روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الخمسون 50 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الخمسون 50 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الخمسون

رواية امرأة العقاب الجزء الخمسون

رواية امرأة العقاب الحلقة الخمسون

صمت قاتل ملأ الغرفة بأكملها من بين نظرات الدهشة والخوف والغضب بعد الجملة الأخيرة التي تفوه بها وهو يترك حرية اختيار العِقاب لزوجته ! .
لحظة وأثنين وثلاثة حتى استعادت جلنار بأسها ونظراتها القوية لتهب واقفة وتنقل نظرها بينهم بسكون وغموض غريب أرعب جميلة .
بعد ثانية بالضبط كانت  تتقدم منها فتراجع عدنان للخلف .. ووقفت هي أمامها ترمقها مطولًا بأعين ممتلئة بالغضب والثبات الانفعالي المريب .. السكون الذي تستخدمه وعامل الإثارة لمعرفة نوع العقاب الذي ستقرره كان خير عقاب لها حيث أنها كانت تُعاقب في الثانية ألف مرة بهذا الصمت المميت .
ارتفع صدر جلنار بشهيقًا طويلًا وهبط مع زفيرًا متهملًا ثم اعتلت وجهها ابتسامة ساخرة ونظرة وضيعة خرج معها صوتها أخيرًا وهي تقول بقوة تليق بها :
_ أنا مش هعملك حاجة عارفة ليه .. عشان مشفقة عليكي من الغل والحقد اللي مالي قلبك وبيتهأيلي ده اقسى عقاب ممكن ربنا يعاقب بيه البني آدم إنه ينتزع من قلبه الرحمة .. وعشان كدا هكتفى بحاجة واحدة بس إني هقولك ملكيش مكان في الشركة ومش عايزة اشوف وشك تاني أبدًا
ابتسم عدنان من الخلف ثم تحرك إلى زوجته ووقف خلفها ليحاوطها من خصرها بذراعه ويميل على رأسه يقبلها برفق متمتمًا ونظراته الملتهبة ثابتة على جميلة :
_ اطمني من ناحية مش هتشوفي وشها فمفيش حد أبدًا هيشوفها تاني أساسًا ياحبيبتي
التفتت جلنار له تتطلعه ببعض الاستغراب وعدم الفهم بينما هو فتركها وابتعد عنها ليقبض على ذراع جميلة ويهتف في نبرة قذفت الرعب في قلبها وأصابتها بالصدمة :
_ يلا عشان عقابي بدأ والبوليس مستنيكي تحت
جميلة بصدمة ورعب :
_ بوليس !! .. لا لا .. سامحني ياعدنان .. أنا آسفة يا جلنار ، ابوس إيدك متسجنيش
لم يبالي بكلمة واحدة مما سمعها من توسلاتها بل جرها معه للخارج في قسوة وسط نظرات جميع الموظفين المذهولة والخائفة قليلًا .
ظلت جلنار مستمرة بأرضها في عدم استيعاب وعلى عكس المتوقع لم تلحق به بل استدارت بعد ثواني واقتربت من النافذة تنظر منها فترى سيارة الشرطة بالفعل في الأسفل وثم رأته وهو يخرج جميلة ويتركها ليمسك بذراعها أحد العساكر ويدخلها للسيارة عنوة وسط بكائها .. وبعد دقيقتين تحركت السيارة بها وغادرت ودخل هو للشركة مرة أخرى .
كان الجميع يقفون يشاهدون الحدث الأكثر إثارة بالشركة وفور دخول عدنان انتفضوا وانتصبوا في وقفتهم برهبة .. بينما هو فتوقف ودار بنظره بينهم في حدة ثم ارتفع صوته الجهوري والمرعب هاتفًا :
_ اللي حصل دلوقتي ده عبرة للكل .. عشان لو حد فكر إنه يتخطى حدوده زيها يفتكر كويس إن العقاب هيكون عسير
_ كل واحد على شغله يـــلا
فور سماعهم لتلك الجملة تفرقوا فورًا وذهب الجميع لمكان عمله بسرعة في صمت بينما هو فأكمل طريقه باتجاه المصعد ليستقل به ثم انفتح الباب بعد لحظات أمام الطابق الثالث .. خرج وقاد خطواته إلى غرفة مكتبه .
فتح الباب ودخل ثم اغلقه وتقدم منها بعدما التفتت هي بجسدها له فور دخوله .. وعندما أصبح قبالها همست بهدوء :
_ ليه عملت كدا !
رفع كفه وملس على وجنتيها بإبهامه في رقة مغمغمًا بدفء وحزم معًا :
_ إنتي حنينة وطيبة ياجلنار وسامحتيها بس أنا لا .. ولا يمكن اتساهل في حقك يعني هي اخدت جزائها اللي تستحقه
هزت رأسها بالإيجاب في ابتسامة خافتة ليسترسل هو كلامه بنظرة عميقة مليئة بالآمان :
_ قولتلك إن أي حد هيحاول يأذيكي همحيه نهائي
مالت شفتيها من الجانبين مظهرة عن ابتسامة ناعمة .. وبعيناها كانت نظرة مغرمة لأبعد الحدود حيث مالت عليه ولفت ذراعيها حول رقبته تعانقه برقة هامسة برومانسية وبجملة تتفوها للوهلة الأولى :
_ ربنا يخليك ليا
غضن حاجبيه بدهشة وابتسامة سعيدة فأبعدها عنه برفق وهمس غير مصدقًا :
_ قولتي إيه !!
اتسعت ابتسامتها لتظهر أسنانها الناصعة وتكرر نفس الجملة بعاطفة أشد ورقة :
_ ربنا يخليك ليا ياعدنان
استطاعت أن ترى السعادة الحقيقية بنظراته لها ثم انحنى ولثم جبهتها بعدة قبلات متتالية وسط همسه النابع من صميمه :
_ ويخليكي ليا يارمانتي
سكنت للحظة بعد جملته ثم سألته مبتسمة بفضول حقيقي :
_ عدنان إنت ليه بتقولي يارمانتي .. أكيد مش اسمي بس هو السبب !!
ضحك بخفة ثم لف ذراعيه حول خصرها وجذبها إليه ليقول باسمًا بوداعة ومرح جميل :
_ عشان إنتي شبهه في كل حاجة
حدقته بعدم فهم فتابع هو :
_ لما شوفتك أول مرة وكنتي بتعيطي كان وشك كله أحمر ومع شعرك الأسود كان شكلك لا يمكن يتنسى .. دي نقطة ، وتاني نقطة إنك زي الرمان فيه لذعة قوية ومميزة مش بتخليك تنفر منه أبدًا بل بالعكس بتجذبك ليه أكتر .. وكمان شكله مغري
أنهي العبارة الأخيرة بغمزة جريئة منه لم تخجلها بل اضحكتها بقوة وقالت من بين ضحكها :
_ كنت قولتها من الأول بدل المقدمة العريضة دي !
قهقه وهتف بلؤم :
_ هي إيه دي .. إن الرمان مغري ولا رمانتي ؟
جلنار بخجل بسيط هذه المرة :
_ عدنان !
كادت أن تكمل كلامها لكنه بتر عباراته وغاص معها في لحظاتهم الخاصة والمميزة تمامًا كرمانته !!! .
                                   ***
داخل غرفة التصميم بالمتجر كانت تجلس زينة وتتحدث بالهاتف مع صديقتها في عفوية تامة …
_ مش عارفة ياسمر أنا إيه اللي بيحصلي !
ردت الأخرى بجدية :
_ زينة شيلي آدم من عقلك هو مستحيل يكون ليكي وهو بنفسه وضحلك ده
تنفست الصعداء بأسى وقالت :
_ عارفة يا سمر إن آدم لا يمكن يكون ليا بس غصب عني
سمر بحزم وخنق :
_ هو إيه ده اللي غصب عنك
زينة بضيق :
_ لما بشوفه بتوتر معرفش ليه !
سمر برزانة :
_ ده طبيعي صدقيني لكن إنتي شيلي الموضوع من دماغك نهائي ومتفكريش فيه
كان هشام بطريقه إليها في الداخل قبل أن يسمع اسم آدم ببداية كلامها مما جعله بتلقائية يقف بالخارج ويستمع لحديثها كامل مع صديقتها .
شعوره لا يمكن وصفه بهذه اللحظة إلا أنه كان يأس وغضب وغيرة .. هل هاجر لسنوات حتى يعود مجددًا ويسمعها تتحدث عن حبها من جديد .. لم يعد لديه الطاقة للتحمل أكثر من ذلك .. نزيف قلبه يزداد مع مرور الوقت ودوائه لا يبالي به ! .
أما بالداخل فالتفتت زينة بخضة عندما سمعت صوت ضجة بالخارج وقالت مسرعة تتحدث إلى سمر :
_ طيب اقفلي يا سمر دلوقتي وهكلمك تاني شوية
أنهت الاتصال معها واستقامت واقفة لتسرع للخارج بارتيعاد بسيط حتى ترى ما سبب تلك الضجة .. وتصلبت للحظة حين رأت هشام يسير لخارج المتجر بأكمله في خطوات مسرعة ويبدو أنه اسقط شيء عن غير عمد أثناء سيره .. فأسرعت خلفه وصاحت عليه :
_ هشام استنى
توقف مرغمًا على أثر صوتها ولم يلتفت لها بل هي التي اقتربت ووقفت أمامه تهتف بريبة :
_ إنت ماشي ليه ؟!
هشام بإيجاز دون أن يتطلع إليها :
_ ورايا مشوار مهم ولازم امشي
هم بالتحرك والانصراف فور إنهاء عبارته لكنها منعته وقبضت على رسغه هاتفة باهتمام وقلق :
_ مالك ياهشام .. إنت مضايق مني في حاجة ؟!
نظر لها بقوة وقال باستياء :
_ مفيش حاجة يا زينة .. أنا ماشي
لحقت به إلى الباب ووقفت حاجزًا بين وبين الباب تهتف بغضب بعدما تأكدت أنه يخفي شيء عنها :
_ مش هتمشي غير لما تفهمني في إيه !
مرر كفه على وجهه متأففًا بغيظ ونظرات مخيفة تراها للوهلة الأولى في عيناه دفعتها للتصميم أكثر على فهم سبب كل هذا الانزعاج !! .
حسم قراره أنه سينهى كل هذه السخافة الليلة .. لا مجال للعودة أو التردد .
تطلع بها بنظرة ثاقبة وسأل :
_ إنتي لسا بتحبي آدم يازينة ؟
الجمت الدهشة لسانها وطال تطلعها إليه دون الرد .. لا تفهم كيف عرف ومتى لكنه لم يمهلها اللحظة للتفكير حيث صاح بعصبية من صمتها :
_ بتحبيه ولا لا ؟!!! .. ردي عليا يازينة
فقدت القدرة على التحدث ولا تدري ماذا تقول .. فلن يسعفها عقلها ولسانها للإجابة عليه بالكلمات المناسبة .. وبالأخير أثرت الصمت الذي لم يكن خير رد أبدًا بل كان فتيل لإشتعال النيران وانفجار القنبلة المتجسدة أمامها في جسد إنسان .
حصل على إجابة سؤاله من صمتها .. وفسره كما اقنعه عقله .. فابتسم بعدم تصديق ومرارة وتحولت عيناه إلى جمرة حمراء ملتهبة تشع بالجموح والغيرة .
فقد زمام تحكمه في ذاته وانفعالاته فصاح بعدم وعي وسخط هادر :
_ أنا توقعت الإجابة دي برضوا .. هتفوقي إمتي .. كـــفــايـــة يا زينة .. أنا تعبت ومبقتش قادر استحمل اكتر من كدا .. معقول إنتي كل ده مش حاسة بيا ولا بحبي ليكي .. سنين وأنا بتعذب بسبب بعدك عني وعشقي وإنتي مش حاسة .. أنا مرجعتش بعد السنين والغياب وألم الشوق والفراق ده كله عشان اشوف حبك لآدم من تاني .. آدم اللي بسببه أنا سافرت وحاولت انساكي واشيلك من قلبي وتفكيري بس معرفتش ولما قررت أرجع واطلب ايدك عشان تكوني ليا وحدي ومعايا لقيتك مخطوبة ودلوقتي اعرف إنك لسا بتحبيه .. فوقي يازينة ، أنا اللي بحبك وعايزك تكوني ليا .. مفيش حد هيحبك قدي
تجمدت بأرضها وانعقد لسانها وهي تستمع لجميع كلامه بصدمة فاغرة شفتيها وعيناها متسعة ..  ووسط ذهولها أبعدها هو عن طريق الباب وعبر ليغادر ويتركها في صدمتها مما سمعته أذنها ولم يستوعبه عقلها !!! …….
                                   ***
داخل غرفة الاجتماعات بالشركة …..
انتهى الاجتماع ونهض الجميع من مقاعدهم يخرجون واحدًا تلو الآخر من الغرفة حتى انتهى بالأخير على عدنان وحاتم وهم يجلسون أمام بعضهم  بصمت للحظات قبل أن يسأل حاتم بلهجة جادة ومهتمة :
_ أنا سمعت بالحريق اللي حصل .. جلنار كويسة ؟
رمقه عدنان مطولًا بنظرة نارية دون أن يجيب بينما الآخر فتأفف بنفاذ صبر وقال بخنق :
_ عدنان ياريت تفهم إني متجوز وفرحي خلاص كلها كام يوم ويتم .. يعني لا يمكن اكون بفكر في مراتك
ضرب بقبضة يده على سطح المكتب وصاح به منفعلًا :
_ ولما هو كدا بتسأل عنها ليه ومصمم تجنني
حاتم بثبات انفعالي يحسد عليه :
_ عشان جلنار بنسبالي دلوقتي أخت وصديقة وأكيد ههتم بأمرها
هب واقفًا وقال بصوت متحشرج ومستاء :
_ وأنا مش عايزك تهتم .. فهمت ولا لا .. جلنار كويسة ولا يمكن اسمح لحاجة تأذيها .. خليك إنت بعيد بس ومتثيرش أعصابي أكتر
فقد حاتم ثباته الانفعالي وخرج عن إطار هدوئه ليثب واقفًا ويندفع من مقعده بخطوات سريعة حتى أصبح أمام عدنان مباشرة ويصيح به بغضب :
_ إنت إيه مشكلتك بظبط .. مش كفاية إن إنت اللي غلطان واهملتها وكنت عايز تاخد بنتها منها وتطلقها
رقمها بنظرة مرعبة وهمس بخفوت مريب يحمل لهجة التهديد :
_ سبق وحذرتك متدخلش في اللي ميخصكش عشان العواقب هتكون وخيمة .. جلنار مراتي وأنا مش حابب إنك تكون قريب منها بأي شكل كان
ابتسم حاتم بعدم حيلة ولم يجيبه بل استحوذ عليه السكون للحظات قبل أن يتمتم بخفوت ونظرة ثاقبة :
_ أنا مش عايز حاجة بس جلنار هتفضل غالية عندي جدًا وبعزها .. وبتمنالها السعادة .. هي بتحبك جدًا وفي عز ما كانت ناوية تطلق منك ومش عايزاك حبها ليك غلبها ومقدرتش تستحمل لما كنت هسجنك وطلبت مني اتنازل وفوق ده كله يعتبر قطعت تواصلها معايا نهائي بسببك وسامحتك ووافقت ترجعلك .. أنا بتمنى بس إن بعد كل ده متخذلهاش تاني و تحبها بجد وتعوضها عن اللي عملته معاها .. هي تستاهل إنك تحارب عشانها .. متخسرهاش ياعدنان عشان صدقني هتندم أوي
كان جامدًا الملامح تمامًا لم يظهر أى ردة فعل على وجهه .. أخفى جميع تأثيراته داخله ولم يظهرها .. بينما حاتم فألقى عليه نظرة قوية لم تكن محملة بالغضب والنقم كعادة نظراتهم المتبادلة لبعضهم بل كانت صافية بعض الشيء وهادئة .. ثم ابتعد واستدار ليغادر الغرفة .. وفور خروجه مسح عدنان على شعره بقوة متأففًا وجلس فوق مقعده من جديد بتفكير في كلماته الأولى ! …….
                                  ***
قادت جلنار خطواتها إلى باب المنزل بابتسامة دافئة بعدما ظنت أن الطارق هو لكنها حين فتحت الباب دهشت بآدم أمامها .
هتفت بعذوبة وابتسامة عريضة وهي تفسح له الطريق للدخول :
_ اتفضل يا آدم ادخل
دخل وهتف بنبرة غريبة وهو ينزع حذائه عنه :
_ عدنان موجود ؟
_ لا في الشركة أنا رجعت من شوية
_ كويس !
ضيقت عيناها بحيرة ولحقت به عندما وجدته يقود خطواته للداخل ويجلس على الأريكة فسألته بقلق :
_ هو في حاجة يا آدم ؟!
جلست على الجزء الآخر من الأريكة وسمعته يجيب باسمًا :
_في بس حاجة تخصني أنا متقلقيش يعني !
_ حاجة إيه ؟
انتصب في جلسته وشبك كفيه ببعضهم ليقول بأمل وعينان لامعة :
_ جلنار أنا محتاج مساعدتك
ابتسمت وقالت بلين :
_ خير قول .. واضح إن الموضوع مهم أوي
آدم بإيجاب وتشويق :
_ أوووي
ضحكت بخفة وقالت بمكر مشاكسة إياه :
_ أحساسي بيقولي إنه ليه علاقة ببنت
ضحك كدليل على تأكيد جملتها ثم تمتم بجدية :
_ فاكرة مهرة اللي كانت شغالة في الشركة لفترة وبعد كدا قدمت استقالتها
سكتت لبرهة تحاول تذكرها حتى قالت بإيجاب :
_ أه تقريبًا فكراها شوفتها مرة أو اتنين بس .. مالها ؟!!
_ بصي أنا هحكيلك كل حاجة البداية خالص وبعدين هقولك محتاج مساعدتك في إيه
أماءت له بالإيجاب واستمعت له باهتمام وآذان صاغية وهو يسرد لها كافة التفاصيل منذ بداية لقائه بها حتى آخر لقاء بينهم  .
زمت شفتيها بامتعاض بعد سرده لحادثة أسمهان وما فعلته فقالت برزانة :
_ طيب ليا مفهمتهاش وقولتلها متهتمش لكلام مامتك
آدم بيأس :
_ قولتلها ياجلنار بس هي مش مدياني فرصة ومش عايزاني اقرب منها نهائي
عبست بإشفاق وحزن عليه ثم ابتسمت بحنو وقالت بمداعبة :
_ إنت بتحبها بجد ؟
شرد للحظة ثم رد باسمًا بهيام وأعين وديعة :
_ أنا كنت بقول إنه ممكن يكون إعجاب مش اكتر في البداية بس بعد اللي حصل آخر مرة ده بقيت متأكد إنه مش مجرد إعجاب يا جلنار .. وبصراحة خايف اخسرها عشان كدا جيت اقولك واطلب منك تكلميها يمكن تقدري تقنعيها وتهديها
اتسعت ابتسامتة شفتيها الجميلة والدافئة لتغمز له وتقول بلؤم :
_ لا أنا مش هكلمها هروحلها لغاية عندها واتكلم معاها .. إنت سيبلي الموضوع ده بس ومتقلقش كل حاجة هترجع زي الأول واحلى كمان
أجاب مدهوشًا :
_ تروحيلها !!!
جلنار بإيجاب وجدية :
_ أيوة إنت مش عايزني اساعدك .. والكلام ده مينفعش في الفون لازم نتكلم face to face .. هنتفق أنا وإنت على يوم وتاخدني لغاية بيتها وسيب الباقي عليا بعد كدا
تهللت أساريره بحماس وسعادة ليقول في صدق وعفوية :
_ أنا مش بحبك من قليل والله
جلنار ضاحكة بقوة :
_ عد الجمايل بقى
_دي فوق راسي والله يا باشا
قهقهت بخفة بينما هو فاستقام واقفًا وقال :
_ متجبيش سيرة لعدنان على الموضوع ده .. أنا هقوله واحكيله بس بعد ما اصلح علاقتنا والأمور تهدى الأول
_ تمام مش هقوله متقلقش
تمتم بإيجاز واختصار شديد :
_ أنا همشي عشان ورايا شغل وابقى سلميلي على هنا وبوسيهالي
استقامت واقفة وسارت معه تودعه إلى الباب وهي تجيبه بعذوبة :
_ حاضر
                                  ***
غابت شمس اليوم وارتفع ضوء القمر في السماء وظهرت النجوم الساهرة الجميلة …….
الساعة تخطت الثانية عشر بعد منتصف الليل وهي تنتظره إلى الآن وعيناها عالقة على ساعة الحائط بلوعة .. حاول النوم التمكن منها أكثر من مرة لكنها عادت وأصرت على البقاء مستيقظة حتى يعود .
دقائق أخرى مرت حتى قاربت الساعة على الواحدة فاستندت فوق ذراع الأريكة ثم نامت برأسها فوق ذراعه بعد أن فقدت قدرتها على الصمود أكثر لكن قبل أن تغط بنوم عميق .. انتفضت جالسة على أثر صوت الباب ولحظات معدودة ورأته يظهر بخطواته الهادئة إليها فسألته بعبوس :
_ اتأخرت كدا ليه ؟!
_ كان ورايا شغل تقيل جدًا النهارده ويدوب لحقت اخلصه
جلس بجانبها على الأريكة وتطلع إليه يسألها بتعجب :
_ إنتي صاحية ليه لغاية دلوقتي ؟
جلنار بتلقائية :
_ كنت مستنياك
ابتسم له بحب وانحنى عليه يقبَّل شعرها بعمق ثم يجذبها لصدره وبيده يمرر على ذراعها نزولًا وصعودًا برفق .. فيعم الصمت بينهم لوقت طويل نسبيًا حتى قذف بذهنه كلمات حاتم فجأة جعلته ينزل بنظره إليها ويهتف دون تفكير :
_ أنا آسف
ضيقت عيناها وابتعدت عنه لترمقه بريبة وتسأل :
_ على إيه !
عدنان بندم حقيقى وخزي من نفسه :
_ على كل حاجة عملتها وزعلتك مني فيها .. إني مكنتش الآمان والسند والحماية ليكي ياجلنار .. عشان كدا هربتي ولجأتي واحتميتي بحاتم مع إن المفروض كنت أكون أنا سندك وحماكي لكن أنا خذلتك في كل حاجة ومكنتش استحق أي حاجة من اللي عملتيها معايا أو عشاني .. كان عندك حق لما قولتي إني حقير وأناني .. أنا فعلًا ***** .. جايز أكون مستاهلكيش بس أنا بحاول اصلح كل حاجة كسرتها لأن قلبي مش هيستحمل بعدك عنه .. بحاول أكون الراجل اللي تستحقيه ياجلنار
أدمعت عيناها عشقًا وحنانًا ثم رفعت كفيها واحتضنت وجهه بحب هامسة :
_ عدنان احنا اتفقنا إننا هنفتح صفحة جديدة وزي ما أنا بحاول انسى الماضي انساه إنت كمان
هز رأسه بالرفض واطرق رأسه أرضًا بخزي متمتمًا :
_ حتى لو سامحتيني أنا مش هقدر اسامح نفسي
رفعت رأسه وتأملته بعشق جارف ثم مالت وقبلته من وجنته مردفة بخفوت جميل :
_ قلبي اللي سامحك مش أنا
امعن النظر بها بغرام وتلألأت الدموع في عيناه ليضمها إليه من جديد ويدفن وجهه بين ثانيا رقبتها هامسًا بصوت يغلفه البكاء :
_ أنا آسف
ثم أكمل بمشاعر جيَّاشة صادقة :
_ قلب عُقابك بقى كله ملك ليكي لوحدك
ابتسمت بحب وعينان لامعة بالعبارات ثم زادت من تعلقها به أكثر وكأنها تخشى ابتعاده عنها !! …….
                                   ***
بصباح اليوم التالي ………
كانت تقف جلنار بالمطبخ تقوم بتحضير الفطار وتقف بجوارها صغيرتها التي تساعدها في إحضار المكونات لها وسط ضحكهم ومزاحهم الجميل .
قطع لحظاتهم دخول عدنان الذي تسلل من خلفهم وقبَّل ابنته أولًا ثم انتصب ولثم رأس جلنار بعمق .. التي استدارت بجسدها له وابتسمت بلطف ثم وجدته يهتف غامزًا وهو ينقل نظره بينها هي وهنا :
_ يلا جهزوا نفسكم عشان نفطر وبعدين مامي تحضر الشنط عشان في مفاجأة
قفزت الصغيرة فرحًا وصاحت بحماس وسعادة :
_ هنروح فين يا بابي ؟
انحنى وحملها وتمتم بخبث :
_ مفاجأة ياعيون بابي
فردت ذراعيها على أخرهم تصيح بفرحة غامرة :
_هيييييه
ثم مالت ولثمت وجنة أبيها بقوة وسط صوتها الطفولي الناعم وهي تمطره بكلماتها المحبة له .. فيضحك بقوة بينما جلنار فاكتفت بابتسامة عريضة فقط وهي تتطلعه بفضول واستغراب ليغمز لها باسمًا ثم يستدير ويغادر هو وابنته التي تتحدث معه بعفوية وطفولية يعشقها تجعله يضحك بقوة ويمطرها بوابل من قبلاته العاشقة والحانية ……
                                 ***
تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا بقلق وخوف فمنذ الأمس وهي تحاول الاتصال به لكن هاتفه مغلق .. تخشى عليه أن يكون قد صابه مكروه بلحظات غضبه العاتية عندما غادر وتركها .. مازالت لا تستوعب اعترافه بحبه لها حتى الآن وكلما تتذكر كلماته تنزعج من نفسها وتختنق بقوة .
نفذت كل حلولها ولم يتبقى أمامها سوى حل واحد للوصول إليه .
التقطت هاتفها وأجرت اتصال بابنة عمتها وشقيقته ” ألاء ” وبقت تستمع لصوت الرنين تنتظر ردها بتلهف وفارغ الصبر حتى أخيرًا وصلها صوتها عبر الهاتف وهي تهتف :
_ أيوة يازينة
زينة بصوت واضح عليه القلق :
_ ازيك يا ألاء
_ كويس الحمدلله يا زينة
زينة بخوف واهتمام :
_ألاء .. أنا بحاول اكلم هشام من امبارح واتصل بيه بس تلفونه مقفول هو كويس ؟
لم يأتيها رد من ألاء سوى الصمت فارتجف قلبها رعبًا وظنت السوء فسألتها بصوت يحمل رجفة بسيطة :
_ ألاء ردي عليا هشام كويس ؟!!
هدرت ألاء بحزن :
_ هشام سافر على المانيا يازينة النهارده الفجر
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!