Uncategorized

رواية أتحداك أنا الفصل التاسع عشر 19 بقلم أميرة مدحت

       رواية أتحداك أنا الفصل التاسع عشر 19 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل التاسع عشر 19 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل التاسع عشر 19 بقلم أميرة مدحت

هناك قوة، في كونك هادئًا.
بعد مرور أكثر من شهرين ونصف، أيامٍ هادئةٍ تمامًا، ولكن هناك إشتعال خفي يحدث دون أن يدري أحدهم، في ذلك اليوم كان هناك بداية عاصفة، أنتهى “حاتم” من عملــه، فوثب واقفًا يجذب حقيبتـه السوداء الجلدية، تحرك نحو الخارج ليجد سكرتيرتـه المتميزة “لانــا”، جالسة أمام حاسوبهـا تعمل بعملية، حرك رأسه بعدم فهم، فبرغم تلك الفترة التي قضاها معها إلا أنه لم يستطع فهمها ولو لمرة، وقف قبالتهـا وهو يسألها بدون مقدمات:
-لسه وراكي شغل يا لانـا؟!..
هبت واقفة وهي تجيبـه بإحترام:
-أيوة يا مستر حاتم، نص ساعة وهكون خلصت الملف ده، لأننا هناخده معانا في سفرية مصر بكرا.
أومئ برأسه بجدية وهو يخبرها:
-تمام هستناكي قدام بيتك على الساعة 8 الصبح، عشان نطلع على المطار.
-تمام، هكون جهزت وقتها.
صافحهـا بهدوء يودعها، ثم غادر من أمامهــا لتجلس على مقعدها وهي تشعر بثقل فوق كتفيهـا، هموم كبيرة أجتمعت من جديد، كونها ستعود إلى مصـر، ولكن كيف تخبره، أنها كانت مجرمة ومتخفية في اسم جديد.
بعد نصف ساعة، كانت تخرج من أبواب الشركة، وصلت إليهـا رسالة من جديد من ذلك الشخص المجهول، أغمضت عينيها بعنف وهي تقول بغضب مكبوت:
-يارب صبرني.
فتحت هاتفهـا لتجد رسائل عديدة منه، أهمها:
-“حوريتي، ألم تعودي إلى البيت؟!”
-“أنا قلق عليك، ردي على رسائلي.”
-“حوريتي، اليوم وأخيرًا رأيت غرفتك، إنها حقًا رائعة.”
وضعت “لينا” يدها على جبينها ترتجف بصدمة وهي تغمغم:
-ينهار أسود، لأ كدا كتير، ده مجنون.
مسحت على وجهها في شئ من الخوف، فهو يبدو مهووس لعين، يراقبهـا بدقة عالية.
أستقلت سيارة أجرة، وهي تعطيه عنوان منزلهــا، ظلت طوال الطريق تفكر عن ذلك الشخص المجنون، حتى وصلت إلى منزلهـا، ترجلت من السيارة بعدما أعطته نقودٍ، لينطلق مبتعدًا عن المكان.
دقائق، وكانت تدخل منزلهـا تنير الأضواء، ظلت تبحث بعينيها عنه، لتجد ظرف كبيرٍ على الطاولة، توجهعت نحوه تسحبه، ثم فتحتــه لتتفاجئ بثلاثة من السكاكين –حجم متوسط-، وورقة صغيرة مكتوب فيها:
-إياكِ أن تتأخري مرة أخرى هكذا، لقد كنت قلق عليك، بمناسبة أعلمي أنكِ لي، ون أقترب منك أحدهم سأقتله.
ألقت الورقة والسكاكين على الأرض تصرخ بغضب، أبعدت خصلات شعرها عن وجهها وهي تهدر بعصبية:
-هو في إيــــه؟!.. أنا مش هخلص بقى، بهرب من عصابات ومن مراد عشان الأقي واحد مجنون في الآخر!!.. أنا تعبت.
جلست على أقرب أريكة وهي تقول بضعف:
-يارب أنا تعبت، أنا مش آلة، مش آلة خالص عشان أشوف كل ده، محتاجة أعيش، إنما كدا أنا مدفونة بالحيا، يارب ساعدني، أرجوك ساعدني.
أغمضت عيونها بعدما هبطت دموعهـا بألم وهي تتمتم بإختناق:
-أللهم أخرجني من حولي إلى حولك، ومن عزمي إلى عزمك، ومن ضعفي إلى قوتك، ومن إنكساري إلى عزتك، ومن ضيق إختياري إلى براح إرادتك، ولا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
*****
في تمام الساعة الثامنة، خرجت “لينا” من منزلهـا لتجد كل من “حاتم” و”ريمـا” ينتظرونها، ركضت “ريما” نحوها تحتضنهـا لتبادلهـا الأخيرة عناق وهي تشعر بأنها إن أستمرت في ذلك العناق ستنهار وستبكي، حاولت أن تبتسم وهي تسألها بدهشة:
-إيه ده، هو إنتي هتنزلي معانا مصر؟!..
منحتها أروع إبتسامة وهي تقول:
-من زمان وأنا نفسي أنزل مصر، وبصراحة لما لقيتك نازلة مسكت في أخويا إني لازم أنزل، وبصراحة أنا متحمسة جدًا وأنتي؟!..
تصنعت الابتسام فأضافت بحماسٍ زائفٍ في نبرتها ونظراتها:
-آه طبعًا متحمسة، متحمسة جدًا.
سحب “حاتم” منها حقيبة السفر ثم وقف قبالتهــا وهو يسألها بهدوئه:
-جاهزة يا لانا؟!..
اتسعت ابتسامتها التي أخفت خوفها، ثم ردت عليه موافقة بتنهيدة خافتة:
-جاهزة.
*****
وقف “مراد” أمام المرآة يرتدي تلك البذلة السوداء، مش حيثُ أرتدى بذلـه أنيقـة من اللونُ الأسودُ أسفلها قميص رُمادى اللّونُ يتناسب مع لونُ عينيـه الحادتـان، وقف أمام المرآة وبدأ يقوم بمُهمة تمشيط شعرهُ، عقب أنتهائه من تلك المُهمة كان يرتدى حذائهُ الأَسود، ووضع سـاعة يدهُ الثمينـة، وقام بإشباع ملابسهُ من عطّرهُ الفاخر والمفضل، توجـه بخُطوات هادئة نحو الكومود كي يلتقط هاتفّـهُ الثميـن ووضعهُ بداخل جيب سترتـهُ، ثُـمّ أستدار وتوجّـه بعدها نحو الباب، أمسك بمقبض البـاب وأدارهُ ليدلف للخارج بخطى واثقـة ثابتـة، بـدأ يهبط من على الدرج القصر بهدوء مُريب حتّى وصل للأسفـل وقابل في طريقـهُ إمرأة يبدو عليهـا التقدم في العُمر، وقفت أمامهُ بثبات وهي تنظر لـهُ بإحترام، ثـمّ حيتـهُ ليسألها بإهتمام:
-كل حاجة جاهزة؟!..
أجابته كبيرة الخدم بإبتسامة سعيدة:
-أيوة يا باشا، ودينا هانم راحت الكوافير، ربنا يتمملها بخير.
أومئ برأسه بالإيجاب وهو يبتسم بمجاملة، قبل أن يغادر، توجه نحو سيارتـــه قبل أن يستقلهـا، كاد أن يتحرك بها لولا ذلك السؤال الذي سأله بضيق وإحساسه بالعجز يغضبه:
-ألاقيكي فين؟!.. قوليلي ألاقيكي فين بقى؟!..
*****
حل المساء وكان الجميع قد تجهز للذهاب إلى حفل زفاف “أدهم” و”دينا”، تحرك “مراد” بعد أن أنتهى من هندمة نفسه وكان يبدو وسيمًا بحق، فكان شعره الكثيف مرفوعًا إلى الأعلى بطريقة أنيقة إضافة إلى ملابسه ذات الصنع الفرنسي، وبرفقتـه “جاسر” يستقلان سيارتهم، وصلوا أخيرًا إلى هناك، وجميع الأنظار توجهت نحوهما من نساء ورجال، توجهوا نحو غرفة صغيرة تسبق القاعة، لا يوجد سوى أريكة جلس عليها كل من “مراد” و”أدهم” والمأذون.
إبتسم “أدهم” لرفيقه وهو يردد خلف المأذون، حتى صدحت الجملة المعتادة:
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في الخير.
تعالت الزغاريد في كل مكان وقع كل من “أهدم” و”دينا”، وكذلك الشهود، أنتفض “أدهم” من مكانه يهرول نحو “دينا” يعانقهـا بقوة، يحملها بين ذراعيه يدير بها في المكان بسعادة وهو يهدر:
-أخيرًا أتجوتك يا بنت قلـــبي.
تعالت ضحكاتهم، فبدأ يدق الطبول وأشتعلت الموسيقى في المكان، دخل “أدهم” القاعة مع عروسه وهو يرقص فرحًا، والجميع يضحك على طريقتـه، الكاميرات لا تتوقف عن التصوير، حتى جلس العريس مع عروســـه.
في تلك اللحظات، دخل “حاتم” وخلفه كل من “لينــا” و”ريمـا”، كان “مراد” يضحك بصخب حينما وجد جسد “جاسر” متصنمًا في مكانه وهو يسأله بذهول:
-مش دي لينا؟!..
اتسعت عيناه وقد تجمد محدقًا في الفراغ، ألتفت ببطءٍ ليراهــا من بعيد ليهمس مبهوتًا بعد برهة بذهول عظيم:
-لينا!!..
تأملهــا بعينين مشتاقة، ولكن إشتياق مؤلم يحرقه بشدة، وجدها ترتدي فُستانًا طويلاً باللون الأسود، ومصنوعًا من قماشي الستان الممزوج بالشيفون، ومطرز من الصدر حتى الخصر باللأليء والفصوص اللامعة، أمـا فتحة الصدر فـ كانت ليست واسعة ولا ضيقـة، أما أكتافـه فهي قصيرة تغطي مُقدمة ذراعيهــا، فبدون شعور تحرك نحوهــا، فلقد وجد أخيرًا مملكتــه.
كانت “لينا” تتحرك بخطى بسيطة حتى إتسعت عيونها فجأة وهي تراه، يتحرك نحوها بخطى سريعة وكأنه يخشى أن تهرب منـه، ألتفتت حولها بخوف محاولة الهروب، ولكن قبل أن تفعل ذلك وجدته يقبض على ذراعيهـا وهو يهمس لها بصوتٍ خفيض شرس:
-راحة فين؟!.. راحة تهربي تاني؟!.. مش هسيبك المرة دي يا لينا ولو فيها موتي.
أشتعلت موسيقى لدى المكان ليسحبهـا بالإجبار نحو قاعة الرقص، واجهته بأعين مذهولة، في حين أحاط خصرها ببطءٍ، ليتميلان على الموسيقى، حاولت أن تتملص منه، ولكن حينما رأت عيناه تحولتان إلى جمرتين مشتعلتين غضبًا قاتم، تراجعت عن موقفها وهي تهمس:
-مراد، سبني.
إبتسم ببرود مجيبًا:
-تبقي عبيطة، أستحالة أسيبك، أنا ما صدقت.
حاولت دفعه وهي تقول بغضب:
-سبني يا مراد، إنت مش فاهم حاجة.
ظلا يتميلان على الألحان ولكن ملامحها جامدة أخفضت عينيها حينما شعرت بنغزة في قلبهـا خاصةً حينما قال:
-وحشتيني.
رفعت عيونها الامعة نحوه ليضيف بهدوءٍ مع عينيه الحادة ألمًا:
-اليوم عندي بسنة، كنتي فحلمي دايمًا، حاولت أنساكي، بس معرفتش، عرفت مؤخرًا إنك عايشة في دمي يا لينا.
وضعت جبينها على جبينـه قبل أن تهمس بإختناق:
-أنا بحبك با مراد، بس مش هقدر، أنتهى.
قالت كلمتهــا الأخيرة وهي تدفعه بألم، تركتــه متوجهه نحو المصعد تهرب إلى أي مكان مؤقتًا، دلفت إلى المصعد، ولكن عقدت ما بين حاجبيهـا بريبة حينما رأت رجل يرتدي ملابس مهندمة ولكن يرتدي قبعة سوداء وهذا ما لم يتناسب مع ملابسـه.
لم تهتم للأمر، ضغطت على زر الطابق، في حين إبتسم هذا الرجل الغامض بخبثٍ، وهو يستدير إليهـا بحركة سريعة قابضًا على عنقها الأبيض خانقًا إياها بقوة وهو يهمس لها بشر:
-إياكِ تفكري تلعبي مع أسيادك مرة تانية.
ظلت “لينا” تتلوى محاولة تخليص نفسها من ذراعيه القوية التي تخنقها بقوة، وجدت الصعوبة في إنقاذ نفسهـا من قبضته، تباطئت مقاومتهـا تدريجيًا دليلًا على فقدها لأنفاسها الأخيرة، فتح باب مصعدهـا عند الطابق الأخير، فعاد يبتسم بخبث بعد أن حررها، فسقطت أرضًا وأخذت تتنفس بقوة وهي تسعل واضعة يدها المرتجفة على عنقهــا وهي تهمس:
سبني عايشة ليه؟؟.. هو في إيه، مين دول.
حاولت الوقوف ولكن عادت تسقط من جديد وهي تسعل بعنف، ضغطت على زر الطابق الأرضي بعنف وهي تشعر أنها على وشك الغياب عن الوعي، حتى هبط بها المصعد، وما أن فتح حتى خرجت منه بصعوبة، ولكن بدأ الخدر يسري بجسدها وعيناها تغمضان، شعرت فجأة أنها سقطت فوق سحابة.
وبعد ثوانٍ قليلة، سمعت كما لو من تحت الماء، صوته المألوف يناديها بذعر:
-لينا، لينــا، لينــا مالك؟!..
كان هو آخر شيء رأته قبل أن يغيب الظلام وجهه، وساد الصمت بعدها.
يتبع…..
لقراءة الفصل العشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!