روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الستون 60 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الستون 60 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الستون

رواية امرأة العقاب الجزء الستون

رواية امرأة العقاب الحلقة الستون

انتهى من حمامه المسائي وخرج وهو يجفف شعره بالمنشفة الصغيرة وبينما كان في طريقه للخزانة صوت رنين الباب جعله يتوقف للحظة قاطبًا حاجبيه باستغراب ! ، ثم القى بالمنشفة فوق الفراش بإهمال وقاد خطواته للخارج ليفتح الباب ويفاجيء بأخيه أمامه فتخرج همسة متعجبة من بين شفتيه :
_ عدنان !
لم يتفوه ببنت شفة فقط دخل ونزع حذائه ثم اتجه نحو الأريكة ليجلس فوقها بسكون مريب جعل آدم يتابعه بنظراته المستفهمة من مكانه دون أن يتحرك حتى وجده جلس فأغلق الباب واقترب منه بصمت ليجده يسأل بجمود تام :
_ سيبت البيت امتى ؟
تقدم وجلس جواره مجيبًا :
_ امبارح
عدنان :
_ حاولت تمنعك طبعًا !
آدم بابتسامة ساخرة :
_ أكيد .. بس كفاية أوي ماما تصرفاتها بقت لا تحتمل وآخر حاجة كنت أتوقعها منها إنها تكون السبب في موت بابا وتعمل كل ده
أجابه باسمًا بخزي وصوت موجوع :
_ أمك تعمل اكتر من كدا كمان .. أنا عارفها كويس وللأسف أنا اللي سمحتلها تزيد في الغلط وكنت بسكت وبعدي لكل حاجة بسبب خوفي من إني ازعلها .. والنتيجة إيه ! إنها دمرتنا ودمرت نفسها .. ومبقتش عارف اللي بيحصلي ده أنا السبب فيه ولا هي .. معدتش فاهم الغلط فين ولا في مين !
غضن آدم حاجبيها بريبة بعد سماعه لآخر كلمات أخيه التي دفعت بمزيد من التساؤلات لعقله ومزيد من القلق ليساره فراح يسأله بحيرة واهتمام :
_ هو في حاجة حصلت ياعدنان ؟!
رد بعينان تائهة ومنطفئة :
_ ناوية تحرمني منهم للمرة التانية بس المرة دي وهما قدام عيني وعارف مكانهم بس مش هقدر اخليهم جمبي
آدم بعدم فهم وصوت غليظ :
_ أنا مش فاهم حاجة !
_ جلنار سابت البيت وخدت هنا معاها
ضيق عيناه ببعض الدهشة ورد متعجبًا يسأله :
_ سابت البيت ليه .. حصل إيه بينكم ؟!
ابتسم بمرارة ورد من بين ضحكته :
_ عايزة تطلق .. قال إيه ! .. أنا لسا بحب فريدة ومش بحبها !!
كانت علامات الدهشة تظهر بوضوح فوق معالم آدم الذي استمع إلى أخيه وهو يتابع كلامه بضعف وحالة لم يشهده بها من قبل :
_ أنا مش عارفة اعملها إيه اكتر من كدا .. تعبت وأنا بحاول اثبتلها حبي وتمسكي بيها وهي بتيجي في لحظة تهد كل اللي اتبني بكلمة واحدة .. معقول الفراق سهل بالنسبالها للدرجة دي !
آدم بخفوت وصوت عابس :
_ جايز تكون أعصابها تعبانة ياعدنان وتاخد يومين وتهدى بعد كدا هي برضوا المشاكل اللي كانت بينكم لسا مأثرة عليها
_ جلنار عايز تعاقبني على كل حاجة حصلت بينا .. عايزة تشوفني وحيد ومكسور من غيرهم عشان وقتها بس ترضي نفسها وكبريائها .. مش هتهدى ولا ترتاح غير لما تنفذ اللي هي عايزاه .. هي عارفة إن الفراق حتى لو مش هيفرق معاها بس بنسبالي هيوجعني أوي ومش هقدر اعيش من غيرهم
اعتدل آدم في جلسته ليقول برزانة وجدية :
_ جلنار مش قادرة تثق فيك ياعدنان وده سبب كل المشاكل اللي بينكم .. دايمًا في خوف جواها إن الزمن يعيد نفسه تاني وتكون هي المهمشة وفي الخانة الثانية أو تعيش نفس المآساة
انفعل وصاح بغضب وألم نابع من صميمه :
_ وأنا وعدتها إن الماضي لا يمكن يتكرر .. هي اللي مش عايزة تفهم حبي ليها .. رغم كل اللي بعمله عشانها وليها لسا مش مصدقة إني روحي بقت متعلقة بيها هي وبنتي .. لسا بتقنع عقلها إني بحب فريدة وهي متعرفش إني كنت عندها النهارده وسلمتها بإيدي للبوليس
آدم بحزم بسيط :
_ وإنت مقولتلهاش كدا ليه !
ضحك بمرارة ورد في ألم :
_ فكرك يعني هي كدا هتتراجع وتشيل الطلاق من دماغها .. هي مقتنعة إني لسا بحبها وبنتقم لكرامتها مني
آدم بثقة تامة ونظرة مليئة بالتفاؤل :
_هتتراجع ياعدنان أنا متأكد .. إنتوا تخطيتوا عقبات كتير ودي كمان هتعدوها .. إنت بس حاول تهديها وتراضيها
مال للأمام قليلًا ودفن وجهه بين راحتي كفيه ليجيب علي أدم بصوت متحشرج ومبحوح :
_ خايف ولأول مرة أخاف اخسرها بالشكل ده يا آدم .. خايف تكون دي فعلًا نهاية الطريق اللي مفيش منها رجعة زي ما قالت
طالت نظرات آدم الحزينة على أخيه ، لم يعد يعرف بماذا يجيب .. فمهما قال لن تُكفي الكلمات لمداوة جروحه الدامية !! ….
                                  ***
في تمام الساعة الواحدة ظهرًا من صباح اليوم التالي ……
كانت تقف هنا فوق الفراش وتنزع ملابسها بعد عودتها من دوامها اليوم بمساعدة والدتها .. وبينما كانت جلنار شاردة بعالم آخر وهابية الملامح كانت الصغيرة تسرد عليها تفاصيل يومها بحماس وسعادة لكن سرعان ما دفن حماسها حين رأت أمها ليست منتبهة لها فقالت بغضب طفولي :
_ مامي إنتي مش سمعاني !!!
فاقت على أثر صيحة ابنتها لتبتسم بحنو وتجيبها محاولة تفادي خطأها :
_ لا يامامي سمعاكي طبعًا أنا بس سرحت شوية .. أنا آسفة
زمت شفتيها بخنق والقت بجسدها جالسة فوق الفراش عاقدة ذراعيها أمام صدرها بتذمر هاتفة :
_ أنا عايزة ارجع بيتنا .. احنا امتى هنرجع ؟!
تنهدت جلنار الصعداء بعبوس وانحنت أمامها لتجيب في خفوت حزين :
_ احنا هنقعد هنا يا حبيبتي مع جدو مش هنرجع البيت
اتسعت عينان الصغيرة بصدمة لتهتف باستياء بسيط في البداية :
_ لا أنا عايزة اقعد في بيتنا مع بابي
أدمعت عيناها بألم .. فليتها تتراجع عن قرارها لكن الفراق  سيكون أفضل للجميع وهو الحل الوحيد لكل المشكلات التي لا تنتهي ! .
احتضنت كف ابنتها الصغير ورفعته لشفنيها تقبله بنعومة ثم تهمس بنبرة مهمومة :
_ بابي هيجي كل يوم ياحبيبتي يقعد معاكي زي ما إنتي عايزة
رسخت بعقلها فكرة واغلقت على عقلها الصغير حتى لا يتقبل أي فكرة مغايرة حيث صاحت بغضب وقد بدأت عيناها الرقيقة تذرف الدموع وهي تهتف محتجة على قرار أمها :
_ لا أنا عايزة ارجع بيتنا .. عايزة بابي .. عايزة بابي
أنهت كلماتها وهي تبكي بقوة وسط محاولات جلنار لتهدئتها التي انتهت جميعها بالفشل .. ولم تكن تدري أنه يقف خلف الباب يستمع لحديثهم وفور بكاء ابنته فتح الباب ودخل .
صابتها الدهشة للحظة بينما الصغيرة فتوقفت فورًا عن البكاء وصاحت بفرحة وسط دموعها التي تملأ وجهها :
_ بابي !
اقترب منها بسرعة وجلس بجوارها ليحملها ويجلسها فوق فخذيه ثم يلثم شعرها بعدة قبلات دافئة ويمد يديه يمسح دموع عيناها من فوق وجنتيها الصغيرتين ويهمس بنبرة حانية :
_ متعيطيش ياروح بابي أنا جمبك أهو ولا يمكن اسيبك
هنا بحماس وأمل طفولي :
_ بابي احنا هنرجع البيت ؟
أخذ نفسًا عميقًا ثم القى نظرة ذات معنى على جلنار وأجاب بجدية :
_هنرجع ياحبيبتي هنرجع !
ظلت جامدة تمامًا لم تبدي أي ردة فعل حتى قالت بالأخير بعد دقائق قصيرة توجه حديثها لصغيرتها :
_ روحي ياهنون ياحبيبتي اقعدي مع جدو تحت لغاية ما نيجي وراكي
تنهدت الصغيرة بعدم حيلة وهزت رأسها امتثالًا لوالدتها ثم تطلعت لأبيها وقالت بلهجة تحذيرية :
_ بابي اوعى تمشى !
_ متقلقيش يابابا مش همشى
نزلت من فوق قدميه وقادت قدماها الصغيرة للخارج حتى غادرت تمامًا .. ظل عدنان يتطلع بجلنار في صمت يتابعها وهي تتحاشى النظر إليه عمدًا فقال بحنق :
_ اعتقد إن دلوقتي تقدر نتكلم بهدوء وإنتي كمان أكيد هديتي
جلنار بصوت خافت دون أن تتطلع إليه :
_ أنا بلغتك بقراري إمبارح
استقام واقفًا ليقول بلهجة ساخطة :
_ وأنا قولتلك لما تهدي نتكلم
وضعت عيناها بخاصته أخيرًا لتقول بقوة وثبات متصنع :
_ هنتكلم في إيه ياعدنان .. كل حاجة منتهية من زمان أوي أنا بس اللي قررت أخوض حرب أنا مش عارفة إذا كنت هطلع منها خسرانة زي كل مرة ولا لا
عدنان باسمًا بنظرة مريرة كلها عتاب :
_ وطلعتي إيه .. خسرانة ؟!!!
ردت بعينان دامعة :
_ علاقتنا اللي خسرت .. صدقني احنا مش هينفع نكمل مع بعض ياعدنان .. أنا مش قادرة انسى وإنت مش هتقدر
هاجت عواصفه من فرط الغيظ فصاح بها منفعلًا :
_ مش هينفع ليه !! .. معقول عايزة تنهي كل حاجة بينا عشان مجرد كلام ملوش أي أساس من الصحة ومش صحيح
لم تخشى ثورانه بل بالعكس استشاطت هي الأخرى لتصرخ به بعصبية وبكاء :
_ إنت لسا بتحبها ياعدنان ومش هتقدر تنساها .. ولو الزمن رجع بينا وخيروك بيني وبينها كنت هتختارها .. وأنا مش هقدر اكمل وأنا عارف إن لسا في مشاعر بقلبك ليها .. صدقني أنا تعبت ياعدنان من القلق والخوف وعدم الاطمئنان .. عايزة اعيش حياتي في راحة بدون مشاكل توجع قلبي وترهقني نفسيًا
_ والمشاكل ده مش هتخلص غير لما ننفصل صح ! .. مش هو ده اللي عايزاه .. جلنار أنا مش بحب غيرك فريدة انتهت ومعدش ليها وجود في حياتي وفي قلبي .. أنا بحبك إنتي .. والمشاكل دي كلها بسبب عدم ثقتك فيا إنك معندكيش استعداد تحاولي تثقي لذرة واحدة حتى
جلنار بصوت باكي وهي تجفل نظرها أرضًا :
_ الثقة صعب إنها ترجع بسهولة والثقة اللي بينا مهدومة من زمان
سكن للحظات دون أن يتحدث حتى اقترب منها واختضن يديها برفق يهمس في رجاء بنبرته ونظرته :
_ نبدأ من أول وجديد وكل اللي اتهد نبنيه من تاني ياجلنار .. ارجوكي بلاش تعاقبيني العقاب القاسي ده
_ أنا مش بعاقبك ياعدنان .. ده القرار الصح اللي المفروض كان يتاخد ويتنفذ من زمان
تطلع بها بتدقيق لبرهة من الوقت قبل أن يسألها بحدة وضيق :
_ المفروض أنا اللي أسألك إذا كنتي بتحبيني بجد ولا لا
سكتت ولم تجد ما تجيبه به إن أكدت سؤاله بنعم فحينها لن تتمكن من تحقيق رغبتها في الانفصال .. هي فاقدة الثقة به .. تقسم له أنها جاهدت ومازالت تجاهد في الوثوق به ولكن بكل مرة تأتي الظروف والمواقف وتعود بها لنقطة الصفر من جديد حتى أدركت أن لا فائدة من الاستمرار بتلك العلاقة حتى لو كان يغلفها الحب ، فانعدام الثقة سيؤدي بالنهاية إلى فقدان الحب !! .
تفادت النظر إليه وقالت بقسوة مزيفة وبصوت ضعيف يخرج بصعوبة :
_ مش عارفة جايز كانت مشاعر زائفة سببها تغيرك معايا في الفترة الأخيرة  .. جايز تكون مكنتش حب على قد ماكانت سعادة بلحظات بعيشها لأول مرة معاك
تنكر حقيقة حبها له .. لم تكن تعلم أن تلك الكلمات ستنطلق من فمها كالسهوم المسمومة لتستقر في يساره فتقتل ما تبقى منه حيًا .. حيث بقى ساكنًا دون حراك أو كلمة يطالعها مبتسمًا بعتاب وخزي .. قلبه ينزف الدماء ألمًا .. يقسم لها أنه لم يعد يحتمل نفورها ورفضها الدائم له .. باتت تجرحه دون هوادة وبيوم وليلة تبدلت الأدوار ليصبح الظالم مظلوم والمظلوم ظالم .. ترفض عشقه وحبه المخلص والأبدي لأسباب تافهة ليست حقيقية .. تريد إرضاء غرورها على حساب عشقهم فقط لأن الماضي سيظل يلاحقهم !! .
أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه زفيرًا حارًا من صميمه ليجيبها بصوت مبحوح وعينان لامعة بالألم يجاهد في البقاء ثابتًا لآخر لحظة :
_ عايزك تعرفي حاجة واحدة بس قبل ما امشي .. مهما حصل ومهما هيحصل هفضل احبك .. هتفضلي رمانتي وحبيبتي وأم بنتي .. وهفضل عايش في عذاب الندم إني كنت السبب من البداية في اللي وصلنا ليه بالنهاية
انهي عبارته مع ابتسامة مريرة وموجوعة ثم مال عليها ولثم جبهتها بقبلة سريعة وعاشقة قبل أن يستقيم ويتجه إلى الباب ليرحل تمامًا ويتركها متسمرة بإرضها .. لا تفهم ولا تستوعب ما سمعته للتو منه .. هل هذا يعني استسلامه وموافقته على الفراق أم أن تلك الكلمات يضمر خلفها هدف آخر .
لا إرديًا انهمرت دموعها فوق وجنتيها غزيرة .. ومن بعدها بدأ صوت شهيقها يرتفع مصاحبًا ببكاء حار .. لماذا تبكي وتحزن أنه نفذت مطلبها بالنهاية لا تدري .
تشعر أن هناك قوتين كل واحدة تسحبها من جهة وباتت لا تعلم أين جهة تتبع .. تسمع لصوت قلبها أم عقلها الذي لا يتوقف عن تذكيرها بكل شيء بداية من زواجهم وحتى رؤيتها له وهو يدخل تلك الشقة مع زوجته .. كلمات جميلة مازالت تتردد بذهنها حتى الآن وحتى بذلك اليوم التي رأته فيه يأخذها معه بالسيارة وغادر بها واخبرها أن لديه عمل مهم مازالت تتذكره ! .. كل شيء من حولها يدفعها لطريق واحد وهو النهاية المحتومة بالانفصال ! .. لكن قلبها المسكين والعاجز لديه رأى آخر .. وماذا يفعل القلب حين يقف أمام ذلك العقل المتجبر والقاسي ! .
                                ***
انتهى من نزول الدرج وكان بطريقه لباب المنزل لكن أوقفه صوت نشأت الذي اقترب منه من الخلف وهتف :
_ اتكلمت معاها ؟!
هز رأسه بالإيجاب في وجه رغم صلابته إلا أنه عاجز فيتابع نشأت بضيق بسيط وجدية :
_ جلنار لو لسا طالبة الطلاق يبقى ده اللي هيتم ياعدنان .. أنا من البداية كان قراري غلط لما بعِت بنتي وجه الوقت إني اصلح الغلط طالما هي اللي مش عايزاك
لاحت شبه ابتسامة مهمومة فوق ثغره ثم رد بنبرة يغلفها الشجن وقلة الحيلة :
_ اللي عايزاه بنتك هيتم يانشأت .. اطمن انا خلاص مش هقدر اغصبها عليا اكتر من كدا .. أنا عايز راحتها ومدام راحتها هتكون في بعدها عني يبقى راحتها أهم
لم ينتظر الرد من نشأت حيث انهي كلماته واندفع مغادرًا المنزل بأكمله تاركًا الآخر يقف مدهوشًا من رده الغير متوقع ! .
ركضت الصغيرة عليه عندما رأته يسير بالحديقة متجهًا إلى سيارته وصاحت منادية عليه :
_ بابي !
تصلب بأرضه وابتسم بدفء وحزن ثم التفت لها وجلس القرفصاء أمامها ثم لثم شعرها ليسمعها تقول بتذمر :
_ إنت هتمشي وتسيبني !
عدنان ببعض الدهشة الجميلة :
_ اسيبك !! .. مستحيل هو بابي يقدر على بُعد هتون برضوا .. متقلقيش ياحبيبتي بليل هرجعلك وهاخدك عشان نرجع أنا وإنتي بيتنا وتقعدي معايا براحتك
قفزت فرحًا وقالت :
_ هييييه ومامي هترجع معانا صح ؟
اختفت ابتسامه ثغره وحل محلها العبوس لكن سرعان ما أخفاه وأجاب بسرعة على ابنته وهو يستقيم ويعود ويلثم شعرها :
_ جهزي نفسك بقى ياعيون بابي بليل .. دلوقتي أنا همشي عشان ورايا شغل تمام
أماءت له بالموافقة في حماس طفولي وتابعته وهو يكمل طريقه إلى السيارة ثم استقل بها وحين نظر لها من الزجاج لوحت له بكف يدها الصغير مودعة إياه فلوح لها أيضًا مبتسمًا ثم رحل ……..
                                    ***
فتحت الخادمة الباب بعدما سمعت صوت ربة عملها بالداخل تسمح الطارق بالدخول ، فدخلت ووقفت عند عتبة الباب تقول بجدية :
_ في واحدة على الباب تحت ياست هانم بتقول عايزة حضرتك
ضيقت أسمهان عيناها باستغراب وردت :
_ واحدة مين دي .. مقالتش اسمها ؟!
_ لا ياهانم مقالتش هي طلبت تشوفك بس
_ طيب خلاص روحي وأنا جاية وراكي
فور رحيل الخادمة استقامت واقفة وعدلت من مظهرها بعزة وغرور ثم تحركت تجاه باب غرفتها حتى تغادر ومن الغرفة للدرج .. تنزل درجاته بهدوء تام وثقة وبعدما انتهت ووصلت للباب اتسعت عيناها بدهشة وسرعان ما تحولت لغضب وهي تقول :
_ إنتي إيه اللي جابك تاني مش قولتلك المرة اللي فاتت مشوفش وشك تاني
قالت السيدة بضحكة مستفزة ونظرة شيطانية :
_ اصل أنا مزنوقة في قرشين كدا يا أسمهان هانم وكانت محتاجة تدهوملي
صاحت بها أسمهان بعصبية وقرف :
_ قرشين في عينك .. إنتي هتسوقي فيها ولا إيه يا ولية إنتي .. مفيش فلوس عندي
أجابت الأخرى بخبث ظننًا منها أنها ستنجح في مبتاغها :
_ تؤتؤ مكنش العشم يا ست هانم وأنا اللي بقول عنك الكرم كله .. بقى يرضيكي يعني لما ولادك يعرفوا باللي أسمهان هانم بجلالة قدرها عملته في أبوهم وعمته
ابتسمت أسمهان ساخرة في عدم مبالاة ثم اردفت بكل برود :
_ وأنا مش بتهدد واعلى ما في خيلك اركبيه .. ومش عايزة اشوف وشك هنا تاني فاهمة ولا لا
أنهت عباراتها ودفعت الباب بعنف في وجهها .. فبقت الأخرى متسمرة مكانها تعلق نظرها على الباب بغل وغضب ثم هنست متوعدة وعيد شيطاني ممتلئ بالحقد : .
_ ماشي يا أسمهان الشافعي أنا هعرفك مين حليمة على حق !!!
                                    ***
بعد مرور ثلاث أيام …..
أيام مرت دون أي يرى أي منهم الآخر .. فقط الصغيرة قضت تلك الأيام مع والدها بالمنزل لرغبتها وتعليقها الشديد به .. تلك الأيام القليلة جعلته كمن مرت عليه ثلاث سنوات من فرط الهم والحزن .. لأول مرة يشعر بالعجز أمام عشقه لها .. يريدها ولا يطيق بعدها عنه لأيام قليل فقط وبنفس ذات اللحظة تمعنه كلماتها القاسية التي سمعها منها .. لم يعد يريد أن يجبرها عليه أكثر من ذلك حتى لو كان على حساب قلبه المسكين .. يبدو أن السعادة والراحة لم تكتب له .. يقسم أن لولا صغيرته لما تحمل كل المصائب التي تسقط فوق رأسه منذ معرفتة بخيانة فريدة وحتى الآن ! .
نجحت بالأخير في كتابة النهاية التي ترغبها منذ البداية .. ويمكنه الاعتراف الآن بأن الأنثى هزمت عُقابها العاشق ! .
توقف بسيارته أمام منزل نشأت ثم فتح الباب ونزل ليقود خطواته إلى داخل الحديقة .. فيرى نشأت وبجواره رجل كهل في العمر يرتدي زي خاص بعمله وفوق رأسه طاقية بيضاء ومن الأعلى جزء من اللون الأحمر .. فيتوقف ويزفر زفيرًا مطولًا بأسى وألم .. ها هما قد وصلوا لنهاية الطريق بالفعل وما كان يخشاه تحقق ! ……
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!