روايات

رواية امرأة العقاب الفصل السابع والخمسون 57 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل السابع والخمسون 57 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت السابع والخمسون

رواية امرأة العقاب الجزء السابع والخمسون

رواية امرأة العقاب الحلقة السابعة والخمسون

اخترقت جملة أمه أذنيه فصابته بحالة من الذهول وعدم الاستيعاب .. استحوذ عليه الصمت لبرهة من الوقت قبل أن يسأل بابتسامة استنكارية :
_ متجوزة إزاي يعني !!!
أسمهان بثبات تام :
_ متجوزة يا آدم .. يعني كانت بتضحك عليك واللي كان خاطفها ده جوزها !
حتى الآن مازال في حالة مريبة من الهدوء الكامل .. ليخرج سؤاله الثاني وسط نظرته الثاقبة لأمه :
_ وإنتي عرفتي إزاي ؟!!!
لم تهتز شعرة واحدة منها بعد سؤاله بل أجابته بكل ثقة وثبات :
_ سمعتها في المستشفى بتتكلم مع صحبتها اللي اسمها سهيلة دي وبتحكيلها
لم يزيح بنظراته الغريبة عن أمه .. ثم أزاح الغطاء من فوق جسده ونزل من الفراش ليتحرك بخطوات هادئة تجاه الشرفة هاتفًا في خشونة :
_ مهرة لا يمكن تعمل كدا
استشاطت أسمهان غضبًا واسرعت تلحق به لتقف بجواره وتقول منفعلة :
_ عملت يا آدم وبقولك متجوزة أنا سمعتها بودني .. هي البنت دي عملتلك إيه بظبط .. فوق يابني وانساها .. إنت بس تطلب وأنا اجبلك اجمل وأحسن بنت تليق بيك وباسم الشافعي
رغم أن هناك صوت قوى في أعماقه يصرخ رافضًا تصديق ما يسمعه تظل فطرته الرجولية ملتهبة والنيران في صدره يزداد لهيبها من فرط الغضب بالأخص بعدما تذكر بكائها في المستشفى ورفضها لسرد ما حدث معها ومن ذلك الشخص !! .
هناك نقاط ناقصة وسيعرفها بنفسه .. وإلا لن تهدأ نيران صدره قبل أن تحرقه وتحوله لرماد .. لم يبالي بمرضه وحالته الصحية حيث اندفع نحو خزانته ونزع التيشيرت المنزلي ليخرج قميصه ويرتديه مسرعًا وكذلك بدل بنطاله وسط نظرات أسمهان المذهولة من تصرفات ابنها الجنونية .. وقبل أن يغادر أسرعت إليه تجذبه وتمنعه من الخروج صائحة :
_ استنى هنا .. إنت رايح فين مينفعش تخرج الدكتور قال لازم ترتاح يا آدم
نزع يدها عن ذراعه وأبعدها برفق من طريقه مردفًا بعجلة :
_ أنا كويس ياماما .. ابعدي لو سمحتي
أسمهان بصيحة عارمة وعصبية :
_ لا مش هبعد ومش هسمحلك تروحلها تاني .. كفاية أوي اللي جرالك من وراها
خرج صوته بصيحة جمهورية تلقائية منه نابعة من لهيبه الداخلي :
_ قولتلك ابعدي ياماما .. أنا عفاريت الدنيا بتتنط قدام وشي السعادي
لم يمهلها اللحظة لتعترض حيث دفعها وغادر مسرعًا .. فلحقت به شبه ركضًا وهي تصيح عليه بغضب في محاولات بائسة لإيقافه :
_ آدم استنى .. آدم
لكن لا حياة لمن تنادي وقبل أن تنتهى من نزول الدرج كانت قدماه هو أسرع منها حيث غادر المنزل بأكمله في ظرف لحظات رغم أنه مازال لم يتعافى جيدًا لكنه لم يهتم لصحته .. فتوقفت عند منتصف الدرج وهي تتأفف بعصبية وقلق ! ……..
                                    ***
داخل منزل عدنان الشافعي تحديدًا بشرفة غرفته ………
يتحدث في الهاتف بجدية تمتزج ببعض المزاح وبين كل لحظة والأخرى يتلفت خلفه ليتأكد من عدم وجودها ويجيب :
_ عايز كل حاجة تخلص في اقرب وقت
رد الطرف الآخر باسمًا :
_ متقلقش يا باشا شهر بالكتير وكله يكون جاهز
سمع صوت خطوات ناعمة وهادئة من خلفه فالتفت بسرعة وفور وقوع نظره عليها ابتسم وتمتم بخفوت في الهاتف :
_ طيب سلام دلوقتي ونبقى نكمل كلامنا بعدين
اجابه بالآخر بالموافقة واغلق الاتصال .. بينما جلنار فاقتربت منه ووقفت أمامه مباشرة تقول بابتسامة خافتة ونظرة دقيقة :
_ هو في إيه بظبط ياعدنان ؟!
غضن حاجبيها بحيرة واردف :
_في إيه ؟!!
عقدت ذراعيها أسفل ظهرها وطالعته باسمة ترفع حاجبها وتمتم بجدية :
_ من وقت ما رجعت من اسكندرية امبارح بليل وإنت تلفونك كل ساعة بيرن وبتتكلم بعيد عني وأول ما ادخل تنهي المكالمة
دنى منها ولثم شعرها بحب هامسًا في نبرة مميزة :
_ مفيش حاجة ياحبيبتي إنتي بيتهيألك .. ده بس في شغل ضروري ومهم الأيام دي
لوت فمها باقتضاب ثم ردت بهدوء :
_ طيب تعالى يلا عشان الغدا جاهز
عدنان بإيجاز وهو يتحرك للداخل ويجذب مفاتيح سيارته وحافظة نقوده من فوق المنضدة ثم يقترب منها ويلثم وجنتها سريعًا مجيبًا :
_ لا اتغدوا إنتي وهنا النهارده من غيري معلش .. أنا مستعجل وورايا مشوار مهم
لم تلح عليه ليبقى واكتفت فقط بإماءة رأسها بالإيجاب في صمت ونظرات ممتعضة .. التزمت الصمت وقررت عدم التحدث لكن لسانه خانها وبتلقائية سأله قبل أن ينصرف بالضبط عند باب الغرفة :
_ هتتأخر ياعدنان ؟!!
توقفت والتفت لها يزم شفتيه بأسف ويقول :
_ أيوة هتأخر متستنونيش بليل
لوت فمها بخنق فور مغادرته وأثرت بالأخير اللامبالاة  حتى لا تعطي ثغرة لنفسها بافتعال المشاكل .. هي أساسًا تشتعل غضبًا وغيظًا كلما تقذف بذهنها صدفة رؤيتها لفريدة بالصباح ، وبالرغم من سخافة كلماتها إلا أنها بصمت أثرها في ثناياها وتشتعل لهيب نيرانها كلما تتذكرها !! .
                                   ***
داخل منزل حاتم الرفاعي ……….
كان حاتم بغرفة خارجية بالحديقة خاصة به .. ممتلئة بالأجهزة الرياضية لممارسته الدائمة للرياضة ويقوم بدوامه اليوم في الغرفة منشغل بإفراغ شحنة طاقته الزائدة بوسادة اللكم مرتديًا قفاز اليد الواقي ويترك نصف جسده العلوي عاريًا .
دخلت فرح الغرفة بهدوء تام دون أي صوت لدرجة أنه لم يشعر بها إلا عندما سمع صوتها تقول برقة :
_ هي مش المفروض الرياضة دي بتكون الصبح بدري وكدا
ضحك ورد دون أن يلتفت لها :
_ مين اللي قال كدا .. الرياضة في وقت تمارسيها المهم إنك تكوني منتظمة عليها لأن فوائدها كتير جدًا لا يمكن تتخيليها
فرح باسمة بتأكيد على كلامه :
_ أكيد طبعًا ليها فوائد كتير
وقفت مكانها لوقت تتابعه وهو يوجه اللكمات العنيفة للوسادة المعلقة .. ظهره يتصبب عرقًا وكذلك وجهه وشعره الأسود .. ابتسمت بنظرة جديدة ! .. ثم اقتربت منه وهدرت بتردد :
_ هو ينفع أجرب أنا ؟!
توقف عن اللكم والتفت لها يقول بإيجاب :
_ ينفع يافرح .. مينفعش ليه .. تعالي
تقدمت منه ووقفت بجواره ثم رأته ينزع قفازه الأحمر والضخم ويمده لها لكي ترتديه ففعلت على الفور ووقفت أمام الوسادة تهم بلكمها .. لكن شعرت بذراعيه من الخلف تمسكها من ذراعيها وتعديل من وضعية وقوفها هاتفًا :
_ اقفي كدا وخلي ايديكي قريبين من بعض وفي نفس يبقوا شبه قدام وشك
التفتت له برأسها وابتسمت بحرج بسيط ثم أماءت بالإيجاب وفعلت كما أملى عليها .. وراحت توجه أولى لكماتها لكنها صرخت بألم فور لكنها للوسادة الصلبة .. فتراه يضحك عليها ويسير لها بعيناه أن تكمل .. زمت شفتيها بيأس وأكملت .. راحت تضرب الثانية والثالثة وفي الرابعة ارتدت الوسادة للأمام فصطدمتها ودفعتها للخلف لترتد عليه .. اختل توازنه فجأة وسقط لتسقط هي فوقه .
طالت نظراتهم المندهشة لبعضهم وبالأخص هي التي ظهر الخجل بوضوح فوق ملامحها وقبل أن ينقذوا الموقف ويبتعدوا لمح هو زوجته التي تقف عند باب الغرفة عاقدة ذراعيها أسفل صدرها وتحدقهم شزرًا بأعين ملتهبة بنيران الغيرة .. للحظة ظنها ستقتلهم معًا بعد هذا المشهد ! .
أبعد فرح عنه بسرعة واستقام واقفًا ثم لحق بها بعدما استدارت وغادرت مسرعة .. هرول ركضًا خلفها في الحديقة صائحًا عليها :
_ نادين استني .. نادين !
لم تجيب ولم تعيره اهتمام بل اسرعت وتيرة خطواتها لتصبح أشبه بالركض وهو تلقائيًا اسرع حتى وصل إليها وجذبها من ذراعها يوقفها هاتفًا :
_ استني .. متتعصببش وهفهمك كل حاجة
دفعت يده بعيدا عنها بعنف وصاحت منفعلة بتحذير :
_ ما تلمسني ياحاتم عم تفهم ولا لا
حاتم معتذرًا بصدق :
_ ياحبيبتي اهدي وبلاش تعملي مشكلة بينا على مفيش
ابتسمت ساخرة وتفحصت جسده العاري بنظراتها النارية لتقول :
_ على مفيش !! .. ارجع ياحاتم والبس تيابك ما تخليها تنطرك كتير
_ تنتطرني .. لا إنتي بتهزري بقى !!!
طالعته بازدراء واستدارت لتكمل طريقها فمسح هو على شعره نزولًا لوجهه متأففًا بغضب لاعنًا الصدف السيئة التي تخلق مشكلات ليس لها معنى من الأساس بينهم !! .
خرج صوته مغتاظًا بسخط :
_ هو شكله حد باصللي في الجوازة دي .. فرحنا بعد بكرا وبدل ما نجهز لفرحنا واحنا مبسوطين هروح اصالحها .. مبروووك ياعريس
قال جملته الأخيرة مستنكرًا بعدم حيلة ونفاذ صبر !!  …….
                                   ***
خرجت مهرة من أحد محلات البقالة المجاورة لمنازلهم بعدما قامت بشراء بعض مستلزماتها وقادت خطواتها إلى بنياتها الصغيرة .. دخلت وصعدت درجات السلم وعند منحنى السلم للطابق الثاني تسمرت مكانها عند بدايته فور رؤيتها لآدم ينتظرها عن أخره بالأعلى .. واضعًا يديه بجيبي بنطاله ويطالعها بقوة .
تصلبت لدقيقة كاملة تستوعب ما تراه حتى أسرعت تصعد درجات السلم حتى وصلت إليه وقالت باهتمام حقيقي :
_ آدم إنت إيه اللي جابك .. إنت لسا تعبان والمفروض ترتاح
آدم بعين ثاقبة وصوت غليظ :
_ مش بتردي على اتصالاتي ليه يامهرة !
اضطربت ولم تعرف بماذا تجيب فبقت ساكنة تنظر له فقط ليتبع هو باسمًا باستنكار :
_ اممممم أنا لما لقيتك مش بتردي جيتلك بنفسي
التفتت خلفها بزعر عندما سمعت صوت أحدهم بالأسفل وبسرعة عادت له تقول برجاء :
_ آدم طيب امشي دلوقتي عشان خاطري قبل ما حد يشوفنا .. وكمان عشان متتعبش اكتر
ثبت نظره عليها بثقة وقال في نبرة تضمر خلفها معاني أخرى :
_ يشفونا يامهرة ميفرقش معايا .. هقولهم دي البنت اللي بحبها واللي ناوي اتجوزها !
 فغرت عيناها وشفتيها بصدمة .. بالرغم من المامها بجوانب شخصيته الجريئة والصريحة .. آخر شيء كانت تتوقعه منه أن يعترف لها برغبته في الزواج منها بهذا الشكل ! .
هيمن الصمت القاتل عليهم .. وعندما قذفت بذهنها تلك الورقة التي خطت باسمها عليها زعرت وقالت مسرعة برفض :
_ لا مينفعش !!
وكأنه كان ينتظر ردها بالرفض حيث سألها بترقب :
_ مينفعش ليه !!!
لم تجيب وبقت تحملقه بتوتر وتردد امتزج بانكسارها ليعود هو ويسألها لكن هذه المرة بلهجة حازمة ومستاءة :
_ مين الراجل اللي كان خاطفك يامهرة وإيه علاقتك بيه ؟
غامت عيناها بالعبارات ولم تجد الشجاعة الكافية لتعترف له بكل شيء فآثرت الصمت كأسوء رد عليه بهذه اللحظة مما جعله يضحك بعدم تصديق بعدما تأكد من كلام والدته وقال غير مستوعبًا :
_ أنا كدا اتأكدت .. إنتي متجوزة الراجل ده صح ؟!
توقفت عيناها عن ذرف الدموع بذهول بعدما تفوه بتلك العبارة .. لا تدري من أين علم بزواجها الباطل منه لكنها الآن سقطت بمأزق ضخم .. حين لم تجيبه واجفلت نظرها أرضًا باكية بعجز .. رمقها هو بخزي وألم هادرًا :
_ إنتي كنتي آخر واحدة اتوقع منها ده يامهرة .. خدعتيني لغاية ما حبيتك واتعلقت بيكي
رفعت نظرها وكادت أن تجيب عليه لكنه أبعدها عن الطريق ونزل الدرج مسرعًا وسط صوتها وهي تنده عليه تتوسله أن يتوقف ويسمعها أولًا .. لينتهى بها المطاف جالسة فوق الدرج منخرطة في نوبة بكاء حارقة وتهمس بضعف :
_ أنا مخدعتكش .. أنا مظلومة والله يا آدم .. أنا بحبك
                                    ***
في تمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل ……..
كانت جلنار كامنة فوق فراشها وتستند بنصف جسدها العلوي على ظهر الفراش وتفرد قدميها أمامها .. محدبة في الفراغ بشرود .
الساعة تخطت منتصف الليل ولم يعد حتى الآن .. منذ أن عاد من الأسكندرية بالأمس وهو يتصرف بغرابة .. لا يسرد لها شيء وكأنه يخفي عنها أسباب تصرفاته المريبة تلك !! .
رغمًا عنها تجول كلمات فريدة بذهنها .. فتعود وتطرح سؤالًا استنكاريًا بعدما كانت رافضة رفض تام تصديق تلك السخافة الآن تعود لدوامة انعدام الثقة من جديد ! :
_ هو ممكن يكون كان عندها فعلًا امبارح !!
فتعود وتجيب على نفسها بالرفض في صوت داخلي ( لا عدنان من المستحيل أن يعود لها مرة أخرى ) فتجد صوتًا مختلفًا يكمل باستهزاء ( ولماذا مستحيل ! .. إذا مازالت تمتلك جزء في قلبه حتى الآن .. قد يسامحها ويعود لها ! ) لم تستمع للعبارة الأخيرة حول عودته له فهي على يقين تام أنه لو بقيت فريدة آخر انثى بالعالم فلن يعود لها أبدًا .. لكن ما يثير جنونها ويؤلمها هي حقيقة أنه قد يكون حقًا مازال يكن لها مشاعر العشق .. وأكثر ما يؤلمها أن تكون هي الطريق الذي يمكنه من خلاله نسيان خيانتها وحبه .. أن تكون مجرد وسيلة لأحياء روحه الميتة ! .
وتلقائيًا قذفت عبارة جميلة في ذهنها عندما قالت ( عدنان مش بيحبك ولا هيحبك .. هو لسا بيحب فريدة إنتي مجرد ورقة حظ بس كسبها عشان ينسى حبه وخيانتها ليه ! ) .. كل تلك الظروف تجبرها لا إرديًا على العودة لنقطة الصفر من جديد .. حيث لم يكن هناك ثقة ! …..
شعرت برغبتها في النوم رغم أنا خلدت للنوم أكثر من مرة منذ الصباح .. تمددت بجسدها كاملًا فوق الفراش وتدثرت بالغطاء لتغمض عيناها تهيأ عقلها وجسدها للاسترخاء والخلود للنوم .. لكن ثلاث دقائق بالضبط وسمعت صوت باب الغرفة ينفتح .. لم تحرك ساكنًا أو تتفوه ببنت شفة .. وبقت مغلقة عيناها تستمع بأذنها لخطواته في الغرفة .. وبعد لحظات شعرت به يجلس بجوارها ويميل عليها لاثمًا شعرها وهامسًا :
_ جلنار .. جلنار
فتحت عيناها والتفتت له دون أن تجيب فيبتسم هو ويقول باستغراب :
_ إنتي كويسة ياحبيبتي .. مش ملاحظة إنك بتنامي كتير الأيام دي !!!
هزت رأسها بالإيجاب وردت في خفوت :
_ أنا كويسة .. إنت كنت فين ؟
استعجب سؤالها ورد ببساطة :
_ في الشغل !
جلنار بوجه خالي من التعبيرات :
_ طيب تصبح على خير
 وهمت بأن تكمل نومها لكنه أوقفها وهتف بجدية :
_ في إيه ياجلنار إنتي مضايقة مني في حاجة ؟!!
هزت رأسها بالنفي في صمت وابتسمت شبه ابتسامة منطفئة تتمتم :
_ لا مفيش أنا بس مرهقة وعايزة أنام
لم يلح عليها رغم انزعاجه وتعجبه من تصرفاتها الغريبة واكتفى بقبلته الدافئة فوق جبهتها متمتمًا :
_ طيب نامي .. تصبحي على خير
انهي عبارته واستقام واقفًا ليشرع في تبديل ملابسه وهو عيناه لا تحيد عنها يتمعنها بتدقيق .. وبعد انتهائه عاد للفراش من جديد لينضم لها  ويشاركها في الغطاء ثم يلتصق بها من الخلف معانقًا إياها بحنو .
سكنت في البداية براحة بين ذراعيه لكن روحها المضطربة والحزينة دفعتها للابتعاد عنها .. حيث سحبت جسدها من بين ذراعيه ببطء لكن اخترقت أذنها عبارة خانقة منه وجادة :
_ في إيه ياجلنار إنتي مش عايزاني اقرب منك ليه !!!
جلنار بخفوت تام وعبوس :
_ معلش ياعدنان أنا مخنوقة شوية النهارده .. please متضغطش عليا
هدأت حدة نبرته وتحولت إلى البيت ليسألها باهتمام :
_ زعلانة من إيه !
_ عادي حاسة نفسي مش في المواد بس
طال نظره إليها بتدقيق وعدم تصديق ثم قال بلهجة جادة تحمل اللين والحنو :
_ إنتي مبتعرفيش تكذبي وخصوصًا عليا ياجلنار  .. بس أنا مش هضغط عليكي وهسيبك براحتك النهارده
ابتسمت بخفوت دون أن تجيب وعادت توليه ظهرها من جديد لتشعر به يضمها من جديد هامسًا بعبث :
_ بس ده ميمنعش إني اخدك في حضني الليلة .. ممكن ولا لا !!!
ظهرت ابتسامتها الواسعة والمحبة أخيرًا لتوميء برأسها له في الموافقة سامحة لكليهما أن ينعما الليلة بدفء مشاعرهم .
                                   ***
قبل ساعات قليلة تحديدًا في تمام الساعة الثامنة مساءًا ……
كان هشام ينتظر داخل سيارته أمام بناية منزل خاله .. في الواقع هو كان ينتظر فتاته الجميلة التي ظهرت من المصعد الكهربائي وهي ترتدي ثوب طويل بحمالات عريضة وتلقى فوق كتفيها وذراعيها شالها الفرو المميز وتترك العنان لشعرها الحريري .. يقسم أنه سلبته عقله .. كان جمالها يحبس الأنفاس ويضرب العقول .. فعلقت نظراته الهائمة عليها وهي تتحرك تجاهه كالملاك البريء وتبتسم بكامل النعومة .. غرق بسحر فتاته الصغيرة لدرجة أنه لم يلحظها عندما توقفت أمام إلا عندما سمع صوتها تقول بتعجب :
_ هشام !
انتفض على أثر صوتها وبسرعة فتح باب سيارته ونزل ليطالعها بعشق ويهتف دون تردد بعين لامعة :
_ إيه الجمال ده
ابتسمت بخجل وتطرقت رأسها أيضًا نجيبه بخفوت :
_ شكرًا
ثم رفعت رأسها مجددًا وسألته بحماس :
_ هنروح فين ؟!
هشام بحنو :
_ براحتك تحبي نروح فين ؟
زينة بابتسامة رقيقة :
_ معرفش خليها على ذوقك إنت بما إنك اللي عازمني
أجاب ضاحكًا بمداعبة :
_ بس كدا .. ده من دواعي سروري  meine Dame ( سيدتي )
لم تفهم عبارته الألمانية ولم تعقب أيضًا فقط اكتفت بضحكتها وهي تلتف حول الجهة الأخرى من السيارة لتصعد بالسيارة بينما هو فكان اسرع منها حيث وقف قبلها وفتح الباب لها باسطًا ذراعه للداخل وهو يبتسم بساحرية فترتفع ضحكتها وتستقل بمقعدها ليغلق الباب ويعود هو إلى مقعده لكن قبل أن يستقل به رفع رأسها بتلقائية للأعلى فيرى زوجه خاله في الشرفة تتابعهم مبتسمة بحب فيبادلها الابتسامة ويستقبل بمقعده ثم ينطلق بالسيارة .
كانت زينة طوال الطريق عيناها ثابتة على الزجاج تتابع الطريق وفجأة سمع صيحتها العالية تقول :
_ اقف ياهشام .. اقف بسرعة
أوقف السيارة بسرعة مزعورًا ليجدها تقول بلهفة :
_ ارجع ورا شوية .. كمان شوية .. أيوة هنا بس
توقف بالسيارة أمام سيارة متنقلة بالشارع تقوم بصنع حلاوة البنات !! .. لمعت عيناها بطفولية وقالت ضاحكة :
_ الله غزل بنات .. أنا هنزل أجيب
قبض على رسغها قبل أن تنزل وهتف مندهشًا :
_ استني هنا  رايحة فين .. إنتي كل ده عشان العربية دي !!! .. صرعتيني يا زينة
ضحكت وقالت باعتذار لطيف :
_ آسفة .. بس أنا من فترة طويلة جدًا مكلتش غزل بنات ونفسي فيه أوي
هشام بدفء مغلوبًا على أمره :
_ طيب خليكي هنا وأنا هنزل اجبلك
نزل من السيارة وتابعته من الداخل وهي تراه يقترب من السيارة ثم يميل على الرجل ويطلب منه أن يجهز له واحدة ووقف للحظات ينتظر انتهائها ليخرج النقود من جيبه ويمدها له ثم يجذبها منه .. كانت واحدة ضخمة ملفوفة حول عود خشبي طويل وعريض .
انفرجت شفتيها باتساع فوق شفتيها وهي تراه يعود للسيارة من جديد ممسكًا بيده الغزل .. وحين استقل بجوارها ومد يده لها يقول باسمًا :
_ اتفضلي يازينة هانم .. أي طلبات تاني
جذبته من يده وقالت بسعادة :
_ ميرسي أوي ياهشام
تأملها مبتسمًا بغرام وهو يراها تأكل بنهم وفرحة .. ودون أن تنتبه التصقت قطعة حلوى صغيرة على جانب ثغرها .. ظلت عيناه ثابتة عليها بتدقيق .. فامتدت أنامله بتلقائية  إلى ثغرها حيث تلك القطعة ليزيحها برقة شديدة وسط نظراته وابتسامته المربكة .. توقفت هي عن الأكل وتجمدت مكانها بدهشة وخجل شديد ولم تفيق إلا عندما يحب أنامله عن بشرتها فانتصبت بسرعة في جلستها واشاحت بوجهها عنه تتطلع من النافذة بعينان متسعة وقلب يطرق بعنف !!! ……….
                                    ***
مع إشراقة شمس يوم جديد ……..
انتهى عدنان من ارتداء ملابسه بالكامل فمد يده ليلتقط حافظة نقوده لكنها انزلقت من يده وسقطت أرضًا وعندما انحنى أرضًا لكي يجذبها رأى صورة سقطت منها .
كانت صورة تجمعه بفريدة ! .. التقط الحافظة أولًا ثم التقط الصورة وراح يمعن النظر بها في غضب واشمئزاز .. هو لا يعرف حتى كيف مازالت تلك الصورة بحافظته حتى الآن وقبل إن يقرر مصيرها ارتفع صوت رنين هاتفه فوضع الحافظة ومعها الصورة فوق المنضدة وأجاب على الهاتف بسرعة في عجلة وجدية .. ووسط كلامه كان يتحرك لا إرديًا لداخل الشرفة .
بتلك الأثناء دخلت جلنار الغرفة وكانت بطريقها للخزانة لكنها لمحت تلك الصورة فوق المنضدة .. فتصلبت بأرضها للحظات ثم تقدمت تلقائيًا إليها والتقطتها بين يدها تمعن النظر بها بدهشة وعدم استيعاب ! .. وأول سؤال قذف بذهنها هو ( ماذا تفعل هذا الصورة معه !! .. هل مازال يحتفظ بصورتهم معًا حتى الآن ؟!! ) التفتت برأسها تجاهه واستقرت في عيناها نظرة مليئة بالغيرة والغضب والشك .. ثم ألقت بالصورة في مكانها واستدارت وغادرت الغرفة بأكملها ….
لحظات معدودة وانهى هو مكالمته الهاتفية فعاد للداخل وجذب حافظته ووضعها بجيبه ثم التقط تلك الصورة وألقى عليها نظرة ناقمة ومشمئزة ليمزقها لجزئيات صغيرة جدًا ويلقيها بسلة القمامة ثم ينصرف ويتجه للطابق السفلي حيث تكمن زوجته وابنته .
اتجه أولًا لصغيرته ليودعها ويلثم وجنتيها بحنو أبوي ثم استقرت نظرته على جلنار الحالية بجوارها ولا تعيره اهتمام ومعالم وجهه عبارة عن جمرة ملتهبة من النيران .. فانحنى عليها وقبلها من شعرها هامسًا :
_ مالك يارمانتي ؟!
مالت برأسها بعيدًا عن شفتيها تقول في حدة :
_ مفيش حاجة
غضن حاجبيه بريبة وضيق حقيقي ثم تمتم بحزم :
_ في حاجة بتحصل أنا مش فاهمها بس لما ارجع بليل بإذن الله هنتكلم وتفهميني كل حاجة
لم نجيبه ولم تلتفت له حتى مما جعله بزفر بانزعاج بسيط ورغم ذلك يهتف بدفء :
_ طيب أنا ماشي عايزة حاجة ؟
ردت أخيرًا لكنها اكتفت بهز رأسها بالنفي فقط فيميل عليها مرة أخرى ويلثم شعرها قبل أن يستقيم وينصرف في نفاذ صبر !! ……..
                                   ***
داخل مقر شركة أل الشافعي تحديدًا بمكتب عدنان الشافعي !! ………….
كان يجلس مع أحد رجال الأعمال المشهورين يتحدثوا عن الأعمال بجدية وكامل التركيز .. مرت حوالي نصف ساعة حتى انتهى اجتماعهم الصغير .
استقام الرجل واقفًا ومد يده ليصافح عدنان هاتفًا :
_ متشكر جدًا ياعدنان بيه
صالحها عدنان بحرارة وأردف باسمًا :
_ العفو على إيه بس
ابتسم له الآخر بامتنان وكان سيهم بالمغادرة لكنه اسرع وسأله :
_ أخبار أسمهان هانم إيه .. ياريت توصل سلامي ليها
تلاشت ابتسامة عدنان فورًا ليحل محلها الصرامة وهو يسأله بحيرة :
_ إنت تعرف أسمهان هانم من فين ؟!!!
رد الآخر بدهشة :
_ معقول هو إنت متعرفش ولا إيه !
عدنان بصوت رجولي غليظ :
_ معرفش إيه ؟!!
ابتسم الأخر ورد شبه متشفيًا :
_ من وقت ما كان والدك لسا عايش أسمهان هانم عرضت عليا تسلمني ملفات صفقة الصين .. يعني هي اللي خانت والدك الشافعي وباعته في صفقة العمر بس أنا رفضت لما عرضت عليا العرض ده .. واللي عرفته بعد كدا إن الشركة اللي اخدت الصفقة دي كانت برضوا بمساعدتها هي
هيمن الذهول على عدنان لبرهة من الوقت لا يستوعب ما سمعته أذناه للتو وفجأة غليت الدماء في عروقه فاندفع نحو ذلك الرجل يجذبها من تلابيبه صائحًا به بصوت جهوري :
_ إنت عارف إنت بتتكلم عن مين وبتقول إيه يا حيوان إنت !!!
استاء الآخر من الإهانة اللي تعرض لها فدلدفع يده عدنان عنه وهتف بثبات وغضب :
_ عيب أوي ياعدنان بيه اللي بتقوله ده .. بعدين مش مدحت منصور اللي يكذب .. لو مش مصدقني براحتك بس تقدر تسأل والدتك وهي هتقولك الحقيقة
انهى عباراته واندفع لخارج الغرفة بإكملها وهو يبتسم بتشفي وغل في تلك الشيطانة المتجسدة في هيئة أنسان !!! ………
                                  ***
بعد ما يقارب الساعة تقريبًا اصطفت سيارة عدنان داخل ساحة المنزل محدثة صوتًا مزعجًا من شدة احتكاك الإطارات في الأرض .. ونزل من سيارته ليقود خطواته السريعة للداخل .. كان عبارة بركان منفجر وتطفو حممه البركانية فوق سطحه .
توقف أمام الباب وراح يضرب بكف يده الضخم بعنف عليه دون توقف ولم يلبث للحظات حتى فتحت الخادمة الباب وافسحت له الطريق بسرعة للعبور برعب بعدما رأت ملامح وجهه المرعبة وكأنه وحش كاسر .
وقف بالمنتصف عند مقدمة الدرج وصاح بصوته الجهوري والذي جلل بأركان القصر بأكمله :
_ مـــــامـــــا .. يا أســمــهــان هــانــم !!!!!!
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد