روايات

رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل السادس عشر 16 بقلم مريم محمد غريب

  رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل السادس عشر 16 بقلم مريم محمد غريب

رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت السادس عشر

رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء السادس عشر

رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة السادسة عشر

_ أحمر شفاه ! _ ( 1 )
و لا للحظة واحدة إنقطع بكائها، منذ رأته يخرج برفقتها، متأبطًا يدها، تنير وجهه إبتسامته الغرَّاء.. و كأنه يطرب لكل ما يجري من حوله !!!
لم تصدق
أو لعلها لم تريد أن تصدق
لحظة ظهور أخيه الأصغر أولًا مع عروسه و إبنة عمه، اطمأن قلبها قليلًا، ظنَّت بأن هذه الليلة كلها مقامة لأجلهما.. لكن… حين تأخر ذهابهم، تبيّنت بأنهم جميعًا كانوا بانتظار أحدٌ آخر أكثر أهمية، و هي بكل تأكيد تعلم من هو أكثر شخص مهم بعائلة “الجزار”.. لأنه ببساطة يكون حبيبها !
و كانت صدمتها عندما صدق حدسها و شاهدته بعد بضعة دقائق يخرج برفقة إبنة عمه المنضمة حديثًا إلى العائلة.. و كذلك كان الحديث الذي تلصصت عليه هناك بمنزلهم هو فعلًا الحق… و سوف يتزوج بتلك الفتاة.. أما هي.. فستجني وحدها أشواك الخطيئة ….
-الواطي ! .. غمغمت “سامية”… صديقتها المقربة بغيظٍ
كان جليًا من تقصد بنعتها المهين
و لكن ذلك لم يزيد “نسمة” إلا حزنًا و هي تجهش أكثر في البكاء قهرًا على حالها …
فوق أريكة الصالون المتواضع، رأسها ملقى في حجر صديقتها، و الأخيرة تمسح على شعرها مواسية دون جدوى.. رغم ذلك لم تنفك عن محاولة تهدئتها، إذ قالت بلطفٍ هذه المرة :
-خلاص يا نوسا.. خلاص يا حبيبتي ماتحطيش أوي نفسك كده. يلعن أبو الرجالة كلهم.. بس بقى. و حياتك ما هاسيبك كده. هاتشوفي هاعملك فيه إيه !
يندفع الكلام من فم “نسمة” الآن مختلطًا بدموعها :
-هاتعمليله إيه يعني يا سامية.. ده لا أنا و لا إنتي أده و لا أد عيلته. أسكتي ونبي.. أنا إللي أستاهل
سامية باستنكار : أومال يعني هانسيبه كده ينفد بعملته ؟؟؟
أصدرت “نسمة” أنينًا مريرًا و هي ترتفع بجزعها لتجلس مقابل صديقتها، ثم تقول بصعوبةٍ :
-أنا إللي بدأت يا سامية. أنا إللي قدمت نفسي له على طبق دهب.. مافيش راجل يقدر يرفض واحدة تبيعله نفسها منغير مقابل. عمره ما طلب مني حاجة. و لا كان مستني حاجة.. أنا إللي رميت نفسي في حضنه. كنت محتاجة أوي لحضنه يا سامية. كنت متعشمة إنه يحبني زي ما بحبه.. بس كان لازم أعرف ححمي كويس أوي بالنسبة له.. أنا أخري معاه علاقة في سرير. لكن قدام الناس.. مافيش غير إللي شوفتها معاه إنهاردة. بنت عمه.. بنت الحسب و النسب.. مش حتة بت مالهاش لا أصل و فصل. لقيطة.. تربية ملاجئ. و أخر حاجة …
ضغطت الغصّة الحارقة على حنجرتها عند هذا الحد، لم تستطع أن تكمل كلمتها، فاطبقت شفاهها بقوة و راحت تنتحب و هي تغطي وجهها بكفيها
لتمد “سامية” يدها و تشدها لتستقر في حضنها، أخذت تربت عليها بحنانٍ متمتمة بعطفٍ منزعج :
-خلاص بقى يابت.. قطعتي قلبي. و بعدين ما الحال من بعضه. أنا زيك ماليش أصل و لا فصل. كل واحدة فينا فيها إللي مش في حد. محدش حاسس بينا. محدش جرب يعيش عيشتنا و لا يدوق المرار و الذل إللي شوفناه من يوم ما وعينا عالدنيا.. إنتي ماغلطيش يا نسمة لما حبيتي قليل الأصل ده. هو إللي واطي. مقدركيش. مقدرش يفهم إنتي شايفاه إزاي.. زيه زي كل الرجالة. نفس التفكير و نفس الأهداف القذرة !
هزت “نسمة” رأسها بقوة هامسة بحرقةٍ :
-أنا مش عارفة أعمل إيه.. مش عارفة إزاي هقدر أعيش منغيره. مش عارفة إزاي هقدر أقعد في مكان هو فيه مع واحدة غيري.. أنا بحبه يا سامية. أنا بحب رزق. بحبه أوووووي !!!
و إنفجرت باكية أشد من ذي قبل
لتستسلم “سامية” لمزاج رفيقتها الكئيب السوداوي، على كلٌ فهي باقية.. لدى زوجها علم، و لن تغادر قبل الصباح، لن تتركها وحدها الليلة
الليلة بالذات لا ينبغي أن تبقى “نسمة” بمفردها …
_______________
كان هذا إقتراحه هو …
و قد تطلب أن يتم رفعه لكبير العائلة “سالم الجزار” للبت فيه و إصدار ردًا بالموافقة أو بالرفض، لكنه هذه المرة كان متأكدًا بأن والده سوف يوافق على طلبه
لأن الحسنة لن تعم علبه وحده، شريكه و ندَّه و عدوه اللدود سينال النصيب عينه، و بالحقيقة هذا لم يزعجه، طالما أنه يصل لمآربه الأهم …
بعد أن قاموا بشراء الذهب لكلتا العروستين، عاد أفراد العائلة أدراجهم إلى المنزل، بينما أخذ كلا الأخان عروسه في نزهة، سيقضوا سهرة ليلية بمباركة الكبير
لكن دون أن يتاقطع طريقهما.. كلٌ منهما ذهب باتجاه
كان “مصطفى” يقود إلى منتصف المدينة، لم ينطق بكلمة منذ إنطلاقه، و صب جام تركيزه على الطريق… إلى جواره جلست “فاطمة” مطبقة فاها، لم تكن راغبة في الخروج برفقته، و لكنها عجزت حقًا عن الجهر برغبتها، فأذعنت لآراء الجميع و سماح أبيها لها
ذهبت معه، لا تدري لأين، و لم تسأل، لم تجرؤ على مجرد النظر إليه أصلًا… فجلست في مقعدها نائية عنه قدر المستطاع، تدعو ربها أن تمر الليلة بسلام، أو أن يلطف بها الله و ينقذها من صحبته باتصالٍ يستدعي حضورهما العاجل إلى البيت
كالبلهاء ظلّت بانتظار تلك المعجزة، و لم تكن تدري بأن خطيبها قد إتخذ كافة الاحتياطات و قد أغلق هاتفه أساسًا، و باعتبارها لا تملك هاتف وفقًا لقانون عائلتها، بألا يُسمح للفتيات بامتلاك أجهزة خطيرة كهذه مدعاة للفتنة و الفسوق، فطالما أنهن مستقرات بالمنزل لا يبارحنه فلا حاجة للهاتف
و هكذا كان “مصطفى” مطمئنًا، هو و هي أخيرًا على حدة، لا يوجد من ينجدها منه أو يحول بينه و بينها !!!!
-إنزلي !
إنتفضت “فاطمة” لدى سماع صوته الآمر المخيف …
إلتفتت له فورًا  فإذا به يترجل من السيارة، و عندما لم تمتثل لأمره إنحنى عبر الباب و رمقها بنظرة زاجرة بثت الرعب فيها، و كرر باقتضابٍ جمّد الدماء بعروقها :
-إنزلي.. مش سامعاني و لا إيه ؟!
الخوف منه هو الذي حركها، و دفعها للإنصياع لكلمته، فمدت يدها و فتحت الباب بسرعة.. نزلت من السيارة مرتجفة الساقين
صدمها الهواء الطلق في الخارج لوهلةٍ، و إكتشفت على الفور حين نظرت وراء كتفيه بأنهما يقفان على ضفاف نهر النيل !!!
-إحنا بنعمل إيه هنا يا مصطفى ؟!! .. تساءلت “فاطمة” بصوتٍ لا يخفي نبرة خوفها
بينما كان يغلق السيارة، لم يرد عليها.. عندما إنتهى مشى ناحيتها و أمسك برسغها بقبضته القوية… أفلتت شهقة من بين شفاهها و هو يشدها لتمشي وراءه موازية خطواته الواسعة
كانت تلهث بشدة و هي تشعر بخفقات قلبها تتسارع و يعلو طنينها بصخبٍ بأذنيها، لأكثر من مرة كانت ستنكفأ على وجهها، أرادت أن تعيد سؤالها عليه ثانيةً.. لكنه لم يعطها فرصة لأيّ شيء
حتى وصلا هنا
عند مرسى القوارب و وسائل النقل النيلية  …
تركها أخيرًا تقف فوق التربة الطينية، و إتجه نحو قاربٍ معيّن، تمكنت من رؤية شابًا هناك قد ظهر فجأة كالشبح، قفز من القارب ليقف قبالة “مصطفى”… تصافحا بقوة و سمعت حديثهما الوجيز :
-كله تمام يا ريشة ؟
-و أكتر من إللي طلبته يا معلم مصطفى. كافة شيء هاتلاقيه.. و الواجب ده تحية مني ليك
و دس يده في جيب سرواله الرث مستلًا لفافة من السوليفان، قدمها ل”مصطفى” و لكن الأخير رفضها في الحال قائلًا بترفعٍ :
-لا لا يا ريشة.. رجع حاجتك مطرحها. أنا ماليش في الحاجات دي
ريشة مواصلًا اغراؤه :
-إسمع كلامي بس. الصنف ده جديد… ده واصلني من عندكوا حتى. و بعدين دي مش حاجة. رغم كده هاتسفرك لمكان و لا شوفته في أحلامك
علت زاوية فمه و هو يرد عليه بعبارة أبيه الشهيرة :
-الجزارين بيسفروا الناس.. لكن مابيسفروش معاهم. تشكر على الواجب …
و ربت على ذراعه يحثه على الرحيل :
-يلا طريق السلامة إنت.. لما أخلص هاكلمك تيجي تستلم مني
قال “ريشة” بفتورٍ و هو يعيد الصنف إلى جيبه :
-أوامر يا كبير.. ريشة خدامك في أي وقت !
و رحل “ريشة” …
ليدعو “مصطفى” خطيبته بصوت أكثر لطفًا الآن :
-تعالي يا فاطمة !
كانت ترتجف فعليًا، و كان يرى ذلك، لكنها لم تمتنع عن سؤاله مباشرةً في هذه اللحظة :
-أجي فين يا مصطفى.. إنت جايبني هنا أعمل إيه. أنا بخاف من المراكب أصلًا !
إبتسم لها بتودد أدهشها و قال يطمئنها :
-ماتخافيش.. أنا معاكي. إستحالة حاجة وحشة تجرالك و إنتي معايا.. أوعدك !
و قفز إلى القارب أولًا.. ثم إستدار مادًا لها يده
إزدردت “فاطمة” لعابها بتوترٍ، أمام كل هذا اللطف المفاجئ الذي يبديه لها، عجزت عن التفكير مرتان.. و لم تتمكن من رفض دعوته أيضًا
جرت قدميها تجاهه، لعلها كانت تمشي بسرعة السلحفاء، لكنه كان صبورًا.. حتى أودعت يدها في كفه الخشن.. و خلال لحظة كانت قد قفزت إلى جواره …
-إرجعي ورا ! .. أملى عليها أمرًا من جديد
ففعلت ما قاله، بينما إنحنى للأمام ليحل عقدة الحبل الذي يربط القارب بالمرسى، بدأ القارب يتأرجح أسفل قدميها فخافت كثيرًا و تمسكت بالركائز الحديدية
و بدون تلاحظ حتى مر “مصطفى” من جوارها، شغل محرك القارب فعلا صوت هديره، تحرّك القارب و توّغل بالنهر.. بينما لا تزال “فاطمة” كما هي.. تقف كالصنم و تراقب رصيف المرسى يبتعد شيئًا فشيء… إلى أن إنحرف القارب فاختفى عن ناظريها
و سمعت صوت “مصطفى” يملأ الفراغ الموحش من حولها :
-أخيرًا.. بقينا لوحدنا يا بطة !
إلفتت له بلحظة
حدقت فيه ملء عينيها و قد عاودها شعور الخوف أضعافًا، خاصةً عندما رأته يوجّه نحوها تلك النظرة الخبيثة، شدت قبضتها على قضيب الحديد أكثر حتى آلمتها يدها
في الجهة الأخرى “مصطفى” قد أبطل المحرك ليقف القارب بمنطقةٍ نائية مظلمة، فقط إكتفى بالمصباح الغاز الذي علق بسقف القارب
هناك بالقرب منهما فوق ضفاف مكانٍ مهجور.. شجرةٌ ضخمة عجوز تمتد فروعها اليابسة نحوهما و تعكس على وجه “مصطفى” مظهرًا وحشي أكثر مما بدا عليه …
تلقائيًا وجدت نفسها تبتعد خطوة عندما بدأ يقترب منها بيطءٍ و هو يقول بصوتٍ كالفحيح :
-دلوقتي يا.. بطاطا. تفتكري حد ممكن يلحقك مني ؟ هه !
-مصطفى ! .. تمتمت “فاطمة” بصوتٍ هامس متأثرًا بشحوب بشرتها الشديد
كانت من شدة الوجل تتنفس بصعوبة، و لم يسعها الآن إلا الثبات محلها و الترقب… فما الذي ينوي “مصطفى” أن يفعله بها بحق الله !
_ أحمر شفاه ! _《2》
بعد تلك الليلة المريعة التي مرَّت بها مضطرة على مجاراة كل هذه الأجواء المنافقة من حولها، و أيضًا القبول بالأمر الواقع و الغدو خطيبة للأبن الأكبر لعائلتها العريقة إجراميًا
عندما أُعلنت الموافقة على طلب إبن عمها الأوسط، ثم تلّقت بعدها عرضًا سخيًا من خطيبها !
كان هذا بمثابة إغراءً لها، ليس لأنها سوف تخرج برفقته، بل لأجل الخروج نفسه و التسكع بالطرقات و المقاهي الشهيرة.. و لعلها كانت تمنّي نفسها بسهرة لطيفة، حتى لو تطلب الأمر أن تتنازل قليلًا عن موضعها بالحرب الباردة بينها و بينه لتستمع بلحظاتٍ من السكينة و السلام …
و لكن عليها أن تعترف، بأن ما خطط له “رزق” قد فاق توقعاتها إلى حدٍ مذهل… فهو لم يأخذها إلى أيًّا من الأمكنة التي تأملت بها
بل في الحقيقة أنها الآن تجلس بمطعمٍ شعبي أسفل هضبة الجبل !!!
أجل هذا ما حدث بالضبط.. فوق طاولة مستطيلة عامرة بالمأكولات المتنوعة، كان هناك عدة أصناف مخصوصة لكليهما، فمثلًا “رزق” قد فضل أطعمة لو كان رقص لها كالبهلوان لما وضعت منها لقمة بفمها، أما هي فطلبت بيتزا الـ”فور سيزون” متعددة النكهات، لا تعرف كيف استطاع أن يدبر طلبها ذاك في مكانٍ كهذا
و هكذا، بينما إنهمكا بتناول عشاءهما وسط الهواء الطلق، بمنتصف الساحة الغاصة بالرعاع و المجرمين على مختلف شاكلتهم، تدوي في الخلفية عبر مكبرات الصوت الرديئة غنوة سيرة الحب للسيدة “أم كلثوم” لا تتماشى مطلقًا مع البيئة المحيطة بها
أرادت أن تبدي تذمرها أكثر من مرة على أكثر من سببٍ، لكنها كانت تمنع نفسها بقوة عندما توشك على ذلك.. إلى أن إنتفضت فجأة أثناء إنتشالها لقطعة أخرى من البيتزا
إكتشفت بأن “رزق” كان قد مد يده على سهوٍ منها و دس في فمها قطعةٍ من اللحم الغريب الذي يتناوله …
-إوعـــي تتفيها من بؤك !!! .. صاح “رزق” محذرًا و هو يكمم فاها بكفه
خمد إبتسامة بصعوبةٍ و هو يرى تعبير وجهها يتلوى بقرفٍ و هي تستجيب له على مضضٍ و تمضغ قطعة اللحم، و حين اطمأن أنها بدأت تزدردها رفع كفه متمتمًا برضا :
-جدعة.. كان لازم تدوقي الأكل إللي مش عاجبك. و لازم تتعلمي يبقى عندك خلفية عن كل حاجة. حتى لو مش هاتكلي من الصنف ده طول عمرك. بس لازم تكوني عارفاه
أخذت تلوّك بقايا اللحم دون أن تتخلص من الازدراء البيّن على قسماتها المنكشمة، و ما لبثت أن قالت بغيظٍ :
-إنت هتمارس عليا فلسفتك كمان.. ده إللي ناقص. و بعدين أنا بحذرك تكرر الحركة دي تاني. مابحبش أعمل أي حاجة غصب عني فاهم ؟
إبتسم لنزعتها الشرسة الطريفة و قال بهدوءٍ :
-أنا ماكنش قصدي أضايقك على فكرة. كل الموضوع حبيت تجربي حاجة ماتخيلتيش إنك تعمليها أبدًا.. أنا عارف الناس إللي شبهك بيقرفوا من حاجات لو جربوها هايضحكوا على نفسهم إزاي كانوا عبط كده.. طيب بذمتك اللحمة حلوة و لا وحشة ؟
قطعة صغيرة التي تبقّت على طرف لسانها، راحت تتذوقها جيدًا و هي تحرك عينيها للجانبين متمتمة باقتضابٍ :
-هي ناعمة أوي.. تحس إنها بتدوب بسرعة في البؤ. فيها مزازة. يعني …
و نظرت إليه متسائلة :
-إيه نوعها اللحمة الغريبة دي ؟!
أجابها بابتسامة عريضة :
-ده مخ ني !
لم تنتظر حتى تستوعب و إنتفخ خداها في حركة تنم عن قيئ وشيك، لكنها عوض ذلك أشاحت بوجهها للجهة الأخرى و لفظت القطعة الأخيرة فوق التراب
و بينما كانت تسعل و تغسل فمها بقارورة مياه كاملة، كان “رزق” يضحك مقهقهًا بقوة، لدرجة أنه لفت جميع الأنظار نحوهما.. و لولا أنها ترتدي تلك الثياب المتشبهة بالرجال لعلموا من أول نظرة بأنها أنثى… لكنهم اكتشفوا الخدعة الآن
و لكن في جميع الأحوال، لا أحد يجرؤ على مجرد النظر إليها ما دامت هي برفقته، إسم “رزق الجزار” ذائع الصيت، و وجهه علامة مسجلة بعالمه، كان غنيًا عن التعريف …
-بتستغفلني ! .. زمجرت “ليلة” بصوتٍ أجش، و قد إنقلب وجهها ثانيةً و هي تقول بجزعٍ شديد :
-الله يقرفك.. بتاكل اللحمة نيّة. و مخ كمان. يا متوحش.. بس أنا متوقعة إيه يعني. ما إنت جزار صحيح !!
لا زال “رزق” يضحك و هو يلتقم مزيدًا من قطع اللحم النيئ و يغمغم قائلًا بنفس الوقت :
-ما إنتي أصلك ماتعرفيش فوايد الأكل الني.. طبعًا مش كل الأكل الني. بس أنا بحبه. ممكن عشان إتعودت عليه و بيسخن الـFitness عندي قبل التمارين
ليلة بتهكمٍ : على أساس إنك هاتتمرن دلوقتي !
رزق بفتورٍ : لأ طبعًا.. بس القاعدة معاكي كفيلة تحرق أعصابي كلها مرة واحدة. ف بدل ما إتخانق معاكي تتخانقي مع الكالوريز بتاعتي أحسن. و أهو تكوني عملتي حاجة مفيدة
حدجته بنظرة غضوبة و تناولت علبة المياه الغازية متجرعة منها بوفرة عساها تغير المذاق الشنيع بفمها …
فرغ “رزق” من طعامه بعد قليل، فاستدعى النادل الشاب ليأخذ الأطباق الفارغة، و قبل أن يصرفه خاطب “ليلة” متسائلًا :
-تحبي تحلي ؟ الحاج أبو نوير عنده رز بلبن و أم علي ماتلاقيهومش في حتة أبدًا
-طبعًا مش هالاقيهم ! .. علّقت “ليلة” بسخريةٍ
و قبل أن يتم عبوسه المنزعج منها قالت :
-لأ شكرًا.. أنا كده تمام أوي. إحنا ممكن نقوم يعني خلاص
رزق باستنكارٍ : بسرعة كده.. إنتي يدوب كلتي !
إلتوى فمها بحركة مزدرية و هي تقول :
-بصراحة ماكنتش متخيلة إنك هاتجبني مكان زي ده
نظر لها و لم يرد، بل أخرج جزدانه و سحب بضعة أوراق نقدية، دس قسمًا بيد الشاب، و قسمًا آخر دسه في جيب مريوله قائلًا :
-دول عشانك يا حودة
إبتهج الشاب كثيرًا للهبة الثمينة و قال بامتنانٍ :
-تسلم يا كبير.. ألف شكر
قام “رزق” واقفًا و هو يقول بصوته العميق :
-إبقى طل علينا ياض.. و لا إنت صحيح إتجوزت و مابقتش فاضي
-و الله لسا يا كبير. المطرح محتاج تشطيب.. أنا جبت كل حاجة بس المصاريف خستعت معايا جامد. الله كريم
-ماتتكسفش يا حودة و لو عوزت أي حاجة عدي عليا في الحتة
-خيرك سابق يا سيد المعلمين. الله يخليك لينا.. و السلام أمانة للمعلم سالم
-يوصل.. يلا أطير أنا بقى
-بالسلامة يا كبير.. مع ألف سلامة !
و اصطحب “رزق” خطيبته حتى السيارة، إستقلا متجاورين و إنطلق تجاه الطريق الرئيسي، مما دفع “ليلة” أن تسأله :
-إحنا مروحين ؟
لكنه لم يرد على سؤالها تمامًا، إنما قال بلهجته الفاترة :
-قولتيلي من شوية ماكنتش متخيلة تجيبني مكان زي ده.. مش عارف حاسستيني بالذنب ليه. و لو إني كنت قاصدها بصراحة !
و حانت منه نظرة ناحيتها …
-بالشكل إللي إنتي فيه ده. و الإحراج إللي سببتيه لنفسك قبل مني قدام الناس الليلة ..
-فحبيت تعاقبني يعني ! .. قاطعته باستهجانٍ، و استطردت بكبريائها المعهودة :
-أنا مش فارقة معايا على فكرة.. و لا تأثرت أصلًا. إوعى تفتكر إنك ضايقتني مثلًا. بالعكس. زي ما قلت بلسانك.. أديني جربت و شوفت حاجات ماكنتش أتخيل أجربها أو أشوفها. يعني ماخسرتش أي حاجة
أفلتت من بين شفاهه ضحكة خافتة، ثم قال بلباقةٍ دون أن ينظر لها هذه المرة :
-طيب.. مع ذلك يا ليلة. أنا حابب أعوضك.. أو لو هاتضايقي من الكلمة. سميها اعتذار مثلًا. ف تسمحيلي اعتذرلك على طريقتي. ممكن يعني ؟ لو حابة نروح هاروحك حالًا !
ساد الصمت الآن
كانت تفكر في جملته و قد استعذبت كلماته المهذبة كثيرًا، في ظرف آخر كانت لترفض رغم توقها، لكن حقًا لم تستطع أن ترفض طلبه بعد أن صاغه لها بهذه الطريقة …
-لأ ! .. هكذا جاء ردها بمنتهى الهدوء و الحسم
لم يظهر “رزق” أيّ ردة فعل، فإذا بها تتم عبارتها :
-مش عايزة أروّح
زيّنت الابتسامة ثغره الدقيق مجددًا، ليتنهد مطوّلًا ثم يقول بحماسةٍ :
-فل.. هاوديكي مكاني المفضل !
______________
منذ أن نعتها بالاسم المصغر الذي أطلقه عليها “رزق” و هي لا تعطِ أمانًا لنواياه إزاءها.. و راح قلبها يرفرف قويًا سريعًا عندما أدركت معنى كلامه …
واصلت التراجع للخلف و هي تحاذر خطواتها خشية أن تنزلق بأيّ لحظة و تسقط بالنهر، و خلال هذا نطق لسانها مبيّنًا خوفها الشديد منه :
-مصطفى. أنا مش فاهمة إنت تقصد إيه بكلامك.. بس إنت خوفتني منك أوي. أنا عايزة أرجع يا مصطفى. روحني البيت ونبي كفاية كده !
في كل خطوة تبعدها عنه كان يتخذها مقتربًا منها، و متلذذًا ظل يستمع إلى ردها حتى النهاية، ثم قال بهدوءٍ خطير :
-أروّحك ! بدري كده.. طيب ممكن تكوني إنتي زهقتي مني. لكن أنا. أنا مالحقتش أشبع منك يا بطة
لهثت محدقة فيه بقوة كقطةٍ مذعورة، لتكتم شهقة نزقة في هذه اللحظة حين اصطدمت قدمها من الخلف بحافة القارب.. لقد وصلت إلى نهابته !
ما من مهرب الأن …
-مصطفى ! .. غمغمت بصوتٍ كالأنين و هي تتمسك بالحافة من خلفها
كان قد وصل أمامها الآن
أغمضت عينيها بشدة عندما صار قريبًا جدًا منها، أحست بحرارة جسمه و أنفاسه الساخنة تتردد فوق بشرتها مختلطة بهواء النيل البارد.. كان يفوح منه عطر الخزامى …
-إنتي عارفة إني بحبك يا فاطمة ! .. همس عند أذنها بأنفاسٍ كاللهيب
و قبل أن تستطع التفكير حتى، مال أكثر نحوها و ذاق نعومة جلدها و طراوته !
إرتعشت “فاطمة” كما لو أن كهرباء مستها، بينما كان يقبلها بعمقٍ في شتّى أنحاء وجهها، حتى أستقرت شفتاه فوق شفاهها.. تعمقت القبلة أكثر و ضمها بين ذراعيه، و لكن من دون أيّ عنف أو قوة، بل على العكس كان مرهفًا بشكلٍ مذهل، و كأنه يخشى أن يخدشها..
مع ذلك إستسلامها و صمتها لم يكن تجاوبًا مع مداعباته اللطيفة، بل كان عجزًا، خوفًا، فهي خشت كثيرًا لو أثارت حفيظته مثل المرة الماضية، أن يعمد إلى إيذائها على نحو يتعذر إصلاحه فيما بعد
ارتأت أنها لو تركته يفعل هذا فقط فأنه لن يلحق بها ضررًا أكبر …
لكنها كالعادة كانت مخطئة، و تلك الدموع التي تذوق “مصطفى” ملوحتها و شعر بحرارتها على طرف شفته، أضرمت فيه غضبًا مفاجئ !!!
-للدرجة دي مش قابلاني خالص ؟؟!!! .. دمدم من بين أسنانه بحقدٍ شديد على من يحول بينه و بينها
عدوه الأوحد
اللص الذي سرق منه كل شيء أمتلكه قط !
كممت “فاطمة” فمها بكفها لتكتم نحيبها بالقوة، بينما قد قبض”مصطفى” على رسغها و ضغط حتى آلمها و أنتزع منها صرخة خافتة …
-أنا نفسي أعرف ليه ؟ ليه حبتيه هو مش أنا. شوفتي منه ماشوفتيهوش مني ؟ ده أنا حتى لما كنت بحترم المسافة إللي بينا رغم إني عارف ليا. ماكنتش بسيب فرصة أقدر أوصلك فيها مشاعري ليكي. لكن هو.. هو الكبير المدلع إللي مش شايف غير نفسه و مابيحبش إلا نفسه. حبيتي فيه إيه يا فاطمة. ررردددددي حبيتي فيه إيـــه ؟؟؟؟
-خلااااااص يا مصطفى ! .. صرخت “فاطمة” متوسلة و قد إنهمرت دموعها بغزارة على خديها
كانت تتخبط بسبب الارتجاف بين يديه و هي تقول بصوتٍ مختلج بشهاقات بكائها :
-خلاص ونبي.. بص أنا آسفة. أنا غلطانة.. ماكانش ينفع أبدًا أقولك كلام زي ده. أنا غبية. أنا لسا عيلة مفعوصة مش فاهمة حاجة.. و أكيد أنا مابحبش رزق بجد. آه و الله صدقني. أنا بس كنت خايفة منك. و دلوقتي خايفة منك أكتر.. ونبي عشان خاطري روحني. لو بتحبني بجد روحني ..
كم أراد أن يصدق حديثها، كم تمنى لو أنها صادقة حقًا، و الواقع أنه وجد نفسه يقسر عقله على تصديقها.. جعل الكلمة لقلبه هذه المرة و عاد يلين لها من جديد
لكنه لا يزال بحاجة للإقناع التام، لعله لو أظهر لها مزيدًا من اللطف ينال ما يصبو إليه.. التجربة لن تضر، فهي سوف تغدو ملكه إلى الأبد بعد أيامٍ قليلة …
-محدش ممكن يحبك في الدنيا دي كلها زيي يا بطة ! .. بث لها كلماته بنعومةٍ و هو يحوم بالقبلات فوق وجهها
و فجأة ضرب إنذار الخطر بداخلها حين شعرت بكفه يمر بين نهديها من فوق الفستان، فهمت نيته جيدًا، لكنه قبل أن يفعلها و يصل للزر العلوي تنولت يده بسرعة …
-مصطفى أبوس إيدك كفاية كده ! .. قالتها برجاءٍ من بين دموعها المستمرة
نظر بعينيها العسليتين المتلألتين في الظلام كالماس البرّاق و قال بغرابةٍ :
-خايفة من إيه ؟ كلها كام يوم و هاتبقي مراتي. إحنا أساسًا في حكم المجوزين دلوقتي. كله عارف كده
هزت رأسها بقوة …
-لأ.. لأ ماينفعش. مش ممكن أوافق على كده.. لو عملت كده مش هايكون برضايا و لما نرجع هقول لابويا !!!
رغم الضيق الشديد الذي شعر به، لم يستطع إلا أن يبتهج في داخله من ردة فعلها، كان مزيجًا من كل شيء، القلق و الاطمئنان
لكنه ارتأى أن يرضى بما حصل عليه حتى الآن، لا داعي للعجلة، لقد مضى الكثير، فليصبر قليلًا …
-ماشي يا بطة ! .. قالها مذعنًا لرغبتها و قد تراجع عنها خطوة
تنفست الصعداء في هذه اللحظة، ليقول بصرامةٍ :
-عندك حق.. مايصحش نعمل حاجة زي دي من ورا أهلنا. كده كده في فرح و ليلة كبيرة هاتتعمل. لازم نحترم عاداتنا
أومأت له مبدية تأييدًا لكلامه، فأضاف بصوتٍ لطيف :
-بس مش هانروح دلوقتي.. أنا موصي على عشا. نتعشى سوا و نلف شوية بالمركب و بعدين نرجع !
____________
في أحد أشهر و أرقى أحياء مدينة “القاهرة”.. توقف “رزق” أمام مقهى ستاربكس
بالطبع سألها لو أن تفضل أن يأخذا الطلبات في الداخل، لكنها أفصحت عن رغبتها في التجوال بالشوارع العتيقة إنجليزية الطراز، و قد كان بالفعل
ذهب هو ليحضر كأسًا من الموكا فرابيه خاصتها، و فنجانًا من اللاتيه مشروبه المفضل.. و بعد أن أغلق سيارته أخذها و مشيا جنبًا إلى جنب على طول الرصيف المرصع بالقرميد الداكن …
-يا حراااام كل الشغل ده عليك ؟!! .. كانت تضحك بقوة و هي تسأله
ليرد عليها مكثرًا من الفكاهة :
-و بقيت مش ملاحق. كل يوم ماسك دكان شكل و كان اسوأ يوم بتاع البقالة ده. و العيال الرذلة بقى تدخل عشان الحلويات و كده و ألاقي عيل جايلي و هوب عمو عايز من إللي أخدت منه يارا. طيب هي مين يارا دي يا حبيبي و أخدت إيه.. ماليش دعوة عايز من إللي أخدت منه يارا !
إنفجرت “ليلة” بالضحك أكثر، و لحسن حظها أن الساعة متأخرة و لم يكن المارة كثر حولهما، و إلا لكان وبخها قليلًا.. مع ذلك ضحكتها السريعة الطفولية أطربته كثيرًا، و كأنه فعلًا بصحبة طفلة …
-بس إنت شقيت أوي يا رزق ! .. قالتها “ليلة” بجدية الآن
إبتسم بخفة قائلًا :
-إنتي حد يقول كده.. كل الناس فكراني مدلل
صححت له : كل الناس مركزين في نقطة واحدة. حب عمي ليك.. تعرف أنا لحد إمبارح ماكنتش أعرف إنك مش إبن طنط هانم. تيتا قالتلي إن مامتك الحقيقية مشيت من زمان و إنها هي إللي ربتك مع عمي
نظر “رزق” أمامه و قد إلتزم الصمت عند إتيانها على سيرة والدته، فسرعان ما قالت باحتجاج :
-لأ بقولك إيه إنت ماشي مع واحدة شافت نفسيات بعدد شعر راسها. مش عاوزاك تقفش كده.. و بعدين أنا زيك بالظبط. عندي فكرة و جربت يعني إيه الانسان يتربى بعيد عن واحد من باباه أو مامته. ده يمكن أنا مسكينة أكتر منك. أبويا مات يوم ولادتي.. بذمتك شوفت نحس زي كده. بومة من يومي !
أضحكته بنعتها لنفسها، فغمغمت مبتسمة :
-أيوة كده أضحك.. محدش واخد منها حاجة. و بص مش هسألك عن مامتك تاني. واضح إنها سيرتها بضايقك
أدار وجهه لها بنفس اللحظة و قال باسلوبٍ دفاعي :
-بالعكس سيرتها مش بضايقني.. أنا عمري ما نسيتها أصلًا. رغم إن بعدها ممكن يكون مأثر فيا.. بس طالما ده لمصلحتها ف أنا قابل بيه
نظرت إليه عابسة، فشرح أكثر :
-أكيد نينا و هي بتحكيلك نسيت تقولك إن أنا إللي ساعدتها تمشي. من 20 سنة. أنا إللي هربتها من البيت. و بالمناسبة. كان يوم ولادتك بردو. كل حاجة حصلت في اليوم ده. قبل ما تفتحي عنيكي على الدنيا !
-إنت بتأكد على معلومة إني نحس و بومة يعني صح ؟ .. علّقت بمرحٍ بادئ الأمر
أثمرت محاولتها و ضحك مرةً أخرى، لتستطرد باهتمامٍ :
-ممكن أعرف ساعدت مامتك على الهروب ليه ؟!
قدم لها الجواب بمنتهى البساطة :
-أمي ماكنتش هاتقدر تتأقلم على الحياة دي.. plus صدمتها في أبويا. لما عرفت إنه متجوز و عنده عيال غيري. هما كانوا بيحبوا بعض جدًا. بس هي من بعد ده كله كرهته.. أنا شوفت ده و حسيته كويس أوي. عشان كده سيبتها تمشي !
ليلة بامتعاضٍ : بس هي غلطت لما سابتك.. سابتك ليه ؟
تهرب من سؤالها بشكلٍ ملحوظ :
-أنا إللي مارضتش أمشي معاها !
و قد كان صادقًا في هذا… ثم نظر لها من جديد و قال مبتسمًا :
-بالمناسبة.. أنا إللي سميتك
ردت له الابتسامة و رفرفرت بأهدابها قائلة :
-عارفة.. ماما الله يرحمها قالتلي. ماكانش حد له بال يسميني وقتها. أبويا أتقتل على إيد شوية بلطجية. و فوضى كبيرة حصلت. و فجأة تطلع إنت و تقترح الاسم ده. عجبها ف وافقت عليه و راح عمي إمام يسجلني بيه.. و من بعدها مشينا أنا و هي و مارجعناش تاني أبدًا !
و هنا حل الوجوم فوق قسمات وجهها
لاحظه “رزق” جيدًا فأدرك وجود خطبًا ما، شيء قد رأته أمام نظراتها الشاردة و قد عكر صفو اللحظة السلمية النادرة بينهما …
-إنتي كويسة ؟! .. سألها “رزق” بقلق عندما طال صمتها
إنتبهت له : أنا كويسة.. كنت بتقول حاجة ؟
-لأ بس لاقيتك سرحتي فجأة ! .. و ضيّق عينيه مستوضحًا بفضولٍ :
-بتفكري في إيه ؟!
إبتسمت بتكلّفٍ و قالت :
-و لا حاجة بس شكل راسي تقلت. تصوّر حتى الموكا مش مأثرة فيا ! .. و ضحكت
إستدارت باحثة عن حاوية قمامة، وجدته على بعد مترين، و جاءت لتعبر المسافة ناحيتها.. فإذا به يمسك بيدها يجمدها و يقول :
-إستني.. رايحة فين ؟
صممت على سحب يدها من بين قبضته أولًا، ثم أجابت :
-هارمي فنجان القهوة !
و لوّحت بالكأس الفارغ أمام عينيه …
لكنه تناوله من يدها مدققًا النظر بأحمر شفاهها المطبوع على حوافه مشكلًا حدود شفتيها، حبأ هذه المنطقة عن ناظريها و قال :
-لأ سبيه.. انا هاروح أرميه. إستني إنتي هنا !
و تركها ماضيًا صوب الحاوية المعدنية
و بخفة يد، و من دون أن تلاحظه قام باستبدال فنجانه بفنجانها، فألقى بخاصته هو بالحاوية و أحتفظ بخاصتها و إستدار عائدًا إليها متظاهرًا بأن فنجانه لا يزال ممتلئًا …
-طيب ! .. تمتم و هو يقف أمامها مباشرةً
-طالما راسك تقلت يبقى يلا بينا نروّح. كمان الساعة عدت 12.. التأخير ده مش هايعحب أبويا
هزت رأسها موافقة :
-أوكي.. يلا !
و إلتفتا معًا عائدين إلى الجراج العام حيث ترك “رزق” سيارته !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)

اترك رد

error: Content is protected !!