روايات

رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم محمد غريب

 رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم محمد غريب

رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الثلاثون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الثلاثون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الثلاثون

_ كان ياما كان ! _
في سالف الزمان كان هناك أميرٌ عطوف، و الذي عاش في كنف أخيه الملك الجبار و بقية عائلته المهيمنة على مملكة مظلمة، حيث خلقت كافة سجايا الشر و الخطر
كان الأمير حقيقةً هو أفضل و أقرب أخًا إلى الملك، كان بمثابة ذراعه اليُمنى التي يبطش و يقطع بها، ما جعله عرضة للكثير من المخاطر في وقت كان في غنى عن كل شيء يحول بينه و بين تأمين تلك الحياة الملائمة الآمنة
لم يكن ينشدها لنفسه، بل لأميرته التي رُزق بها بعد مدة قصيرة من زواجه بالمرأة الوحيدة التي أحبها، كان ينتظر مجيئ طفلته هذه بشدة فرحًا و مسرورًا
لولا تربص الأشرار و الشيطانين المتنكرة به و بعائلته، إذ فارق الحياة بليلة مولد أميرته، و لفظ أنفاسه الأخيرة بين يديّ الملك موصيًا إياه بها …
لكن ها هي الأميرة قد كبرت بعيدًا عن الملك.. و قد أضاع هو أمانة أخيه و نقض العهد دون أن يدري مشغولًا بمملكته و حاشيته الأهم منها هي و أبيها المتوفى بكل تأكيد !
°°°°°°°°°°°
في طفولتها، لم تذكر أنها حرمت من أيّ شيء، كانت طلباتها مجابة منذ أبصرت عيناها الحياة بمنزل خالها …
كان كل شيء على ما يرام، صحيح أمها حزينة و مريضة على الدوام، لكن كانت هناك زوجة خالها الحنونة تعتني بالجميع، فما كانت شديدة القلق.. خاصةً بوجود إبن خالها الذي أضحى أخًا و صديقًا لها… حتى خالها.. في هذا الوقت أظهر لها حبًا آنست به و أنساها حقيقة أنها طفلة يتيمة
هكذا نشأت “ليلة” محاطة بالألفة و الدفء الأسري، حتى بلغت الثانية عشر من عمرها، حرفيًا.. حياتها تدمرت …
بدءً من وفاة زوجة خالها المفاجئة، و التي كانت كارثة حيقية للجميع و زعزعة شمل الأسرة الصغير، حيث قرر خالها الذي لاحظ بوادر أكتئاب على ولده أن يرسله ليحصل مسيرة تعليمه بالخارج بإحدى المدارس الداخلية بالولايات المتحدة الأمريكية
الأمر الذي جعل منها وحيدة و حزينة مثل أمها، التي إشتد عليها المرض بصورة متلاحقة للنوائب التي حلّت فوق رؤوسهم، فصارت عجوزٌ قبل أوانها، و إلتزمت الفراش مواظبة على أدوية القلب و السكري و قصور الكلى …
حينها أدركت “ليلة” أن أمها قد استسلمت و أن الحياة قد قهرتها و هزمتها بهذه البساطة، إن هي إلا مسألة وقت و ستلتحق بأبيها، سوف تتركها أيضًا.. أيقنت هذه الحقيقة و تصالحت معها أيضًا.. فقطعت وعدًا بينها و بين نفسها ألا تترك أمها أبدًا، و ألا تحزنها أكثر أو حتى تجعلها تقلق بشأنها
و سنٍ مبكرة، حيث كان من المفترض أن تبتهج و تتلبس حياة المراهقين متقلّبة المشاعر، وجدت نفسها و قد كبرت ضعف عمرها، فلم يشغلها شيء سوى الاعتناء بوالدتها و إدخال السرور على قلبها بأقل الاشياء
وصولًا إلى تلك الليلة، ذكرى ميلادها و إتمامها الرابعة عشر.. و كأن كل الكوارث بحياتها متعلّقة بهذه الذكرى المشؤومة …
°°°°°°°°°°°°°°
تتذكر أنها بعد أن فرغت إطعام أمها صحن الحساء الموصى به طبيًا …
عمدت متعمّدة إلى تجاهل تعليمات خالها بضرورة تواجدها بالكابق السفلي كي ما تعرض الخدمات عليه و على أصدقاؤه بجلسة اللعب و المقامرة و الشرب
لقد فعلتها مرة، و لكنها لم ترتاح لهؤلاء الرجال السفلة، لم تكن تفهم أيّ شيء، إنما بعض التصرفات المتمثلة بملامسات عابرة لمناطق معينة بجسمها أغضبتها بشدة، فقررت ألا تفوت إلى هذا المجلس أبدًا
و لكن يا له من قرار جلب عليها سيلٌ من الوقائع و الذكريات الأليمة التي سوف تحملها طوال العمر حتى وصولها إلى القبر …
في نفس تلك الليلة، و بينما هي بغرفتها فوق سريرها تستعد للنوم، فزعت فجأة و هي تجد باب الغرفة يدفع بمنتهى العنف خالها يلج عبره منتشيًا بالكحول و المخدرات
كان يمشي ناحيتها مترنحًا، لكنه واعيًا لتصرفاته جيدًا …
-بقى بتعصي أمري يا بنت الـ××× ! .. صاح “عزام” غاضبًا و هو يقتحم خصوصيتها لأول مرة
-أنا هاربيكي. وحياة أمك لاكسحك خالص عشان ماتقدريش تمشي بجد و لا تطلعي و لا تنزلي …
أهوى عليها بقبضة حديدية ممسكًا بها بكتفيها، و رفعها بالهواء كما لو أنها لا تزن شيئًا، فسقط عنها الغطاء و ظهر جسمها الذي لم يكن يغطيه شيئًا سوى قميص النوم المصنوع من القماش الرقيق
منعت “ليلة” نفسها من الصراخ بصعوبةٍ خشية أن تسمعها أمها و تسوء حالتها، في المقابل يحدق “عزام” في جسمها الفتي بنظراتٍ مريبة كنظرات أصدقاؤه
ما إن لاحظتها “ليلة” حتى تجدد غضبها ثانيةً، لكنها أجبرت نفسها على عدم إظهار أيّ دوافع عدائية أمام خالها لئلا تزيد إنفعاله أكثر.. فآثرت الخنوع بلهجة صوتها المختلجة و هي تقول دامعة العينين :
-أنا آسفة يا خالو.. خلاص ماعنتش هاعملها تاني.. و الله و هاسمع كلامك المرة الجاية. هاعمل إللي تقول عليه بس ماتضربنيش وحياة حسن !
ظنّت المسكينة أن ذكر إبنه ربما يشفع لها هذه اللحظة …
لكنها قطعًا كانت مخطئة، إذ لا يمكن لأحد أن ينقذها من المصير المحتوم الذي قرره شيطان “عزام” بشأنها الآن، لا يوجد من يشهد و يسمع إلا الأثاث و الجدران.. فهل يهب الجماد لمساعدتها !!!
يهز ” عزام” رأسه بقوة و هو يلقي بها مرةً أخرى فوق السرير مغمغمًا بخشونةٍ :
-لأ يا روح أمك. إنتي لازمك عقاب.. و لازم تنضربي فعلًا.. تعالي هنا …
جحظت عيناها بذعرٍ و هي تراه يخلع الكنزة الداخلية ذات الحمالتين، ثم يفتح أزرار سرواله.. لم تحتمل رؤية المزيد و إنقلبت على وجهها تريد الفرار من الجهة الأخرى
لكن يده سبقتها، فامسك بساقها و جرها للخلف مجددًا ممزقًا قميصها بحركة حادة، بدأت “ليلة” تصرخ رغمًا عنها مطبقة فمها حتى لا تسمعها أمها، ظلت تقاوم حتى شعرت بفتور مقاومتها أمام خالها
و إلى أن حانت تلك اللحظة التي صارت فيها على شفير الانهيار و هي تشعر بأنها تعرّت تمامًا من ثيابها …
لم تفيق من الصدمة الأولى حتى وجدته يجثم فوقها مكممًا فاها بملابسها الداخلية، ثم يحبس معصميها النحيلين بقبضته الضخمة مغمغمًا بحيوانية تسري بدماؤه القذرة :
-الليلة دي هاتاخدي علقة عمرك ما هاتنسيها.. عشان تبقي تفكري مليون مرة قبل ما تعصيني تاني !!!!
___________
في عالمٍ موازي، تواصل “ليلة” سرد التفاصيل المفجعة على زوجها و إبن عمها.. “رزق”… و جسمها لم يكف لحظة عن الارتعاش و كأنها تُصعق كهربائيًا لدرجة أن الكرسي الذي جلست فوقه كان يهتز من حينٍ لآخر
بينما الأخير في حالة من الصدمة و الإنكار، فكه يكاد يصل للأرض، عيناه تكادان تسقطان من محجريهما، عقله لا يستطيع ترجمة ما تقوله حتى.. و الوصف أفظع مليارات المرات …
-الحقير !!! .. تمتمت “ليلة” وسط حديثها، و استطردت بلا تحفظٍ أكثر في البكاء و الإنتحاب أمامه :
-كان مفهمني إن ده عقاب.. و إن ده نوع من أنواع الضرب.. بعدها بقى يهددني. لو عملت حاجة غلط. لو في مرة ماسمعتش كلامه. ده هايكون عقابي.. و لما بقيت أسمع الكلام عشان أتجنب العقاب. بقى بيتلكك. أي حاجة مش غلط بيخليها غلط عشان يعاقبني.. عشت ساذجة و عبيطة بالشكل لمدة سنتين.. سنتين و أنا مش فاهمة أي حاجة و زي العامية. لحد ما وصلت للثانوية. و بدأت أدرس و اختلط بالبنات و الولاد.. شوية شوية بدأت أستوعب. و فهمت إللي حصل معايا.. فهمت كل حاجة. و روحت واجهته
الواطي.. القذر. تخيّل بمنتهى البجاحة و السفالة يقولي محدش هايصدقك. لو اتكلمتي الناس مش هاتصدقك. و أنا ساعتها إللي هفضحك و هقول إنك صايعة من ورا ضهري مع الشبان و مقضيها. و هطردك إنتي و أمك من بيتي
و شوفي لو الكلام ده وصل لعمامك اصلًا هايعملوا فيكي إيه !
تشنجت “ليلة” مكانها بقوةٍ مع عمق النبش بذاكرتها و الأحداث الأليمة، لكنها تمالكت البقية الباقية من تماسكها و أكملت بصوتٍ أبح :
-بعدها سكت.. مش عشان خوفت من تهديداته. بس عشان خوفت على أمي.. لو كانت عرفت حاجة زي دي كانت هاتروح فيها. و كنت هانهي حياتها بذكرى فظيعة و فضيحة تخليها نايمة في قبرها مش مرتاحة.. و أمي تستاهل تكون مرتاحة في نومتها. بعد سنين التعب و المرض إللي فضل ينهش فيها لحد آخر نفس …
كبتت بكفها شهقة باكية، ثم أضافت :
-من يوم ما واجهته حلفت إن على جثتي لو قرب مني تاني.. بقيت كل ليلة أقفل باب أوضتي بالمفتاح. و خبيت تحت مخدتي سكينة.. لحد ما اتعرفت على بنت في المدرسة بطلة رماية. خليتها تعلمني إزاي أمسك مسدس و أستعمله.. لحد ما إتعلمت و تميت السن القانوني و قدرت أشتري مسدس و أرخصه. لما عرف كده غضب طبعًا و حبسني في البيت و بطلت أروح المدرسة.. لحد ما ماتت أمي. و أبوك إتكلم بعد السنين دي كلها و قال عايزني أجي أعيش معاكوا… افتكرني. بعد إيه !
-لأ !!!
خرج الاحتجاج من فم “رزق” أجشًا صلبًا …
نظرت له “ليلة” بغرابةٍ، ليكرر بحدة أكبر و هو يهب واقفًا فجأة :
-لأ أنا مش مصدقك.. مش مصدق و لا كلمة من القصة دي !!!!
أجل …
لم يكن تدمير ما تبقى داخلها من ثقة تمنحها للآخرين بحاجة لوقتٍ سوى ثانيتان، ثانيتان لاقتلاع الأمان من جذوره، ثانيتان لإدراك مدى خطأها و ندمها لأنها فتحت صندوقها الاسود و أطلعته على أحلك أسرارها لظنها بأنها ربما.. ربما… لا تستطيع حتى التفكير فيها خاصةً الآن ….
-مش مصدقني ؟!!! .. نطقت “ليلة” مشدوهة و الدموع تغطي عينيها كليًا و تحجبه عنها
تحاملت على نفسها و قامت لتواجهه صائحة بجماع نفسها الواهنة :
-بقى بعد كل إللي حكيته و سمعته بتقول مش مصدقني ؟؟؟
إنت متخيل إنه سهل عليا أنطق بكلام زي دي ؟؟؟؟؟
متخيل إن حتى التفكير فيه بيخليني هاين عليا أقوم أخبط دماغي في الحيط لحد ما أموت
أو أمسك شعري ده أقطعه و أنزل على جسمي تقطيع أو أرمي بنزين على هدومي و أولع في نفسي و أغور من وشكوا كلكوا في ستين داااااهيــــــة !!!!!!
صرخت بأخر كلماتها ملء وجهه، فرد لها الصراخ فورًا بعنفٍ مصمّ :
-و ليه مايكونش كلامه هو إللي صح ؟؟؟؟
و إنك إستغليتي مرض أمك و غفلته عنك و مشيتي على حل شعرك مع الشباب ؟؟؟؟؟
إيــه إللي يخليني أصدقك و أصدق القرف إللي حكتيه ده؟؟؟!!!!!
أرادت أن تسد أذنيها لكي لا تسمعه، لكنها عوض ذلك بارزته باكية بآلامها و قهرتها على أمل أن يشعر :
-عشان القرف ده هو إللي أنا عيشته بجد
في الوقت إللي كلكوا عشتوا حياتكوا عادي.. أنا كنت بمووووت
محدش سأل فيا. كنت لوحدي… لحد ما جيت هنا و شوفتك و بدأت أحس إنك مختلف. و أخرها قعدت أحكيلك. تقوم تكدبني ؟؟؟؟
تصدق كلامه و تقف ضدي ؟؟؟؟؟؟
إنت شايفني إيه قدامك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
رد “رزق” بقساوة فجّة دون أن يرتد له طرف :
-أنا بصراحة مش شايفك غير ×××××× …
-أخــــــرس !!!!!! .. صرخت بضراوة أكبر و هي تهوى على صدغه القاسِ بصفعة رنّانة
لم تهتز منه شعرة، لكن وجهه إنقلب محتقنًا بالدماء و صار يزفر أنفاسه من فتحتي أنفه بتدافعٍ كثورٍ في بداية طور الهياج …
بينما  لم تكتفي “ليلة” بهذا و أنهالت على صدره و كتفيه باللكمات و الضربات منهارة على الأخير :
-حقيــــــر… إنت زيـــه.. كلكوا زي بعض… كلكوا زي بــعــــض ….
رغم أنه لم يتأثر بضربةٍ واحدة من قبضتها الضعيفة، لكنه ضاق ذرعًا، و شعر بالاختناق من الوقوف أمامها… فرفع يديه بلحظة و أمسك برسغيها باحكامٍ مبعدًا إياها عنه و هو يقول بصرامةٍ مخيفة :
-مهما تعملي يا ليلة خلاص.. أنا فهمتك على حقيقتك. لو كنتي من البداية صارحتيني بالحقيقة. و الحقيقة بس.. جايز موقفي كان إتغير. لكن دلوقتي.. إنت ورطتي نفسك معايا. و هاتشوفي بعنيكي نتيجة ده !
و دفعها بعيدًا عنه متجهًا صوب باب الشقة …
صفقه خلفه و هبط الدرج في أقل من نصف دقيقة، و بينما يستعد للمغادرة بسيارته تمتم باقتناعٍ تام :
-محدش يعمل كده… مافيش خال يعمل كده في بنت أخته.. إستحالة دي تحصل… إستحالة !!!!
______________
يصل “عزام” إلى منزله مسروعًا… يترك سيارته بمنتصف الباحة و يسارع بالصعود إلى غرفته
يخرج حقيبة السفر الكبيرة من أسفل الفراش ثم يضعها فوقه، و يبدأ على الفور بنقل محتويات خزانته إليها و هو يستلّ هاتفه من جيب سترته مجريًا الاتصال بإبنه …
إن هي إلا لحظاتٍ و سمع صوته الرائق على الطرف الآخر :
-أيوة يا بوب.. بالسرعة دي وحشتك ؟
ما كنا لسا قافلين مع بعض إمبارح !
يرد “عزام” بلهجةٍ متصلّبة و هو يتصبب عرقًا :
-إسمعني يا حسن. مافيش وقت.. أنا عايزك تحجزلي من عندك تذكرة لنيويورك. بكرة عايز أكون هناك
-إيه !
بتقول إيه يا بابا.. عايز تطلع على نيويورك ؟
ليه ؟!
عزام بانفعالٍ : ده مش وقت تحقيقات خالص على فكرة. إنت تعمل إللي بقولك عليه.. ظبطلي الدنيا بسرعة عشان أنا الكام ساعة دول هاتلخم في ترتيب الشغل و تأجيل مواعيد و بلا أزرق أد كده …
-طيب على الأقل فهمني إيه إللي حصل !!!
-لما أجي هاشرحلك كل حاجة خلاص بقى يابني ماتتعبنيش ..
أتى صوت “حسن” مستسلمًا :
-طيب.. I hope إنك تكون كويس بس !
أغلق “عزام” سحاب الحقيبة و إرتمى فوق السرير مجيبًا بتوترٍ لم يفلح بمداراته :
-لما أشوفك هابقى كويس يا حسن.. لما أشوفك هابقى كويس !
______________
تجلس هكذا وحيدة بين أربعة جدران، و إن كانوا من ذهبٍ و فضة… لا يعلم بحالها إلا الله
وسط كل هذا الحزن الذي ألم بها، لم تخشى على نفسها مطلقًا بقدر ما خشت على الروح الذي أمست بداخلها الآن.. لا تستطيع أن تشعر تجاهها سوى بالحماية و الحب فقط
و لكن أنَّى لها أن تعطِ الحب بكفاءة في ظل حرمانها منه بهذا الشكل، و في وقت تعلم جيدًا أنه يعطى لأخرى هي أحق به منها… بالطبع هي أحق به !!!
كانت تجلس إلى طاولة الطعام بالمطبخ الفسيح المستحدث، أمامها مل لذ و طاب، لكنها لا تشتهي شيئًا، و لا تشعر بالجوع أبدًا
إلى أن سمعت صوت طرطقة بالخارج، في البادئ، ظنت بأنها تتوّهم.. لكن عندما سمعت باب الشقة و كأنه يُقفل قامت بسرعة و خرجت لترى بعينيها
أخذ قلبها يتقافز في صدرها، حين رأته أخيرًا…. يقف أمامها بالمدخل.. هو بشحمه و لحمه… ليس حلمًا أو خيالًا
بل هو.. “رزق” …
-رزق ! .. غمغمت “نسمة” بكسرة تجلّت بصوتها و ملامحها الشاحبة
لتركض بعدها مباشرةً تجاهه و تستقر بين أحضانه، طوّقته بكل قوتها و هي تشعر بذراعيه تحيطان بها بحنانٍ، ثم تسمع صوته يتمتم فوق رأسها :
-نسمة.. وحشتيني. وحشتيني أوي !
رقت مشاعرها و زادت هشاشة أمام احتوائه لها و الحنان الذي يغدقه عليها بالاوقات المناسبة تمامًا …
لكن هذا لم يمنعها، قبل أن تنخرط معه بنوعٍ من المشاعر لا تستطيع معه النبس بكلمة.. رفعت رأسها لتنظر إليه قائلة بصوتٍ متحشرج قليلًا :
-أنا عايزة أقولك حاجة مهمة …
هز رأسه بالنفي و قال بارهاقٍ واضح :
-لأ.. أنا مش عاوز أتكلم. مش عاوز أسمع حاجة خالص.. أنا تعبان يا نوسا.. و مافيش غيرك بيريحني !
قطبت حاجبيها مدققة النظر بوجهه، كانت عيناه محمرتين و قسماته الجميلة متعبة بالفعل.. بدا مهمومًا و قلق …
إحتضنت “نسمة” جانب وجهه بكفها الناعم الطريّ و هي تهمس بقلقٍ عليه :
-مالك يا حبيبي ؟
إيه إللي حصل ؟!
لم يتكلم “رزق”.. لكنه قدم جوابًا أبلغ من الكلام… إذ طوق خصرها بشدة و رغعها إلى مستواه كي ما يتمكن من دفس وجهه بحضنها و البكاء في صمتٍ مزقها هي و أنساها بؤسها و أيّ شيء ودت أن تقوله إليه
الآن هي ليست آبهة لمطلق شيء بالعالم إلا به هو… و هو فقط !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)

اترك رد

error: Content is protected !!