Uncategorized

رواية أغلال لعنته الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم إسراء علي

 رواية أغلال لعنته الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم إسراء علي

رواية أغلال لعنته الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم إسراء علي

أتدرين!
الحيرة ما هي إلا وجهٍ مخفي للحُبِ
تظن ذات يوم أن تتمسك بـ مقاليد نفسك
و اليوم التالي تكتشف ما هو إلا محض خيال
و أن الواقع في الحُب يا عزيزتي ما هو إلا أحمق
هرب من عذاب الحياة، ليسقط في عذابٍ أشد قسوة
و هذا ما يُسمى بـ الحيرة في الحُبِ…
تردد عُميّر كثيرًا في حضوره اليوم إلى هُنا، لم يُرد القدوم و لكن إلحاح رفعت جعله يذعن لطلبهِ و يأتي، كيف بـ حق الله يُريد تزويج حوراء له؟ هذا ما يجعله في حيرة شديدة من أمره
تنهد عُميّر و وضع النظارات الشمسية على عينيه و أكمل سيره بعدما ترجل من سيارة الأُجرة و توجه إلى المنزل، فتح الحارس له البوابة و ذلك قبل أن يسأله
-حضرتك عايز مين يا بيه!
-أنا عُميّر، و جاي للأستاذ رفعت
-ليرد الحارس بـ تذكر:أيوة البيه سايبلي خبر، إتفضل يا باشا…
شكره عُميّر و أكمل سيره إلى الداخل، حتى وصل إلى الباب الداخلي للمنزل و دق الجرس، لتفتح خادمة أربعينية و سألته بـ بشاشة
-أنت أُستاذ عُميّر مش كدا!…
أومأ عُميّر بتقول و هي تُفسح له المجال
-إتفضل، رفعت باشا مستنيك جوه…
إبتسم مُجاملة و دخل ثم تبع الخادمة حتى وصلا إلى مكتب رفعت، طرقت الباب ثم دلفت قائلة
-أُستاذ عُميّر وصل…
ترك رفعت ما بـ يدهِ ثم نهض و قال بـ سُرعةٍ
-دخليه بسُرعة و ياريت محدش يدخل
-حاضر…
إبتعدت لتسمح له بـ الدلوف فـ دلف و إلتف رفعت حول المكتب ثم إقترب من عُميّر و صافحه قائلًا
-آسف إني جبتك الصُبح كدا
-هز رأسه و قال:لأ ولا يهمك…
أشار له رفعت ليجلس فـ جلس و هو أمامه ثم قال مُستهلًا الحديث
-فطرت و لا تحب تفطر!
-حمحم و قال:لأ شُكرًا لحضرتك، فطرت قبل ما آجي…
هز رفعت رأسه بـ تفهم ثم قبض على أنفهِ و همَّ يبدأ الحديث و لكنه تراجع و إستبدل بـ سؤالٍ
-تحب تشرب حاجة؟
-نفى قائلًا:لأ شُكرًا برضو، هبقى مُمتن لحضرتك لو دخلنا فـ المُهم على طول…
الحق يُقال، لقد كان مُتوترًا بـ شدة و كاد يُصيبه ضيق تنفس، مُنذ إتصاله صباح الباكر و عُميّر تغدو الأفكار السيئة و تذهب في عقلهِ، رغم أنه يعلم حقيقة مطلبهُ و لكن يظل التفوه بها أصعب مما توقع
إعتدل رفعت في جلستهِ و رسم على وجههِ ملامح الحزم ثم قال بـ صوتٍ قوي و لكنه به نزعة أبوية صعب التخلص منها
-عارف اللي بقوله يا عُميّر مش هيتصدق و لا يدخل عقل بني آدم، بس حاليًا مش عارف أثق فـ حد و اللي أقدر أثق فيه كيان
-قاطعه مُتساءلًا:و أنا دخلي إيه طالما واثق فـ كيان!
-هجاوبك بس لما تسمع نهاية كلامي…
أومأ عُميّر بـ نفاذ صبر و إنتظر باقي حديث رفعت الذي أكمل
-والدك الله يرحمه، كان صديق ليا من أيام الجامعة، يمكن أنت متعرفش
-رفع حاجبه بـ تعجب و قال:أنا فعلًا معرفش
-تنهد و قال مُتوقعًا:طبيعي حتى كيان متعرفش طبيعة علاقتي مع والدك، قُلتلها إن أصدقاء من الكُلية وبس، علاقتي بـ والدك بدأت من أيام الجامعة و كان السبب فـ إني أتعرف على والدة حوراء الله يرحمها
-غمغم:الله يرحمها…
نظر رفعت إلى الخارج و كأنه يستيعد الأيام الخوالي ثم إلتفت إلى عُميّر من جديد و قال مُبتسمًا
-تعرف إنك شبه والدك بالظبط و هو فـ سنك كدا!
-إبتسم عُميّر و قال:جدي قالي كدا
-نفى رفعت قائلًا:مش بس بـ الشكل، دا حتى الصفات…
تساءل بـ صمتٍ فـ أجاب على سؤالهِ الصامت
-متهور زيك بالظبط، بياخد قرارات سريعة و مفكر إنه سهل يعتمد على نفسه، بيتخطى الحدود المرسومة بس بـ عقل و عمره ما عمل غلط فـ حق حد…
فرك عُميّر يده و أصابه إحساس غريب من الحُزن و الإشتياق لوالديه، ليستطرد رفعت حديثه
-كان بيغلط فـ حق نفسه، جدع و شهم، وقف معايا كتير زمان زي ما وقف مع غيري، بيعرف يتصرف فـ الوقت الصح و الأهم…
صمت ليُثير فضول عُميّر و سأله
-الأهم إيه!
-أجاب:إنه بيظهر عكس ما بيخفي، عكس كُل حاجة جواه، رغم إنه كويس بس عايز يثبت إنه غلط…
يبدو أن الرجل يقرأه أكثر مما يعرف هو نفسه، فـ سأله عُميّر بـ إستنكار، يُريد إخفاء تلك الحقيقة الواضحة لعيني هذا الرجل الغريب
-و عرفت دا من مُجرد نظر! أو من والدي بس و إني شبهه!
-أجاب بـ توضيح:عُميّر إيه اللي يجبر شخص إنه يقف مع واحد ملوش صلة بيه تلات أيام لمجرد إنه رئيس أُخته فـ الشُغل!!…
صمت عُميّر، لم يفعل ذلك سوى كـ واجب، إمتنان من أجل شقيقته، لأن نخوته تُحتم عليه فعل ذلك، و لكنه أبدًا لن يُخبره، فـ أحنى رأسه دون إجابةٍ واضحة، ليُخرج رفعت زفيرًا حارًا ثم هتف مُكملًا
-أنا مش راجل أهبل عشان أرمي بنتي لواحد معرفوش، عشان أحميها من اللي أعرفهم
-سأله عُميّر دون أن يرفع رأسه:و ليه مقُلتش كدا من زمان! ليه دلوقتي؟…
كان سؤاله حائرًا يُريد إجابة تُريحه، ربُما وقتها يستطيع أن يتخذ قرارًا صحيحًا، لأجلهِ و أجل الجميع، فـ رفع رأسه و إنتظر إجابة رفعت التي لم تتأخر
-مش سبب مُعين، لكن حقيقي مكنش فيه فُرصة نتكلم فيها عن ذكريات زمان…
بدى عُميّر على وشك الإنفجار و ساقيه تهتز بـ عُنفٍ، ليربت رفعت على ساقهِ ثم قال بـ نبرةٍ رخيمة
-أنا مش بجبرك يا عُميّر، بس صدقني أنا لو مش مضطر مكنتش عرض العرض دا…
همَّ عُميّر ليتحدث و لكن رفعت قاطعه مُكملًا حتى يقطع سبيل التراجع
-مش طالب منك قرار حاليًا، حتى على الأقل لما الأربعين يعدي…
نظر إليه عُميّر نظرة أخيرة مليئة بـ الشك و التردد ثم أحنى رأسه مُحركًا إياها بـ يأسٍ و قرر عدم الرد حتى هو نفسه يجد أرضًا تخوله لإتخاذ القرار الصحيح، حتى لا يندم أو يخسر، أو أن تُظلم حوراء معه، هو غير مُستعد و لكنه يخشى قول ذلك
********************
خرج عُميّر من غُرفة المكتب و ظل واقفًا قليل، يواجه الباب و يُصفي ذهنه من المعركة التي بدأها رفعت مُستغلًا سلاح المشاعر فـ يخسر هو عن جدارة، و تنهد مُخرجًا بعد ما يكتمه، بعد أربعين يومًا قد يحدث فيهم الكثير
-عُميّر!!!…
إلتفت عُميّر مذهولًا على الصوت الأنثوي الضعيف الذي ناداه، ليجدها حوراء، ذُهل و عُقد لسانه أمامها، كانت ضعيفة كـ الشبح الذي يرتدي الأسود، موت والدتها قد فعب بها الكثير
هُنا و فَهَمَ خوف رفعت عليها، بـ الطبع سيأكلوها حية و حتى عظامها لن يسمحوا لأحد أن يرميها، كانت بشرتها البيضاء شاحبة جدًا و ضعيفة، ثلاثة أيام كانت كفيلة لجعلها تنقص في الوزن و خاصةً هي تُعاني من السُكري
إقترب عُميّر منها و حاول رسم إبتسامة خفيفة على وجههِ و قال بـ نبرةٍ رقيقة
-إزيك يا حوراء! عاملة إيه النهاردة!
-هتفت مُجيبة:كويسة…
إحتضنت حوراء نفسها ثم وقفت في مواجهه عُميّر لتسأله بـ حيرة
-هو فيه حاجة ولا إيه!
-أجاب عُميّر مُسرعًا:لأ خالص، أنا جيت أطمن عليكوا
-تمتمت:شُكرًا…
ظلا في مواجهة بعضهما البعض دون حديث يذكر و بدأت حوراء تتململ بـ عدم راحة ليتساءل عُميّر بـ تردد
-مش مرتاحة لوجودي!
-نفت سريعًا:لا أبدًا والله، أنا بس تعبت من الوقفة
-أشار إليها:طب إقعدي، أنا أصلًا ماشي…
توترت حوراء و أرادته أن يجلس قليلًا، تُريد أحدًا معها و إلا ستفقد عقلها لتقول سريعًا تمنعه من الرحيل
-خليك شوية، إفطر معانا
-إعتذر قائلًا:معلش أنا سايب الكافيه لوحده، لازم أرجع…
وجمت ملامحها و أحنت رأسها لأسفل، ليُغمض عُميّر عينيه، لقد بدأ يحيد عن مسارهِ الذي رسمه و بدأ يتخطى الحواجز التي وضعها، بدأ المنطق يغيب و عُميّر آخر يتلبسه أمام تلك البسكويتة الهشة
ضغط عُميّر على مُنحدر أنفهِ ثم قال بـ شبه إبتسامة إستطاع أن يرسمها بـ صعوبة
-هاجي تاني يا حوراء، كُل فترة هاجي عشان أطمن عليكوا
-رفعت رأسها سريعًا و سألت:و كيان!
-أجاب بـ موافقة:و كيان كمان، بس حاليًا لازم أمشي
-أومأت و قالت:تمام، تعالى حتى أوصلك لبره…
تحركت حوراء أمامه فـ أمسك يدها مُسرعًا و قال بـ نفيٍ و قلق
-لأ أنا عارف الطريق، أنتِ تعبانة و لازم ترتاحي
-إبتسمت إبتسامة ضعيفة و قالت:محتاجة أتمشى شوية، زهقت…
لم يُرد المُجادلة أكثر، لقد فَقَدَ القُدرة على الحديث، فـ أومأ، يعرف ما تُعانيه جيدًا، حوراء ستدخل في حالة إنكار إن لم تُحاول إخراج نفسها من هذا الحُزن، يعلم مصابها صعب و قد يكون أصعب ما يُصيبها و لكنها يجب أن تنجو لأجل نفسها و والدها الذي يُلقي بها إليه فقط من أجل حمايتها
و نسى أن يُخبره أن عليه المُراهنة بـ أثمن ما يُملك ليتخطى حاجز القلق عليها، و يبدو أن رفعت نسى أنه لا يمُلك أثمن من حوراء
-تمام…
سارا جنبًا إلى جنب في صمتٍ شبه كئيب قبل أن يتنحنح قائلًا بـ صوتٍ مُؤازر
-حوراء والدك بيمر بـ فترة صعبة، هو محتاجك
-نظرت إليه و قالت:أنا كمان محتجاله…
خرجا إلى الحديقة الداخلية لتضربهما أشعة الشمس فـ أغمضت حوراء عينيها، لأول مرة مُنذ ثلاثة أيام تتعرض لأشعة الشمس المُباشرة و لكن سُرعان ما إعتادت عليها، لتضع يدها فوق جبينها ثم أكملت
-صحيح زعلانة إنه خبى مرض ماما عليا و مشوفتهاش فـ آخر لحظاتها
-قاطعها عُميّر:و مش يمكن دا من رحمة ربنا بيكِ! أكيد ربنا كان عارف إنك م هتستحملي حاجة زي دي، فـ يحصلك حاجة لقدر الله و يبقى والدك خسركوا!…
كان لديه وجه نظر و لكنها كانت أكثر غضبًا و حُزنًا من أن تتفهم هذا حاليًا فـ هتفت بـ تردد حزين
-كُنت عايزة أبقى معاها
-هتف عُميّر بـ صبرٍ:و جايز هي مكنتش عايزاكِ تشوفيها كدا، إحترمي رغبتها…
توقف على مقربة من البوابة ثم إلتفت إليها و قال بـ نبرةٍ جدية
-و كُل دا معتش هيفيد، إدعي ليها و خلي جنبك والدك يا حوراء، آزروا بعض عشان اللي جاي صعب عليه أكتر من صعوبته عليكِ…
زفرت بـ قنوط و إبتلعت رغبة عارمة في البُكاء، لا أحد يفهم ما تشعر به و لن يفهم أحد، إلا أنها رفعت رأسها و أومأت قائلة
-حاضر…
وضع عُميّر النظارة على وجههِ ثم قال قبل أن يخرج بـ نبرةٍ صارمة بها الكثير من الإهتمام
-و خلي بالك من صحتك و نفسك يا حوراء، هاجي أنا و كيان فـ يوم و نتطمن عليكوا
-هتفت بـ توسل:وعد!
-إبتسم بـ إشفاق و قال:وعد…
لوّح لها عُميّر ثم إستدار يرحل و داخلها تدور المئات من الأفكار، بعدما كانت فكرةً واحدة هي ما تشغله، أصبحت حوراء إضافة أكثر قسوة له، و حينما تنشغل الأفكار بـ تلك البسكويتة لن يجد نفسه سوى مُحطمًا للقيود و كسر حاجز التراجع و التردد
********************
إرتعبت كيان لـ ملامح قُتيبة التي إسودت فجأة و تحولت إلى أُخرى قاتمة، شديدة القسوة و تمسكت بـ حافة الفراش تبتغي منه الحماية، و ظنها أصبح يقينًا، زوجها لم يُحب والده قط، أو ربُما بينهما ما يمنعه من حُبهِ، حاولت إستجلاب الكلمات و لكنها تبدو كـ مَنْ فَقَدَ النُطق
تشنجت عضلات جسده بـ نفور و قبض يده حتى لا يفقد أعصابه و السيطرة على النفس ثم قال بـ صوتٍ هادر، أرعدها أكثر
-و ليه لازمة السيرة الزفت دي!
-تلعثمت و قالت بـ توتر:مـ محتاجة، امممم يعني أعرف
-هتف بـ غلظة:مش لازم تعرفِ…
تحرك قُتيبة لينهض و لكن كيان أمسكت به و هتفت بـ سُرعة تستدركه
-رايح فين يا قُتيبة!
-سحب يده و قال:سديتِ نفسي، فـ همشي…
لقوة سحب يده و عدم إتزان كيان، كادت أن تسقط عن الفراش و شهقت فـ إستدركها قُتيبة و أمسك بها قبل أن تسقط ليهدر بـ غضب
-كُنتِ هتتكعوري على وشك، إصطبحي يا كيان…
حدقت به بـ ذهول لذلك التغير المُفاجئ في مزاجيتهِ، بل و غضبه الغير مُبرر منها من وجهة نظرها، فـ إعتدلت كيان و جلست على رُكبيتها فوق الفراش ثم هتفت بـ صوتٍ شبه عال وهي تُحدق به أثناء إرتداءه الثياب
-أنا غلطت فـ إيه! و بعدين بتتكلم بـ الطريقة دي ليه؟ مكنش سؤال يا قُتيبة…
نظر إليها من طرف عينهِ نظرة أسكتتها فورًا ثم إرتدى كنزته و توجه إلى الخزانة يجلب ثياب جديدة قائلًا
-داخل آخد دُش يفوقني…
صفع باب الخزانة لتصرخ كيان بـ مُفاجأة و تابعت خروجه من الغُرفة ثم هتفت بـ صوتٍ عال ليصله
-مش أسلوب دا، و أنا غلطانة إني أعترفتلك أصلًا…
سمعت ضحكته الساخرة بـ الخارج ليستفزها أكثر، و نجح لتضرب على الفراش بـ يدها و هتفت بـ حنق غاضب
-صحيح ميملاش عينك غير التُراب…
عضت كيان أظارفها و الفضول يقتُلها، لا تُريد الضغط عليه و لكن في الوقت ذاته تحتاج لأن تعرف، هذا الكُره الغُير مُبرر لوالده و شخصيته الغريبة تكاد تصل إلى التعقيد، رغم تعامله اللطيف معها و لكن قُتيبة يحمل الكثير من العُقد و الغضب داخله
تنهدت و هي تحك جبينها ثم نهضت هي الأُخرى و إرتدت كنزة له تصل إلى ما قبل رُكبيتها بـ قليل، و حدقت في إتساعها و طولها لتعبس ثم ضحكت، لأول مرة تلحظ ضخامة زوجها الوسيم
جمعت خُصلاتهِا ثم خرجه من الغُرفة و بحثت عنه في أرجاء الشقة أولًا و لكنها لم تجده، ثم توجهت إلى المرحاض لتسمع صوت المياه، زفرت بـ راحة لأنه لم يرحل
حمحمت و طرقت الباب لتسمع صوته يهدر بـ غلظة و فظاظة غير عادية
-متدخليش و إمشي…
رفعت كيان حاجبها بـ إستنكار و غضب قبل أن تقول
-والله!…
وضعت يدها على المقبض و فتحت الباب عليه ثم وقفت على مدخلهِ، لينظر إليها بـ ذهول مُمتزج بـ الغضب، لم يظن أن تلك الخجولة ستفعلها ثم قال بـ حدة
-مش قولتلك متدخليش؟!
-وضعت يدها بـ خصرها و قالت:دا بيتي يعني أدخل فـ أي حتة تعجبني…
لم تعِ أثر الجُملة عليه، كانت ترى معالم وجهه ترتخي بـ غرابة و سحابة من الحنان يغمره و نظراته تبتلعها بـ مشاعر كانت كـ الطوفان في قوتها لتضربها بلا رحمة فـ تُثمل قلبها بـ لذتها
و رغم ذلك. أفسد ذلك الأحمق اللحظة الفريدة، حينما رفع حاجبه و قال بـ إستهجان ساخر
-و من إمتى بقى بيتك! ما أنتِ مكنتيش عايزة تدخليه
-إستفزها لتصرخ:تعبت من جريك ورايا
-هتف ساخرًا:معلش المرة الجاية همشي عشان متعبش سيادتك…
إنتفخت أوداجها غضبًا و حنق، لتضرب الأرض بـ قدمها ثم تقدمت منه و إلتقطت عبوة الصابون السائل ثم قالت و هي تفتحها بـ عصبية
-يا متوحد…
ثم وجهت فوهة العبوة تجاه وجهه و ضغطت عليها ليندفع الصابون السائل في وجههِ و تصيب عينيهِ، مُسببة حرقة صرخ على إثرها و هدر واضعًا وجهه أسفل المياه ليُزيل الصابون
-يا بنت المجنونة، هتعميني…
أكملت كيان دفع العُبوة في وجههِ حتى فرغت ثم قذفته بها قائلة بـ تشفي
-أحسن عشان متبصش لغيري…
شهقت على يدهِ التي قبضت عليها ثم جذبها إلى داخل حوض الإستحمام و دفعها أسفل الماء، ليقول بعدها بـ صوتٍ ثقيل
-عيني مبتشوفش غيرك…
حاولت كيان الهدوء و أقنعت نفسها أن ضربات قلبها التي تعالت ما هي إلا نتيجة المجهود الذي قامت به الآن، و أن إحتراق وجهها أيضًا ما هو إلا محض صُدفة إثر مجهود آخر، ثم لهثت قائلة
-مُمكن نهدى شوية!
-هتف بـ لامبالاة:أنا هادي، أنتِ اللي إتجنيتِ، و عيني كانت هتروح بسببك…
نظرت إلى عينيهِ اللتين إحمرتا بـ فعلتها الطفولية فـ عضت شِفاها السُفلى و قالت بـ حرج و هي تُبعد وجهها عنه
-مكنش قصدي، أنت إستفزتني
-تنهد قُتيبة و سألها:عايزة إيه يا كيان!…
كان يتكئ بـ ساعديه إلى الحائط خلفها و الماء ينهمر عليهما في ظل الصمت عَرَفَ قُتيبة ما تُريده ليُخرج زفيرًا حارًا، جعلها تشعر بـ ما هو مُقبل عليه، فـ نظرت إليه ليهالها ملامحه القاتمة بـ لونٍ أسود مُخيف و تصلب عضلات فكه و كأنها فقدت القُدرة على الإنقباض و الإنبساط، ثم قال و هو يُمسك ذقنها
-حاضر يا كيان، هقولك على كُل حاجة…
رغم الحماس الذي ملأ عينيها، و فضولها لمعرفة المزيد عن حبيبها إلا أنها أحست أنها تضغط عليه و تخطو إلى بؤرة خطيرة، محظورة لا يجب عليها الإنغماس فيها، و لكن فضولها كان أكبر، إلا أنها قالت بـ تردد
-لو بضغط عليك يا قُتيبة بلاش
-ضحك و قال بـ سُخريةٍ قاتمة:لو شايفة نفسك دلوقتي، مكنتيش هتكدبِ الكدبة دي…
عضت شِفاها بـ خجل و أدارت وجهها، ليُعيده إليها ثم قال بـ صوتٍ بدى مُخيف رغم هدوء نبرته و إرتخاء معالمه الحجرية
-الأول ناخد دُش عشان مترديش، و بعدين نحكي…
و كانت مُحقة، هي منطقة محظورة و مُحرمة لم يسمح لأحد بـ دخولها أبدًا، أما هي فـ أفسح لها المجال تاركًا لها مُهمة شديدة التعب، و ثقيلة لا يحملها إلا القوي، تُرى هل ستهرب حينما تعرف عن ذلك الجانب المُظلم؟!
*******************
نبضة تُخبرني أنني أُحبه و هذه الحقيقة
و نبضة تُخبرني أنني أمقته و هذه كذبة
و عقلي في الزاوية يسخر مني…
إنتهت من العمل مُنذ مُدةٍ طويلة و لكنها لم تعود إلى المنزل، رغم أنها في الماضي كانت تنتظر موعد العودة إلى المنزل و لكن الآن، هي لا تُريد العودة، تشُعر بـ شيءٍ غريب يكتنفها مُنذ الصباح
تحديداً مُذ أن سمعت ما دار بين عُبيدة و وقاص، سيتزوج تلك الفتاة المغرورة! تلك التي تدق الأرض بـ كعبيها المُثيري للإستفزاز بـ شكل يزيد عن الحد! تلك التي كُلما رأتها نظرت إليها من طرف أنفها التي تُريد كسره ذات يوم!
و لِمَ لا؟ من سيتحمل فتاة مثلها ذات لسان سليط، عشوائية و الأهم و ما لا تُريد الإعتراف به، أنها سارقة؟!
و عند ذلك الحد تركت القلم الذي كانت تطرق به فوق المكتب و إتسعت عينيها لـ الإتجاه الذي إنحرفت فيه أفكارها، كيف وصل بها التفكير إلى تلك المنطقة التي كانت تمُقتها ذات يوم؟
-لحظة لحظة! كُنت بكرهها!!…
نهضت كِنانة مذهولة و تدجرح القلم ساقطًا على الأرض ثم أكملت بـ شرود ذاهل
-معنى كدا إني معُتش بكرهها!…
وضعت يدها على فمها مدهوشة ثم قالت و يدها ترتفع إلى جبينها
-دا يا نهار إسود بجد
-مكنتش أعرف إن فترة الشُغل معايا هتخليكِ تتجنني و تكلمي نفسك…
شهقت كِنانة بـ فزع و تراجعت، فـ تعركلت بـ مقعدها و كادت أن تسقط و لكنه أمسك بها و قال مُبتسمًا بـ خُبثٍ
-كُل مرة كدا هلحقك من كارثة هتحصلك
-أنت ورايا من إمتى!…
لم يترك خصرها و لم يُعدل وقفتها بل إستمتع بـ إقترابه منها، قد يكون الأخير فـ يُريد أن ينعم به أكثر، و إستمع إلى سؤالها المُتوتر و حدق بـ عينيها الزائغة خوفًا أن يكون سمع حديثها بـ الكامل، و حتى و إن سمعه لم يكن ليفهم شيئًا
قهقه وقاص ثم بدأ في إعادة توازنها حتى لا يسقطا معًا و قال بـ هدوء ماكر
-من ساعة أما بطلتِ تكرهيها
-سألته بـ تخوف:فهمت حاجة!
-أجاب بـ جدية:لأ
-أحسن…
إرتسمت إبتسامة على وجههِ ثم سألها و هو يُبعد يده عن خصرها على مضض
-لسه لحد هنا ليه!
-ها!
-قطب و قال:هو سؤال صعب لدرجادي! بقولك لسه هنا ليه!…
نظر إلى ما فوق المكتب و تلاعب بـ الأوراق ثم رفع بصره إليها و قال
-أنا شايف إن الشُغل خلصان
-تلاعبت بـ يدها و قالت:قُلت مُمكن تكون عايز حاجة…
إرتفع حاجبيه الإثنين معًا و عقد ذراعيه أمام صدرهِ و قال بـ تهكم
-غريبة عُمرك ما عملتيها، أنتِ ديمًا ما بتصدقِ تخلعي
-إمتعضت ملامحها و قالت بـ حنق:الحق عليا إني بهتم، أنا ماشية…
الشركة كانت خالية تمامًا فقط هو و هي الحارسين أسفل الشركة، و كادت أن ترحل و هي تُلملم أشياءها إلا أن وقاص أمسك يدها و منعها ثم تحولت ملامحه إلى جدية بالغة و سألها بـ نبرةٍ قوية
-كِنانة خليكِ دُغري معايا، فيه حاجة ورا قعدتك دي!
-حاولت التملص نافية:لأ مفيش، بيتهيألك…
كانت تُعافر من أجل الفكاك من قبضتهِ و لكنه كان يشد عليها بـ قوة حتى أنها تأوهت، ثم سألها هذه المرة بـ نبرة أشد قوة حتى أنها جمدتها أرضًا
-كِنانة مش هكرر كلامي كتير، خير!!…
هي نفسها لا تفهم، إن أخبرته بـ شيءٍ مُنافي لتعابير وجهها سيكتشفها فورًا، و إن أخبرته حقيقة ما تشعر به من حيرة ستكون أُضحوكته لبقية حياتها، أرادت الهرب و لامت نفسها لشرودها الذي جعلها تبقى و تلتقي به في مواجهةِ هي ليست أهلًا لها
حاولت كِنانة من جديد التملص من يدهِ و من عينيهِ التي تخترقها فـ تختنق كِنانة، و أبت الحديث، جلس وقاص على طرف المكتب و جذبها رُغمًا عنها ثم قال بـ هدوء
-دا ليه علاقة بـ اللي سمعتيه الصُبح!…
إتسعت عينيها في صدمة، أكانت واضحة كُل هذا الوضوح! سُحقًا له و إن كان مُحقًا لن تُخبره أبدًا، ستنفي و تقول كلا، و لكن لِمَ يأبى لسانها الحركة و إطلاق كذبة واحدة بـ كلمةٍ واحدةٍ و هي لا؟
وجدت إبتسامة شقية تشق وجهه فـ إزداد غيظها من نفسها و من نفسهِ فـ هدرت بـ غيظٍ
-لأ ملوش علاقة…
أحست بـ قبضتهِ ترق حول معصمها و بدأت تُداعبها فـ نظرت مذهولة إلى معصمها ثم إليه لتجد إبتسامته تتحول لـ اُخرى ماكرة قبل أن يقول بـ خُبثٍ
-و أنتِ عرفتِ قصدي إيه، ولا فيه حاجة مُعينة فـ دماغك!!…
صمتت كِنانة في داخلها تُريد الإستسلام و إخباره بـ تلك الحيرة و من الخارج لن تسقط لمُتحرش مثلهِ أبدًا، و لكن كيف السبيل و هو لا يدع لها منفذ تهرب منه؟ إنه يحكم الخناق حولها جيدًا و يعرف كيف يضربها في الوقت الصحيح و بـ العبارات الصحيحة
حاولت الهرب من عينيهِ مئات المرات في تلك اللحظات و لكنه كان في كُل مرة يُمسك بها، مرة بعد مرة حتى هُزمت أمام المُتحرش الأشيب و سألته
-أنت فعلًا هتتجوز المُتكبرة دي!…
رأت معالم الإنتصار تعلو وجهه و أرادت تحطيم ذلك الوجه الوسيم و أرادت أن تصفع نفسها لضعفها، إنه يقتحمها في وقتٍ بدأت فيه بـ الضعف و الآن هو يهرب و يتزوج تلك الصهباء المُتكبرة!
مال وقاص بـ رأسهِ و إبتسم إبتسامة خبيثة و قال بـ هدوء مُداعب فـ تبخر الغضب من نفسها و منه أيضًا
-دا اللي كان شاغل بالك من الصُبح!…
ذمت شفتيها بـ تبرم و أدارت وجهها، لينهض وقاص و يقف قِبالتها يحجم الضوء الضعيف عنها ثم أصر بـ نبرةٍ قوية جعلتها تنظر إليه مذهولة
-كِنانة أنا عايز رد واضح، جُملة واحدة و مش أكتر…
مسحت كِنانة على وجهها بـ يدها الحُرة و غطت ذقنها ثم حدقت به و تصنعت الجهل سائلة إياه
-جُملة إيه!…
تحولت معالمه الهادئة، الرزينة إلى أُخرى شرسة، برية و إقترب بـ خطوةٍ كانت الأكثر خطورة من أي وقتٍ مضى و هتف من بين أسنانهِ
-أنا بحاول أسيطر على نفسي، جاوبي!…
تمنعت و أبعدت ناظريها عنه، فـ قبض على ذقنها و أدارها إليه و قال بـ حدة
-كِنانة!! دا تحذيري الأخير، اللي بعده مش هيعجبك
-كشرت عن انيابها و قالت:هتعمل إيه يعني!
-همس مُتخابثًا:زي أول لقاء بينا…
صفعت يده التي على وجهها ثم هدرت بـ حدة
-مُتحرش
-رد عليها بـ تسلية واضحة:حرامية…
نفخت بـ ضيق و إبتسم وقاص ثم رفع وجهها إليه و قال بـ صوتٍ كان من الصعب عليها تجاوزه
-كِنانة معنديش مانع نفضل كدا لتاني يوم، أنا أصلًا كدا مبسوط…
رفعت حاجبها و ضمت شفتيها، حركة بسيطة لفتت إنتباهه و تلك الحمقاء لا تعلم كم يُمارس أقسى ضوابط السيطرة على النفس حتى لا يُخطئ معها فيما لا يُحب، لذلك إستطرد
-لو كان سؤالك إني هتجوز إيزيل و لا لأ، فـ أه يا كِنانة مش هلف و أدور…
بهتت ملامحها و عبست، بل أحست بـ طعنةٍ مُفاجئة لا تعلم مصدرها، و الأكثر أنها حزينة، فـ همست تسأله بـ شرود، غير مُدركة أن همسها خرج و سمعه
-هو أنت فعلًا هتتجوزها و تسبني؟ مش أنت كُنت قُلت هتتجوزني!…
إتسعت عينيه في نفس الوقت الذي إتسعت عينيها، من صدمته ترك يدها و حدق بها مذهولًا، شهقة ثم دفعة و إلتقطت حقيبته و ركضت أمامه
ثوان حتى إستعاب وقاص ما حدث، ليُناديها و هو يركض خلفها
-كِنااانة!!…
إرتعدت لصوتهِ و لكنها لم تتوقف بل زادت من سُرعتها، اللعنة لقد ضعُفت أكثر و هذا لا يليق بها، زادت أكثر و كادت أن تتعثر و لكنها إستعادت توازنها، و فجأة وجدت نفسها تُسحب بـ قوةٍ و تلك القوة أدارتها ثم سألها وقاص لاهثًا
-قصدك إيه بـ سؤالك يا كِنانة!
-حاولت التملص باكية من الخزي:مش قصدي حاجة، لو سمحت سبني
-نفى قائلًا:مش هسيبك غير لما تقولي…
تفادت النظر إليه و حاولت أكثر و لكنه لم يُتركها و هتف بـ نبرةٍ أخافتها، ليست لشدتها أو قسوتها و لكن لـ شيءٍ هي لن تتحمله
-كِنانة لو عندك ليا أي مشاعر و لو واحد فـ المية قولي أه
-زفرت و قالت بـ نبرةٍ خالية من المشاعر:هستفيد إيه!
-قطبت ملامحه بـ عبوس و قال:ساعتها هتخلى عن أي حاجة و هجيلك…
تسارعت أنفاسها و نبضاتها على حدٍ سواء لتهتف قائلة بـ إستسلام مُخزٍ
-مش عارفة، أنا فـ حيرة، قولي أنت دا يبقى إيه!!…
يتبع…… 
لقراءة الفصل الثاني والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!