روايات

رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل التاسع عشر 19 بقلم مريم محمد غريب

  رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل التاسع عشر 19 بقلم مريم محمد غريب

رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت التاسع عشر

رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء التاسع عشر

رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة التاسعة عشر

_ وعد و رهان ! _
إنطلق في طريق العودة، بعد أن فتح هاتفه وجد ما توقعه، عشرات من مكالمات و رسائل لا تحصى جميعها مرسلة من رقم والده.. آخرهم رسالة صوتية هي فقط التي قام بفتحها
ليسمع صوت أبيه شديد اللهجة في عبارةٍ وجيزة :
“تعالالي حالًا. و رب الكعبة لو ما جيتلي إنهاردة يا رزق ما ليك خاطر عندي. و إنت فاهم قصدي كويس أوي !”
ابتسم بتهكمٍ و هو يغلق الهاتف و يعيده إلى مكانه ثانيةً، كان يعلم على وجه الدقة أين سيجده، بل كان يراهن نفسه، و لو أن بامكانه الوصول إلى المنزل في طرفة عينٍ لفعلها
لكنه إلتزم الصبر حتى وصل في الأخير، فلم يتوجه إلى الأعلى حيث شقة أبيه، إنما مضى رأسًا إلى شقة جدته
المكان المفضل لـ”سالم” عندما يجد ضرورة لتوبيخ إبنه أو تأديبه، لا بد أن تتواجد “دلال” لكي تخفف ما وسعها من حدة النقاشات بينهما …
-أهلًا يا باشا ! .. هكذا صاح “سالم” فور ظهور إبنه عند عتبة الباب
أمره بحدة : خش و أقفل الباب وراك ..
بنظرة متفحصة سريعة شاهد “رزق” أبيه يجلس في كرسي الصالون الرئيسي بجوار جدته المستقرة فوق الكرسي المتحرك، و أيضًا.. كان هناك “علي”… كان يجلس على مقربة من عمه مطرق الرأس كبكرٍ خجول
إرتفع رأسه مرةً واحدة ليبعث بنظرة أسف لإبن عمه.. ثم عاد و أطرق من جديد …
-إن شالله جمع الخير ! .. قالها “رزق” بفتورٍ و هو يلج للداخل مغلقًا باب الشقة خلفه بركلة قدم
اقترب من مجلسهم بالقدر الكافي و أردف و هو يمرر نظاريه على وجوههم جيئة و ذهابًا :
-و لو إن التعبيرات هنا مش مريحة.. بس مانظنش سوء بردو
-صحيح إللي أبوك بيقوله ده يا رزق ؟؟؟
ألقت “دلال” هذا السؤال بنزقٍ يدعم الغضب الجلي على ملامح وجهها المجعّدة …
نظر لها “رزق” و قال متظاهرًا بالبلاهة :
-و هو أبويا قال إيه بالظبط يا نينا ؟!
إرتفع صوت “سالم” الآن بتقريعٍ قاس :
-ماتستعبطش يالا. رد عدل.. أنا لحد دلوقتي ماسك نفسي بالعافية !!!
واصل “رزق” نفس الاسلوب و هو يرد :
-عشان أرد عدل لازم أفهم السؤال يا معلم سالم.. تقدر تحدد سؤالك عشان أجاوبك ببساطة. صح و لا إيه ؟
لم يتمالك “سالم” نفسه أكثر من ذلك و هب واقفًا على قدميه، فانتفخت عباءته من حوله لوهلةٍ، قبل أن يتحرك مهرولًا تجاه إبنه و يقف ضده مباشرةً …
-إنت إتجوزت بت الشوارع دي يا رزق ؟؟؟ .. استوضحه “سالم” بصوتٍ كالفحيح
شعر “رزق” و كأن نظرات أبيه القوية تكاد تثقب عينيه كالرصاص، لكنه لم يغيّر شيئًا في الهيئة اللامبالية التي بدا عليها و هو يقول بمنتهى البرود :
-أولًا نسمة مش بت شوارع يا أبويا. كلكوا لازم تفهموا كده و تحترموها كمان من هنا و رايح.. لأني آه. إتجوزتها إنهاردة !
-يا مصيبتي !!! .. قالتها “دلال” و هي تشهق مصدومة
إحتدمت بشرة “سالم” إنفعالًا حتى خيّل لـ”رزق” كما لو أن الدماء القانية صارت سوداء بوجهه …
لم يكن قد تبادلا النظر لثوانٍ إلا و سرى بينهما سريعًا تيارٌ من التحدي السافر، أودى بـ”سالم” للإقتراب الشديد من إبنه حتى كادت ناصتيهما تتلامسان تقريبًا كاشفة مدى تطابق قامتهما و عنادهما أيضًا
رفع “سالم” يده الممسكة بمسبحته البرَّاقة و وضع كفه عند مؤخرة رأس “رزق”… ليخرج صوته تاليًا خافتًا مريبًا :
-كل مرة كانت بتبقى بيني و بينك. إللي حوالينا بيفكروها دلع زيادة. حب مرضي.. يمكن هما صح. و صح جدًا. بس المرة دي يا رزق. المرة دي إنت خرجت عن طوعي بيني و بينك. و قدام الكل كمان. و محدش هايفكر إنه دلع و لا حب… تحب أقولك هايفكروا إيه ؟!!!!
قال “رزق” بثباتٍ و قد كان التهكم في صوته لا يُضاهى :
-أنا مايهمنيش أي حد على فكرة.. و إنت عارف ده. أما حكاية خرجت عن طوعك دي ف أظن إنك عارف بردو و مش محتاج أفكرك إني قاعد هنا مضطر. لو كان بكيفي كنت مشيت زمان.. و قولتهالك قبل كده كتير. جرب تضغط عليا شوية كمان
سالم بخشونة : إنت فاكر إنك بتهددني يالا و لا إيه ؟ إوعى تنسى نفسك. إوعى تنسى مين إللي واقف قدامك. أنا سالم الجزار !!!
و علا صوته بعنفٍ في آخر جملة …
لكن “رزق” أظهر عدم إكتراثه لثورة أبيه المندلعة بسبب تمرده، ضم يداه أمامه و نظر في عينيه و هو يقول جازمًا :
-أبويا.. و حياة الغالية الغايبة. أنا مابهزرش.. مش هاتشوف وشي تاني !
زم “سالم” شفتيه بقوةٍ محدقًا بابنه غير قادرًا إلا على رؤية ندَّه و مكمّله، صورة طبق الأصل من شبابه حين كان في نفس عمره
هو بذاته.. بعنفوانه، بجبروته، و شدته… لا يدري هل عليه أن يسعد لذلك ؟
أم ينعي حظه العاثر في إبنه… حيث برغم كل مجهوداته و كل ما سعى أن يقدمه له حتى يشتري حبه و رضاه.. الآن أوضح له “رزق” ما كان واضحًا منذ البداية لكنه هو الذي فضل ألا يصدقه
و هو أنه باقيًا هنا بجواره رغمًا عن إرادته، لو كان الخيار بيده لكان تركه قبل زمنٍ طويل.. كل ما يخشاه “سالم” الآن أن يخرج منه ما يدفع الولد الأقرب إليه من أولاده إلى الرحيل
يدرك تمامًا و هو ينظر بعينيه في هذه اللحظة بأنه لا يمزح حين أخبره أنه لن يرى وجهه ما إذا تدخل بشؤونه و تصرف على طريقته.. و الجميع يعلم ما هي طريقة “سالم الجزار” …
-بس يا رزق فرحك على بت عمك خلاص بعد يومين ! .. قالت “دلال” ذلك متراجعة كإبنها عن مواقفها السلبية كلها تجنبًا لغضبة حفيدها
تتطلع “رزق” إليها و لم يرد، فأضافت بترددٍ :
-الناس تاكل وشنا. سيبك من الناس.. ليلة نفسها. إللي ماكانتش راضية عن الجوازة أصلًا و فجأة ربنا هداها. لما تعرف إنك إتجوزت و قبلها بكام يوم هاتعمل إيه.. يابني إنت حاطتنا في حاجة صعبة أوي. دي مصيبة …
-مصيبة دي كلمة قليلة يامــا !!!! .. صاح “سالم” بضراوةٍ و هو يستدير نحو أمه نصف استدارة
-دي كارثة.. إنتي عارفة البت دي كانت عايشة هنا بصفة إيه ؟؟؟
كانت عشيقة الباشا. طول السنتين دول كان كل ليلة يتسحب زي الحرامية و يروحلها و مقضيها معاها و أنا ساكت و سايبه براحته. بس توصل لجواز و بعد كل إللي جرى ده ؟؟؟؟
-دي حاجة تخصني لوحدي ماتخصكوش و لا تخص الناس ! .. هتف “رزق” بصرامة متجاهلًا صدمة جدته و غضب والده المتفاقم كلما تكالبت عليه أسباب و موانع زيجة إبنه المشينة
و قبل أن يفه أيًّا منهم بكلمة أخرى، استطرد منهيًا الحديث باشارة من يده :
-نسمة دلوقتي بقت مراتي. أنا حر فيها.. ليلة كمان هاتبقى مراتي. و أنا بردو حر معاها. و بعدين يابويا حقك تبقى فخور بيا.. أنا بقلدك. عملت زيك.. إتجوزت إتنين !
حملق “سالم” فيه مشدوهًا و مغتاظًا في آنٍ، هذا ليس إنقادًا فحسب، بل تقليل.. إن لم يكن تحقير من شأنه أيضًا …
ارتجفت شفته السفلى إنفعالًا، ليوليه “رزق” ظهره قائلًا كلمته الأخيرة :
-لو عاوز تحافظ عليا معاك هاتعرف إن نسمة خط أحمر. لو قربتلها يابويا هاتخسرني للأبد.. بالإذن !
و حث الخطى مغادرًا من فوره
لينهض “علي” بنفس اللحظة و يلحق به بعد أن أعطاه عمه رخصة الانصراف …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
-رزق.. يا رزق إستنى بس !
-عايز إيه يا علي ؟؟؟ .. صاح “رزق” بنفاذ صبر و هو يتوقف هنا أمام باحة المنزل
كان وجه الأخير به قدرًا من الشحوب، وضع يده فوق كتف “رزق” و قال يسترضيه :
-حقك عليا.. مقدرتش أنكر أي حاجة المرة. أبوك زنقني في الكلام عند ستي دلال و قال إنه شافنا و إحنا واخدين نسمة و ماشيين. فضل يضغط عليا لحد ما أضطريت أقوله إنك إتجوزتها.. بس أقسم بالله ما قولتش زيادة عن كده. حتى لما سألني عن مطرحها قولتله في وشه مش هقدر أقول !
زفر “رزق” مطوّلًا و قال بسأم :
-خلاص يا علي
علي بريبةٍ : خلاص إيه ؟ شايل مني ؟!!
رزق بنزقٍ : لأ مش شايل. ريح بالك.. يلا بالإذن إنت كمان !
و بينما كان يتهيأ للمغادرة ثانيةً، أمسك “علي” بيده ليبقيه متسائلًا :
-إستنى رايح فين طيب ؟
غمغم “رزق” متأففًا :
-مخنوووق. مش طايق المكان هنا.. هغور في أي حتة لحد ما أهدا شوية !
و شد ذراعه من يد إبن عمه و إلتفت مغيرًا مساره هذه المرة، لم يستقل سيارته، بل ذهب راجلًا على قدميه إلى وجهة لا يعلمها إلا هو …
___________
-يعني ماطلعش واطي !!!
إنطلقت هذه العبارة مع ضحكةٍ أنثوية صاخبة مدهوشة عبر الهاتف الذي ألصقته “نسمة” بأذنها بينما تقف بمطبخها الفخم الجديد و تعد كوبًا من الكابتشيونو
ضحكت “نسمة” بدورها و هي ترد عليها غير مصدقة بعد ما صار معها :
-شوفتي بقى يا سامية. كنتي ظالماه و أنا كمان ظلمته.. بس كنت عارفة. كنت عارفة إن رزق راجل شهم و جدع. عمره ما يقدر يتخلّى عني
ناطحتها “سامية” بالقول :
-ياختي و إنتي الصادقة المفروض مايقدرش يتخلّى عنك لأنه عارف إللي فيها و عارف إنك بتاعته. هو الراجل الوحيد إللي لمسك و عارف و متأكد إنه الأول و لوحده في حياتك.. يبقى مايتجوزكيش ليه يا موكوسة. إنتي إللي ماعرفتيش تلعبيها صح من بدري. بالك لو كنتي عملتي الشويتين دول قصاده قبل كده بكام شهر كان زمانك مراته قدام الكل. مش في الخفى و بس
تلاشت إبتسامة “نسمة” و هي تستمع إلى كلمات صديقتها كلمة بكلمة، لترد عليها على الفور :
-بس أنا ماعملتش قصاده شويتين زي ما بتقولي يا سامية. أنا فعلًا بعتله مفتاح الشقة و لميت هدومي و كنت همشي. بصراحة في الأول ماكنتش متخيلة إنه ممكن يجري عليا و يمنعني بالشكل ده.. ده كان هايتجنن لما شافني بعمل كده. أنا بدأت أصدق إنه بيحبني. حتى لو لسا ماقلهاش !
-سيبك من الحب و الكلام الفارغ و ركزي شوية يابت.. الخطوة الجاية هي الأهم
-خطوة إيه ؟!
-يا هبلة.. إنتي مش قولتي هايتجوز بنت عمه ؟؟
-آه و الفرح كمان يومين
قلدتها “سامية” بتهكمٍ :
-و الفرح كمان يومين !!!
يا برودك ياختي. بتقوليها عادي كده
ألقت “نسمة” بالسكرية معدنية القالب فوق الأرض بعنفٍ ليفرغ محتواها حولها و صاحت :
-عايزاني أعمل إيه يعني ؟ في إيدي إيه أعمله يا سامية ؟؟؟
-إنتي مافيش في إيدك حاجة طبعًا يا موكوسة. بس لو إنتي بت بجد هاتعرفي إزاي تميليه ناحيتك و تخليه مش شايف غيرك.. عارفة لو ضغطي عليه شوية كمان عشان يفض حكاية الجواز د آ ا ..
-لأ ! .. هتفت “نسمة” مقاكعة بحزمٍ
-أنا مش هاعمل أي حاجة تاني و أضايقه مني. ده هو كتر خيره أوي على كده.. لمني في بيت. ستر عليا. و وقت ما أحتاجه أكيد هايبقى جمبي. أنا مش عاوزة أكتر من كده يا سامية. أنا كنت فين و بقيت فين.. الحمدلله !
صمت قصير… ثم قالت “سامية” بلهجة قانطة :
-هقولك إيه يابنتي.. عبيطة
نسمة باصرارٍ : أيوة عبيطة.. مش مهم. المهم رزق بقى راجلي بحق و حقيقي !
____________
يـــوم الحنـــاء  …
أو ليلة “الوداع” كما يطلق عليها البعض
الاحتفال بأبناء أشرف و أكبر رؤوس بحي “الجزارين”.. فيهم و منهم… تلك الليلة الأخيرة قبل الزفاف.. بدت أسطورية في الحقيقة
إذ بعث “سالم” في طلب أكبر مصممي فراشات الأعراس و جعل من الحي روضةً، فقَّاعة سحرية، صالة كبيرة نظيفة أنيقة، بداية من تخوم الحي و حتى المنزل المغطى كله بستارٍ من نور
الأضواء الملوّنة في كل مكان، الأرض مفروشة بسجادٍ كبير و ثمين، مكبرات الصوت الحديثة منتشرة، المقاعد و الطاولات المكسوة بقماش من الستان الأبيض موزع فوقها مقبلات متراصة باحترافٍ فوق أطباقٍ مشكلة من السلوفان
في الوسط المسرح الذي تجهز لاستقبال مجموعة الراقصات اللاتي هن مجيئهن عبارة عن هدايا من رجال مدعوون يكونوا بالواقع أصدقاء و شركاء كبير العائلة
بالجهة الأخرى مآدبة الطعام الضخمة التي ضمت فقط فوقها لحوم الذبائح التي فاحت رائحتها منذ الصباح حين أمر “سالم الجزار” بجلب عدد من العجول و الكِباش و لزم إبنه البكري بأن يذبح أكبرهم و أقواهم بيديه
فلم يسوّد “رزق” وجه أبيه و بالفعل قام بذبح أعتى عجلٍ بينهم، بعد أن أرقده بقليلُ من العناء، لكنه لم يعذبه
و بشفرته الحادة فصل رأسه عن جسمه في ثوانٍ وسط ترقب الحشد الغفير و صيحات الأهالي المهللة عند إتمام الأمر و تباهي الإبن الأكبر بقيامه بهذا العمل الذي يبرهن عن قوته و قدرته
ازدادوا جميعًا مهابة و إجلالًا لـ”رزق”.. و هذا ما أراد “سالم” تحقيقه منذ البداية !
___________
لم تبدأ الليلة بعد، و لكن أصوات الزغاريد و بعض الأغنيات الشعبية الشهيرة صدح بها منزل عائلة “الجزار”… كل شيء صار جاهزًا
اليوم إنتهت التشطيبات بشقة كلًا من “رزق”و “مصطفى”.. و كان أول ما فعله “رزق” حينها أنه أنتقل مجددًا إلى مكانه، بعد أن تحوّل جذريًا و أصبح كالجنة !
كل هذا ذوق أبيه !!!
فحتمًا هي لم تختر شيئًا، و هو لا يبالي، إذن لا شك أنه “سالم”.. فعلها مرةً أخرى و أغرق “رزق” بدلاله و أثبت له حبه و تفانيه المرضي تجاهه
و لكن… هل يغير ذلك من شيء بنفس “رزق” ؟
كان قد اختار لهذه الليلة ملابس عادية، مجرد قميص رمادي اللون و سروالًا من الجينز الغامق، و حذاء رياضي بسيط مع زينته الخفيفة المتمثلة في ساعته الفاخرة و عطره الجذاب و بالطبع القلادة الذهبية التي يعلّق بها جزء من أمه الغالية، خاتمها الذي سقط من يدها في تلك الليلة أثناء هروبها
و هو يقف الآن أمام المرآة الجديدة، لم يشعر بنفسه إلا و هو يلتقط الخاتم المتدلي و يرفعه إلى فمه ليقبله هامسًا :
-إنتي حبي الأول و الأخير.. ماحبتش حد قبلك. و لا بعدك !
أعاده داخل فتحة القميص ثانيةً، ثم استدار مغادرًا الغرفة، التي صارت شقة كبيرة جميلة الآن
ابتسم تلقائيًا و هو يستمع إلى أصوات الاحتفالات أثناء هبوطه الدرج بسرعة، شعر بهاتفه يهتز بجيبه، إستلّه ليجد المتصل “نسمة”… توقف، و في نفس اللحظة شاهد “ليلة” و هي تصعد باتجاهه
لم يفكر مرتان، أخرس صوت الهاتف و أعاده إلى جيبه، و انتظر حتى صارت “ليلة” أمامه
كانت تحمل على ذراعها غلافًا كبير خاص بالألبسة، و كانت ترتدي ملابسها المألوفة، كنزة رقيقة و سروالًا واسع القدمين، و شعرها مجموعًا في جديلة ملقاة على كتفها برقةٍ آسرة …
-ممكن أعدي ! .. قالتها “ليلة” و هي ترمقه بغرابةٍ
كان يسد الطريق تقريبًا، و أيضًا ظل كما هو، لم يتحرك من مكانه و لم يفسح لها، و كأنها لم تتكلم.. رفعت حاجبيها بطريقة مستهجنة… فقررت أن تعبر بنفسها من خلال الطرف الفارغ نسبيًا على يمينه
لكنه اعترض طريقها عندما فعلت و حاصرها هنا تمامًا بين و بين الحائط، حبسها بين ذراعيه هكذا دون أن يلمسها …
-و إيه أصله ده بقى ؟! .. علّقت “ليلة” بحدة و هي تشير بعينيها لذراعيه
نظرت إليه الآن، فرآى النيران تتآجج عميقًا بعينيها الواسعتين.. ليبتسم لها قائلًا بهدوء :
-في عروسة تبقى مبوزة ليلة فرحها كده بردو ؟
ليلة باستنكارٍ هازئ :
-عروسة ! إنت بتهزر أكيد …
و تحوّلت لهجتها للغلظة الآن و هي تقول :
-و لا إنت بتفكر تقلب الاتفاق إللي بينا.. عارف لو حصل و رحمة آ ا …
-بس بس بس ! .. قاطعها بسخريةٍ
-إنتي كل حاجة عندك كده تهديد ؟ و مالك خفيفة ليه.. أولًا رزق الجزار عمره ما يوعد و يخلف بوعده. ثانيًا يا حبيبتي أنا مابتهزش من أي تهديد. بصي يا ليلة زي ما بيقولوا أعلى ما في خيلك اركبيه. منغير أي حاجة زريني ممكن تقدري تعملي إيه كده عشان الجواز ده مايتمش.. خلينا نشوف شجاعتك دي بجد و لا أي كلام !!
و صمت بانتظار ردها، لكنها بقيت ترمقه بحقدٍ دفين استطاع استشعاره جيدًا، ليستطرد بلهجة انتصار :
-يبقى تركني تناكتك دي على جمب شوية.. Relax يعني. و حاولي تتبسطي. الانسان مش بيتجوز كل يوم
و ضحك بانطلاقٍ …
فدفع بها الغيظ أن تقول بتحدي قاصدة إهانة كرامته :
-ده لما تكون الواحدة بتتجوز راجل بتحبه و عايزاه. ساعتها بتحس إنها ملكة.. لكن أنا. أنا حاسة إني جارية أبوك إللي هو عمي اشتراهالك. لكن ده بعدك.. مش هاطول مني حاجة. و لو على رقبتي. إنسى !
رفع حاجبه مبتسمًا بسعة فبانت أسنانه الناصعة المتناسقة، حنى رأسه قليلًا ليبقى وجهه مقابل وجهها تمامًا.. لم يرف لها جفن و ظلت ترمقه بذات التحدي
بينما بث صوته لهجته الهادئة الواثقة بموجاتٍ من أنفاسه الدافئة راحت تتردد على بشرتها :
-تعرفي ! أنا هاسيبك للأخر. بجد.. هاسيبك تمثلي إنك مش مهتمة بيا و لا هحاول في مرة أجبرك تظهري العكس. لكن أوعدك يا ليلة. في يوم قريب أوي. إنتي إللي هاتيجي لحد عندي.. راكعة !
ملأت ضحكتها الشقية أذنيه، بينما أبقى على ابتسامته كما هي، ليجدها بعد لحظة تدفع بذراعه لكي تمر فلم يمنعها
صعدت درجتين، ثم إلتفتت نحوه قائلة بفمٍ معوّج :
-مغرور كمان !
و استدارت متابعة صعودها، بينما يلاحقها بنظراته الفضولية، و لم يستطع أن يمنع نفسه من السؤال باهتمامٍ :
-طالعة عند مين طيب ؟؟
ت أنها فكرت لثانية أو إثنين، لكنها حسمت أمرها و قررت أن تجيبه بصوتٍ غير مبالٍ :
-تيتا مصممة ألبس فستان الحنة و مصممة أكتر إني أتحنَّى زي بقية العرايس.. الست إللي بترسم الحنة فوق عند فاطمة. هانخلص و نازلين كلنا عند تيتة !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)

اترك رد