روايات

رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم مريم محمد غريب

 رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم مريم محمد غريب

رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الثاني والثلاثون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الثاني والثلاثون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الثانية والثلاثون

_ حدس ! _
الآن… و بعد إنتهاء كل شيء، كانت الصدمة تمارس مفعولها على “رزق”.. و على أكمل وجه جعلته يجلس فوق التراب إلى جوار جثة “عزام” الممزق ساكنًا كالصنم و قد غطته الدماء من رأسه لأخمص قدميه
في المقابل …
أبيه صار هنا أخيرًا.. أتى “سالم الجزار” بنفسه… بعد أن تلقّى مكالمة من أحد الرجال الذين أرسلهم لإبنه
لم يستغرق ثلث ساعة إلا و قد كان يقف أمام إبنه، مفغرًا فاهه، مذهولًا ممّا يراه بعينيه الجاحظتين.. لم يكن بشيء غريب عليه.. لكنه لم يصدق… لم يصدق أبدًا  بأن أعمالًا قذرة كهذه تجد إلى إبنه الأقرب إليه و الغالي على قلبه سبيلًا !!!!!
-إنت عملت إيه يا رزق ؟؟؟!!! … هتف “سالم” مبديًا صدمته به على الأخير
و لما إمتنع عن الرد عليه، ثارت ثائرته فصاح به و هو يجثو أمامه فوق التراب الملبّد بالدماء الغزيرة :
-بــــقولـك إنــــطــق. عـــــملـت إيــــــه و ليــــــه ؟؟؟؟؟.. و كان قد أمسكه من تلابيبه و أخذ يرجّه بقوةٍ
يفيق “رزق” الآن من حالته العبثية الضبابية، ليفاجئ أبيه بدفعة عنيفة من قبضتيه في صدره صارخًا بضراوةٍ :
-إبـــــعـد عـــــنـي. إبــعـد.. إنـت الـــسبب… إنـــت. إوعى تلمسني.. إوعى تقرب مني أنا مش عاوز أعرفك تاني و لا عاوزك في حياتي.. أنا ماشي و مش هاتشوف وشي تاني !!!!!
تجاوز “سالم” الصدمة مما فعله به إبنه للتو ليقفز واقفًا حين سبقه “رزق” و قام معتزمًا الرحيل …
أمسك بذراعه بكلتا يداه و إستوقفه بكل ما أوتي من قوة هاتفًا بتلهفٍ ملتاع :
-رايح فين يا رزق ؟ استنى هنا.. مش هاتمشي. إوعك مفكر هاسيبك تمشي !!!!
حاول “رزق” بجماع نفسه الافلات من أبيه دون جدوى و هو يصيح :
-إوعــــــى. سيبـــــنـي.. قسمًا بالله لو ما سيبتني لاسيبلك أنا الدنيا كلها بطلقة من الفرد ده !
و أستلّ طبنجته من طوق خصره و صوّبه ناحية رأسه بجدية تخلو كليًا من أيّ تسويف أو تهديد …
إنتاب الذعر “سالم” على الفور و هو يصرخ به :
-لالالا خلاص. خلاص إهدا طيب.. سيب السلاح من إيدك. سيبه يا رزق هاعملك إللي إنت عايزه. خلااااااص قولتلك هاعملك إللي إنت عـايــزه !!!
و نجح بعد جهدٍ و خوفٍ عظيم إزاء تهور إبنه من إثنائه عن أفعاله الجنونية، فانتزع منه السلاح و خبئه بغمدٍ داخل عباءته، ثم صاح مناديًا على أحد رجاله …
لا يزال يمسك بإبنه، إلى أن حضر الشاب الضخم و إمتثل أمامه :
-أمرك يا معلم سالم !
أخذ “سالم” يفتش عن مفاتيح “رزق” متحسسًا جيوبه حتى وجد السلسلة الصغيرة، سحبها و رماها صوب الشاب هاتفًا بلهجة آمرة :
-خد مفتاح عربية رزق.. وصله على البيت. إوعك حد يشوفك أو يلمحه.. تتصل بالرجالة و تنبه عليهم سااامع ؟!!
تلقف الشاب منه السلسلة و هو يقول منصاعًا :
-أوامرك واجبة.. أنا طالع أدور العربية !
و خرج
ليلتفت “سالم” ثانيةً نحو “رزق”… يضع يديه فوق كتفيه و يربت عليه مطمئنًا و هو يقول بصوتٍ أجش :
-مش عايزك تقلق من أي حاجة. أنا هاتصرف في الموضوع ده. كله هايتلم …
ثم رفع سبابته أمام عينيه منذرًا :
-بس الكلام ماخلصش بينا.. إللي إنت عملته ده كبير أوي و خبره لازم يوصلني في أقرب وقت. فاهمني يا رزق ؟؟!!!
لم تهتز من الأخير شعرة واحدة و لم يرف له جفن في مواجهة أبيه.. ليفلته “سالم” أخيرًا متمتمًا :
-يلا.. إتفضل على عربيتك. حبشي هايوصلك البيت. إطلع على شقتك علطول و إستحمى و ريح جتتك كويس.. عشان بكرة الصبح لينا قاعدة إن شاء الله
بدا “رزق” غير مستمعًا و لا مكترثًا لحديث أبيه حتى، فما إن تركه و أنهى لقلقة لسانه أولاه ظهره و غادر في الحال بخطواتٍ أقل إتزانًا من شدة إنفعاله المكبوت
راقبه “سالم” حتى توارى عن ناظريه، أطلق نهدة ثقيلة من صدره… ثم إلتفت ناحية بقية الرجال و الذين إزداد عددهم بحضوره ليبلغ الستة أنفار …
-الجتة تتلم ! .. هتف “سالم” فيهم بسلطة وطغيانٍ مطلق
و أردف مشددًا و هو يشير إلى أجزاء الجسم المبعثرة أسفل قدميه :
-المكان هنا ينضف كويس. و إللي حصل مطرحنا لو طلع لمخلوق برانا برقبة الكل.. و إنتوا عارفين كلمتي سيف. و ماعنديش عزيز …
أومأ الرجال و في صوتٍ واحد :
-على الموت لو نفر فينا فتح بؤه يا كبير
هز “سالم” رأسه مرددًا :
-و لا حاجة غير الموت… يلا همتكوا. مش أول مرة تحصل. و عارفين الجتة بتروح فين !
_______________
في منتصف الطريق غدره …
أمر “رزق” الشاب المكلف بمرافقته للمنزل بالتوقف على قارعة الطريق النائي المؤدي لـ”حي الجزارين”.. نزل من المقعد الخلفي، ثم جاء عند الأخير و فتح باب كرسي القيادة و أنزله بقبضةٍ حديدية
حل محله صائحًا بغلظة :
-إرجع لمعلمك. و حياة أمي لو لمحتك ماشي ورايا لاطلع بروحك إنت كمان الليلة دي.. و جربني. كلكوا شوفتوا بعنيكوا !
إزدرد الشاب ريقه بتوتر و قد نسف الفكرة من رأسه أصلًا، لن يتتبعه أبدًا مهما حدث.. فكما يبدو تمامًا إنه ليس بحالته الطبيعية، بل إنه و بهيئته الدموية تلك صار كاسم عائلته بالضبط
جزار !!!!
إنطلق “رزق” خلال لحظاتٍ في طريقه منحرفًا للجهة العكسية، حيث غيّر وجهته، بكل تأكيد لن يذهب إلى “حي الجزارين” الليلة.. و لا حتى غدًا
إنه بحاجة للهروب، من نفسه و من الجميع، و لا ملجأ له سواها …
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كان باقيًا ليشرف بنفسه على عملية التنظيف، و حتى يتأكد من إزالة كل دليلٍ يفضي إلى جرم إبنه.. جاءته المكالمة غير المنتظرة
بالخبر غير المنتظر بالمرة …
-إزاااااي !!!!
إزاي سيبته يمشي لوحده ؟؟؟؟
صارت الأجواء مشحونة أكثر الآن بين الرجال الذين راحوا يعملون بهمة تحت أنظار سيدهم، بقوا يواصلوا ما يفعلونه و يستمعو في آنٍ إلى حديث السيد العصبي عبر الهاتف :
-يعني إيه هددك ؟؟؟
يعني إيه خوفت يعمل فيك حاجة ؟؟؟؟
بص يا حبشي.. يمين الله. بس لما أشوفك.. حسابك معايا. أنا إبن ستين ××× إني اعتمدت على ××××× زيك أصلًا
غووووووور في داهية !!!!
و أغلق الخط بوجهه، ثم إستدار ناحية رجاله هاتفًا :
-إللي قلت عليه يتنفذ بالحرف. أنا راجع الحي.. مش عايز غلطة !!!
ناب أكبر الرجال مكانةٍ ردًا :
-كأنك موجود يا كبير.. ماتقلقش !
في أقل عشرة دقائق …
كان “سالم” يطأ “حي الجزارين”.. و كما أوصى… بدت المنكقة كلها فجرًا في أوج الأمسية، و كأن الناس نيام منذ سويعاتٍ
إتجه رأسًا إلى المنزل، ثم صعد فورًا عندها.. للمرة الثانية خلال ساعتين
أخذ يقرع الجرس و يضرب الباب بقبضته بعنفٍ، حتى فتحت “ليلة” بسرعة و علائم الذعر تجلل وجهها …
-إيه إللي حصل ؟؟؟؟ .. تساءلت برجفة شاحبة تكتنف صوتها و بدنها معًا
-رزق جراله حاجـ آ آاااااااااااااااععععااااااااااه …
هكذا بترت عبارتهابلحظة حين إمتدت قبضة “سالم” و طوّقت رقبتها بشدة.. شعرت بالاختناق و كافحت للتخلص منه… لكن عبثًا
سار تجاه سفرة الطعام بالصالون المجاور و طرحها فوق اللوح الخشبي المتين و هو ينحني صوبها و في الوقت ذاته يضغط بسبابته و إبهامه على قصبتها الهوائية مغمغمًا باحتدامٍ :
-إسمعيني كويس يا بت ناصر.. إنتي. و أبوكي. الدنيا كلها كوووووم.. و إبني رزق كوم تاني… و حياة رزق. لو ما قولتي حالًا إيه إللي بينك و بين خالك حشرتي فيه إبني لاخليكي تحصليه. و قدام الخلق هاطلع جنازتك ان شالله و الليلة مش الصبح
كانت تستمع إليه مشدوهة، مصدومة.. مع إزدياد ضغطه حول رقبتها إحتقنت الدماء بوجهها و لم تعد تتنفس،أحست و هي تنظر إلى وجهه الشيطاني بعينين جاحظتين و كأنها على وشك الاغماء
أو الموت !
لولا يداها إذ كانت تضرب الهواء بهما، حتى قبضت على سكينٍ معدني وسط باقة من الملاعق و الشوك فوق السفرة… إغتنمت فرصة محاولاته خنقها و ثنت ركبتها مسددة له ضربة بمنتصف معدته، لم تؤلمه كثيرًا لكنها كانت كفيلة بابعاده عنها
و قبل أن يتخذ نحوها خطوة إبتعدت هي عشرة و هي تسعل صائحة و مشهرة السكين بوجهه :
-إنت و إبنك لو قربتوا مني تاني بموتي أو موتكوا.. طول ما أنا بتنفس محدش هايلمسني و لا يقرب مني. ساااامعييييين !!!!
و كأنها نوّرته، و أكدت إحساسه الذي أراد كثيرًا أن يكذبه… ليرفع حاجبه متمتمًا بغضب شديد :
-يبقى احساسي كان صح. ليلة إمبارح كانت فشنك.. الدخلة أصلًا ماتمتش و رزق عمل الفيلم ده بجهل منه.. بس يا ترى إيه إللي إكتشفه و خلاه يخلص على خالك وقتي ؟؟؟
عارفة لو مانطقتيش أنا عارف إزاي أنطقك… في حريم هنا باشارة مني يكشفوا المستور و اتأكد بنفسي !!!
هوى قلبها بين قدميها مع سماع ذلك، و بانهيارٍ صرخت باكية و هي تحوّل نصل السكين بالعكس الآن و تغرسه بعنقها :
-لو مصمم يبقى تموتني أو أموت نفسي الأول… و بعدين تعمل إللي إنت عايزه. لكن محدش هايقرب مني.. محدش هايحط إيده عليا ز لا يلمسني أبدًا !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)

اترك رد

error: Content is protected !!