روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الحادي والأربعون 41 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الحادي والأربعون

رواية امرأة العقاب الجزء الحادي والأربعون

رواية امرأة العقاب الحلقة الحادية والأربعون

صعدت الدرج بخطوات هادئة حتى وصلت للطابق الثاني حيث شقتهم وتسمرت بأرضها فور رؤيتها لأسمهان تقف أمام الباب وجدتها تحدق بها بحيرة ! .
خرج صوت مهرة المندهش :
_ أسمهان هانم !!
التفتت أسمهان بجسدها للخلف تتطلع بمهرة التي تقف عند بداية الدرج بالأسفل .. وكذلك فوزية نقلت نظرها لحفيدتها ومازالت علامات التعجب تعتلي ملامحها .
صعدت مهرة درجات السلم  شبه مسرعة حتى وصلت أمامهم تمامًا وحدقت بأسمهان تبتسم لها ابتسامة صفراء وتهتف :
_ ايه الزيارة المفاجأة دي !
أسمهان بجمود وهي ترمقها بشموخ :
_ جاية اتكلم معاكي شوية ومنها قولت اطمن على جدتك
هزت مهرة رأسها بتفهم وهي تضحك بسماجة قبل أن تدير وجهها تجاه جدتها وتقول موضحة لها هوية أسمهان :
_ دي أسمهان هانم ياتيتا والدة آدم
أسمهان بقرف :
_ آدم !! .. أممم واضح إن العلاقة بينك إنتي وابني بقت كويسة أوي !!!
تنهدت مهرة بقوة تحاول تمالك اعصابها وقالت بلطف متصنع :
_ اتفضلي يا أسمهان هانم .. ميصحش تفضلي واقفة على الباب كدا .. اتـفـضــلـي
أفسحت فوزية لها الطريق بملامح باتت أكثر قوة بالأخص بعد معرفة هويتها ورؤية طريقتها الفظة في التكلم .. بينما أسمهان فدخلت ونظراتها كلها استعلاء .. تتفحص المنزل البسيط بأنظارها المستنكرة والمستعلية .
قبضت فوزية على ذراع مهرة وجذبتها إليها تهمس في أذنها بحدة :
_ودي عايزة منك إيه وتعرف البيت منين !
مهرة بصوت منخفض ونظرات محتقنة لأسمهان التي تتفحص منزلهم بقرف :
_ معرفش يازوزا روحي إنتي بس اعمليلها حاجة تشربها .. إكرام الضيف واجب برضوا وسيبهالي أنا
ابتعدت مهرة عن جدتها وسارت باتجاه أسمهان التي جلست فوق الأريكة الكلاسيكية والقديمة مجبرة حين لم تجد أمامها شيء آخر .. اقتربت مهرة منها وجلست على مقربة منها ونظراتها القوية استقرت عليها وسط ابتسامتها اللطيفة المزيفة التي لا تزال ترسمها فوق شفتيها .. اما فوزية فقد تقدمت وجلست على مقعد قريب منهم متجاهلة طلب حفيدتها بأن تتركهم بمفردهم .
بقت أسمهان صامتة تنقل نظرها في أرجاء المنزل بأكمله وكل من مهرة وفوزية يتطلعون إليها بصمت يعكس الغيظ الذي بصدرهم منها .. لم تتمكن مهرة من الجلوس صامتة أكثر من ذلك وبنفس اللحظة تخشى أن تتكلم معها أمام جدتها فمازالت لم تتعافى بشكل كامل .
حدقت مهرة بجدتها في نظرات ذات معنى .. لتصدر فوزية زفيرًا حارًا وتقول باقتضاب :
_ تحبي تشربي إيه ؟!
أسمهان باستعلاء :
_ متشكرة
فوزية بنظرات قوية :
_ لا إزاي ده انتي أول مرة تدخلي بيت رمضان الأحمدي .. لازم نضيفك حاجة
لم تعطيها أسمهان اهتمام بينما فوزية فاستدارت واتجهت نحو المطبخ وهي تستغفر ربها مرارًا وتكرارًا .
التفتت مهرة أخيرًا إلى وجه أسمهان وقالت بجدية :
_ خير حاجة إيه اللي حابة تكلميني فيها يا أسمهان هانم ؟!!
أسمهان بصوت صارم ونظرات محذرة :
_ آدم
_ ماله ؟!
اجابتها بابتسامة سحرية وفي نبرة  تهديد :
_ أول حاجة هتسيبي الشغل وتاني حاجة هتبعدي عن ابني تمامًا .. لأن أنا عدى عليا من نوعيتك دي أشكال كتير وكلهم بيبقوا هدفهم واحد
تجاهلت تهديدها واهانتها الصريحة بصعوبة وقالت في هدوء مزيف واستهزاء :
_ وياترى هو إيه الهدف ده !!
أسمهان بفظاظة وحدة :
_ الفلوس طبعًا .. خلي في علمك إني مستحيل اسمح إن حاجة تحصل بينك إنتي وابني  .. لا يمكن اسيب ابني لواحدة بيئة زيك .. مش عيلة الشافعي اللي هتدخلها واحدة من المستوى ده
ثم تابعت وهي تتجول بنظرها في سخرية بأرجاء المنزل :
_ بصي حواليكي وإنتي هتفهمي قصدي وتعرفي الفرق
استشاطت مهرة غضبًا واحتقن وجهها بالدماء لتهب واقفة وتهتف في انفعال وشراسة :
_ إنتي جاية في نص بيتي وبتهنيني !! ..  صحيح الفلوس عمرها ما تعمل من قليل الأصل قيمة
اتسعت عيني أسمهان بصدمة من الإهانة التي تلقتها الآن وخرجت عن إطار هدوئها المزيف أيضًا لتستقيم واقفة وترفع يدها تهم بصفع مهرة لكنه كانت اسرع منها وقبضت على يدها توقفها في الهواء وهي تهتف بقوة وثبات :
_ تؤتؤ محدش قبل كدا اتجرأ ورفع إيده عليا .. وأنا هحترم إنك في بيتي وهفضل محترمة معاكي برضوا عشان اوريكي إني احسن منك .. أما بخصوص ابنك مفيش حاجة بينا أصلًا ولا يمكن يحصل يعني اطمني .. لأن باختصار عيلة رمضان الأحمدي متتشرفش أنها تناسب واحدة زيك من الأساس .. ودلوقتي اقدر اقولك شرفتيني ومتشكرة على الزيارة اللطيفة دي
حدقتها أسمهان شزرًا وغلًا قبل أن تنزع يدها من قبضتها بعنف وتلقيها بنظرة أخيرة نارية قبل أن تستدير وتغادر المنزل بأكمله .. وصلت بتلك اللحظة فوزية التي هتفت بتعجب :
_ مشيت !!
مهرة بقرف وعصبية :
_ غارت في داهية .. دي ست قليل الذوق ومتعرفش حاجة عن الأدب والاحترام
فوزية بنظرات صارمة :
_ قالتلك إيه يامهرة ؟!
مهرة بغضب وهي تتجه نحو غرفتها :
_ مقالتش حاجة عايزة اقعد وحدي لو سمحتي ياتيتا
وصلت إلى باب غرفتها وفتحته لتدخل وتصفعه خلفها بقوة وسط ذهول فوزية وسخطها من تلك المرأة التي لم ترتاح لها منذ أول نظرة ! .
                                     ***
بصباح اليوم التالي داخل مقر شركة الشافعي ……..
كانت جميلة تجلس بجوار عدنان في مكتبه تقوم معه بمراجعة بعض الأوراق المهمة الخاصة بالعمل في جدية تامة .. فنهضت من جواره متجهة نحو الكأس الكبير الممتليء بالماء الموضوع فوق الطاولة الصغيرة بجوار الزجاج الضخم الذي يطول الحائط ويظهر الشارع من الخارج .. لتمسك الكأس وتسكب في الكوب الصغير ثم ترفع الكوب لفمها لتشرب الماء وعيناها على الشارع من الزجاج بتلقائية .. فتوقفت فجأة عن شرب الماء حين رأت جلنار تنزل من سيارتها الحمراء في كامل الأناقة كعادتها ونزعت نظارتها السوداء عن عيناها ثم سارت لداخل الشركة .
سكنت للحظات بمكانها حتى قذفت فكرة شيطانية في ذهنها فابتسمت بخبث والتفتت تجاه عدنان تقول بخفوت ونبرة بدت طبيعية كما تصنعتها :
_ عدنان معلش أنا هدخل الحمام عندك اظبط حاجة بس وارجعلك
لم يسمعها جيدًا بسبب انشغاله بالاوراق التي أمامه واكتفى بإماءته البسيطة لها دون أن يتطلع إليها حتى .. فلمعت عيناها بالمكر واتجهت نحو الحمام كما أوضحت أنها تريد تظبيط شيء بمظهرها ! .
لحظات قصيرة وانفتح الباب لتظهر من خلفه جلنار وهي تبتسم برقة .. رفع نظره بتلقائية تجاه الباب بعدما ظن أنها ليلى لكنه ضيق عيناه بدهشة بسيطة حين رأى زوجته وهتف :
_ جلنار !!
دخلت وأغلقت الباب خلفها لتقترب منه بخطواتها الناعمة مثلها بينما هو فاستقام واقفًا وقال بجدية وريبة :
_ في حاجة حصلت ؟!!!
جلنار بخفوت وابتسامة دافئة :
_ لا أنا وديت هنا الحضانة بعد ما إنت خرجت الصبح زي ما قولتلك وبعدين قولت اجي واقعد معاك شوية بدل ما بفضل قاعدة لوحدي في البيت
ابتسم لها بحب وتقدم خطوة منها يحاوطها من خصرها بذراعه وينحنى عليها لاثمًا وجنتها :
_ كدا مش هعرف اشتغل خالص النهارده يا رمانتي
 ضحكت وقالت بدلال :
_ هساعدك
غمز لها بخبث وهو يضحك مجيبًا بمداعبة :
_ وماله ايد لوحدها متسقفش برضوا .. بس لما تخرجي تاني وتروحي أي مكان تتصلي بيا قبلها مفهوم
هزت رأسها بالموافقة تجيب في رقة :
_ حاضر
بتلك اللحظة خرجت جميلة من الحمام وقد نزعت عنها الجاكت في الداخل وبقت فقط بكنزة ضيقة بحمالات وتنزل بفتحة واسعة عند منطقة الصدر أظهرت داخلها بوضوح .. وكانت تمسك بمنشفة صغيرة تجفف بها وجهها وذراعيها من الماء .
حين وقع نظرها على جلنار هتفت بدهشة متصنعة وهي تبتسم باتساع :
_ جلنار !!!
ثبتت نظرات جلنار عليها وهي تتفحصها من أعلاها لأسفلها بتلك الملابس المتحررة وبالأخص أنها تخرج من حمام مكتبه بهذا الشكل .. تشنجت معالم وجهها وابتعدت عن عدنان تبعد ذراعه عنها بعد أن رمقته بنظرة مشتعلة .. بينما جميلة فشهقت بصدمة وقالت بزيف :
_ ايه ده نسيت الجاكت في الحمام معلش !
ثم عادت فورًا للداخل تلتقطه وهي تبتسم بلؤم ثم خرجت وارتدته وهي تهتف ببراءة مزيفة :
_ أصل أنا وعدنان كنا بنشتغل من وقت طويل ولما حسيت بإرهاق شوية قولت ادخل اغسل وشي واخد ريست
لم يتطلع عدنان بجلنار بتاتًا بل بقت أنظاره المظلمة والمخيفة عالقة على جميلة .. حتى أنها حين التقت عيناها بخاصته ارتعبت قليلًا وابتسمت بتوتر .
أما جلنار فقد القت نظرة خزي على عدنان قبل أن تهتف بثبات مزيف :
_ أنا همشي وإنت كمل شغلك
ثم التفتت إلى جميلة وقالت بشراسة :
_ حمدلله على السلامة ياجميلة
همت بالرحيل لكن قبل أن تخطو بقدمها خطوة واحدة .. كانت قبضته الفولاذية تقبض على رسغها ويخرج صوته المتحشرج في لهجة آمرة :
_ استنيني في العربية تحت وأنا نازل وراكي
انتزعت رسغها من قبضته بغضب واندفعت للخارج وهي تشتعل .. أما عدنان فقد جذب مفاتيح سيارته وهاتفه ثم اقترب من جميلة وهتف بنظرات مميتة ووعيد حقيقي :
_ اللي حصل دلوقتي ده مش هيمر مرور الكرام .. ولما ارجع ليكي حساب معايا يا جميلة
 ثم ابتعد عنها وانصرف لتركل هي الأرض بقدمها في غضب وضيق وقد تلألأت عيناها بالعبارات .
                                  ***
داخل منزل ميرفت وتحديدًا بغرفة زينة …..
سمعت صوت الباب ينفتح ولم تستدير برأسها لترى من الذي دخل حتى .. بل بقت كما هي فوق فراشها تحدق بالفراغ أمامها في سكون .. شعرت بالخطوات القوية والمختلفة عن خطوات والدتها الرقيقة فأدركت فورًا أنه هشام .
لا تخشاه ولكنها لا تتمكن من النظر بوجهه ، تشعر بالعجز والضعف كلما تتذكر أنه رآها بتلك الحالة المزرية وهي ملابسها ممزقة .. دائمًا ترغب بالبكاء حين تتذكره أو تراه .
وجدته جلس على مقربة منها فوق الفراش ويهتف في صوت دافيء :
_ عاملة إيه يازينة ؟
لم تجيبه كما توقع وعيناها استمرت في التحديق باللاشيء فتنهد الصعداء بحزن وقال بصوت رجولي غليظ :
_ الحيوان ده في السجن دلوقتي .. واوعدك إني هاخدلك حقك منه وهخليه يقضي بقية حياته في السجن
ثواني معدودة ورأى الدموع تنهمر فوق وجنتيها بصمت فاقترب منها وقال برجاء دون أن يلمسها حتى لا يخيفها كالمرة السابقة :
_ زينة عشان خاطري بلاش عياط دموعك غالية عندي أوي .. عارف إن اللي حصل مش سهل بس إنت قوية وهتقدري تتخطي المحنة دي وأنا هفضل جمبك ومش هسيبك ومامتك كمان معاكي
ازدادت حدة بكائها فدفنت وجهها بين كفيها وارتفع صوت نجيبها وشهقاتها تنفض جسدها نفض .. تمزق قلبه لأشلاء من الألم والحزن على محبوبته ولكم تمنى أن يضمها لصدره ويطمئنها بوجوده وأن لن يمسها مكروه ثانية طالما هو معها .. لكنه يخشى من ردة فعلها ويفهم وضعها وأنها ليست في حالة تسمح لها باقتراب أي رجل منها حتى لو كان هو ! .
بعد دقيقتين من البكاء المستمر توقفت أخيرًا وبعفوية التقت عيناها بعيناه الدافئة والعاشقة .. ثم سمعته يهمس في رزانة :
_ ارتحتي ؟!
رفعت أناملها لوجنتيها تمسح دموعها ثم استقرت نظراتها على رأسه حين تذكرت أنه مصاب بها .. قرأ علامات الاهتمام في عيناها وهي تتطلع برأسه في صمت دون أن تتحدث فابتسم بحب وسعادة داخلية لقلقها عليه فيتمتم :
_ أنا كويس .. وهبقى كويس اكتر لما تتكلمي وتسمعيني صوتك وتبقى إنتي كمان كويسة
انزوت نظرها عنه في انكسار وألم .. وبعد لحظات طويلة نسبيًا جذبت الغطاء على جسدها وتمددت فوق الفراش توليه ظهرها لتنهمر دموعها من جديد لكن هذه المرة دون أن تسمح له برؤيتها .. أخذ نفسًا عميقًا في يأس وألم ثم استقام واقفًا وقال بخفوت جميل :
_ أنا همشي وشوية بليل هاجي اطمن عليكي تاني
استمرت دموعها في السقوط دون توقف .. تود التكلم معه ولكن لسانها يرفض وبشدة ونفسها المنكسرة تمنعها .. ولم تكن سوى ثواني معدودة حتى سمعت صوت الباب ينغلق بعدما غادر واغلقه خلفه .
                                        ***
اندفعت لداخل المنزل وسارت تجاه الدرج تصعد درجاته بخطوات شبه سريعة .. بينما عدنان فدخل خلفها واغلق الباب ثم صاح عليها وهو يسير خلفها يصعد الدرج :
_ جلنار .. جلنار أنا بكلمك !
أكملت سيرها غير مبالية بصياحه عليها حتى وصلت إلى الغرفة ودخلت لتجيبه أخيرًا ببرود غير متوقع :
_ نعم
عدنان بغضب حقيقي :
_ إيه اللي بتعمليه ده !! .. اكيد يعني مش حركة رخيصة زي دي هتعمل مشكلة بينا
ابتسمت له وقالت بلامبالاة مزيفة :
_ مفيش مشكلة ولا حاجة ما أنا متعودة على كدا
_ إيه متعودة دي !!
جلنار بنظرة نارية :
_ يعني اعمل اللي إنت عايزه يا عدنان مليش دعوة بيك وإنت كمان ملكش دعوة بيا
اندفع نحوها ثائرًا وجذبها من ذراعها يصيح في عصبية :
_ بلاش جنان ياجلنار .. كانت قاعدة معايا بنراجع ورق الشغل وبعدين دخلت الحمام وطلعت بالمنظر ده
خرجت عن إطار برودها المزيف لتدفع ذراعه بعيدًا عنها وتصرخ به بصوت لم يكن يتوقع أبدًا أن يخرج من زهرته الناعمة أبدًا :
_  وتدخل حمام مكتبك ليه وتفضل قاعدة معاك ليه أساسًا .. أنا كنت مستحملة أربع سنين ومش بقدر اتكلم وأنا شيفاك مع فريدة طول الوقت ومعاها .. بس طالما إنت حابب نبدأ مع بعض من أول وجديد وقولتلي إنك بتحبني وعايزني يبقى تقطع أي علاقة تجمعك مع البني آدمة القذرة دي .. لأن صدقني مش هسكت أبدًا لو القرف اللي شفته ده اتكرر تاني
هدأت عصبيته واعتلى الذهول معالمه الذي كان سبب في رسم الابتسامة على شفتيه وهو يرفع كفه يملس فوق ذراعها بلطف ويهمس في خفوت ليهدأها :
_ طيب اهدي في إيه .. كل اللي إنتي عايزاه هيتنفذ ياحبيبتي اهدي بس
دفعت يده بعيدًا عنها وصاحت به في انفعال :
_ أنا بتكلم بجد مش بهزر وإلا صدقني هتندم ياعدنان
ابتسم وقال بهدوء ونظرة ثاقبة :
_ أنا مش بتهدد يارمانة ! .. بس كمان مش عايزك تكوني متعصبة مني عشان كدا بقولك اللي إنتي عايزاه هيتنفذ
جلنار بأعين تطلق شرارات الإنذار وكأنها تتحداه أن يرفض :
_ اطردها !
عدنان مبتسمًا بتعجب :
_ مش شايفة إنه زيادة شوية والموضوع مش مستاهل كل ده !
جلنار بشراسة ونظرات ثابتة على خاصته :
_ أنت مش غبي وفاهم كويس أوي زي ما أنا فاهمة جميلة هدفها إيه وسبب تقربها منك .. وأنا مش حابة إن واحدة زي دي تكون موجودة في الشغل معاك
رغم نظرات التحدى والتحذير التي تحدقه بها وتستفزه بشدة إلا أنه قرر الخضوع لها وهتف بالموافقة :
_ طيب هنقلها في الفرع التاني للشركة بس الأول تخلص المشروع اللي هي مسكاه وبعدين هنقلها .. أي أوامر تاني يا جلنار هانم !!
كانت جملته الأخيرة استنكارية وهو يبتسم لها فرمقته بغيظ وغضب قبل أن تبتعد وتسير تجاه الحمام .. هي ليست بساذجة حتى لا تفهم أن فعلتها متعمدة حتى تغيظها لكن وجودها معه فقط يكفي ليثير جنونها .. ربما تغير بالفعل فلطالما اعتادت الغيرة من فريدة ولكنها لم تتجرأ ولم تستطيع اظهار غيرتها فبقت تكتمها بصدرها وتتصرف باللامبالاة .. لكن الآن الوضع اختلف هو أصبح لها وحدها واعترف بحبه ورغبته بها وإذا أراد أن يبقيها معه ويثبت عشقه لها سيسير وفقًا لقواعدها هي !! .. ولن تسمح لتلك المدعوة بجميلة أن تحصل على الساحة فارغة .. لطالما كانت تعرف بحبها الخفي لزوجها منذ سنوات طويلة ويبدو أنها الآن بعد رحيل فريدة ظنت أنها ستتوغل لهدفها دون أي عائق !! .
                                     ***
مع تمام الساعة التاسعة مساءًا …….
خرجت فوزية من المطبخ بعد أن قامت بتحضير كأسين من الشاي لهم .. وسارت باتجاه حفيدتها لتجلس بجوارها وتضع الصينية فوق الطاولة أمامهم هاتفة بجدية :
_ مرحتيش الشغل ليه النهارده يامهرة ؟!!
التزمت الصمت للحظات متذكرة اتصالاته المتكررة لها منذ الصباح ولكنها قابلت تلك الاتصالات كلها بالتجاهل ولم تجيب عليه ..  تحبه وتدرك هذا لكن بعد زيارة أسمهان بالأمس اقتنعت أن جدتها لم تخطأ في كلامها وأنها على حق ! .
أخذت نفسًا وقالت بضيق :
_ مش رايحة تاني يازوزا .. هسيب الشغل
فوزية بغضب بسيط :
_ طيب مش هتفهميني قالتلك إيه اللي أسمها أسمهان دي وكانت عايزة إيه منك !!
مهرة بعبوس وخنق :
_ مش مهم تعرفي .. المهم إن اللي قالته خلاني أدرك إنك كان عندك حق في كلامك اللي في المستشفى
ابتسمت لها فوزية وقالت بحنو :
_ كويس يابنتي إنك فهمتيني .. أما بخصوص الشغل كفاية يابنتي واقعدي جمبي متشتغليش تاني
مهرة باسمة وبمرح بسيط رغم ضيقها :
_ مشتغلش ازاي بقى يازوزا وهنصرف من فين !
_ يابنتي ما أنا معايا المعاش والحمدلله نمشي نفسنا بيه
ملست على ذراع جدتها بدفء وقالت في رقة تليق بصوتها الهاديء :
_ مينفعش ياتيتا .. المعاش ده ليكي إنتي ويدوب بيكفي علاجك .. متقلقيش عليا أنا كويسة والله وإنتي عارفاني لو قعدت في البيت من غير شغل هزهق
فردت فوزية ذراعيها وضمتها لصدرها لاثمة شعرها بلطف وهاتفة في حنان وحب :
_ ربنا يحفظك ويخليكي ليا يابنتي .. وافرح بيكي يارب قريب واشوفك عروسة واطمن عليكي قبل ما اموت
ابتعدت عنها مهرة وقالت بمشاكسة وهي تتصنع الحنق :
_ الله يازوزا هو احنا مينفعش نتكلم من غير نكد شوية .. بعدين متخافيش أنا مش هتجوز هفضل قاعدة على قلبك
لكزتها في ذراعها بغيظ وهتفت :
_ قومي يابت من جمبي .. انتي عايزة تجلطيني تاني .. هعمل بيكي إيه أنا لما تفضلي قاعدة جمبي كدا !
_ بسليكي ! .. تقدري تنكري إني عاملالك جو في البيت يعني من غيري هيجيلك اكتئاب
انحنت فوزية على الأرض لتلتقط شبشبها وبلحظة كانت الأخرى تفر هاربة تجاه غرفتها وهي تضحك بقوة ولحسن حظها أن هذه المرة لم يصبها الشبشب ككل مرة ! .
                                     ***
كانت تجلس أمام التلفاز تشاهد إحدى الأفلام الأجنبية الكلاسيكية ولم تشعر به وهو يقترب منها حتى جلس بجوارها فاستدارت برأسها تجاهه وعادت بوجهه مرة أخرى إلى التلفاز في ضيق .. بينما هو فاقترب حتى التصق بها وانحنى على كتفها العاري يطبع قبلة رقيقة فوقه هامسًا بحب :
_ إيه هو إنتي لسا زعلانة !
ابتعدت عنه لتترك مسافة بينهم وتقول بجمود دون أن تحيد بنظرها عن التلفاز :
_ لا عايزة اتفرج على الفيلم ممكن !!
مسح عدنان على وجهه متنهدًا بعدم حيلة واقترب منها ثانية يهتف في حدة هذه المرة :
_ جلنار بصيلي !
التفتت بوجهها نحوه وحدقته بجمود مثير للأعصاب جعله يهتف في غيظ :
_ في إيه ؟!
_ مفيش حاجة !
عدنان بانزعاج :
_ أنا مش فهمتك وقولتلك اللي حصل .. وقولتي مشيها قولتلك حاضر همشيها .. عايزة إيه تاني !!!
جلنار بغضب وسخرية :
_ يعني إنت هتمشيها بجد !!
رفع كفيه وأحاط وجهها بكفيه هامسًا في غرام وخفوت جميل أذاب قلبها :
_ أنا قولتلك اللي إنتي عايزاه هيتنفذ وطالما دي رغبتك يبقى طلباتك اوامر يا جلنار .. مفيش حد ولا حاجة أهم عندي منك ياحبيبتي
ذاب ثليج قلبها وابتسمت بحب واستحياء لتبعد كفيه عن وجهها وتقول بتعالى ودلال بات يعشقه منها :
_ تمام خلاص مش زعلانة
ضحك بخفة وانحنى عليها يخطف قبلة حميمية من وجنتها متمتمًا :
_ لولا إن ورايا مشوار مهم بس مكنتش سبتك لحظة يا رمانة قلبي .. بس قولت مينفعش أخرج وانتي مضايقة مني
جلنار بدهشة :
_ إيه ده رايح فين ؟
عدنان بصوت رجولي جاد وهو يهب واقفًا :
_ مشوار كدا مهم هخلصه وارجع
_ طيب بس متتأخرش
انحنى على رأسها وطبع قبلة دافئة قبل أن يستقيم في وقفته من جديد ويستدير مغادرًا المنزل .. فتبقى هي أمام التلفاز تكمل مشاهدة فيلمها ! …
                                     ***
دخل وقاد خطواته المتريثة إليه واضعًا قبضتيه في جيبي بنطاله ويحدقه مبتسمًا بتشفي وعينان مظلمة .. بينما الآخر فكان يخفض رأسه أرضًا من فرط التعب والألم الذي يضرب بجسده كله كالفيروس .
جذب أحد رجاله مقعد ووضعه خلفه ليجلس عدنان فوقه واضعًا ساق فوق الأخرى هاتفًا :
_ ولسا هخليك تتمنى الموت ومتطلهوش يا *****
رفع نادر رأسه وهو يبتسم باستهزاء وتحولت الابتسامة لضحكة عالية مستفزة ثم تطلع بعين عدنان في غل وقال بوضاعة :
_ اللي بتعمله فيا مش هيغير الحقيقة .. وهي إن مراتك خانتك معايا .. اخترتني أنا وفضلتني عنك .. الصراحة توجع أوي أنا حاسس بيك .. بس تعرف حتى أنا مصدوم إنها اتخلت عن عدنان الشافعي بجلالة قدره واختارتني أنا
كان هدفه أن يثير جنونه ولكنه بدا هادئًا ومتحكمًا في أعصابه بشكل مخيف حتى أنه ابتسم له وقال بصوت يقذف الرعب في الأبدان :
_ اختارتك عشان **** بيختار **** اللي زيه
نادر بغضب وغل ونقم ينبع من أعماقه :
_ أنا خنتك مع مراتك عشان اكسرك واوجعك وتبقى الصدمة اتنين مراتك وصاحبك .. أنا كنت دايمًا في ضهرك وواقف معاك وخطوة بخطوة كبرنا الشركة بس إنت كنت دايما مهمشني وبتتجاهل تعبي ووقفتي جمبك وعمرك ما حسستني بأني فعلًا صاحبك زي ما بتقول
ضحك عدنان ساخرًا وقال بخفوت وهي ينحنى إليه :
_ متحاولش تبرر و**** لأنها في دمك .. للأسف أنا من كتر ثقتي فيكم مشكتش ولو للحظة .. وإنت كانت مكانتك في الشركة أهم من آدم ذات نفسه .. بس الخسيس و**** شايف إنه دايمًا ملوش لزمة ونكرة وهو فعلًا كدا
لمعت عيني نادر بالحقد وقال يلقي بالبارود وهو متيقن أن انفجاره لن يصمد كثيرًا أمام ما سيسمعه الآن :
_ بس الحقيقة لازم تتقال فريدة كانت اجمل ست ..  مثالية في كل شيء .. وأهم حاجة إنها كانت بتعرف ازاي تسعد الراجل اللي معاها وإنت أكيد مجرب وفاهم .. بس تعرف مين اللي كان نفسي تكون معايا ولو ليلة واحدة الصراحة .. بنت الرازي
كان يرغب بانفجار وها هو سيحصل على مبتغاه .. استقام عدنان واقفًا وقد بات منظره يشيب الشعر من فرط تحوله المرعب وكأنه شبح .
وجه له لكمة أسقطت أسنانه على أثرها وسالت الدماء من لثته وفمه .. ثم قبض على رقبته بقوة يخنقه وهو يتمتم ببحة رجولية مخيفة تشبه تمامًا صوت الأشباح :
_ واضح إني غلطت لما تراجعت عن قتلك
فرت الدماء من وجه نادر وتحول لونه للأزرق الداكن بسبب اختناق أنفاسه وكان على وشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لولا اليد العنيفة التي افلتت قبضة عدنان من فوق رقبته وهو يصيح بعصبية :
_ عدنان !
لم يكن الصوت سوى للرائد أحمد مكاوي .. صديق العائلة المشهور ! .
أشار احمد للضابط الذي معه أو بالأحرى صديقه أن يأخذ نادر ويضعه بسيارة الشرطة بالخارج .. أما عدنان فحدق بأحمد في عينان حمراء وصاح :
_ إيه اللي جابك !
أحمد بعصبية :
_ إنت اتجننت .. إيه اللي كنت بتعمله ده !
عدنان وهو يجذب سترته ويسير باتجاه الباب :
_ كنت بعمل الصح
سار خلفه صائحًا بغضب :
_ والصح إنك تقتله .. كويس إني لحقتك قبل ما تقتله وتضيع نفسك
التفت له وهتف بنظرات مميتة وصوت أشبه بفحيح الأفعى :
_ إنت مش جيت وقبضت عليه ياحضرة الرائد خلاص .. اتفضل خده وامشي
انهى جملته وسار للخارج متجهًا نحو سيارته واستقل بها .. وقبل أن يتحرك صعد الآخر في المقعد المجاور له .. فتأفف عدنان بغضب هادر وصاح :
_ انزل يا أحمد
أحمد منفعلًا بغضب مماثل له :
_ هنتكلم شوية .. اتحرك ياعدنان
جز عدنان على أسنانه ثم حرك محرك السيارة وانطلق بها بينما الآخر فأجرى اتصال بالضابط الذي معه يطلب منه التحرك إلى قسم الشرطة وأنه سيلحق بهم ! .
                                    ***
طرقت ليلى الباب عدة طرقات خفيفة قبل أن تدخل وتقول برسمية :
_ أنا خلصت كل الملفات اللي حضرتك قولتلي عليها يا آدم بيه
آدم بجدية :
_ تمام ياليلى تقدري تمشي خلاص
أماءت له بالموافقة واستدارت وهمت بالانصراف لولا صوته وهو يقول بحزم وغضب :
_ بكرا الصبح اول ما توصل الأنسة مهرة  خليها تستناني هنا
ليلى بصوت طبيعي :
_ بس يا آدم بيه مهرة اتصلت النهارده وبلغتني إنها هتيجي وهتسلم استقالتها
اتسعت عيناه بدهشة امتزجت بالصراحة وهو يجيب :
_ استقالة !!! .. طيب ياليلى اتفضلي خلاص
فور رحيلها أخرج هاتفه وحاول مرة أخرى الاتصال بها .. فهو يشتعل غضبًا وغيظًا منذ الصباح بسبب تجاهلها لاتصالاته وأيضًا تتجاهله الآن ولا تجيب ! .
هب واقفًا وجذب مفاتيحه ليقول في استياء وعدم مبالاة لأي شيء :
_ تمام إنتي كدا مسبتليش حل تاني  !!!
                                   ***
سمعت جلنار صوت هاتفها يعلن عن وصول رسالة جديدة فنهضت والتقطته ثم فتحت الرسالة المجهول صاحبها وقرأت من دوّن بها ” مش هتقدري تبعديني عنه تاني يا بنت الرازي .. واستعدي عشان قريب أوي هتكوني في خانة الذكريات زي فريدة بظبط ” ثم ارفقت مع الرسالة صورة قديمة تجمعها به ! ……
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!