Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى 2 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى 2 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى 2 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى 2 بقلم زيزي محمد

استيقظ ” سليم ” حينما صدح هاتفه بنغمته الهادئة في أرجاء الغرفة، فرق جفنيه بصعوبة بالغة، بعدما قضى ساعات الليل بالتفكير والشرود في أوجاع الماضي وتصرف أخويه، ناهيك عن اضطراب كيانه بسبب نظراتهما التي جهل تفسيرها..
حمحم بصعوبة يكافح جفاف ريقه، وبدأت عيناه تبحث عن مرهقته، انعقدت ملامحه في ضيق مستتر من تصرفاتها التي أصبحت في الآونة الأخيرة غريبة، فشعر بازدياد الحواجز بينهما، وهو في حقيقة الأمر لا يريد ذلك.
نهض بتكاسل شديد، حيث هربت منه كل ذرة نشاط كانت من المفترض أن تحتل استيقاظه المبكر، فاقدًا الأمل فيما يحدث أو سيحدث من حوله!، فبدى كعجوز وحيد أنهكه الدهر بفعل ضرباته الموجعه.
خرج من المرحاض بعد عدة دقائق استغرقها في الاستحمام، وبمجرد أن وطأت قدماه بالخارج وجدها تقف بمقابله تحمل منشفة شعره، وعلى وجهها ابتسامة عريضة مشرقة.
– الفوطه يا سليم.
مد يده يلتقطها منها، وعلى وجهه علامات الاستفهام الممزوج بالتعجب من تغيير حالها، فقال بصوت خشن بعدما حمحم عدة مرات:
– صباح الخير.
بدأ في بعثرة خصلات شعره بالمنشفة، وذهب باتجاه الخزانة، بينما هي من خلفه تنفست الصعداء، حيث توقعت معامله غير ظريفة، او رد جاف يحطم أمالها ونشاطها منذ الصباح..
عادت ابتسامتها المشرقة تحتل وجهها، وتحركت خلفه تساعده في اختيار ثيابه كعادتها دومًا..
– يومك هيكون ايه النهاردة.
سؤال عادي كانت تكسر به حاجز الصمت الذي ساد بينهما، مجرد سؤال لا يحتمل نظراته الجامدة التي شملتها من أعلاها لاسفلها..
– ولما تعرفي يومي هتستفادي ايه.
كتمت بوادر الغيظ لديها بصعوبة بالغة، والقت ابتسامة مصطنعة نحوه وهي تحرك كتفيها بلامبالاة ظاهرية:
– ولا أي حاجة.
– بتسألي ليه طيب؟
قبضت فوق القميص بعنف، تجاهد رد قاسِ يحاول الخروج علنًا، ولكن سيندلع غضبه يحاوط حياتهما طيلة الاسبوع كاملاً، وبعدها تعود نادمة لِمَ تفوهت به.
– مجرد دردشة عادية!.
قالتها في عدم اكتراث ظاهري، بينما داخلها كان يغلي من فظاظته..
هز سليم رأسه عدة مرات وهو يتوقف عن تجفيف شعره، مبتسمًا نصف ابتسامة:
– افهم من كده، انك بتعتذري عن اللي حصل امبارح!.
حقًا، سيكون الاعتذار الآن من نصيبها، ظهر بوادر السخط والتهكم على ملامحها.
– اعتذر عن أيه!، انا فاكرة كويس ان مفيش حاجة حصلت امبارح!.
رمقها بنظرة مطولة، بينما هي كانت تقف بمقابله تطالعه بعيون بها لمعة شراسة ترقد خلف هدوئها الزائف أمامه، لعلمها بمدى طباعه الجامدة والحادة.
– لا في، واللي حصل ميتكررش علشان متزعليش مني!.
رمشت عدة مرات، تسأله ببلاهة:
– هو لسه في ليڤل أعلى في الزعل عندك يا سليم!.
صعقها بنظراته الحادة، محذرًا إياها من التمادي، فهزت رأسها بيأس وهي تقول بصوت هادئ يتخلله نغمة حزينة بعدما أصابتها خيبة الأمل مجددًا..
– أنا نازلة احضر الفطار مع ماما.
تركت القميص من يدها والقته فوق الكرسي، وقبل أن تخرج من الغرفة، استمعت لحديثه المنهي لفرارها منه:
– هنفطر هنا.
هزت رأسها بالايجاب وخرجت دون أن تتفوه بكلمة، بينما هو ضرب بيده خشب الدولاب في غيظ من نفسه، ناقمًا على جموده والذي احتل جزءًا كبيرًا من شخصيته.
فرك وجهه عدة مرات، وزفر بقوة مقررًا مراضاتها قبل الذهاب لعمله.
***
وضعت شمس الاطباق في صمت على الطاولة، ودموعها كانت تتسابق كالشلالات فوق وجهها، برغم أنها حاولت منعها تحت بند أن ما يفعله زوجها هو الدائم والسائد منه، إلا أنها لم تستطيع التأقلم مع ردوده الجافة على الرغم من مرور أعوام على زواجهما.
لاحظت خروجه من الغرفة، وصوته المتسائل صدح في المكان:
– أنس فين؟.
مدت أصابعها ومسحت دموعها برفق، قبل أن تلتفت له، مجيبه في اقتضاب:
– عند مامتك تحت.
تقدم من السفرة في خطوات متهملة يحارب بها قسوته، وصلابته، محاولاً اظهار صفاته الأخرى حيث اختفت تدريجيًا حتى أصبحت شبه معدومه.
وفي ظل صراعه القصير مع نفسه، تغلب جموده عليه كالعادة، فوجد نفسه يقول في نبرة متسائلة تحمل التوبيخ:
– المفروض أنه يقعد ويستنى يفطر معانا، مينزلش جري على تحت.
رفعت أنظارها تطالعه بتفكير للحظات، تحاول فهم ما يجول بداخله من اعتراض عن تعلق الطفل بوالديه.
حرك سليم رأسه متسائلاً بعينيه، عن سبب تجول عينيها عليه وكأنه مجنون..فأجابت على الفور بضيق:
– سليم هو أنت مش ملاحظ أنك بقيت تعلق على كل حاجة في حياتنا حرفيًا، وكل أفعالنا غلط في غلط..
التوى فمه متهكمًا وهو يرمقها بحدة، حينما شعر بتعديها لخطوطه الحمراء.
– وانتي شايفه انك مش غلط.
كان قاصدًا بحديثه ما حدث بالأمس، فأجابت برأسها في نفي، وكالعادة اغتاظ سليم من ردة فعلها، وتمسكها برأيها رغم أن ما فعلته كان خطأ غير مغفور في قاموسه..
كور يده بغضب، مكتفيًا بنظرات الغضب والسخط مما تفعله، مقررًا أن يتريث بالهدوء معها كي لا ينفلت لجام غضبه نحوها، ودون أي حديث انطلق يغادر الشقة في صمت تام.
صمت جعلها تدبدب بقدمها في الأرض، ولسان حالها ينطلق في حنق يوبخها عما تفعله معه، وعن سكوتها الدائم أمام ردوده الجافة ومواقفه القاسية معها.
اخرجت تنهيدة تحمل غيظ وقهر منه، ثم وضعت الطبق في انفعال طفيف فوق الطاولة، وجلست أمامه تستند بجبينها على يدها، محاولة التفكير بشكل مُرضي في علاقتها به.
***
بينما هبط سليم درجات السلم في انفعال بات واضحًا على جسده، وملامح وجهه الواجمه، لاغيًا فكرة الاطمئنان على والديه قبل الذهاب لعمله، حقًا لقد اكتفي بما حدث منذ دقائق، حيث كان كفيلاً لتعكير مزاجه طيلة اليوم، فاقدًا أي ذرة تحمل أخرى كي يكون صابرًا أمام رد متهور من أحد اخويه، أو والدته المعترضة دائمًا على كل ما يفعله معهم.
وقبل أن يخرج من بوابة المنزل تفاجئ بزيدان يقف مع أنس في منتصف الطريق ويمرر كرة صغيرة له، والصغير يركض باقصى سرعته نحو الكرة كي يمررها لعمه مرة أخرى..
اتسعت عيون سليم في صدمة، وانتقل سريعًا نحو ابنه يلتقطه بين يده، ويرفعه نحو صدره، ناظرًا لزيدان باتهام، تعجب له الأخر، مما جعله يرفع أحد حاجبيه في اعتراض بسبب نظرات اللوم التي القيت نحوه فجأة، وكأنه يريد مثلاً أذية ابن اخيه!.
ظهر التعجب على وجه زيدان بشكل كبير، مما استفز سليم وجعله يردف بحدة:
– ازاي تخرج أنس برة البيت وتلعبه كورة في الشارع!.
طريقته في الحديث لم تعجب زيدان،
هو ليس بمراهق، أو طفل كي يحادثه بهذا الشكل المهين..فقال بخشونة:
– وفيها إيه لما يلعب في الشارع، مش أنا معاه، خايف من إيه؟!
ابتسم سليم بسخرية، قائلاً بتسرع ودون أن يلاحظ كلماته الجارحة:
– انا هخاف أكتر لو أنت معاه، أنت لو مدرك اللي انت بتقوله مش هتعمل كده، يعني إيه طفل عنده ٤ سنين يلعب في الشارع كورة وفي وسط طريق.
ضغط زيدان فوق شفتاه السفلية في غيظ، كاتمًا ردود أفعال لو أخرجها سيقلل من تهذيبه مع أخيه الأكبر..فاكتفى بقوله:
– أنا فعلا غلطان وابنك ماليش دعوة به تاني.
والتفت بجسده تاركًا سليم تحت صدمته من وقاحته معه، هل جن كي يتعدى حدوده معه، كيف له بأن يحادثه بهذا الشكل أمام طفله، بينما أنس كان في وادٍ أخر، فالصغير كان يحاول كتم دموعه بسبب حزن عمه مما حدث، التفت سليم يطالعه بتساؤل قلق:
– مالك.
– عمو زيدان زعلان.
ربت سليم فوق خصلات الصغير في حنو:
– متشغلش بالك أنت، يلا اطلع لماما فوق، كانت عايزك.
هز الصغير رأسه في استسلام، أدخله سليم من بوابة المنزل ثم أغلق البوابة خلفه باحكام وانطلق صوب عالم زائف يكره الساعات التي يقضيها رغمًا عنه به، ولكن واقع المسؤولية التي وقعت فوق عاتقه كان أكبر بدليل موافقته على خوض مثل هذه التجربة رغم أنها تنافي طموحاته وآماله التي هُدمت بفعل واجب المسؤولية والعائلة!.
***
دخل زيدان إلى شقة والديه، وأنفاسه تزداد لهيبًا واشتعالاً بسبب كلمات سليم له، غير مدركًا تفسير تصرف أخيه، غير أنه تصرف أهوج لا يليق بشخص عاقل مثله، لقد كان يعامله وكأنه شخص غريب يريد أذية ولده، فرك خصلات شعره البنية في ضيق تام واتجه صوب فراشه، يرتمي بجسده فوقه، مؤنبًا نفسه على تلك الاجازة، والتي يبدو في بدايتها بعدم الرضا والراحة.
خرج يزن من المرحاض واتجه صوب الخزانة، التقطت عينيه سترة زيدان الخاصة بيه والتي تحمل إحدى الماركات التجارية الشهيرة، أخذها وبكل هدوء أزالها وارتدى السترة، مدللاً نفسه بالمرآه..
لاحظ صمت زيدان الطويل، وشروده غير العادي، فقال بمزاح:
– ايه يابني افسر انك زعلان علشان لبست التيشرت الجديد.
هز زيدان رأسه بنفي قائلاً:
– ميغلاش عليك، البسه.
تحرك يزن نحوه متسائلاً بفضول يتخلله مزاحه كالعادة:
– امال مالك، ضارب بوز في وشي على الصبح ليه، أنا ناقص.
انفجر زيدان بغيظ وغضب:
– اخوك اتجنن، بيتهمني أن عايز أذي ابنه.
أشار له يزن بالصمت مردفًا بصوت خافت:
– ابوك وامك لو سمعوا طريقتك وانت بتتكلم عن سليم كده هيزعلوك جامد، وبعدين هو ده سليم مش هيتغير، ايه الجديد.
اشار زيدان نحو عنقه بانفعال طفيف:
– الجديد ان اتخنقت منه ومن افعاله، انا حاسس بالكره في عينه ليا.
هز يزن رأسه في نفي، وهو يُلقي بكلمات اللوم والعتاب:
– سليم عمره ما بيكرهك، بالعكس بيحبنا و…
انفعل زيدان وهو يشير نحوه :
-بيحبك أنت، لكن أنا لا…
فتح يزن فمه متعجبًا من حديث زيدان، قائلاً بهدوء:
– متتجننش، من امتى الكلام البايخ ده، روق كده مش علشان موقف من سليم يخليك تقول الكلام العبيط ده، هو بيعاملنا كلنا كده واولنا مراته، ياريت متتكلمش عليه كده تاني، ابوك لو سمع هيزعل، أنت عارف مكانته ازاي عنده.
زفر زيدان في سخط، مستغفرًا ربه بعد عدة ثواني، محاولاً نفض تصرفات سليم بعيدًا عن عقله، كي تمر تلك الاجازة دون اثارة أي بلبلة تزعج والده.
انتبه زيدان على دندنة يزن أمام المرآة وهو يعدل من التيشرت في تريث، فاندفع بغيظ يقول:
– اقلع التيشرت ده يا حكيم زمانك، مش هتلبسه.
انتهى يزن من روتينه المعتاد، مقتربًا من الباب في عجلة:
– في واحدة جاية النهاردة تستلم مني عربية في المعرض، وده عاجبني وداخل دماغي، وبعدين ده اللي هيجبها.
هتف زيدان في سخرية تامة:
– بتشقط بالتيشرتات على أخر الزمن..
– الحب مُباح فيه كل حاجة.
قالها يزن في خبث وابتسامة جانبية تحتل ثغره، قبل أن يغلق الباب خلفه.
أخرج زيدان تنهيدة عميقة، وهو يريح بجسده فوق فراشه، متأملاً سقف الغرفة في شرود، متمتمًا ببعض الكلمات الخافتة التي تحمل بين حروفها اوجاعًا ذاقها بسبب تجرع خيبات العشق.
– ولا تعرف حاجة عن الحب يا يزن.
**
هبطت ليال درجات السلم في عجلة من أمرها، بعدما فقدت طابورها الصباحي في المدرسة التي حصلت على عملٍ بها بعد عناء جاهدت فيه اختيار وظيفة تليق بها وبمكانتها الوهمية التي رسمتها حول نفسها وكأنها أميرة وقعت من فجوة زمنية في حي شعبي لا يليق بها!، كانت خصلات شعرها كالعادة تتمرد من حجابها ولكن في تلك اللحظة خرج نصف شعرها من الحجاب، وحقيقةً هي لم تهتم سوى أن تصل في الميعاد مبكرًا، أفضل من خصم يوم كامل بسبب التأخير.
– مس ليال.
رفعت ليال عيناها، ترمق فاطمة الواقفه أمام شقتها، تبتسم ابتسامة واسعة، وكأنها حصلت على جائزة ثمينة، رمقتها ليال بنظرة تعالي كعادتها، قبل أن تتأفف قائلة:
– خير يا فاطمة.
سارعت فاطمة بالقول الذي كان يتخلله حماس:
– سيف قالك ان عايزكي تدي توته درس انجليزي.
هزت ليال رأسها في صمت، بينما تحركت عيون فاطمة بعدم فهم لصمتها، حتى هزت رأسها وابتسامتها بدأت في الارتجاف:
– مش فاهمة، موافقة ولا ايه!.
مطت ليال شفتيها في ملل، قائلة بلامبالاة:
– لا مش موافقة.
التفت ليال بجسدها لتستكمل طريقها في الهبوط، فستوقفتها فاطمة بسؤالها :
– ليه؟.
– ابقى اسالي اخوكي.
خرجت منها حادة بعض الشيء، مما جعلت الاخرى تقبض ما بين حاجبيها في تعجب، غادرت ليال وبقيت فاطمة على اثرها حتى انتبه عقلها لنقطة وضحت معنى إجابة ليال، بالتأكيد سيف، هو من تتمحور لديه الاجابة، وهو من جعلها ترفض بهذا الشكل..
ركضت صوب الشقة تبحث عن جوالها، حتى التقطته من يد توته ابنتها واجرت اتصالاً بأخيها..جاءها رده السريع.
– ايوا يا حبيبتي.
– وليك عين تقولها بعد ما طفشتها يا سيف.
– طفشت مين؟.
قالها سيف في استهجان، فردت فاطمة على الفور بهجوم شرس:
– ليال، أنت اصلا مالك، أنا قولتلك تعملي خدمة، تتدخل بالخير، ولا تخرب الموضوع، اهو البت لو سقطت في الانجليزي ذنبها في رقبتك ياسيف.
– ذنب ايه، بنتك في كي جي ٢.
– اسمع ما اقولك، ليال هتدي البت درس يعني هتديها، انت أكيد ضايقتها، هي قاتلي كده.
– مين دي!.
قالها في تعجب، محاولاً لم شتات الموضوع بأكمله..
– ليـــــال.
صرخة اخته بأذنه جعلته ينتفض من حالة الخمول والملل المسيطرة عليه أثناء الاتصال..
***
بالأسفل كان سيف محاولاً التحدث مع أخته بطريقة مهذبة، مراعيًا مشاعرها الانثوية حيث تبدلت كليًا بعد طلاقها، وأصبحت أنثى شرسة تشن الهجوم على كل ما هو ذكر، بعدما تلقت خيبات على يد زوجها الابلة المنساق خلف والدته الحرباء، كما يطلق عليها سيف..
لمح سيف بطرف عينيه غزال جامح يخرج من البناية سريعًا تحاول تخطي الزحام الشعبي من بين البائعة اللاجئين واطفال وشباب المدارس..
وضع كوب الشاي الخاص به، وهذة عادة صعب أن يتركها في الصباح..ولكن الأمر تعلق بشقيقته وتوته ابنتها..
تحرك خلفها في هدوء مدروس، وما إن خرجت من المنطقة بأكملها، حتى استوقفها بصوته الخشن:
– اقفي..
التفت ليال سريعًا تطالع من يأمرها في حدة تعجبت لاثرها، وما إن وقع بصرها عليه، حتى هدأت ملامحها لثوان، بعدما كانت تتأخذ طريقًا للهجوم والتوبيخ.
– خير يا بشمهندس سيف.
قالتها في عناد، وعيناها تزداد شراسة، فابتسم باستهزاء واضح قائلاً:
– هو أنتي رفضتي تدي توته الدرس ليه؟!
هزت كتفيها بلامبالاة:
– أنا حرة، مش هديها حاجة!، هو عافية؟.
ابتلع ريقة بصعوبة، مجاهدًا نفسه المتمنية، بضربها وتكسير عظام رأسها، ناهيك عن خصلات شعرها التي خرجت من الحجاب بكثرة..
راقبت عيونه وهي تتحرك مع خصلات شعرها المتطايرة، ولكن يبدو في نظرته الحدة، والقسوة، والاشمئزاز، لم يكن هناك أبدًا شيئًا من الاعجاب، مثلما ترى دائمًا، أو مثلما تعودت من ذلك الصنف، فتلقائيًا اهتزت مشاعرها وثباتها أمامه، ومدت أصابعها تحكم خصلات شعرها أسفل حجابها بهدوء مخلوط بالتوتر الملحوظ..
فرك سيف وجهه في ضيق، وعاد يقول في هدوء:
– هتدى الدرس لتوتة الساعة كام؟!
رفعت عيناها تقابله بشموخ وهي تلقي بكلماتها الخالية من الادب:
– مش هديها، وده اللي عندي.
أشارت ليال بيدها لسيارة الاجرة، وتوقفت أمامها في لحظة، فركبت سريعًا تهرب من نظرات عينيه الغاضبة، ونبرته الخشنة تخبرها في تحدِ:
– واللي عندي أكتر منه.
***
مساءًا.
توقفت سيارة سليم أسفل بنايتهم وكعادته انتظر دقائقه المفضله في هدوء احتاجه قبل الدخول لمنزل أصبح يرهقه في الآونة الاخيرة.
خرج من سيارته ممسكًا بحقيبة ورقية عليها شعارهم الخاص بالمجوهرات، وذلك بعدما قررًا صباحًا أن يراضي شمسه، معترفًا بمدى الضغط النفسي الذي يمارسه عليها كثيرًا في الفترة الأخيرة بتصرفاته الجنونية المتقلبه بين حين وآخر، حيث أصبحت تعاني معه وظهر ذلك جليًا على ردود افعالها وبُعدها الجزئي عنه.
دخل من باب شقة والديه، وصلت إلى مسامعه صوتهم في الصالة الداخلية، خطى بخطوات هادئة نحوهم، ولكن قبل أن يدلف، لمح شمس بالمطبخ تضع العصير في الاكواب..
غير خطاه، ودخل في هدوء شديد، حتى توقف خلفها مباشرةً، ومن شدة تركيزها لم تشعر به سوى وهو يلمس يدها في لطف، انتفضت انتفاضة صغيرة، والتفتت سريعًا تطالعه في قلق، لتصرفه ذاك.
– سليم.
-عيونه.
ظهرت البلاهة على ملامحها وهي تستمع لنبرة صوته الدافئة، وملامحه الهادئة، فابتسمت حتى ظهرت نواجزها:
– حمد الله على سلامتك.
رفع حاجبيه معًا مبتسمًا بتهكم:
– هو أنا جاي من الحجاز!.
امتعض وجهها وهي تنظر له حنق:
– على طول معترض على كلامي.
هز رأسه مجيبًا في هدوء:
– علشان مش في محله.
وضعت يدها في خصرها تطالعه بدلال:
– امال اقول ايه بقا!.
– تقولي اي رد يكون على الوزن ده!.
ضحكت بخفة، وهي تقف على أصابع قدمها، حتى تصل لمستواه:
– الجميل رايق النهاردة.
فتح فمه كي يتحدث، تزامنًا مع رفع يده بالحقيبة امام وجهها ولكن قطعه صوت حارس البناية، وهو ينادي بصوت عالِ:
– سليم بيه.
ترك سليم شمس على مضض واتجه صوب الباب المفتوح، نظرًا لعادتهم دائمًا..
– الورد ده جاي لشمس هانم.
التقطه سليم منه بقوة بعدما استغرق ثوان يترجم بها كلمات الحارس.
قرأ الكارت الموضوع فوقه، حينما لمح لقب يخص زوجته، توقف عقله عن العمل بسببه..
” احلى ورد لاحلى انسة شمس”.
يتبع ……
لقراءة الفصل الثالث : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!