Uncategorized

رواية لمن القرار الفصل الثلاثون 30 بقلم سهام صادق

  رواية لمن القرار الفصل الثلاثون 30 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الثلاثون 30 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الثلاثون 30 بقلم سهام صادق

تعلقت عينيه بعينين المحامي بعدما القى عليه عبارته… مرت ثواني وهو لا يستوعب ما سمعه.. فأمس كانت تطالبه بحصتها واليوم تتنازل له 
– إتنزلتلي عن الأسهم
أماء له المحامي وهو يناوله أوراق التنازل
– مدام ملك اتنزلت عن الخمسة في المية من الأسم اللي كتبتهم ليها السيدة فاطمة الله يرحمها
التقط منه جسار الأوراق ينظر إليهما.. الصدمه مازالت مرتسمة فوق ملامحه… يتسأل داخله لما فعلت هذا ولما أرادت الرحيل عنه
انصرف المحامي بعد أن أنهى حديثه.. فتجمدت عينيه نحو الأوراق القابعة بين يديه.. التقط هاتفه حتى يهاتفها ولكن الإجابه التي كان يتلقاها أن الهاتف مغلق
لطم سطح مكتبه حانقًا من تصرفها
– غبيه يا ملك.. هتفضلي طول عمرك غبيه
…………
وقفت بأقدام متخشبة أمام البناية المتهالكة تنظر إلى تفاصيلها بأعين زائغة.. أصوات الضجيج تعلو حولها ولكنها كانت في عالم أخر.. عالم تتخيل فيه الماضي .
هيئتها جعلت المارة ينظرون إليها بترقب يتهامسون جوارها بصوت مسموع.. انتبهت على وقفتها أخيرا بعدما ابتلعت تلك الغصة التي استحكمت حلقها
لم تعبأ بتلك النظرات ولم تهتم بمطالعة شئ حولها.. صعدت الدرجات المتهالكة تتخيل حياة والدتها هنا… تتخيل حياة إمرأه لم تلقاها من قبل.. إمرأة هزمتها الطيبة والفقر 
” مدام ناهد اتنازلتلك عن حقها في الورث.. أنتي الوريثة الوحيدة للسيد عبدالله .. بعد موت مها الله يرحمها.. لكن يا بنتي مدام ناهد نفسها تشوفك”
تلك الرسالة التي تجاهلتها منذ عام ولكن أمس لم تعرف كيف تتجاهلها بعدما عاد المحامي يُهاتفها مجددًا
” مدام ناهد نفسها تشوفك.. يمكن أخر طلب ليها يا بنتي “
وقفت أمام الشقتين في ذلك الطابق الذي تشققت جدرانه … شقة كانت تعيش فيها والدتها قبل أن تتزوج جارها الطموح وشقة والدها الذي أعماه طموحه وحبه ليتزوج من أبنة العائلة الراقية
حكاية ماضي لم يكشفه إلا الزمن لم يكشفه إلا صراع الحب على رجلا 
ورغما عنها كانت السخرية ترتسم فوق شفتيه…” رسلان ” هو هذا الرجل الذي سبب لهم كل تلك الفوضى. 
تيبث جسدها خوفًا تستمع إلى تلك الصرخات من تلك الشقة المقابلة للشقة التي أعطاها المحامي مفتاحها 
– اه يا بنت… بقى بتردي عليا يا بت … والله لأربيكي 
– حرام عليك يا فتحي… سيب أختك… 
– أبعد يا راجل يا خرفان أنت 
أنفتح باب الشقة وخرجت فتاة تهرول منها تخفي وجهها بيديها وعندما علقت عينيها بها وقفت خلفها تتحامي بها من بطش شقيقها 
لا تعرف كيف ومتى حدث هذا وكيف أصبحت في المنتصف بينهم تحمي الفتاة بذراعيها والأخر يسبها بأبعش الألفاظ 
– ابعد عنها يا راجل أنت بدل ما أبلغ عنك الشرطة… 
تراجع فتحي للخلف يرمقها بنظرة فاحصة 
– والأمورة فكراني هخاف من الشرطة لا يا حلوة ده أنا فتحي القط… لا حكومة بتخوفني ولا…. 
وقبل أن يُكمل باقي عبارته كان يصعد رجلًا يهتف به
– فتحي سيادة المعاون عايزك في القسم.. يلا قدامي
انفض الأمر بعدما انصرف فتحي بأدب وقد ظهر الخوف في عينيه.. تعلقت عينين ملك بالسكان الذين هبطوا من شققهم ليطالعوا الوضع الذي اعتادوا عليه يهتفون بضجر 
” ربنا يخلصنا من العماره الزباله ديه”
” هي مين الست الحلوة ديه يا ختي” 
وتحت نظرات الفضول التي كانت تُحاوطها كانت تسمع اسمها من تلك الفتاة صاحبة الوجه المكدوم 
– أنتي ملك
………..
تناولت كأس الماء ترتشف منه تنظر نحو أرجاء الشقة التي دلفت إليها للتو 
–  عبدالله ديما كان خيره علينا يا بنتي.. والايام القليله اللي قضاها هنا مكنش على لسانه غير سيرتك 
ودمعت عينين الرجل 
– و امك الله يرحمها كانت طيبه.. الله يرحمك يا امل 
نسيت ذهولها وتخبطها والصدمة التي كانت فيها منذ قليل.. لتتعلق عينيها بذلك الرجل 
– أنت تعرف ماما 
طالع إبنته بعدما مسحت وجهها من الدماء التي سببتها لها صفعات شقيقها 
– روحي يا بسمة هاتي ألبوم الصور القديم يا بنتي 
هرولت الفتاة للداخل وعادت تحمل ألبوم قديم تضمه إليها بفرحة قد أنستها مرارة حياتها وألامها 
فتحت بسمة الصور تشير نحو والدتها وصديقتها 
– ماما ومامتك كانوا صحاب أوي… بابا ديما كان بيحكيلي عن ذكرياتهم وهما صغيرين
تعلقت عينين الرجل بها واغمض عينيه بحنين 
– كنا ولاد حته واحده… كنا مع بعض على الحلوة والمرة 
فهتفت بسمة والتي يبدو عليها تعرف الكثير من الذكريات التي كان يقصها عليها والدها منذ الصغر 
–  أنتي اتولدتي على أيد ماما .. أصلها كانت ممرضه 
و دمعت عينين بسمة تنظر نحو صورة والدتها
– ماما ماتت وهي بتولدني 
وفي موطن الذكريات كانت الحكايات تفتح دفاترها 
علمت أدق التفاصيل عن حياة والدها ” عبدالله” و والدتها ” أمل” ابنه الحارة الطيبة 
– عبدالله وهو بيموت مكنش بيردد غير اسمك واسم أمل.. روحه كانت متعلقه بيكم 
………… 
– كل حاجة نضيفة متقلقيش… أنا علطول بنضف الشقة.. لكن النور للأسف مقطوع بقاله فترة.. الشقه عليها نور ومياة 
هتفت بسمة بتلك العبارات وهي تقف أمامها في منتصف الشقة 
– شكرا يا بسمة 
اقتربت منها بسمة تحتضنها بقوة وتهتف ببساطة 
– أنا فرحانه أوي إنك هتعيشي هنا وهيكون عندي صاحبة زيك.. هو أنتي ممكن تكوني صاحبتي يا ابله ملك 
وقبل أن تجيبها ملك.. كانت تبتعد عنها بخجل واطرقت عينيها 
– معلش أنا بتعود على الناس بسرعه.. أنا أكيد مش هكون قد المقام 
لم تعطي ملك لحظة للرد واندفعت للخارج تغلق باب الشقة خلفها.. حدقت ملك ب باب الشقة الذي غلق للتو بعد رحيل بسمة فزفرت أنفاسها متنهده واقتربت من اقرب مقعد وتهاوت عليه بجسدها تزيل عن رأسها حجابها 
رفعت الصورة التي أخذتها من ألبوم الصور القديم .. تتأمل ملامح والدتها و والدها في صباهم وقد يضحكون ويرتشفون من أكواب الشربات وإمرأة عجوز تجلس جوارهم سعيده بعقد قرانهم ولم تكن تلك المرأة إلا جدتها من والدها 
– ظلمتها وظلمتني يا بابا… أمي كانت ست بسيطه واحلامها بسيطه.. ليه حبيت ناهد بنت العيلة الكبيرة و سبتني طول عمري فكراها أمي وهي شيفاني بنت بتعطف عليها.. بنت لقيطة 
انسابت دموعها على خديها وضمت الصوره لقلبها تزفر أنفاسها بتنهيدة قوية 
غفت فوق المقعد دون شعور… لتفتح عينيها على صوت تلك الطرقات الخافته.. المكان حولها كان مظلم فعلى يا يبدو أن الليل قد أتى وكما أخبرتها بسمة أن الشقة مقطوع عنها الكهرباء والماء 
تحركت بصعوبة وقد نفعها ذلك الضوء الخافت الذي أنار الردهة من النافذة التي تطل على الحارة 
– افتحي يا ابله ملك أنا بسمة… جيبالك العشا 
فتحت الباب بعدما اطمئنت وطالعت بسمة التي هتفت مذعورة 
– أنتي قاعده على الضلمة.. يقطعني يا ابلة ملك نسيت أجيبلك شمع وكبريت 
ناولتها صنية الطعام واسرعت نحو شقتها تجلب لها الشمع.. عادت إليها ومازالت ملك واقفة في مكانها
دلفت بسمة الشقه أمامها تنير لها المكان 
– بكرة نروح ندفع الإصالات المتأخرة… هكلم البت فاتن تاخدلي اجازة ساعتين من المصنع واروح معاكي 
وحدقت بوقفة ملك فشعرت بالخجل من ثرثرتها… وقبل أن تندفع للخارج كما فعلت هتفت بها ملك مبتسمة 
– أنتي لطيفة اوي يا بسمة… بس كفايه ابله ديه.. أنا مش كبيره اوي يعني.. انتي زي أختي 
توردت وجنتين بسمة خجلًا من مدحها وسقطت دموعها 
– أنتي جميله وطيبه أوي يا ابلة ملك 
– تاني ابله ديه 
ضحكت ملك فضحكت هي الأخري.. طالعت بسمة أطباق الطعام البسيطة فعاد الخجل إليها 
– أنا عارفه إن الأكل مش اد كده.. 
قاطعته ملك وهي تضع الطعام فوق الطاوله الصغيرة 
– الأكل ما شاء الله جميل ويفتح النفس… أنا مكنتش فاكره أني جعانه أوي كده غير لما شوفت الأكل 
انبسطت ملامح بسمة بسعادة وهي ترى نظرات ملك إليها وإلى الطعام 
– هروح اعملك كوباية شاي لحد ما تخلصي أكل 
– لا يا بسمه تعالي كلي معايا واحكيلي عن… 
وابتعلت غصتها وقد انطفأت ملامحها.. فاسرعت بسمه نحوها 
– كان بيحبك أوي..كان نفسه يعيش عشان يعوضك..
دمعت عينين ملك فاحتوت بسمه كفيها بطيبة 
– قالي إنك طيبه وحنينه اوي… قالي هتكوني محظوظة لو قبلتيها واتعرفتي عليها 
واردفت وقد دمعت عينيها هي الأخرى 
– عمي عبدالله كان ديما بيجي يزورنا ويساعد بابا..  من ساعة الحادثه وأيده اتقطعت قعد في البيت ومحدش بقى راضي يشغله..و بعد موت عمي عبدالله  حياتنا اتدهورت ومعرفتش ادخل الجامعه
وابتلعت غصتها وهي تتذكر طيبة ذلك الرجل
– كان وعدني إني هكمل تعليمي… بس منه لله فتحي مخلنيش أكمل بعد الثانوية وخلاني أنزل اشتغل عشان اصرف على البيت وعلى الكيف اللي بيشربه 
ووضعت يدها فوق جروح وجهها.. تهتف بمزاح لعله يخفف عنها 
– بقوا مسميني في المصنع بسمة عاها…كل يوم ارحولهم مضروبه
واستطردت حديثها براحه
– الحمدلله مدام اخدوا القسم هيقعد كام يوم مريحنا من شره 
ضحكت ملك رغما عنها… فعلى ما يبدو أن وجودها في تلك الحارة سيريها ويعلمها الكثير 
……….. 
انهت تلك المعاملات التي ساعدتها فيها بسمة بنصاحتها وانصرفت نحو عملها في مصنع الملابس… فتاة رغم لقاءها بها مجرد يومًا واحدا أثبتت لها جدعنتها وطيبتها.
وقفت سيارة الأجرة أمام المصحة التي تقيم فيها ناهد.. خطواتها كانت مضطربة تُصارع قلبها وعقلها 
خرجت من غرفة ناهد بعد وقت تضع بيدها فوق قلبها وقد دمعت عينيها تتذكر بكاء ناهد وسرد الكثير من الخبايا بهذيان ، ضغطها على كاميليا حتى يتزوج رسلان من مها…فقد مها عذريتها في لحظة طيش.. تلك العملية التي اجبرتها على فعلها حتى تعود فتاة… دفعها لإتباع رسلان إلى لندن بعدما هجر البلد وفِعل كل السبل حتى تتم علاقة بينهم…. حملها وكره رسلان لأطفاله و لها 
” رسلان هيفضل طول عمره كرههم لأنهم من بنتي… محدش هيحنن قلبه غيرك ” 
……………… 
وقفت تلك السيدة الأنيقة صاحبة الحفل تتذوق بعض من الأصناف بمتعة
– اممم، الأكل طعمه يجنن مكذبش اللي قال عن أكلك يهبل 
أسعدها المديح وشعرت بالراحة من إتمام مهمتها.. فقد حان وقت إنصرافها
– كده اقدر أمشي يا فندم.. كل حاجة جاهزة مش فاضل غير التقديم وده مش من مهمتي
ابتسمت المرأة بعدما ألتقطت صنف من الحلوى وتذوقته
– لا لا تمشي إيه انتي ضفتي النهاردة… ولازم كل ضيوفي يعرفوا مين صاحبة الأصناف الرائعة
واردفت بعدما ضاع مذاق الحلوى الرائع من فمها
– هيكون دعايا لشغلك يا فتون… ولا أنتى مش حابه ضيوفي يكونوا زباينك
توترت فتون بعد حديثها ثم نظرت نحو ثيابها
– بس أنا معملتش حسابي يا هانم.. أكيد حضرتك هتقوليلهم على عنوان المطعم لو طلبوا 
– طبعا يا حببتي… بس برضوه أنا عايزه أعرف ضيوفي عليكي وعلى شطارتك 
واستطردت بثبات تجيده 
– أنتي مقاسك زي مقاس بنتي… هخلي الخدامه تطلعك الأوضه فوق تلبسي حاجه من عندها تناسب حجابك وانزلي شرفيني في حفلتي… هي حفلة نسائية يا حببتي.. يعني كلها ستات متقلقيش 
ومع إلحاحها رضخت  وقد أغراها العرض و ذوق المرأة 
وبالفعل كانت جلسة ممتعة، جلسة أحاطتها أعين الكثير ولكن هناك زوج من العيون لم تكن ترتاح إليهما.. مر الوقت وجمعت متعلقاتها من تلك الحجرة التي ابدلت فيها ثيابها وقد جاء وقت الرحيل بعدما حصلت على باقي أموالها 
عادت مرهقة منهكة الجسد تُطالعها جنات بإشفاق 
– احضرلك العشا يا فتون 
– أنا محتاجه انام بس.. عندي بكره محاضرة مهمه ابقى صحيني معاكي يا جنات 
– مش هتحكيلي عن الحفله 
هتفت بها جنات متحمسة فرمقتها فتون بنعاس وهي تتجه نحو غرفتها 
– بكرة يا جنات هحكيلك… 
لم تكد تكمل عبارتها فتعالت الطرقات على باب الشقة.. فتعلقت عيناهم ببعضهم واندفعت بعدها جنات نحو الطارق
– منزل فتون عبدالحميد 
اقتربت فتون بهلع من جنات تنظر نحو ضابط الشرطة الذي فور أن علم بهويتها قبض فوق ذراعها 
– مطلوب القبض عليكي… ادخل يا عسكري فتش الشقة 
صرخت جنات معترضة تصيح بهم ولكن ابتلعت باقية حديثها وهي ترى الأشياء التي تم إخراجها من حقيبة فتون 
………… 
هبط سليم الدرج بخطوات سريعة بعدما أخبره الحارس أن هناك إمرأة تريده في أمر هام ولا تريد الإنصراف.. 
– غصب عني يا باشا.. بس الست ديه بتقول الموضوع مهم ولو عرفت إني مشتها هتقطع عيشي 
– أنت قولت اسمها إيه 
حك الحارس رأسه يُحاول تذكر اسمها 
– جنات يا باشا 
اقتربت منه جنات بعدما وجدته يقترب منها يهتف بها بقلق
– فتون حصلها حاجة
أندفعت جنات نحوه تقبض فوق قميصه متوعده 
– بتنتقم منها ليه تاني.. ملعون الفلوس والنفوذ اللي مخليانا مش عارفين نقف قصادكم 
تراجع سليم للخلف يشير لحارسه بأن يبتعد.. قبض فوق كفيها يزيحهما عنه 
– انتقم إيه… مالها فتون انطقي 
طالعته جنات بعدما شعرت إنه لا يعلم شئ 
– فتون اتقبض عليها 
وانحنت تلتقط أنفاسها تحت نظراته المصدومة 
– مدام أنت معملتهاش مين اللي هيكون عملها
………….
جن جنونه وهو يستمع إلى الخادمة بعدما تعلقت عيناه بتلك الألعاب التي تحتل فراش صغيريه 
– هي لسا ماشيه من ساعه يا دكتور… قضت اليوم كله معاهم…
تنهد بضيق بعدما غادر غرفة صغيريه حتى لا يُقظهما
– خالتهم لما تيجي تاني كلميني علطول مفهوم 
اماءت له الخادمة
– حاضر يا دكتور
دلف غرفته يحل ازرار قميصه بشرود..ثم تسطح فوق فراشه يحدق بسقف الغرفة يتذكر حديث محامي خالته عن مجيئها إليه وإستلامها لمفتاح شقة والدها في حارته القديمة 
…….. 
في الصباح الباكر.. وقفت بسمة تطالع ذلك الرجل الوسيم بثيابه العصرية التي لا تُناسب حارتهم.. تخطاها بعدما رمقها بطرف عينيه… أرادت أن تتبعه ولكن الوقت لم يسمح لها فهي لا تُريد خصم أخر من راتبها الضئيل
فتحت ملك الباب بعدما استمرت الطرقات وقد ظنتها بسمة ولكن وقفت مصعوقة وهي ترى جسار واقف أمامها
– جسار
رمقها بمقت يدلف نحو الداخل ينظر نحو الشقة يزفر أنفاسه بضيق
– يعني سيبتي إسكندرية وكل حاجة وجيتي تعيشي في الحارة ديه
واردف حانقًا وهو يبحث عن مقعد يجلس عليه
– ليه عملتي كل ده
حاولت الثبات قدر إستطاعتها.. فعن أي شئ ستخبره، هل تخبره إنها غارت من زيجته بجيهان وإنها لم تعد تعلم بمشاعرها نحوه …أم تخبره بأنها لم تعد تتحمل صدمة أخر في رجل أخر
– جيت عشان ولاد اختي… هما محتاجني
طالع المكان بعينيه مستنكرًا إجابتها
– ولاد أختك… لو افترضنا و رسلان ادهوملك هيرضي  يعيشوا في الحارة ديه
اطرقت عينيها… فهي تعلم تمامًا أن جوابها لا يخيل على طفل صغير
– هجيب شقة تانيه وهعيش في مكان تاني…
– جوازي من جيهان هو السبب مش كده يا ملك
باغتها بسؤاله فاشاحت عينيها بعيدًا عنه حتى لا يكشف أمرها 
– قولتلك نكمل جوازنا يا ملك ومننفصلش أنتي اللي صممتي نتطلق..  
غامت عينيها بالحسرة 
– جوازنا كان جواز مشروط محطوط في بنود.. أنت محبتنيش يا جسار.. أنت لسا عايش على ذكرى مراتك وجيهان أكبر دليل 
وتجمدت عينيها نحو الواقف أمام باب الشقة المفتوح يحمل صغيريه على ذراعيه يطالعهما بنظرات قاتمة 
…………. 
دلفت نحو غرفة الضابط المسئول مرتجفة الجسد بعد ليلة قضتها خائفة في الزنزانة تستمع لأبشع الألفاظ بل وتعرضت للضرب 
– تعالي يا فتون 
تقدمت برعب دون أن ترفع عينيها وقد بح صوتها من أثر توسلها إليهم ليلة أمس وإنها ليست المذنبة 
– هسيبك معاها شوية يا سليم بيه 
تجمدت حركة جسدها ورفعت عينيها ببطء.. لتتعلق عينيها بأخر من ارادة رؤيته… كانت عينيه جامدتين نحو وجهها وذلك الجرح فوق جبينها.. قبض فوق كفيه بقوة 
وقد إزداد غضبه يتوعد ل دينا.. فقد كان يظن إنها فعلت شهيرة ولكن دينا من كانت صاحبة تلك الخطوة 
– فتون اسمعيني كويس… القضية مش هتتحل غير لو إتجوزنا.. انتي متهمة في قضية سرقة كبيرة… لا شهيرة ولا دينا هيسيبوكي طول ما انتي لوحدك 
وهل تعرف هي هاتان المرأتان أو سمعت اسمهم من قبل .. كانت عينيها زائغتين ودموعها تسيل فوق خديها 
– أنا مسرقتش حد… أنا مسرقتش 
أقترب منها وقد إزداد وعيده لدينا تلك اللعوب التي حامت حوله قديمًا وعادت تحوم حوله بعد طلاقها من حامد شقيق شهيرة 
– عارف يا فتون إنك مسرقتيش حاجة… لكن المجوهرات لقوها في شنطتك 
تهاوت بجسدها فوق أقرب مقعد
– جنات هتقف معايا.. وهتجبلي محامي… أنا مسرقتش 
– جنات مش هتعرف تخرجك يا فتون… محدش هيقدر يخرجك من هنا غيري… وعشان اعرف أخرجك لازم نتجوز 
حاولت أن تتناسي وجودهم وتلك النظرات التي يصوبونها نحوها أو يرمقون بها بعضهم… اندمجت مع أبناء شقيقتها تطعمهم وتلاطفهم.
جلس الجار العجوز الطيب العم “حسني” ينظر إلى الرجلان متفرسً خلجاتهم.. جسار انسحب من تلك الحارب الضارية بينه وبين رسلان…حرب كان سلاحها نظراتهم وكل منهم يعبر عن ضيقه من وجود الأخر خلالها. 
وقف جسار يطالع الحارة بنظرات نافرة اما رسلان جلس بهدوء على احد المقاعد يطالع أطفاله في أحضانها
تنهد العم “حسني” ينظر نحو رسلان متسائلا
– أنت دكتور يا بني
أماء له رسلان برأسه وقد تنحنح قليلا فأردف العم حسني
– ابن جارتنا ست غلبانه محتاج عملية كبيرة… والست مستنيه دورها على نفقة الدولة ويا علم أمتي الدور هيجي
انتبهت ملك على حديثهم اما جسار اتخذ ركنا بعيدا واخد يتحدث في هاتفه
فاطرق العم حسني رأسه خجلا
– يعني يا بني لو تقدر تساعد…
ولم يكد العم حسني يكمل حديثه فاخرج رسلان بطاقة خاصه به
– خليها تجيلي العيادة يا حاج
طالع الرجل البطاقة وقد لمعت عينيه والتف نحو ملك يطالعها… يتمتم بصوت هامس
– ” سبحان الله”.. ربنا مكسرش خاطر الست الغلبانه
والعبارة كانت لها ألف معنى وحكاية 
……….. 
تمتمت عبارته لمرات وهو ينتظر بلهفة سماع إجابتها
– نتجوز
ابتلع لعابه يطالعها يومئ برأسه متلهفًا على سماع موافقتها…فتون ستوافق على حمايته.. هو يعلم ذلك تماما فهو كان بطلها الخارق ذات يوم..
انتظر وانتظر حتى أتته الإجابة فتجمدت ملامحه وضاعت لهفته والصدمه وحدها من ارتسمت في عينيه 
– طلبك مرفوض يا سليم باشا 
– ليه يا فتون؟ .. ردي عليا 
خرج صوته متعلثمًا بعدما فقد قدرته على الثبات 
– سليم النجار مش بيتجوز خدامه ولا بيرمرم … مش ده كلامك يا سليم بيه
نهضت من أمامه وقد ألجمه حديثها.. سارت نحو الباب وقبل أن تتقدم بخطوتها الأخيرة عادت تلتف إليه
– سليم النجار لو عايز يساعدني هيساعدني… مش هيحط شروط 
– فتون 
فتح العسكري الواقف الباب بعدما طرقت عليه.. فتعلقت عينيه بها ومازال في صدمته 
……….. 
كانت تلك اللحظة التي انتظروها منذ أن التقت عيناهم
غادر العم حسني نحو شقته وقد ترك بابها مفتوح و ملك حملت الصغيرين حتى تبدل لهم حفضاتهم في الغرفة 
اندفع رسلان إليه يقبض على تلابيب قميصه 
– مش خلاص بعدت عنك جاي ليه تاني 
دفعه جسار بقبضته ووقف يرمقه بتحدي 
– ملك مسئوله مني ولعلمك مش هسيبها هنا…
واردف وقد أراد أن يضغط عليه ويستفزه بطريقة يجيدها 
– وبكره نكسب القضية وناخد ولادك.. أنت أب مش مسئول يا دكتور يلي كنت سايب ولادك ولسا فاكرهم 
تجمدت عينين رسلان نحوه وتراجع للخلف قليلا يلتقط أنفاسه.. ابتسم جسار بتهكم وهو يراه هكذا يقبض فوق كفيه دون فعل شئ.. انصدم جسار بعدما تهاوي فوق الأرض يضع بيده فوق كدمته وخط من الدماء يسيل من أنفه 
دارت حارب طاحنة بينهم فخرجت ملك مذعورة تنظر إليهما بأعين مذهولة من هيئتهما 
– انتوا بتعملوا إيه… أبعد أيدك عنه 
دفعت رسلان بعيدًا فرسلان هو من كان في الصورة أمامها.. ابتعد رسلان يلهث أنفاسه ينظر إليها كيف احتوت وجه جسار بين كفيها تسأله عما يؤلمه… غادر بخطوات مثقلة دون أن يلتف نحوهما فقد وصلت له الرساله بوضوح 
– ليه عملتي كده يا ملك 
ابتعد جسار عنها يتحسس وجهه المكدوم 
– على فكرة أنا اللي استفيزته
– عارفه يا جسار…أنت استاذ في الحكاية ديه 
ورغم ألم وجه إلا إنه كان يضحك.. رمقته بحنق فتنحنح وعاد لجديته 
– عارفه يا ملك أنا دلوقتي متأكد إنك بتحبي رسلان 
طالعته في صمت فهي لم تعد تعرف ما معنى الحب..هي بالفعل ضائعة في دوامة لا تعرف لها نهاية 
– الإنسان مش بيوجع غير أكتر ناس بيحبهم
وابتعد عنها يزفر أنفاسه متنهداً
– تعرفي أنا اكتشفت إني اتسرعت بجوازي من جيهان 
انصدمت من عبارته… فمنذ أيام كان غارق في العشق لا يرى سواها 
– ساعات بنكون عايزين الشئ عشان نجربه مش أكتر.. نشوف هنلاقي إيه فيه…هل هنلاقي اللي يعجبني ويبسطنا ولا هيكون زيه زي غيره
صمت يسترد أنفاسه ثم عاد يُطالع المكان حوله 
– الحب غير كده يا ملك.. الحب إحساس غريب بيخلي قلبك مهما حس إنه شبعان فهو لسا جعان 
تاهت بنظراتها ، كانت ضائعة تسمعه وهي شارده 
– ملك أنا مش هقدر اسيبك هنا… المكان ميطمنش 
– على فكرة يا استاذ الحارة هنا فيها رجاله وانا اه قدامك 
التف بجسده نحو ذلك الصوت لتقع عيناه على تلك الفتاة التي رأها صباحًا… تقدمت بسمة منهم تطالعه بترفع 
– ملك وسط أهل حتتها يا باشا 
رمقها جسار مستنكرًا يُطالع هيئتها الغير مهندمة 
– أنتي تعرفيها يا ملك 
انتبهت ملك على سؤاله بعدما كانت شارده بينهم… نفضت عقلها تستجمع حالها 
– ديه بسمة بنت عمي حسني 
قطب جسار حاجبيه يتذكر ذلك الرجل العجوز الذي كان يجلس معهم 
– اه… خلينا في المهم… مش هقدر اسيبك هنا 
– أنت يا أستاذ مسمعتش أنا قولت إيه 
ضيق عينيه وقد تذكر وجودها الغير مرغوب … فامتقع وجهه والتف نحوها يشير إليها بإصبعه 
– ممكن تسكتي 
أرادت أن تتحدث ولكن صوت والدها وقد هتف باسمها للتو جعلها تغادر حانقه تتمتم بضيق 
– إنسان عديم الذوق 
اتسعت عينين جسار ذهولا يرمق خطواتها وكاد أن يلفظ بعض العبارات الحانقة 
– جسار زي ما أنت شوفت أنا فعلا عايشه وسط أهلي وحبيت المكان 
رضخ جسار في النهاية لرغبتها فهو يريدها أن تستعيد ذاتها كما أراد لحاله أن يفهم مشاعره نحوها فما جمعهم من قبل هو الإحتياج  “وهل ينبض القلب به طويلًا ؟” 
 أصر أن يعطيها مفتاح إحدى الشقق الراقيه التي يملكها بديلا لها عن ذلك المكان 
دلفت للصغيرين فوجدتهم كما تركتهم في غفوتهم… اقتربت منهما تقبل أقدامهم ومع مرور الوقت أصابها القلق فلما لم يعد رسلان لأخذهم
ونقطة واحده كان يدور فيها عقلها وللأسف قلبها هو من كان يتسأل 
” هل أصابه شئ؟” 
………… 
فتحت عينيها بعدما غادرت جنات الغرفة واغلقت الباب خلفها.. تقلبت فوق الفراش تقاوم ذلك الشعور الذي يخترقها.. تعالت أنفاسها وتسارعت دقات قلبها ورغمًا عنها كان قلبها يأخذها لعالم به سليم النجار 
استيقظت بفزع تلهث أنفاسها بثقل تضع بيدها فوق قلبها غير مصدقة إنها حلمت به… حلمت به وهي بين ذراعيه… حلمت به في وضع لا تعرف كيف أخذها قلبها وعقلها إليه.. أسرعت في إلتقاط كأس الماء الموضوع جوار فراشها ترتشف منه 
– مش معقول أكون حلمت بيك كده.. 
عادت تلتقط أنفاسها تنظر حولها فالظلام كان يحاوط الغرفة 
– أكيد أنا حلمت بي عشان اللي عمله معايا النهاردة…سليم النجار راجل وحش وظالم اوعي تنسى ده يا فتون 
خاطبت حالها لعلها تعيد لقلبها ثباته ولكن القلب كأنه كان متعطشً لذلك الحدث وتلك الكلمات التي اخبرتها بها جنات… جنات التي لأول مره تمدح سليم النجار أمامها لكنها لو علمت إنه عرض عليها الزواج في البدايه مقابل خروجها لكان مديحها تحول لمقت و حقد 
وها هو حديث جنات يأبى تركها تلك الليله مهما فعلت 
” بصراحه يا فتون لولا سليم النجار مكنتيش هتعرفي تخرجي منها… صحيح هو السبب في كل ده..  بس إن يكون موجود حد معاكي ياخد حقك.. شعور جميل” 
جنات التي عرفتها طيلة الثلاث سنوات والنصف لم تكن حالمية في أي شئ يخص الرجال… ولكن اليوم شعرت بمشاعر جنات نحو الموقف 
اغمضت عينيها بقوة والمشاعر تزيد في إختراق فؤادها تهتف لحالها 
– أوعى تنسى إنه هو السبب يا فتون.. اوعي تنسى اللي عمله فيكي زمان 
……… 
صرخة مقهورة بعدما اقتربت منه تتوسل إليه 
– عملت كده عشان بحبك.. أنت عارف أنا بحبك اد إيه يا سليم 
تعالت صوت ضحكاته رغمًا عنه وهو يرمقها بتفحص 
– بتحبيني…مش تقولي كدبه تانيه يا دينا … ده أنتي لما عرفتي إني بعد الحادثه ممكن متحركش تاني على رجلى وهكون عاجز روحتي اتجوزتي حامد اللي كان عدوك وجتيلي ارفعلك قضيه عشان تاخدي حقك وحق ابنك منه 
– لا يا سليم أنا اتجوزت حامد بعد ما أنت رجعت لشهيرة… إتجوزته عشان أكون قريبه منك… سليم أنا مش قادرة أنسى الليله اللي كانت بينا 
شحبت ملامحها وهي ترى نظراته التي تحولت للوحشية عندما ذكرته بتلك الليلة بعد وفاة جده ومغادرة فتون حياته.. جاءت إليه شقته أرادت أن تمنحه جسدها في لحظة ضعفه وحاجته … وسليم القديم كان خير من يرحب بتلك الأمور حتى ينسى ضيقه وحزنه… كانت ليلتها هي الفاصل من حياته وتلك القذارة التي يعيش داخلها ولكنه سرعان ما كان يتجنب وقوعه معها في الطريق الذي أراد نهايته 
– دينا انا وانتي عارفين كويس محصلش حاجه بينا في الليله ديه كويس 
– كان ممكن يحصل يا سليم… بس انت اللي مدتنيش فرصه 
واقتربت تحاول أن تفرض سحرها الذي اجادته وتجيده على الكثير من الرجال… ذكرته بتفاصيل كانت الشهوة وحدها من تحركه… امتقع وجهه نفورًا وهو يسمعها مشمئزًا من حاله ومنها
– فتون خط أحمر يا دينا…. وانتي عارفة كويس ممكن اعمل إيه كويس 
التف بجسده كي يغادر بعدما لم يعد يتمالك حاله بعدما ذكرته بنفسه القديمة… رجل عابث يترك شهوته من تحركه 
وقعت عينيه على الصبي الصغير ذو التسعة أعوام  ثم عاد ينظر إليها بإحتقار شديد وكأن الصغير يذكره بطفولته الغير سوية 
……….. 
اندفع الحاج عبد الحميد داخل الشقة والغضب يحتل معالم وجهه يطالع جنات التي وقفت مصدومة من هيئته وزيارته المفاجأة
– فين فتون… بنتي تدخل الحبس من غير ما اعرف… أخص عليكي يا جنات يا بنتي… هي ديه أمانتي ليكي 
تجمدت عينين جنات نحوه تبتلع لعابها بعدما جف حلقها فكيف علم بالأمر.. وقبل أن تبحث عن إجابة داخل عقلها كانت تأتيها الإجابه 
– جيت مع واحد معرفه من البلد يخلص شوية أمور ليه هنا … قولت اجي اطمن عليكم.. الاقي المنطقة كلها بتتكلم عن بنتي.. يا فضحتك يا عبدالحميد. هتروح فين تاني 
خرجت فتون من غرفتها بملامح منهكة وقد سقطت على مسمعها عبارات والدها الأخيرة… تعلقت عينيه بها  واقترب منها 
– إحنا معدش لينا مكان هنا يا بنتي… البلد ديه مصايبها كتير وناسها قادرة 
والقرار كان يضعه الحاج عبدالحميد دون رجوع ولكن عينيه ظلت عالقة بها وقد استندت نحو الجدار تكتم صوت شهقاتها 
فاسرع إليها نادمًا على حديثه فيكفيها ما جانته قديمًا من جهله 
– هتكملي تعليمك يابنتي البلد اللي جانبنا فيها جامعه ساعه بالقطر بينا … بس عيشه في البلد ديه تاني لاا… كفايه المصايب اللي جتلنا منها 
………
احتضنتها جنات تحاول تهدأها مراراً دون جدوى… شردت  في فعلتها… فقد دفعت الحاج عبدالحميد للذهاب لسليم النجار لشكره عما فعله مع فتون وتخليصها من تلك السرقة التي دبرت لها وكان سيضيع فيها مستقبلها … جعلت دماء الواجب والأصول تضج في أوردته فقرر الذهاب إليه رغم ذلك الدين الذي في رقبته عندما كاد أن ينتهك عرض أبنته
– يا ترى يا سليم بيه هتطلع فعلا بتحبها ولا مجرد كلام
همست بها جنات ومازالت تحتضن فتون التي لم تكف عن البكاء
– طب والمطعم واحلامي هنا يا جنات… ليه كل حاجة بتضيع
هتفت بها وابتعدت عنها تنظر إليها تستعجب صمتها ولكن جنات كانت ساهمة
……………… 
عبأ رئتيه بالهواء ثم بصق خلفه بعدما غادر قسم الشرطة… هندم  قميصه المتسخ يهتف متذمرًا
– أي مصيبة تحصل مافيش غير فتحي 
إستمع إلى اسمه فلتف بجسده يطالع الرجل الذي وقف يلتقط أنفاسه بعدما ركض خلفه لمسافه 
– في حاجة يا أخ 
وبنبرة هادئة هتف الرجل وهو ينظر نحو البعيد 
– الهانم مستنياك في عربيتها 
– هانم!… أنا معرفش هوانم 
لفظها فتحي مستنكرًا يرفع شفته العلويه ويضيق عينيه 
– الهانم عايزاك في مصلحة يا فتحي 
التمعت عينين فتحي… فإذا كان الأمر يخص مصلحة لما لا يذهب ويرى … اتبعه بعدما التف حوله قليلا يتأكد من عدم إتباع أحد له … فتح الرجل له السيارة ليصعد داخلها
– الراجل بتاعك قالي إنك عايزانى يا هانم 
قالها بنفاذ صبر فرفعت نظارتها عن عينيها تشم تلك الرائحة الكريهة
 تعلقت عينين فتحي بها ينتظر سماعها دون أن يعبأ بنظراتها النافرة نحوه … سردت عليه ما ارادته تحاول أن تتلاشى رائحته التي كتمت على أنفاسها…
 أخرجت من حقيبتها المال وقد لمعت عينين فتحي بشدة 
– فضيحة في حارتنا يا هانم… لمين؟
……………………… ……. 
وقف سليم بسيارته بعدما وجد الحارس يشير إليه … انزل زجاج سيارته يُطالع  الرجل الذي وقف خلف الحارس 
– يا باشا الراجل ده مستنيك من الضهر… مهما قولتله مش راضي يمشي يا بيه
أشار إليه سليم بالأبتعاد قليلًا حتى يري ملامح الرجل… قطب حاجبيه يحاول أن يتذكر هل رأه من قبل أم لا
 ولكن الجواب ها هو يعلمه عندما خرج صوت الحاج عبدالحميد يعرفه بحاله 
– اتفضل يا ياحاج نورت
رحب به سليم فور ان فتحت له الخادمة المنزل ودلف هو والحاج عبدالحميد الذي وقف للحظات يطالع المكان بأعين مذهوله يلوم حاله إنه منذ ساعات حداسته كرجل جعلته يفترض أن هذا الرجل يحب إبنته
– تشرب إيه يا حاج
فاق الحاج عبدالحميد من شروده يطالع ما حوله بتوتر
– ملهوش لزوم يا بني… أنا جاي أشكرك
انصرفت الخادمة بعدما أمرها سليم بإحضار كوبان من الشاي
– اتفضل اقعد يا حاج عبدالحميد
جلس الحاج عبدالحميد بجلبابه البسيط يستشعر بالغربه في المكان.. يحادث حاله
” لازم اخدك من هنا يا بنتي..مصيرك مش هيكون غير إنك تنداسي تحت الرجلين… كفاية اللي حصلك زمان”
– أنا عارف يا حاج إن ليك حق عندي زمان… وأنا مستعد انفذ اللي تطلبه
تمتم بها سليم فطالعه الحاج عبدالحميد بغرابة ولكن سرعان ما أدرك مقصده
– حق بنتي عند ربنا يا بيه 
اقترب منه سليم وجاوره في جلسته 
– وأنا عايز ارتاح يا حاج من الذنب… أنا عندي بنت متمناش إن هيحصل فيها كده في يوم من الأيام 
بهتت ملامح الحاج عبدالحميد ينظر إليه مستفهما 
– أنت متجوز يا بيه 
التقطت عينين سليم الخادمة وهي تقترب منهما بأكواب الشاي.. نهض يأخذ منها الصنية فطالعته الخادمة ولكن إشارة من عينيه جعلتها تنصرف صامته 
– اتفضل يا حاج الشاي
التقط الحاج عبدالحميد الشاي بتوتر ينتظر منه إجابته 
– ايوة يا حاج أنا كنت متجوز
وصمت قليلا يرتب حديثه لعلا تلك المرة ينال مبتغاه 
– أنا راجل دوغري يا حاج وعشان كده بطلب منك النهارده أيد فتون.. رغم إني المفروض أجيلك بيتك الأول… لكن وجودك النهاردة سرع الخطوة وكل اللي أنت عايزه هيحصل 
اتسعت عينين الحاج عبدالحميد وقد رفع عينيه نحوه 
– أنا عايز فتون زوجة ليا يا حاج عبدالحميد 
تعلقت عينين الحاج عبدالحميد به فطالعه سليم ينتظر جوابه في لهفة 
– هتتجوز بنت راجل بسيط أجري باليومية … هتتجوز اللي كانت مرات السواق بتاعك وكانت خدامة عندك يا بيه 
تجمدت عينين سليم وهو يحاول تلاشي ذكرى حسن.. عادت ملامحه تنبسط ينظر إليه 
– قولتلك يا حاج عبدالحميد عايز فتون زوجة ليا وميهمنيش أي حاجة تانيه صدقني 
…………………. 
” قبلتُ زواجها” 
قالها وهو ينظر إليها بحب … ورغم نظرات اللوم والكسرة التي تطالعه بها إلا إنه كان سعيد بشدة 
ضمها والدها إليه بقوة يهمس لها بعدما اخذ البعض ينفض من حولهم 
– أنا ظلمتك زمان لما جوزتك حسن.. لكن قلب الاب المرادي مرتاح يا بنتي… جوزك هيجيبك البلد ونعملك فرح وسط اخواتك والجيران 
وابتعد عنها… فاقتربت منها جنات تضمها إليها وتمازحها 
– قضيتي ليلة في التخشيبة و بعدها جوازة.. يومين عمرهم ما يتنسوا من العمر يا فتون 
وقف يستمع لوصايا الحاج عبدالحميد وعيناه لا تفارقها.. تنحنح أخيرًا حرجًا ينظر نحوها 
– خد مراتك يا بني 
تعلقت عينين فتون بوالدها… فمن التي سيأخذها وسيرحل… وما الذي حدث وكيف تزوجت.. وكأنها أخيرًا بدأت تستوعب ما يمر أمامها 
– روحي يا بنتي مع جوزك 
والشريط يعود إليها ثانية…ذكريات مضت عليها ما يقارب أربع سنوات وأشهر وحسن يأخذ بيدها ويصعد بها القطار نحو المجهول … تسارعت أنفاسها من هول الذكريات عليها ووقعت عينيها على يده التي قبضت فوق يدها تقف أمام سيارته وأعين والدها وجنات تحاوطهما
– أنت وخدني على فين
– واخدك على بيتنا يا فتون 
يتبع..
لقراءة الفصل الحادي والثلاثون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً نوفيلا ورطة قلبي للكاتبة سارة فتحي

اترك رد

error: Content is protected !!