Uncategorized

رواية لمن القرار الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سهام صادق

   رواية لمن القرار الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سهام صادق

 رواية لمن القرار الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم سهام صادق

علقت عيناها بها طويلا دون سبب.. والصغيرة كانت مثلها تنظر إليها وتنتظر أن تعرف هوية تلك التي تقف تطالعها بفضول..  ظنت السيدة ألفت للحظات أن فتون لم تتقبل الصغيرة 
وشيئًا فشئ كانت السيدة ألفت تلتقط أنفاسها وملامحها تنبسط.. بل وتتسع إبتسامتها وهي ترى المبادرة من الصغيرة التي تركت مقعدها وهندمت ثوبها كسيدة إستقراطية وليست طفله لم تبلغ بعد أربعة سنوات
– أنا ديدا سليم رأفت النجار 
مدّت الصغيرة يدها إليها ببراءة تنظر نحو فتون التي سرعان ما كانت تنحني نحوها وتمدّ يدها هي الأخرى إليها 
– وأنا فتون 
– فتون إية؟ 
سألتها الصغيرة كما أعتادت أن تسأل حينا تخبر أحداً باسمها كاملا… ضحكت السيدة ألفت فالتفت الصغيرة نحوها حتى ترى لما مربيتها قد ضحكت 
– خديجة فتون مرات بابا وتعتبر ماما الجديدة.. مش بابا قالك تسمعي كلامها 
عادت عينين الصغيرة تتسلط نحوها فابتسمت فتون تجيب على سؤالها وقد وقعت بالفعل في حب الصغيرة  
– اسمي فتون عبدالحميد.. اجاوب على أي سؤال تاني 
ثم اردفت مازحه وهي تلتقط منها قبلة من فوق وجنتها الشهية 
– أي سؤال من خديجة هانم أنا هجاوب علطول 
طالعتها الصغيرة بضيق فلم تتقبل مزحتها ببساطة ورفعت كفها الصغير تمسح قبلتها وعادت نحو مقعدها تجلس عليه
انصدمت ملامح فتون من تصرفها كحال السيدة ألفت بعدما ظنت أن الصغيرة تقبلت فتون ببساطة 
– خديجة مش عيب كده 
عقدت الصغيرة ساعديها أمام صدرها تطالع مربيتها بعبوس
– أنا عايزة أكلم بابي 
– إحنا لسا مكلمينه من شوية يا حببتي 
– لا أنا عايزة اكلم بابي دلوقتي 
بكت الصغيرة فانحنت السيدة ألفت نحوها تحاول تهدأتها ولكنها استمرت في البكاء.. تراجعت فتون للخلف قليلا وقد ألمها نفور الصغيرة منها وخاصة عندما مسحت قبلتها وها هي تبكي دون توقف … كادت أن تغادر المطبخ وتنسحب ولكنها عادت تنظر نحو الصغيرة واقتربت منها 
– تعرفي إنك جميلة اوي زي خديجة هانم 
كفت الصغيرة عن البكاء عندما استمعت لاسم خديجة العمة 
– ديدا الكبيرة حلوه زي ديدا الصغيرة 
هتفت الصغيرة عبارتها بأعين باكية وطالعتها وكأنها تنتظر سماع المزيد عن عائلتها لتتأكد أن التي تتحدث معها ليست غريبة عنهم …ابتعدت عنهم السيدة ألفت فأخذت فتون تخبرها عن مزرعة الجد عظيم وعن الفرسه سكرة 
كانت الصغيرة مندمجة بشدة رغم إنها لم تذهب إلى تلك المزرعة إلا مرة واحدة منذ أشهر وذاكرتها الصغيرة لا تتذكر إلا مجرد مقتطفات بسيطة 
– ديدا الصغيرة مشفتش جدو عظيم… بس بابا بيقول إنه كان هيحبني اوي لو كان شافني 
ورفعت كفيها الصغيرين عاليا كما علمها والدها حينا تدعو لأحد 
– ربنا يرحمه هو عند ربنا 
تلاقت عينين السيدة ألفت بفتون التي أخذت تحملق بالصغيرة 
– احضرلك العشا يا بنتي…
واردفت متسائله بعدما أطرقت عينيها أرضًا 
– لو عايزانى اقولك يا هانم زي ما كنت بقول لشهيرة هانم… 
– لاء أنا مش هانم يا مدام ألفت.. أنتي نسيتي أنا كنت إيه زمان… فتون مرات السواق الخدامة
رفعت السيدة ألفت عيناها نحوها فابتلعت غصتها وهي تراها كيف تدور بعينيها في المكان وكأنها تتذكر السنوات الماضية..نعم المكان قد اختلف ولكن الذكريات ظلت عالقة. 
تثاوبت الصغيرة بعدما اخذ النعاس يحتل جفنيها فاغلقتهما 
ولكنها ظلت تردد 
– احكيلي حدودة يا دادة 
التقطت السيدة ألفت يدها حتى تنهضها عن مقعدها 
– ما أنتي عارفه إني مبعرفش احكي حواديت يا خديجة… زينب هي اللي بتعرف تحكي وهي مش هنا دلوقتي في الفيلا 
زمت الصغيرة شفتيها تحدق في عينين مربيتها العجوز كما تخبرها السيدة ألفت بحالها دوما عندما تطلب منها أشياء فوق إستطاعتها بسبب سنوات عمرها ولولا رغبة سليم بتربيتها لطفلته لكانت تركت تلك المهمة لغيرها 
علقت عينين فتون بهما فقد سارت الصغيرة صامتة جوار السيدة ألفت دون أن تجادل وكأنها تقبلت الأمر..
مسحت فوق وجهها بإرهاق فاليوم كان طويلا قاسيا عليها وخاصة إنها أصبحت تتعامل مع جنات في المطعم وكأن لا شئ قد سمعته وجنات بدأت تشعر بتغيرها 
– إحنا ممكن نطلب من فتون تحكيلك حدودة يا خديجة 
وعلى بعد خطوات قليلة كانت تقف السيدة ألفت تنظر في عينين الصغيرة التي عادت بعينيها الواسعتين ذو اللامعة البريئة الصافية تنظر نحو تلك الغريبة وكأنها تنتظر منها جواب 
ابتسمت السيدة ألفت وهي ترى نظرات فتون السعيدة وقد اماءت لها برأسها. 
………… 
حطم كل شئ حوله بجنون.. قذف وركل كل ما أمامه.. ملابس مبعثرة في كل مكان.. وها هو يجلس فوق الفراش ساقيه تتدلى أرضًا وعقب سيجارته بين شفتيه..
” سوق براحة يا حبيبي”
ضحكات ثم صراخ ثم ظلمة وبعدها لا شئ..
” البقاء لله.. لازم تتقبل موتها يا بني.. الموت علينا حق وأنت ملكش ذنب في موتها” 
وهو يردد دون توقف 
” أنا السبب، أنا السبب.. أنا اللي موتها قالتلي سوق براحة… قالتلي بلاش نسافر في الوقت ده بس أنا اللي صممت “
ومقتطفات أخرى تسير أمام عينيه والذكريات التي لم ينساها يوماً أبت الليلة أن تتركه 
” للأسف خسرت شغلك يا حضرت الظابط.. اعذرني إني ببلغك بالخبر ده بس ده المفروض الإجراء اللي بيتخذ في حالتك..”
والسيدة فاطمة تواسي 
” كان حلم باباك تمسك شغله وتدير شركته وتكبرها.. بس هو الله يرحمه محبش يضيع حلمك” 
والسخرية ترتسم فوق شفتيه 
” هديرها وأنا أعمى.. “
وطبيية نفسيه وراء أخرى.. والكل يغادر لا أحد يحتمل ذلك الأعمى الفظ
” مدام فاطمة ولاد عم المرحوم بقوا طمعانين في الشركة.. وعدم وجودك في الشركة وطبعا حالة جسار بيه بقت مخلياهم عندهم أمل إنهم يورثوا الشركة… جسار بيه لازم يتجوز على الاقل يكون عنده طفل.. جسار بيه مينفعش يكون لوحده” 
” ملك يا جسار ديه البنت اللي هتكون مشرفة على حالتك.. “
وملك ليست طبيبة نفسية … السيدة فاطمة تعاملها بحب.. تقف جانبها تطلب منها أن تتحمله.. يسمع والكل يظن إنه غافل عنهم وهو سليط فظ.. السيدة فاطمة نسيت أنه يوما ما كان ضابط تحاول جاهدة أن تُقرب ملك منه… جعلت غرفتها قرب غرفته… يسمع أنينها ليلا.. يسمع ويسمع إلى أن جاءت السيدة فاطمة بالعرض الذي كان ينتظر سماعه منذ البداية.. زيجة من أجل إنجاب طفل يحمل اسمه ويتوقف أبناء أعمام والده عن الطمع.. “
أخبرته السيدة فاطمة عن مرضها.. أخبرته عن رغبتها في الزواج من ملك… وعودة الأمل كما أخبرها الطبيب وعودة عينيه للنور 
و” جسار الراجي ” لا يفعل شئ إلا إذا أراد 
والعروس المختارة من والدته ترفضه.. ثم عادت لتوافق عليه 
والسيدة فاطمة تخبره عن السبب بأسي… تخبره عن مدى قسوة تلك العائلة وقسوة والدها الذي اعترف مؤخراً بأنها أبنته من دماءه… وتلك الشقيقه التي تزوجت من تمنته وتمناها زوجة 
الحياة غلقت أبوابها نحو تلك الشابة الجميلة التي أخذت تصفها له
فاق من شروده وصوت رنين هاتفه يعود للمرة الثانية.. التقط الهاتف كي يغلقه ولكن علقت عيناه باسم المتصل  
– مالك يا ملك 
صوتها الباكي وتلك الأصوات التي يسمعها جوارها جعلته ينهض منتفضًا يصيح بها مجددًا 
– ملك في إيه حواليكي… ردي عليا ؟ 
………. 
أغلق سليم هاتفه وقد التمعت عينيه بشعور لا يعرفه… سرح في تفاصيل الساعات الماضية التي سردتها إليه السيدة ألفت وكيف تم اللقاء بين أبنته و فتون حتى أنتهي الأمر بسقوط الصغيرة غافية بين أحضانها بعدما حكت لها حكاية الشاطر حسن 
أضاء هاتفه فلتقطه بلهفة يفتح رسالة السيدة ألفت حتى يرى الصوره التي طلب منها إلتقاطها وبعثها إليه 
وليته اكتفي بسردها فقط… فها هو ينظر للصورة بلوعة وشوق 
يتفحص تفاصيل صغيريه ” أبنته وزوجته” التي يعلم أن الطريق بينهم مازال طويلا
اتسعت ابتسامته شئ فشئ وهو يدقق النظر في نومتهم العجيبة.. اغمض عينيه بعدما شعر أن دقات قلبه ازدادت سرعة 
وفي حلم خاطف لطيف في اليقظة كان ينسج عقله أشياء منحرفة سرعان ما كان يفتح عينيه متنحنحاً بصوت جلَّى يهتف لحاله
– جرا إيه يا سليم هتبقى مراهق ولا إيه… ده أنت يا راجل كلها شهور وتم السته والثلاثون 
استطاع اخيرًا أن يخرج حاله من تلك الحالة التي سرح فيها… اسرع في ألتقاط حاسوبه الشخصي وعاد يندمج في عمله.. فهو يريد إنجاز  كل شئ في أيام قليلة حتى يعود لعائلته التي دوما حلم بها وقد تحقق الحلم أخيرًا
…………
صوت المذياع يصدح بآيات الذكر الحكيم…  بعض النساء  تثرثر في أحاديث ليس وقتها
كيف مات؟ وكيف وجدته ابنته ميتً وكيف وكيف؟ وهكذا كانوا يتهامسون والبعض الأخر يجلس صامتً يؤدي الواجب في صمت 
ضمت ملك بسمة إليها وعبارة واحدة كانت ترددها دون توقف 
– مكنش في حاجة… ده أنا عشيته ودعكتله رجله وقالي أنا رايح أنام يا بسمه… قالهالي وهو بيبص ليا جامد وكأنه كان بيشبع مني 
انسابت دموع ملك و ازدادت في ضمها تسمعها في صمت ووجع 
– ده أنا كنت ناويه أول ما اخد المرتب هحجزله عند الدكتور… 
ودموعها التي لم تتوقف إزدادت هطولا 
– كفايه يا بسمة اللي بتعملي في نفسك ده… وبتعملي فيه طول ما انتي كده هو مش هيكون مرتاح في تربته يا حببتي 
– ملحقتش اشبع منه يا ملك… ملحقتش 
وفي أسفل البناية وذلك الصوان الذي يضم المعزين من أهل الحارة… كان يقف فتحي يتوسط كل من جسار و رسلان ومن حينا إلى أخر كان يرمقهم بنظرات فاحصه ثم يهندم من ملابسه وينظر لأهل الحارة بفخر.. كان يري الفضول في أعينهم وهو كان أكثر من سعيد بالأمر 
واخيرا انقضى اليوم وتم إكرام العم حسني في دفنته 
وها هم يقفون أمام ملك التي وقفت تشكرهم عما فعلوه معها… ورغم ضيق رسلان إنها لم تستنجد به ولم تهاتفه كما فعلت مع جسار وأتى إليها من الاسكندرية إلى القاهرة على الفور رغم أنه هو الأقرب… حنقه كان يزداد وهو يري ذلك الرابط القوي الذي يربط بينهم.. إزداد حنقه اكثر وهو يستمع لسؤاله والذي كان سيسأله لها للتو ولكنه سبقه فيه كما أصبح يسبقه في كل شئ خاص بها 
– محتاجه حاجة مني يا ملك… اعذريني مضطر أرجع على اسكندرية عندي إجتماع مهم بكره
– شكرا يا جسار.. 
تحرك خطوة للخلف فخانته عيناه في التفافه خاطفة نحو تلك التي انكمشت على حالها محتشية بالسواد
طالعه رسلان بعدما رمقه الأخر بنظرة طويله ثم إنصرف جسار راحلا 
– مش هعاتبك دلوقتى يا ملك على تصرفك 
طالعته دون فهم فاردف بمقت يزفر أنفاسه يحاول طرد ذلك الشعور منه 
– لولا مكالمتك للخدامة عشان تطمني على الولاد مكنتش هعرف.. نفسي افهم بتعاقبيني عشان إيه 
تنهدت بإرهاق فلم يعد لديها طاقة للحديث  
– أنت شايف ده وقته للكلام اللي زي ده يا رسلان… شكرا يا دكتور على وقوفك معانا 
التفت بجسدها تجر خطواتها نحو بسمة التي سارت مترنحة نحو غرفتها.. تعالت أنفاسه بضيق فاغمض عينيه يقبض فوق كفيه بقوة.. اتجه نحو الدرج ولكن تيبثت قدماه فزعا وهو يسمع صرختها… عاد إليه ينظر نحوها وإلى تلك المنبطحة أرضًا
صوبت عينيها نحوه هاتفه باسمه 
– رسلان الحق بسمه يارسلان… مش عارفه مالها 
…………..
انتبهت الصغيرة نحو الحديث الدائر بين مربيتها و تلك التي غفت بين أحضانها أمس.. راقبتهم بعينيها 
فتلاقت عينين فتون بها قبل أن تلتقط حقيبتها وتذهب نحو عملها 
– أنا ممكن أرجع متأخر النهاردة يا مدام ألفت… عندي تسليم طلبيه 
اماءت لها السيدة ألفت برأسها والتفت بجسدها عائدة للمطبخ 
– تحبي تروحي معايا يا خديجة 
توقفت السيدة ألفت تنظر إليها كيف اتجهت نحو الصغيره وجثت فوق ركبتيها أمامها تمسح فوق خديها 
– هنروح فين 
تسألت الصغيرة وانتظرت جوابها 
– عندي مطعم صغير بشتغل فيه وبعمل أكل حلو.. مش زي طبعا أكل مدام ألفت 
هتفت عبارتها الأخيرة فابتسمت السيدة ألفت وعادت بأدراجها نحو المطبخ 
دب الحماس في عينين الصغيرة وركضت نحو هاتفها كي تجلبها وتعطيه لها 
– لازم أكلم بابي عشان خديجة مينفعش تروح مكان غير لما تقوله 
طالعتها فتون بغرابة..  فالصغيرة تدهشها.. تجعلها لا تصدق أن التي تقف أمامها ليست من صلب سليم النجار 
– كلمي بابي عشان نروح سوا 
هتفت الصغيرة بضجر من سكونها فانتبهت فتون على شرودها والتقطت الهاتف تدق فوق رقمه 
سرعان ما كان يجيب على صغيرته بلهفة… أخذت منها الصغيرة الهاتف ووقفت على مقربة منها تتحدث إليه 
ظلت عيناها نحو الصغيرة تراقب حركاتها التي لا تنم على إنها طفلة صغيره متمتمه دون شعور داخلها 
– محظوظة إنك عندك أب كده.. 
سحبتها الصغيرة من فستانها حتى تنتبه إليها بعدما مرت مقتطفات من طفولتها التي تفتقر الحنان 
– فتون خدي كلمي بابي.. فتون انتي مش بتردي ليه عليا 
نفضت رأسها من تلك الذكريات… فوضعت الصغيرة الهاتف في يدها وركضت نحو مربيتها كي تبدل لها ملابسها وتستعد للخروج 
– فتون ردي عليا… فتون انتي سمعاني 
– بنتك جميله اوي 
ابتسم رغما عنه وهو يسمع حديثها بعد هذا الصمت فخرجت أنفاسه مع تنهيدة طويلة 
– أكيد بتقولي دلوقتي مش معقول ديه بنت سليم النجار 
عاد الصمت بينهما فأكمل حديثه بعدما أغلق الملف الذي كان يُطالعه
– عايزك أنتي كمان تربيها معايا يا فتون 
– ليه؟ 
والإجابة كانت تتلقاها ببساطة 
– عشان كان نفسي تكون بنتك أنتي يا فتون…
تعالت أصوات تنفسها… فعلم إنها تصارع مشاعر كثيرة داخلها.. أشفق عليها فهو بالفعل يحاصرها 
– فتون خلى السواق يوصلكم.. بلاش مرمطه في المواصلات يا فتون عشان تثبتي ليا إنك مستقلة بحياتك عني
انتظر جوابها ولكن الصمت عاد ثانية فهتف اسمها ببطء وكأنه يتذوق طعاما شهيا 
– فتون 
– خديجة جهزت انا لازم اقفل عشان اتأخرت على احمس 
قذف الهاتف نحو سطح المكتب حانقا لقد لفظت اسم ذلك الشاب الذي لا يحب وجودها معه ويتحمل عمله معها وتقاربهم بصعوبة حتى لا يفرض عليها قيوده … تملكته الغيرة فأخذ يدور حول نفسه بجنون هاتفا 
– الطريق بينا مش هيفضل طويل يا فتون.. لاني متأكد إنك لسا بتحبيني وشيفاني بطلك 
………….. 
وقف منتفضً عن مقعده يرمق تلك التي دلفت مكتبه للتو وخلفها مديرة مكتبه تطلب مغادرتها بأدب.. طالعته جيهان غير مصدقة عقابه 
– اتفضلي أنتي على مكتبك يا استاذه فريدة 
غادرت الأخرى في صمت.. فتلاقت عيناهم..
طالعها بنظرة فاحصة فقد كانت على غير عادتها باهتة الوجه، الهالات تحاوط عينيها وهيئتها غير مهندمة.. لوهلة أراد أن يصدق إنها ليست كاذبة.. والحقيقة المؤسفة ورغم عدم حبه لها إلا كمتعة في حياته ولكن تلك المتعة تُسكن أوجاعه… تسكن أبشع ذكرى عاشها يوما ولم يتخطاها ولكن “محمود” لم يكذب هي من دمرته وجعلته يختلس الأموال وبعدما كان موظف ذو شأن أصبح رجل بلا عمل لا تقبل الشركات توظيفه… أضاع مستقبله من أجل أن يحقق لها كل ما أرادته وهكذا كانت نهايته 
– كنت صغيرة في السن.. كنت عايزة استمتع بشبابي.. أنا مقولتش ليه يختلس الفلوس… سيبتله البنت عشان أهلي مكنوش عايزينها… ليه صدقته ومصدقتنيش 
وانسابت دموعها بغزارة فوق وجنتيها واقتربت منه تُجيد رسم دورها 
– نسيت حبنا يا جسار…. ده أنا محبتش حد زي ما حبيتك 
– محبتيش حد زي.. ولا حبتيني عشان فلوسي يا جيهان…
التف بظهره وقد تجمدت ملامحه 
– المحامي هيخلص كل إجراءات الطلاق وحقوقك هتوصلك.. 
علقت عيناها به.. فهل هكذا ستغادر حياته… هل انتهى الأمر بها هكذا.. ازدردت لعابها تنظر نحو جسده 
– أنا حامل يا جسار 
…………… 
أصبح وجوده في الحارة حجة يأتي بها ليطمئن على حالة بسمة ولكن في الحقيقة يأتي لرؤيتها هي 
طالع فتحي سيارته التي اصطفت على بعد بسبب ضيق الحارة ثم ترجله منها 
سار بضعة خطوات ثم دلف البناية دون أن يهتم بتلك النظرات المتلصصة عليه.. تمهل فتحي في خطواته فقد اختار التوقيت المناسب لإصراف بسمه بعيدا اليوم حتى تجلب له بعض الأشياء من مناطق مترفقة 
بصق ما بفمه واتجة نحو كشك السجائر ليشتري منه علبة سجائر 
وبعدها كان يتجه نحو البناية يصعد الدرج المتهالك بتمهل اقترب من الباب المفتوح فوقعت عينيه على رسلان الذي وقف بقميصه بعدما أزال سترته وشمر عن ساعديه وينظر نحو ملك التي وقفت تعطيه بعض الأشياء حتى يصلح لها صنبور المرحاض 
الفرصة كانت سانحة له وقد أتت الطريقه له ببساطة
صرخ رسلان بعلو صوته يهتف اسمها بعدما اغرقت المياة قميصه 
– ملك لو سامحتي هاتي المفتاح التاني..
ركضت ملك إليه تحمل ذلك المفتاح الذي يقصده 
– قولتلك يا رسلان سيبني أكلم السباك.. لكنك صممت… اتصرف بقى 
رفع يده عن الصنبور فاندفعت المياه نحوها واغرقتها بالكامل
– عشان تبطلي رغي وتسبيني اشوف شغلي 
نظرت نحو ملابسها المبتلة فاحتقن وجهها من مزحته وسرعان ما كنت تغمض عينيها وهي تراه يفك أزرار قميصه حتى يزيله عن جسده
 اندفعت نحو غرفتها كي تبدل ملابسها التي التصقت على جسدها 
– والله والحارة بقت تلم ناس ميعرفوش العيب 
تجمدت في حركتها تضم جسدها بذراعيها والتفت ببطء نحو الواقف على أعتاب باب الشقة المفتوحة 
– تعالوا يا ناس شوفوا الفضايح وقلة الأدب… 
اتسعت عينيها تستمع لصوت صراخه في صدمة قد الجمتها … فاندفع رسلان للخارج بصدره العاري ينظر إلى فتحي الذي وقف في الشرفة يصرخ بأهل حارته 
– جاية تقعد في حارتنا ولامه الرجاله حواليها…لو في راجل في الحارة ديه عنده نخوة يتكلم 
ولا تعلم كيف ومتي أصبحت الشقة متكدسه بأهل الحارة.. عراك نشبَّ بينهما والصراخ يعلو وهي تقف مذهولة تكتم صوت شهقاتها 
انفض العراك بينهما فترنح فتحي للخلف ورسلان انحني بجسده قليلا يمسح الدماء عن فمه 
التقط فتحي أنفاسه يطالعه متهكما 
– ما أنت مدام راجل ما تتجوزها ولا أنت والاستاذه غاوين الحرام 
غلت الدماء في عروقه واندفع نحوه يلكمه بقوة وسط الجميع 
– اللي بتتكلم عنها مراتي يا حيوان
لجمت الصدمة فتحي فكيف تكون زوجته وهو قد افتعل الفضيحه حتى يتزوجوا
والسؤال لم يكن له جواب حتى سقط فتحي أرضًا
جلست في مقعدها تنظر نحو كل شئ بملامح جامدة  … اقترب منها يناولها كأس العصير بعدما أنفض أهل الحارة وأصبحت الشقة خالية بهم.. فالكل أصبح يصدق إنها زوجته وكيف لا يصدقون وهو قد دعاهم على حفل زفافهم ولولا موت العم حسني لكان الزفاف قد تم ولكن ها هم ينتظرون بعض الوقت ويتم الزفاف 
هتف اسمها بهمس ينظر إليها ولكنها كما هي ساكنها لا تبدي أي ردة فعل
– خدي أشربي العصير يا ملك عشان نعرف نفكر هنعمل إيه
رفعت عينيها إليه تنظر نحو كأس العصير الذي يمدّه إليها تبتلع تلك المرارة في حلقها
– نفكر؟ أنت سيبت ليا فرصه أفكر يا دكتور
طالعها في صمت أسكن حواسه جميعها… وضع كأس العصير أمامها وابتعد عنها يزفر أنفاسه
– ملك صدقيني أنا معملتش كده عشان أجبرك… أنا عملت ده عشانك يا ملك.. ده شرفك.. عايزانى اسمع إزاي كل الكلام اللي بيتقال وأقف أتفرج 
– تجبرني إني أوافق اتجوزك…! 
نهضت عن مقعدها واقتربت منه وقد علت السخرية شفتيها تخبره بحديثه الذي القاه على أهل الحارة  وبعد أن كانوا يدافعون عن فتحي أصبحوا يبصقون عليها لا يروه إلا خسيساً كما هو 
– كل أهل الحارة بقوا مستنين الفرح العظيم اللي هيتعمل وهيكونوا معزومين فيه… ما الدكتور كاتب كتب كتابه والفرح اتأجل عشان موت عم حسني
ورغما عنه كان ينفجر ضاحكا لا يصدق إنه إستطاع نسج خيوط كذبته وقد صدقه الناس بل واحتضنوه يباركون له.. ولحسن حظه كانت تلك السيدة التي توسط لها العم حسني من قبل من أجل علاج صغيرها أتت ركضًا تمدحه وتخبر الناس إنه طبيبب ذو خلق طيب القلب
ضجرت من ضحكاته وتلك السعادة التي لمعت في عينيه.. حقا هو سعيد سعادة لا توصف.. لقد أصبحت زوجته حتى لو مجرد كذبه حالية وقريباً ستصبح الكذبه حقيقة
– أنت بتضحك عشان انتصرت عليا مش كده
امتقعت ملامحه يستمع لحديثها 
– بس لعلمك أنا مش هتجوزك
ورغم عنه كان يعود لضحكاته الصاخبة 
– أنتي قدام أهل الحارة مراتي وبنجهز لفراحنا… وأنا الدور عجبني وعيشت فيه خلاص 
عبست ملامحها وقبل أن تهتف بشئ… كان يضع بيده فوق فمه بعدما عطس عطسات متتالية يُطالع قميصه المبتل فوق جسده ثم عاد يطالعها بعبث
– بكره هنروح نكتب كتب الكتاب.. مضطر أمشي للأسف عندي عملية بعد ساعتين
– مش هتجوزك يا رسلان
ابتسم وهو يبحث عن سترته بعينيه فوقعت عيناه عليها فالتقطها يرتديها بعجاله غير عابئ بتكرار رفضها لزواجهم وغادر والابتسامة لا تفارق شفتيه. 
تهاوت بجسدها فوق الاريكة تدفن وجهها بين كفيها فما الذي طرء جديدً بحياتها.. إنها عادت لتعود لنقطة البداية من جديد
………..
تعلقت عينين جيهان بلهفة بملامح الطبيبة بعدما فحصتها ولكن سعادتها قد تلاشت وهي تعدل من هندام ملابسها وتتبعها لتسمع الخبر السعيد الذي سيربط جسار بها رغما عنه ولكن الخبر لم يكن سعيدا بتاتاً 
– للأسف الحمل خارج الرحم 
صرخت بقهر وهي تنظر نحو ملامح جسار الجامده.. 
– لا.. لا 
إحتواها بين ذراعيه مشفقًا وقد أثارت شئ داخله مع إنهيارها.. هل هو تعاطف معها أم إنه شعر بأبوته لذلك الطفل 
عاونها على دلوف السيارة فأخذت تبكي بقوة 
– أنت كنت عايز كده… أه خلاص مبقاش في طفل
تنهد بسأم فما الذي أصبح يعيشه الأن… قاد سيارته في صمت فالحديث بينهم لن يجدي نفعا وها هو القدر يهيأ له الأمر وقد أرتاح ضميره 
وعلى حينا غرة وجدها تلتقط ذراعه تمد يدها الأخرى لتتحكم بعجلة القيادة… صرخ بها بعدما لم يعد يتمالك الأمر والسيارة تتحرك بهم يميناً ويساراً 
– أنتي مجنونه… هتموتينا 
– لو بعدت عني أنا ممكن أموت… فخليني اموت وارتاح واعيشك بذنبي زي ما عملت مع نهال 
لقد ضغطت على جرحه بقوة ضغطت حتى النزف.. الذكريات تتخبط داخل عقله والذنب يلتف نحو رقبته فيزيده خنقًا ولكن هنا شئ يحثه على أن يفيق 
دفعها عنه والتقط عجلة القيادة ولكن لم يستطع التحكم بها واصبحت السيارة تحتضن تلك الشجرة العتيقة 
ولخلو السيارات من هذا الطريق وهدوءة كان الصمت يحتل اجسادهم 
…………. 
شهقت بسمة مصدومة مما تسمعه.. لقد وزنت الأمور داخل عقلها وعلمت الآن لما أصر عليها فتحي مغادرة البيت لجلب بعض الأشياء حتى قُطعت أنفاسها وتخدرت قدميها من شدة الألم ولكنها تعلم تماما أن هناك شئ ما في نفس شقيقها
– بس انا زعلانه منك يا ملك.. كده تتجوزوا من غير ما اعرف 
اغمضت ملك عينيها وقد ازداد حنقها من غباء بسمه الذي أتى في غير موضعه اليوم 
– بسمة ابوس ايدك النهاردة أنا على أخرى… متجوزين إزاي 
حكت بسمة فروة رأسها حتى تستوعب الأمر فاتسعت عينيها غير مصدقه 
– يعني هو قال كده عشان ينقذ الموقف… اول مره فتحي اخويا يعمل حاجه عدله في حياته 
امتقع وجه ملك وهي تتذكر أمر فتحي 
– ياريت يا بسمه متجبليش سيرته…ربنا ينتقم منه ويفضحه زي ما فضحني 
غامت عينين بسمه بالحزن.. فتنهدت ملك بضيق تمسك كفها تربت عليه 
– متزعليش مني يا بسمه.. بس كله ده هيترد لاخوكي في عرضه 
اخفت بسمة حزنها تحاول أن ترسم إبتسامتها كما اعتادت 
–  بس صدقيني ده أحسن حاجه عاملها فتحي.. دكتور رسلان بيحبك… وبيحبك اوي كمان.. ده كل يوم كان بيجي يطمن عليا عشان يشوفك أنتي 
واغمضت عينيها تهيم في عالم تتمناه ولكنها تعلم لن تحصل عليه 
– ياريت الاقي حد يحبني ربع الحب ده 
طالعتها ملك بنصف عين تنتظر تكملة هيامها.. ففتحت بسمة عينيها خجلا ترفع حاجبيها 
–  خلينا في موضوعنا يا ملك.. هتفضلي لحد إمتى بتضحي وبتدي ليه متكونيش انانيه لمرة واحده وتاخدي حاجه من الدينا.. واه ربنا بعتلك الفرصه صحيح الفرصه جات متأخره بس جات.. لو رسلان مكنش قدرك كنتي هتكملي طريقك مع جسار لكن طرقكم افترقت وقولتيلي إنك كنت فاكرة لما هتبعدي عن جسار هتكتشفي حبك ليه لكن اكتشفتي إن اللي كان بيربطك بجسار ومازال بيربطكم هو الوفاء وإن كل واحد فيكم لما دخل حياة التاني كان علامه فارقة في حياته 
اعتدلت بسمة في مقعدها حرجًا تنظر لملامح ملك المبهمة تتسأل 
– كلامي مش مقنع صح 
– بالعكس يا بسمة أنا مستغربه إنك في السن ده وناضجة كده 
ابتسمت بسمة بمرارة ولكن كالعادة تسخر على حالها مازحة
– الحياة مدرسه كبيره وما شاء الله عليا ربنا يحرسني ويحميني باخد امتياز فيها 
ووضعت كلا يديها فوق وجهها 
– باين الامتياز صح 
ضحكت ملك كما ضحكت هي وسرعان ما هتفت بألم 
– أنا اتعودت عليكي اوي يا ملك… هعمل إيه لما تتجوزي وتسيبي الحارة 
……….
التقط ذراعها بعنف بعدما دلفت من باب الشقة.. تآوهت بألم تمسد فوق ذراعها 
– حرام عليك يا فتحي ده أنا دراعي مخفش من العلقة الأخيرة.
 – كفاية رغي بدل ما اكسرهولك… مراته ولا مش مراته 
طالعته بسمة بغباء تقطب حاجبيها وهي تدلك ذراعها… فصرخ بوجهها حانقا 
– مراته يا بت ولا مش مراته بدل ما أمسيكي بعلقة 
– مراته.. مراته 
اقترب منها يتناول شعرها من أسفل حجابها يدفعها للأمام 
-ومدام مراته وأنتي عارفه مقولتيش ليا ليه…
– حرام عليك يا فتحي شعري بيوجعني 
دفعها بقوة كادت تسقطها أرضًا 
– سيبت شعرك اه اللي شبه غسيل المواعين… ردي بقى ياختي.. كنتي عارفه ولا لاء 
اماءت برأسها كاذبه 
– كنت عارفه 
التقط كلا ذراعيها يقبض عليهما بقوة 
– كنتي عارفه ومقرطساني 
لم تتحمل قوة قبضته فوق ذراعيها فدفعته عنها صارخة 
– وأنت مالك يا فتحي بالحكاية… مراته ولا مش مراته ولا يكونش حد دفعلك فلوس عشان الفضيحة اللي عملتها 
التمعت عينين فتحي بوحشية يرمق تحديها إليه بغضب 
– على فكرة أنا شوفتك بتعد فلوس وبتحطها تحت المرتبة 
لم ينتظر فتحي سماع المزيد منها وهي كانت تعلم ما هو قادم 
صرخت بآلم بعدما إنهالت الركلات عليها تهتف بحرقة 
– عمال تفضح في خلق الله.. ومخليني الف على صحابك الشمامين… محدش من اهل الحاره مخلي بنته تصاحبني الناس بتخاف لاشبه بناتهم… بتعمل فيا كده ليه حرام عليك 
تعالت الطرقات فوق الباب ولم تكن إلا ملك وقد أخذت تصيح بالجيران لعلا احد ينجدها ولكن الجميع أصبح لا يهتم بما يفعله فتحي بشقيقته فقد ضجروا وكرهوا تلك الجيرة 
– هبلغ عنك البوليس…هحبسك يرد سجون يا مفتري 
طالعها فتحي بإنتشاء واخذ يزفر أنفاسه… اقترب من باب الشقة يفتحه.. فدفعته ملك وهرولت نحو بسمة المتكومة على حالها أرضًا تمسح فوق وجهها المكدوم 
– هعملك محضر هوديك في داهية 
لم يعبأ فتحي بحديثها وغادر الشقة يدندن بلحن شعبي 
– بلاش تحضني جامد يا ملك… جسمي مدغدغ 
– ضربك ليه المفتري ده… منه لله 
وتلك المرة لم تكن ملك من تجلس جوارها تضمد لها جراحها إنما كان رسلان 
كتمت بسمة تآوها حتى انتهى رسلان من تضميد جروحها 
– اه اللي عمله اخوكي النهاردة فيكي خلي ضميري يرتاح من اللي عملته فيه 
تعلق زوج من العيون به ينتظران سماع المزيد 
– موصي عليه يتظبط كام يوم حلوين في الحبس
تهللت اسارير ملك كحال بسمة فابتسم رسلان يهيم بنظرات الأخرى بعدما تناول حقيبته الطبية 
– ملك أنا محتاج بسمة تيجي المستشفى بكره… عشان شاكك يكون في كسر في دراعها اليمين 
اعتدلت بسمة في رقدتها بتعب بعدما ثقلت جفونها 
– لا مستشفى لا مبحبش المستشفيات… ملك قولي لجوزك بلاش مستشفى 
هل لوهلة خفق قلبها من سماع تلك الكلمة رغم عدم إتمام شئ.. اطربت الكلمة أذنيه كما خدرتها لثواني وسرعان ما نفضت عقلها  وانكمشت ملامحها تطالع تلك الراقدة 
فاسرعت بسمة بالهتاف بعدما رأت حنقها 
– باعتبار ما سيكون يعني…. بتبصيلي كده ليه 
طالت نظراتهم لبعضهم وبعدما كانت الابتسامة تشع عينيه انطفأت عندما رأها كيف زجرة بسمة التي هربت منهم بالنوم 
غادر رسلان الغرفة يتنهد بتعب من شدة إرهاقه 
– ياريت تحضري ورقك عشان كتب الكتاب يا ملك… الموضوع مبقاش فيه هزار 
لم يمهلها وقتً للحديث بل اسرع في خطاه يغادر الشقه بأكملها
…………..
هل أصبح مطعمها الصغير له روح مبهجة… ام تلك الصغيرة اللطيفة هي من جعلت مطعمها يشع بهجة
وضع أحمس الفطائر مع كوبين من الشاي على الطاولة وعينيه  عالقة نحو فتون والصغيرة الجميلة تركض خلفها
اقترب منهما مبتسما يلتقط من فتون الطلب الذي دونته للتو من أحد الزبائن
– روحي اقعدي شوية وارتاحي… انتي من الصبح رايحه جايه غير طلبات الليدي خديجة
وداعب رأس الصغيرة مشعثً لها خصلاتها… فتذمرت الصغيرة عابسة
– اسمك وحش يا أحمس
رفع أحمس عينيه نحوها يزجرها بنظرات غاضبة مصطنعة يضع بيده فوق قلبه
– اسمي وحش.. طب تعالي هنا
تعالت ضحكات الصغيرة كما تعالت ضحكات فتون … فتحولت نظرات الزبائن القلائل نحوهم
اسرع أحمس في وضع كفه على فم الصغيرة هامسا
– هوووس
والصغيرة كانت تجيب عليه بمشاغبة
– هوووس
– لا أنا بقول اروح قدم أنا الطلب… بدل ما الزباين تطفش
اتجهت فتون تعد الوجبة المطلوبه وعينيها تلمع بالسعادة
المطعم أصبح خالي في وقت بعد الظهيرة… تنهدت فتون بإرهاق تضع الطعام فوق الطاولة وأحمس جلس وأجلس خديجة أمامه يقص لها عما يدرسه
– يعني أنت شاطر يا أحمس… وبابا بتاعك أنت هيجبلك حاجة حلوه 
ضحك أحمس على عبارتها مداعبً وجنتيها الشهيتين يريد قضمهما
– لا أنا بابا بتاعي مش بيجبلي حاجه حلوه تحسي إني مش أبنه 
لوت الصغيرة شفتيه تحاول أن تستوعب حديثه وصاحت بحماس 
– بابي بتاعي أنا احلى من بابي بتاعك.. بيجبلي كل حاجة حلوه عايزاها 
فلطم أحمس صدره ينظر نحو الصغيرة التي تعلقت عينيها بفعلته تستمع لصياحه 
– ابويا الحاج بقى بابي.. بابي ده بتاعك أنتي يا ليدي خديجة 
نكزته الصغيرة فوق صدره تصيح باسم فتون التي تقدمت نحوهما بأكواب العصير 
– فتون أحمس مش بيحب بابا بتاعه 
اتسعت عينين أحمس ينظر نحو فتون التي انفرجت شفتيها في ضحكة صاخبة 
– البت ديه هتوديني في الداهية.. خدي تعالي هنا 
حملها فوق كتفيه يلاعبها بطريقته… تعالت ضحكات الصغيرة تهتف اسمه 
– أحمس وحش 
اتجهت فتون إليها تخلصها منه ومازالت تضحك على أفعالهم 
– كفاية يا أحمس… خديجة مش متعودة على الهزار ده..ديه مش زي ولاد اختك العفاريت
– أنتوا بتعملوا إيه في بنتي
بهتت ملامحهم يلتفون نحو ذلك الصوت… طرقت شهيرة بكعب حذائها تنظر للمكان بمقت ثم عادت تنظر إليهم.. التفت للخلف تشير نحو سائقها الذي أتبعها كما أمرته.. وبإشارة واحدة كان يفهم ما تريده سيدته
حمل الصغيره بين ذراعيه فتعالا صراخها
– فتون… فتون 
تحركت فتون خلفها وكاد أحمس أن يسبقها ولكن تجمدت عينيهم نحو ثلاثة رجال أصبحوا يقفون خلف شهيرة.. 
– أنتم بتعمل إيه هنا..أنا هتصل بالشرطة 
ولكمة قوية كان يتلقاها أحمس فوق خده الأيسر.. ترنح بجسده وكاد أن يسقط ولكن يد أحدهم قبضت فوق ذراعيه ثم كتم فمه ليخرسه 
– أحمس 
صرخت فتون باسمه وقبل ان تندفع إليه كان الرجل الأخر يكبلها 
اتسعت ابتسامة شهيرة وهي ترى هيئتها الضعيفة
– أهلك معلمكيش إن دخولك مكان مش ادك وأكبر من حجمك غلط عليكي ..
رمقتها فتون بنظرة جامدة… فصدحت ضحكات شهيرة وهي تراها كيف تتلوي بين ذراعين رجلها تحاول الصراخ ولكنها تفشل 
– بنتي أنا واحده زيك تاخدها تربيها… بنت شهيرة الأسيوطي خدامة تربيها 
حاولت دفع الرجل عنها ولكنه كان يزيد من محاوطتها وكتم فمها 
– لو كنت سكت على جوازه منك… ف بنتي لاء 
وابتسمت بإنتشاء وهي تراها كيف تتلوي هي وصديقه بين ذراعين رجالها 
– أنا سيبهولك بس يتسلى بيكي شويه ويدوق طعم الرمرمة وبعدها هو بنفسه هيرميكي 
واقتربت منها تلطم خدها برفق بعدما عادت محاولتها في الخلاص مهمهمة بأنفاس متقطعة 
اندفع الرجل الاخر الذي كان ينتظر إشارة من سيدته ينفذ الأمر … اتسعت حدقتيها وهي تشاهد حطام مطعهما أمام عينيها 
حاول أحمس الخلاص من الرجل الذي يكبله وعندما نجح في محاولته أخيراً كان كل شئ قد تم هدمه وانسحب الرجال بعدما اتخذوا اسلحتهم دفاعً وهم يحاوطون سيدتهم 
– فتون… فتون 
صرخ أحمس باسمها بعدما عاد إليه ولم يستطيع اللحاق بهؤلاء الرجال 
– فتون ردي عليا 
وهي لم تكن سوي في عالم آخر جاحظة العينين تطالع حطام مطعمها بأنفاس مسلوبة 
………….. 
ليلا وفي نفس الليلة والجرح لم يندمل بعد… الشقة مظلمة ساكنه ولكن ذلك الضوء الاتي من غرفتها يخبره بوجودها… السيدة ألفت غادرت المنزل بعدما أمرها أن تعود للمنزل الأخر وتكون جوار صغيرته بعد فعلت شهيرة وقد أجل الحساب بينهم لغد 
دلف للغرفة بأنفاس لاهثة ينظر نحو جسدها المكوم فوق الفراش
– مبترديش على التليفون ليه يافتون… أنتي عارفه انا عملت إيه من قلقي عشان ارجع مصر…
رفعت عينيها نحوه وقد انتفخت جفونها من شدة البكاء.. فاقترب منها يجذبها إليه وقد إزداد وعيده لشهيرة وهي يراها هكذا ساهمة تنظر إليه وكأنها لا تراه 
– فتون ردي عليا
– المطعم
هتفت كلمتها بحرقة فمسح فوق خديها يقسم بصدق
– هعمله ليكي من تاني… كل حاجه في المطعم هترجع احسن من الاول وشهيرة أنا هعرف اتعامل معاها كويس
طالعته بنظرة لم يفهمها وفي لحظة خاطفة كانت تجذبه إليها… اتسعت عيناه ذهولا وهو يراها كيف تدعوه صراحة في نيلها بل وتبادر هي
– فتون أنتي بتعملي إيه
ولكنها كانت في عالم أخر عالم لا تسمع فيه إلا صوت شهيرة وهي تخبرها إنها لا شئ… سيناله ثم سيلقيها من حياته.. وها هي قررت أن تعطيه ما يريده لعلها تخرج من خيوط لعبته 
– فتون فوقي من اللي انتي بتعملي
ضاع مع جنونها… وكرجل عاشق متعطش.. كان يمنحها ما تريده ويريده هو ..
يتبع..
لقراءة الفصل الثالث والثلاثون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً نوفيلا ورطة قلبي للكاتبة سارة فتحي

اترك رد

error: Content is protected !!