Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل التاسع 9 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل التاسع 9 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل التاسع 9 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل التاسع 9 بقلم زيزي محمد

اقترب سليم من الغرفة متجاهلاً والدته التي حاولت ايقافه بخلق مواضيع تافهه، ومد يده يفتح المقبض.. دب الرعب بقلب منال، وعلمت أن نهايتهم قادمة، راقبت بعينيها التي حاوطها التجاعيد الخفيفة وقوف سليم أمام الغرفة، كتمت أنفاسها رهن اللحظة التالية، ومع صوت فتح سليم للمقبض، جف حلقها تدريجيًا..تزامنًا مع ارتفاع دقات قلبها.
– جدو واقع في الاوضه.
رغم استماعها للجملة عدة مرات من أنس، إلا أنها لم تستطيع ترجمتها، يبدو أن عقلها توقف عن العمل بسبب اضطرابها اللحظي، ولكن مع ركض سليم باتجاه غرفة والده، ولامس كتفه جزء من كتفها فجعلها تتراجع للخلف، استعادت وعيها سريعًا، وركضت للغرفة بعدم فهم، كل ما تفعله تلاحق سليم فقط.
وفور أن وطأت قدماها الغرفة، وقع بصرها على محمد ساقطًا على الارضية الصلبة، وبجانبه سليم يحاول إفاقته، لاحظت ارتباك سليم وارتجاف يده للحظات، فهرعت إلى جانبهم، وبأصابعها تحاول افاقة زوجها، في نفس الوقت سارع سليم بإجراء اتصال بالطبيب المسؤول عن حالة أبيه المرضية.
***
راقبت ليال خروج سيف من البناية متجهًا صوب ورشته، عقدت حاجبيها بضيق من استهتار ذلك المتعجرف، رغم تأكيد الطبيب عليه بالالتزام الفراش الليلة، تحسبًا لارتفاع درجة حرارته..اوي مضاعفات أخرى.
شعرت بالضيق الشديد يعتريها منه، وودت أن توبخه عما يفعله، ولكن تراجعت عن تفكيرها الزائد به، وبدلاً من توبيخه، راحت توبخ نفسها وتذكر حالها بقواعدها ومخططاتها، لن تنحرف سنتيمتر واحد عما تحاول تحقيقه، لن تسقط في بئر مظلم لا تعرف نهايته.
اغلقت الشرفة جيدًا واتجهت صوب الاريكة ترتمي فوقها بجسد مرهق، راقبت دقات الساعة المعلقة أمامها على الحائط، فوجدتها تشير للعاشرة مساءًا.
ورغمًا عنها انجرفت بأفكارها خلفه، وأصبح تفسير تصرفاته ادمان لا يمكن التخلي عنه، لا تستطيع التوقف عما تفعله، يبدو أن الفراغ الذي ملئ حياتها مؤخرًا هو السبب في حالتها تلك، نهضت بخفة وقررت تبديل ثيابها للذهاب لتوته، ولا تعطي أمر سيف حجمًا أكبر من حجمه.
***
جلس سيف فوق أحد الكراسي المتهالكة في ورشته، لقد اختار ذلك المكان لهدوئه قليلاً عن صخب الحارة والعمل بالسيارات، ولأول مرة يحتاج لهدوء كي يعيد ترتيب بعض الأمور بداخله، شبك يده خلف رأسه، واغلق عيناه باستسلام لدوامة الاحداث التي حدثت لهما اليوم..بداية من مراقبته لها..وشجاره مع المتح.رش بها وصولاً إلى المشفى وما حدث بها.
اهتزت مشاعره تزامنًا مع تذكره لتفاصيل مرافقتها له، ومساعدته في خلع قميصه، كي يتمكن الطبيب من اتمام عمله..لن ينسى قط تغيبه عن واقع المه الشديد وغرقه بارادته في تفاصيل وجهها الجميلة، بل في نظرة عينيها القلقة والتي شبعت غريزة ما بداخله، لقد كانت حائرة كالمجنونة، تلاحق عمل الطبيب خطوة بخطوة، حيرتها في تلك اللحظة داعبت اوتار قلبها.
لم يعرف لِمَ نبض قلبه لأجلها، رغم اختلافهما الواضح، حتى أنه فقد السيطرة على نفسه في الآونة الاخيرة وبدأ في مراقبتها من بداية يومها الصباحي حتى أنه يعرف جميع منازل الاطفال التي تعطيهم دروسًا خاصة، يلاحقها في سرية تامة، حاول تفسير تصرفه، أحيانًا يجد نفسه خائفًا عليها، وأحيانًا أخرى يبحث عن سبب قوي قد يجده في افعالها ويكرهها بسببه، مرورًا بخلق لنفسه اعذارًا واهيه كي يمرر ما تفعله.
ورغم الصراع الدائم داخله، إلا أنه يحمد ربه أنه راقبها اليوم، وانقاذها من تهور اقدمت عليه دون أن تعيد حسابتها بكونها أنثى.
– يا اسطى..يا اسطى.
فتح سيف عيناه بارهاق شديد، قائلاً:
– عايز إيه، سيبني في حالي أنا تعبان!..
– الـ..
كاد الصبي بأن يخبره ما يريده، إلا أنه لاحظ ارهاق سيف الواضح على وجهه، فارتفع صوته يخبر بقية العمال:
– الاسطا تعبان يا رجالة، تعالو شوفوه..
– بس ياله..هش..اقعد ساكت.
قالها سيف موبخًا إياه بعصبية خافته، فاندفع العمال خلف بعضهم يراقبون سيف بقلق، حاول سيف تهدئتهم ولكنه فشل، وخصوصًا مع تناقل الاحاديث بينهم:
– اطلع فوق يا اسطا انت تعبان.
– ايوه صح، وشك باين عليه.
وصاح رجل أخر محذرًا:
– لا ممكن ميقدرش، احنا نشيله.
اتسعت أعين سيف بذعر، وتشبث بالكرسي:
– يمين الله ما يحصل، أنا حلو وزي الفل، وهقوم اشتغل معاكوا، حتى شوفوا.
نهض سيف وكاد أن يتحرك، ولكن اصطدمت قدماه بقطعة حديدية كبيرة ملقاه فوق الارضية، فتعثر بها وكاد أن يسقط على وجهه، ظن العمال أنه سيفقد وعيه، فسندوه جميعًا، مع ارتفاع نبرة صوتهم التي تنم عن قلقهم، وفي لحظة ارتفع سيف عن الارضية، وتمدد جسده بين ايدهم، ورغم اعتراضات سيف عما يفعلوه، إلا أنه وجد نفسه فجأة في الطريق يسيرون به نحوه بيته، اندفعت الحارة بأكملها خلف سيف، يتابعون حالة جارهم المريضة، حاول ابعاد ايدهم التي تمسكت به ورفعوه لأعلى، ولكن كل محاولته واهنه.
صعدوا به لشقته، واصوات الرجال تتعالى
– وسع يابنى، وسسسع بسرعة.
ابتعدت الاطفال وفتحت توته الباب، وفور رؤيتها لاخيها بذلك الشكل، صرخت بصوت وصل إلى اول حارتهم.
– اخووووويا.
***
جلس سليم بجانب والده، بعد الاطمئنان على حالته الصحية من قبل الطبيب، راقب سليم هدوء الغرفة من عائلته، استغل الفرصة وتحدث مع أبيه بصوت هادئ:
– الدكتور قال إنك بتجهد نفسك!.
حرك محمد رأسه ناحيته، مردفًا بصوت مجهد:
– انت شايفني بعمل حاجة يابني، يوم ما بتحرك يبقى من الاوضه للصالة.
حك سليم أنفه بتفكير، قائلاً:
– في حاجة مزعلاك، في حد هنا دايقك، مش شرط تكون بتعمل مجهود بدني، ممكن بترهق نفسك زيادة في التفكير.
أخرج محمد تنهيدة عميقة، متحدثًا بعدها:
– انا لو بفكر كتير..فبفكر فيكوا، عايزكوا تكونوا في افضل حال.
رد سليم برزانة:
– واحنا الحمد لله في افضل حال، المهم اهتم بصحتك شوية… عايزك تنزل الشغل معايا تتفرج على المحلات الجديدة.
ربت محمد فوق يد ابنه، مردفًا بحنو:
– مش هنزل، الا لما تغير اسم المحلات من اسمي لاسمك، ده تعبك ومجهودك يابني.
– وده مش هيحصل وهيفضل اسمهم، محمد الشعراوي، اوع تكون فاكر الناس بتيجي علشاني، بالعكس بيجوا علشان اسمك أنت، واثقين فيك وفي امانتك، احنا بننجح بسبب اسمك يا حج.
اتسعت ابتسامة محمد، واستند برأسه على ظهر السرير، مستمتعًا بحديث سليم المحفز له، والمغلق لجروح الماضي التي مر بها.
مد محمد يده وتمسك بيد سليم، مربتًا فوقها بحنو بالغ:
– شكرًا يابني، شكرًا على كل حاجة.
عبر محمد عن امتنانه واغلق عيناه مستسلمًا لجولة نوم قصيرة، اما سليم فتعلق بصره بيد والده المتمسكه به، وانتفض قلبه عقب كلمات والده، لان قلبه مع كل حرف ينطقه محمد معبرًا عن امتنانه، هل يشعر به أحد من عائلته، حقًا هل يدرك أحدًا مدى تضحياته، ورغم تأخر والده في نطقها إلا انها ذابت جزء من الغلاف الجليدي التي غلف قلبه في قسوة وجمود.
دخلت منال الغرفة تحمل صينيه بها مشروبًا ساخنًا، فاوقفها سليم متحدثًا بخفوت:
– خلاص هو نام.
ارتاح قلبها واطمئنت عليه، فبادر سليم بحديثه المفاجيء لها:
– انا هفضل قاعد معاه، لما اعوز حد فيكوا هقولكوا.
راقبت منال يد زوجها المتمسكه بيد سليم بقوة، وكأنه يخشى أن يفقده، فتفهمت الحالة النفسية التي يمر بها زوجها، أومأت برأسها وخرجت تاركه لهما المساحة الكاملة في تصفية نفوسهم من شوائب قديمة متعلقه بقلوبهم، داعيه الله بأن تتحلى بالشجاعة كي تواجه ولدها وتنهي الفجوة بينهما، فشعورها بالندم اتجاهه، جعلها تقف مكبلة الايدي تراقب بعده عنها، بسبب جبن سيطر عليها، واختارت جلد الذات كل ليلة أهون من كلمة يتفوه بها سليم تسحق قلبها الضعيف.
****
تزاحمت غرفة سيف بسكان الحارة وجيرانه بالبناية، شعر بالارهاق الشديد من كثرة الاحاديث والاهتمام بصحته، وعن سبب جرحه بيده، لم يكن متعبًا ولكن الآن يشعر بتفاقم الم جرحه عليه، نظر لاخته بتوسل طفيف كي تنقذه من التجمهر حوله، ولكن البلهاء كانت مشغوله بالحديث مع جارتها، فكانت تتحدث وتتحدث بلا انقطاع.
ضغط فوق شفتاه بغيظ منها، وفجأة وبدون أي مقدمات، اندفع طفل برأسه واصطدم بذراعه المجروح، فتأوه سيف بخفوت، مغلقًا عيناه بألم..
– انزل يا كوكو من على السرير عمو تعبان.
فتح سيف نصف عيناه ورمق المتحدث بسخط، فبدأ أحد الرجال يحاول اخراجهم، معللاً وجهة نظره:
– المريض محتاج راحة، يلا بينا.
بالخارج توقفت ليال امام باب الشقة تنظر له وهو مفتوح على مصراعيه، تفاجئت بخروج الرجال اولاً من الداخل، ثم توالت النساء خلف بعضهن، لم تكن تعلم ما يحدث، تراقب فقط بذهول، حتى القت احداهن حديثها المبطن:
– بقا فيها الخير، وجاية تسأل على جارها.
فردت الاخرى ولم يعجبها الحديث:
– وهي من امتى بتسأل على حد.
لم تهتم ليال بحديثهن، وانحنت لمستوى توته تسألها بفضول كاد أن يقفز من عينيها:
– هو في إيه؟.
اتسعت أعين توته بصدمة قائلة:
– هو انتي متعرفيش؟!
حركت ليال رأسها بنفي، فتابعت توته حديثها بتمثيل حالة خالها:
– خالو جاي مغمن عليه…
كررت ليال حديثها بعدم استيعاب:
– مغمن إيه…
ركضت توته صوب الاريكة وارتمت فوقها ومثلت وضعية جسد خالها فوق ايدي الرجال:
– عامل كده يامس.
ادركت ليال مقصدها وأصابها القلق، فتساءلت سريعًا:
– هو عامل إيه!.
– تعبان اوي اوي يا مس.
نهضت ليال من مستواها، حينما استمعت لصوت فاطمة يصطحب سيدة للخارج، توترت ليال واهتز صوتها:
– معلش..ربنا يشفيه، يلا ناخد الدرس.
تقدمت منها توته منها وهي تسألها ببراءة:
– هو أنتي مش هتشوفيه يا مس.
جلست ليال فوق الكرسي، تفتح حقيبتها:
– لا ربنا يشفيه، هاتي الواجب.
خافت توته من اخبار ليال عن تغيبها اليوم ولم تستكمل واجبها، ففكرت سريعًا بخلق أي طريقة تكتسب بها وقتًا إضافيًا..تستكمل به واجبها المتبقي..
– ممكن ثانية يا مس.
اومأت ليال دون ان ترفع رأسها، ركضت توته لوالدتها وأخبرتها سرًا بأن ليال تريد الدخول لخالها والاطمئنان عليه، رحبت فاطمة بذلك وبصوت مرتفع في منتصف الصالة:
– انتي بتستأذني يا مس، طبعا طبعا ادخلي…تعالي.
فتحت ليال فمها لم تدرك ما يحدث، ولكن مع جذب فاطمة يدها صوب ممر الغرف، بدأ عقلها بالعمل وسألت بساذجة:
– اجاي فين؟!
توقفوا امام غرفة، فتحت فاطمة بابها على مصراعيها:
– ادخلي يا مس..يا سيف مس ليال عايزة تطمن عليك…كتر خيرها..ها… كتر خيرها.
ومن خلف ليال راحت تغمز لسيف بعدم استفزازها كالعادة، جف ليال ريقها، وبح صوتها فجأة امام موقف مخجل لم تريده بالمرة، لم تستوعب ما حدث، حتى انها فقدت التعبير بالكلام، واشارت بيدها لسيف الجالس فوق فراشه ممسكًا بكوب الشاي.
حرك سيف رأسه بمعنى ” ماذا”، وصوت
” صرصور الحقل” هو إجابة ليال، فقال سيف:
– انتي كويسة؟
حركت ليال رأسها بالايجاب، وبنبرة متلعثمة قالت:
– اه..يعني..أنا…
دفعتها فاطمة نحو الداخل، واستأذنت للخروج لانهاء حديثها مع جارتها، فتحركت ليال بخطوات متمهلة بعد عدة دقائق، لقد كانت لا تريد رؤيته وفقًا لقرارتها الاخيرة، ومع اصرار فاطمة أوقعتها في مأزق، بررت لنفسها أن ذلك من واجب المجاملات فقط، رغم تتوق بقعة ما بداخلها لرؤيته.
دخلت ليال الغرفة، وحمحمت بصوت خافت، تحت نظرات سيف المنصب عليها، قائلاً باستفزاز:
– مالك، خايفة من إيه، متخفيش مش هناكلك.
نظرت له بحرج، ثم ابتعدت عنه وتجولت ببصرها في الغرفة، لمحت أكواب الشاي الموضوعة فوق الطاولة، تساءلت بداخلها هل سيحدث له إصابات خطيرة إن القت أكواب الشاي بوجهه، كي تخرس لسانه المستفز، شردت بالاكواب وكورت يدها بغل، فأدرك سيف ما يدور بمخيلاتها وسارع بالحديث:
– ايه هترميه في وشي، مش كفاية اللي حصلي بسببك.
رفعت وجهها ترمقه بضيق:
– محدش قالك تدافع عني.
– صح كنت اسيبه يتحرش بيكي!، اعمل إيه بقى في القدر اللي خلاني امشي من نفس الطريق ده.
قال حديثه بسخرية، فواجهته بعيون تشتعل بهجوم شرس ممزوج بالتهكم:
– القدر بردوا، غريبة دي والله أنه يخليك تمشي في شارع راقي زي دي وانت اصلا مالكش شغل هناك.
ارتفع جانب شفتاه تزامنًا مع نظرة استهجان لوحت لها من عينيه:
– ليه؟، هو أنا بروح هناك لشغل..ما يمكن مثلا رايح اقابل واحدة في كافية هناك وحضرتك عطلتيني عنها…وزعلت مني.
– زعلت منك!.
كررت خلفه بحنق طفيف، نظرت للكوب الموضوع بين يده بغيظ.
– اشرب الشاي وروح صالحها علشان الزعل ميطولش.
خرجت من الغرفة وشرارة الغضب تلوح بعاصفة كانت أهم دوافعها الغيرة..وهو شعور لأول مرة تتذوقه.
جذبت توته التي كانت تجلس فوق الارضية تنهي واجبها بسرعة ثم اجلستها فوق الكرسي، وبدأت تتابع عملها بانفعال بات واضحًا عليها، قلبت بين الاوراق بعصبية، تحت انظار توته الخائفة من حالتها المفاجئة، وفي وسط انفعالها سألت توته بحدة:
– بت متعرفيش خالك كان رايح فين النهاردة.
حركت رأسها بنفي والتزمت الصمت، فاغتاظت ليال أكثر واشارت نحو الكتاب:
– طب اكتبي..اكتبي.
دأبت توته على الكتابة بهمة خوفًا منها، بينما رفعت ليال اصابعها نحو فمها وبدأت في قضم أظافرها التي اعتنت بهم لشهور عديدة، في حركة قديمة لها تظهرها عندما يصيبها غضبًا او توترًا.
***
خرج سليم من غرفة والده بعدما تأكد من استقرار حالته الصحية، وقد مر عليه بضع ساعات بالداخل، بحث بعينيه عن والدته، لم يجدها..فذهب باتجاه غرف اخواته..واول غرفه فتحها وجدها تغفو بها فوق فراش زيدان وبجانبها أنس.
اقترب بخطوات هادئة كي لا يزعج والدته، ومد يده يرفع أنس، فاستوقفته منال بصوتها المتأثر بخمول النوم:
– سيبه يابني متصحهوش، خليه نايم جنبي.
تركه سليم وتساءل بهدوء:
– فين شمس؟.
– فوق في الروف طلعت تقعد فيه شويه، اطلعلها انت.
خرج سليم من الغرفة متوجهًا لسطح المبنى، ولكن قبل أن يصعد توقف للحظات والتفتت بجسده نحو الغرفة التي كانت بها شمس صباحًا، لم يعلم لِمَ حثه عقله على فتحها، فاتجه صوبها مرة أخرى مقررًا فتحها، مد يده فوق المقبض وحاول فتح باب، ولكنه كان مغلقًا باحكام ومع محاولاته، خرج يزن من الغرفة واثار النوم بادية على وجهه، وفور رؤيته لسليم أمام الغرفة، اتسعت عيناه برعب حقيقي واشار بحماقة نحو الغرفة:
– هي شمس جوا.
وحينما انعقدت ملامح سليم، ادرك يزن خطأه فحاول اصلاحه:
– في إيه يعم صحتني من النوم!.
– مفتاح الاوضة دي فين؟!
تساءل سليم بجدية، فرد يزن ببلاهة:
– نعم!.
كرر سليم سؤاله مرة أخرى بنفاذ صبر:
– مفتاح الاوضه دي فين؟.
هز كتفيه بلامبالاة ظاهرية، التفتت بجسده نحو غرفته:
– معرفش ياعم، أنا مالي بغرفة الكركبة.
دخل يزن غرفته واستند بظهره على الباب مفكرًا بقلق عن سبب تساؤل سليم عن مفتاح الغرفة، حمدًا لله انه تدارك الموقف واظهر لامبالاته كي يقتنع أخيه، مبتسمًا بخفة متخيلاً هيئة سليم إن علم بأن المفتاح معه هو، فهو المسؤول عن تخبئة المفتاح بعيدًا عن انظار سليم، نظرًا لأن شمس بلهاء يمكنها كشف نفسها بسهولة.
***
ولج سليم للسطح المبنى، باحثًا عن شمس، فوجدها تقف تستند على السور وتشرد أمامها لدرجة أنها لم تشعر به.
لامس كتفها من الخلف، فالتفت نحوه بهدوء وكأنها كانت تدرك مجيئه خلفها، كما أنها تتوقع اسئلته التي هربت منها صباحًا حينما فقد والده وعيه.
– ليه طلعتي هنا؟.
اختنقت الكلمات في حلقها وهي تخبره:
– حسيت ان عايزة اشم هوا..عمو اخباره إيه!.
– الحمدلله بقا كويس.
هزت رأسها عدة مرات، والتفتت بجسدها تنظر أمامها بشرود، راقبها لعدة دقائق وانتظر كسر صمتها الطويل، رغم أن الصفة أبعد ما يكون عنها، شمس تتسم بالحيوية والنشاط، تنتظر عودته من عمله كي تختلق مواضيع جديدة للتحدث معه، وكأن الكلام معه متعتها الوحيدة…فعاد وسألها بانزعاج من حالتها الغريبة تلك.
– مالك يا شمس؟
تأملته بحزن وهي تجيب:
– مفيش، يمكن زعلانة على مخنوقة..على شوية حاجات فوق بعض.
صوته كان حانيًا كالنسمة الطيبة:
– وليه زعلانة؟.
توترت وهي تقول:
– اوقات ببزعل من غير سبب، بس الاكيد ان انا زعلانه علشان بابك.
ربت فوق ظهرها بلطف قائلًا بخفوت:
– بابا هيكون تمام ان شاء الله، متقلقيش..
تأملته بصمت، واستسلمت لجلد ذاتها كعادتها حينما تكذب عليه، امتلئت عيناها بالدموع، شعر بالضجر لصمتها ذاك، قائلاً:
– لا كده في حاجة؟!
– حاسه ان عايزة اجاي في حضنك وابطل تفكير.
لم تحاسب نفسها على صارحتهت تلك، بل شعرت بالراحة الجزئية لِمَ تفوهت به، فدخلت بنفسها بين ذراعيه، ثم حاوطته بيدها بقوة وكأنها تخشى فقدانه، وأغلقت عيناها بهدوء، تحارب هواجسها المخيفة.
– ايه اللي بتفكري فيه، شاركيني.
مسحت دموعها ورفعت رأسها تطالعه بتساؤل:
– وانت بتشاركني ياسليم؟
كانت ترواغه بسؤالاً كي تهرب من إجابة كاذبة أخرى تخرج من فمها تبعده عن أمرًا تحاول ألا يعرفه مهما بلغ الأمر.. رد ببساطة وصدق.
– مفيش حاجة مخبيها عليكي، أنا واضح قدامك، انتي في حاجة مخبياها عليا.
هزت رأسها برفض، بينما عيناها كانت كالغيوم غير صافية كعادتها حينما تطالعه، وحينما لمعت نظراته التي كانت تحاول خرق الجسر المحاوط لعينيها، ابتعدت ببصرها بعيدًا عنه كي لا تنهار وتخبره بما تخفيه، فتراجعت عن صراحتها وقالت:
– انا حاسه ان اللي فيا ده ارهاق أكيد.
– اممم أكيد.
أكد على حديثها، وبعد فترة من الصمت عاد وسألها:
– انتي النهاردة كنتي بتعملي إيه في اوضة الكراكيب.
جف حلقها وهي تجيب بتوتر:
– بحط فيها شوية حاجات ماما مش عايزاهم..
– امممم وفين مفتاحها، معاكي؟.
أجابت بتلعثم طفيف:
– لا مش معايا.
– امال مع مين؟!.
شعرت بارتفاع درجة حرارتها نتيجة لاسئلته المتتالية، ولكن تشبثت بقولها:
– مـ..معرفش.
ابتعد عنها مفكرًا بضيق ونفاذ صبر.
– هو ايه الاوضة اللي مفتاحها مش مع حد دي.
ومن شدة خوفها، قالت بغير حساب وادراك لواقع كلماتها والتي من الممكن أن تكون نتائجها وخيمه.
– مش عارفة يمكن انس شاله من الباب وضيعوه.
– يمكن.
عاد مرة أخرى وجذبها نحوه، محتضنًا إياها، فارخت اعصابها المشدودة أخيرًا بعد انتهاء فقرة الاسئلة التي تمركزت حول المفتاح..ارتاح قلبها ظنًا أن اهتمام سليم بالغرفة انتهى، ولكن ما لا تعرفه هو أن عزيمته ازدادت وقرر سؤالهم جميعًا غدًا بما فيهم أنس.
يتبع ……
لقراءة الفصل العاشر : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!