روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الأربعون 45 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الأربعون 45 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الخامس و الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الخامس و الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الأربعون

~… خطة للعودة…~

صاح جاسر بصوتٍ عال كأنه لامسه صاعق كهربائي ولم يصدق أكبر مخاوفه أنها تحدث أمامه فعليًا !
هز رعد رأسه بتأكيد … حتى نطق بعصبية :
_ مصدوم ليه ؟! … مش أنت مش عايز تدخل القفص ولا عايز ترتبط ؟! … مش أنت اللي قولت كده بنفسك ؟! ..يبقى زعلان ليه ؟! ..
أخذه جاسر من تلابيب طوق ثوبه بهزة غاضبة وهتف به :
_ أنت ليك عين تتكلم كمان ؟! … ما أنت بغبائك اللي ضيعت كل حاجة وجاي دلوقتي تلبسها فيا !
هتف يوسف بعصبية لأول مرة تظهر عليه لهذه الدرجة … وأصبح كأنه خارج السيطرة على غضبه فقال:
_ أنتوا الاتنين السبب للي وصلناله ده ! … طالما من الاساس الموضوع داخل دماغنا يبقى ليه نعترض ؟! … لكن أزاي ؟! … بقالنا ٣٠ سنة مش بنعمل حاجة غير أننا نوافق على كل شيء حتى لو ضد رغبتنا ونقول حاضر ونعم!… ويوم ما نتفق في شيء مع جدي ما اخترتوش تتمردوا غير فيه ؟! ….
وصمت للحظة وكأنه ينفض عنه موجة عالية من الحزن … واستطرد قائلا بعصبية:
_ زمان كنا كلنا بنشيل غلط بعض … دلوقتي كل واحد يشيل غلطته ويصلحها بنفسه… وأنا عن نفسي هروح دلوقتي حالًا وأطلب حميدة من جدي … وهتجوزها يعني هتجوزها.
رمى نظرات إستياء وغضبهم لثلاثتهم ثم توجه مباشرةً لغرفة الجد …
خرج آسر من صدمته وقال بضيق شديد :
_ كنت محتاج فرصة ووقت أفهمها وتفهمني….. مقدرش أروح اطلبها وهي واخدة مني الموقف ده ! …. وخايف لو عملت زي يوسف وطلبت سما ترفض … واكيد ده اللي هيحصل ، هما جايين وناويين ينتقموا مننا … ده باين في كل تصرفاتهم !
ترك جاسر رعد بدفعة غاضبة وأبعده عنه … ثم قال من بين أسنانه بنظرة غاضبة :
_ مافيش واحدة فيهم هتتجوز واحد غريب … ويا أنا يا هما .
رد رعد بنبرة انتقامية :
_ وائل بينتقم مني عشان أخته ! … هو الحب بالعافية ؟! … ولا هي عشان قريبتي يبقى لازم أحبها واتجوزها ! … بس والله

 

ما هسيبه.
تنفس جاسر بحدة وجر رعد من معصم يده لغرفته بالطابق وهو يقول :
_ كفاية بقا غباء وتهور أحنا شبعنا من غبائك ! … تعالوا عندي نتفق ونشوف هنعمل إيه في الكارثة دي .
ساروا الشباب الثلاثة الممر الطويل حتى غرفة جاسر البعيدة …وحينما دخلوا أغلق جاسر الغرفة جيدًا … وسار ذهابا وايابا وهو يضرب قبضتيه ببعضهما في غضب …
وقفا كلا من رعد وآسر متقابلان وأعينهما شاردتان في إيجاد حلول …. حتى هتف جاسر بغيظ :
_ هاين عليا اروح اكسر اللي تطوله ايدي على دماغ الحيوان اللي اسمه وائل ده ! ….
قال آسر بتعجب من موقفه الثائر هذا :
_ يعني انت لا عايز تتجوزها ولا عايز غيرك يتجوزها ؟! … مش فاهمك !
وقف جاسر ناظرا له بعصبية وأجاب بحدة:
_ مين اللي قالك أني مش عايز اتجوزها ؟! …. كل الفكرة أني مكنتش مستعد للجواز أصلا … كنت بكره الفكرة نفسها وبحسها سجن ! … آه حبيتها مش هنكر … بس مقدرتش أخد قرار الجواز بالسرعة اللي فكرتوا انتوا فيها …. كنت محتاج وقت.
هز رعد رأسه برفض وقال بصدق :
_ لأ يا جاسر … الحقيقة أننا فكرنا بأنانية … كل واحد كان عايز يرتبط ببنت فيهم بس بالطريقة اللي تناسبه هو وبس … وتجاهلنا تمامًا مشاعرهم وحياتهم ورأيهم ….ويوسف الوحيد فينا اللي كان فاهم نفسه وعارف عايز إيه … كان واضح وصريح من البداية.. واتظلم معانا.
أعترض آسر قائلًا برفض:
_ أنا برضو لو تفتكر مكنتش موافقك على السفر من البلد لو تفتكر ؟! … يوسف ما اتظلمش لوحده!
عقد جاسر ذراعيه حوله وقال بعصبية بها شيء من السخرية والاستهزاء:
_ أيوة يعني وأنت كان موقفك إيه ؟! … ولا ناسي تصرفاتك الغبية وعقدتك الأغبى منها ! … واحدة ما تسواش حتى نظرة خليتك تخاف حتى تفكر ترتبط مش تبني أسرة وبيت ! … وفي الآخر بمكالمة تليفون تافهة جرجرتك لا وخليتك تشغلها في المستشفى في يومين !
وتابع بنبرة يملؤها السخرية:
_ لا فعلا مظلوم !
رد آسر بغضب من هذه التهمة :
_ رجوعها كان مساعدة مش أكتر … يمكن بالفعل حسيت بعدها بالندم أني هجيب لنفسي وجع الدماغ بسببها … لكن ماساعدتهاش عشان عايز أرجعلها ! …. أنا نسيتها من زمان !
تأفف رعد وقال بنفاد صبر :
_ مش هنقعد نرمي الغلط على بعضينا ! … أحنا عايزين نشوف حل مش نقعد نتكلم في اللي فات ؟!
اقتنع جاسر بالقول … ثم تنهد وهو يفكر لبعض الوقت حتى قال بعد لحظات :
_ ماينفعش نتكلم ولا نظهر أي شيء دلوقتي، أصلهم فعلا جايين وناويين ينتقموا مننا ! …. لو حاسوا برفضنا ده هيعندوا أكتر واحتمال يوافقوا عند فينا ! … عشان نلاقي حل لازم أعرف تفاصيل الموضوع من جدي الأول …. ومش عايز غباوة من حد فيكوا … وإلا أقسم بالله هيشوف مني وش عمره ما شافه في حياته … الموضوع مش مستحمل أصلا !
قال آسر بحيرة :
_ طب هنتعامل أزاي الفترة الجاية على ما نعرف ؟
تنفس جاسر وهو يضيق عينيه بمكر … ثم ابتسم وقال بنظرة خبيثة :
_ نعلقهم بينا من تاني … شوية حنية خارجة عن إرادتنا ، رقة في المعاملة بالضغط رغما على أعصابنا، رومانسية أوفر ونحرص على الحفاظ على أتزان العقل لأقصى درجة ممكنة … آه البنات بيحبوا الأفورة اسمعوا مني … عارفين الرومانسية اللي هي بالنسبالنا بتجيب المرارة دي ؟! بتاعت كلتي إيه النهاردة ؟
رد آسر بمعرفة للأمر:
_ آه عارفها … اللي بتزود كرشة النفس وأزدياد في معدل ارتفاع ضغط الدم عند الرجالة دي … آه كمل.
علق رعد برفض الفكرة:
_ لأ … مش دول اللي هيقبلوا مننا الطريقة دي ! … دي البصة بس كانت بتخلي وشهم يحمر ويجروا من قدامك وكأنك قولت حاجة عيب !
قال جاسر بسخرية:
_ يابني مافيش بنت مابتحبش الرومانسية! …. الفرق بس أن في بنات بتحبها بالحلال … وبنات بتحبها بالحرام … وأنا بحب الأتنين !
مط آسر شفتيه باستياء وقال :
_ ما هو بطريقتك دي لا هتطول لا ده ولا ده ! … أظن لو بجد عايزها بالحلال تبطل تبص لأي كائن أنثوي يمر من قدام عينك !
مافيش أنثى في العالم بتقبل القسمة على أتنين !
أجابه جاسر مؤكدا :
_ لما اتجوز هعقل …. المجتمع بيقول كده ومأكدلي !
زفر رعد بغيظ منهما وقال بحدة :
_ مش وقت لطافة واستظراف منك له ! …. احنا دلوقتي في موقف زي الزفت للأسف … أي كان مين السبب فينا مش ده المهم … المهم دلوقتي هنحلها أزاي !
رفع آسر حاجبيه ببعض الدهشة وقال :
_ اومال لو مكنتش دكتور نفسي بقا !
تنهد رعد بضيق وتحرك ناحية أحد المقاعد … وبعدما جلس قال بعبوس:
_ على أساس أن حتى ده ما اتفرضش عليا ؟! … ما أنتوا عارفين أني في الاساس كنت هموت وادخل فنون جميلة ! .. الطب النفسي مكنش من طموحاتي !
قال جاسر باهتمام :
_ أنت صحيح مابقتش ترسم ليه زي زمان ؟! …
أطرف رعد أهدابه بلمحة من الحنين لشيء كان يحبه قديما..وأجاب:
_ الدراسة في الطب خدت كل وقتي … وكمان لما بفتكر أني ما دخلتش الكلية اللي بحبها بضايق وبزعل … وللاسف مضطر اسكت … كل مرة بحاول ارجع للرسم بفتكر قرار جدي … فبطلت ارسم !
وخرج سريعا من تلك الحالة الكئيبة التي تذكره برغبات قديمة قد تم دفنها بالأجبار …. وقال بجدية :
_ أنا مش عارف إيه اللي جاي …. بس قرار رضوى هيتوقف عليه حاجات كتير.
سأله جاسر بشك :
_ طب أنت حاسس إنها هتوافق ولا هترفض ؟
صمت رعد للحظات كأنه ليس متأكدا من إجابة محددة ، ثم قال بحيرة وضيق:
_ عقلي بيقولي أحتمال كبير توافق … بس قلبي بيقولي لأ ! …. بس في شيء جوايا بيقولي صعب تعمل كده !
نظر جاسر لآسر بنظرة طويلة بها كثير من الحيرة والترقب والقلق …

 

*******
وقف يوسف أمام فراش جده وصمت بعدما تحدث بعصبية وقال كل ما بقلبه …. فتنهد الجد بعمق ولم يزهر عليه الابتسامة مثل عادته … كأنه يحمل همًا ثقيل على كاهله !
فقال يوسف بعتاب شديد :
_ بقا كده يا جدي ؟! …. هو ده الأتفاق اللي اتفقنا عليه ؟! …. اعمل إيه تاني عشان اثبتلك واثبتلها أني مش كداب وأني فعلا بحبها وعايز أتجوزها ؟!
ظل الجد صامتها وعينيه على الغطاء المدثر به …. فتحدث يوسف بشيء من الغضب :
_ يا جدي ارجوك جاوبني ورد عليا وريحني ! … أنا ما تخيلتش لحظة أنك ممكن تتخلى عني خصوصا لو عارف ومتأكد أني مظلوم !
رفع الجد عينيه عليه وقال بتعابير جامدة :
_ اللي متخيلتوش …. أن الأربع بنات نسخة من أبوهم مصطفى الله يرحمه ، مابينسوش حاجة وجعتهم أبدًا مهما اعتذرت !
تنهد بيأس … ثم أضاف :
_ لما جبتهم هنا افتكرت أني ممكن أغير تفكيرهم مع الوقت … حميدة ماخدتش الموقف ده منك بسبب ليزا ! …. حميدة مانسيتش اللي حصل في البلد ! … تقدر تقول موقفها تراكمات !
اعترض يوسف بقوة وقال:
_ طب ما أنا من وقت ما وصلت هنا وأنا بحاول اثبتلها بكل الطرق ! … يعني اروح انتحر عشانها مثلا عشان تصدقني ! … أنا ماعملتش حاجة تستحق تاخد مني موقف أصلا !
قال الجد رشدي بتوضيح :
_ بص يا يوسف … الاربع بنات دول اتربوا على التقاليد أوي …. الأصول زي الكتاب ما بيقول .. الموقف اللي أنت مستصغره هيبقى بالنسبالها كبير لأنها مش متعودة أنه عادي !
عندهم الغلط غلط وماينفعش وكارثة …. والصح صح وماينفعش غيره ….. دول زي القطط اللي لسه ما شافوش النور والله .
هما مش غلط … أحنا اللي بقينا بنشوف الأخطاء الصغيرة شيء عادي وبيحصل !
ضيق يوسف عينيه بعصبية واضحة … ولا يعرف أي يجد النجاة وهو يغرق ! …. فتابع الجد بصدق :
_ طريقة ليزا معاك غير انها ماتنفعش وعيب فهي حرام لو تفكر !
جز بوسف على أسنانه بغضب ثم قال بنبرة حادة:
_ أنا ذنبي إيـــه ؟! …. قدامك كنت بفهمها مليون مرة الوضع وهي مش في دماغها اصلا ! … يا جدي ليزا حياتها والمجتمع اللي كبرت فيه غير مجتمعنا ! … كل الافتراضات وحياتنا وتربيتنا دي هي ما اتربتش عليها اصلا ! … طبيعي أنها ماتقتنعش بكده ! … المفروض حميدة كانت فهمت كده وقدرت موقفي … لو شيفاني غلطان فلازم برضو تعرف أني مش خاين !
سأله الجد بعقلانية :
_ طب وهي هتعرف منين يا يوسف ؟! …. هي تعرفك من أمتى ؟! … وحتى معرفتها بيك ماتخليهاش تعرف طريقة تفكيرك وشخصيتك الحقيقية …. لو على الحب فالحب ممكن يجي من غير حتى ما تتكلموا .. الحب مافيهوش شرط المعرفة ! …. وهي حتى لو حبيتك فمتعرفكش كفاية عشان تحطلك اعذار!
قال يوسف بيأس شديد وضيق:
_ طب اعمل إيه ؟!
نظر له الجد وقال بجدية وتأكيد:
_ صدقني الموضوع مش في ايدي …. لو أنت بتحبها بجد أثبتلها أنك صادق في كلامك … وأنك تستاهل انها تثق فيك … وهي لو بتحبك بجد هتمسك طرف الخيط ومش هتسيبك تعافر لوحدك.
تنفس يوسف بقوة كأنه يلقي مع الشهيق والزفير كثير من اضطراب أعصابه وقلقه ..
*********
بغرفة جيهان ….
بعدما انتهت من موجة شديدة من البكاء وقع نظرها على صحيفة اليوم الملقاة بأهمال بجانبها على منضدة ..
أرادت جيهان أن تنشغل بشيء لبعض الوقت فجذبت الضحيفة وبدأت تقرأ بشكل عشوائي … حتى وقع نظرها على خبر غريب من نوعه ، وغريب أن الصحافة تهتم به لتلك الدرجة من الأهمية الذي يجعل الخبر يأخذ تقريبًا نصف صفحة بالكامل !
قرأت العنوان الرئيسي بالخطوط العريضة أولًا وكان ينص على الآتي ….
( أختفاء جديد للموسيقي ورجل الأعمال الشهير أيضاً ” أكرم حجازي ” )
أختفاء جديد ؟! … إذن ليست المرة الأولى !
وللحظة شعرت ببعض التعجب في تركيبة هذا الرجل المتناقضة بين أختياره لمهن متناقضة !
الموسيقى والتجارة ! … تجد أنهما غير مترابطان ولا يصل ببعضهما أدنى خيط وصل !
وما الذي يجعل رجل بهذا القدر من النجاح مثلما مكتوب بالمقال العريض يصل لهذه الدرجة من الهروب عن الجميع ؟!
وضعت جيهان الصحفية مكانها وشردت قليلًا …. ووللحظة تمنت لو تستطع فعلها وتكن على هذا القدر من القوة وتبتعد عن كل ما يؤذيها قبل أن تفقد نفسها أكثر من ذلك .

 

********
دلف يوسف لغرفة الصغيرة ووجدها قد بدأت تغفو …. كاد أن يعود أدراجه ويخرج من الغرفة حتى تمتمت الصغيرة وهي ترفع ذراعها وتقول :
_ يوسفي يوسفي … تعالى .
استدار يوسف وابتسم لها بمحبة صادقة .. ثم مضى إليها بخطوات ثابته وقد اعتدلت الصغيرة وهي تضم قطتها وقالت هامسة بتحذير :
_ القطة هتنام !
قال يوسف بنفس ابتسامته :
_ عرفتي أزاي أني يوسف يا شقية ؟!
قالت الصغيرة ببراءة :
_ ريحتك نعناع .
لم يفهم يوسف مقصدها للحظة … ولكنه فهم بعد ذلك مقصدها ، فعطره المفضل يشبه رائحته النعناع المنعشة بالفعل … فتنهد يوسف قائلا لها بضيق ظهر بصوته :
_ أنا كنت مضايق وجيت عشان العب معاكي شوية …
عبست الصغيرة وقالت باهتمام :
_ مين زعلك يوسفي ؟!
ابتسم يوسف لتدليلها له فقال بمشاكسة :
_ حلوة يوسفي منك .
قالت الصغيرة بعفوية :
_ حميدة اللي بتقول كده .
اتسعت عين يوسف بدهشة … ثم ابتسم بأمل وقال لها :
_ بتقول عليا يوسفي ؟! يوسيفها يعني ؟
هزت الصغيرة رأسها ببراءة لتؤكد قوله … فاتسعت ابتسامة يوسف بموجة أمل كبيرة طافت أمام عينيه … ثم قال بهمس :
_ طب بقولك إيه يا ريمولينا … بصراحة كده أنا زعلتها وعايز أصالحها ….. ومافيش غيرك هيصالحنا على بعض …
كانت العجوز نائمة بالقرب من الصغيرة ولكنها ظلت على حالها لكي لا تقطع عليه الحديث …. فأطرفت الصغيرة عينيها بعدم فهم …. حتى قال يوسف لها بخبث :
_ يعني هاخدك ليها وخليها تصالحني … هجيبلك شيكولاته كتيــــر أوي.
قالت الصغيرة بحماس :
_ وبسبوسة
رد يوسف بالايجاب:
_ موافق.
مرتت الصغيرة يدها على ذقنها وكأنها تبحث عن شيء ما … ثم قالت :
_ وكنافة .
ابتسم يوسف بمرح وقال :
_ ماشي موافق
فكرت الصغيرة مرة أخرى لبعض الوقت ثم قالت بابتسامة :
_ وهنزرع في الجنينة فول في قطن .
ضيق يوسف عينيه ويكاد يكون لا يفهم شيء مما قالته .. ولكنه قال :
_ موافق تعلميني أزاي أزرع فول في قطن وفي الجنينة ما أنا منجد البلد…!
صمتت الصغيرة تفكر مرة أخرى وتعاملت مع يوسف كأنه مصباح الأمنيات …. فقالت كأنها توضع شرطا للقبول :
_ وعايزة حوض سمك كبير وعوامة .
قال يوسف وعينيه تملأها الدهشة والاستخفاف :
_ هتعومي في حوض السمك ؟!
عبست الصغيرة وقالت هاتفه به وكأنه غبي لا يفهم شيء :
_ غلط غلط … هعوم في البانيو.
تنفس يوسف بغيظ منها وقال :
_ أنا غبي …. استحملي غبائي معلش ، ها بقا … هتصالحيني عليها ؟
اومأت الصغيرة رأسها بالايجاب ثم قالت :
_ آه … بكرة بقا.
اعترض يوسف وقال بغيظ :
_ لأ دلوقتي !
قالت الصغيرة سريعا وكلماتها تنطقها ومفهومة بالكاد:
_ خلاص … عايزة هدوم كتير لكوكا … وكورة صغيرة وشامبو ليها.
كشر يوسف وتساءل بغرابة :
_ مين كوكا ؟!
ضمت ريميه قطتها بمشاكسة وقالت :
_ كوكا قطتي … كوكا بسكوتة.
زفر يوسف وقال بنفاد صبر :
_ موافق … يلا بقا !
هتفت الصغيرة بالعجوز لتوقظها وقالت :
_ هروح مع يوسف يا دادة وراجعة .
كتمت المدبرة ضحكتها من مكر الصغيرة وقالت بصوت ناعس :
_ ماشي .
حملها يوسف هي وقطتها وهمس لها وهو يخرج من الغرفة :

 

_ هتقوليلها إيه ؟
فكرت الصغيرة وهي لا تعرف ماذا ستفعل تحديدا …. ولكنها استقرت اخيرا انها ستنفذ خطتها الوحيدة التي تفعلها مع أمها لكي ترضيها وهي غاضبة …
هبط يوسف السلم وتوجه لغرفة حميدة …. حتى دق عليها عدة دقات ، وبعد لحظات انتظار كانت ثقيلة فتحت حميدة الباب وهي تضع يدها على اطراف حجابها الطويل كي لا ينزلق من على كتفها … وقالت بتوتر عندما تشابكت أنظارهما :
_ عايز إيه ؟!
لم ينطق يوسف بل ترك الصغيرة هي من تتولى الأمر …. فعبست الصغيرة باتجاه صوت حميدة وقالت بغيظ مزيف :
_ متزعقيش ليوسفي !
ارتبكت حميدة من هذا الاسم المدلل … خشيت أن تكون الصغيرة أخبرته الحقيقة … فتلعثمت قائلة :
_ مازعقتش !
أطرفت الصغيرة عدة مرات ثم قالت :
_ صالحيه !
عبس وجه حميدة وقالت بضيق :
_ اصالحه ليه ؟!
هزت الصغيرة رأسه وصاحت بنرفزة :
_ عشان يجبلي حوض سمك وعوامة ويعملي بسبوسة .. !
رفعت حميدة حاجبيها بدهشة … بينما نظر يوسف للصغيرة بغيظ وعصبية بعدما كشفت الخطة بمنتهى الغباء … فتمتم بعصببة عدة كلمات … فقالت الصغيرة وهي على شفير البكاء :
_ لأ خلاص هخليها تصالحك .. أستنى .
قالت الصغيرة ريميه لحميدة ببعض الرجاء :
_ حميدة صالحي عشان خاطري … لو مش صالحتيه مش هيجبلي حوض سمك وأنا نفسي في حوض سمك العب معاه.
رق قلب حميدة لرجاء الصغيرة البريء .. وأخذتها من يوسف بقطتها وضمتها بحنان … ثم قالت مؤكدة :
_ هجيبلك انا ولا تزعلي .
قال يوسف بابتسامة لهما هما الاثنان :
_ لأ انا هجيبلها في كل الأحوال … مقدرش أنيمها زعلانة مني.
ويبدو أنه كان يقصدها ايضا بجملته هذه ! …. فهمست الصغيرة لحميدة بصوت رقيق :
_ يوسفي طيب .. مش تزعليه بقا.
تسحبت نظرة حميدة الى عينيها المبتسمتان … وأخفت ابتسامة سريعة كادت ان تطل على شفتيها … ولكنه لاحظها وتنهد بارتياح قائلا :
_ كده أطمنت … وعلى وعدي يا ريمو .. ماتنسيش بقا تكلميها عني كتير …
وابتعد بابتسامة مشرقة ، فانتظرت حنيدة حتى أختفى بعض الوقت وقالت للصغيرة ببعض العتاب :
_ هو عرف يجبلي الشخص الوحيد اللي ممكن يخليني ابتسم بالذات في الوقت ده !
ابتسمت الصغيرة وهي تضم قطتها بمرح وظنت أن خطتها قد نجحت ….
******
في صباح اليوم التالي ..
اعدت مائدة الأفطار صباحا وجلس الجد على رأس المائدة وعلى يمينه الفتيات … أما يساره كان يجلس الأربع شباب متقابلين للفتيات وينظروا لهن في نظرات ثابته وماكرة …
قال الجد متسائلا :
_ هو الفطار طلع لوجيه ؟
أجابت حميدة وهي تتجاهل نظرات يوسف الحنونة الدافئة وقالت :
_ هو قالي هينزل يفطر معانا …. دقايق ونازل يا جدي ..
سعلت جميلة فجأة فهب جاسر من مقعده وأخرج علبة مناديل ورقية صغيرة من جيبه قائلا لها بلهفة وعينبه يملأها المكر :
_ الف الف بعد الشر عنك … الحمد لله أني هنا.
رفعت جميلة حاجبها بدهشة واستغراب ثم قالت :
_ هي جلطة ؟! …. اقعد مكانك الله يسترك مش ناقصة فقع مرارة ! … ماشوفتش حد بيعطس قبل كده ؟!
عاد جاسر لمقعده وهو يغمز للشباب الذي يكتمون ضحكاتهم :
_ لا طبعا شوفت …. بس أقل حاجة في حد غالي عليا بتوجعني … خلينا في المهم … اتعشيتي كويس امبارح ؟
قال يوسف بصدق :
_ هو حد كان ليه نفس لحاجة امبارح ؟! .. ده أنا أول مرة ما اتعشاش !
قال الجد بتعجب لجاسر :
_ مالك يا جاسر مش على بعضك كده ليه ؟!
رد جاسر بابتسامة ونظرة عميقة لجميلة :
_ يا جدي بطمن على بنت عمي … هما ليهم غيرنا ولا أحنا لينا غيرهم … مش كده يا شباب ؟
هز الشباب الثلاثة رأسهم بالموافقة بلحظة واحدة … ولكن اعقب ذلك ضحكة انفلتت منهم الأربعة رغما عنهم ….
ثبتت نظرة الفتيات عليهم بدهشة وحيرة من حالهم المتقلب يوما عن يوم ! …. فتابع جاسر بابتسامة لجميلة وقال باستحسان وشهية للطعام :
_ الأكل يجنن يا جميلة …. تسلم ايديكي صوباع صوباع .
قال جميلة بسخرية :
_ وأنت كنت لسه دوقته ؟!
أجابها بنظرة ماكرة :
_ حسيت … من شكله بس حسيت أنه قمر شكلا ومضمونا …
نظرت رضوى لدورق المياه وهمّت أن تجذبه لتسكب القليل في كوب فارغ أمامها … حتى سبقها رعد بكوبه الممتلئ ووضعها أمامها سريعا وقال :
_ لما تحبي تشربي قوليلي .
ضحك يوسف رغما عنه بضحكة واضحة وقال :
_ آه استأذنيه … متشربيش غير وهو هنا ! …
جذب جاسر رعد ليجلس وهمس له بتعنيف :
_ أنت بتحلق في سماء المحن ! … أنا قولت شوية أفورة بس كده أنت عديت البراميل ! … تفاهة مش عايز !
جلس رعد وهو ينظر لرضوى بابتسامة ماكرة جعلتها ترتبك … ثم نهضت قائلة للجميع :
_ بعد أذنكم .
انتظر آسر أن تبدر من سما أي لافته كي يستغل الموقف … ولكنها بدت كالتمثال عن قصد ، حتى نهض وجذب من أمها الشوكة والسكين وقال لها بتأكيد :
_ أخاف عليكي من الشوكة والسكينة … هبعدهم عنك.
ضحك يوسف مرة أخرى بعفوية وقال :
_ اديها معلقتك … بجد مالكوا ؟! …. أنتوا متعشيين ورد بلدي ولا ايه ؟!
قال جاسر بابتسامة خبيثة :
_ الله ….بلاش ندلع بناتنا يعني ؟! … دول حته مننا آه والله .
سخرت جميلة وقالت :
_ هقوم على ما يجي عمي وجيه وحريمه يا جدي … مرارتي مش متحملة.
قال جاسر بنفس ابتسامته الماكرة :
_ الف سلامة عليكي يابنتنا …. أن شالله أنا وأنتي لأ .
ردت جميلة مؤكدة :
_ أن شاء الله .
قال الجد بجدية لينهي هذا الجدال الغريب بينهم :
_ بعد الفطار هسافر البلد … مش هبات ، هرجع على طول .
قالت سما بتأكيد ظنها وبلهفة:
_ هتجيب نعناعة يا جدي ؟
اومأ الجد رأسه بالايجاب وقال بابتسامة :
_ أنا مسافر عشان كده اصلا .
وثبت سما وحميدة من مقعدها وقالوا بفرحة واضحة :
_ هنروح نقول لجميلة ورضوى …
وركضوا حتى غرفة رضوى …. فنظر الجد للشباب بنظرة بها شك كبير وقال :
_ انتوا مالكوا بقا على الصبح ؟! …
قال جاسر له بهمس ماكر :
_ بنعمل اللي أنت في الأصل عايز توصله …
قال الجد بتحد :
_ لو قدرتوا تقنعوهم بالجواز هجوزكم من الصبح ….
غمز جاسر بتأكيد لجده:
_ أظن اننا أولى بيهم … وأظن برضو أننا اكتر حد هيحافظ عليهم .. هما في الأحوال مننا ومش هنسيبهم للغريب … ولا ليك رأي تاني يا جدي ؟
تنهد الجد براحة لم يظهرها وقال له بنفس المكر :
_ على فكرة … البنات على اد ما هما متربيين وطيبين بس مش أغبيا ! … يعني مش هتقدروا تقنعوهم بسهولة … مش عايز واحد فيكم يتعدى حدوده والا هكون ضده مش معاه .
قال رعد بضيق شديد :
_ ما أنت دايمًا ضدنا يا جدي إيه الجديد ؟!
تنفس الجد بقوة كي يكظم غيظه من حديث رعد المستفز … ولكن رعد نهض وترك المائدة بالكامل وابتعد..
فقال يوسف بابتسامة خبيثة لجده :
_ أظن أننا بدأنا نمشي في الطريق الصح اللي يرضي جميع الأطراف يا جدي ….
جوزيـــــف !
هتفت ليزا وهي تأتي راكضة نحو يوسف … فتبدلت تعابيره المرحة للضيق والغيظ !

يتبع…

اترك رد

error: Content is protected !!