Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث عشر 13 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث عشر 13 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث عشر 13 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث عشر 13 بقلم زيزي محمد

أنهت نهى حديثها مع والدتها وأخبرتها بأدق التفاصيل التي سمعتها من خلال حديث شمس ومنال، انتظرت ثوان قليلة رد والدتها، ولكن يبدوا أنها غرقت في عالم آخر من التفكير، لم تجيد تفسير حالتها الشاردة تلك وكأنها تحيك لشيء ما، كانت تنتظر ردود تريح بها الجزء النابض بصدرها…فؤادها المتعلق بزيدان الغائب دومًا، فقالت بنبرة هادئة يتخللها القلق:
– يعني تفتكري ده سبب غيابه يا ماما!.
مرت ثوان ولم تجيب ميرڤت، بل تجاهلت حديث ابنتها عن قصد، فالوضع الحالي أعمق وأخطر من أحلام ابنتها التافهه.
رمشت نهى بأهدابها، تنتظر رد من والدتها، فقالت بضيق واضح:
– ماما أنا جايه احكيلك علشان تريحني وتقوليلي زيدان مبيردش عليا علشان كده.
صمت آخر اغتاظت بسببه، فعادت تكرر سؤالها مجددًا بهدوء، ولكن الهدوء تحول للفزع، حينما صرخت والدتها بوجهها:
– ارحميني يا نهى شوية، متبقيش هبلة زيدان إيه ونيلة إيه!، خلينا في سليم.
توسعت أعين نهى، ونهضت واقفه تنظر بذهول لها:
– سليم ..أنا مالي به، أنا ليا دعوة بزيدان، يا ماما متخلنيش اندم ان حكتلك، أنا ماليش صحاب إلا أنتي.
– وزيدان مطنشك يا روحي، علشان أخوه هو اللي انفصل عن مراته..مش هو..يعني عدم رده مطنشك، عايزة تسمعي كده.
قالت ميرڤت حديثها بنبرة ساخرة جرحت نهى التي طالعتها بحزن، فقالت بإصرار وعند:
– لا أنا متأكده انه زعلان علشان خاطر سليم، أصلهم بيحبوا بعض اوي مش زينا.
أنهت حديثها واتجهت صوب غرفتها، تحت نظرات غاضبه من ميرڤت:
– قصدها إيه البت دي، يعني أنا معرفتش اربيكوا!.
وقفت نهى على باب غرفتها، ثم قالت بأنف مرفوع وصوت يحمل لمحة من الكبرياء بعدما جرحت كرامتها:
– معرفش بقا، وعلى فكرة زيدان كان بيكلمني الفترة اللي فاتت حلو جدًا بس هو قطع معايا بقاله مده بسيطة فأكيد علشان الظروف دي.
أنهت حديثها وأغلقت الباب، فعادت ميرڨت واتخذت من كرسيها مقعدًا لها، تزامنًا مع تحريك فمها يمينًا ويسارًا:
– هبلة، أنا مخلفه هبلة، سايبة الراس الكبيرة ومركزة على حته عيل ظابط ولا راح ولا جه، الفرصة جتلك تاني يا ميرڤت.
غرقت مجددًا في عمق تفكيرها المنصب حول كيفية استغلال ذلك الموقف لصالحها، طالما حلمت بزواج سليم ونهى، رغم كرهها له، ولكن مكانته وامتلاكه للعديد من محلات الذهب جعلتها تعيد تفكيرها من ناحيتهم، بعد فترة انقطاع كبيرة عقب سحب أموالها من إدارة اخيها، وايضًا فترة مرضه التي رقدها بالمشفى..ناهيك عن لقاء بينها وبين سليم قطع العلاقة بينهما تمامًا..وكشف حقيقة مشاعرها أمامه.
ضغطت فوق شفتاها غيظًا وقهرًا على لقاء كلما تذكرته، شعرت بحاجتها لضرب نفسها على ما فلعته!.
***
جلست ميرڤت في المحل المملوك لزوجها بعد التوسعات التي قامت بها في المحل بعدما سحبت ميراثها من أخيها، نظرت للمحل ومساحته الجديدة بفخر انتفخ صدرها لأجله، وعيون منتصرة في معركة خاضتها مع نفسها لايقاع اسم أخيها في السوق طالما كانت حاقدة عليه وعلى نجاحه المبهر وسمعته المشرفة.
لمحت دخول سليم ابن اخيها من الباب، وجسده الضعيف ينم عن فقدان وزنه بسبب جلوسه الدائم مع والده في المشفى، لم ترأف بحالته، حتى إنها لم تهتم بمجيئه إليها، وقابلته بفتور جعل سليم في أوج مراحل التوتر والقلق من رد فعل عمته.
– ازيك يا عمتي.
قالها سليم بنبرة متوترة من عينيها الحادة، فردت ببرود:
– أهلاً..خير يا حبيبي جاي ليه؟!
ابتلع سليم لعابه وهو يراقب ملامحها الجامدة، وأخبرها بنبرة خافتة:
– أنا جاي علشان…
قاطعته بنبرة حادة بعض الشيء وأشارت له:
– علي صوتك يا حبيبي، هي القطة كلت لسانك ولا إيه!.
حمحم سليم بخفوت، ثم أردف بتهذيب:
– حضرتك أنا جاي علشان اتكلم معاكي في موضوع يخص بابا.
ارتدت قناع القلق قائلة :
– مالو أبوك..هو لسه تعبان في المستشفى!.
راقب سليم تصرفاتها الزائفة بتعجب، حتى أنه تفوه بعفوية:
– مانتي عارفه انه مخرجكش من المستشفى!.
– اممم عايز إيه يعني.
عادت نبرتها الفاترة تسيطر عليها، مشيرة لها بالسرعة في الحديث، تشجع سليم وأخبرها بقرار والدته بحقه، وكتفكير شاب في بداية المراهقة عقله دفعه بالتوجه لعمته كي يطلب منها استرجاع حقوقها لوالده حتي يستطيع استعادة جزء من محلاته، وتعويض الخسارة الفادحة التي طالته، على وعد بتسديدها في أقرب وقتها.
– بابا لما يفوق ويرجع لصحته ان شاء الله يقدر يرجع كل حاجة زي ما كانت بس لو فيه رأس مال كبير، فلوس ماما على فلوس حضرتك ونقدر نعدي الخسارة وبعدين يرجع ليكي فلوسك كلها..بس نساعده في الاول.
كانت ملامحها خالية من التعابير، وكأن وجهها منطقة خاوية مخيفة مما أقلق سليم، وجعله ينتظر ردها على أحر من الجمر.
– وأنا اعمل ليه كده؟!.
رد بحماس وأمله يزداد تدريجيًا:
– علشان بابا يرجع لمكانته تاني، وأنا اقدر ادخل كلية الشرطة اللي نفسي فيها..وبعدين أنا عارف انتي سحبتي فلوسك علشان أكيد..
– علشان أنا زهقت وعايزة أكون لوحدي، ابوك يا حبيبي بقاله سنين واخد السوق في جيبه وساكتين، إيه هياخد زمنه وزمن غيره، وبعدين هو كبر وبقا يخرف فأكيد هيخسر.
كور سليم يده بضيق حاول دفنه، فقال:
– بابا مكبرش ولا خرف، الخسارة أي حد ممكن يتعرضلها.
قالت بتهكم:
– وأنا اجازف ليه!…
توقفت لبرهة ثم عادت تردف بسخرية:
– آه علشان انت تدخل كلية الشرطة، طب متدخلش وأنا مالي..علشان أبوك يرجع تاني لشغله، ياريته ما يرجع..أصل أنا لو عايزة يرجع كنت عملت كده من الاول.
الآن صدقت والدته في كل كلمة كانت تخبره بها عن جشع وحقد عمته اتجاههم، حرباء متلونه كانت تنعم في نعيم والده، تأخذ ما تريده في أي وقت كان، لا يحاسبها والده عن أي شيء، وبالأخير ظهر معدنها الحقيقي.
بدأت بذرة الكره تتأخذ حيذًا في قلب سليم، وانشغل عقله بالتفكير في كيفية رد ما فعلته الصاع صاعين، سيجعلها تندم عن كل حرف تفوهت به، ولن يعطى لها فرصة في التشفى بهم.
تجرأ لأول مرة بحياته، ورمقها باشمئزاز واضح، ثم التفت كي يغادر ولكنها استوقفته بصوت متعاطف يكمن خلفه الخبث:
– معلش يا حبيبي مش مكتوبالك تدخل الشرطة، إن شاء الله سمير يدخل ويشرفنا كلنا.
انكسر جزء بداخله جعله يندم عن قراره باللجوء لعمته، لم يكن يدرك حجم الكره والحقد التي تكنه نحوهم، يبدو أن صغر
سنه جعله غير مدركًا لنفوس كان يظن بها الخير.
استدار بجسده مغادرًا المحل بسرعة، قبل أن يختنق بداخله، ولأول مرة ذاق مرارة الندم، أوقفه أحد العاملين بالمحل واضعًا بيده رزمة من المال:
– عمتك بتقولك خد دول ينفعوكوا الفترة دي.
أي إهانة تريد أن يتذوقها، لِمَ تصر على إظهار أسوء ما لديها، لم تشعر بالخجل وهي تقدم على فعل مهين كهذا، ولكن اللوم يقع فوقه هو..هو من سمح لها بذلك، ولكنها كانت مجرد فكرة ينقذ بها حلمه الذي دُهس بقرار والدته..وكلام عمته الجارح.
استسلم سليم للواقع المفروض عليه، وقبل أن يذهب توقف أمام العامل بكبرياء قائلاً بنبرة تحمل الاصرار والكبر:
– قولها..اوعي تكوني فاكرة انك وقعتي اسم الشعراوي من تجارة الذهب، وخليها تحفظ اسمي كويس علشان هيكون الاسم اللي هيخلها تخاف تقف قصاده.
استدار بجسده..متوجهًا صوب المحل الكبير، مقررًا تنفيذ رغبة والدته..والرضوخ لحاضر مظلم ومستقبل مجهول!.
***
عادت ميرڤت من شرودها وهي تهمس بندم:
– يعني لو كنت عاملت الواد حلو كان زمانه تحت ايدي دلوقتي.
أخرجت تنهيدة وهي تحاول التفكير بشكل جيد تستفيد منه…لا تنسى أمر عرضها القديم والذي عرضته على محمد أخيها بالتصالح وزواج سليم ونهى..حتى أنها شعرت بترحيب طفيف منه، ولكن العقربة منال كما تطلق عليها وسليم عارضوا بشدة.
كانت محاولة قديمة لكسب سليم لصفها، فشخصية مثله بذكائه وقوة شخصيته ونجاحه في إعادة هيكلة المحلات ونجاحه المثمر في تجارة الذهب، يجعلها تعيد التفكير به..لعب الطمع مجددًا بها وركضت خلفه تلهث تقسم على تحقيق أمانيها رغم كرهها لهم.
وقفت قائلة بحماس:
– طيب وإيه يعني ما الفرصة لسه قدامي، وإن معرفتش احققها..اقهره واشمت فيه.
***
بعد مرور عدة ساعات.
– إزاي ياعني سيبتها تمشي!.
خرج يزن عن هدوئه الدائم، وفقد أعصابه موجها حديثه لوالدته التي كانت تبكي بزاوية في أحد اركان غرفتها:
– اعمل إيه أصرت والله!.
تحرك يزن يمينًا ويسارًا..وخلخل أصابعه بشعره الكثيف مشددًا عليه يحاول التفكير:
– ياعني إحنا هنجيبها من القطر ازاي دلوقتي، يا ماما كنتي رجعيني من شغلي وقوليلي كنت قعدتها.
– اتصلت بيك كتير تليفونك غير متاح وزيدان مبيردش، و بعديز مرضيتش يابني، وقالتلي لو أصريت عليها هتاخد أنس.
– مين اللي ياخد أنس.
اندفع زيدان للغرفة بقلق، حينما استمع لصوت بكاء والدته:
– شمس مشيت من البيت وسافرت اسكندرية علشان تقعد في شقة أبوها اللي أمك وأبوك مش فاكرين أصلا عنوانها إيه.
زفرت منال بعصبية بعدما تفاقم لديها الحزن وشعرت بألم حاد برأسها:
– نسيت اسالها يا يزن..نسيت.
نفخ زيدان بضيق حيث تراكمات الخيوط أمامه وشعر بصعوبة فكها:
-أخوك لو عرف هيخرب الدنيا فوق دماغنا.
انشغل يزن بالاتصال بشمس، ولكن هاتفها في كل مرة مغلقًا..بدأ في إرسال الرسائل لها على أمل أن تراها في أي وقت، بينما توجه زيدان لمنال يستفهم منها على التفاصيل، وما إن أنهت حديثها، حتى صاح زيدان:
– طيب خلاص هي سابت أنس، وشمس اكيد هترجعله تاني، لما ترجع مش هنخليها تمشي.
التفت يزن لوالدته يسألها باهتمام بعدما غاب عن ذهنه نقطة مهمة:
– هي سابت أنس ليه؟!
***
اغلقت شمس باب الشقة المملوكة لوالدها الحبيب رحمة الله عليه، حيث في اواخر مرضه اضطر لبيع جزء كبير من أملاكه بما فيهم منزله بالقاهرة وقرر شراء شقة بالمدينة المحببه له والباقي يقضي مصاريف علاجه الشهرية المكلفة، ونتيجة الظروف الصعبة التي مر بها لم يترك لشمس سوى تلك الشقة فقط.
طالعت الاثاث بعيون باكية، تتمنى عودة والدها لها، فقدانه سبب في شرخ كبير لديها، وجع غيابه مازال مؤثرًا بها يشعرها بمدى اشتياقها لمشاعر من الصعب الحصول عليها إلا منه هو…هو السند..والحماية..الاحتواء..الحنان..الأمان.. الحب دون مقابل..هو النبض الدائم، حتى وإن فرقهما الموت سيظل يحيى بقلبها..هو ببساطة تتلخص به كل المعاني السامية.
انفجرت شمس تجهش ببكاء أخرجت به كل الأوجاع التي مرت بها، تبكي..وتبكي فقط، تحاوط نفسها بيدها وكأنها تستمد الدفء التي افتقدته فجأة..تشعر بخواء يقتل روحها، وخوف يداهم عقلها بشراسة، لم تعرف ما الخطوة القادمة..ولم تحاول التنبؤ بمستقبلها المجهول..تركت نفسها للأيام..حتى وإن كانت مليئة بعواصف تسحق هيكل تماسكها..ولكن لن يهم، الأهم انها استطاعت الحفاظ على جزء من كرامتها المهدورة بسبب افعال سليم بحقها.. استطاعت استرداد روحها الغائبة وفقًا لقواعدها الجديدة.
استندت على الاريكة التي جلست عليها أثناء بكائها، وقامت تتفقد الشقة وتتذكر ذكرياتها البسيطة مع والدها هنا..شكرت الله أن جارتها في البناية صديقة والدها مازالت تحتفظ برقم هاتفها..والاخيرة لم تتأخر بل نفذت اوامر شمس بصدر رحب وأرسلت العاملات لتنظيف الشقة لاستقبال صاحبتها.
انتبهت لطرق الباب..مسحت دموعها ووقفت أمام المرآه تحكم حجابها وتمسح بواقي الدموع المتعلقة بجفنيها، ثم ذهبت تفتح الباب بابتسامتها الصافية:
– أهلاً يا طنط…اتفضلي.
دخلت ” ام رجاء” إلى الشقة تتابع نظافتها عن كثب، اطمئن قلبها وهي تتحدث لشمس:
– الحمد لله البنات ظبطوها في وقت قياسي، دي كانت متبهدلة!.
هزت شمس رأسها متفهمة نظرًا لتركها الشقة منذ وفاة والدها ولم تدخلها أبدًا، حتى حاجتها في تذكر تفاصيليها المحببه مع والدها منعها سليم منها، بسبب خوفه عليها من البكاء، حتى البكاء تدخل فيه ومنعها منه وهو أبسط حقوقها..استبدادي من الدرجة الاولى، و في ظل شرودها من اختيار افضل الالفاظ تليق به تعبر عن مدى قسوته..انطلقت ام رجاء تسألها بفضول:
– هو فين جوزك ..مجاش!.
ارتبكت للحظات من سؤالها، وامتلئت عيناها بالدموع..فتحولت ملامح الأخرى للحزن قائلة :
– البقاء لله يا حبيبتي.
قاطعتها شمس سريعًا وقررت الايجاب بصدق:
– بعد الشر..احم..كل الحكاية انا اطلقت.
شهقت بصدمة وهي تضرب فوق صدرها بخفة:
– لا حول ولا قوة إلا بالله…ده ابوكي كان بيقول أنه أمير وبيحبه اووووي، مكنش بيبطل كلام عنه.
تظاهرت شمس بادخال حقيبتها كي تحاول التحكم بنفسها، فلن تلعب دور الضعيفة الباكية بعد الآن.
– ربنا يوفقه في حياته، المهم يا ام رجاء عايزكي في موضوع مهم جدًا وياريت تسمعي الكلام فيه!.
استمعت السيدة باهتمام بالغ لشمس، تحرك رأسها بالايجاب مع كل كلمة تنطقها شمس في خطة وضعتها سابقًا كي تهرب من براثن سليم الشعراوي وتبدأ حياة جديدة…لقد هُيء لها عقلها هذا الوضع، ولم تدرك بمدى إصرار ذلك العنيد على جلوسها تحت مظلته، لن تصبح لغيره، ولن تخرج من كنفه أبدًا.
***
اغلقت ليال التلفاز بنفاذ صبر بعد محاولات عديدة في الانشغال عن ألم معدتها الزائد عن حده اليوم..فركت بطنها بيدها عدة مرات وآهات خافته تخرج منها.
نظرت للساعة فوجدتها قاربت على التاسعة، قررت الذهاب لصيدلية أفضل من التأخير أكثر.
ارتدت ثيابها بسرعة، وأغلقت باب شقتها ثم هبطت الدرج، توقفت على أعتاب المنزل تحارب تفكيرها الذي تحول فجأة نحو سيف..حتماً ستقابله بعد غياب دام لاسابيع، وتفشل محاولاتها في الابتعاد، لقد اختفت عن نظراته عمدًا، وهو بالتأكيد لم يكلف خاطره بالسؤال عنها.
زفرت بحنق من نفسها التى تتمنى أمورًا صعبة الحدوث..شعرت بحاجتها الشديدة للمسكنات كي تزول الالام معدتها..ولكن كيف يزول ضجيج عقلها والذي يبدوا أنه مرهقًا في الفترة الأخيرة.
رفعت رأسها تستنشق الهواء ثم قررت الذهاب دون أن ترفع وجهها وتقابل نظراته التي اشتاقت لها بكل مافيها من مشاعر قد تجرحها كأنثى.
ذهبت في طريقها بخطوات سريعة وركزت أكثر على الالام معدتها كي لا تنجرف خلف فضولها، شعرت بجلوسه أمام ورشته، دق قلبها لهيبته، واتنفض عقلها يدفعها للنظر إليه..نظرة واحدة لن تضر أبدًا، تعجبت لاتفاق قلبها وعقلها لأول مرة..وفي ظل صخب تفكيرها وحيرتها..استمعت لصوته ينادى على صبيه.
وحقيقةً كانت حركة خبيثه منه، كي تنظر إليه، متأكدًا أن مجرد رد فعل بسيط منه يجعل كامل تركيزها عليه..وقد كان نظرت إليه ليال نظرة خاطفة تقابلت عيونها مع خاصته في لحظة دق قلبيهما معًا..ولأول مرة تتذوق حلاوة مشاعر من نوع خاص…يسمى بالحب..فبدت كالمراهقة حينما يصبغ وجهها باللون الأحمر القاني وتزوغ نظراتها من فرط اشتياقها لحبيب القلب.
لن تنكر أنها رأت لمحة من الاشتياق لها في نظراته المنصبة حولها، وكأن الزمن توقف فجأة..وتسمر الاناس من حولهما..وهما غارقين في لحظة تتوق كلاً منهما لها.
ولكن الواقع كان له رأي آخر حينما فصل تلك اللحظة الفريدة حيث اصطدمت ليال بحجر صغير فكادت أن تتعثر وتقع كالبلهاء لولا أنها تماسكت في اللحظة الأخيرة، حمدت الله على تماسكها ورفعت وجهها بحرج، فوجدته يبتسم بشدة وكأنه يشاهد فيلم كوميديًا، عبوس وجهها هو كان الرد المناسب له، وأيضًا فرارها السريع من أمامه مما جعله يضحك بشدة عليها.
أما بالأعلى فكان هناك شخص مجهول يحاول فتح باب ليال، بعد مراقبتها أيام عديدة..حتى أنه كان منتظرًا على السلم العلوي ينتظر خروجها …متعجبًا من عدم مغادرتها في المساء كعادتها.
***
دخلت ميرڤت إلى المحل تطالع سليم الجالس خلف كرسيه ينظر إلى الملفات بتركيز شديد، وبجانبه العم سعيد.. يشير إلى أمورًا متحدثًا باهتمام بالغ.
التوى فمها بتهكم حاقد:
– حتى وهو في عز أزمته بيشوف شغله، داهيه تاخدك يا سمير أنت وأبوك.
تقدمت منه بخطوات واثقة، وما إن رآها سعيد تجهم وجهه واستئذن مغادرًا، فقالت بتبرم:
– شوف الرجل كأني قاتله له قتيل.
رفع سليم وجهه عن الملفات أخيرًا متنهدًا بخفوت وبنبرة فاترة أخبرها:
– هو في حد بيطقيك لامؤاخذة!.
رفعت حاجبيها معًا بصدمة ثم نهرته بقولها الحاد:
– لا الزم حدودك أنا مهما كان عمتك..احترمني!.
رد بتسلية وابتسامة مستفزة:
– الاحترام ده بين الناس اللي بتحب بعضها، أما انا وانتي بنكره بعض.
ردت باستنكار زائف..وبدأت في تتفيذ خطتها الثانية بعدما قُبلت بتلك المعاملة منه:
– وأنا هكرهك ليه يا حبيبي، ده حتى أنا جاية ومتعاطفه معاك اوي، أصل زيدان حبيبي قال لنهى على اللي حصل.
تحفز عقل سليم وتشنج جسده، ملتزمًا الصمت منتظرًا استكمال حديثها، وما هي إلا ثواني حتى قالت بنبرة يندثر منها الخبث:
– قولت لابوك زمان سليم وشمس مش لايقين على بعض ومسيرهم هيطلقوا مصدقنيش..واهو اللي قولته حصل.
ضغط سليم فوق لحم شفتاه السفلي بغيظ شديد، مكورًا يده بغضب من زيدان الذي يصر على استفزازه…حتى أمر طلاقه جعله متاح للجميع وكأنه ينتقم منه.
– بس ولا يهمك تغور شمس وتيجي الف واحدة مكانها أحسن منها.
– مفيش حد هيكون زي شمس..حتى بنتك اللي انتي جايه تعرضيها عليا!.
– اعرضها عليك!.
رددت خلفه بتعجب، فهز رأسه بالايجاب وابتسامة غامضة تزين ثغره، فاستكملت حديثها:
– ابوك زمان عرض عليا وأنا اللي رفضت!.
ارتفع ضحكات سليم ثم رد بتهكم:
– ابويا بردوا…ده أنا سامعك بوداني وانتي هتموتي ويوافق على عرضك.
ضغطت فوق حقيبتها بإستشاطة، ولكنها أخفت ذلك ببراعة وردت بنبرة يندثر منها الشفقة:
– المهم…أنا جاية اقولك قلبي عندك يا حبيبي، حقيقي زعلت اوي علشانك.
– كنتي وفري جيتك، وخليكي في نفسك.
نهضت ميرڤت بعجرفة ترمقه بانتصار حتى لو كان ضعيفًا فالأهم أنها شفت غليلها منه، بينما انتظر سليم مغادرتها وهب واقفًا متوجهًا نحو منزله كي يواجه زيدان أمامهم جميعًا..لقد سأم من تصرفاته وتدخله بحياته دون وجه حق.
يتبع ……
لقراءة الفصل الرابع عشر : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!