Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثامن 8 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الثامن 8 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الثامن 8 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثامن 8 بقلم زيزي محمد

بعد مرور يومين.
عاد زيدان لعمله مرة أخرى بعد إجازة صغيرة حصل عليها بعد فترة كبيرة من العمل بلا انقطاع، لن ينكر فائدتها القليلة في الاسترخاء الجسدي..ولكن ذاته كالعادة تمر بصراع أصبح مرهقًا عليه التفكير به، وخاصةً أنه ينصب حول سليم فقط ومعاملته التي تزداد يومًا عن يوم حدة وشراسة..وكأنه ليس أخيه، فـتساءل بجدية.. هل الصمت له دور قوي في اتساع الفجوة بينهما؟، يذكر ذات مرة عندما تلبسته روح الشجاعة وقرر مواجهة سليم خارج المنزل، يذكر ألم روحه.. واضطراب مشاعره عقب صفعة هوت من يد سليم على وجهه.. زلزلت كيانه، جعلته يقف كالصنم يتابع تغيرات وجه أخيه الغاضبة، ناهيك عن شعوره بألم حاد حفر في قلبه ومع مرور الوقت ترك ندبة كان سببها سليم.
***
اندفع جسد زيدان للخلف وكاد أن يختل توازنه اثر صفعة هوت فوق وجهه فجأة، فقد النطق..وتجمدت أطرافه غير مصدقًا ما يمر به التو على يد من ظن به السند…بحث في عقله عن سببها..هل لأنه تجرأ وسأله عن سبب سوء معاملته له، هل ليس الحق في البحث عن إجابات ترضي فضوله تجاه معاملة سليم له منذ صغره..منذ أن كان طفلاً ينتظر عودة أخيه الاكبر بعد يوم طويل في العمل.. وكعادته لا يجد سوى أوامر تقع فوق رأسه، ويزن المتهور ينعم باهتمام سليم وحده، فتركيزه كان منصبًا على يزن في المنزل وخارج المنزل..في كل مكان، اما هو فمساحة الاقتراب بينهما ابتعدت تدريجيًا.
استفاق زيدان من عمق افكاره على صوت سليم الغاضب رغم بأنه يحمل نبرة مجروحة:
– قولتلك اسكت.. ابعد عني، انت ليه مش عايز تفهم، سيبني في حالي، باللي فيا، عمال تضغط عليا بكلامك اللي مالوش صنف المعنى، انت مبتحبنيش لكن بتحب يزن…يعم ارتاح أنا مبحبش حد.
أنهى حديثه وغادر المحل، وجسده يتشنج عقب ما مر به، فقد اعصابه نتيجة لضغط زيدان عليه، بما يجيبه…هل يجيبه أنه يحمل شعورًا بالحقد اتجاهه، هل يلقي اللوم على والدتهما أمامه..لن يفهمه أحدًا، لن يشعر به اطلاقًا..
قبض سليم فوق مقود سيارته، شاعرًا بانقباض قلبه، لم يحبذ تهوره عليه..بل انتفض قلبه حينما فقد هدوئه وعبر عن غضبه بيده، ضغط بشدة على المقود، وانسابت دموعه حزنًا على ما يشعر به زيدان، ولكن هو من دفعه لذلك، حاول اسكاته..والاخير يرفض بل يوجعه بأحاديثه المستمرة عن سوء معاملته.
راقب زيدان ما يفعله أخيه من زجاج المحل، يبدو أن الندم طال قلبه، ولكن بعد فوات الآوان..بعد أن جُرح على يده، بصفعة فقيرة لا تحتوي على مبررًا، بل أصبح متيقنًا بأن أخيه يحمل شعورًا غير لطيف ناحيته.
**
عاد زيدان من شروده، والوضع أصبح أكثر سوءًا..يتقدم بالعمر ولا ينسى تلك الصفعة التي تلقاها وهو بعمر العشرين..وها هو على مشارف الثامنة والعشرين ومازالت تلك الندبة تتسع في قلبه وتضم جروحًا صغيرة يفعلها سليم يوميًا بقصد ودون قصد.
انتبه لصوت هاتفه المعلن عن اتصالاً من نهى، زم شفتيه بضيق، متمتمًا:
– مش ناقصكِ يا نهى!.
اضطر الرد، فقال بصوت فاتر:
– ازيك يا نهى.
جاءه صوتها الرقيق النابض بالحب له:
– الحمد لله يا زيدان، أنت اخبارك إيه، وخالو عامل إيه، أنا بتصل اطمن عليه.
التوى فمه ساخرًا فهو يدرك حيلتها الضعيفة كي تطمئن عليه هو وليس أبيه كما تتدعي:
– هو كويس الحمد لله، معاكي رقمه تقدري تتصلي عليه.
توترت نبرتها قائلة:
– شكله اتمسح من عندي، المهم أنت اخبارك إيه؟!
– تاني؟
رددت خلفه بعدم فهم:
– تاني إيه؟.
– بتسأليني اخباري إيه، نوعي في الكلام، كده هزهق منك وهسيبك واقفل.
سارعت بقولها ترفض ما يرمي إليه:
– لا لا..أنا هتكلم اهو، هقول حاجات كتير.
هز زيدان رأسه وتابع ترتيب أوراق مهمة أمامه، وهو يستمع لنبرة صوتها المضطربة، ومواضعيها المكررة عن أحواله وصحته.
***
تحركت ليال في الطريق ببطء، تتابع هاتفها بسبب اجتماع مهم مع زملائها في المدرسة على تطبيق ” الواتساب” انحرفت غير منتبه إلى طريق هادئ يخلو من الاناس، وبعد مرور عدة دقائق لم تنتبه لخطوات هادئة كانت تسير خلفها بدراية، لم تشعر أبدًا الا عندما لاحظت ظل لجسد رجل خلفها لا تتعرف عليه..وكعادة ليال المتمردة وبأنها ليست فتاة عادية تشعر بالخوف مثلاً، فتختار الركض طريقًا لهروبها…لا..بل التفتت بحاجبين مرفوعين..تطالع الرجل بجرأة:
– خير، ماشي ورايا ليه؟.
– عاجبني الجيبة اوي.
قال الرجل حديثه وهو يحرك يده فوق صدره، ونظراته الخبيثة تشمل جسدها بالكامل:
-عاجبك إيه يا عنيييا.
كرر هامسًا:
– الجيبة..
هبطت بجذعها العلوي لأسفل قدميها، ثم خلعت حذائها الأحمر وقررت معاقبته على حديثه الوقح:
– ده أنت هتتربى النهاردة..
كادت أن ترفع يدها للأعلى، ولكن اختل توازنها للخلف نتيجة لدفعه بسيطة من يد شخص ما، جعلتها تتشبث بشجرة كبيرة بجانبها، ركزت ببصرها فوجدت سيف يتشابك مع الرجل بالايدي، وما زادها ذعرًا هو خروج سلاح ابيض صغير يسمى ” بالمطواة” من جيب سروال الرجل، ملوحًا بيه أمام سيف، سحبت الدماء من وجهها، وابيضت مفاصل يدها وهي تقبض فوق جذع الشجرة بخوف مما تراه بعينيها.
ابتعد سيف خطوة للخلف، قلقًا عليها تزامنًا مع تلويح الرجل له بالتهديد، يريد ابعادها عن ساحة التشابك، وبنفس الوقت يستجمع خلايا تركيزه للدافع عن نفسه، ضد متهور يغيب عقله المواد المخدرة، لم يجيد حسن التصرف، فبدا متوترًا..واستغل الرجل ذلك ودفعه بيده واليد الأخرى جرحه بذراعه..وفر هاربًا.
لم يسقط سيف ارضًا، ولكن انحنى فقط للاسفل وهو يمسك ذراعه بقوه، اندفعت ليال نحوه وهي تبكي بصوت مرتفع:
– سيف أنت كويس…يالهوووي…دم.
قاطعها بحنق:
– بس يابنتي، بتصوتي في وداني.
لم تستطيع تحديد عمق الجرح، بسبب كثرة الدموع المتساقطة من عينيها، فقال ساخرًا:
– اللي يشوفك وانتي بتقعلي الجزمة، ميشوفكش وانتي خايفة عليا كده.
لم تنتبه لحديثه، ولكنها دفعته لطريق معمور بالسكان، باحثه عن سيارة أجرة، فقال بضيق:
– براحة، انت مبتزقيش ابن اخوكي.
– لازم نلحق الجرح في المستشفى..والا كده هتموت.
لم تعي لِمَ تقوله، بل كان عقلها يصور لها أشياءًا غريبة، وقلبها ينتفض بذعر وفزع عليه، حتى أنها لم تعطي لنفسها مبررًا لتصرفاتها، فكانت تسير وفق لانسايتها.
اوقفت سيارة أجرة، ثم أشارت له وهي تقول بنبرة مرتجفة:
– اركب يلا.
دخل سيف السيارة وتفاجئ بجلوسها بجانبه، رفع حاجبيه متمتمًا:
– دي هتقعد جنبي، هي ناقصة!.
قاطعت حديثه الخافت، وهي تحاول التركيز، فقالت بقلق:
– بتقول حاجة، في حاجة بتوجعك.
حدق بها لثوان يجاهد انجراف مشاعره نحوها، فالتفت برأسه للناحية الأخرى، ولسان حاله يقول:
– اثبت يا سيف،..اثبت.
***
دخلت شمس لغرفة والد سليم، تقدم له دوائه وكوب المياة، وبابتسامة بسيطة قالت:
– الدوا يابابا.
تناول منها الدواء بصمت، ثم بدأ في أخذه دون أن يوجه لها أي كلمات قط، فرمشت بأهدابها تسأله:
– انت كويس يا بابا.
تجرع أخر نوع من الاقراص، ثم قال بشرود:
– الحمد لله على كل حال.
أصابها القلق، فجلست بجانبه وهي تردف بهدوء:
– لو زعلان من يوم عزومة طنط ميرڤت، فده عادي يابابا..أنت متحطش في دماغك علشان متتعبش.
ارتسمت بسمة صغيرة ساخرة فوق ثغره:
– انا زعلان على عيلتي واللي بيحصل فيها.
ضيقت ما بين حاجبيها قائلة بعدم فهم:
– قصدك إيه.
– قصدي إن أنا حاسس ان هاقابل وجه كريم، كنت عايز الامور تتصلح، دول عيالي ودي اختي، ربنا هيحاسبني.
ربتت فوق يده بحنو:
– بعد الشر عليك، وبعدين هو مفيش الا سليم شايل منها، وان شاء الله الامور هتكون كويسة.
هز رأسه عدة مرات، ولكن بصيرته تخبره أن الصلة بينهما ستنقطع بعد وفاته، لم يستطع في تلك الأعوام خلع بذرة القسوة بينهما من جذورها، بل ترعرعت حتى صارت غابة مظلمة تطبق على أنفاسهما.
نهضت شمس واستعدت للخروج فاستوقفها متسائلاً:
– فين أنس؟.
– مع ماما بره، هتقعد معاه لغاية ما ادخل اسجل فيديو.
اطبق جفنيه بضيق، وفر السؤال من بين لجام سيطرته:
– مش ناوية تعرفي سليم؟.
توقفت عن الحركة، وطال الصمت من ناحيتها، حقًا هي لا تجد إجابة على السؤال، حيث مازالت الإجابة لديها مفتوحة، متروكة للزمن بما يخبئه من عواقب هي تدرك مدى ضخامتها وواقع تأثيرها..وبعد مرور عدة دقائق ردت بشرود وضياع:
– الوقت لسه مجاش..او ممكن هيفضل سر جوايا.
تنهد بصمت ولم يعقب على حديثها، حتى خرجت من غرفته ودخلت غرفتها الصغيرة مغلقه الباب خلفها باحكام.
جلست أمام الاوراق وكلمات ” محمد” تتردد في ذهنها دون انقطاع، لا تعلم ما تريده، فقد انقسم داخلها لنصفين..نصف يريد مصارحة رجل لا يستحق الكذب عليه..رجل وهب حياته لأجلها..رجل رغم أنه قليل الكلام..إلا أن عيناه تنطق بأشعار الحب والغرام، ونصف أخر يريد التمسك بما خططت له وما وصلت إليه من تقدم ونجاح وتحقيق لذاتها المدفونة مع رجل يعتبر تلك الأحلام من التافهات..وتحقيقها من سابع المستحيلات، فطبعه كرجل شرقي متعصب لا يحبذ ظهور زوجته على منصات التواصل حتى وإن كانت بمعلومات وهمية ويدها فقط من تعبر عنها.
تذكرت قمعه لأبسط أحلامها ..استرجعت أهم الاسباب التي دفعتها لاخفاء الأمر عنه.
***
استعدت شمس بملابسها المحتشمة ذات الالوان الهادئة لمقابلة سليم اليوم في منزل والديها.. طلب من والدها الاستعداد لمقابلته وفقًا لترتيبات الزواج، لن تنسى قط هيئة الفتيات وهي تدعوهن لحفل زواجها على سليم فتى أحلامهن.
قبضت فوق شفتاها بسعادة وهي تستمع لصوته الذي يأسرها في حقبة زمنية يلاعبان بها دور روميو وجوليت..معتقده بأنه سيغرقها بحبه الذي صرح عنه بعد الزواج..كي يكون حبًا من منطلق الحلال..هكذا أوهمت نفسها ولم تستطيع قراءة شخصيته الجامدة والغامضة وان كلمات الحب أبعد ما يكون عنه.
تنهدت بحالمية وسعادة وهي تراقب قدومه نحوها حاملاً صندوق صغير من الشوكلا..التقطته منه بنعومة وشكرته بهمس..
تركهما والدهما واتجه صوب الشرفة يجلس أمامها، كي يترك لهما مساحة في الحديث، بناءًا على طلب سليم.
جلست أمامه تداعب لولي صغير بكم السترة التي ترتديها، وعيناها لا تستطيع رفعها خجلاً منه.
– شمس.
– نعم.
ردت دون أن ترفع بصرها، فأمرها بصوت جامد:
– بصيلي وأنا بكلمك.
توردت وجنتاها ورفعت نظرها تطالعه باستيحاء:
– حاضر.
رفع سليم يده وعدل من ياقه قميصه، مفكرًا للحظات فيما يقدم عليه:
– عايز اتكلم معاكي في موضوع مهم، قبل ما عم جمال يجي ويقعد معانا..
طريقته تلك تهيج معدتها قلقًا لِمَ سيتفوه به، فقالت بتلجلج:
– اتفضل قول!.
حمحم سليم قبل أن يسألها بحذر:
– انتي ناوية تكملي في كليتك؟
رمشت ببلاهة وهي تجيب:
– اه.
حك أنفه بتوتر طفيف قائلاً:
– مش هينفع تكملي فيها!.
عقدت حاجبيها بعدم فهم، وطالعته باستفسار:
– قصدك إيه، انت خاطبني وأنا في كلية فنون جميلة… ازاي يعني اسيبها!.
– كنت بحسبها كلية عادية، بس طلعت صعبة وواخده كل اهتمامك..واللي زاد اكتر تأخيرك كل يوم.
برر لها وجهة نظره ولكنها لم تقتنع، ناقشته بهدوء:
– انت بتوصلني، او بابا..او السواق، يعني مبرجعش لوحدي.
ظهر الضيق على وجهه، ورنت نبرة صوته التي تحمل غيرته عليها:
– بصراحة أنا مش هستحمل اشوفك بتكلمي ولاد واسكت واعديها.
ردت بجدية:
– دول زمايلي في المشاريع المطلوبه مني، وانا مبعملش حاجة غلط.
عاند بقوله:
– وانا بقولك مش هستحمل.
اهتزت مشاعرها واضطرب كيانها لِمَ آل إليه تفكيرها:
– يعني إيه..عايزني مكملش تعليمي؟.
حرك رأسه نافيًا حديثها، ووضح كلامه أكثر:
– لا أنا مقولتش كده..كملي وخدي شهادتك..بس اختاري كلية تانية تتوافق مع نظام حياتك الجديد.
تساءلت بصوت جاهدت اخراجه..بعد تلك الربكة التي حدثت داخلها:
– فين نظام حياتي الجديد ده؟.
أشار على نفسه، مجيبًا بوضوح:
– أنا حياتك الجديدة يا شمس..احنا هنتجوز خلاص.
تشبثت بحلمها أكثر مع تمسكها به:
– هقدر اوفق بين بيتي ودراستي اللي بحبها أنت مش هتحس ..
قاطعها بحدة طفيفة:
– لا هحس ومن دلوقتي حاسس ببعدك واهتمامك بدراستك..وكمان مناقشتك مع زمايلك في مشاريع تخص كليتك أنا مش قادر اتقبلها.
وضعت يدها فوق رأسها، تأخذ نفسها قصيرًا تستجمع به أفكارها كي تحاول اقناعه:
– لازم نوصل لحل يرضينا.
– وانا توصلت له بالفعل..كملي في كلية تانية تروحي فيها على قد الامتحانات.
امتلئت عيونها بالدموع، هو حلمًا صعب المنال..وبعد الحصول عليه ظنت أن حياتها الوردية ستبدأ معه محققه جميع أمنيتها، لم تدرك أن الحياة تخفي أمورًا تجعلها تطيح بها إلى واقع لا تحسن الاختيار به.
– انت كده بتخليني اتخلى عن حلمي.
وجعه حديثها، وجعله غير قادرًا على مواصلة النقاش بينهما، عادت ذكرياته البشعة تسيطر عليه، رغم نفسه على الخروج من بقعة ذكرياته القاسية، مبررًا لنفسه بأنه لم يكن قاصدًا بالمرة أن تتخلى عن حلمها..ولكن حبه لها لا يستطيع تمرير تلك الامور البسيطة من وجهة نظرها مرور الكرام…لقد غلى الدم بعروقه حينما رآها تقف مع أحد زملائها ذات مرة.. هو يثق بها ولكنه لا يثق بنفوس الآخرين..أمر عودتها المتأخر دومًا لن يحدث ابدًا بعد زواجهما، سيكون واضحًا وسيخيرها قبل أن تبدأ معه حياة جديدة تسير وفق لرؤيته هو، وبالنهاية لها حرية الاختيار.
– بالعكس يا شمس، أنا لو عايز اخليكي تتخلى عن حلمك كنت قولتلك متكمليش دراستك.
شعر بترددها وضياعها في تلك اللحظة الحاسمة، مدركًا مدى حبها له..وبنفس الوقت شغفها بدراستها، فأظهر مدى تمسكه بها، كي يكون سببًا في موافقتها.
– أنتي عارفة كويس ان اخترتك دون عن أي بنت تانية، لاني حسيت باتجاهك بمشاعر حب، واختارتك وانا سعيد باختياري..مكنتش اتمنى ان تكون شريكة حياتي احسن منك..انا عايز حياتنا تكون هادية مفيهاش أي مشاكل.
تساءلت بشرود:
– ايه اللي يخليني اقبل بكل ده؟.
أجاب ببساطة:
– حبنا…
إجابة قصيرة تحمل معاني كثيرة جعلتها تتخلى عن حلمها بارادتها، تتذكر جيدًا كيف ترك لها والدها حرية القرار، رغم أنها قرأت تحيزه لسليم..مشاعرها القلقة سيطرت عليها في حرب حسمت لصالح سليم..وبمعنى أوضح لصالح حب ترعرع في قلبها الغض.
***
عادت من شرودها وهي تبكي قهرًا على ضياع اولى احلامها ومن بعده يتوالى الفقد، لقد تخلت بارادتها وكان اول طريق التخلي لم تدرك أشواكه الا بعد أن ركضت به نصف المسافة.
ومن هنا انطلقت فكرة الفيديو الجديد..بدأت في رسم طريق مليئ بالأشواك الصغيرة وفتاة جميلة تركض به غير عابئه بجروح قدميها…
***
دخلت ليال شقتها بعد أن اطمئنت على جرح سيف بالمشفى.. تذكرت صمته وسكونه أثناء تنظيف الطبيب لجرحه.. سمحت لنفسها بمراقبة أدق تفاصيله بوضوح…هو رجل يربك داخلها بتصرفاته المناقضة، يظهر لها كرهه في لحظة..وفي اللحظة التالية يغير مجرى تفكيرها بتصرف يجعلها كالمعتوهه أمام تصرفاته.
ارتمت فوق اريكتها وراحت تشرد بما حدث صباحًا..كيف ظهر فجأة..لِمَ القدر يريد جمعهما رغم عدم توافقهما، لن تنكر أن موقفه الشهم..وحمايته لها جعلتها تشعر بأحاسيس قد دفنتها قديمًا عندما كبرت ووجدت نفسها بلا أب بلا أم..تعيش وحدها في شقة والديها وجيران والديها يهتموا بها أحيانًا..وأحيانًا أخرى يبتعدون عنها بسبب ظروف حياتهم..اضطرت في مراهقتها للعمل في أماكن عديدة وبوظايف مختلفة لا تناسبها كفتاة ولكن أمانيها دفعتها تسير وفق لقوانين وضعتها لنفسها كي تستكمل دراستها..والعمل بشهادتها، عاشت الكثير والكثير فجعلت مشاعرها الرقيقة تدفن داخلها… كي تتأقلم في حياة قاسية فقدت بها معاني الحنان والدفئ، ناهيك عن مامرت به وحدها، لم تطلب الاهتمام من أحد، لم تنتظر الاحتواء حتى وإن كان من عمها الوحيد الذي تركها وحدها مكتفيًا بمبلغ بسيط يكفي حاجتها في الطعام فقط وبعض الامور الحياتية.
ضغطت فوق رأسها تمنع نفسها من الانسياق خلف ماضيها المؤلم…لقد عاهدت نفسها على عدم الالتفات للخلف مهما حدث..مستقبلها هو الأهم..ما تخطط له لعيش حياة كريمة بمجتمع أفضل مما هي فيه ستحققه رغمًا عن أنف من يعارضها.
***
دخل سليم من باب المنزل.. ونادى بصوت مرتفع قليلاً على شمس:
– شمس..
ظهرت أمامه والدته وعلى وجهها علامات الخوف:
– حمد لله على سلامتك يابني، انت جاي بدري ليه..
رد سليم ببرود:
– جيت في حاجة..فين شمس؟.
أجابت بتوتر:
– مـ..م مش عارفة..
تدخل أنس في الحديث من خلف جدته، يشير إلى غرفة الاثاث القديمة:
– مامي جوا في الاوضه هنا..
اقترب سليم من الغرفة متجاهلاً والدته التي حاولت ايقافه بخلق مواضيع تافهه، ومد يده يفتح المقبض..
___________________
يتبع ……
لقراءة الفصل التاسع : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!