روايات

رواية امرأة العقاب الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت السابع والعشرون

رواية امرأة العقاب الجزء السابع والعشرون

رواية امرأة العقاب الحلقة السابعة والعشرون

لحظات من الصمت القاتل مرت .. بعد أن دخل ورأى حاتم .. لم تتمكن من سماع صوت بالغرفة سوى صوت زمجرته وهو يحدق في حاتم شزرًا كأسد يستعد لينقض على فريسته ويلتهمها .. اضطربت من وجوده ونظراته المخيفة التي لا تبشر بخير أبدًا .. فالتفتت برأسها تجاه حاتم لتجده يتطلع إلى عدنان بثبات انفعالي رهيب وعلى ثغره ابتسامة ساخرة بها بعض التحدي .
خرج صوت عدنان متحشرجًا وهو يقترب باتجاه حاتم :
_ إنت بتعمل إيه هنا !
نقلت جلنار نظرها بينهم في خوف ، واحد لا يبالي ويبتسم عمدًا حتى يثير خصمه .. بينما الآخر احتقنت ملامح وجهه بالدماء وبدأ يضغط على قبضة يده يجهزها للكمة مبرحة سيوجهها للثاني .
رفع عدنان قبضة يده المغلقة حتى يلكم حاتم في وجهه هاتفًا بنبرة خرجت تحمل كل أشكال الغضب والشر :
_ سبق وحذرتك متقربش من مراتي .. بس شكلك مش بتفهم بالذوق
تفادى حاتم لكمته ورفع هو يده بدوره ليوجه اللكمة لعدنان بقوة .. مال عدنان بوجهه للجانب وهو يبصق نقطة الدم التي سالت من جانب شفتيه .. التهبت عينيه وأصبح لونهم أحمرًا حتى أن معالم وجهه تقوصت بشكل مرعب ويبدو أن الوحش استيقظ بالفعل .. حيث انتصب في وقفته وهذه المرة وجه لكمة لحاتم كادت أن تطيح به أرضًا من عنفها وسالت دماء أنفه على أثرها وكان على وشك أن يكمل ويعود ليوجه له المزيد لولا أن جلنار هرولت ووقفت بينهم تمسك بيد عدنان صائحة بهلع ورجاء :
_ عـــدنـــان ارجوك بلاش مشاكل
القى نظرة نارية على حاتم الذي كان يرمقه بنفس النظرة وهو يتحسس دماء أنفه .. فأخفض نظره لجلنار يتطلع لها بغضب ثم عاد ينظر لحاتم وهو يهدر بتحذير :
_ ده آخر تحذير ليك .. بعد كدا أنا مش مسئول عن اللي هعمله
جلنار بانفعال بسيط :
_ عدنان كفاية بقولك
قبض على ذراعها بحزم وسحبها معه للخارج ، سارت خلفه حتى غادروا الغرفة ونزعت قبضته عنها بعنف فباغتها بصيحته الجهورية :
_ امشي قدامي على العربية يلا
هرولت أسمهان نحوهم وهي ترسم على وجهها ملامح الذهول المزيفة وتقول :
_ في إيه يابني إيه اللي حصل ؟
استغلت جلنار الفرصة والتفتت برأسها للخلف تنظر لحاتم الذي يقف وعيناه ثابتة على عدنان بغل .. فرسمت معالم الأسف والحزن على معالمها وهو تهمس بصوت غير مسموع :
_ أنا آسفة .. آسفة
اماء برأسه لها يرسل إشارة لا بأس بملامح وجه لينة .. فالتفتت هي تجاه عدنان الذي أجاب على أسمهان بإيجاز :
_مفيش حاجة ياماما
ثم التفت برأسه إلى جلنار ورمقها بنظرة مميتة يغمغم في خفوت مخيف أكثر من نبرة صوته المرتفعة :
_ سمعتي أنا قولت إيه !
حدقته بنظرة مستاءة وغاضبة .. ثم تطلعت إلى أسمهان بسخط أشد  ، الآن أدركت أن ما حدث لم يكن إلا أحد مخططاتها الشيطانية .. استقرت في عيني جلنار نظرة حاقدة وخبيثة تحمل في طياتها الوعيد قبل أن تندفع لخارج القاعة بأكملها تذهب في طريقها لسيارته كما قال أو أمرها بمعنى أدق ! .
                                   ***
داخل منزل عدنان تحديدًا بغرفتهم بعد مرور ما يقارب الساعة منذ خروجهم من حفل الخطبة …..
خرجت صيحة مرتفعة وعصبية من جلنار التي كانت تجيب عليه :
_ إنت شاكك فيا يعني !!
صاح بها في صوت جهوري :
_ أنا مقولتش شاكك فيكي .. أنا سألتك سؤال واضح ، كنتي بتعملي إيه في الأوضة مع حاتم ياجلنار
جلنار صائحة :
_ متزعقليش فاهم ولا لا .. ده بدل ما تروح تشوف مامتك اللي عملت كدا عن قصد بتزعقلي وتتعصب عليا كأني أنا المذنبة !
هدر منفعلًا :
_ جاوبي على السؤال من غير لف ودوران ومتجننيش .. ثم إن إيه دخل ماما في الموضوع !!
ابتسمت بسخرية واجابت عليه مزمجرة :
_ مامتك هي اللي قالتلي أنها شافت هنا بتدخل الأوضة اللي هناك يعني عشان اروح اشوفها أنا .. وبما إنك جيت ورايا فأكيد هي اللي قالتلك إني دخلت الأوضة طبعًا .. يعني من الآخر هي كانت عارفة إن حاتم جوا وعشان كدا اتحججت بهنا وخلتني ادخل وبعدين قالتلك إنت .. عشان تعمل مشكلة وتخليك تشك فيا
هدأت ثورته الهائجة قليلًا واستمر في التحديق بها بسكون للحظات فاحست بأنه لا يصدقها بعد أن قابلت رده بالصمت والتمعن بالنظر لتصيح به بغضب :
_ كلمها وأسالها لو مش مصدقني
وسرعان ما ارتسمت الابتسامة على ثغرها لتكمل مستنكرة :
_ ولا تكلمها إيه ملوش لزمة .. هتنكر طبعًا وهتطلعني أنا الكذابة وإنها بريئة وملاك
جلنار ليست بامرأة تتقنن فنون الكذب وحين تحاول تفشل وتصاب بالتلعثم والتوتر ، اعتاد دومًا أن يذكرها بأنها لا تستطيع الكذب أمامه و الآن هو لا يشك بصدق ما تقوله فلا يستبعد أن والدته تفعل هكذا حقًا خصوصًا أنه يعلم بمشاعر النقم التي تكنها لزوجته ، لكن لا مانع من أن يستخدم سلاحه الأقوى حتى يتأكد .. حيث اقترب ووقف أمامها مباشرة يخترق عيناها بنظراته الثاقبة ويغمغم بهمس مترقب :
_ يعني إنتي مكنتيش تعرفي إنه موجود في الأوضة ؟
عقدت ذراعيها أمام صدره تقف أمامه بثبات وتضع عيناها  بعيناه في شجاعة وثقة متمتمة :
_ قولتلك لا
أخذ نفسًا عميقًا وأخرجه زفيرًا متهملًا بعد أن هدأ تمامًا ونيران غيرته المرتفعة انخفضت قليلًا .. أردف بصوت خافت ومنذرًا :
_ طيب ياجلنار .. بس صدقيني لو شفتك مع البني آدم المستفز ده تاني ردة فعلي مش هتكون مسالمة أبدًا
ضحكت بصمت في استهزاء وتشفي بعد أن لمست الغيرة الحقيقية في نبرته ونظرته ، وهدرت تجيب عليه ببرود وتحدي قبل أن تهم بالابتعاد من أمامه :
_ صدقني إنت .. أنا لو شفت حاتم وكلمته تاني فهيكون بس عشان احرق دمك واشفي غليلي منك
قبل أن تخطو خطوة مبتعدة عنه كان يمسكها من ذراعها يوقفها وينحنى على أذنها من الجانب يهمس في نبرة تثير الرعشة في البدن :
_ وماله شوفيه .. بس قبل ما تعملي كدا ابقى افتكري كلامي كويس هاااا
لم يحرك شعرة واحدة منها بل على العكس ازدادت ابتسامتها اتساعًا التي اختفت باللحظة التالية فورًا بعد أن سحبت ذراعها بحدة هاتفة :
_ ابعد إيدك عني .. واحد مريض
لم يعلق ولم يبدي ردة فعل .. كظم غيظه وبلع اهانتها مجبرًا حتى لا ينفعل عليها .. اكتفى فقط بمتابعتها وهي تتركه وتسير نحو الحمام .
                                   ***
رأته يقف عند السيارة ويمسك منديل ورقي بيده يمسح دماء أنفه فتسمرت بأرضها للحظة تتطلع إليه بصدمة وسرعان ما تمكن منها هلعها حيث هرولت إليه شبه راكضة تهتف :
_ حاتم شو صار ؟!
انزل المنديل واجابها بغلظة :
_ مفيش حاجة .. اركبي يلا عشان نمشي
بتلقائية أمسكت بوجهه بين كفيها تمعن النظر به بقلق .. وتهدر بزعر :
_ ليش عم تنزف .. إنت منيح ؟
انزل يديها بلطف وتمتم بصوت حاول إخراجه لين :
_ كويس يا نادين والله .. يلا بقى
قالت بعناد :
_ خبرني الأول شو صار لك !
حاتم بنظرة صارمة وصوت خشن :
_ نادين مش وقته أنا على أخرى أساسًا .. بعدين هقولك
ثم استدار وفتح باب مقعده الخاص حتى يستقل بالسيارة لكنه التفت برأسه أولًا لها فيجدها لا تزال تقف خلفه ترمقه بحيرة .. خرج صوته الرجولي بنظرات حادة :
_ اركبي يانادين !!
تأففت بخنق والتفت حول السيارة لتفتح الباب وتستقل بالمقعد المجاور له .. هم بأن يحرك محرك السيارة لينطلق بها لكنها اعتدلت في جلستها حتى تصبح في مقابلته تمامًا ومدت أناملها تلمس برقة جانب أنفه وتهمس باهتمام وعبوس :
_ بتوجعك ؟
لمستها الناعمة جمدته فجعل ينظر لها بسكون لكن عيناه تطلق إشارات الإنذار كدليل على تأثره .. ولوهلة تمنى لو لا تسحب يدها لكنه فاق بسرعة من مفعولها السحرى وأمسك بكفها يهز رأسه بالنفي إجابة على سؤالها ، وبلا وعي ينزل بأناملها إلى شفتيه يطبع قبلة ناعمة عليهم وهو يبتسم لها بدفء .
ضربت صافرات الإنذار في عقلها هي الأخرى فسحبت يدها فورًا في ارتباك وخجل ملحوظ بعد قبلته الدافئة .. واعتدلت في جلستها تتطلع أمامها بصمت وتحتضن كفها الذي قبله بين كفها الآخر تخبأه عن عينيه ! .
                                     ***
بعد انتهاء حفل الخطبة …….
تجلس زينة على أريكة طويلة نسبيًا ويجلس هو بجوارها .. كانت جلسة منفردة لهم فقط بعد الحفل .
مرت عشر دقائق حتى الآن وهي مازلت تتأمل المكان من حولها بجمود دون أن تتطلع له حتى أو تتفوه بكلمة واحدة .. فتنهد هو مغلوبًا على أمره وانحنى عليها عليها قليلًا حتى يجذب انتباهها له هامسًا :
_ مبروووك
نظرت له أخيرًا فور همسه بالقرب من أذنها وابتسمت باستحياء متمتمة :
_ الله يبارك فيك
رائد بغمزة مشاكسة :
_ عقبال كتب الكتاب  ياحبيبتي
تلونت وجنتيها بالون الأحمر وسارعت في تغيير مجرى الحديث حيث قالت بخفوت :
_ مش ناوي تقولي بقى تعرفني من فين ؟
ضحك بخفة وادرف :
_ إنتي لسا فاكرة !!
_ طبعًا .. لا يمكن انسى ودلوقتي هتقولي يا رائد بيه
تنهد الصعداء بقوة ولا تزال الابتسامة تزين ثغره ثم اعتدل في جلسته ليصبح مواجهًا لها مباشرة وبدأ في الحديث بهدوء تام ونظرات خبيثة :
_ أنا المدير النرجسي والمستفز !
رددت كلمة ” نرجسي ” بين شفتيها بتفكير .. تذكر أنها عملت لفترة وجيزة لدى شركة ترجمة صغيرة وكانت تبغض مديرها دون أن تراه بسبب ما تسمعه من الموظفين عنه وأوامره الصارمة للجميع .
لحظات طويلة مرت حتى أدركت جملة رائد فصاحت بصدمة :
_ إنت بتهزر مش كدا !!
انطلقت منه ضحكة عالية تبعها رده عليها بالنفي :
_ لا مش بهزر .. إنتي متعرفنيش لأني مكنتش ببقى موجود اغلب الوقت ومحدش بيشوفني كتير بس أنا اعرفك أكيد .. وبعدها بفترة ماما لما جات الشغل بالصدفة عندي وشافتك قالتلي إنك بنت طنط ميرفت
رفعت يدها تمسح على وجهها بذهول وهي تجيبه بعدم استيعاب :
_ أنا مش مستوعبة .. وإزاي متقوليش يا رائد ده كله
 _ هتفرق في إيه إنتي سبتي الشغل من بدري  .. وأنا كدا كدا كنت ناوي اقولك بس حبيت نصبر شوية لغاية ما تتعرفي عليا اصل لو كنت قولتلك من البداية كنتي ممكن تكرهيني اكتر لمجرد إنك ماخدة الفكرة دي عني
ابتلعت ريقها بإحراج بسيط ثم تطلعت له ببراءة تهمس بنبرة تعتذر قبل أن تهتف بالاعتذار حتى :
_ إنت عرفت منين إني كنت بقول عنك كدا !
غمز لها في مكر ضاحكًا وهدر :
_ أنا بعرف كل حاجة فكان طبيعي اعرف اللي بتقوليه عني وحظك إني عرفت بعد ما ماما قالتلي انتي مين وإلا للأسف تصرفي كان هيبقى مش لطيف
زينة بغرور وثقة :
_ أنا أساسًا سبت الشغل بنفسي كنت بني آدم لا تطاق من غير ما اشوفك
رفع حاجبه بابتسامة لئيمة ورد عليها مستنكرًا في ترقب :
_ ودلوقتي إيه ؟!
حركت رأسها يمينًا ويسارًا بحركة مترددة تهمس في برود مقصود :
_ عادي لا وحش ولا حلو
_ لا والله !!!
قهقهت بقوة واردفت مسرعة بعدما لاحظت غيظه من ردها :
_ بهزر .. اكيد اختلفت وجهة نظري عنك يعني .. واتغيرت للأفضل
عادت الابتسامة تزين شفتيه ليقول بمداعبة :
_ بداية مبشرة الحمدلله
                                      ***
بعد مرور ساعات قليلة …..
خرجت من الغرفة متسللة على أطراف أصابع قدمها وبرأسها تتلفت حولها وعيناها تتجول بكل مكان بحثًا عنه ، حتى رأت ضوءًا خافتًا منبعثًا من غرفته الخاصة بالعمل .. سارت بحرص أشد دون أن تصدر أي صوت كلص يخشى أن يمسك به صاحب المنزل .
وصلت إلى باب الغرفة .. أمسكت بالمقبض في حذر وتطلعت له خلسة من الخارج فرأته يقف وينحنى على الأدراج يضع بعض الأوراق الخاصة بعمله بها ، تابعته بعيناها لدقيقة تمامًا حتى وجدته يغلقهم وينتصب في وقفته مستندًا لمغادرة الغرفة .. فتركت المقبض وتراجعت للخلف مسرعة تركض على أطراف اصابعها نحو الغرفة .. دخلت وأغلقت الباب بالمفتاح من الداخل ووقفت خلفه تنتظر وصوله وبالفعل أقل من خمس دقائق سمعت صوت خطواته تقترب من الغرفة وحين أمسك بالمقبض واداره حتى يفتحه لم يفتح .. ظل يعيد الكرة أكثر من مرة ظنًا منه أن قفل الباب تعطل .. حتى أتاه صوتها من الداخل وهي تقول :
_ متحاولش أنا قافلة الباب بالمفتاح !
اتسعت عيناه بريبة وهيمن عليه الصمت للحظات حتى رد عليها بعدم فهم :
_ نعم !!!
جلنار بابتسامة متشفية وبحدة تخرجها باحترافية في صوتها الناعم :
_ زي ما سمعت مش هتقعد معايا في نفس الأوضة ياعدنان .. روح نام في أي أوضة تاني أو نام على الكنبة برا
تمالك أعصابه ورد عليها بثبات انفعالي مصطنع :
_ افتحي الباب ياجلنار وبلاش شغل الأطفال ده
صاحت به من الداخل بغضب :
_ شغل أطفال !!!
عدنان بنبرة محذرة وهو يصر على اسنانه بغيظ :
_ افتحي ومتخلنيش اعلي صوتي والبنت نايمة في الأوضة اللي جمبنا
جلنار ببرود مقصود وهي تضحك بتشفي دون أن يراها :
_ وتعلي صوتك ليه .. أنا قولتلك الحل البيت كبير الحمدلله والأوض كتير
ضرب بقبضة يده القوية على الباب يهتف باسمها مصحوبًا بزمجرته :
_ جـلـنـار
فزعت قليلًا من ضربته لكنها لم تبالي وقالت هذه المرة بغضب حقيقي متخلية عن برودها :
_ من هنا ورايح مش هتنام معايا في أوضة واحدة ياعدنان .. إنت في أوضة وأنا في أوضة .. كفاية أوي لغاية كدا
انفعل بشدة فعاد يضرب على الباب من جديد محاولًا إخفاض نبرة صوته مما جعله نبرته تخرج متحشرجة بشكل مخيف :
_ هو إيه ده اللي كفاية .. افتحى الزفت ده بدل ما اكسره فوق دماغك
جلنار بإصرار وعناد :
_ مش هفتح واللي عايزه اعمله
كور قبضة يده ورفعها لأعلى في حركة تلقائية كمحاولة شبه بائسة لتمالك انفعالاته ثم رد عليه كاظمًا غيظه بصعوبة :
_ ماشي ياجلنار لينا كلام الصبح
سمعت صوت خطواته وهي تبتعد عن الغرفة فابتسمت بخبث ثم أصدرت تنهيدة طويلة واتجهت إلى الفراش لتتسطح فوقه وتتدثر بالغطاء مستعدة للنوم .
                                     ***
في صباح اليوم التالي ……
توقفت مهرة أمام مقر الشركة ترفع نظرها لطول ارتفاع البناء وهي تطلق تنهيدة طويلة .. وصلها الرد بالأمس وحصلت على الموافقة في العمل .. وهاهي في أول يوم لها الآن .
كانت ترتدي بنطال عريض قليلًا من اللون الأبيض يعلوه ( بادي كات ) وفوقه جاكت جينز من اللون البني .. والحذاء الرياضي المفضل لها ترتديه .. أما شعرها فكانت ترفعه لأعلى وتترك نصفه ينسدل من الخلف ليأخذ شكل التسريحة المشهورة ( ذيل حصان ) .
أخذت تسير في فناء الشركة الواسع من الداخل حتى وصلت للمصعد الكهربائي .. وقفت تنتظر المصعد وكان يقف بجوارها آدم الذي لم تلاحظه ، حين التفت هو للجانب برأسه ورآها .. امعن النظر بها للحظة مبتسمًا قبل أن يعود برأسه لوضعها الطبيعي ويتمتم بجدية بسيطة وهو يتفقد ساعة يده :
_ الساعة 9 وربع والمفروض تكوني هنا 9
نظرت له مدهوشة ، تتساءل متى جاء هذا ؟! .. فابتسمت بلطافة وغمغمت معتذرة :
_ أسفة .. الطريق كان زحمة شوية .. بس مش هتتكرر تاني
رمقها بطرف عيناه بنظرة غريبة لم تكن صارمة لكنها مريبة .. حتى انفتح باب المصعد فظلت هي واقفة تنتظر أن يدخل هو أولًا فوجدته يتنحى جانبًا ويبسط يده تجاه المصعد يشير لها بأن تدخل .. فابتسمت له بطريقتها المرحة المعتادة ودخلت أولًا ثم هو بعدها .
تابعته وهو يضغط على رقم الطابق فانحنت عليه بعفوية تهمس في قلق ملحوظ :
_ هو الاسانسير ده آمان ؟
التفت لها برأسه وهدر بتعجب :
_ آمان إزاي يعني !
هدرت بسرعة تشرح له مقصدها :
_ أصل أنا ركبت اسانسير في مرة وعطل بيا وكنت وحدي  ومحدش حس بيا غير بعدها بساعتين .. بس الحمدلله اليوم ده كنت جاية من فرح وكنت مشترية أكل كتير وحلويات فضلت اتسلى عليهم وانا محبوسة لولا كدا كانوا دخلوا لقوني انتقلت لرحمة الله من الخوف .. بس تعــ ……
كتم على فمها بيده وهتف بحدة وانفعال بسيط :
_ هشششش ايه راديو !! .. أنا مالي إنتي هتحكيلي قصة حياتك
تطلعت إليه بعينان مضطربة قليلًا وانزلت يده تبتسم ببلاهة مغمغمة :
_ على فكرة لسا التشويق جاي أنا محكتلكش لما اشتغل حصل إيه
_ مش عايز اعرف يامهرة
زمت شفتيها بقرف وردت عليه متذمرة :
_ دي مش اخلاق مديرين على فكرة
لم يعطيها اهتمام وتجاهلها بينما هي فانتبهت للجاكت الذي يرتديه وسرعان ما هدرت بعفوية :
_ بس حلو الجاكت الجلد ده .. تعرف أنا كان معايا واحد زيه بس اااا ….
آدم بغيظ من ثرثرتها الكثيرة :
_ مـــهـــرة
ابتلعت بقية الكلمات في جوفها ومطت شفتيها بيأس ومضض ثم اشاحت بوجهها للجانب الآخر وهي تتمتم بصوت غير مسموع :
_ عدو البهجة .. بس يلا هستحمله عشان وسامته
بينما آدم فتأفف بعدم حيلة مغمغمًا بينه وبين نفسه :
_ أنا اللي جبته لنفسي والله
انفتح باب المصعد وخرج هو أولًا .. يسير بخطوات سريعة تجاه مكتبه ، هرولت هي خلفه تنده عليها بتلقائية :
_ آدم
توقف على أثر صوتها يسمعها تهتف باسمه لأول مرة .. التفت لها برأسه فضحكت هي ببلاهة بعدما أدركت ما تفوهت به للتو وغمغمت بخفوت يحمل القليل من الإحراج :
_ بـيـه !!
تحدثت بجدية وامتنان حقيقي مع ابتسامة صافية فوق ثغرها :
_ شكرًا .. يعني إنك وافقت توظفني
رأت ابتسامته اللطيفة تظهر على وجهه أخيرًا وهو يوميء برأسه لها كرد على شكرها دون أن يتحدث .. بادلته هي الإبتسامة حتى استدار وأكمل طريقه فاستدارت هي الأخرى واتجهت لمكان عملها .
                                   ***
تتجول أمامه منذ الصباح بطبيعية وبرود يثير الأعصاب .. تتجاهله وتتصرف بأسلوب جديد مستفز .. وهو لا يتمكن من احتجازها حتى يضع حد لما تفعله .. يكتم غيظه منها بصعوبة ولا يستطيع حتى الاقتراب منها بسبب وجود هنا .
عيناه لا تنزل عنها ، في كل خطوة تخطوها تلازمها نظراته المشتعلة والمتوعدة .. انتبه لاختفاء صغيرته .. فهب واقفًا واتجه لغرفتها .. رآها تجلس فوق فراشها ومن حولها العابها تلعب بهم باندماج .. ابتعد من أمام غرفتها واندفع لجلنار يقبض على ذراعها ويجذبها معه للغرفة .. دفعها برفق للداخل ودخل خلفها ثم اغلق الباب .. ليسمعها تهتف باستياء وعدم فهم :
_بتعمل إيه !!
تقدم نحوها بأعين ملتهبة فتقهقرت للخلف بتلقائية حتى اصطدمت بالحائط خلفها ، لا تنكر أن حالته الغريبة اخافتها قليلًا ، لم تكن تتوقع إنه سيغضب هكذا ، وجدته يستند بكفه على الحائط بجانب رأسها وينحنى عليها يهتف أمام وجهها وحرارة غضبه تشعر بها في وجهها :
_ أنا اللي المفروض اسألك إيه اللي بتعمليه ده !!!
اضطربت بشدة فحاولت أن تعبر من الجانب الفارغ حتى تخرج لكنه اغلق الطريق عليها من الجهتين بعد أن رفع يده الأخرى يسندها على الحائط من الجانب الآخر بجوار رأسها ويتمتم بغيظ وغضب :
_ إنتي في أوضة وأنا في أوضة ! .. ده مين اللي طلع القرار ده !
جلنار بثبات وحزم :
_ أنا
عدنان بصوت غليظ :
_ بس أنا مش موافق
هدرت ساخرة بعصبية :
_ وأنا مخدتش رأيك .. مش عايزة اقعد معاك في أوضة واحدة وأكيد مش هنتظر موافقتك
صاح بها مستاءًا :
_ يعني غلطانة وقوية كمان !
صرخت منفعلة :
_ أنا مش غلطانة وإنت عارف .. مامتك هي اللي خططت ومكنتش أعرف إن حاتم موجود في الأوضة أساسًا
مسح على وجهه متأففًا بغضب هادر واجابها بنفاذ صبر :
_ وأخرة تصرفاتك دي إيه يعني ؟!!
سنحت لها الفرصة لتتلذذ به على طريقتها ، حيث عقدت ذراعيها أمام صدرها وهدرت بشموخ :
_ تعتذر مني
_ ليه ؟!
كان سؤال شبه استنكاري منه فردت عليه بقوة :
_ عشان اللي عملته امبارح مثلًا !
_ عملت إيه !!
بروده استفزها فصاحت به مغتاظة :
_ تشدني في ايدك زي الحيوانات وتزعق فيا وتبهدلني وأنا مليش ذنب .. إيه ده كله ومعملتش حاجة تستحق إنك تعتذر عليها !
سكت لثواني وهو يحدق بها بنظراته الثاقبة وبالأخيرة هتف باقتضاب من أسلوبها الفظ يحقق لها ما تريده :
_ حقك عليا أنا اتعصبت عليكي فعلًا امبارح
هزت رأسها بالرفض تخفي ابتسامتها المنتصرة وتجيب عليه بجفاء :
_ تؤتؤ أنا آسف مش حقك عليا
عض شفاه السفلى بغيظ مكتوم وكور قبضة يده ثم ضربها على الحائط بجانب رأسها في خفة .. رغم أنه يرى نظرات التحدي والسعادة في عيناها إلا أنه غمغم كالمجبور :
_ أنا آسف .. حلو كدا !!!
هزت رأسها بالنفي متمتمة في ثبات :
_ لا اعتذارك وحدك مش كفاية
عدنان قاطبًا حاجبيه باستغراب :
_ امال عايزة إيه  ؟
هدرت بابتسامة صفراء تضمر خلفها المكر :
_ مامتك .. أسمهان هانم تعتذر مني
وقبل أن ترى ردة فعله على ملامحه أو تسمع رده حتى استكملت عاقدة ذراعيها أمام صدرها :
_ وحاجة تاني كمان
لم تسمع منه أي رد فقط رأت قسمات وجهه متطلعًا لها ببعض الدهشة رافعًا حاجبيه .. كأنه ينتظر منها أن تبدأ في طلبها الثاني أو أمرها بمعنى أدق .. فأخذت هي نفسًا عميقًا وتطلعت في عيناه بقوة تجيبه بثقة :
_ تعتذر من حاتم
هنا بالفعل احسته كأنه قدر يغلى من الغضب حيث نزل بيده يقبض على خصرها في غيظ ويهتف بنبرة محتقنة :
_ اعتذر مني واعتذرت هتخلي مامتك تعتذر وعديتها .. لكن إنتي شكلك مينفعش معاكي الأدب
تململت من قبضته على خصرها ترد عليه بجدية :
_ وفيها إيه لما تعتذر منه .. أنت غلطت في حقه والمفروض تعتذر
خرجت منه صرخة هادرة بغضب حقيقي هذه المرة :
_ جــلـنـار .. متختبريش صبري ومليون مرة اقولك متجبيش سيرته قدامي .. خليني هادي معاكي كدا افضل
حاولت أبعاد يده عن خصرها لكنها فشلت فتطلعت في عيناه بشراسة وهدرت :
_ وأنا كمان مليون مرة اقولك متلمسنيش .. شيل إيدك
أحكم قبضته عليها أكثر بعند وقربها منه أكثر مبتسمًا بشيطانية فقالت هي محذرة أياه :
_ عدنان ابعد عني
هز رأسه بالرفض في استمتاع ، فاستشاطت غيظًا ورفعت قدمها تضغط على قدمه بقوة .. بحركة تلقائية منه لانت قوة قبضته عليها فدفعت يده وهمت بأن تغادر مسرعة لكنه لحق بها وجذبها إليه وكان على وشك أن يبحر بها للحظات على طريقته الخاصة لكن طرق ابنتهم على الباب وسط صوتها الرقيق قطع اللحظة :
_ بابي .. مامي
دفعته جلنار بكامل قوتها ترمقه شزرًا ثم استدارت وفتحت الباب لابنتها فتقابلها بابتسامة متصنعة ثم تمر وتعبر من جوارها مغادرة .. اقتربت هنا من أبيها الذي حملها فوق ذراعيه وهمس بضيق من توقيتها الخطأ دومًا في القدوم :
_ دي تاني مرة ياهنايا .. كدا هبدأ أشك إنك متفقة مع أمك
ردت عليه بعدم فهم وبراءة جميلة :
_ مش فاهمة يا بابي
عدنان متنهدًا بعدم حيلة :
_ اجمل بابي من اجمل هنا في الدنيا
ارتفعت ابتسامتها لشفتيها الصغيرة ولفت ذراعيها حول عنق أبيها تعانقه بقوة فيبادلها هو العناق لاثمًا شعرها ووجنتيها بحب .
                                     ***
في تمام الساعة الثامنة مساءًا ………
كانت أسمهان تجلس بغرفة الصالون على مقعدها الوثير تمسك بيدها كتاب تقرأ به في تركيز وبيدها الأخرى كوب عصير فراولة طازجة .. رفعت نظرها عن الكتاب عندما سمعت صوت الباب ينفتح .. وفور رؤيتها لعدنان الذي دخل واغلق الباب خلفه تركت الكتاب وقالت بحنو وسعادة :
_ اهلًا ياحبيبي تعالى
تحرك باتجاه الأريكة الواسعة المقابلة لمقعدها وجلس فوقها متطلعًا لأسمهان بغضب دفين ، فضيقت عيناها بحيرة وسألته :
_ مالك ياعدنان ؟!
لوى فمه بحركة تلقائية منه حين يكون مستاء وهتف بحزم :
_ ممكن تفهميني إيه اللي عملتيه امبارح ده ياماما !!!
توترت في باديء الأمر وسرعان ما تخطت الأمر تجيبه بتصنع البراءة :
_ عملت إيه امبارح ؟!
عدنان بعصبية بسيطة :
_ ماما إنتي فاهمة قصدي كويس .. هل التصرفات دي تليق بيكي يا أسمهان هانم ؟  .. أنا عارف إنك مبتحبيش جلنار بس متوصلش بيكي للدرجة دي  .. اللي عملتيه امبارح ده ملوش غير تفسير واحد هو إنك معملتيش حساب ليا نهائي .. ده إهانة ليا أنا قبل ما يكون كره منك لجلنار
تأثرت قليلًا بتوبيخ ابنها لكنها لم ترضخ حيث صاحت بسخط تخفي ورائه اضطرابها من كشف مخططها :
_ هي قالتلك إيه بنت الرازي .. وكمان إنت صدقتها وجاي تحاسبني !!
عدنان بانفعال بسيط :
_ أنا مش بحاسبك أنا بقولك إنك غلطتي .. وغلطتي في حقي أنا عايزة تخليني أشك فيها وأنها هي كمان بتخوني ! .. إنتي آخر شخص اتوقع منه تصرف زي ده يا أمي
لان قلبها وحزنت على ابنها فنهضت من مقعدها وتوجهت نحوه تجلس بجواره وتملس على كتفه بحنو هامسة في اهتمام :
_ ياحبيبي إنت وأخوك اغلى حاجة عندي .. صدقني بنت نشأت دي ملهاش آمان ، أنا عايزالك الخير واشوفك مبسوط ومرتاح مع زوجة تليق بيك وبينا .. لكن جلنار دي آخر واحدة تنفع تكون زوجة ليك
هز رأسه بخنق ونفاذ صبر ثم أمسك بيدها التي فوق كتفه ينزلها برفق ويهتف بلهجة صارمة وصلبة :
_ بنت نشأت دي مراتي وأم بنتي وكمان أم حفيدتك .. والمفروض تعتذري منها على اللي حصل امبارح .. لما تعتذري منها ده هعتبره تقدير ليا كأنك بتعتذري مني أنا .. ده طبعًا لو أنا فارق معاكي !
ثم استقام واقفًا واكتفى بتوديعه لها من خلال نظراته قبل أن يستدير وينصرف تاركًا إياها تشتعل كجمرة النار من الغيظ …
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد