روايات

رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم مريم محمد غريب

 رواية وقبل أن تبصر عيناك الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم مريم محمد غريب

رواية وقبل أن تبصر عيناك البارت الثالث والثلاثون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الجزء الثالث والثلاثون

رواية وقبل أن تبصر عيناك الحلقة الثالثة والثلاثون

_ نهاية غير سعيدة ! _
أطلق “علي” مزيدًا من الزفرات الحانقة، و تساءل في نفسه متى سيطلق عمه سراحه !!!
كان لديه الكثير من المشغوليات، و ذاك ما أن بزغ الفجر أرسل في طلبه و لم يتركه حتى الآن، يجلس أمامه بشرفة شقته.. يحاول مرارًا و تكرارًا الاتصال بهاتف “رزق”… و لكن عبثًا
الخط مغلق.. و “سالم” يأبى أن يفهم ذلك …
-يا عمي و رحمة الغاليين تليفونه مقفول. زني عليه ده مش هايجيب أي نتيجة.. هو أول ما يفتح هاتجيلي رسالة ف هاتصل بيه علطول. إنما كده فرهدة بصراحة يعني !
هكذا  عبر “علي” عن نفاذ صبره و لكن بطريقة مجردة تمامًا من أيّ لمحة حنق أو عصبيةٍ …
في المقابل يهز “سالم” رأسه عابسًا واهنًا و هو يتمتم :
-أنا بس خايف عليه.. أحسن يكون جراله حاجة !!
طمأنه “علي” بفتورٍ :
-لأ بعد الشر لو في حاجة كنا عرفنا.. هو أكيد عند الحتة التانية بتاعته. إنت عارف مين !
هذا إحتمال ورد إلى ذهنه بالبداية، لكن قلقه غلب كل الظنون المتوقعة و لم يستطع إلا تصوّر الاسوأ.. و الاسوأ فقط …
تنهد “سالم” بحرارةٍ و قال مستسلمًا :
-طيب ماتقطعش معاه. حتى لو تليفونه مقفول.. خليك وراه
علي بإنصياعٍ : حاضر يا عمي.. أنا وراه لحد ما يرد. بالإذن أشوف إللي ورانا. في شغل كتير متأخر …
-إستنى يالا ! .. إستوقفه “سالم” أثناء نهوضه
نظر له “علي” متسائلًا بضيق واضح :
-خير يا عمي !!!
قام “سالم” واقفًا بدوره و قال بجمودٍ و هو يلقي بعباءته المفتوحة فوق كتفيه :
-إنسالي الشغل إنهاردة.. أنا عايزك معايا في مشوار
-مشوار إيه ده ؟!
سالم و هو يرمقه بصرامةٍ متحدية :
-رايحين نجيب مصطفى من المستشفى !
و هنا تبدل تعبير “علي” تمامًا و تغيّرت نظرته لغدو أكثر قتامة، لما حضر ذكر “مصطفى”.. و حين أيقن أن مشيئة عمه و إن كانت لا تسير وفق إرادته هو سوف تحقق
ماذا سيفعل ؟
هل بإمكانه أن يرفض أو يكسر كلمة عمه !
بالطبع لا.. و في النهاية سيجد نفسه مصافحًا يد “مصطفى” التي إغتالت أخته و معانقًا إياه أيضًا… الرجل الذي إغتصب أخته على مرآى و مسمعٍ منه تحت مسمّى الزواج
و هو لم يخرج بيده أيّ شيء، وقف متفرجًا، يا له من عار …
_______________
تنتحب بصمتٍ، دموعها تنهمر كالشلال من مآقيها الحمراوين، جفناها متوّرمان من شدة البكاء لليلةٍ كاملة
كانت هذه حال “نسمة” منذ ليلة الأمس، عندما عاد إليها “رزق” غارقًا بالدماء في مشهدٍ مروّع لولا أن كتمت صراخها بيديها لسمعها قاطني العقار و الجيران بالحي الراقي قاطبةً
للوهلة الأولى ظنّت بأنه مصاب أو مجروح، كان قلبها سينفطر عليه و هي تجري عليه مفتشة بجسمه عن موضع جرحٍ، فإذا به يمسك بيديها قائلًا بوداعةٍ مخيفة : “نسمة.. أنا جعان. فين العشا إللي وعدتيني بيه ؟”
كم أصرت عليه أن يغتسل أولًا على الأقل، لكنه أصر أن يتناول عشاؤه كما هو، وجهه و يديه ملؤهما الدماء، و للغرابة أنه أكل بنهمٍ كبير و أنهى الصحون كلها
ثم بعد ذلك.. هو من تلقاء نفسه، ولج إلى الحمام المبحق بغرفة النوم، ملأ المغطس البيضوي بالماء الساخن، و بدون أيّ أضافات أخرى… ركض بداخله و مدد لقرابة الساعة
حتى بردت المياه، و جاءت هي من خلفه و شدت سدادة المغطس لينسحب الماء الذي تحوّل لونه الشفاف إلى اللون الأحمر القانِ… لون الدماء
فتحت الدش، ثم جلست على حافة المغطس و أخذت تحممه بيديها مفرغة فوق الرأس الصابون، و راحت تفرك كتفيه و ظهره مزيلة كل آثار الدم عليه
بالرغم من أنها اطمأنت عندما تأكدت من سلامته، لكنها لم تستطع إنكار خوفها و رعبها ممّا قد يترتب على ما رأته.. و السؤال الذي لم يبرح يطرق ذهنها مثيرًا بها كافة سجايا الهلع و الذعر
ترى ما الذي أقترفه “رزق” ؟
إن حالته النفسية غريبة و مريبة، و لا يتكلم.. لا يفتح فمه بحرف واحد …
فماذا فعل بحق الله ؟؟؟؟؟
لم تجد لأسئلتها جوابًا غير البكاء الصامت و هي لا تزال تقف فوق ذات المغطس، و لكن من أجل أن تغسل ثيابه الناضحة بالدماء، و التي لا تستجيب لأيّ محاولة لتنظيفها …
-نوسا !
إنتفضت بقوة لحظة سماع ندائه فجأة.. و إستدارت إليه بغمضة عينٍ
كان وجهه غير مقروؤ، لكنه سألها بلهجة طبيعية و هو يمرر أنامله بين خصلات شعره الشقراء الثائرة :
-مالك يا نسمة.. إيه الخضة دي كلها ؟ خوفتي مني و لا إيه ؟!
بقليل من التوتر ردت “نسمة” عليه :
-أخاف منك !
لأ طبعًا.. أنا بس كنت بحاول أنضفلك قميصك من الدم ده و إنت ظهرت فجأة ف خضتني مش أكتر ..
و رفعت كم القميص من وسط الرغوة الحمراء …
نظر “رزق” من طرف عينه لثيابه المعدة للغسل، أطلق نهدة مقتضبة من صدره ثم أمسك بيديها قائلًا بلطف :
-سيبي من إيدك.. أنا مش هارجع ألبس الهدوم دي تاني خلاص
أومأت له مغتصبة إبتسامة و قالت :
-طيب إللي يريحك. عمومًا زي ما قولتلك إمبارح أنا شايلالك قميص و بنطلون في دولابي.. هاطلعهم أكويهم عشان تلبسهم لما تحب تنزل في أي وقت
-بس أنا مش نازل خالص ! .. قالها هامسًا و هو يطوقها بذراعيه ملصقًا إياها بجسمه نصف العاري
تبدد خوفها و إرتيابها من تصرفاته الأخيرة، ما إن شعرت بالاحتواء بأحضانه و بالدفء المنبعث منه و من صوته الذي إنسل إلى عمق حواسها :
-قصدي يعني إني قاعد معاكي.. حاسس إنك وحشاني أوي. ف لو ماعندكيش مانع.. تستحمليني كام يوم لازق فيكي بالشكل ده منغير ما تزهقي !
بزغت ابتسامة مرتعشة فوق شفاهها و هي تتنشق أنفاسه الحلوة بكل ما وسعها، ثم رفعت كفيها و أحاطت وجهه المشعر بلمساتٍ رقيقة متمتمة :
-كلمة زهق عمرها ما تحضر في وجودك. و أنا كلي على بعضي ليك و رهن إشارة واحدة منك.. إلزق فيا براحتك. أعمل كل إللي إنت عايزه يا حبيبي …
أشرق وجهه أخيرًا بابتسامة خفيفة أذابت طبقة الجليد عن محيط عينيه شديد الزرقة، ليدنو منها تاليًا بغية تقبيلها… إلا أنها تلقي بوجهها للوراء، فيتجمد هو عن الحركة منتظرًا تبرريها في الحال
فلم تمر ثانية إلا و هي تقول بتلطيفٍ :
-بس في الأول محتاجة أطمن عليك.. رزق. أنا مانمتش طول الليل.. شكلك لما رجعت إمبارح كان فظيع. لدرجة افتكرت إن فيك حاجة… أرجوك طمني. قولي روحت فين ليلة إمبارح و إزاي رجعت بالشكل ده ؟!!!
كانت تعلم أن سؤالها لن يلقى ترحيبًا منه، و هذا بالطبع ما أظهره بوضوح حين أفلتها فجأة و إرتد خجوة للخلف قائلًا بصوته الأجش :
-أطمني يا نسمة.. أنا صاغ سليم قدامك… مش ده كل إللي يهمك و لا أنا غلطان ؟
أكدت فورًا : طبعًا يا حبيبي. إنت إللي تهمني.. و يهمني أشوفك بخير و سيد الرجالة و الناس كلها. إن شالله ماشوفض فيك شر أبدًا يا روحي !
لم يبتسم ردًا على كلماتها المعسولة، بل عبس أكثر و هو يوليها ظهره صائحًا بقساوة :
-على كل حال أنا آسف إني جيتلك و أنا بالمنظر ده. أكيد كان لازم أراعي مشاعرك.. أوعدك إنك مش هاتشوفي حاجة زي دي تاني يا نوسا
و جاء ليعود إلى الغرفة مجددًا، فاستوقفته هاتفة دون تفكير :
-أنا حامل !!!
إستدار بنفس اللحظة مرتعدًا و كأن صعقة أصابت جسمه، ثم و كأنما زلزال ضرب كيانه إندفع نحوها ثانيةً و هو يصيح بذهول مخيف :
-حــامل !!!
إنتي حامل ؟؟؟ بجد ولا بتهزري ؟؟؟؟
إنتي متأكدة ؟؟؟؟؟؟؟
كان بنظرها أشبه بالوحش الكاسر، و أحست بالندم فورًا لتسرعها.. لكنها و تحت تأثير ذعرها منه و خشية تهوره نطقت شاخصة العينين :
-أيوة أيوة متأكدة.. أنا عملت الاختبار 10 مرات و طلع إيجابي. لو مش مصدقني نروح للدكتور و نتأكد سوا. أنا و الله كنت باخد احتياطاتي بس أهو إللي حصل  إرادة ربنا….. مالك يا رزق إتعصبت كده ليه ؟ إنت دلوقتي بتخوفني منك بجد !!!!
ظل يرمقها بنفس النظرة المصعوقة، لم يسكت عنه الغضب للحظة، غضب غير محدد و بلا دوافع.. لا زال لا يعرف أهذا خبرٌ جيد أم سيئ !
لا زال لا يعرف أيفترض أن يقبله أم يرفضه.. كل ما يشعر به الآن هو الفراغ، و الفراغ وحده ….
______________
متخبّط المشاعر، مضطربًا.. غادر “مصطفى” المشفى منذ قليل برفقة والديه و إبن عمه “علي” …
بقدر الآلام و الجروح بجسمه و التي لم تبرأ بعد، لا يستطيع أن ينكر مدى دهشته و سعادته برؤية أبيه غير المتوقعة !!!
سعادة تشوبها كسرة، شرخ عميق بعلاقته المهزوزة أصلًا بـ”سالم الجزاى”.. و الذي بالرغم ممّا فعله به أمام الناس لا يزال يكن له الحب و يتمنى لو أنه كان الأقرب إليه
هو في الأساس لطالما تمنى أشياء كثيرة و توسم بوالده آمال و أحلام لا تحصى، لكن كالعادة… شخص واحد فقط من يسد عليه الطريق دائمًا
شخص واحد فقط نجح بتحويله إلى إبن و أخ عدواني، عليل النفس، مريض بالحب و الكراهية
حتى أن عملية إنقاذه إياه من براثن “سالم” لم تشفع له مطلقًا، بل أنه في الحقيقة صار يمقته أكثر من السابق أضعاف المرات، لا يستطيع أن يتقبّل بتاتًا فكرة أن عدوه هو الذي سعى لينقذه.. حتى لو كان أخوه… “رزق” هو عدوه اللدود !!!!!
-ألف بركة !
-يا 100 نهار أبيض !
-حمدلله على سلامته يا كبير !
-نورت حتتك يا معلم مصطفى !
هكذا تصاعدت الهتافات و المباركات من كل حدبٍ و صوب لحظة دخول سيارة “سالم الجزار” تخوم حي “الجزارين” …
كان “سالم” يستقبل كل هذا مبتسمًا برزانته المعهودة، بينما كانت أكثرهم سعادة هي “هانم” التي جلست بالمقعد الخلفي محاوطة كتفي إبنها.. و لم تطيق صبرًا كي ما تهمس في أذنه مبتهجة :
-شوفت يا مصطفى !
شوفت أبوك بيحبك أد إيه ؟ و جه بنفسه المستشفى و خدك في حضنه و قدام الخلق كلهم ردلك كرامتك و مادخلش الحتة إلا و إيدك في إيده.. أبوك بيحبك أوي يا مصطفى !!
عززت كلمات أمه المؤكدة على بادرة العاطفة الوليدة بينه و بين أبيه بابراز ابتسامة بسيطة على محياه و هو يلقي بنظرة صوب “سالم”… لقد كانت أفضل و أجمل لحظات حياته بالفعل، عندما ضمه أبيه في صدره و أشعره لأول مرة بحنانه و حبه
كانت لحظة حقيقية، لا تخضع لأيّ شك.. حتى أنه خلالها من شدة ذهوله نسى كل شيء حدث، و آثر التنعم بها فقط …
-على مهلك يا ديشا ! .. قال هذه الجملة أحد أصدقاء “مصطفى” و هو يساعده أثناء ترجله من السيارة
بينما يمضي “سالم” مباشرةً نحوه و يسنده بنفسه قائلًا بصوته الجهوري :
-خلاص يا شباب مافيهوش حاجة.. أهو صالب طوله و شادد نفسه و زي الفل. يلا مصطفى على شقتك علطول
و أخذ يربت على كتفه بقوة مشجعًا …
إلا أن “مصطفى” ما لبث أن رد بصرامةٍ :
-لأ يابا.. مش طالع على شقتي !
حدجه “سالم” بدهشة بادئ الأمر، ثم فكر بأنه ربما يحمل هم زوجته و يظن بأنها لا زالت تنفر من قربه.. فاراد أن يطمئنه بقوله بصوت لا يسمعه سواهما :
-لو على مراتك ماتقلقش.. أبوها و أمها وعوها كويس و هي بنفسها مستنياك حالًا في شقتك
رد “مصطفى” بحزمٍ غير قابل للجدل :
-حتى لو كده مش طالع شقتي دلوقتي. أنا محتاج مساحة لوحدي كام يوم.. مش جاهز أخش عش الزوجية بالشكل ده لا إنهاردة و لا حتى بكرة !
بتمعنٍ سريع بوجهة نظره إقتنع “سالم” في الأخير و قال موافقًا :
-على راحتك يابني.. طيب يلا. شوف حابب تقعد فين.. لو مش قادر تطلع السلم خش عند ستك دلال
و اصطحبه معه للداخل …
لتحل الصدمة على الجظيع لحظة سماع صراخ أنثوي آتٍ من آخر طابق بالمنزل !!!!
-إيه الصوت ده ؟ مين إللي بيصوت كده ؟؟؟؟
خرج السؤال من فم “هانم” أولًا، ليرد “سالم” بخشونة صارمة :
-مافيش حاجة.. يلا كل واحد على شقته
و لكن قلق “هانم” دفعها للجدال :
-بس متهيألي ده صوت ليلة آ اا  …
-قلت كل واحد على شقته !!! .. صاح “سالم” بغضبٍ بّيّن
فخرست الألسنة و إنفض الجميع من حوله خلال لحظاتٍ …
بقى هو فقط، وقف أسفل الدرج، رافعًا رأسه للأعلى و هو يردد بوعيدٍ :
-بس لما تجيلي يا رزق.. بموتها لو ماشوفتش المرة دي بعيني !
______________
و مر إسبــــــوعـًا كاملًا …
حتى إستطاع “رزق” أن يحسم قراره أخيرًا، فقام من الفراش و أيقظ “نسمة” بدفعتين بكتفيها :
-نسمة.. نسمة… إصحي يا نسمـــة !!
تململت “نسمة” مستجيبة لمحاولاته الملّحة، و فتحت عينيها بتثاقلٍ و هي تغمغم بكسل :
-في إيه يا رزق.. بتصحيني كده ليه ؟
الساعة كام أصلًا ؟!
و تلفتت حولها بحثًا عن ساعة التنبيه التي نست أين وضعتها منذ يومين، بينما يرد عليها “رزق” و هو يرفع هامته معتمدًا اسلوب التحدي بدءً من الآن :
-قومي إلبسي هدومك و جهزي شنطتك… هانرجع حي الجزارين !
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية وقبل أن تبصر عيناك)

اترك رد