Uncategorized

رواية ملك للقاسي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة أحمد

             رواية ملك للقاسي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم فاطمة أحمد

ألوان الأبوة. 
___________________
انتفضت يارا عندما سمعت صراخه ب اسمها وقبل ان تركض لتغلق الباب بالمفتاح وجدت ادم يفتحه على مصراعيه و يدخل ، بلعت ريقها و حاولت اظهار شجاعتها فهمهمت :
– خير انت بتناديلي ليه كده ع المسا ؟
قطب حاجبيه و جحظ عيناه فيها فتابعت بضحكة مستفزة :
– اها انت متعصب لاني حطيتلك شطة في الاكل معقول راجل زيك طول بعرض مبيقدرش ياكل الشطة هه بس على فكرة اوعى تفتكر اني هخاف لما تبصلي كده. 
وفي ثانية اقترب منها خطوة لتصرخ يارا وهي تقفز و تقف على السرير :
– اوعى يا ادم تقرب مني والا مش هيحصل طيب !!
ارتف طرفا شفتيه على شكل ابتسامة صفراء و قال :
– في ايه مالك مش لسه كنتي بتقولي اوعى تفتكر اني هخاف خير فين شجاعتك ديه…. تعالي انزلي. 
لم تهتم بسخرية ورفعت اصبعها في وجهه متلعثمة :
– بص انا كنت بهزر معاك مش قصدي اخليك تتعصب وبعدين انا حامل و الهرمونات بتخليني اعمل المقالب ديه بس.
– انزلي يا يارا !
قالها بتجهم فزفرت باستسلام :
– طيب هنزل بس متنساش اني حامل ب ابنك شعارنا لا للعنف ماشي. 
مد يده اليها فأمسكتها بارتباك ووقفت امامه ببراءة كادت تهلكه ، ابتسم ادم و سحبها خلفه لتوقفه بذعر :
– انت واخدني على فين ؟؟
نظر لها واجابها بهدوء :
– معاكي حق انتي حامل و العنف مش كويس فكل الأحوال لازم اعاقبك بطريقة تانية يلا امشي معايا من غير حرف. 
احكم قبضته عليها و انزلها الى الاسفل ، سحب لها كرسي المائدة لتجلس ثم قال ببرود :
– انتي مكلتيش كويس من شويا يدوبك كلتي طبق محشي و حمام و رز اكيد لسه جعانة. 
حملقت فيه بذهول ثم حدثت نفسها :
– ماله الخفيف ده بيتصرف كده ليه….ثم ابتسمت بانتصار :
– شكل الشطة خلته يتربى ويعرف يتعامل معايا زاي ايوة بقى لو كنت اعرف انه هيفيدك كنت عملت كده من زمان. 
افاقت من شرودها على ادم الذي وضع طبق المعكرونة الخاص به امامها ، شهقت بحدة و تمتمت :
– مش ده نفسه اللي انت كلت م م منه ؟
رد عليها وهو يريح ظهره على الكرسي :
– ايوة ده الصحن اللي كلت انا منه… بيقولو لما اتنين ياكلو من صحن واحد المحبة بينهم بتزيد وانا بقى قولت بما ان العلاقة بيننا متوترة ليه مناكلش من….
قاطعته وهي ترفع يديها في الهواء :
– العلاقة بيننا مش متوترة بالعكس ديه حلوة و متينة اساسا انا مبحبش المكرونة يلا عن اذنك. 
تحركت لتنهض لكن ادم سحبها لتجلس مجددا ثم صاح عليها :
– دلوقتي زي الشاطرة تقعدي تاكلي اللي قدامك ده و كلما تعترضي انا هضيف الشطة عليها…. يلااا !!
انتفضت و ادمعت عيناها ورغم ذلك لم ترغب ب اظهار ضعفها هكذا امامه فردت بقوة :
– لو فاكرني خايفة اكل ف انت غلطان لاني متعودة على الشطة من وانا قد كده. 
رفعت الشوكة ببطئ وبعد اول لقمة ادخلتها فمها شهقت وسعلت بقوة متسائلة بصدمة…. هل جعلت ادم يأكل من هذا الطبق الحار حقا !! نظرت له باستعطاف لكنه تحلى بقناع الحزم فزفرت بيأس و تابعت تناول ما امامها دون ان تبين دموعها حتى اوقفها ادم بعدما لاحظ انها لا تستطيع التحمل حقا :
– طيب ماشي تمام كده.
وضعت يارا الشوكة و فجأة انفجرت في البكاء وهي تردد :
– انت معندكش قلب… ازاي تجبرني اكل المكرونة ديه. 
– بس انتي خلتيني اكلها وقدام اهلي كمان عشان تعصبيني و تحرجيني ليه بتعيطي دلوقتي لما جه دورك ؟
قالها ادم وهو يناظرها بوجوم و أكمل :
– ورغم انك شايفاني وانا تعبان ومصدع و مضايق بدل ما تكني وتقعدي اصريتي اقعد معاكو و مثلتي عليا دور المهتمة وانا قعدت عشان متزعليش تقومي تعملي فيا مقالب ينفع كده ؟
عضت على شفتها و للحظة أحست بالذنب لكنها افاقت و هاجمته :
– انت بتستاهل اكتر من كده يا ادم ولو جتلي الفرصة اعمل فيك مقلب تاني هرجع اعمله ومش هخاف ومش هسامحك كمان لانك خلتني اكل الشطة فاهم ! 
تحركت لتذهب و عندما كادت تتجاوزه أمسك ذراعيها ووضعهما خلف ظهرها مع حرصه على عدم إيلامها ثم جذبها لتلتصق بصدره ، شهقت بخفة ورفعت رأسها له بذهول وحاولت التحرر لكنها لم تستطع فصاحت بعصبية :
– سيبني…. بقولك سيبني اانت…
لم تكمل لانها استقبلت شفتي ادم الذي انحنى عليها يقبلها ببطئ مدروس دام لثوان ثم ابتعد وهو يهمس :
– الحرق راح دلوقتي ؟
اغمضت عينيها بتخدر ثم فتحتهما تطالعه وهو يبتسم لها بحب…. حب… ادم ؟
انتفضت واستغلت ارتخاء قبضة ادم عليها لتدفعه وتبتعد عنه عنوة ، نظرت له شزرا و بسخرية من تفكيرها فمن هذا الذي تصفه بالمحب هل جنت ام ان الحمل اثر عليها و اصبح يجعلها تتوهم اشياء لن تحدث…. عبثت يارا بشعرها بارتباك ثم دخلت الى حجرة الطعام تدعي انشغالها بتنظيف السفرة وحمل الأطباق اما ادم فكان يبتسم بمكر فهو ليس بأعمى لكي لا يلاحظ هروبها منه عند حصرها بين ذراعه خوفا من الاستسلام له.
تنهد بإعياء وهمس :
– امتى ترجعي يارا اللي اعرفها… انا تعبت من بعدك. 
دخل خلفها الى المطبخ و قال :
– بقولك ايه الكيك اللي عملتيه الصبح خلص ولا لسه في ؟
اجابته يارا بعفوية :
– لا انا اساسا مكلتش منه و حطيته في التلاجة ، اقعد انت في الصالون وانا هجبهولك مع عصير فريش.
– لا باخد لوحدي.
قالها بهدوء ففتحت هي باب الثلاجة لتخرج العصير ، اما ادم ف انحنى عليها و التصق بها من الخلف مدعيا بحثه عن صحن الحلوى حتى همس بأذنها :
– بيجنن.
انتفضت والتفتت له برعب :
– هو ايه ؟
رفع ادم حاجبه بتعجب مجيبا :
– الكيك طبعا مالك ؟
احمرت وجنتيها بحرج واخفضت رأسها فهي للحظة اعتقدته يتغزل بها لكن اتضح عكس ذلك…. مهلا…. هل نقص جمالها بسبب ازدياد وزنها لهذا ادم لم يعد يخبرها بأنها جميلة كما اعتاد ؟ في الماضي كانت يارا تعتقد ان ملامح وجهها وجسدها الممشوق هما سبب انجذاب زوجها اليها هل خسرت هذا السبب الآن ؟
هزت رأسها فجأة محدثة نفسها بسخرية :
– ايه التفكير الغبي ده يا يارا في ايه هي الهرمونات أثرت فيكي معقول صحن كيك خلى افكارك توصل لهنا وبعدين انتي مالك فيه اعجبه ولا لأ انا مليش دعوة هطلق منه اصلا بعد ما اولد يبقى مفيش داعي اعجبه اساسا انا مينفعش اديله وش ابدا لازم انتقم من ادم… ادم… هو فين ادم ؟
رفعت رأسها ووجدت نفسها بمفردها في المطبخ بعد حوارها الداخلي الطويل ، تابعت غسل الأطباق وبعد فترة ذهبت اليه وجدته يتابع احدى المباريات و يتناول الكيك الخاص بها ويشرب من العصير ، ابتسمت يارا بحالمية وكم بدى لها وسيما مسالما احيانا يبدو من تصرفاته انه يحبها و نادم على ما فعله معها لكن عندما تتذكر انه لا يزال يعاملها بتكبر وعنهجية ولم يعتذر منها بعد ، يتفاقم غضبها ومعه شعورها بأنه اعادها بسبب حملها فقط !
تأففت من سيل افكارها وجلست بجانبه مرددة :
– عجبك الكب كيك ؟
همهم دون ان ينظر اليها :
– ايوة…. اساسا انتي شاطرة ف الحاجات ديه مش جديد عليكي.
حمحمت يارا بغرور وقالت :
– الحلوة بتطلع كل حاجة من تحت ايديها حلوة بردو ، مع انك وكلتني الشطة بس انا قلبي طيب و رديت الاساءة ب الحسنة. 
ضحك ساخرا والتفت لها :
– والله ؟ ومين اللي خلصها على صحني و خلى لساني يحترق انا يعني ؟ بلاش مناهدة يا يارا لاني اصلا محطتش كتير في صحنك وبعدين لازم تشكريني لاني محدفتهاش على وشك !
نطق جملته الاخيرة بغيظ وهو يتذكر فعلتها فتنحنت الاخرى بارتباك :
– طيب انا هقوم اوصل الانترنت ب التلفزيون عشان اتفرج ع مسلسلي لايف وانت لو حبيت اطلع الاوضة و شوف الماتش من هناك. 
هز رأسه وانتصب واقفا بهدوء :
– انا كنت هطلع انام لاني تعبت اوي النهارده بس هدخل المكتب اشوف كام حاجة قبل. 
دخل الى غرفة مكتبه و طلب رقم احدهم رن رن ثم فتح الخط ، تحدث ادم بجدية :
– انا لقيت اللي لازم تضيفه على ملفهم وكمان بخصوص القضيتين اللي كلمتك عنهم من زمان ف انا جمعت شوية ادلة ممكن توصلنا للحقيقة…. هبقى ابعتهملك مع واحد من رجالتي بكره… ماشي اتفقنا سلام. 
اغلق الخط وبقي ينظر للفراغ عدة ثوان ثم استغفر و خرج مقررا المرور اليها قبل الصعود الى النوم ، وعند دخوله الى الصالون انصدم عندما وجد يارا تضع وجهها بين كفيها و تنهمر في بكاء حارق فهرع اليها بذهول :
– في ايه انتي بتعيطي ليه ايه اللي حصل ؟؟
نظرت اليه وحاولت التكلم لكنها لم تستطع بسبب شهقاتها المتقطعة فجلس امامها على ركبتيه مرددا وقد تفاقم خوفه :
– اهدي شويا و قوليلي في ايه بطنك وجعاكي اوديكي الدكتور طيب حد زعلك ؟؟
توقفت عن البكاء فجأة وحدجته بشراسة :
– محدش مزعلني غيرك !!
زفر ادم بحنق :
– انتي بتعيطي كده علشان زعلتك يعني ؟
اجابت بنفي و هزت كتفيها ببساطة :
– لا….. انا بعيط لان سليم مات.
– نعممم !
صاح بصدمة وهو ينهض ثم اكمل صارخا :
– سليم مات ؟؟ انتي اتجننتي سليم مات سليم مين جدو سليم ؟
شهقت يارا وردت عليه :
– لا يا ادم انا بقصد سليم كوشوفالي سليم بتاع الحفرة.
ثواني قليلة مرت قبل ان يرمش بعينيه مستوعبا ما قالت ، ثم ما لبث ان تصاعد اللون الاحمر الى وجهه و احتدت عيناه بشر ليزمجر بها :
– انتي غبية عايزة تجننيني هو العياط ده كله عشان واحد مات في المسلسل كنتي هتموتيني حسبي الله ونعم الوكيل فيكي !
انتفضت يارا و تمتمت بتذمر :
– ايه يا ادم انت بتزعقلي كده ليه انا فعلا زعلانة لانه مات متستهونش بمشاعري. 
سحب نفسا طويلا ثم القاه ببطئ ليهدئ نفسه لقد كادت هذه الفتاة تصيبه بذبحة صدرية من هول بكائها ، جلس الى جانبها و علق بقرف :
– هو ده نفسه مسلسل الحفرة اللي كانت رهف صارعاني بيه ؟ 
ردت عليه وعيناها تدمعان من جديد :
– ايوة هو… ثم رفعت يدها متابعة بروح وطنية غريبة :
– Çukur Evimiz Yamaç Babamiz. 
قهقه ادم بصوت عالي على حالتها حتى ادمعت عيناه هاتفا :
– ههههه انتي مش طبيعية هههه مش معقول ايه ده انا كنت فاكر رهف الوحيدة المهووسة بيه طلعتي انتي زيها كمان ، بس على فكرة المسلسل ده فيه مشاهد مش لطيفة على اساس انتي ملتزمة.
نطق جملته بخبث ف احمرت وجنتاها بخجل و غيظ :
– انا بعمل اسكيب للمشاهد ديه بحب اشوف مشاهد العيلة و الاكشن ماشي…. وبعدين الحفرة في كل مكان.
تنهدت و ابتسمت هامسة :
– وبحب اشوف صور شوارع اسطنبول انا حلمي اسافر تركيا. 
استطاعت بنبرتها الحزينة الاستحواذ على انتباه ادم فسألها بهدوء :
– وليه مسافرتيش من قبل انتي مش ناقصك فلوس. 
لوت يارا شفتيها للأسفل :
– لما انت كنت بتسافر ع تركيا وتاخد رهف معاك كنت انا بطلب من بابا الله يرحم نسافر بردو وهو كان بيقولي لما تتجوزي ابقي سافري مع جوزك ، بس ازاي يا حسره.
صمت ولم يجبها ف اعتقدت هي انه لا يكترث لها كعادته ، زفرت بضيق وقبل ان تتكلم رن هاتف ادم فنهض بهدوء :
– انا هعمل مكالمة شغل اطلعي انتي نامي يلا. 
غادر بسرعة فتنهدت يارا بحزن و صعدت الى غرفتها ، توضأت وصلت ثم جلست على الارض تقرأ وردها من القرآن الكريم حتى غفت ونامت وهي مستندة على الحائط.
بعد مدة انهى ادم اعماله صعد لغرفته و دار بأنظاره فيها حتى وقعت عيناه على يارا ، كانت طرحة الاسدال تغطي نصف وجهها وتضم المصحف لصدرها ف ابتسم بحب واقترب منها اخذ المصحف ووضعها على السرير ، توضأ و أدى فرضه ثم استلقى بجانبها ينظر لوجهها هامسا :
– انا فكل مرة ببصلك بحس نفسي ادم غير اللي انا بعرفه ، ضحكتك و كلامك و اسلوبك كلهم بيجذبوني يمكن انتي فاكرة اني رجعتك عشان انتي حامل بس لا انا عمري ما فكرت بالطريقة ديه انتي عزيزة عليا جدا يا يارا لدرجة اني حب….
توقف عن الكلام ليطبع قبلة على بطنها مخاطبا ابنه :
– مامتك زعلانة مني لاني اذيتها وكمان عشان رفضت وجودك بس هي لسه بتحبني لان مفيش اطيب ولا احن منها وانا كمان عايزكم وعايز وجودكم….. اسمعني انا حاسس انك بنت معرفش ليه بس احساسي عمره ما خاب عايزك تبقي عاقلة ومتتعبيش ماما خالص لاني بزعل من اي حاجة تضايقها تمام و اوعدك انا اني هكون أحسن أب سواء كنت ولد ولا بنت.
ابتسم بحنان وطبع قبلة ثانية على بطنها ثم رفع نفسه قليلا وقبل وجنتها ليضمها الى صدره ويغط في نوم عميق. 
اما يارا التي استيقظت منذ ان نزع لها اسدالها ووضعها على السرير ، اغمضت عينيها تدعي النوم لكنها كانت تستمتع لكل حرف يتفوه به كيف قبلها و كلم صغيرهما بفطرة أبوية ومرر يده على بطنها بحنو ، ابتسمت وشعرت بالسعادة البالغة عندما سمعته يقول انها عزيزة عليه ولم يعدها من اجل الطفل فقط حتى انها كادت تنهض وتحضنه لكنها نهرت نفسها في اخر لحظة وقالت : أليس من المفترض ان يقول لها هذا الكلام وهي مستيقظة ؟ ألا يستطيع التحدث بشكل مباشر و يطمئنها و يعتذر منها على تصرفاته ؟
رفعت نفسها قليلا بعدما شعرت بانفاسه المنتظمة التي تدل على نومه تنهدت ببطئ وهمست :
– معقول انت تعبت في الشغل للدرجة ديه النهارده ….يا ترى ايه اللي ضايقك كده يا ادم. 
*قصص رومانسية بقلمي فاطمة احمد*
______________________
في صباح اليوم التالي.
بعد يومين.
كان مازن امام باب مكتبه يدور حول نفسه و ينظر كل دقيقة الى ساعة يده بتوتر مهمهما :
– هي مجتش لحد دلوقتي ليه معقول يكون اخوها غير رأيه و رفض تسافر معانا طيب اعمل ايه دلوقتي رتاج مش بترد على اتصالاتي. 
جاءت فتاة من طاقم العمل وسألته مستغربة :
– بشمهندس مازن احنا قربنا نمشي حضرتك مستني ايه هنا ؟
تنحنح واجابها بجدية :
– انا مستني اتأكد من الطاقم… كلهم جم في حد ناقص ؟
– ايوة يافندم رتاج لسه مجتش. 
زفر بضيق واشار لها بيده :
– الوقت اتأخر يلا نمشي. 
تحرك ليخرج وفجأة ظهرت رتاج من بعيد قادمة نحوه بعجلة كانت ترتدي بنطال زهري واسع و بلوزة طويلة باللون النيلي و حجاب بنفس لون البنطال وطبعا لم تتخلى عن حذائها الرياضي الذي من خلاله تستطيع الركض عندما تكون متأخرة عن العمل ، ابتسم مازن وتهللت اساريره وهو يستقبلها :
– اهلا رتاج الصراحة انا كنت هستغرب لو متأخرتيش…. افتكرت ان اخوكي غير رأيه ورفض تسافري معانا على شرم وكنت هجي ع بيتكو اطلب منه شخصيا يسمحلك تسافري. 
وضعت يدها على صدرها تتنفس بقوة و ردت عليه لاهثة :
– لا بالعكس ابيه مروان و ماما كانو بيصحوني بس انا نمت امبارح متأخرة ومقدرتش اصحى بدري اكتر من كده…. وبعدين تعالى هنا انت هتجي ع بيتنا ازاي اخويا ضابط وعصبي شويا لو شافك جاي علشاني كان هيطخك عيارين في نفوخك.
مط مازن شفته بإشمئزاز :
– ايه الاسلوب اللوكال ده نفوخ مين هو حد يقدرلي تعالي ننزل يلا اتأخرنا كتير بسببك. 
مشت خلفه تحاول لحاق خطواته وهي تهتف بمكر :
– و استنيتني ليه يا بشمهندس كنت قادر تروح و انا اجي وراكو.
توقف و التفت اليها مبتسما :
– والله انا اتعودت على ازعاجك مبقدرش احط ولو احتمال صغير انك متجيش معانا.
اكمل خطواته السريعة فركضت رتاج خلفه مرددة بحماس :
– احنا هنتفسح في شرم اول حاجة بعدين نشتغل صح.
– لأ.
– يا مازن اا..
– البشمهندس مازن…. و بردو لأ مش هنتفسح. 
زفرت بغيظ منه و خرجت من الشركة ، ركب الطاقم في السيارات وبعد قليل كانت الطائرة تقلع الى شرم الشيخ…..
______________________
استيقظ ادم صباحا وجد نفسه يحتضن يارا او بالأحرى يقيدها فكانت ذراعاه تحتجزان جسدها داخل صدره و قدماه تقيدان قدميها ووجهها في عنقه ، دفن أنفه داخل خصلات شعرها يشم رائحة الفراولة و يبتسم ، طفلته دائما ما تستحم بهذا النوع من الشامبو و الحال انه اصبح مدمنا لهذه الرائحة دون ان يشعر اصلا !!
مرر اصابعه على وجنتها المكتنزة بشكل يجذبه ليقضمها بمنتهى الاستمتاع ولولا انه يسيطر على نفسه لكان فعلها منذ زمن بعيد ! تحرك ببطئ و دخل الى الحمام و اغتسل سريعا ثم خرج مرددا بصوت عالي :
– يارا يلا اصحي بقى النهارده ميعادنا مع الدكتورة اللي بتابع حملك. 
همهمت بضيق و تقلبت داخل أفرشة السرير الناعمة متمتمة :
– انا عايزة انام. 
جلس على طرف الفراش يرتدي حذاءه وهو يغمغم بصرامة :
– يارا انا مش هتكلم تاني والله لو مفوقتيش دلوقتي ل احدف عليكي كوباية ماية تخليكي متناميش لسنة قدام ! 
زفرت بضجر بينما وقف ادم وفتح رف الخزانة الخاص بها ليختار لها ملابسها ، بالتأكيد هو ليس مجنونا ليجعلها تختار ثوبا يظهر مفاتن جسدها ببزخ ! اخرج لها ما تحتاجه لتقع عيناه فجأة على صورة ايكو ، اخذها بين يديه بسرعة و تأمل فيها بلهفة يحدق بتلك العلامة السوداء التي تحيط بها دائرة مرسومة بقلم أحمر ما يدل على هذه النقطة الصغيرة هي طفله او طفلته ! تنفس بعمق و تلمسها ببطئ ليسمع صوت يارا من خلفه :
– ادم انت واقف ليه كده ؟
اقتربت منه وعندما رأت ما يحمله اندهشت ثم اشاحت وجهها بحرج ، هي لم تمنح  ادم شرف ان يحضر معها فحصها الأول و يطمئن على جنينهما معها لكن الظروف لم تسمح حينها فهي كانت في منزل جدها عندما ذهبت الى العيادة في اول شهر من حملها حتى هي ارادت باستماتة ان يرافقها زوجها ووالد طفلها لكن لم تستطع…. ادم حينها لم يكن يعلم انها حامل اصلا !!
رفع ادم رأسه لفوق واردف بهدوء :
– انا مش عارف اذا لازم اتعصب عليكي و الومك لانك خبيتي عليا خبر زي ده ولا الوم نفسي ، المفروض حتى لو كنا متخانقين متخبيش عليا 3 شهور كاملين يا يارا. 
ردت عليه بصوت منخفض :
– قولتلك اني كنت ناوية اعرفك بالحمل فيوم عيد ميلادك بس بعد ما اتخانقنا كنت كل يوم بكتب رقمك على تلفوني عشان اتصل فيك وفكل مرة بتراجع….. خفت انك ترفضه او تقولي حاجة تجرحني اكتر من مانا مجروحة كان صعب عليا صدقني. 
مرت لحظات صامتة اراد فيها الإثنان قول الكثير لكنهما اختارا السكوت….. بلل ادم شفته العليا ثم قال بصوت جاد :
– البسي هدومك عشان نروح بسرعة فاضل على ميعادنا نص ساعة بس. 
هزت رأسها وفعلت ما قاله وبعد مدة كانا يقفان امام العيادة الخاصة ، امسك يدها بقوة وتملك وفتح باب الغرفة ملقيا السلام على الطبيبة وبعد عدة اسئلة روتينية طلبت من يارا الصعود على سرير الفحص ، ساعدها ادم في الاستلقاء ووضعت الطبيبة ملاءة بيضاء فوقها ثم رفعت فستانها وقالت بينما تنقل نظراتها بينهما :
– انا هدهنلك چيل على بطنك هيكون ساقع شويا تمام متخفيش.
اومأت يارا برأسها لتمسك يد ادم بشدة دون شعور منها وتشبك اصابعها بأصابعه ، هذه لم تكن اول مرة لها فهي جاءت عدة مرات لكنها الآن نائمة و زوجها معها ينتظران رؤية جنينهما على جهاز السونار ، لحظة لم تتوقعها يارا حتى في احلامها !
اما ادم فرغم محاولته ليبقى ثابت الانفعالات الا انه كاد يطير حماسا وهو يعيش الأبوة حتى قبل ان يولد طفله ، شعور غريب اجتاحه و لعن نفسه اكثر من مرة لانه بسبب غبائه في الماضي كاد يضيع فرصة العيش كأب متحمس لرؤية إبنه…. شدد على اصابع يارا التي اجتاحت اصابع يده بعنفوان ثم تعلقت أعينهما بالشاشة السوداء وكأنها طوق نجاة ، ولم تعد سوداء فجأة حين توهجت بتلك الأضواء الرمادية بعد ان وضعت الطبيبة على بطن يارا جهاز الكشف ، وازدان الكون على حين غرة وتلون على الرغم من ان الصورة كانت بلا ألوان !!
– الجنين في نص الشهر الرابع يعني عنده حوالي 14 اسبوع.
كلمات الدكتورة تدوي في أذنيهما وكأنها تقول تعاويذ سحرية ! أعناقهما اشرأبت نحو شاشة الايكو وتعلقت اعينهما بها وهما يشعران بالكمال….. يارا كانت تتابع ما يعرض امامها بعينين مغرورقتين بالدموع دون ان ترمش حتى ! واضعة يدها على فمها غير قادرة على تحريك عظمة لسانها والتفوه بحرف واحد و ادم لم يختلف عنها كثيرا ، الصمت كان سيد الموقف واحيانا يكون الصمت ابلغ من ألف كلمة !!
همهمت الطبيبة مجددا وهي مشغولة بتدقيق الصورة التي امامها :
– امم كل حاجة بتطمن الجنين وضعه كويس ومفيش اي مشكلة الحمد لله…. تحبو تسمعو دقات قلبه ؟
توجهت عينا ادم بلهفة وضغط على يد يارا التي ردت بسرعة :
– اكيد انا عايزة اسمع !
همس لها مستغربا وهو ينحني عليها :
– انتي متلهفة كده ليه المفروض تكوني سمعتي دقاته لما كنتي تروحي تكشفي لوحدك. 
ابتسمت و ردت عليه بنفس الهمس :
– انا محبتش اسمعو الا لما تبقى انت موجود معايا.
كم اراد هو في هذه اللحظة تقبيلها وإخبارها كم انه يحبها و محظوظ لأنه يملك زوجة رائعة مثلها لكنه سيطر على انفعالاته بصعوبة ثم تنحنح بثبات و اعاد ناظريه الى الشاشة ، ضغطت الطبيبة على زر معين فازدانت الغرفة بذلك الايقاع الجميل الذي جعل رجة عنيفة تسري في جسديهما المرتجفين ! لقد كان إيقاع دقات قلب ! وليس اي قلب ، انه قلب طفليهما !!!
شهقت يارا باكية بفرحة و غير تصديق لتنظر ل ادم تريد ان تستشف منه اي لمحة تؤكد لها ان هذا حقيقي ، ولم يكن هو اقل منها في ردة فعلها اذ احتشدت انفاسه بصدره وبدأت خلايا جسده تتراقص على ذلك الصوت ، إيقاع يقسم انه افضل ما سمعه منذ ان رأى ضوء هذه الحياة !
تنفس بحدة واغمض عيناه يستشعر بكافة حواسه كل ثانية تمر عليه وهو يستمع الى دقات قلب طفله التي تملأ الغرفة ، هل اذا رقص الآن سيكون هذا عيبا بحق هيبته ؟
نطق فجأة بصوت متهدج :
– انا عايز تسجيل للصوت ده ممكن. 
هزت رأسها مبتسمة :
– طبعا…. وكنت ناوية اعرفكم جنس الجنين بس للاسف لسه مش باين ، انتو عايزين ولد ولا بنت ؟
طالعته يارا مسرعة تنتظر اجابته ليقول بعد ثوان :
– اللي بيجي من عند ربنا اللهم بارك المهم يبقى بصحة كويسة…. مع اني شخصيا حاسس ان هتجيلنا بنت !
ضحكت بخفة و علقت :
– مدام يارا انا بنصحك تبتدي تغيري من دلوقتي لان لو جالكم بنت اكيد هتبقى بنت باباها المميزة. 
ابتسمت يارا بخجل وسعادة في نفس الوقت لتنهض و تعدل ملابسها و تنتعل حذاءها بمساعدة زوجها ، جلسا بعد قليل امام مكتب الدكتورة تعطيهما بعض النصائح الخاصة بالحمل ليسألها ادم فجأة :
– طيب انا عايز اسأل سؤال واحد يا دكتورة. 
نظرت له يارا باستفهام قبل ان تشهق بصدمة مما قاله :
– العلاقة الزوجية بتشكل خطر على الجنين ؟
وكأن دلو ثلج سكب على رأسها لتضع يدها على وجهها تخفيه بحرج فضيع الا ان الطبيبة لم عينيها عن الوصفة التي تكتبها وتتابع بشكل عملي وكأنها تتحدث عن احوال الطقس :
– في المرحلة ديه لأ مبتشكلش خطر بس طبعا لازم تاخدو بالكو كويس. 
زفر ادم بارتياح حقيقي بينما تحدث الأخرى نفسها :
– على اساس اني هسمحله يقرب مني…. قليل ادب. 
بعد دقائق كانا يركبان السيارة وهي تضع يدها على بطنها و تسند رأسها على النافذة الى ان سألها بهدوء :
– انتي ساكتة كده ليه. 
رمقته بغيظ قبل ان تجيب :
– و اتكلم ايه مانت قلت كل حاجة.
عقد ادم حاجبيه بغرابة :
– مش فاهم بتقصدي ايه ؟
تنفست بعمق و ردت عليه :
– انت ازاي بتسأل الدكتورة عن… عن علاقتنا الزوجية من غير ما ترجعلي ؟
كتم ضحكته وهو يعلق بسخرية :
– ارجعلك ف ايه انتي مجنونة… انا لسه مقربتش منك لاني كنت خايف تتأذي بس بما ان الدكتورة ادتنا الضوء الاخضر فمفيش داعي للتأجيل اساسا انا بقالي صابر عليكي كتير. 
تصاعدت الدماء الى وجهها وكم لعنته لانه دائما مايحرجها بوقاحته و صاحت بحنق :
– بس انا مش هسمحلك تقرب مني اصلا !
قهقه مستفزا اياها و استطرد :
– بنشوف يا طفلتي الحامل….. يلا دلوقتي احنا هنروح المول و نجيب كام فستان جديد لان اللي لابساهم بقو ضيقين جسمك بقى فاتن اكتر وانا مستحيل اسمحلك تلبسي حاجة تظهر مفاتنك. 
زفرت يارا بضجر و اعادت نظرها الى النافذة ثم ما لبثت ان ابتسمت عندما فتحت تسجيل دقات قلب ابنها…. او مثلما توقع ادم ابنتها !
______________________
في غرفة مظلمة يجلس اسر مقيدا ويصرخ مستغيثا بأحد لينقذه لكن لا احد يسمع…….فتح الباب فانطلقت اشعة الضوء اغمض اسر عيناه ثم فتحهما ولمح امرأة ترتدي الابيض وتقترب منه ببطئ…. لقد كانت تلك المرأة امه…. امه التي تزوره كل مرة في احلامه و تعاتبه على اسلوب حياته وتذكره عندما كان قريبا من الله و بعيدا عن المنكرات…. تؤنبه على ما يفعله من محرمات و في اخر الحلم تبتعد عنه وهي تردد :
– فوق يا ابني قبل فوات الاوان ورجع اللي خسرته…. فوق يا آسر. 
مااااماااا !!
انتفض اسر وفتح عيناه بقوة والعرق يتصبب منه نهض على سريره جالسا وتمتم : انا….كنت بحلم… كنت بحلم زي العادة.
مسح على وجهه المبلل ونظر الى رولا النائمة بجانبه وقف يبحث عن زجاجة الخمر ليشربها و يهدأ لكن لا يعلم لماذا لم يستطع هذه المرة ، اتجه الى المطبخ و شرب كأس ماء ثم وضعه على الطاولة امامه يحدث نفسه بحزن :
– انا هرجع اللي خسرته ازاي يا ماما هرجع ايامي اللي راحت ببلاش هرجع البنت اللي بحبها وضيعتها بغبائي هتوب ازاي عن اللي عملته و ارجع لربنا ازاي بعد ذنوبي ديه كلها. 
زفر باختناق وجلس قليلا حتى سمع صوت رولا العالي استغرب و ذهب اليها وقبل ان يدخل سمع ما سيقلب حياته راسا على عقب !!
*** قبل قليل. 
استيقظت رولا و نظرت الى مكانه وجدته فارغا ، ركزت قليلا ولم تسمع اي ضجة فقالت :
– اكيد اسر صحي بدري وراح على شغله…. طبعا هو نقل كل حاجة من نيويورك على هنا و هيفضل ايام بعيد عني بينظم اللي فاته. 
رن هاتفها وبمجرد قراءة الإسم فتحت الخط متكلمة بتوتر :
– ايوة خير. 
– خير ان شاء الله انا متصلة اقولك ان فلوسي خلصت و عايزاكي تبعتيلي دفعة تانية الشهر ده. 
كان هذا صوت احدهم فانتفضت بذهول و صاحت :
– نعم ابعتلك ايه انا بصعوبة قدرت ابعتلك الفلوس الاسبوع اللي فات هو انت فاكرني قاعدة على بنك ؟
اجابها الاخر بغضب :
– والله انا مليش فيه لازم تبعتيلي الفلوس والا انتي عارفة ايه اللي هيحصل. 
زفرت بحدة وفتحت مكبر الصوت متحدثة وهي تفتح الخزنة الخاصة ب اسر :
– انا زهقت من تهديداتك ديه مكنتش خدمة واحدة عملتهالي وبقالك سنتين بتذلني عليها كفاية بقى. 
قهقه بعنهجية ورد عليها :
– ديه مش اي خدمة يا بيبي لولايا مكنتيش هتحلمي تتجوزي اسر حتى لو عرفي ، انا زورت التقارير الطبية و خليت الغبي بتاعك يفتكر انه مبيجيبش ولاد وانا اللي اديتك فكرة يبعد عن مراته تقي عشان متدمرش حياتها و تعيش محرومة من الخلفة. 
في هذه الاثناء وجدت رولا رزمة صغيرة من المال فأجابته بغيظ وهي تغلق الخزنة :
– ايوة يا شاطر بس متنساش ان لما تقي شافتني نايمة مع جوزها و اجهضت البيبي آسر كان هيكتشف انك خدعته بس انا خليته يقتنع ان حصل غلط في التقارير…. ولما كان هينزل مصر عشان يرجعها انا اللي اقنعته يبعد عنها بعد ما اتصالحت مع عيلتها…. بغباءك كنت هتدمر اللي انا سعيت ليه من سنين ولسه بتعملي مشاكل تعرف حاجة ديه اخر مرة ابعتلك فيها فلوس ولو طلبت مني تاني انا…..
– هتعملي ايه اكتر من اللي عملتيه يا رولا !
كان هذا صوت آسر وهو يصرخ بغضب كالجحيم ف التفتت اليه برعب وسقط المال من يدها…. لتدرك انها بغفلتها اعترفت بكل خططها التي اخفتها لسنوات !!!
يتبع…
لقراءة الفصل الثامن والعشرون : اضغط هنا
لقراءة جميع فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!