روايات

رواية تناديه سيدي الفصل الاول 1 بقلم شيماء الجريدي

 رواية تناديه سيدي الفصل الاول 1 بقلم شيماء الجريدي
رواية تناديه سيدي البارت الاول
رواية تناديه سيدي الجزء الاول

رواية تناديه سيدي الحلقة الاولى

من داخل القصر الشامخ والذى تمتد حوله مساحات شاسعة من الحدائق الغناء والأشجار العالية وكأنها غابة خاصة كل ماحوله ينطق بمظاهر الترف ورغد العيش
ارتفع صوت المقرئ يصدح بصوت شجيّ يتلو آيات من القرآن الكريم وقد اصطف بعض الأشخاص فى مقدمة سرادق العزاء يتقدمهم شخص مهيب فارع الطول حاد الملامح و رغم الصرامة المرتسمة على ملامحه الا انها لم تتمكن من اخفاء وسامته
يجاوره شخصا اخر يبدو نسخة منه ولكن مع انحناءة طفيفة فى الظهر نتيجة لعوامل تقدم العمر والشيب الذي اشتعل فى رأسه و رغم كل هذا مازال يحتفظ بوسامته وقوته وقف الاثنان يتقبلان عبارات التعازى والمواساة من بعض المعزين الوافدين الى سرادق العزاء ورغم انها مناسبة حزينة الا أنها لم تخلو من مظاهر الترف مما يدل على الثراء الفاحش لهذه العائلة العريقة وهذا الوسيم الصارم ليس الا (زيدان السيوفي) رجل الأعمال صاحب الشركات والمشاريع العملاقة والوريث الوحيد لوالده يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما رجل اعمال محنك يتمتع بهيبة ووقار يخشاه كل منافسيه ، لا غبار على سمعته استطاع ان يكسب احترام الجميع طوال سنوات عمله فى مجال المال والأعمال وقف زيدان يتقبل التعازى وهو يسترجع ما حدث منذ عدة أيام
Flash back
كان زيدان يجلس على طاولة إجتماعات فى أحد أكبر الشركات بالولايات المتحدة ومعه صديقه وشريكه ورفيق دربه حسام الزناتي( يبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاما طويل القامة ذو جسد رياضي عينان خضراوان وبشرة بيضاء، شعر كستنائي طيب القلب مرح ) وبينما كانا يتفاوضان مع اصحاب الشركة على احدى الصفقات صدح رنين هاتف زيدان ليجد أن المتصل والده إستأذن للرد فقد خشي أن يكون قد أصاب أحدهم مكروه، وما إن أجاب على الهاتف حتى أتاه صوت والده وهو فى حالة إنهيار تام
-الو ايوة يا زيدان يابني
-خير يا بابا في ايه
-مش عارف أقولك إيه يابني
-بابا انت كدة قلقتني اتكلم في ايه
-مراتك عملت حادثة وماتت شد حيلك يابني
-سقط زيدان على أقرب مقعد وهو لا يصدق ماقد سمعه للتو
-خير يا زيدان في إيه
-سما يا حسام
-مالها ……. ماتنطق يابني في إيه
-عملت حادثة وماتت
-لا حول ولا قوة إلا بالله
إلتفت حسام سريعا ليقوم بترجمة ما حدث لأصحاب الشركة وإستأذنهم فى تأجيل الإجتماع لوقت لاحق
-زيدان لازم ننزل مصر حالا
-لا ياحسام انت هتفضل هنا تكمل الشغل وانا هنزل لوحدي
-انت بتقول ايه ازاى أسيبك فى ظرف زي ده لوحدك
-حسام أنا مش مستحمل مناهدة الصفقة دى لو ضاعت علينا هنخسر كتير أوي لو فعلا عايز تقف جنبي خليك هنا وكمل شغلنا
-ماشي يا زيدان الى تشوفه
انتبه من شروده عندما وجد يدا تصافحه بحرارة وصوتا أجش يقدم له عبارات العزاء ويواسيه فى فقدان زوجته كانت تلك اليد ل( ايهاب السيوفي) ابن عمه و عدوه اللدود والذي يصغره بعامين فقط على الرغم من ملامحه الوسيمة وجسده الرياضي وملابسه الأنيقة الا ان هذا المظهر الراقى يخفى خلفه شر كبير، قال ايهاب وهو يتصنع الحزن
-البقية ف حياتك يا زيدان شد حيلك مش محتاج اي حاجة انا تحت أمرك احنا اخوات (قالها وهو يبتسم ابتسامة صفراء)
-شكرا يا ايهاب فيك الخير
تأفف زيدان بداخله فهو يعلم جيدا أن إيهاب يكرهه ويضمر له كل شر وكل عبارات التعازي هذه جوفاء ولو كان حزينا حقا فليس شفقة منه على وفاة زوجته بل لأنه كان يتمنى أن يكون هو مكانها تخلص من يده وهو يتظاهر بتقبل تعازيه الحارة المزيفة ليستقبل باقى المعزين .
وعلى الجانب الأخر داخل القصر وتحديدا فى احدى غرفه الفاخرة جلس طفلان مع مربيتهما ينظران الى صورة سيدة جميلة معلقة على الحائط لا يصدقان أن والدتهما قد رحلت الى الأبد فبالرغم من اعتيادهما على غيابها ولكن رغم كل شئ فهي مازالت والدتهما تحدث الطفل الأكبر وهو( زياد يبلغ من العمر عشرة أعوام صورة مصغرة من زيدان بوسامته وصلابته )و قد وجه حديثه الى مربيته قائلا
– أنا مش مصدق انها ماتت ومش هنشوفها تانى يا شمس صحيح كانت دايما بتسيبنا لوحدنا بس كانت بترجع ف الاخر
تحدثت مربيته وهى( شمس فتاة طيبة القلب تبلغ من العمر ثلاثون عاما ذات بشرة حنطية وعينان سودوان وجسد متناسق )
-ماتزعلش حبيبى هى دلوقتى عند ربنا ادعيلها ربنا يرحمها ويدخلها الجنة
هنا اجهشت اخته الصغيرة بالبكاء( زينة ذات الخمسة أعوام ) وهى تقول بحروف متلعثمة
-ليه مش خدتنى معاها دايما تمشي وتسيبنى كدة
ضمتها شمس بين أحضانها وهى تشفق على تلك الصغيرة واخذت تهدهدها وتكفكف دموعها الصغيرة وهى تخبرها بأنها ستحكى لها حكاية جديدة ولكن عليها أن تكون طفلة مطيعة و تتوقف عن البكاء.
مازلنا داخل القصر ولكن هذه المرة فى البهو حيث التف عدد كبير من النساء المتشحات بالسواد حول السيدة بثينة وهى (والدة سما والتى يبدو انها قد تجاوزت عامها الخمسين ببضع سنوات قليلة ولكنها مازالت تمتلك قواما ممشوقا وبشرة تستحى أن تزورها التجاعيد لشدة اهتمامها بمظهرها فهاجسها الاول فى الحياة هو الشيخوخة ورغبتها المريضة فى أن تبقى شابة إلى الأبد تحاول دوما أن تحارب عوامل الزمن باستخدام اغلى انواع الكريمات ومرطبات البشرة ) كانت تجهش ببكاء حار ويبدو عليها أنها فى حالة انهيار شديد ، كانت تجلس بجانبها ابنتها الثانية ( غادة) ذات الثمان وعشرون عاما والتى رغم جمالها الاخاذ وأنوثتها الطاغية الا انها انسانة سيئة الطباع والخلق ،مكروهة من الجميع فهى مغرورة ،متغطرسة تعامل الأخرين بتعال وتكبر، ترغب أن ينصاع العالم لرغباتها وكأنها محور الكون .
أخذت تتصنع الحزن على أختها الفقيدة وهي من داخلها كانت تحلم و تبنى أمال عريضة فى فرض سيطرتها على الجميع وأخذ مكان أختها فى كل شئ
استمر العزاء، لعدة ايام الى أن بدأ عدد المعزين فى التناقص ولم يعد يحضر سوى بضع أشخاص من الأهل والأقارب .
(بعد مرور عدة أيام)
جلس زيدان وحيدا فى حجرة مكتبه ذات الأثاث الفاخر والتحف الاصلية النادرة الموجودة فى قصره الفخم كل قطعة فى أثاث الحجرة تنم عن ذوق راق لا تخلو من بعض الخشونة لتليق برجل ذو شخصية قوية ومهيبة مثله ، ذلك الرجل والذي يجزم المقربون منه أن قلبه قد نحت من صخر لصرامته وحزمه وقسوته .
ظلت الأفكار السوداء تتلاعب برأسه فهو لم يحزن أبدا لوفاة زوجته بل على العكس فهو توقع أن تنتهى حياتها بتلك الطريقة المؤسفة فهى لم تكن يوما امرأة مسؤلة فقد كانت غير مؤهلة لتكون زوجة أو حتى أم فكل ما كان يشغلها هو التسوق ،الحفلات ،السفر .
لم ينسى أبدا تهورها فى قيادة السيارات وتحذيره الدائم أن تلك السرعة الجنونية سوف تودى بحياتها يوما ما تذكر ظروف زواجهما فهى ابنة لصديق والده المقرب (رشوان المهدى) واحد من أكبر رجال الأعمال وشريك لوالده فى عدة مشروعات وكان لابد من المصاهرة حتى تعزز الشراكة بينهما هو لم يرغب أبدا بها ولا بأى امرأة فى ذلك الوقت ولكن لم يستطيع أن يخالف قرار والده وبينما هو غارق فى ذكرياته وأفكاره وقعت عيناه على صورة طفليه الموضوعة داخل إطارا ذهبيا على مكتبه فتذكر أنه لم يراهما منذ عدة ايام فقد انشغل فى العزاء وتحقيقات الشرطة، لام نفسه كثيرا فكيف استطاع ان يغفل عنهما كل هذا الوقت . صعد اليهما وفتح باب حجرتهما ليجد زينة قد غفت بين أحضان المربية و زياد كان يجلس بجانبها يمارس هوايته المفضلة وهي الرسم تحدث زيدان أخيرا وقال
– مساء الخير
انتفضت شمس فهى كانت تخشاه كثيرا وتخاف من بطشه و صرامته وأجابته بصوت مرتعش
– مساء الخير يافندم
صرخ زياد فى لهفة وهو يقول
– بابي حبيبي وحشتنى أوي
وارتمى بين أحضانه ،ضمه والده الى صدره و ربت على ظهره بحنان شديد كانت شمس تراقبهما فى صمت فزيدان يتحول إلى شخص أخر عندما يكون مع أبناءه.
– عامل ايه ياحبيبي
– أنا كويس يا بابي بس انت وحشتني اوى
– حقك عليا انت عارف الظروف الى احنا فيها بس أوعدك مش هغيب عنكم تاني
ابتسم له زياد وضمه بذراعيه الصغيرتين تركه بعد لحظات ليقترب من شمس تسارعت ضربات قلبها وارتجف جسدها كورقة شجر في فصل الخريف اقترب أكثر وانحنى فوقها أغمضت عينيها وهى لا تفهم تصرفه الغريب هذا لتفاجأ بأنه انحنى ليقبل ابنته التى غفت على صدرها فمن فرط خوفها نسيت أنها مازالت تحمل زينة بين أحضانها ،لثم زيدان جبين ابنته بحنان بالغ وربت على شعرها برقة لا تتناسب أبدا مع مظهره الخشن وملامحه الصارمة .
استقام فى وقفته وقال لها
– زينة عاملة ايه يا شمس
-الحمد لله يافندم خلاص بطلت عياط ورجعت تلعب تانى وتاكل
-الحمد لله خلي بالك منهم يا شمس انا عارف انى مش محتاج أوصيكي بس الوضع صعب عليهم بالذات زينة
-تحت أمرك يا فندم زياد وزينة في عينيا
-وإنت يا زياد مش عايز حاجة
– عايز أشوفك وأقعد معاك كتير يا بابي
-حاضر يا حبيبي أفوق بس وهتلاقينى معاك ع طول يلا الوقت إتأخر ولازم تنام ، تصبح على خير ياحبيبي
-وحضرتك من أهله يا بابي .
خرج زيدان واتجه إلى حجرته بدل ملابسه وتمدد على فراشه ، أمواج من الأفكار تتصارع داخل رأسه ، استدعاء محقق الشرطة له ليخبره أن الحادث الذي أودى بحياة زوجته كان مدبرا وأن تقرير الطب الشرعي أثبت أنه قد تم العبث بفرامل السيارة مما تسبب فى قتلها ومازالت التحقيقات جارية لمعرفة الجانى ، أمواج من الأفكار تتقاذفه من فعلها من كان يكره سما لدرجة القتل ابتسم فى سخرية ولسان حاله يقول ومن كان يحبها فهي انسانة مكروهة من الجميع ،سيئة الطباع .
فى النهاية استسلم وخلد الى النوم فمازال الغد يخبئ له الكثير بل أكثر حتى من موت زوجته المستهترة.
يتبع…
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية تناديه سيدي)

اترك رد