها ضلمت في وشي ومبقاش لأي حاجة تانية قيمة ولا طعم من غيرك.
رفع كتفيه ثم قال بابتسامة وعيونه تلمع: يمكن كنت بحبك من زمان بس مكنتش عارف.
حاولت أن تتحكم بدموعها التي ملأت عينيها من التأثر ولكنها فشلت لأن دمعة انحدرت على خدها راقبها تاج بانزعاج وهو يمسحها: قولتلك مش عايز أشوف دموعك تاني أنا مقولتش كل ده علشان تعيطي.
هزت رأسها وهي تقول بسعادة غمرت صوتها ووجهها: دموع الفرحة يا تاج أنا مش بعيط لأني زعلانة، أنا فرحانة أوي وأول مرة أجرب دموع الفرحة.
تذكرت أمرا هاما نسيت في غمرة الأحداث أن تخبره به وهو ما كان سببا أساسيا في عودتها.
قالت سروة بنبرة حاولت جعلها عادية: صحيح أنا راجعة الشغل قريب.
سخر منها تاج بمحبة: الشغل ده تقريبا نسيكي من كتر ما بتقولي هترجعي ويحصل حاجة مترجعيش.
قالت سروة بمرح وهي تفرك يديها ببعضهما: لا ما أنا لازم أهتم بيه أوي الفترة دي علشان مش هعرف أروح بعد كام شهر.
قطب حاجبيه باستغراب: ليه هتستقيلي؟
ضحكت: لا هاخد إجازة أمومة.
فغر فاهه كأنه يستوعب ما قالته للتو.
احمر وجهها قليل من الخجل وهي تتابع: أنا حامل.
انتفض تاج جالسًا وهو يردد مصدوما: حامل؟
أومأت برأسها بترقب سرعان ما تغيرت أسارير تاج وغمرتها السعادة من رأسه لاخمص قدميه وقد ظهر كل ذلك في ملامح وجهه.
قال بفرح ممزوجة بارتباك الصدمة: بجد؟ يعني..
متأكدة؟ طب ازاي؟ أنا مبسوط…مبسوط أوي أنا…
لم يجد ما يقوله أكثر فشدها إليها حتى يضمها بقوة وهو يردد بسعادة: الحمدلله يارب الحمد لله أنا مش مصدق.
كان يضمها له بقوة تكاد تطبق عليها ولكن لم تهتم سروة لأنها كانت سعيدة مثله بل وأكثر منه وراضية بردو فعله.
ابتعد عنها وهو يسألها باهتمام وقد أحاط وجهها بكفيه: طب..طب أنت إحساسك إيه؟
غمر الحنان سروة ولمعت عيناها وهي تجيب: مبسوطة زيك وأكتر كمان ومبقتش خايفة خالص، طالما أنت معايا وجنبي مبقاش فيه حاجة تخوفني، حياتي من غيرك كانت ضلمة فعلا ومليانة سواد بس أنت جيت وبقيت النور اللي فيها مش عارفة من غيرك كنت هعمل إيه ربنا يحفظك ليا.
قال تاج بحب مشاعره تظهر في عينيه: أنا بحبك.
خفق قلب سروة وهي تسمعها منه لأول مرة فردت بنبرة عاشقة: وأنا بحبك أوي.
اقترب منها يقبلها بشغف كبير وهو يغرس أصابعه في شعرها فبادلته سروة التي أغمضت عيناها وشعور قد غاب عنها طويلا ها هو يعود إليها الآن وسيبقى إلى الأبد ألا وهو الأمان.
بعد مرور سبعة أشهر كانت سروة ممددة على سرير المستشفى وتتحرك بها الممرضات إلى غرفة العمليات حيث ستخضع لولادة قيصرية طارئة بسبب مشكلة اكتشفتها الطبيبة أثناء الفصحي المعتاد مما اضطرها للخضوع لها فورا.
كان تاج يمسك بها ويتبعها بعيون قلقة، بينما يسير والدها وعمتها على الناحية الأخرى وهما يشجعونها ويخبروها ألا تقلق وأن كل شيء سيمر على خير.
توقفوا على باب العمليات حتى تدخل سروة.
اشتدت قبضة تاج على يدها وهو يرفض تركها، رفع بصره للممرضة يسألها بإحباط: هو مينفعش أدخل معاها؟
قالت الممرضة بعطف: للأسف لا مينفعش.
زفر بضيق فضغطت سروة على يده وقالت بابتسامة رغم خوفها: متخافش يا حبيبي بإذن الله كل حاجة هتبقى بخير الدكتورة طمنتني وقالتلي أنها عملية سهلة وأحسن حل.
لم يقتنع تاج الذي ظل يراقبها بخوف فاقتربت منه والدته وربتت على كتفه تمازحه: متخافش يا حبيبي القيصرية يدوب تاخد بنج يطلعوا العيل وخلصت على كدة أنا مجربتش صحيح بس أسمع كتير.
ابتسم تاج ابتسامة باهتة بينما اقترب والد سروة يقبل جبينها بحنان: ربنا يقومك بالسلامة يا بنتي.
اضطر تاج لترك يدها بينما تتحرك الممرضتين بسروة للداخل.
قال تاج بشوق ممزوج بالقلق: مستنيكِ.
بعد فترة كانت سروة تستيقظ ببطئ من المخدر، فتحت عيونها بتعب لتبصر عيناها تاج أول شيء.
ابتسم براحة حين رآها استيقظت فرفع يدها لشفتيه يقبلها بحب: حمدا لله على السلامة يا حبيبتي.
ابتسمت بتعب: الله يسلمك يا حبيبي، جيبت إيه؟
ضحك تاج بخفة: مش لو كنتِ رضيتي تعرفي من الأول بدل ما تسيبيها مفاجأة للآخر كدة كان زمانك عارفة.
زمت سروة شفتيها وقالت بضيق مزيف: تاج متضايقنيش بقى!
قبل أن يتكلم انفتح الباب وولج والدها الذي يحمل المولود بفرح ورائها عمتها التي تنظر له بغبطة كبيرة.
نظرت له سروة بحنان تولد في قلبها قبل أن تراه ثم عادت تحدق لتاج وقالت بشوق: ها جيبت إيه؟
تلاعب بحاجبيه وهو يرد بهزل: خمني كدة!
بعد مرور أربع سنوات كانت سروة تقدم رسالة الدكتوراه الخاصة بها بينما يقف تاج وهو يحمل ابنهما البالغ من العمر أربع سنوات، كانت نظراتها تتجه نحوهما كل دقيقة بحب بينما نظر تاج لابنه وهو يلاعبه ويشير لسروة بفخر: شوف ماما اهى.
بعد أن انتهت وسقف لها جميع الحاضرين بمن فيهم ابنها هبطت السلالم القليلة إلى أسفل القاعة وهي تتجه نحو تاج وشريط ذكرياتها يمر أمام عينيها، زواجها من تاج، معرفته الحقيقة مساندته لها ثم حبهما، ولادة ابنهما التي كانت صعبة عليها مما اضطرها للمكوث في السرير أغلب الوقت فكان تاج يتولى رعايتها مع عمتها ووالدها اللذان يتوليان رعاية الطفل، حتى أنه أخذ إجازة من عمله ليعتني بها وبابنهما حتى في أبسط الأمور مثل تحضير زجاجة الحليب الخاصة ب(تيم) لأن حليبها كان ضعيف ولا يكفيه.
تتذكر في مرة كانت تحضر له الزجاجة وكانت وحدها لأن والدها في عمله وعمتها ذهبت لأمر مهم وكان تيم يبكي وهدأ فجأة حين عادت كان تاج يحمل بين ذراعيه بحب وحنان أبوي كبير وهو يحرص على وضع رأسه بالطريقة الصحيحة ويتحدث معه برقة.
وصلت لهما فقال تاج بفخر: مبارك يا حبيبتي أنا فخور بيكي أوي.
ثم انحنى ليطبع قبلة على خدها فمد تيم يده ليبعد رأس تاج وهو يناظره بعبوس ثم ضم رأسه والدته له وهو ينظر لوالده بغيرة وعبوس.
ضحكت سروة وهي تأخذ تيم من تاج بينما كشر تاج قائلا: دي مراتي يلا!
مد تيم له لسانه ثم قَبل والدته بتملك وهو يناظر والده بتحدي.
قالت سروة بابتهاج ممزوج بالضحك: فيها إيه يا تاج بيغير على مامته!
سخر تاج منها وهو يقلد صوتها: بيغير على مامته! لا يا حبيبتي يروح يغير بعيد أنا جوزك.
ردت سروة بعشق: طبعا جوزي وحبيبي.
ونظرت لتيم ودغدغته لتتعالى ضحكاته الطفولية المحببة: أنت وتيم طبعا ربنا يحفظكم ليا يا حبيبي.
عادت تحدق إلى تاج بولة: أنا قولتلك أني بحبك النهاردة؟
اقترب تاج وأحطاها بذراعه هي وتيم وهو يرمقهم بنظرات حنونة وقال بصوت رخيم: وأنا قولتلك أنك أحلى حاجة حصلت ليا؟
ربما كانت تظن يوما ما أن حياتها انتهت ولا سبيل لإصلاحها ولكن أتى تاج ليبدد ذلك الظن وليجعلها تتذكر أن نهاية الابتلاء و آخر الصبر عوض الله، وربما كانت لحياة تاج خطط أخرى ولكن في النهاية كان قدر الله الأجمل.
وضع تاج رأسه أعلى شعرها، فابتسمت سروة بامتنان لكل ما آلت إليه أمور حياتها وسعيدة وراضية في أحضان زوجها وابنها.
قال تاج فجأة بمكر: هو إحنا مش هنجيب له أخت بقى ولا إيه؟
#تمت.

تمت

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية تراتيل الهوى)

اترك رد