روايات

رواية امرأة العقاب الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت التاسع والأربعون

رواية امرأة العقاب الجزء التاسع والأربعون

رواية امرأة العقاب الحلقة التاسعة والأربعون

_ جميلة !
ضيق عيناه باستغراب من نطقها لاسم جميلة بشكل مفاجيء وبطريقة غريبة هكذا لتتابع هي بغضب :
_ جميلة هي الي حاولت تقتلتني ياعدنان !
استحوذ عليه الذهول لبرهة من الوقت قبل أن يجيبها بصوت غليظ :
_ جميلة هي اللي خبطتك ؟
ردت جلنار بثبات :
_ أيوة مفيش غيرها في الشركة ليه مصلحة إنه يأذيني
تبدلت ملامحه من الدهشة لتصبح أكثر شراسة وغضبًا وبقى يتطلع لها في صمت ونظرات ملتهبة لم يكن يوجهها لها تحديدًا بل بدا وكأنه يفكر بشيء لم تفهمه جيدًا إلا عندما مسح على وجهه بعنف وسألها ببحة رجولية مريبة :
_ عرفتي إزاي ؟!
ثواني معدودة مرت وهي ترمقه بصمت كأنها تحاول اختراق عقله ومعرفة ما يفكر به لكنها بالأخير تنهدت الصعداء وسردت له كل شيء حدث معها بداية من دخولها چراچ السيارات حتى آخر شيء رأته قبل أن تغمض عيناها وتغيب عن الواقع ! .
بدأ لها ساكنًا وهادئًا بشكل مريب بخلاف ملامحه المخيفة ونظراته المظلمة .. وفجأة ابتسم ببعض الثقة والسخط :
_ أنا كنت شاكك فيها من البداية بس كنت منتظر أي إشارة تأكدلي شكوكي
تلك النظرات اشعرتها بالقلق قليلًا وخصوصًا أنها لا تتمكن من فهم نوياه فسألته بترقب وجدية :
_ هتعمل إيه ؟!
عدنان بهدوء وبساطة مريبة :
_ مش هعملها حاجة حاليًا .. هتأكد الأول تمامًا إنها ورا اللي حصل وبعدين هتصرف .. عشان لو طلعت بجد هي اللي عملت كدا هتبقى جنت على روحها
انهى عباراته واستدار يهم بالانصراف لولا أنها قبضت على رسغه توقفه وتتطلعه بنظرة راجية وقلقة وسط همستها الرقيق باسمه :
_ عدنان !
سكن أمام نظراته وهمستها للحظة وقد لانت حدة قسماته وتلاشي الظلام عن عينيه .. ثم انزل نظره لكفها المقبض على ذراعه وابعده بحنو ليحتضنه بين كفيه ويتقدم خطوة منها جعلته أمامها مباشرة لا يفصله عنه شيء ومال عليه يهمس أمام وجهها بنظرة ثاقبة تعلمها جيدًا ونبرة مغلفة بالبأس والآمان :
_ لسا متخلقش اللي يأذي حرم عدنان الشافعي .. أنا معنديش اغلي منك إنتي وبنتي واللي يحاول يأذيكم همحيه من على وش الأرض أي كان هو مين
لم تسبق ورأته بهذه الحالة أو يتحدث هكذا من قبل .. مما جعلها تتجمد مكانها وهي تحدقه بعدم استيعاب ودهشة قبل أن تسمعه يكمل بجدية وصوت لين :
_ أنا وهمشي عشان اتأخرت .. ومتجيش النهارده الشركة خليكي في البيت معلش
سكن وكأنه ينتظر منها الرد فهزت رأسها بالموافقة دون أن تتفوه بأي كلمة بينما هو فانحنى عليها أكثر ولثم وجنتها بحب  هامسًا :
_ خلي بالك من نفسك ولو عوزتي حاجة اتصلي بيا
أماءت له مرة أخرى بشكل لا إرادي من فرط دهشتها واستقرت نظراتها عليها وهو يغادر بعد أن ودعها بابتسامة ونظرة دافئة ! ….
                                     ***
بعد مرور ثلاث ساعات تقريبًا ……
توقف السائق بالسيارة أمام منزل نشأت الرازي ففتحت جلنار باب مقعدها بسرعة وقالت بإيجاز سريع قبل أن تنزل :
_ امشي إنت ؟
أجاب السائق الخاص برسمية :
_ هستنى حضرتك هنا يا هانم .. الباشا منبه إني مسبكيش وحدك
جلنار بعصبية :
_ سمعت أنا قولت إيه ولا اكرر تاني
كتم السائق فمه ولم يتفوه مرة أخرى أما هي فنزلت وقادت خطواتها شبه ركضًا لباب المنزل القلق والخوف يستحوذها بالكامل .
طرقت الباب بقوة لثلاث مرات متتالية وبعد ثواني معدودة فتحت لها الخادمة الباب .. فاندفعت جلنار للداخل بتلهف هاتفة :
_ بابا ماله يا منيرة ؟!
ردت بهدوء ونبرة مرتاحة على عكس التي حدثتها بها منذ قليل بالهاتف :
_ كان تعبان جدًا وأنا الصراحة خوفت واتخضيت لما لقيته بيترعش ومش قادر يتكلم وبعدين أغمى عليه فاتصلت بحضرتك فورًا .. بس الحمدلله الدكتور جه وبقى كويس شوية دلوقتي بعد ما كشف عليه
جلنار بقلق :
_ هو في اوضته مش كدا ؟
هزت منيرة رأسها بالإيجاب فاندفعت جلنار للأعلى مسرعة .. لا تتمكن من إخفاء خلعها وفزعها على أبيها فمكالمة الخادمة وصوتها المزعور جعلها تتخيل أن والدها يلفظ أنفاسه الأخيرة مما دفعها للقدوم إليه فورًا ! .
وصلت للطابق الثاني من المنزل واتجهت إلى غرفته .. كان الباب مفتوحًا وهو ممدًا فوق فراشه والغطاء فوق جسده حتى صدره ، مغمضًا عيناه بتعب ملحوظ فوق معالم وجهه .. اقتربت منه وجذبت مقعد لتجلس بجوار فراشه هاتفة باهتمام :
_ بابا إنت كويس ؟
فتح نشأت عيناه دفعة واحدة بصدمة فور سماعها لصوت ابنته وطالعها مطولًا بعدم استيعاب هامسًا :
_ جلنار !!!
جلنار بصوت خافت وقلق :
_ منيرة اتصلت بيا لما تعبت وقالتلي على اللي حصلك .. الدكتور قالك إيه وإيه سبب التعب ده ؟
رأت ابتسامة السرور ترتفع لثغره فتنير وجهه الذابل وهو يرمقها بحنو ثم يعتدل قليلًا في نومه ويتمتم بصوت رخيم ومبحوح :
_ أنا كويس يابنتي الحمدلله .. أنا بس أهملت شوية في علاجي وأكلي فمستوى السكر نزل عشان كدا تعبت
غضنت حاجبيها بصدمة وردت فورًا :
_ سكر .. إنت معندكش سكر ؟
_ أنا مكنتش اعرف بس لما تعبت من فترة وروحت للدكتور قالي إني عندي السكر
سكنت لوهلة تتطلعه بأسى وعينان لامعة بالعبارات .. الخطأ الذي اقرفته بحقها وظلمه لها خلق سدًا بينهم وفصل الأب والابنة .. حتى أنها لا تعرف بمرضه وتكتشفه الآن كالغريب ! .
ابتسمت بعد ذلك بلطف وتمتمت :
_ طيب إنت كويس دلوقتي ؟
نشأت بنظرات أبوية حانية وسعيدة :
_ مش إنتي جيتي تتطمني عليا وتشوفيني بنفسك صدقيني ده عندي بالدنيا ، وبقيت زي الفل بعد ما شوفتك يابنتي
غامت عيناها بالدموع وقبل أن تفقد السيطرة على زمام نفسها هتفت وهي تهم بالوقوف :
_ أنا هفضل موجودة هنا النهارده لغاية ما تتحسن وهنزل دلوقتي اعملك الأكل عشان تاخد العلاج
حين تطلعت بعينيه في تدقيق رأت دموعه بهم .. استطاعت فهم نظراته جيدًا كانت تحمل مشاعر كثيرة ما بين الندم والأسف والفرحة .. جعلتها تبتسم له بدفء ثم استدارت وغادرت ثم قادت خطواتها على الدرج للطابق الأول وقد خانتها دمعة متمردة وسقطت فوق وجنتها فأسرعت ومسحتها قبل أن تراه منيرة وأكملت طريقها باتجاه المطبخ ! …..
                                 ***
بتمام الساعة التاسعة مساءًا ……….
كانت عيناه عالقة على داخل تلك المكتبة تحديدًا عليها هي وذلك الشاب الغريب الذي تتحدث معه بتلقائية تامة وتضحك وتمزح .
يقف بسيارته في الخارج ويتابعهم تقريبًا منذ ما يقارب العشر دقائق .. حتى طفح كيله ونيران الغيرة والغضب اشتعلت في صدره بقوة لتجعل نظراته أكثر نارية وحدة .. مسح على وجهه متأففًا ثم أخرج هاتفه وأجرى اتصال ليرفع الهاتف إلي أذنه يستمع للرنين وعينيه مازالت ثابتة عليها .
أجابت هي دون التحقق من هوية المتصل بالأول بسبب انشغالها بالحديث المرح مع رأفت وعندما ردت وسمعت صوته المتحشرج :
_ أيوة يامهرة
تعرفت عليه فورًا من صوته فانزلت الهاتف تنظر لاسم المتصل لتتأكد ثم عادت ترفع الهاتف وتجيب بنظرات زائغة عن رأفت :
_ الو
آدم بحزم واستياء ملحوظ في نبرته :
_ أنا واقف برا بالعربية
اتسعت عيناها بدهشة وهتفت وهي تتلفت حولها باحثة عنه من خلال الزجاج :
_ برا فين !
آدم ببساطة وصوت مختنق :
_ عند المكان اللي بتشتغلي فيه .. اطلعيلي عايز اتكلم معاكي
فغرت فمها لا إرديًا من الذهول .. ودار بذهنها ألف سؤال محير في اللحظة الواحدة .. لكنها تدراكت نفسها وارسلت ابتسامة صافية لرأفت الذي يتطلعها باستغراب واهتمام ثم اشارت له بأنها ستبتعد قليلًا لتتمكن من التحدث براحة أكثر .
وبمجرد ابتعادها عن مسامعه هتفت لآدم بالهاتف :
_ إنت بتعمل إيه برا يا آدم ؟!!
غمغم بغيظ مكتوم :
_ بتفرج عليكم ! .. اطلعيلي يامهرة
أجابت برفض :
_ لا مش هطلع .. مينفعش
_ ليه ؟!
_ كدا .. مش هينفع يا آدم
جز على أسنانه بقوة وغيرة حارقة بدأت تظهر في صوته :
_ تمام يبقى أنا هدخلك !
صاحت مسرعة تمنعه فإن قال سيدخل إليها ، سيفعلها حقًا هو لا يمزح :
_ لا خلاص أنا طالعة
أغلق الاتصال وألقى بالهاتف في عصبية بسيطة بينما هي فانزلت الهاتف وتطلعت به لثواني مبتسمة ثم همست بعدم حيلة وهيام :
_ مجنون والله .. لما نشوف اخرتها معاك يا أستاذ آدم
حين التفتت خلفها لرأفت فوجدته يتحدث بالهاتف تنهدت براحة وغادرت مسرعة ..  لمحت سيارته على الجانب الآخر من الطريق فوقفت وتلفتت حولها تتفقد الشارع جيدًا من خلو السيارات ثم عبرت بسرعة ووصلت إليه لتستقل بالمقعد المجاور له في السيارة .
انكشم جسدها بعض الشيء في المقعد بعدما رأت ملامح وجهه المتقدة وقبل أن تتحدث باغتها هو بسؤاله المنزعج :
_ مين ده اللي قاعدة معاه ؟
_ نعم !!!
آدم بعينان مشتعلة بنيران الغيرة وهو يشير على المكتبة بأصبعه :
_ مين ده يامهرة ؟!!!
دققت النظر به للحظات من الصمت القاتل بينهم وهي ليست بساذجة حتى لا ترى الغيرة النابعة من عينيه وفي صوته .. جعلتها تبتسم داخليًا بسعادة لكنها أبت الخنوع له وقالت بحزم متصنع وهي تشيح بوجهها عنه تمامًا :
_ وأنا مش مجبرة افسرلك كل حاجة في حياتي
آدم بخنق :
_ وأنا مش بطلب منك تفسير أنا سألتك بس مين ده ؟
تطلعت به بقوة وهتفت :
_ وعايزة تعرف ليه ؟!
سكت للحظة بضبط ثم تمتم بهدوء تام :
_ عشان يهمني اعرف
ثبتت نظراتها الثاقبة والمتحدية عليه تعيد نفس السؤال لكن بنبرة وتعبير وجه مختلف :
_ ليه ؟
رمقها مطولًا في صمت تام وأعين دافئة .. حاول التحدث والاعتراف لكنه فشل بالاخير فعادت هي تسأله للمرة الثالثة بجدية وقوة :
_ إنت مش عايز تبعد عني ليه يا آدم ؟!!
اشاح وجهه عنها وارتفع صدره مع شهيقًا قوى تنفسه ثم هبط تدريجيًا مع زفيره المتهمل .. وبعدها عاد ينظر لها من جديد بثبات وعمق مجيبًا :
_ عشان مش قادر ابعد عنك !
قد يكون هذا افضل اعتراف رغبته بهذه اللحظة منه حتى لو لم يكن المثاليًا لكنه يكفيها .. شعرت بنبضات قلبها تتسارع والإبتسامة الخجلة والفرحة تصارع لتخرج فوق ثغرها .. وبصعوبة بالغة تحكمت بزمامها لكن صمودها لن يدوم كثيرًا فقررت الرحيل وعندما فتحت الباب وكانت على وشك النزول قبض على رسغها هاتفًا :
_ معاكي قد إيه لغاية ما تخلصي ؟
لم تعانده كعادتها هذه المرة بل ردت دون تفكير :
_ نص ساعة
_ هستناكي هنا واوصلك معايا
سكتت لثلاث ثواني ثم غمغمت برفض بسيط :
_ لا أنا هروح وحدي امشي إنت
ثم جذبت يدها من قبضته ونزلت لكن قبل أن تغلق باب السيارة بعد نزولها سمعته يهتف بنبرة رجولية خشنة :
_ أنا مستنيكي يامهرة !
لم يبالي برفضها وكالعادة سيفعل ما يريده رغمًا عنها .. لكنها ليست في الوضع أو الوقت المناسب الذي يمكنها من معاندته ومعارضته حيث اكتفت بنظرة جامدة ثم ابتعدت وعبرت الشارع بسرعة وهي تبتسم باستحياء وسعادة .. وقبل دخولها للمكتبة توقفت والتفتت برأسها للخلف فتتلاقى نظراتهم معًا في صمت لثواني قبل أن تستدير برأسها وتدخل وهي لا تستطيع التحكم بتلك الابتسامة الساذجة التي فوق شفتيها ! .
                                  ***
ركضت الصغيرة على باب المنزل بعد سماعها لصوت الرنين العالي وقد رجحت أن الطارق أبيها لذلك هرولت مسرعة لتفتح له الباب .
تعلقت بمقبض الباب وفتحت الباب فقابلت والدها أمامها كما توقعت .. لتقفز فرحًا وترتمي عليه فيحملها هو ضاحكًا ويلثم وجنتيها بحنو متمتمًا في شوق :
_وحشتيني ياهنايا
ردت برقة معهودة :
_ وإنت كمان يا بابي
كانت خلفها منيرة التي توقفت عندما رأت عدنان وابتسمت بعذوبة ترسل ترحيبها من خلال الابتسامة وعندما خرجت جلنار من المطبخ فاستدارت هي وانصرفت .. قادت جلنار خطواتها الهادئة نحوه حتى وقفت أمامه مباشرة فسألها هو بنبرة رزينة وجادة :
_ أخباره إيه دلوقتي ؟
جلنار :
_ بقى كويس الحمدلله
_ أنا هطلع اشوفه هو في أوضته مش كدا ؟
هزت رأسها بالإيجاب فانحنى وانزل ابنته من فوق ذراعيه هاتفًا :
_ أنا هطلع أطمن على جدو ياحبيبتي وخليكي هنا مع ماما
زمت شفتيها بعبوس وتمتمت :
_ اجي معاك يا بابي
عدنان بلطف :
_ لا خليكي هنا .. اسمعي الكلام ياهنون
عبست وأماءت برأسها في موافقة  مقتضبة لينحنى عليها ويطبع قبلة سريعة فوق شعرها ثم ينتصب ويقود خطواته الطبيعية للطابق الثاني حيث غرفة نشأت .. وسط نظرات جلنار المتعجبة من رفضة لبقاء الصغيرة معهم ! .
طرق عدنان عدة طرقات خفيفة فوق الباب فسمح صوته يسمح بالدخول .. فتح الباب ودخل ثم أغلقه خلفه .. اعتدل نشأت في جلسته فور رؤيته له بينما الآخر فاقترب وجلس على المقعد القريب منه وتمتم بجدية :
_ الف سلامة عليك يا نشأت
نشأت بنظرات دقيقة وقلق :
_ قولت لجلنار حاجة ياعدنان ؟
ابتسم ورد بالرفض في خفوت :
_ لا هحترم رغبتك ومش هقولها .. بس لازم تقولها
تنهد نشأت الصعداء بأسى وتمتم في ابتسامة مريرة :
_ يمكن تكون دي أيامي الأخيرة فمش حابب اعيشها في قلق وحزن مع بنتي بعد ما سامحتني أخيرًا الحمدلله .. هقولها بس مش دلوقتي
لأول مرة يبتسم له عدنان بصفاء وإشفاق متمتمًا بضحكة ممازحة :
_ عمر الشقي بقي  .. متقلقش مش هتموت ياحمايا الغالي
ضحك نشأت مغلوبًا منه ثم هتف بنظرة شرسة :
_ مبقتش الغالي خلاص .. صدقني لو زعلت جلنار أو اشتكت منك في حاجة قول على نفسك يا رحمان يا رحيم ياعدنان
قهقه الآخر بصوت عالى نسبيًا ثم رد في برود غامزًا بخبث :
_ هسمحلك تهددني بس يارزاي عشان التطورات دي عجباني وعشان كمان ده مش هيحصل
طالعه نشأت بنظرة جانبية لئيمة ومبتسمًا ثم باللحظة التالية انفتح الباب ودخلت جلنار وكانت خلفها الصغيرة التي أصرت على الذهاب معها .. أشار لها نشأت بابتسامة دافئة أن تدخل ففعلت واقتربت منهم لتقف في مساحة بالمنتصف بين مقعد عدنان وفراش أبيها وتنقل نظرها بينهم بشك حتى سألت بجدية :
_ في إيه ؟
تبادلوا الاثنين النظرات بتصنع عدم الفهم حتى رد نشأت باسمًا :
_ مفيش حاجة ياحبيبتي
عقدت ذراعيها أسفل صدرها وطالعتهم بثبات تقول في غيظ :
_ يعني مفيش اتفاق جديد من ورايا ومخبين عني مثلًا ؟!
ضحك عدنان بخفة ثم رد بالإيجاب :
_ في !
تقوست ملامح وجهها بدهشة بسيطة ثم أخذت تنقل عينيها بينهم ببشائر غضب تلوح فوق صفحة وجهها الناعمة وتنتظر منهم أن يفسروا لها نوع الاتفاق هذا حتى سمعت زوجها يكمل بابتسامته العبثية والماكرة لنشأت :
_ كان بيهددني إني لو زعلتك مش هيرحمني
لان تشنج عضلات وجهها وارتخت تمامًا لتعود وتتبادل النظرات بينهم باستغراب لكن بالنهاية تأففت بعدم حيلة منهم .
هتف نشأت محدثًا عدنان :
_ خليك هنا الليلة مع جلنار وهنا ياعدنان
رد بعبث وبرود متعمد ليثير أعصاب الآخر :
_ sure
ياحمايا مش هسيب مراتي وبنتي بعيد عني .. يعني أنا مش مستني عزومة
نجح بالفعل في إشعال فتيل نشأت الذي تطلع بابنته وقال في غيظ :
_ خدي جوزك يا جلنار وروحوا على اوضتكم
ضحكت بصمت عليهم ثم اشارت بنظرها لعدنان أن يأتي معها وتطلعت لهنا تقول بحنو :
_ يلا ياهنا ياحبيبتي
هتف نشأت مسرعًا :
_ لا سبيي هنا هتبات الليلة دي مع جدو مش كدا ياهنون
اتسعت ابتسامة الصغيرة وركضت على جدها لتصعد بجواره على الفراش وترتمي بين ذراعيه هاتفة لوالديها :
_ أيوة أنا هنام هنا مع جدو
جلنار :
_ خلاص يا حبيبتي نامي مع جدو .. يلا تصبحوا على خير
رد نشأت بعذوبة :
_ وإنتوا من أهله
ارسل عدنان غمزة وقبلة في الهواء لابنته ففعلت هي المثل بضحكتها الطفولية الساحرة وبعدها تابعتهم حتى غادروا الغرفة فوضعت رأسها فوق صدر جدها وهتفت برقة جميلة :
_ جدو احكيلي حدوتة
ضحك نشأت وقال بحب :
_ بس كدا .. احكيلك حدوتة واتنين وتلاوة لغاية ما تزهقي ياحبيبة جدو
                                    ***
داخل المتجر الخاص بزينة .. بثاني يوم تذهب له حتى تعد التجهيزات البدائية قبل أن تبدأ بالتجهيزات الرسمية والمهمة .. وكانت تجلس بجوار هشام الذي يتفحص هاتفه منذ دقيقتين تقريبًا لكي يرى شيئًا مهمًا .. فقاطعته وسألت بصوت عابس :
_ إنت كنت عارف بموضوع الشركة ده ؟
تطلعها هشام بصمت لبرهة وتعجب من سؤالها لكنه أماء بالأخير في إيجاب لتتنهد هي بضيق وتتمتم :
_ ماما حكتلي النهارده الصبح كل حاجة .. أنا فهمت أسباب ماما وأنها خبت عليا لأن بابا طلب منها لكن إنت وهو خبيتوا عني ليه !
عدل من وضعية المقعد ليصبح مواجهًا لها واجابها برزانة وحنو :
_ احنا مخبناش عنك يا زينة دي كانت مفاجأة .. الشركة دي كانت بتاعت خالي من البداية بس كان في شغل وصفقات بينه هو واللي ال*** رائد ده .. وهو قدر ينصب عليه وياخد منه الشركة .. بس خالي قدر يرجعها تاني وبنفس الطريقة اللي سرقها منه يعني نصب عليه كمان بس الفرق إنه رجع حقه مخدش حاجة مش بتعته .. لكن الحيوان التاني معتبرها بتاعته وعشان كدا بيقول إن والدك سرقها منه … وخالي كتب الشركة باسمك كان ناوي يفتحلك شركة أزياء ليكي وأنا كنت عارف وكنت هساعده وهنعملها مفاجأة ليكي .. بس اتوفى بعد الكلام ده بفترة قريبة .. ربنا يرحمه
أدمعت عيناها وهي تستمع لحديثه لتنهمر غزيرة فوق وجنتيها عند آخر عباراته وردت شبه باكية بألم :
_وحشني أوي يا هشام نفسي اشوفه واحضنه
مد يده واحتضن كفها بدفء وحنو متمتمًا في لطف :
_ وأنا كمان وحشني بس هو في مكان افضل مننا كلنا ادعيله بالرحمة
حدقت به لدقيقة وهي تبكي بصمت وفجأة وجدها ترتمي عليه وتعانقه بقوة .. لا تدري لماذا وكيف فعلتها لكن شعور داخلي حثها على ذلك ودفعها لمعانقته .. أما هو فتوقفت يديه في الهواء متجمدة بصدمة وهو يشعر بها ملتصقة به وذراعيها حول رقبته ووجهها فوق كتفه وانفاسها الدافئة تلفح رقبته .
لا إردايًا ازدادت نبضات قلبه وارتفعت الابتسامة العاشقة لثغره فارخي عضلات ذراعيه وضمها بهم مغمضًا عيناه يتلذذ بجمال اللحظة المميزة .. دفن وجهه بين خصلات شعرها يستنشق رائحتها الرائعة كالمدمن .. كاد لسانه أن يتحدث ويعترف لها بحبه لكنها ابتعدت فجأة وكأنها كانت مغيبة وفاقت لتدرك ما فعلته .. رفعت أناملها وارجعت خصلات شعرها خلف أذنها بخجل تقول متلعثمة وهي تهب واقفة :
_ أنا هروح اشوف اللي عملناه جوا خلص ولا لسا
طالت نظراته الهائمة بها كأنه ثملًا أما هي فالتفتت واسرعت مهرولة للداخل حتى تختفي عن أنظاره ومن فعلتها المخجلة !!!
                                   ***
داخل غرفة جلنار بمنزل نشأت الرازي ……..
كان يجلس على الأريكة ويتنقل بنظره بين أرجاء الغرفة يتفحصها بتدقيق .. للمرة الأولى يدخل غرفتها بمنزلها هنا .. كان طلاء الحوائط ممتزج ما بين اللون الأحمر والأبيض والأثاث كله من اللون الأبيض حتى الأرضية والسجاد .. وفوق الفراش بالضبط صورة عريضة وضخمة لها وهي ترتدي ثوب طويل وبأكمام طويلة من اللون البني وفوق رأسها قبعة شمسية لونها أبيض ومن خلفها مياه البحر وشعرها يتطاير حولها بعفوية .
انغمس في جمال الصورة وبقى يتأملها لوقت طويل مبتسمًا بغرام .. عيناه تتفحص كل أنش في الصورة وكأنه يحفر أدق تفاصيلها في عقله حتى لا تغادره أبدًا .
خرجت هي من الحمام بعدما انتهت من حمامها الدافيء فتصلبت مكانها عندما رأته شاردًا بصورتها وعلى شفتيه تلك الابتسامة .. ظنته لا يشعر بها أساسًا لكنه خيب ظنها وتمتم دون أن يحيد بنظره عن الصورة :
_ تخطف الأنفاس !
رمقته بعدم فهم فاستقام واقفًا وتقدم منها ثم قال غامزًا بعشق :
_ اللي في الصورة .. رمانتي !
ابتسمت له باستحياء وخطفت نظرة سريعة للصورة ثم قالت بصوت أنثوي ناعم :
_ الصورة دي كانت في Holiday بعد ما خلصت آخر سنة جامعة وبابا أخدنا أنا وماما الله يرحمها وعملنا refresh للمود ومن الضغوط وكل حاجة .. كانت أجمل أجازة قضتيها والصورة دي ماما أصرت عليا اتصورها وبعدين بابا عملها بالشكل ده وعلقهالي في أوضتي هنا
غمز لها بلؤم وهمس مشاكسًا بابتسامة عريضة :
_ عقبال honeymoon بتاعنا يارمانة
قهقهت بقوة واجابته بدهشة بسيطة :
_ honeymoon مرة واحدة
_ إنتي الإجازة بتاعتك holiday لكن أنا دي هي العطلة بتاعتي
ابتسمت له بعاطفة جيَّاشة .. رغبت لو تقترب أكثر وتزيح العوائق التي بينهم لكن خوفها يستمر في تعكير صفو حياتها .. وتستمر في التفكير هل قد يكون مازال يحب فريدة حتى الآن أم أنها غادرت قلبه كما غادرت حياته .. ولا تزال تفكر بكلام جميلة .. قلبها وعقلها يحثانها على فعل شيء سخيف حتى تريح نفسها من كثرة التفكير وتنهى عذابها .. لكنها حتى الآن ترفض ذلك الاختيار !!! .
استفاقت على لمسة شفتيه لوجنتها فابتسمت له وصرخ بها عقلها أن توقفه لكنها تجاهلت ذلك الصوت تمامًا واتبعت قلبها المشتاق له .. وسمحت لقلبها بحرية السعادة والانتعاش .. لتترك الأنثى نفسها بين ذراعين عُقابها !! .
بعد ساعات كان يجلس على الفراش ويستند بظهره على ظهر الفراش وهي تضع رأسها فوق صدره ساكنة تمامًا وتفكر بكلامه في الصباح لتسأله بتلقائية :
_ اتأكدت إذا كانت جميلة هي اللي ورا الحريق ولا لا ؟
تشنجت عضلات وجهه فور نطقها لاسمها ليوميء برأسه في إيجاب هامسًا :
_ أيوة هي اللي عملت كدا
اعتدلت جلنار في نومتها وهتفت بفضول :
_ وهتعملها إيه ؟!
أخذ نفسًا عميقًا ورد باسمًا بنظرة شيطانية مريبة :
_ هتعرفي بكرا يا رمانتي .. اعملي حسابك عشان هتيجي معايا بكرا الشركة
تمتمت بقلق وعدم اطمئنان من نظرته :
_ عدنان إنت ناوي على إيه ؟!
مال عليها ولثم وجنتيها بحب هامسًا في هدوء أعصاب مريب :
_ هاخد حق مراتي
_ طيب قولي حتى هتعمل إيه !
غمز لها باسمًا وهز رأسه نافيًا يجيبها :
_ تؤتؤ .. surprise
زفرت بخنق ويأس ليضحك هو بخفة ويجذبها لحضنه متمتمًا في استنكار وعبث :
_ إيه هو إنتي خايفة عليها مني ولا إيه
تطلعته بنظرة ساخرة ثم هدرت بثبات :
_ لا طبعًا واخاف على واحدة زي دي ليه .. أنا بس قلقانة من اللي بيدور في دماغك
قبَّل شعرها بحنو وتمتم :
_ لا متقلقيش .. وخليكي واثقة فيا !
هزت رأسها بالإيجاب ورفعت جسدها قليلًا حتى تصل لوجهه وطبعت قبلة عميقة فوق وجنته ولحيته ليبتسم لها بلؤم وعشق ثم مد يده ليغلق ضوء الغرفة !!! …..
                                   ***
بصباح يوم جديد ومختلف تحديدًا داخل غرفة مكتب عدنان الخاصة بمقر الشركة …..
كان يجلس فوق مقعده أمام المكتب وجلنار كانت تجلس على الأريكة واضعة ساقًا فوق الأخرى وبين كل لحظة والأخرى تنظر له ومنتظرة منه تفسير لسبب وجودها هنا وانتظارهم للشيء المجهول بالنسبة لها .. لكنها بكل مرة تنظر فيها إليه يشير إليها بأن تنتظر لبعض الوقت .
مرت خمس دقائق حتى انفتح الباب وظهرت من خلفه جميلة .. تقدمت خطوتين بخوف وارتيعاد فقد علمت في الصباح فقط أن أمرها انكشف والجميع عرف بأنها المتسببة في ذلك الحريق .. حتى أنها حاولت الهروب لكنها لم تستطيع وفشلت .
وقفت بمسافة بعيدة عن عدنان بالأخص وهي تتحاشى النظر إليه في خوف ، بينما جلنار فأخذت تتطلع إليه بعدم فهم وتعود وترمق جميلة بغضب شديد .. فوجدت زوجها يهب واقفًا من مقعده ويتقدم باتجاه جميلة حتى وقف أمامها مباشرة وهتف بنظرات مظلمة ومرعبة :
_ لعبتي في عداد عمرك ياجميلة وأنا محدش يلعب معايا .. خلينا متفقين إني مكنتش متوقع أبدًا إن توصل بيكي الجراءة والشجاعة إنك تحاول تقربي من مراتي وتأذيها .. وزي ما إنتي خالفتي توقعاتي عقابي كمان هيكون غير متوقع بالنسبالك
كانت تتطلع إليه برهبة وقلبها يرتجف من الرعب وعيناها بدأت بزرف الدموع حتى سمعته يكمل بالجملة التي سقطت عليها كالصاعقة :
_ بس قبل ما عقابي يبدأ في عقاب تاني مميز ليكي وهيكون من جلنار .. هي اللي هتقرره وأي كان العقاب اللي هتختاره هيتنفذ …………………………………. !!!
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!