Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع عشر 14 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع عشر 14 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع عشر 14 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الرابع عشر 14 بقلم زيزي محمد

– إيه اللي أنت بتقوله ده!
انفجر زيدان غاضبًا بوجه سليم، كز الآخر فوق أسنانه بعنف مشيرًا بيده بعصبية بالغة:
– اللي بقولوا واضح…أنت مالك بيا..مُصر تتدخل في حياتي ليه!.
خرج زيدان عن طور تعقله، قائلاً:
– وأنا لما احكي لنهى ابقى كده بدخل في حياتك!…ده ان كنت حكيت أصلا؟!
– هي جاية بنفسها تشمت فيا في المحل، وقالتلي انك حكيت بالتفصيل لنهى؟.
واجهه سليم بعنفوان..وعاصفة عاتية من الغضب تتأجج بعينيه، فتدخل يزن بصوت هادئ مرتبك:
– أنت قولت لنهى فعلاً؟!
وجه سؤاله لزيدان، فتفاجئ الأخر برد فعله، وهتف باستنكار:
– ها وأنتي كمان يا ماما محتاجة تسأليني؟!
رفعت منال وجهها المغطى بالدموع التي كانت تحمل القهر والانكسار لِمَ يحدث بين أولادها..وكأن حجر الثقة خلع من مكانه..وأصبح الوضع بينهما خاويًا.
حينما سكتت منال شعر زيدان باختناق حاد بصدره، فهز رأسه عدة مرات يستوعب شكوكهم به، وكأنه أبله حتى يفعل ذلك.
فرك أنفه بقوة مفكرًا كيف ينفي تلك التهمة عنه، وحينما وجدها..اندفع بكل قوته نحو هاتفه، وقرر الاتصال بنهى واضعاً الاتصال على خاصية مكبر الصوت..تحت أنظارهم المستفهمه لِمَ يفعله.
– الو.. ازيك…..أخيرًا رديت عليا!.
قالتها نهى بصوت مرتجف من شدة اشتياقها له، توقعت ردًا يسعد به قلبها الملتاع في حبه، ولكنها فوجئت بسؤال حاد أربكها:
– هسألك سؤال واحد..أنا كلمتك وحكتلك حاجة تخص سليم وشمس!.
صمت من ناحيتها لعب فوق أوتار أعصابه، بينما هي غرقت بالتفكير في سؤاله، يبدو أن والدتها حيكت لشيئ ما أوقعها بالخطأ..ضغطت فوق شفتاها بندم حينما أخبرتها..ولكن صوت زيدان الغاضب جعلها تستفيق من غفوتها..فقالت بصوت متلعثم:
– لا..لا، محكتش حاجة.
ولم تستطيع قول أي شيء آخر، دفعها عقلها باخباره أنها من استمعت بقصد لحديث شمس ومنال..ولكن ربط لسانها ولم تستطيع التفوه بكلمة أخرى..أغلق زيدان الاتصال بوجهها..وحالة من الصمت سادت المكان، لم ينظر لوجوههم وخاصةً سليم لأنه كان يدرك ماالذي يقابله بنظراته بعد تعلثم نهى بالرد، لقد تأكدت شكوكه ووقع اللوم فوق عاتقه وهو لم يفعل شيء..منذ البداية لم يقصد أذيته كما يعتقد، ولكن لن يقتنع سليم وسيظل مشاعره غير السوية تقودهما نحو هاوية من الظلام الدامس.
لم يتحدث بل تحرك ببطء نحو غرفته مقررًا الذهاب من المنزل لعدة أيام، ولكن اوقفه سليم حينما اعترض طريقه، قائلاً بنبرة خشنة وحادة:
– هعتبر كأنك مقولتش حاجة، وهي جاية توقع مابينا…بس اللي هقوله آخر انذار ليك..ابعد عن حياتي يا زيدان.
رفع زيدان يده لأعلى وبنبرة حزينة حاول إخفائها بقدر الامكان:
– أنا بعيد أساسًا.
تشابكت عيونهما في حرب من الاسئلة التي تختفى إجابتها عن مرمى بصرهما..ولن تنهدم تلك الأسوار العالية إلا بمواجهة صريحة بينهما…ولكن مازال الصمت يلعب دورً أساسيًا بشخصيتهما، فكلاً منهما يحتفظ بأوجاعه..بأسبابه..بمشاعره، وكأنها سر يصعب البوح به.
انفرط العقد من يد منال..وتساقط حجر السبحة أرضًا، صدر عنه رنين عالي أخرجها من حالة الخمول التي تصيبها دومًا، فنهضت بجسد بدأ يفقد اتزانه من فرط اجهادها في الآونة الأخيرة وبصوت كاد يسمع:
– أنا تعبت..تعبت من كل حاجة.
واتجهت صوب غرفتها تنزوي بها، فإن فارقت روحها تفارقها وحدها بعيدًا عن عراك يصيب قلبها بسهام الندم.
راقب سليم حالتها فاتجه صوب يزن مشيرًا نحوها برأسه:
– أمك باين عليها تعبانة روح شوفها.
– أمك وأبوك وأنا وزيدان…كلنا يا سليم تعبنا، حتى أنس مبهدل نفسه عياط من وقت ما شمس مشيت.
كان قاصدًا كل حرف ينطقه!.
توقف عقل سليم وردد خلفه بصدمة:
– شمس مشيت.
هز يزن رأسه بصمت، فارتفع صوت سليم قائلاً بنبرة غاضبة:
– مشيت فين؟!، ومين سمحلها تمشي!.
رد يزن ببرود زُين به نبرته:
– واحنا هنقعدها هنا غصب بصفة إيه، على العموم حاولنا معاها بس هي رفضت..حتى رفضت تقولنا رايحة فين.
اضطربت مشاعر سليم، وانتفض قلبه بخوف عليها..لم يتخيل أن صغيرته ستتمرد عليه وتغادر ظله..حتى وإن انفصلا..ستظل هي بمكانتها تنعم بحمايته.
– أنس فين؟!
– جوه نايم، قولنا أنكوا مسافرين لفترة علشان ميفهمش حاجة، حاول توصلها!.
شعر سليم بغموض يسيطر على نبرته، ولكن لن يهتم..الأهم هو العثور على تلك المتمردة فأمر عودتها معه شيئًا مفروغ منه.
راقب يزن اندفاع سليم للخارج فأخرج تنهيدة قوية من صدره، لقد فكر مليًا بأمر إخبار سليم بمكان شمس..فتوصل لأمرًا هام أن اخيه مازال العند يسيطر علي عقله، فـ لو عادت له بهذه السهولة لن يشعر بقيمتها. ولابد من تذوق سليم مرارة غيابها..كي يدرك أن فقدان جوهرة مثلها لا يُقدر.
زفر بحنق حينما طالع أبواب الغرف المغلقة وأدرك أنه على مشارف مجادلات قوية مع أخيه..ومواساته للآلام والدته..أما ما يقلقه حقًا هو صمت والده ولجوء عقله للهروب من الواقع بالنوم المستمر.
***
استقل سليم سيارته وانتباته حالة من التوتر والقلق عليها..عجز عقله عن التفكير للحظات، شدد بيده على المقود محاولاً تهدئة اضطراب قلبه حيث انتفض بعنفوان حينما علم بغيابها، قطب ما بين حاجبيه مفكرًا عن سبب مغادرتها بدون أنس!، وبدأ يتساءل هل تنوي فعل شيء؟!
هبطت الاسئلة فوق رأسه، والإجابة بالطبع تكمن لديها فقط، لن ينشغل بأمورًا تعرقل مهمته.. الأهم هو العثور عليها أولاً وسيؤجل التفكير بأي أمورًا أخرى.
التفت بجسده وأخرج نصف رأسه من نافذة سيارته ناظرًا للمنزل الذي باعه والد شمس قبل وفاته بشهور، أغلق عيناه جاذبًا بعض الأنفاس ليفكر بالخطوة التالية، التقط هاتفه وقرر الاتصال… وبعد رنين طويل، جاءه الرد
– ألو.
– إزيك يا حجه؟.
ردت السيدة بصوت يغلب عليه أثار النوم:
– ايوا مين معايا؟!
– أنا سليم الشعراوي مش فاكرني..أنا اللي…
قاطعته السيدة بعد فترة قائلة بترحيب:
– أهلاً وسهلاً، ازيك يابنى؟
رد سريعًا منهيًا حديثها بسؤال كاد أن يحرقه:
– بخير…كنت عايز أسالك هي شمس جت الشقة عندكوا!..
صمتت ” أم رجاء ” لثوان ثم بعدها ردت بعدم فهم:
– لا وهي هتيجي ليه؟…وبعدين هتيجي من غيرك!.
قبض سليم فوق شفتاه السفلية بغيظ، بعدما أغلقت جميع الابواب أمامه، الآن يبدو وكأنه يبحث عن إبرة في أكوام قش.. فمن المفترض أن تكون تلك الشقة هي ملجأها الوحيد، وعدم لجوء شمس لديها اقلقه بشدة!.
أغلق الاتصال بحديثه الهادئ المنافي لاشتعال صدره:
– لو جت اتصلي عليا وعرفيني.
– حاضر يابنى.
القى الهاتف بجواره بأهمال..واستند برأسه فوق المقود، لقد انهمك عقله في الفترة الاخيرة من التفكير المستمر، لم يعد لدية ذرة من الطاقة لاستكمال رحلة البحث عنها، ولأول مرة شعر باجتياح رهيب من العجز يتوغل داخله..فبدى كعجوز تركه أحبابه في طريق مهجور يتخبط بعواصف القلق والخوف.
***
وضعت ام رجاء الهاتف، والقت نظرة تحمل اللوم والعتاب لشمس الجالسة أمامها.
التفتت شمس برأسها لناحية الأخرى ترفض النظر إليها، حتى لا تتراجع في خطتها، لن تترك تلك الفرصة التي سنحت لها بالابتعاد عن ظله…حيث شعرت مؤخرًا وكأنه سجن ينطبق جدرانه عليها، لا يسمح لها بالتنفس والحرية والتعبير، وبالأخير هي انسانة لها طموحات وآمال..لها متطلبات من حقها الحصول عليها..كان من الخطأ حجم التنازلات التي اقدمت عليها ظنً منها أن الحب هو المأوى..ولكنها أدركت أن المأوى به ثقوب سمحت لعواصف الحياة القاسية بضربها، فاستيقظت من الغفلة التي استحوذت عليها، لن تقبل بنصف حب، لن ترضى بمشاعر صامتة، ولن تقدم على تنازل آخر يهين حقوقها.
لم تستطيع ام رجاء الصمت أكثر من ذلك.. فمن الواضح انها تحارب مشاعر بداخلها، وكأنثى مثلها تعلم دواخلها:
– شكله زعلان علشانك اوي، نبرة صوته وهو بيسألني عليكي…
أشارت إليها شمس بالصمت، قائلة بحزم:
– لو سمحتى يا طنط متكمليش..أنا مبقتش عايزة أعرف، لأنه مبقاش يهمني.
كاذبة.. نعتت نفسها بذلك، حيث كانت تتوق لسماع صوته والاطمئنان عليه بعد غياب طال لأسابيع، مازال القلب اللعين ينتفض لمجرد ذكر اسمه، حتى أن عقلها حشر في زاوية اسمها سليم الشعراوي، كل أسلحتها أحيانًا تقف ضدها..وكعادتها حاولت كرهه فتمرد القلب ورفض.
نهضت ام رجاء بعدما فقدت الأمل:
– اللي انتي عايزه يابنتي، لازم انفذلك اللي انتي بتطلبيه، دي وصية أبوكي.
شكرتها شمس بتهذيب ثم أغلقت الباب خلفها بأحكام..واتجهت بخطواتها صوب الفراش ترتمي فوقه، تحاول إغلاق عيناها للغرق في النوم بدلاً من التفكير بأمورًا ترهق خلايا عقلها، ولكن الوحدة التي حاوطتها الآن جعلت ذهنها ينتفض بقلق على أنس، الذي تركته بعد تفكير طويل دام لأسابيع، لم تكن تملك المال الكافي كي يعيش طفلها الوحيد في نفس المستوى الذي وفره له أبيه.
ولم تكن تملك سوى تلك الشقة فقط، فالمال معها قليل يكفيها لعدة أيام..بعدما قررت ترك مجوهراتها لسليم، حتى تهدم أي رابط يجمعها…حتى أنس لن يكون الدافع له في إرجاعها…ستبحث عن عمل بكامل طاقتها وستوفر المال كي تعود وتأخذ طفلها بكل قوة، ولن تترك ثغره واحدة يدخل منها..حتى وإن كان المال هو الدافع له.
شعرت بحاجتها للنوم، فاستسلمت لأن يومها غدًا سيكون مليء برحلة طويلة بالبحث عن عملاً تستطيع منه الانفاق عليها وعلى طفلها التي تركته باتفاق مع منال على وعدًا منها بأن تعود وتأخذه ثانيةً حينما ترتب له حياة كريمة هادئة.
***
في اليوم التالي..
صباحًا قرر سليم بأن يتجه للإسكندرية بعدما قضى الليل بأكمله في البحث والتفكير عن مكان تواجدها، فلم يعد لديه أملاً واحدًا سوى أنها بتلك المدينة، ورجح ذلك بأنها دخلت للشقة دون علم السيدة ” ام رجاء”.
قاد بسرعة كبيرة متمنيًا بأن يصل لهناك بأقل وقت ممكن، لم يفكر بأي شيء سوى الاطمئنان عليها، حتى أنه جهل مثلاً بداية حديثه معها، هل سيكون اعتذرًا عما بدر منه، ام أن يصب غضبه عليها كعادته حينما تصيبه بالجنون، أم يترك كل الافعال جانبًا ويركز على احتضانها فقط، فحاجته للشعور بدفيء عناقها يغلب على أي غضب لديه.
***
صعدت شمس درجات السلم بتعب، لم تترك مكانًا وإلا بحثت به، يبدو أن وجود وظيفة بهذه السهولة ليس أمر هينًا كما تعتقد، هكذا ستطيل مدة ابتعاد أنس عنها، وهي لن تستطيع أن تتكيف مع حياتها الجديدة بدونه، تزاحمت الافكار بها، وشعرت بفشل بإنهيار ثباتها بعد فشل أول خطوة كانت تقدم عليها بكل عزم.
مدت يدها تجلب مفتاحها من حقيبتها، فخرجت ام رجاء من شقتها، قائلة بنبرة يسودها القلق:
– كنتي فين يا شمس.
التفت شمس نحوها تقول بصوت مجهد يفتقد الامل:
– كنت بدور على شغل.
– ولقيتي؟!
هزت رأسها بنفي، وملامحها تعبر عن مدى استياءها، ربتت ام رجاء فوق كتفها قائلة بحنو:
– مسيرك بكرة هتلاقي، اسكندرية كبيرة وفي أماكن كتير اوي تدوري فيها.
– ان شاء الله…عن اذنك ادخل انام واريح شوية.
أومأت لها تعطيها مساحتها في الدخول للشقتها، والتفتت صوب شقتها هي الأخرى، حتى لمعت برأسها فكرة لم تخطر ببالها، فصاحت مرة أخرى تجذب انتباه شمس:
– ياشمس افتحي بسرعة.
فتحت الباب على الفور بوجه تنعقد ملامحه باستفهام، لم تستطيع ام رجاء كتم سعادتها قائلة:
– افتكرت حاجة بمليون جنية، في واحد من حبايب جوزي الله يرحمه عمري ما قصدته في حاجة الا وعملها، عنده افرع كتير اوي للمكتبة بتاعته في مناطق كتير في اسكندرية، نروحله بكرة واطلب منه يشغلك، وهو مش هيتأخر.
عاد الحماس يتلألأ بعيون شمس، فقالت برجاء:
– لا دلوقتي علشان خاطري، ياريت من النهاردة.
تعجبت الأخرى من ردها السريع:
– ياااه مستعجلة اوي كده على الشغل، لو محتاجة فلوس يا بنتي…
قاطعتها شمس قائلة بحزن:
– الموضوع أكبر من كده يا طنط، لازم الاقي شغل في اقرب وقت.
حركت ام رجاء رأسها بتفهم، وانطلقت صوب شقتها ترتدي ثياب أخرى وبقيت شمس في انتظارها.
****
دخلت توته لمنزلها تحمل حقيبة بلاستيكية ممتلئة على آخرها بالحلويات، تحتضنها بسعادة بالغة، توقفت أمام فاطمة التي ظهرت فجأة من العدم:
– كنتي فين يا توتة.
رمشت بأهدابها الكثيفة تجيب بخفوت:
– كنت عند ورشة خالو تحت.
– ونزلتي من غير اذني ليه، وخالك اصلا مسافر ومش موجود؟!
قالتها فاطمة بعبوس وضيق، فردت توته بحزن طفولي:
– هو قالي يا توته لو عايزة حاجة حلوة قولي لحد من الورشة يجبلك.
عقدت فاطمة يدها وهي تحرك رأسها بتفهم وتشمل بنظراتها ابنتها التي تحتضن الحقيبة وكأنها تخشى الابتعاد عنها:
– وارتحتي لما جابولك ده كله!.
– مش هما اللي جابوها، دي تيتة منيرة قابلتني تحت واشترت ده كله.
لعب الفضول بعقل فاطمة فسألت صغيرتها بهدوء:
– ومشيت بعدها ولا راحت فين.
أشارت توته للاعلى تخبر والدتها بحديث جدتها التي بنته عن قصد مع حفيدتها حتى ترسل لفاطمة رسائل تقهرها بها وتشعرها بالغيرة.
– طلعت عند مس ليال فوق هي وواحدة كمان.
هبطت فاطمة لنفس مستواها تسألها بترقب:
– متعرفيش طلعت ليه!.
وقبل أن تتفوه توته وتجيب
ارتفعت الزغاريد تملئ البناية باكملها، اغلقت فاطمة عيناها بغضب جامح وتمنت أن تقتل تلك الافعى التي تصر على هدم حياتها، فالحياة أساسًا معها مستحيلة.
فتحت عيناها وهمست بشر يجتاح داخلها نظرًا لسنوات ذاقت بهم المرار والقسوة على
يد والده زوجها المتحكمة في كل شيء، وعندما ارادت تهذيبه وطلبت الطلاق منه حتى يستعد وعيه ويدرك بهدم حياتهما، استغلت تلك العقر’بة ذلك لصالحها جيدًا وترك ولدها كافة الأمور بيدها.
– ده أنا هاخلى ليلة أبوكي سودا.
***
وصل سليم أمام البناية التي بها شقة والد شمس، شملها بنظرة سريعة قبل أن يخطو بخطواته الواسعة نحو الدرج يصعد السلم بسرعة كبيرة..وصل أخيرًا امام مبتغاه ومد يده يطرق الباب بهدوء اولاً ثم بعد ذلك بقوة بعدما تسرب الأمل لديه.
استمع لساكن بالطابق العلوى طرقات قوية بالطابق الاسفل، فهبط بقلق حتى وجد رجلاً لا يعرفه.
– أنت عايز مين؟.
توقف سليم فجأة عن طرقه لباب السيدة ام رجاء وأشار على شقتها:
– ام رجاء.
– اه بدام مفتحتش تلاقيها خرجت راحت عند بنتها ولا ابنها.
هز سليم رأسه وشكره بعدها متوجهًا صوب الاسفل ولكنه عاد وسأله:
– في حد جه الشقة دي وسكن فيها.
نظر الرجل للشقة وحرك رأسه بنفي:
– لا دي مقفولة من زمان، وصاحبها مات بس بنته عايشة في مصر مع جوزها.
أومأ سليم بصمت مشتعل، واتجه صوب الاسفل شاعرًا بوهن بعدما خابت آماله.
أما الرجل صعد شقته مرة أخرى وتساءلت زوجته بفضول عن سبب الطرق المزعج، وأخبرها بما حدث بلامبالاة، فصاحت باستنكار:
– يوووه أنت متعرفش، ماهي بنته جت امبارح.
ضرب الرجل كفيه ببعضهم قائلاً باستياء:
– لاحول ولا قوة إلا بالله، هجيب الراجل منين دلوقتي اقوله.
– يا اخويا مسيرة يرجع تاني لام رجاء، ريح دماغك وهاتلنا الشاي نشربه.
ردت عليه زوجته بلامبالاة فالأمر حقيقةً لا يعنيها بالمرة هي زوجها.
***
فركت نهى يدها ببعضهما، والخوف يسود صدرها من نظرات زيدان المصوبة نحوها رغم انشغاله بهاتفه، ولأول مرة لم تفرح لأمر مقابلته؛ لعلمها بأن المواجهة بينهما ستسفر عن خطأ اقترفته والدتها كالعادة.
انهى زيدان ما يفعله بهاتفه، ثم رفع وجهه وسألها بنبرة محذرة اقلقتها:
– جاوبيني بصراحة، ليه أمك راحت قالت لسليم أن أنا قولتلك على كل حاجة تخص طلاق شمس وسليم.
توسعت عيناها ووضعت يدها على فمها، فلم تدرك حجم كذب والدتها:
– ماما قالت كده؟!
أجاب بنبرة خشنة قوية:
– ايوا..انا ماليش علاقة بيها محبتش اروح واتخانق معها..قبل ما اسالك لأن أنا بتكلم معاكي أنتي، واشوف كذبتي ليه وحورتي..
قاطعته حينما لمح لها بعدم حديثه معها مرة ثانية، وانهارت متحدثة بصدق لعله ينقذ موقفها أمامه:
– لا والله مكذبتش أنا هحكيلك كل حاجة حصلت وحقيقي معرفش ماما عملت كده ليه..
عدل من وضعية هاتفه على الطاولة بطريقة لم تلفت نظرها وأشار لها متحدثًا:
– سامعك، قولي.
بدأت نهى بسرد تفاصيل اليوم التي قررت فيه اللجوء لمنزله حتى تقابله وتتحدث معه بعدما لم يجيب على اتصالاتها وفسرت له ذو ذلك قلقها عليه ولم تتطرق لأمر حبها الصامت له، وسردت أيضًا أمر محادثة شمس ومنال بالتفصيل وتوقفت عند الحد الذي استمعت له، ولم تترك بالطبع سبب اخبار والدتها.
أنهت نهى حديثها وأخرجت تنهيدة ثقيلة من صدرها ليوم عاشته بالتفكير الخائف من تدهور علاقتها بزيدان بعدما بدأت تتأخذ منحنى يريح قلبها بعد عذاب عاشته بسبب جفاءه.
لم يعيطها أي رد بل مسك هاتفه وأرسل تسجيل صوتيًا لكلاً من سليم ويزن وهكذا تم تبرئته من تهمة التصقت به من العدم..مقررًا الابتعاد بقدر الامكان عنهما.
وبعد دقائق جاءه رد من يزن في رسالة:
” اوعى تكون بعت التسجيل ده لسليم”.
رد عليه سريعًا وملامحه انعقدت:
” آه بعته وسمعه ومردش عليا”.
انتظر رد يزن برسالة ولكن فوجيء باتصاله فاستئذن منها مبتعدًا مجيبًا:
– في إيه!.
رد عليه يزن بطريقة غاضبة مستنكرة:
– يابني التسجيل فيه، ان شمس راحت اسكندرية في شقة ابوها، ربنا يحميك يا زيدان بجد.
– طيب وماله ما يعرف!.
– مانا قولتله اننا منعرفش مكانها، علشان يتعلم الادب في طلاقه ليها، ويحس بغيابها زي ماهي حست بغيابه.
– انت محكتليش حاجة زي دي!.
قالها زيدان بغضب مكتوم، فرد يزن بتهكم:
– هو أنا هعرفك ازاي وانت طردتني من الاوضة امبارح، روح ما اشوف ايه اللي هعمله.
***
قاد سليم سيارته في طرق اسكندرية، يستمع لنصف التسجيل الاول المرسل من زيدان، وحقًا شعر بالراحة له رغم أنه شعر من حرقة أخيه أثناء مواجهته وتأكد من كذب عمته.
قطع استماعه للتسجيل اتصال من سيف فأجاب على الفور:
-سليم الحقني أنا في مصيبة.
يتبع ……
لقراءة الفصل الخامس عشر : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد