Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الخامس 5 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الخامس 5 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الخامس 5 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الخامس 5 بقلم زيزي محمد

في معرض الشعراوي للسيارت، تحرك العامل وهو يحمل اكواب العصير لداخل مكتب يزن المدير الفعلي للمعرض، ابتسم العامل ساخرًا من رئيسه الذي لم يضع فرصة مع كل ماهو أنثى إلا واستغلها، والفتيات يقعن في غرامه المعسول دون جهد منه، يكفي ابتسامته الجذابة التي يستقبل بها عملائه، مستخدمًا أسلحته الهادئة في جذبهن .
توقف على مقربه من مكتب يزن ووضع الاكواب في صمت، وكالعادة أخفض بصره بناءًا على تعليمات يزن الصارمة.
خرج العامل في هدوء، وبقى يزن مع فتاة ارستقراطية ممن يلبسن جيب قصيرة للغاية وسترة عارية الكتفين، وبالتأكيد يصاحب زيها لون أحمر شفاها الفاقع كي تثير ذلك الخبيث الجالس خلف مكتبه، ناظرًا لها بخبث ثعلبي:
– منورة يابيبي.
ارتشفت القليل من العصير بغنج، ثم قالت برقة وصوت ناعم:
– نورك يا زيزو.
– استقريتي على إيه، الزرقة ولا الحمرا.
رمشت بأهدابها في دلال، وصوت ناعم للغاية سألته:
– انتي رأيك إيه؟!
– أنا قولتلك رأي من زمان.
رد في لامبالاة وابتسامة بسيطة تزين ثغره، فضحكت بصوت مرتفع، قائلة بمكر انثوي:
– انت عايز تديني الاغلى يا زيزو وتقولي شبه لون عيوني.
ختمت حديثها بنظرة لعوبه، فصدمها بقوله المتهكم:
– لون اللينسز يابيبي، مش عينك، نركز في التفاصيل.
احمر وجهها من شدة احراجها، فقاطع حديثهما صوت العامل المرتجف:
– سليم باشا بيركن العربية وداخل.
عقد يزن ما بين حاجبيه متوترًا من مجيئه المفاجيء، وما زاده تيبسًا هو دخول سليم وهو منعقد الوجه، ملامحه تصرخ بالغضب، حدج بها لثوان، ثم القى نحوها نظرات من التقزز لهيئتها التي تصرخ بالانوثة الفجة، مدركًا لمقصدها، فقال بصوته الرجولي الخشن الممزوج بغطرسته الملاصقة لبحة بصوته:
– خلصها بسرعة!.
وقبل أن تفتح فمها لتوبيخه، أجاب يزن وهو يجذب يدها بسرعة:
– اه، هوصلها.
تحركت معه بعدم رضا، وهمست في ضيق:
– مين ده؟ هو فاكر نفسه إيه علشان يتكلم بالعجرفة دي.
أجاب يزن وهو يبتسم بسماجة، دافعًا إياها خارج مكتبه الزجاجي:
– ده سليم أخويا الكبير.
القت نظرة عليه قبل أن تتحرك خارج أعتاب الباب:
– ده أحلى منك، رغم انه رخم.
– ولسانه طويل وقليل الادب، ولو فكرتي تتكلمي معاه هتتهزقي، يلا يا سوزي اتكلي على الله.
خرجت سوزي رغمًا عنها، وعيناها لا تستطيع ابعادها عن سليم الجالس على اريكة في صمت يتابعها هي ويزن بنظرات اشمئزاز ووجوم، وكالعادة تلقاها سعيد المسؤول عن الامور المادية في المعرض بناءًا على توصيات من يزن، واوصلها لخارج المعرض.
بينما بالداخل تحرك يزن باتجاه سليم وهو يشير نحو كرسيه خلف مكتبه في أدب:
– اقعد يا سليم على الكرسي.
هتف سليم في حدة وعيناه تشمل يزن بنظرات نارية:
– لا ده كرسيك انت يا بيه، اتفضل اقعد عليه ووريني طلتك البهية.
فرك يزن خصلات شعره في حنق، مردفًا:
– اه الدخلة دي وراها إيه!.
– وراها مصايبك يايزن، وراها كلام مالوش صنف المعنى اسمعه من عيل واطي زي سمير.
عقد يزن حاجبيه مردفًا بعدم فهم:
– ماله سمير، ماله الزفت..
نهض سليم قائلاً بصرامة:
– مالوش، بس الكلام عن المعرض كتر، وكله الا السمعه ياباشا، ابوك قاعد سنين يحافظ على اسم العيلة دي، متجيش انت بنزواتك تهدها.
– اهد إيه، علشان معظم الزباين هنا بنات، طب نعمل إيه يعني، ذوقنا بيعجبهم، وبعدين متقلقش أي حاجة فيها عك هكلم زيدان يخلصهالي.
خرجت الحروف من فم سليم وكأنها أسهم نارية، شاعرًا بوصول الغضب لديه لأعلى ذروته:
– انت لما تقع في مشكلة تيجلي أنا، أنا اخوك الكبير، هي لدرجة دي لغتوني أنت والباشا زيدان.
سارع يزن بالتحدث نافيًا تلك الفكرة، بعدما لمح نظرة حزن تكمن داخل أعين أخيه، فقال:
– لا طبعاً ولا عاش ولا كان، أنت الكبير بتاعنا، أنا بس كنت بتكلم بحكم انه ظابط بس.
كور سليم يده في غضب، محاولاً التحكم في نفسه، بعدما تسرب لدية شعورًا بالغيرة متحكمًا بخلايا قلبه اتجاه زيدان:
– بلا ظابط بلا زفت، انت يوم ما تقع في مشكلة تيجي تقولي، الغي زيدان من حسباتك..
صمت للحظات يستجمع هدوئه، فاستطرد برصانة:
– وهو كمان يوم ما يقع في مشكلة هكون في ضهره، أنا عايش علشانكوا.
ابتسم يزن باقتضاب اثر زلزلة حدثت بعقله بعدما قرأ شيئًا جديدًا في نبرة سليم، مردفًا بخفوت:
– ربنا يخليك لينا.
جمع سليم متعلقاته واتجه صوب الباب وهو يقول:
– مستنيك في العربية علشان نروح.
غادر سليم بينما وقف يزن يتابع خروجه في صمت وعقله يدور في حلقه من الاسئلة هاجمت خلاياه فجأة، وكأن القدر له رأي آخر عن ذلك اللقاء، فكانت نتيجته اندلاع سيل من الاسئلة تتمحور حول سليم وزيدان؟!
***
تحركت توته بجانب خالها تصعد درجات السلم في صمت، بينما كان سليم يغلي من أوامر اخته المصون، حيث تشاجرت معه بسبب حديثه الخالي من الذوق مع ليال، بعدما استمعت لهما صباحًا، وأصرت على ايصال توته لشقة ليال، مع تقديم اعتذار لها.
لقد ظنت فاطمة سكوته دليلاً على موافقته، ولكنه كان يخزن بداخله شحنه سلبية حانقة كي يدفعها في وجه تلك المستفزة، وينهى ذلك الاتفاق بينهما، يكفي رؤيته لها صباحًا ومساءًا، يكفي جهاد نفسه أمامها، حامدًا ربه أن عقله لا يرى سوى عيوبها فقط، سيعطيه ذلك مساحة كافية لانهاء مشاعر الحب التي تولدت لديه رغمًا عنه، لقد وقع كالأحمق في حب فتاة طائشة، لا تتشابه معه، بل كانت بعيدة كل البعد عنه.
وصل لدور القابع به شقتها، فوجدها تقف أمام الباب تضع أكياس للقمامة ممتلئه على اخرها، رفع حاجبيه وهو يتابع هيئتها الفوضوية من قميص قطني طويل يصل إلى كاحلها وفوقه نصف خمار والمفاجأة هنا تكمن في وجهها الخالي من أي مساحيق، ابتسم باستهجان لحالتها تلك، ورفع صوته يخاطب توته:
– أخيرًا يا توته، الجيران قرروا ينضفوا بيتوهم.
رفعت ليال وجهها تطالعه، فشعرت بتدفق الدماء لوجهها، لأول مرة يراها أحد بهذه الحالة المزرية، ولحظها التعيس كانت المرة الاولى من نصيبه.
باعدت عيناها عنه، وتلبست برداء الوقاحة مخاطبه إياه في جرأة:
– على الله باقي الجيران ينضفوا نفوسهم شوية من الغل والحقد اللي فيهم.
رمقها بنظرات غير مفهومة، شاملاً إياها من أخمص قدمها لرأسها، مرورًا بوجهها الذي باتت ملامحه واضحة إلى حد كبير، فبالنسبة له أجمل من تلك الزائفة التي تضع مساحيق تشوه من جمال ملامحها.
تفرسه بها اخجلها فقالت بحدة:
– بتبص كده ليه؟!
بعد صمت طويل منه، فاجأها برده غير المتوقع بالمرة:
– الحلو حلو لو قام من النوم والوحش وحش لو غسَّل وشه كل يوم.. أمي زمان كانت دايمًا بتقول المثل ده مكنتش بفهمه، بس دلوقتي فهمته…
شهقة صدرت منها، تعبر عن استياءها:
-قصدك إيه!.
– اللي انتي فهمتيه، ادخلي يا توته خدي الدرس…
دفع الصغيرة للداخل رغمًا عنها، وقبل أن يغادر تفوه بفكرة داعبت عقله ليلة أمس، كي ينتهي من جدال اخته اليومي، ويقصر على ذاته جهاد يخوضه يوميًا بسبب لقاءه المستمر مع جارته الحمقاء..
– على فكرة فاطمة أختي قالت لام محمود انك بتدي توته درس، فام محمود فرحت واحتمال تجبلك محمود من الحصة اللي جاية…
توسعت عيناها بصدمة، ولم تقدر على التحدث، فسارع هو بقوله:
– أنا قولت اقولك علشان تهتمي بنضافة البيت.
جزت فوق أسنانها بعنف شديد، فخرجت حروفها تحمل حقدًا اتجاهه:
– واعمل في الورطة دي، مش كفاية بدي بنت اختك غصب عني.
اتجه صوب السلم، مبتسمًا باستفزاز:
– والله بيتنا تحت مفتوح، وعرضنا عليكي، انتي اللي اصريتي، فـ…مبروك.
صرخت بحنق:
– مبروك على إيه!.
– على توته ومحمود وتسنيم وعيال العمارة كلهم.
ختم حديثه وهو يلوح لها قاصدًا استفزازها، فاغلقت الباب في وجهه تعبيرًا عن غضبها منهم جميعًا.
هبط سيف درجات السلم وهو يرفع يده للاعلى داعيًا ربه برجاء:
– يارب تيجي تدي البت درس تحت، مبقتش عايز اشوفها..
ثم بعدها هز رأسه مؤكدًا:
– وهي بتديها هكون في الورشة واخلص من العذاب اللي أنا فيه.
– عذاب إيه يا اسطى.
تراجع سيف للخلف، ناظرًا للواقف أمامه بذعر:
– أنت غبي ياله في حد يعمل اللي أنت عملته.
حك أيوب مؤخرة رأسه، مردفًا:
– معلش يا اسطا، عن اذنك هطلع دور الشاي ده لشقة أستاذ عبد العزيز..
اغلق سيف عيناه بغضب:
– أنا قولت مية مرة، متطلعش هنا في العمارة، لو أستاذ عبد العزيز عايز يشرب شاي ينزل القهوة تحت.
– هقوله…هقوله.
صعد أيوب السلم في سرعة متمتمًا بداخله بغل:
– اه..مش عايز حد يشوفك معها يا اخويا.
***
دخل يزن اولاً باحثًا عن والدته، فوجدها تجلس فوق الاريكة تمدد ساقيها أمامها، ودموعها منسابه فوق وجهها، بجانبها شمس وزيدان ووالده..
عقد حاجبيه بقلق، مندفعًا نحوهم:
– مالك يا ماما.
هتفت بصوت متقطع مبحوح:
– مفيش ياابني، شوية التعب اللي بيجوا في رجلي.
نهض يزن بلهفة، مردفًا:
– قومي نوديكي عند الدكتور..
ردت شمس بخفوت:
– رافضين أي حجز خالص، غير بعد أسبوع.
فقد زيدان هدوئه:
– نشوف حد تاني..
قاطعته والدته بنفاذ صبر من فرط المها:
– يابني انا برتاح معاه، وبعدين انا اخدت الدوا وهكون كويسة.
– السلام عليكم.
قال سليم بصوت هادئ رزين، فرد الجميع عليه، تابع خطواته نحوهم، وعيناه تتعلق بكل شخص منهم يقرأ ما يدور بينهم، فأدرك على الفور سبب التفافهم حول والدته، وقد أكدت شمس بحديثها الخافت له حينما نهضت ووقفت بجانبه:
– ماما تعبانه اوي..
هز رأسه متفهمًا دون أن ينطق بكلمة، فساد الصمت بينهم جميعًا، حتى أن صمته دون أن يبرز قلقه لوالدته استفزهم، فصُوب نحوه نظرات السخط، ضغطت شمس فوق يده وبعينيها أشارت نحو والدته، لحظات استغرقها ليخرج صوته الفاتر المعقب على حالتها المرضية:
– الف سلامة، ان شاء الله تكوني بخير.
انهى حديثه وجلس فوق الكرسي يخرج هاتفه، متابعًا شيئًا ما، دون أن يرفع عينه بعيون والدته، حيث كانت تنظر له في حزن وجعه فاق الم ساقيها، لقد هُدم جسر الوصال بينهما، والسبب هي… هي من زرعت بذرة القسوة بداخله بعد أن كان قلبه ينبض بالود والرحمة.
انسابت دموعها بحسرة وندم، دفنت وجهها في صدر زيدان المقترب منها في هذه اللحظة، واطلقت لنفسها العنان في البكاء الصامت، ترحب بمباراة مع جلد الذات سببها ندوب متراكمة في فؤاد ولدها.
بينما كان سليم يتجاهل نظراتهم، متابعًا هاتفه باهتمام، ولكن عقله كان له عيون فريدة تتابع ما يحدث باهتمام، وعندما شعر بحركة ما، رفع نصف بصره بلؤم، فوجد والدته تدفن وجهها بزيدان.
ضغط فوق لحم شفتيه في غيظ وكأنه يريد تقطيعه، هذا هو المتوقع منها ومن ردود افعالها التي كانت دائمًا تناسق خلف زيدان ويزن فقط، أما هو فكان غير مرئي لها، بل لجميعهم.
***
صعدت شمس السلم خلفه بسرعة، بعدما هب سليم واقفًا مغادرًا دون أن يتحدث، لم تدرك ما حدث له، سوى أن الغضب قد عاد وتملك منه، هزت رأسها بيأس من صمته المعتاد، ومن طريقته الخاطئة في التنفيس عن غضبه بسجائره اللعينة.
دخلت خلفه في الشرفة ولكن قبل أن تمضي قدم واحد كان صوته ينهرها:
– طرحتك يا شمس.
عدلت من وضعية حجابها باحكام، ثم دخلت ووقفت بجانبه في وسط كثيف من الادخنه المنبثقة من فمه، لم تبدي اشمئزازها من رائحتها، بل كتمت تعابيرها من أجله فقط، كي لا يغضب أكثر..
– ادخلي جوا، الدخانه دي خطر عليكي.
رفعت حاجبيها معًا، لاهتمامه بها في أدق التفاصيل، ولكن اهتمام جاف ينقصه “توابل” تزيده حرارة، فخرج صوتها المميز ببحته الناعمة:
– يعني هي خطر عليها وعليك لا..
لم يبدي اكتراث لحديثها، تجرأت ومدت يدها تلتقط السيجارة من فمه تلقيها من الشرفة، فحدجها بنظراته الغاضبة، مهددًا إياها:
– اخر مرة تعمليها.
وضعت يدها فوق صدره، تتمسك بقميصه، تهتف بحب:
– هعملها لانها خطر زي ما بتقول، وانا بخاف عليك.
– بجد بتخافي عليا.
ارتفع جانب شفتاه ساخرًا وكأنها ليست شمس، بل والدته، لا يعلم لِمَ تجسدت أمامه الآن، وكأنه داخل زنزانه مفاتحيها مع والدته.
أخرجه صوت شمس وهي تنظر له غير مصدقة:
– طبعًا بخاف عليك..سليم مالك؟.
– أنا مش فايق، وهخرج شوية لما تنيمي انس.
القى بحديثه وهو يبعد يدها المتعلقه بقميصه، مغادرًا الشقة بأكملها، متجهًا صوب صديقه وملاذه الذي يتخلى معه عن القسوة، ظاهرًا اوجاعه مناقشًا اياه بكل سلاسه.
بينما وقفت شمس تطالعه اثره في صمت، ولكن عقلها يعمل بجعد في فك شفراته، يجاهد في تكسير الحواجز بينما، فشعرت بتقصيرها نحوه..واكدت على ذلك حينما ردد ذهنها صوته الحزين ” بجد بتخافي عليا”..
انسابت دمعه فوق وجنتاها، مسحت وهي تقرر الاهتمام به أكثر، بل تنوى ادخاله في دائرة عشقهما من جديد، يبدو أن ما تفعله في الخفاء هو السبب في الهائها عنه.
***
بعد مرور عدة ساعات..شعر سيف بملل شديد وهو يجلس على مقعده بالورشة في تلك الساعة المتأخرة، منتظرًا الجبل الجليدي بالذوبان والتحدث معه.. متمنيًا التخلص من الهدوء الذي عم المكان فجأة، وهو غير معتاد على ذلك..
– اقوم يا سليم اشوف شغلي..
– ما تقوم..
قالها سليم بلامبالاة، فاغتاظ سيف منه:
– وسايبني اقعد معاك ليه.
– انت اللي قاعد.
ظهرت ملامح الصدمة على وجه سيف، ولكن سليم تجاهلها بقوله الهادئ:
– الورشة بتاعتك دي بحس في براحة غريبة.
ضحك سيف متهكمًا:
– اه ريحة زيت العربيات بتنعش قلبك.
صمت عم المكان للحظة، ثم ارتفعت ضحكات سليم عاليًا، تابع سيف تغير ملامح صديقه، فشعر بالشفقة عليه لم يكتمه بقلبه، فحاول التخفيف عنه مثل كل مرة يأتي بها، جاذبًا إياه من بقعة اوجاعه، لحياة بسيطة هادئة..
– نسيت اقولك ان اتعاركت للمرة مليون مع المدرسة جارتي.
ضيق سليم عيناه وهو يرمقه بمكر:
– ليال.
التقط سيف كوب الشاي يرتشف منه القليل، قائلاً بلامبالاة زائفة:
– أنا بحكيلك علشان تفك شويه.
هز سليم رأسه مؤكدًا على حديثه باستهجان:
– اممم، كمل..كمل.
***
صباحًا..
في إحدي العيادات الشهيرة، جلست منال وعلى وجهها ابتسامة واسعة، لقد نبض قلبها من جديد بسعادة بالغة، وذلك حينما ابلغتها شمس في الصباح باتصال سليم واخبارها بذهابهم لعيادة الدكتور المتابع لحالة والدته، لقد استطاع حجز معاد الساعة ١٠ بأعجوبة، تطلعت حولها بفخر وأكدت لنفسها أن مشاعره نحوها لم تتجمد بعد، مازالت هناك مساحة صغيرة تستطيع الاستمتاع بها، انتظرت قدومه على حد قول شمس، وهنا زاد من مفاجاتها لم تتوقع اهتمامه بها بعد جفائه ليلة امس.
تحركت الممرضة نحوهم، تخبرهم بميعاد دخولهم، فهمست منال قائلة:
– مش هنستنى سليم يابنتي.
حركت شمس رأسها بنفي تخبرها:
– الطريق زحمة اكيد هيتأخر يلا ندخل احنا.
تحركت منال مع شمس، وعيناها لا تفارق الباب أبدًا، تنتظر قدومه بفارغ الصبر، تشعر بحماس لرؤية عنايته بها، امورًا بسيطة ولكنها تطيب جروح عميقة تأصلت بروحهما.
دخلت شمس اولاً، ثم منال فرحب الطبيب بها، ونظراته مصوبه على شمس..التي شعرت بالخجل منه، فجلست بجانب منال تنزوي من نظراته الجريئة.. نظراته شملتها باعجاب واضح.
– مين دي يا حجة؟، بنتك.
ردت منال بعفوية، قائلة:
– شمس بنتي…
كان حديثهم يتزامن مع دخول سليم للغرفة، فتجهم وجه، مغتاظًا من رد والدته، وذلك الطبيب المعتوه، دخوله اربك الطبيب الذي ابعد بصره بصعوبة عن شمس فلاحظ سليم ذلك، اما شمس توترت فجأة وكأنها تقدم على كارثة، ولكن رد فعل سليم جعل الدماء تتسرب من عروقها، حينما جذبها من يدها واجلسها بجانبه، قابضًا فوق اصابعها في تملك، محاولاً التحكم بنفسه كي لا ينفجر بوجه الطبيب، رغم ابعاد نظره عنها..
نهض الطبيب لغرفة الفحص مع منال والممرضة، بينما جلست شمس بجانب سليم ترمقه بنظرات حب وسعادة لغيرته، رغم أنه كان هادئًا يتجاهلها او كان يتظاهر بذلك، ولكن زادت نظراتها له، تنهد بصمت، وركز ببصره على غرفة الفحص، فلاحظ جسد الطبيب الذي كان يلتفت بين اللحظة والاخرى يخطف نظرة لشمس بطرف عيناه، ترك سليم يدها ثم حاوطها واضعًا كامل ذراعه حول كتفيها..
ابتعدت شمس عنه بخجل او حاولت هذا:
– سليم، مينفعش كده نزل ايدك من على كتفي..
همست بها وعيناها تحذره، فحرك رأسه رافضًا حديثها دون أن يتحدث، زمت شفتاها بضيق، ووجنتاها تعبر عن مدى خجلها..بينما ارتسمت بسمة صغيرة فوق ثغره، غير منتبهًا لانصهارها الشديد تحت قبضة يده.
يتبع ……
لقراءة الفصل السادس : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد