Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل السابع 7 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل السابع 7 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل السابع 7 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل السابع 7 بقلم زيزي محمد

في اليوم التالي..
هبطت ليال درجات السلم وصولاً إلى شقة سيف، طرقت الباب بوجه جامد، ومشاعرها تتحفز تلقائيًا للقائه، وقد كان ظهر سيف من خلف باب شقته، وفور رؤيته لها، رفع ساعة يده ينظر بها:
– خير مش معاد درسك؟.
هزت كتفيها بلامبالاة ظاهرية:
– الكلام مش معاك، الكلام مع فاطمة.
– وفاطمة مش هنا.
قالها بضجر، فالقت نظرة اشمئزاز نحوه، ثم التفتت تسلك طريقها دون أي حديث، فعلى صوته متسائلاً:
– انتي رايحة في…آآ..اقصد انتي عايزة فاطمة ليه؟
رفعت حاجبيها بوقاحة قائلة:
– وانت مالك..
– لمي لسانك احسنلك.
زعق بها وقد فاض الكيل من معاملتها، وكالعادة توقع مجادلتها له فاقتربت منه بتهديد وإصبعها يشير له في حده:
– متتكلمش معايا بالطريقة دي..
راقب اصبعها المشير له، وجذب انتباهه لون طلاء اظافرها الفاقع، واثناء استغراقه بيدها وأصابعها الصغيرة، التقطت اذنيه قولها الساخر:
-أنا بقول لمين..ياحرام مبتعرفش تتعامل مع بنات.
رفع عيناه يطالعها ببرود:
– لا بعرف اتعامل وبفرق كويس بين البنات المؤدبة والبنات القليلة الادب.
صاحت باستنكار:
– قصدك إيه؟، انت كده تجاوزت حدودك.
ابتسم بتهكم ليقول:
– وبالنسبة للتجاوزات اللي بتعمليها، تأخيرك كل يوم، لبسك، شعرك اللي طالع من طرحتك، ماتقعليها أحسن، وشك اللي زي البلياتشو..دي كلها مش تجاوزات.
رمشت بأهدابها عدة مرات غير مستوعبه حديثه، واهتمامه بتفاصيلها، لقد قرأت بعينيه الغضب، ولم تستطيع تفسيره سوى أنها اعتراضات ليس له حق بها، فاغتاظت قائلة:
– انت مالك بكل ده؟.
وبخ نفسه على تسرعه بالحديث، ولكنه لم يظهر ذلك، بل تمسك بقناع الحدة مجيبًا:
– جارتي، وبعاملك زي اختي..
اهتزت مشاعرها للحظات لحديثه، لا تعلم سبب اضطراب داخلها، هل لأنه أبدى اهتمامه؟، وهي تفتقد لذلك، هل تتوق لمعنى الاخوه؟..ام كانت تنتظر منه مشاعر أخرى رغم أنها تعلم لا يمكنهما التوافق، بلعت ريقها بتوتر اثر جلجلة حدثت بمشاعرها، فقالت بصوت مرتجف:
– بس أنت بتزعقلي على طول، مبتتعاملش معايا كأني أختك.
رد سريعًا بحنق:
– من عمايلك السوده.
عادت لعادتها القديمة، ورمقته بسخط، موبخه نفسها على الانجراف خلف مشاعرها التي لن تجدي معها في حياتها البائسة، غير منتبهه بالمرة لتحذيراته عن تصرفاتها والتي قد تسقطها في بئر من الوحل لن تجيد الهرب منه مهما فعلت.
حافظت على ملامحها الحادة بقدر ما يمكنها، وقالت وهي تستعيد للهرب من عينيه التي تحاول الامساك بها في منطقة لا تجيد تسميتها سوى أن بداخلها تستشعر بأحاسيس جديدة لأول مرة.
– بلغ اختك الدرس هيكون الساعة ١٠.
قالت كلماتها وانطلقت صوب الدرج تستكمل طريقها، فاستوقفها متسائلاً:
– الصبح.
ردت دون أن تعيره انتباه:
– لا بليل.
اختفت من أمامه، فزم شفتيه بغيظ وتمتم:
– يابجاحتك.
***
دخلت شمس شقتها، وهي تتسابق مع دقات الزمن، فقد قاربت الساعة على الرابعة وهذا الموعد المحدد للغذاء، وهي الآن لم تستعد..ركضت صوب غرفتها ومنها إلى المرحاض، وقبل أن تدخل، استوقفت نظرًا لصوته الساخر الذي صدح في أرجاء الغرفة:
– هتقعي يا شمس.
استدرات وقد تملك الذعر من ملامحها:
– أنت هنا..
– ايه عايزني افضل في الشغل، ومحضرش المقابلة اللطيفة دي!.
رمقها بنظرة غامضة، فتنفست الصعداء بعدما حبست أنفاسها للحظات عقب ظهوره المفاجئ، اقتربت منه في خطوات متمهله للغاية وعقلها يبحث عن فكرة لامتصاص غضبه كي يمر اليوم مرور الكرام.
وقفت على بعد خطوة واحدة منه، وراودها فكرة قد تصيب وترحمهم جميعًا من توتر نفسي أصابهم :
– إيه رأيك أنا وأنت وأنس نخرج في أي مكان دلوقتي.
هز رأسه رافضًا فكرتها، واكتسح البرود ملامحه، منتظرًا أفكار متتالية تختلقها كالعادة كي تنقذه من ذلك اللقاء، هي تسميه دائمًا انقاذ خوفًا على مشاعره المتأثرة بماضيه المؤلم والتي قد سمعت عنه من خلال بعض المواضيع غير المكتملة من منال…وفي عُرفه هروب من مواجهة..دائمًا تحسم لأجله!.
انتبه لجلوسها على ركبتيها أمامه، ثم اقتربت منه أكثر وداعبت ازرار قميصه، عندما لاح بذهنها استخدام أسلحتها الانثوية في الهائه، ولكنه ابعد يدها عنه مجيبًا بصوت يملؤه الحقد والقسوة:
– هنزل يا شمس ومش هخليها تسوى حاجة!.
نهض بكامل هيبته، واتجه صوب باب الغرفة وقبل مغادرته أشار نحو الفراش:
– في لبس هناك، البسه ولفي الطرحة كويس عليكي.
القى بكلماته المناقضة، مظهرها يحمل برودًا وداخلها يتأجح بنيران الغيرة، ضحكت بصوت مرتفع نظرًا لفشلها في محاولاتها الواهنة في اقناعه.
نهضت بخفه واقتربت من الثياب، فوجدتها عباءة خليجية من اللون الأسود مزرقشة بالالوان الهادئة..ابتسمت بلطف وغيظ في آن واحد، حتى ثيابها يتدخل بها، فحرية الرأي معدومة لدى زوجها.
***
بالاسفل..
هبطت ميرڤت من السيارة اولاً ثم زوجها ابراهيم..وبعدهما نهى ذات الثانية والعشرون ومن بعدها سمير..وقفوا جميعًا بجانبها، منتظرين إنهاء فقرة التأمل التي تلتهي بها أمام منزل أخيها..شملت البناية من الخارج بنظرة حاقدة، أنفاسها تعبر عن ضغائنها نحو أخيها لسنوات عديدة، طالما كان الافضل في كل شيء حتى منزله لم تستطيع بناء واحدًا مثله.
لم يكن الحقد من ناحية ميرڤت فقط، حتى أن ابراهيم زوجها طالع المنزل بنقم وغل، حول بصره نحو زوجته مندهشًا من مخزونها الذي لم ينتهي بعد، لم تهدأ ثورتها الحاقدة اتجاه أبناء أخيها..عكفت في السنوات الماضية على اسقاط ثروة أخيها ولكنها فشلت بسبب دهاء سليم والذي صعد السلم بسرعة كبيرة..سرعة جعلته لم يلتفت خلفه، حاول معها إيقاعه..او إخفاء اسم أخيها من تجارة الذهب..ولكن الفشل كان يلاحقهما في كل خطوة..والنجاح يكتب سطوره العظيمة في تاريخ سليم الشعراوي..
شعورهما كان مناقضًا لنهى ابنتهما وما تحمله من مشاعر الحب والاعجاب المتيم بزيدان…ذلك الرجل الذي نبض قلبها له منذ بداية مراهقتها، واستمر الحب داخلها حتى تزايد تدريجيًا وأصبح القلب عاشقًا لتفاصيله الرجولية..نابضًا لأجله فقط.
شعر سمير بالضجر، محركًا بصره نحوهم:
– في إيه، يلا ندخل..
تبرمت ميرڤت:
– مستعجل على إيه ياخويا.
على النقيض هتفت نهى بحماس حاولت اخفائه بقدر الامكان:
– علشان ميزعلوش اننا اتاخرنا.
حركت ميرڤت فمها يمنيًا ويسارًا، تندب حظها التعيس بسبب ابنتها التي فقدت بها الأمل.
– يلا ياختي، خلينا ندخل.
دلفوا جميعًا لداخل المنزل، فوجدوا محمد في استقبالهم مرحبً بهم بحفاوة:
– اهلا..اهلا..نورتوا..
بادلته ميرڤت التحية بفتور، قائلة بعدم رضا:
– مراتك فين يا محمد، المفروض تكون في استقبالنا.
ظهر صوت سليم خلف والده متهكمًا:
– استقبال مين؟.
رفعت إحدى حاجبيها بحدة، ورمقته بغضب ممزوج بالكره:
– عمتك يا سليم افندي…ابنك باين عليه مش عارف الاصول يا محمد.
وقبل أن يرد سليم، كان والده يتحدث بحدة طفيفة:
– لا عارف يا ميرڤت، سليم زينة الشباب.
– انتوا واقفين بتعملوا إيه يا جماعة، ادخلوا يلا.
صدح صوت شمس من فوق الدرج تطالعهم بابتسامة مجاملة من باب الذوق والأدب..فحدجها سمير باعجاب قاصدًا إغاظة سليم:
– كلك ذوق يا شمس…
قاطعه سليم بصوته الجهور محذرًا إياه بقسوة:
– مدام شمس يا سمير، حدودك متتعدهاش.
رفعت ميرڤت يدها لأعلى وبدأت نبرة صوتها بالارتفاع والصياح المستنكر لحضرتهم:
– لا بقا..انت جايبنا هنا تهزقنا ولا إيه يا محمد.
فرك محمد وجهه بعصبية بعدما سيطر عليه الانفعال لِمَ يحدث:
– لا تهزيق ولا حاجة، أنا جايب اختي وعازمها على الغدا..
أشارت نحو سليم بعصبية مماثلة:
– ابنك مش جايبها لبر..وطايح فينا، المفروض يتعلم اني عمته ويحترمني غصب عنه.
– مش هسمح لأي حد يتعدى حدوده معايا.
انفجر بها سليم غاضبًا، وقد ارتفعت نبرته حتى جذبت انتباه يزن وزيدان ومنال بالداخل، نبرة تحمل كم القهر الذي عاناه وحده، كم حاربه زوج عمته، العديد من المؤمرات المدسوسه بأمر من عمته في عمله للايقاع به، ولولا والد شمس لحذف اسمهم من تاريخ تجارتهم للابد، لم يجد منها الحنان، حاربته بقسوة وكأنه عدو وليس ابن أخيها، حتى أنها لم تشعر بالاحراج حينما أبدت كرهها بوضوح، أي عمة تلك وهي تتعامل معهم بكل نفور وتعالي وكره؟..
تدخل زيدان مهدئًا اخيه، فوقف بالمنتصف موجهًا حديثه لكليهما:
– استهدوا بالله يا جماعة…
بنظرة خبيثة، وبتفكير شيطاني لعبت فوق وتر شديد الخطورة لدى سليم:
– كلك ذوق يا زيدان، كلك ذوق يا مشرفنا، اه ماهو مش أي حد يبقى ظابط بردوا لازم يكون عاقل وله هيبة كده.
رمقها زيدان بعدم فهم لمغزى حديثها، ولكنه شعر بنيران متوهجة تخرج من ناحية سليم، فالتفت نحوه يرمقه باستفهام، بالمقابل انكسار لامس عيون سليم..جروح مهما دواها الزمن ستظل ندوب تعيق مجرى حياته، أين السبيل، وكيف؟..لا يعلم سوى أنه يريد أن يفتك بتلك الحرباء والتخلص منها.
بعد مرور دقيقة نجح بها زيدان في اسكاتهم، هدأ الوضع في ظل صمت منال الطويل، وأثناء دخولهم واحدًا تلو الأخر بعد إشارة محمد لهم، تقابلت عيون سليم بوالدته، نظرات صامتة تحمل أحاسيس صعب التطرق إليها، كلاً منهما يحتفظ بمشاعره المؤلمة.. ولا يريد مصارحة الأخر، ولكن حديث العيون له مساحة خاصة، رغم وجعه..وبسببه تدفن الروح في كنف القسوة، وتفقد القدرة عن التعبير.. حالتهما ببساطة في التعبير هي الندم..وهو الالم.
ابعد سليم نظراته عن والدته، مقررًا الهروب من ذلك الواقع، شاعرًا بتضخم جروحه، متأكدًا أن جلوسه أكثر سيهدم علاقة أبيه بعمته، ولن يصبح هو القشة التي تقسم ظهر أبيه…علاقته بعمته منتهيه لا أمل بها.
هبط درجات السلم وجسده يتشنج بالغضب، فاستوقفته والدته بقلق:
– رايح فين يابني.
– في داهية.
القى بكلامه وغادر المنزل بينما شعرت منال بالقهر والندم..مسحت دموعها بعد مغادرته وقررت أن تدخل وتعيد تربية تلك الحرباء من جديد.
اما بالداخل فكان يزن يكرر اتصاله بسليم باستمرار بناءًا على تعليمات والده، فكان وجه يزن غير راضيًا بالمرة عما يحدث، منصبًا كامل غضبه على والده فهو السبب في كل ذلك.
بينما زيدان كان يحاول تجاهل نظرات نهى، مبتعدًا عنها بقدر ما يمكنه، لا يريد التحدث معها، رغم أن هناك شعور خفيف بالفضول نحوها، وخاصةً حينما أدرك مدى اعجابها به..ولكنهما غير متوافقين بتاتًا..يكفي علاقة سليم بهم، كافية بتدمير كل شيء قبل بدايته..
جلست نهى بطرف الاريكة تطالع زيدان بهيام ممزوج بالخجل، غير عابئة بنظرات والدتها الحانقة..الاهم هو زيدان ومراقبة تفاصيله الجديدة والتي تحتفظ بها كالمجنونه في مدة غيابه.
***
قاد سليم سيارته باقصى سرعة، شاعرًا بانقباض حاد بصدره، بعدما تدفقت ذكرياته المريرة كحبات المطر الشتوية القاسية، هاجمته تفاصيل نارية ملهبه للقلب، اوجعته لحظة فارقة في حياته، دفنت قلبه في ظلمة شديدة..وذلك حينما قُبل زيدان في كلية الشرطة.
***
فتح سليم باب شقة والدته بهدوء، وعلى وجهه علامات الاستفهام، مستمعًا لزغاريد الفرح وعبارات السعادة تنهال بينهم جميعًا، قطب مابين حاجبيه باستسفار، فقادته ساقيه نحوهم، متوقفًا على بعد خطوة، لقد شل جسده للحظة وتوقف عقله عن التفكير حينما التقطت أذنيه عبارات التنهئة من والدته لزيدان وفرحتها العارمة بدخوله كلية الشرطة..
” أخيرًا ياحبيبي حققت حلمك وهتكون ظابط”
آه..كم كانت قاسية تلك الجملة، حروفها عبارة عن سهام أصابت فؤاده المسكين، لقد تشابكت مشاعره في حرب من الندم والحزن والقهر..لقد كان الندم من نصيبه كي يتخلى عن حلمه بسهولة من اجل ارضاء والدته وانقاذ عائلته، والحزن وقع فوق عاتقه حينما رأى سعادة والدته بأخيه غير مراعية لمشاعره، والقهر تغلب على حاله حيث وقع عليه دور التضحية من أجلهم فقط.
بدت عيناه كشعلة من نار وهو يتابع فرحتهم، حتى انتبهت والدته له، فاخفت مشاعرها السعيدة في لمح البصر ارضاءًا له، اقتربت منه بابتسامة مهزوزة مشيرة نحو زيدان:
– اخوك اتقبل في كلية…
وقف لسانها عن استكمال حديثها، وتجمعت الدموع بعينيها فور رؤيتها للحزن المسيطر على وجهه، فابتلعت ريقها بتوتر وخوف، ولجم لسانها بعجز، فأكمل سليم حديثها بصوت خافت موجع:
– الشرطة.
نبرة مزقت قلبها للاشلاء، سقطت دموعها اسفًا..ونكست رأسها بخجل، فتوقف سليم عن نظراته المعاتبه لوالدته، رفعت رأسها مرة أخرى تقدم تبرير يطفي نيرانه ولم تدرك أنها ستلتهب من جديد:
– حلمه مقدرتش اقوله لا.
صمت ولكن داخله لم يصمت:
– بس قدرتي تقوليلي أنا لا.
استكملت حديثها وهي تمسح دموعها:
– يعني هقوله إيه، متدخلش علشان…
قاطعها سليم عندما شعر باكتفاء قلبه من الآلام:
– كفاية..هو دخل ومبروك عليه.
حاول التقدم ليقدم التهنئة لزيدان ولكنه لم يستطع، وكأن قدمه عجزت عن التحرك، راقب سعادة أخيه بتحقيق حلمه..حلمًا سُحب منه رغمًا عنه، رفع رأسه بكبرياء عندما لاحظ توقف زيدان بمقابله ونظرات الفرح تسيطر على وجهه:
– مش هتقولي مبروك.
– مبروك.
كلمة ثلجية تناقض اشتعال صدره، حول زيدان بصره لوالدته مستفهمًا بصمت عن الحالة التي تلبست أخيه، فنكست والدته رأسها حزنًا ولم تستطع الحديث، غادر سليم في هذه اللحظة غير قادرًا على موصلة تلك الحالة المزيفة من قبل والدته ارضاءًا لحالته وما يشعر به..حتى وإن طالها الندم ولامس قلبها لن يفيد..لقد حُرم من حلمه ببساطة دون مراعاته فيما بعد.
وقبل أن يفتح باب الشقة، استمع لحديث زيدان والذي نم عن ضيقه:
– هو ماله زعلان ليه!.
-سيبه باللي فيه يابني.
قالتها بصوت مجهد، فرد عليها بانفعال:
– ايوا اي كان اللي فيه..ميقولش لاخوه الف مبروك بنفس شوية.
اغلق سليم عيناه بألم، قابضًا فوق المقبض بشدة وكأنه يقبض على جمرة من نار، فتح الباب وقبل أن يغادر، استمع لصوت زيدان المرتفع بغضب:
– أنا ذنبي إيه..ليه يعاملني كده.
– يابنى خلاص بقا ولا كأن سليم جه وكمل فرحتك.
اعتلى جانب شفتاه ببسمة ساخرة، كالعادة حزنه لن يهم..الأهم هو سعادة زيدان واستكماله لحلمه..زيدان ويزن في المقام الأول ثم يأتي بعد ذلك هو، حتى أنها اهتمت بتعلميهم واعطتهم كامل اهتمامها، اما هو فكان خارج حسابتها.
***
عاد سليم من شروده، مطلقًا العنان لأنفاسه المسجونة داخل لهيب صدره المشتعل، تزامنًا مع دمعه حارقة سقطت من عينيه مسحها سريعًا، لن يسمح لنفسه بالضعف بعد مرور نكسات استطاع التأقلم معها وتخطيها بكل صبر.. لا يعلم لِمَ انتفض قلبه بشعور غريب وحاجته الشديدة لشمس الآن..متذكرًا اقتراحها اليوم..
زفر بقوة، وعاد بتشغيل سيارته مرة أخرى منطلقًا صوب منزله.
***
بعد مرور عدة دقائق..توقفت سيارة سليم أسفل منزله، رفع هاتفه ثم أجرى اتصالا بشمس.
– هاتي أنس وانزلي أنا تحت.
جاءه رد شمس المصدوم:
– انزل فين؟.
– تحت يا شمس..يلا بسرعة.
أمرها بضيق، فقالت بعدم فهم:
– بسرعة إيه،..هما لسه هنا وانا مش هينفع اسيب ماما وبابا…
– انزلي يا شمس، سيبهم يتصرفوا هما.
– حاضر..حاضر.
***
قاد سليم السيارة وعلى وجهه علامات الاسترخاء، بينما شعرت شمس بالملل، فقالت:
– هنروح فين؟!
– هنلف بالعربية شوية.
ظهر الاستنكار على وجهها، ودارت بنظراتها صوب الزجاج تتابع الطريق في صمت، راقب حالتها المستنكرة، فقال بحذر:
– تحبي نروح المحل الكبير نقعد هناك.
حقًا لو صرخت الآن ماذا سيحدث، انتبهت لصوت أنس من الخلف:
– أنا عايز اروح الملاهي يا بابا.
هز سليم رأسه برفض، قائلاً:
– مينفعش ماما معانا..
التفتت نحوه تقول بصوت مختنق:
– ومالي بقا ياسليم..هو مش من حقي اروح الملاهي!.
– ليه هو أنتي في عمر أنس علشان يبقا حقك.
زفرت بحنق، وعقدت ذراعيها أمامها بغيظ، فتابع حديثه بهدوء:
– خلاص عرفت هنروح فين.
استدارت برأسها تسأله بترقب:
– فين؟.
ببسمة كالحة تزين بها ثغره، واقلقتها بشدة:
– مالكيش فيه، هبسطك.
حدقت به باستغراب، وقلب ينبض خائفًا من قرارت زوجها الغامضة، راقبت الطريق بتأهب حتى توقف سليم بعد مرور عشر دقائق أمام كافية هادئ للغاية..زمت شفتيها بضيق وهبطت من السيارة تابعًا لاوامره..تمسك أنس بها متسائلاً:
– فين الملاهي؟.
مد سليم يده لها فتمسكت بها كعادتهم دائمًا في الخارج، موجهًا حديثه لأنس:
– في كيدز كورنر جوا.
ترك أنس يد والدته واتجه صوبها سريعًا، غير عابئًا بتحذيرات والدته، فهدئها سليم:
– ماهو قدام عنينا..في إيه؟
ردت بضيق وهي تجلس فوق الكرسي الذي حركه لها:
– مفيش.
جلس بجانبها وبنبرة خبيثة خافته اخبرها:
– زعلانة..عايزة تلعبي معاه.
اردفت بلهجة مريرة:
– انت بتتريق عليا..آه..أنا بقول لمين لواحد مبيهتمش بيا..
– هو اللعب من اهتمامك يا شمس؟
تسأل بجدية مفرطة، فتوسعت عيناها وتوهجت بوميض الجدال:
– كل ما اقولك على حاجة تقولي لا..في ايه بجد يا سليم أنا بردوا ليا رأي.
تجاهل غضبها، متسائلاً:
– بمناسبتك رأيك..أكيد هتشربي مانجة؟
– أنت بتسأل ولا بتقرر علشان ابقى عارفة بس!.
ابتسم باستفزاز:
– بقرر.
رمقته بعتاب:
– مش هتكلم..هو أنت اصلا بتتكلم معايا، ولا بتهتم بيا…ده حتى المكتبة اللي في اوضة النوم مقولتش أنها متوصلة باوضة مكتبك..
هز كتفيه ببرود:
– انتي مسألتيش علشان اقولك.
توسعت عيناها غير مصدقة رده:
– بجد والله!.
اقترب منها سليم هاتفًا بخفوت يحمل التحذير:
– انا خارج علشان اروق، متخلنيش اندم ان خرجتكوا.
ابتعدت عنه، وهي تردد بداخلها بتذمر:
– قال إيه يروق قال، على اساس اني مش عارفة مخرجني من البيت ليه؟.
_______________
يتبع ……
لقراءة الفصل الثامن : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد