Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل العشرون 20 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل العشرون 20 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل العشرون 20 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل العشرون 20 بقلم زيزي محمد

في اليوم التالي..
دخل زيدان بإرهاق لمنزله باحثًا عن أنس بعينيه التي كانت تود الغوص في نوم عميق لا يقطعه أحد، ظهر أمامه والدته ويزن والصغير، حيث كان يزن يحاول إطعام الصغير رغمًا عنه، تقدم منهم وبنبرة صوته المجهدة قال:
-صباح الخير!.
رفع أنس عينيه بفتور تام ولم يلقي عليه التحيه كعادته وكأن الصغير أُرغم على فقدان شغفه في عمره هذا!.
– مالك يابني!.
قالتها منال بصوت قلق، فرد عليها زيدان بنبرة جاهد بإخراجها:
– ضغط الشغل بس، أنا كويس متقلقيش!.
ثم التفت نحو أنس وبدأ يرسم على وجهه علامات السعادة والحماس رغم أنها زائفة فاقدة للحيوية ولكن ابن اخيه يستحق بأن يجاهد لاخراجه من الحزن المسيطر عليه.
– خلص فطارك يا أنس علشان نسافر لبابا وماما.
رفع يزن حاجبيه معًا قائلاً باستفهام:
– مين طلب منك تجيبه؟!
همس زيدان بالرد:
– سليم.
امتلئت السعادة وجه منال وسألته بخفوت:
– هو رجع لشمس، الحمد لله يارب.
أجاب زيدان برأسه حينما حركها بنفي، فعاد حماسها يتقهقر للخلف، وبدأت تغوص في حالة الحزن خاصتها إلا أن صوت يزن المتسائل بقلق جعلها تنتبه بتركيز:
– هتقدر تسوق وانت تعبان كده!.
أومأ زيدان بصمت، فسارعت منال بالحديث قبل يزن حينما غزت فكرة جيدة رأسها وأصرت على تنفيذها:
– روح يا يزن مع أخوك، اخوكوا محتاج لوقفتكوا معاه.
– ملهاش لزمة يا أمي، كفاية أنا بس هودي أنس..
قالها زيدان فأشارت منال بالصمت، وأكملت حديثها الذي أثار انتباه الصغير:
– لا روحوا انتوا الاتنين، وقفوا جنب اخوكوا، حسسوا انكوا موجودين وساعدوه يرجع شمس تاني.
صمت زيدان مفكرًا في حديث والدته، باحثًا بين جنبات عقله عن فكرة للرفض، بسبب خوفه الزائد من صد سليم له، ولكنه حقًا يحتاج إلى أن يقضي بضع الوقت معه، غير قادرًا على نسيان تفاصيل يوم اجتماعهما الفريد، حينها فقط شعر بمعنى جملة أن يضحك من قلبه، حتى أن الوقت الذي رقد بجانبه في فراش واحد داعب أوتار قلبه حنينًا واشتياقًا له، انتشاله يزن من عمق أفكاره وهو يقول:
– ماما كلامها صح، يلا نروح..انت هترجع امتى!.
– يعني ممكن بعد بكرة.
تحدثت منال بلهفة:
– حلو يابني روحوا لاخوكوا، وانا هقول لبابكوا ونيجي كمان، خلي سليم يحس اننا كلنا موجودين جنبه.
أنهى أنس فطوره وحقًا عقله لم يستوعب حديثهم، غير أنه سيذهب لوالديه أخيرًا..وضع يزن المنديل جانبًا:
– يلا هغير هدومي ونروح..وبالمرة أسوق أنا.
***
هبطت ليال درجات السلم بعجلة بعدما تأخرت على موعد المدرسة، وقبل أن تهبط للأسفل القت نظرة طويلة نحو شقته، لقد قضت الليل بأكمله بالتفكير في حديث فاطمة الذي أيقظ وحش الغيرة لديها، غير قادرة على تصور سيف مع اخرى وخاصةً بعد اعترافه لها، إلى جانب أن هواجسها سيطرت عليها من فكرة الزواج أساسًا فهي إمرأة حرة ذاقت طعم الحرية بكل شيء، ومعنى أن تتزوج ستكون تحت حكم رجل..وأي رجل..رجل شرقي حاد الطباع بغيرته، فابتسمت ساخرة وهي تتذكر كلماته الجارحة لها بسبب ثيابها وخصلات شعرها المتمردة دومًا من الحجاب فكان يعنفها بأسلوبه الحاد والصارم ولم يكن بينهما أي رابط رسمي، ماذا إن أصبحت زوجته؟! حتمًا سيقتلها!، مجرد فكرة ان تكون تحت حكم أخر غير نفسها يجعلها تشعر بالنفور لفكرة الزواج بأكملها!.
نفضت أفكارها ومشاعرها جانبًا فلا وقت ألا تتذكر تفاصيل اعترافه الصادمة لعقلها والمهلكة لقلبها، يكفي أنها قضت الليل بأكمله على وجهها ابتسامة بلهاء تشرد في كل تفصيليه به كانت قد حفظتها بعقلها بسبب تقاربهما بالأمس حينما حاول منعها من الخروج من الغرفة!.
خرجت من البناية ومنها إلى الشارع الرئيسي ولا شك أنها القت نظرة خاطفة نحو ورشته المغلقه، زفرت بحنق حينما كانت تود ارضاء شعور أحمق كان يسيطر على ساحة مشاعرها لخطف نظرة تحتفظ بها في قلبها بعد ما حدث بالأمس!..
وكأن القدر كان راضيًا عنها حينما ظهر فاجأة أمامها واضعًا يده في جيب بنطاله ناظرًا لها بابتسامه غامضة جعلتها تتورد خجلاً، ولكن خرج نبرة صوتها الحاملة لحدتها الزائفة:
– خير يابشمهندس سيف، في حاجة!.
– كله خير، حبيت أعرف ردك!.
عبست ما بين حاجبيها قائلة وهي تشير للخلف:
– أنا قولت لفاطمة بعد بكرة!.
توسعت عيناه بتعجب ليقول بنبرة اغاظتها:
– ايه ده هو احنا مش بعد بكرة، أنتي نمتي يومين!.
عبست بوجهها من جديد وهي تطالع نظرة التسلية بعينيه الصافية:
– انت هتهزر ولا إيه!.
– مبهزرش، اسالي أي حد في الشارع!.
رفعت هاتفها تطالع التاريخ بعدما افقدها صوابها لثوان، وحينما تأكدت من عقليتها رفعته أمام وجهه قائلة بحنق طفيف:
– اهو التاريخ مظبوط!.
– أنتي أكيد عايشه في عالم موازي، فوقي يا ليال!.
قالها بسخرية، فزمت شفتيها تردف بضيق من لهجته الساخرة:
– ياريت تفوق أنت، علشان كده غلط عليك بجد!.
وببؤس زائف استطاع ان يرسمه ببراعه فوق ملامحه قائلاً:
– افوق ازاي وأنا قلبي واقع في حبك!.
فتحت فمها غير مصدقة حديثه الذي كان يحمل لمحة من الاعجاب المبتذل، ولكنه خرج من سيف المتعجرف، فهذا جعلها في قمة التعجب والذهول، حتى أنها فقدت الحديث لثوان استغلها هو بإرسال قبلة صغيرة في الهواء قبل أن يتركها ويغادر مختفيًا من أمامها!، ولوهلة شعرت بأنها تتوهم، حتى أنها بكل حماقة التفتت بجسدها تطالعه، فوجدته يقف على أعتاب الطريق المؤدي لحارتهما، وقبل أن يختفي بداخله اعاد بإرسال القبلة لها في الخفاء، فرفعت حاجبيها باستنكار شديد لافعاله المراهقة تلك..
– لا ده أكيد عفريته، ده مش سيف..والله ما هو!.
هزت رأسها بيأس حينما استطاع مجددًا إدخالها في حالة الهذيان التي أصابتها بالأمس أثناء اعترافه، وبصعوبه استطاعت الخروج منها والعودة لطبيعتها الحادة!.
استدارت بجسدها مرة أخرى باتجاه الطريق الرئيسي وخطت خطواتها سريعًا بينما كان عقلها مسلوب الإرادة كعادته منغمسًا في تصرفاته التي تصر على دفعها من فوق حافة الهاوية، لقد اختلط عليها الأمر ولم تعد تعلم أهو النجاة بالنسبة لها أم هلاك جديد يصيب حياتها المظلمة!.
بينما عاد سيف مرة أخرى للطريق يسير خلفها بحذر شديد، ليس شك بها أو قاصدًا مراقبتها بل أن قلبه الأحمق يدفعه دفعًا لذلك بسبب خوفه عليها من تصرفات قد تؤذيها بمكروه…
***
خرجت شمس من شقتها، وهي تحاول ادخال الهواء العليل لرئتيها لتستقبل يوم جديد قبل أن تسافر غدًا لاخذ أنس من منال، حيث شعرت بتنظيم أمورها قليلاً وذلك بعدما قررت بيع بضع المجوهرات التي كانت هدية من والدها…لم تكن تريد أن تفعل ذلك، ولكن اشتياقها لأنس يدفعها بأن تتخلى عن أي شيء ثمين لديها قد يتعلق قلبها به.
اغلقت الباب بإحكام، واستمعت لصوت اقدام يأتي من الدرج العلوي، التفتت برأسها تطالع الذي يهبط على السلم بتروي أثار تعجبها، ارتسمت الصدمة على ملامحها وهي تشير نحوه بصوت مختنق:
– انت بتعمل إيه فوق يا سليم!.
وقف بهيبته يطالعها من الأعلى بصمت تام، وهو يضع يده جيب بنطاله الأسود، مردفًا ببرود:
– نازل من شقتي!.
– نعـــــم!!.
قالتها في اعتراض واضح، فرفع حاجبيه بغيظ من اعتراضها الواضح:
– وده يدايقك في إيه!.
اقتربت منه قائلة بصوت مرتفع نسبياً وهي تشير له بيدها في عصبية تامة:
– أنت قاصد تحاوطني علشان أرجعلك..
بتر حديثها بصوت حاد صارم وعيناه تزداد قاتمة:
– متعليش صوتك ونزلي ايدك، متنسيش انتي قدام مين!.
ورغم أنه اصابها بحالة من التوتر، إلا أنها لم تستطع كتم ضحكتها الساخرة، فقالت:
– يا ترى قدام مين؟!
توقعت مثلاً زوجك…أي رد من هذا القبيل، إلا أنه كعادته فاجأها حينما قال بكل غرور ممزوج بالتسلية الطفيفة وهو يقترب منها مختصرًا المسافة بينهما:
– سليم باشا الشعراوي!.
“حقًا، لم أكن أعرف يا ذاك المتعجرف القاتل لأي أمل بداخلي كنت اركض خلفه لإصلاحك”
– هو أنا مش قايلك مية مرة متحطيش برڤان وأنتي خارجة.
رمشت بأهدابها عدة مرات وهي تطالعه باستهجان عندما اقترب منها أكثر عاقدًا حاجبيه بضجر:
– وانت مالك، أنت مش جوزي علشان تتحكم فيا، أنت طليقي سابقًا وجاري حاليًا!.
مط شفتيه بملل وهو يطالع عنادها الذي عاد وسيطر عليها من جديد، وبحركة مجنونة خرج بها عن طور تعقله، جذب مقدمة البلوزة من الأمام وبكل قسوة مزقها بيده، انقطعت أنفاسها اثر فعلته التي تنم على وقاحته وحاولت أن تخفي جسدها عنه بعيون تشتعل غاضبًا، وبنبرة كانت السهام النارية تتقاذف من بين حروفها قالت:
– ابعد عني، أنت ازاي تعمل كده، اوعي وابعد بقولك
كانت قبضته تضم جسدها له في إحكام، وبابتسامة السمجة رد عليها بهمس أمام شفتيها:
– هو أنتي متعرفيش ان رديتك لعصمتي!.
– إيه، ودع امتى ان شاء الله!.
قالتها في استنكار شديد، وهي تطالعه بشراسة ودت التهامه بها، فتح فمه كي يرد بنبرته الباردة ولكنه كتمها بصعوبة بعدما استمعا لصوت اقدام على السلم فرت من بين قبضته باتجاه شقتها تفتح الباب بأصابع مرتجفة وقبل أن تغلق الباب كان هو معترضًا بجسده ثم دخل خلفها مغلقاً الباب خلفه باستفزاز اوشك على اشعال جنونها وانفجارها به، فاقتربت منه دون وعي تهتف من بين أسنانها وكأنها على وشك قتله، فخرجت نبرتها بعصبية مفرطة:
– أنت وعدتني انك مترجعنيش الا بمزاجي!.
رد في استفزاز أصابها بالجنون وخاصةً حينما جذبها نحوه يقبض فوق جسدها محاوطًا إياها بإحكام تحت محاولاتها بالرفض والابتعاد عنه بقدر الامكان، ولكنه استغل قوة جسده في فرض سيطرته عليها:
– لا أنا موعدتش بحاجة زي دي.
– أنا بكرهك يا سليم، بكرهك!.
قالتها بنبرة حاقدة، جعلت ابتسامته تتسع قبل أن يهبط بوجهه لوجهها لاثمًا شفتيها في قبلة طويلة حاولت هي إبعاده بقوتها التي بدأت بالاختفاء تدريجيًا حينما أحكم قبضته عليها، مخرجًا جميع مشاعره المشتاقة لها في قبلاته المستمرة دون انقطاع والتي ازدادت شراسة من شدة عطش صدره لها، فكان قلبه أثناء غيابها يشبه أرضًا كانت على وشك البور وحينما ارتوت بعد ظمأ طويل دبت الحياة بها.
ابتعد بعد ثوان حينما رن هاتفه بتواصل مستمر يبدو أن احدهم قرر قطع لحظتهما الرومانسية التي كان يتشوق لها حد الثمالة، فجعلته غير مدركًا أنه يقف كمراهق بجانب زاوية من الباب يقبض عليها بشراسة وكأنه سجان لا يأبى أن يترك سجينه حتى بعد حصوله على حريته! بلل شفتيه بعد أن قبلها بشغف ألهب شوقه بعشقها الذي يسري في عروقه حتى الموت.
دفعته بضعف وهي تحت تأثير ما فعله بها، فهمس لها بنبرته المميزة التي مازالت تجعلها تفقد هوايتها وهي بين يديه الرافضة التخلي عنها:
– وحشتيني..وحشتيني يا شمس.
أغلقت عيناها باستمتاع للحظات، تسمح لقلبها بتذوق حلاوة مشاعره المنبثقة من بين حروف جملته رغم أنها ناقصة بعض الشيء، ينقصها اعترافات والقاب وكلمات الحب الجنونية، مازال بخل مشاعره مسيطرًا عليه، فلتت من بين يده بصعوبة والتفتت بجسدها تتقدم حتى منتصف الصالة بخمول غريب يجاهد عقلها لرفضه مذكرًا إياها بتفاصيل انفصاله عنها، هل ستعود لسيطرته الخالية من أي مشاعر مجددًا، هل ستعود لجحيم حياتها البائسة معه حتى وإن كان قلبها يدق الآن بعنف طالبًا حقه في الارتواء هو الآخر من حبيب غاب عنه لأيام حارب فيهم فقدانه.
شعرت به يقف خلفها يحاوط جسدها مجددًا تزامنًا مع اطلاقه لتنهيدة عميقة أخرجها من صدره، وكأنه خيل له بأنه أخيرًا حل معضلة انفصالهما بردها إليه مثلاً، لن ترضخ لذلك الواقع إلا بشروطها، فأبعدته عنها قائلة بحدة وصوت أنفاسها تتسارع وكأنها تأبى الخضوع لسلطة عيناه تلك:
– انت ردتني وأنا مش موافقه أرجعلك يا سليم.
هز كتفيه بلامبالاة:
– وإيه يعني، أنا رديتك والموضوع انتهى!.
عقدت ذراعيها تطالعه بمكر حينما قررت اللعب على أمرًا لن يقبله سليم بحقه:
– وسليم باشا الشعراوي يرضى أنه يرجع واحده لعصمته وهي مش عايزه، تؤ تؤ مرضهاش في حقك دي!.
وبنفس نبرة الخبث والعبث بصوتها رد:
– لا وبوستها كمان، وهي كانت متجاوبه معايا اوي…
ضغطت فوق شفتاها بغيظ شديد منه، وبنبرة مختنقه تمتزج بالسخط:
– هخلعك يا سليم والله هرفع قضية خلع عليك.
عدل من قميصه الأسود قائلاً بتهكم:
– نتقابل في محاكم الأسرة.
التفت بجسده وطالعته من الخلف ولأول مرة تتعجب لتغير نمط ثيابه، فكان يرتدي قميصًا أسود اللون قصير الأكمام مع سروالٍ قماشي بنفس اللون وقد زاده وسامة وضع القميص بداخل البنطال فكان جذابًا بحق مع تصفيف شعره بعناية اقلقتها…لطالما كان يتركه مبعثرًا قليلاً:
– همشي أنا علشان عندي معاد شغل وانتي زي الحلوة غيري هدومك ومتحطيش برڤان عشان ردي المرة الجاية مش هيعجبك.
خرج هكذا ببساطة بعدما أثار زوبعة بمشاعرها من الغضب والسعادة والغيرة، تركها وأشعل فتيل الغيرة عليه بهيئته تلك التي تخطف الأنفاس، كيف لم تلاحظ ثيابه المنمقة تلك منذ أول نظرة، يبدو أن دور المرأة الحرة أعمها عن حبيبها الذي تغير بسرعة البرق بين ليلة وضحاها، فراح عقلها ينشغل بتفاصيل تغييره متناسيًا أمر أنها عادت لعصمته، وهذا يعني أن القادم معه مجهول.
***
غابت الشمس عن شوارع الاسكندرية….وأخيرًا وقف زيدان وهو يحمل أنس ويزن بجانبه أمام شقة سليم الجديدة بالبناية التي تقطن بها شمس…
فتح سليم الباب وعلى جهه ابتسامة بسيطة مرحبًا بابنه، حيث أخبره زيدان أنهما بالطريق طالبًا عنوانه، لن ينسى النبرة المتعجبة التي خرجت من جوف يزن في الهاتف وهو يتساءل عن كيفيه سكنه بالبناية، وكعادته أغلق الاتصال تاركهما في حالة من الاستفهام والذهول التي بالطبع اختفت حينما أدركا خطته عند مجيئهما.
– حبيبي نورت..
التقط أنس من بين يد زيدان، وقام بتقبيله بحنو واشتياق له، فكانت رد فعل الصغير فاتر يختلط بالحزن، قطب سليم حاجبيه بقلق وهو يطالعهما:
– ماله أنس في إيه!.
جلس يزن بإريحية على الأريكة يقابل وجه سليم المستفسر ببرود:
– هيكون ليه يعني، قول لبابا يا أنس أنت زعلان ليه!.
لكزه زيدان بيده طالبًا منه الصمت، فأشار له بلامبالاة غير قادرًا على كبت مشاعره الحانقة أكثر، حيث كان غاضبًا لحزن الصغير طوال تلك الفترة.
تجاهل سليم حديثه وأخذه نحو غرفة في آخر الردهة، بينما قال زيدان بنبرة يغلب عليها العبث الساخر:
– شوفت فن اختيار الشقق يا بتاع البرص.
رفع يزن عينيه يطالعه بنظرة لن تخلو من مشاكسته:
– اسكت متفكرنيش، كان حته برص عليه جوز عيون قتاله يودوا في داهية.
فرك زيدان عيناه بإجهاد وهو يقول بضحك:
– والله كنت عارف انك مظبط واحدة، عيل صايع.
– طالعالك يا اخويا.
استنكر زيدان حديثه:
– أنا يابني!.
التفتت يزن بجسده كاملاً يطالعه بمكر:
– بإمارة نهى بنت عمتك اللي مدوخه وراك.
زفر زيدان بضيق مغلقًا عيناه بتعب:
– اهي نهى دي لوحدها هم يا يزن ومش عارف اخلص منه.
– ليه البت حلوة وبتحبك..
بتر زيدان حديثه مختصرًا عليه طريقته جلب عاطفته لطالما كان يزن متعاطفًا معها لاقتناعه أنها لا تملك صفات عمته السيئة..
– وبنت عمتك اللي سليم بيكرهها، احتمال اخوك يقاطعني فيها العمر كله لو فكرت واعملها.
تعجب يزن لنبرة الهدوء والحكمة التي هبطت عليه فاجأة، ناهيك عن مشاعر زيدان التي لم يستطع ان يحددها اتجاه نهى حتى الآن لذا يرفض التواصل معها.
بينما بالداخل…كان يجلس سليم كالمذنب أمام طفله الذي قرر معاقبته بكلماته الطفولية اللاذعة، مع انسياب دموعه التي أحرقت قلب سليم في لوعه على صغيرة..
– كلكوا بعدتوا عني أنت وماما وعمو زيدان..مفيش الا تيتة وجدو وعمو يزن بيحبوني.
– ازاي أنا اكتر واحد في الدنيا بيحبك.
قالها سليم باندفاع عاطفي لأول مرة يشعر به اتجاه أحد.
– طب ليه بعدت عني يابابا..أنت وحشتني اوي وماما كمان نفسي اشوفها.
فرك سليم وجهه بصعوبة مقررًا أن يتحدث مع صغيره بعقلانية حيث قرر اللجوء له في حل مشاكله مع شمس.
– مامي زعلانة مني شوية وقررت انها تخاصمني، وأنا بحاول اصالحها وهي رافضة، ممكن تساعدني علشان ترضى تصالحني..
وبذكائه قرر أن يستعطف الصغير ويجذب كامل انتباه بعيون تمتلئ بالشغف والحماس:
– ماشي اساعدك..أصلاً مامي قالتلي اللي بيساعد حد بيدخل الجنة.
– حلو أوي، هفكر في خطة حلوة ننفذها مع بعض، تمام.
هز أنس رأسه بحماس وانطلق يحتضن والده باشتياق ألهب فؤاده الصغير:
– وحشتني اوي يابابا.
شعر سليم بتقصيره مع ولده وقرر إعطائه وقتًا كافيًا من يومه حتى يستعيد صغيره روحه الطفولية التي ضاعت في فلك انفصالهما والمتضرر الوحيد هو أنس.
***
بعد مرور ساعتين..
جلس سليم يتابع عمله عبر الهاتف، إلى جانب الرسائل التي تلقاها من الشخص المكلف بحماية شمس أثناء عملها وحينما علم بعودتها لشقتها ارتاح قلبه أخيرًا، يبدو انه سيبذل مجهودًا عصبيًا أثناء فترة عملها التي لا يعرف كيف سينهيها رغم انها عادت لعصمته إلا أنه قرر أن يتحلى بالقليل من الحكمة كي لا يفرض عليها شيء..متناسيًا بذلك قراره من قبل بعدم عودتها له إلا برضائها ولكنه بعد تفكير أمس استغرقه في البحث عن أملاً من حيث عودتها له بإرادتها ولكنه لم يجد بل وجد الضلال يغمر حياتهما..فقرر عودتها لعصمته طبقًا للشرع، تاركًا الأمور الأخرى جانبًا حين يأتي وقتها المناسب.
خرج عن تركيزه بسبب الضجيج العالي الناتج عن شجار زيدان ويزن وضحك أنس المتواصل، زفر بشرود مفكرًا في سبب تواجدهما من الأساس..لقد ظن انهما سيغادرا ولكنهما بقيا مما جعله يتأخر في خطوة معرفة شمس بوجود أنس.
خرج يزن وهو يحمل أنس خلف ظهره قائلاً بنبرة صوته المرتفعه:
– يزن عايز بيض.
اندفع انس خلفه وهو يشير بأصابعه الصغيرة بتلذذ بات واضحًا على ملامحه:
– ونقطع فيه سجق صغير اوي زي ما تيته وماما بتعمله ليا.
هز سليم كتفيه غير قادرًا على تفسير حديثه او بمعنى أصح إلى متجاهلاً ما يرمي إليه، فخرج زيدان خلفه ووجه مكفر لعدم اخذه قسط الراحة الذي كان يتمناه..مردفًا وهو يرفع يده لأعلى:
– مبعرفش ادخل مطابخ.
انزل يزن الصغير عنه ثم اقترب من سليم متحدثًا بخفوت:
– انزل اقول لشمس.
هتف سليم بصرامة كي لا يفقد يزن بتصرفاته الهوجاء أسس خطته في عودتها الكاملة له، فقال بتهور خرج رغمًا عنه:
– لا..أنا هعمله!.
– أنت!.
خرج الاستهجان من فم زيدان، فهز سليم رأسه قائلاً بعد تفكير استغرقه في حل معضلة تحضير صحن البيض المفضل لأنس:
– اه عادي هتصل بحد يجبلي الطلبات.
غمز زيدان ليزن بمشاكسة منتظرين وجود دخول سليم الشعراوي المطبخ!.
وبعد مرور عدة دقائق وصل أحدهم أمام الباب حاملاً حقيبة بلاستيكة مليئة بالطلبات المنزلية، التقطها سليم منه وثم اتجه صوب المطبخ بشموخه الذي جعل يزن وزيدان يتحركان خلفه بهدوء ومعهما أنس الصغير الذي وقف يتابع والده بشغف وهو يحضر له وجبته المفضلة.
وقف سليم في منتصف المطبخ ممسكًا بالاطباق باستغراب، والصواني غير قادرًا على تحديد أي منهما الافضل..وحقيقة هو يجهل ما الخطوات التالية أساسًا.
جاءه فكره ذكية بالبحث عن خطوات تحضير الطريقة، انتقل بعدها بسلاسة وحماس ينفذ الخطوات بهدوء فوضع السجق اولاً في زيت كان مكتوبًا قليل جداً ولكنه فرط من يده بكثرة وبتفكيره الرجولي الساذج قرر تركه ببساطة شديدة فلا ضرر منه…واستند فوق الثلاجة يعبث بهاتفه.
همس يزن باطمئنان خالطه التهكم:
– واضح ان جواه شيف صغنن كان نفسه يطلع.
التفت زيدان وهو يجر أنس خلفه بحركته المفضلة التي تجعل الصغير ينفجر ضاحكًا:
– ربنا يستر والله..أنا خايف.
***
بالأسفل دخلت شمس مطبخها كي تحضر لها وجبة بسيطة…نظرت لأعلى بحنق بعدما تأكدت من السيدة أم رجاء انه استأجر الشقة التي تعلوها مباشرةً بالأمس من مالكها..اغتاظت منه بعدما قرر محاوطتها بكل الاشكال.
مدت يدها تبحث عن الطماطم ولكن انتباهها صوت ذعر اخترق قلبها…
” حاسب النار…حاسب…سليم”.
“سليم” همست بها بخوف بعدما فقد عقلها تركيزه في تفسير الجملة..واندفعت تجذب روب طويل ترتديه باحكام حول جسدها ومن ثم انتقلت يدها فوق رأسها تحكم حجاب حريري كان ملقاه بالصدفة فوق الكرسي، خطت خطواتها لأعلى نحو شقته بسرعة كادت أن تتعثر كثيرًا بسببها..طرقت الباب بذعر وأصابعها ترتجف بشدة وقلبها بدأت دقاته تختفي تدريجيًا مع مرور دقائق الانتظار البشعة.
وأخيرًا فتح سليم الباب بعبوس وجهه المعتاد، وما إن رآها هكذا بهيئتها التي كانت ترتدي روب مغلق على جسدها وحجاب بالكاد يغطى نصف شعرها وملامح الذعر تغزو وجهها..حتى انتباهه هو ايضاً الذعر ولكن بسبب غيرته، فخرج سريعًا قبل أن يراها اخواته المنشغلين باطفاء حريقة بسيطة بالمطبخ…وحملها في سرعة البرق على كتفه هابطًا بها للأسفل لشقتها تحت صدمتها منه ومما يفعله، ولكن أنفاسه الهائجة المحملة بعواصف غيرته عليها جعلتها تعود للواقع وهي تتحرك بانسيابه فوق كتفه الصلب!.
_______________
يتبع ……
لقراءة الفصل الحادى والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!