Uncategorized

رواية أتحداك أنا الفصل الرابع عشر 14 بقلم أميرة مدحت

  رواية أتحداك أنا الفصل الرابع عشر 14 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الرابع عشر 14 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الرابع عشر 14 بقلم أميرة مدحت

يوم آخر لقول أُحبك فقط لا أكثر.
أستنشقت رائحة عطر قوي، وشعرت بيدٍ قوية تربت على وجنتهـا الناعمـة، وصوتٍ من بعيد يُناديهـا باللكنة الألمانية، وصوت أنثوي أيضًا أخترق عقلهــا، فتحت “لينا” عينيها ببطءٍ ترمش بهما عدة مرات وهي تحاول جاهدة الخروج من تلك الشرنقة التي تبتلعها، وما إن وعت إلى نفسها، حتى وجدت وجهًا منحنيًا إليهـا بقلق، وخلفه العشرات من الوجوه متعددة الجنسيات والألوان، تسائلت بريبة ولكن باللكنة الإنجليزية:
-ماذاا حدث؟!.. أين أنا؟!..
عبس صاحب الوجه الأقرب وهو يقول:
-لقد أصبتِ بالإغماء بعد وصولك.
لتتابع فتـاة بلهجة مهمتمة:
-إنكِ تجلسين على مقعد من أحد مقاعد صالة المطار.
أستقامت في جلستها وهي تحك شعرها محاولة الإستيعاب، همست بتوتر ولكن بلكنتهـا:
-من أولهـا كدا؟!.. إيه ياربي ده.
رفع أحد حاجبيه وهو يفكر، ألتفت برأسه لتلك الفتاة تحديدًا ليجدهـا تبتسم ببهجة، عاود النظر إليهـا متسائلًا بتوجس:
-هل أنتِ من مصر؟!..
أومأت برأسها بتوجس واضح وهي تنظر إليه كمفترس، بينما هو يرمقهـا بطرف عينيه قبل أن يخبرهـا:
-طب ما كنتِ قولتي من الأول.
أتسعت عيناهــا بذهولٍ، رفعت أنظارهـا إلى الفتاة التي أخبرتهـا ببسمة لطيفة مع كلماتهـا:
-أنا و”حاتم” مصريين، آه شكلنا مش بيقول كدا بس دي الحقيقة.
ضيقت حاجبيهـا بقوة وهي تنظر لهمـا بريبة، مد “حاتم” يده وهو يخبرهـا بإبتسامة هادئة معرفًا عن ذاته بثقة عالية:
-حاتم الدغيدي، رجل أعمال مقيم هنا من كذا سنة، وأُختي “ريمــــا”.
إبتسمت لهـا “ريما” وهي تسألهـا بإهتمام:
-إنتي كويسة، حاسة بحاجة؟!..
شعرت “لينا” أنها بداخل كوكب آخر، بلعت ريقهـا بتعب عاجزة عن إستيعاب أي شيء يحدث حولهـا، أخفضت رأسها تفكر على ما يجب فعله، لكن صوت “حاتم” الساخر أخرجهـا من عنق أفكارها حينما قال:
-هي القطة أكلت لسانك؟!..
تجهم وجهها وهي تسأله بحنق:
-أفندم؟!..
-أهو بتتكلمي، في إيـه؟!.. إنتي كويسة.
زفرت “لينا” بضجر وهي تجيبــه:
-أيوة كويسة.
نهضت من مكانها بحذر حتى لا يُصيبهـا الدوار مرةٍ أُخرى، نظر “حاتم” حوله قبل أن يضع يديه بداخل جيوب بنطالــه لاويًا ثغره بتعجب، وجه أنظاره نحو شقيقتـه التي تدنو منها قليلًا متسائلة بجدية:
-هو إنتي جاية لحد مُعين هنـا.
سؤال ألجمهــا، وجعل جسدها يتخشب، هي هنا هاربة.. ضائعة.. تائهة، تحتاج إلى يد تدعمهـا، إلى كلمات تبث لها الطمأنينة، تحتاج إلى “مراد” كثيرًا!.
سحبت نفسًا عميقًا وردت دون شعور.. بصوتها البارد:
-أنا جاية ببدأ حياتي من جديد هنا، فمعرفش حاجة هنا لسة.
تمتمت بتلك الكلمات المقتضبة وهي تنظر حولهـا باحثة عن حقيبتهـا، ما أن وجدت ضالتهــا حتى قبضت عليها وهي تنظر لهما ببسمة متكلفة، ثم قالت بشكر مع إيماءة خفيفة من رأسها:
-أنا بشكركم على إللي عملتوه حقيقي.
تابعت كلامها وهي تتسائل في شئ من التردد:
-لو تعرفوا الأماكن هنا في ألمانيا كويس قولولي؛ لأني زي ما قولت أنا أول مرة أجي ألمانيا، وأنا في عنوان عاوزة أعرف مكانه فين بالظبط، عشان لو طلع بعيد ممكن أقعد في أوتيل.
قبل أن يُجيبهـا “حاتم”، قالت “ريما” بإبتسامة جادة رغم تلهفها الذي ظهر بلهجتها:
-أوتيل إيه؟!.. طب ما تيجي تقعدي معانا كام يوم دول، إنتي في الغربة ومحتاجة القرشين دول.
رفع “حاتم” حاجبيـه للأعلى وهو ينظر لشقيقته، يود كثيرًا أن يسألها بسخرية:
-شوف مين بيتكلم.
شعرت “ريما” بنظرات شقيقها، فإبتسمت له بتوتر وهي تنظر له بعيون راجية، رفضت “لينا” بقوة وهي تتراجع للخلف قائلة بجدية:
-لأ شكرًا يا آنسة ريما، أنا مدبرة أموري.
قطبت “ريما” جبينها وهي تتسائل بخفوت متعجب “آنسة؟!”، تنهدت في شئ من الضيق بعدما شعرت بالحرج من معاملتهـا الرسمية وليس الودودة، في حين دنى “حاتم” منها بهدوء وهو يقول لها مصححًا:
-هي مش قصدها، على العموم وريني العنوان كدا.
أخرجت من جيب بنطالها الصغير ورقة مطوية ثم ناولته، قرأ العنوان بصوتٍ خافت مهتم، قبل أن يتقوس فمه بإبتسامة جانبية، نظر لها بتعبيرات وجهه الساخرة متمتمًا:
-معقولة؟!.. شقتك في مكان فخم زي ده، إنتي طلعتي جنبنـا.
نظرت له “لينا” بغيظ مكتوم من تلك الكتلة المثيرة للأستفزاز فقط، أومئ برأسه بيخفة قبل أن يسألها بتعجب:
-صحيح، هو إنتي إسمك إيه؟!..
رفعت ذقنها قليلًا وهي تجيبــه:
-لانــا.
نظر لها “حاتم” قليلًا ثم قبض على يد شقيقته برفق يسحبها خلفهـا، وبيده الأخرى أشار للواقفة تناظره بضجر قائلًا بصوتٍ جدًّ:
-طب تعالي يالا أركبي معانا، هنوصلك في طريقنا.
-لأ شكرًا أنا هشوف عربية أجرة.
ألتفت لها على حين غرة وهو يقول بحدة:
-بقولك إيه أنا لسة راجع من السفر تعبان ومش ناقص كتر كلام، وبعدين عيب أوي أسيب بنت بلدي وهي أساسًا جارتي، أتفضلي يالا.
-ماشي، بس أتكلم عدل أحسنلك.
قالت كلماتها الأخيرة ببرودٍ قاتل وهي تجر حقيبتهـا خلفهـا وتتحرك من أمامه بكل ثقة، مسح على وجهه بنفاذ الصبر وهو يسير مع شقيقتـه مغمغمًا بتذمر:
-صبرني يارب.
*****
إزداد وضعه سوءًا بعد إستيعاب صدمتـه، وقع مرة أخرى في حفرة عميقة لا نهاية لها من الظلام الدامس، كادت أن تتوقف نبضات قلبـه لولا إلحاق الأطباء والذين أستشعر بعضهم بخطورة الموقف، في حين ظلت “دينا” واقفة تنظر لباب الغرفة المحتجز فيهـا شقيقها بفزع، جسدها بالكامل يرتجف، وجهها شاحب، شفتيهـا زرقاء، تشعر ببرودة قارصة تعصف بجسدها، ضمت ذراعيهـا تحتضن جسدها، و”أدهم” يقف عاجزًا، القلق ينهش قلبه من كل جانب، محبوبته ورفيقـه!.. عليه أن يبدو صلبًا رغم أنه يود كثيرًا أن يقع جالسًا على الأرض بضعف ويبكي ألمًا.
دنى في إتجاه “دينا” وهو يقول:
-أهدي يا دينا، مراد هيعدي منها إن شاء الله.
-مـ.. مش قاا.. قادرة، تـ.. تعبانة ـأوي.
أنهمرت دموعهـا بقهر بنفس لحظة خروج الطبيب من الداخل وهو يزفر بتعب، أنتفض جسدهما مع خروج صوت “دينا” المتحشرج بالبكاء وهي تهرع عليه متسائلة:
-مراد كويس صح؟!.. طمني عليه أرجوك.
كسى الحزن على وجه الطبيب الشاب وهو ينظر لهما مشفقًا على حالهما:
-للأسف حالته بتتدهور، قلبه كان هيقف لولا ستر ربنا.
هدر “أدهم” بعصبية وهو يشير بيده:
-يعنـي إيـه؟!.. أعمل أي حاجة، أجبله أحسن داكترة أجانب هنا، أو أسفره برا، المهم يكون كويس.
قال الطبيب بوجوم:
-للأسف هو مش بيعاني في الجسم أكتر من حالته النفسية، الصدمة إللي واخدها هو مش قادر يتقبلهـا، إحساسه بالندم مخليه مستسلم في الحالة دي، فهو حاليًا بإيده يخرج نفسه بنفسه أو يستسلم.
كلماته ترددت بسرعة وعنف بداخلهمـا، فزع سيطر عليهمـا، جعل كل منهما يتصنم في مكانه، شعرت “دينا” أنها ستقع في إغماءة طويلة، فأستندت بيدها على ذراع “أدهم” رغمًا عنها، أنتبه لها فأسرع بإمساكها وهو ينطق بخوف:
-دينا.
فغرت شفتيها وهي تنظر أمامها بـ عينين مُتسعتين ذاهلتين.. دامعتين، أرتجف جسدهـا بصورة مُقلقة وهي تبكي بصمت، بدأت تدور بها الدنيا، وضعت كف يدهـا على جبهتهـا، أقترب منها الطبيب وهو يُصيح على إحداهن لتلحق بها:
-يا nurse تعالي بسُرعة.
أقتربت منه ممرضة شابة سريعًا وهي تجيبـه بإهتمام، أشار بيده نحو “دينا” وهو يقول:
-خديهـا، خليهم يقيسولها الضغط لتقع مننا.
وبالفعل أستندت عليها “دينا” بتعب، راقبهـا “أدهم” بعينين حزينتين وألم عنيف يضرب قلبـه، هو بين نارين لا يعلم أي طريق يتخذه، أنتشله الطبيب من تفكيره وهو يربت على كتفـه قائلًا بوجوم حزين مقدرًا ما يمر به:
-أنا عارف إحساسك، ماتقلقش كله هيعدي بأمر الله.
أومئ رأسه بالإيجاب وهو يبلع ريقه بمرارة، غادر الطبيب من أمامه، وقف “أدهم” جوار باب الغرفة الشبه مغلق، رأى”مراد” المسطح على الفراش يتصل به الكثير من الأجهزة الطبية، مغلق العينين، جسده ساكن بطريقة مخيفة، هنا لمعت عيونه بالدموع وهو يقول بصوتٍ خائف مرتعش:
-إنت مش صاحبي وبس، إنت أخويا يا مراد، عملنا كل حاجة مع بعض، عشنا كل حاجة سوا، مش هقدر أشوفك كدا، هقع معاك، مش هستحمل.
ولكن عقل “مراد” يذهب إلى تلك الذكرى مجددًا، وقوفه بجبروتــه.. قوتـــه المخيفة بعض الشئ، يرفع يده مصوبًا سلاحه نحوها، كلماتٍ سامة ينطقهـا تطعن قلبهـا المسكين، ونقطة النهاية حينما أطلق عليهـا رصاصتـه مع وداعه البارد، وكلمتها قبل أن تفقد وعيها تتردد في عقلــه حتى أنه نطقها على أرض الواقع دون شعور:
-هتندم!!.
*****
بعد هروبه إلى إحدى البلاد الأوروبية، تحرك “آريان” بخطى واثقة، وإبتسامة جادة تزين وجهه، أنتقل إلى غرفة الأستقبال الخاصة بالفندق الذي يود المكوث فيه مؤقتًا، توقف أمام الطاولة الرخامية العالية، أستند بكلتا يديه عليها وهو ينظر لموظفة الأسقبال قبل أن يقول باللكنة الإنجليزية.
-في حجز نازل بإسم “آريان واكد”، مظبوط؟!..
أومأت موظفة الأستقبال برأسهــا وهي تنظر لشاشة الحاسوب، لم ينتبه إلى تلك العيون المتسعة بإنبهار نحوه، ألتوى ثغرهـا بإبتسامة صغيرة وهي تقول بلكنها العربية المصرية:
-ياربي هو في كدا، ده كأنه بطل من أبطال الروايات إللي دايمًا بقرأهـا، يا خرابي على الحلاوة.
أتسعت عيونه للحظة ولكن تمالك ذاتــه بصعوبة مكافحًا أن لا تخرج ضحكته، في حين تابعت وهي تقول في شئ من الخوف مع مرحها:
-لألأ نقول ماشاء الله لا يجراله حاجة، بس ده جنسيته إيه طيب، ياخرابي على الفضول، شكلي هرجع متجوزة.
بنفس اللحظة أعطت موظفة الأستقبال لكل منهما مفتاح غرفتـه، وقع من تلك الفتاة ورقتين على الأرضية، وقبل أن تنحني بجسدها، وجدتـه ينحني بجذعه يجلبـه ثم أعطاها بكل هدوء، شكرته باللكنة الإنجليزية، ليجيبهــا بإبتسامة جذابة باللكنة المصرية:
-مفيش داعي للشكر، عن إذنك.
تركها متسعة العيون ودقات قلبهــا تتعالى، خبأت وجهها بالأوراق وهي تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها من شدة الحرج، تمتمت بإرتباك وهي تنظر حولهـا:
-أتفضحت، يارب تكوني أتبسطتي.
*****
وصلت “لينـا” أخيرًا إلى شقتهـا، أبدلت ملابسهـا ثم مددت جسدها على الفراش، وقبل أن تغمض عينيهـا وجدت رنين هاتفها يرتفع معلنًا عن إتصال، سحبته من على الكومود وهي تعتدل بجلستها ثم أجابت بإهتمام:
-أيوة يا سيادة اللواء… آه وصلت بالسلامــة الحمدلله… الله يسلمك.
صمتت قليلًا قبل أن تسأله بجدية وقلبهـا ينبض بخوف دون إيجاد لسبب ذلك:
-طيب هو أنا عايزة أعرف أخبار مراد؟!..
-للأسف مراد فاكر إنك ميتة، وأول ما عرف جتله جلطة في القلب أعدت معاه 3 أيام، وأول ما فاق وأستوعب الحقيقة بردو رجع تعب تاني، ومستسلم لحالة فيها خطورة على حياته.
كلمات وكلمـــات ولكن بمثابة صفعات تلقتهـا على وجنتيهـا، توسعت عيونها السوداء بصدمة، مع هلع قلبهـا عليه، فـ مع ذكر إسمه تشعر أن عاطفتهـا بحرًا لا يهدئ أبدًا، فهو عالق في ذكرياتها؛ كالذنب لا يغتفر، كلما بحثت عن طريق لنسيانه، وجدته وإليـه المفر.
ظن اللواء “سامي” أنها أغلقت الإتصال، ولكن تفاجئ بصوتهــا الشرس وهي تقول بقوة وكأنها صيغة آمرة:
-مراد لازم يعرف إني عايشة، مش هسمح أنه يجراله حاجة، حتى لو حياتي أنا في خطر لازم يعرف، لأنه لو عاش حتى هيعيش قلبـه ميت.
-مينفعش يا لينا، إنتي كدا بترميه هو نفسه في النار.
قاطعـتــــه بحدة عنيفة جعلت الذهول يتمكن منه:
-مفيش خطر عليه، لو هو متسرع، فهو دلوقتي هيقدر خطورة الموقف، ولو حضرتك مخلتوش يعرف، أنا هوصله المعلومة بطريقتي، وأظن حضرتك عارف “لينا الصاوي” لما بتقول كلمة بتنفذهـــا.
وهناك من يموت شنقًا بالفراق، ستقاتل حتى لا يحدث ذلك، فهي ستختاره في كل مَرّة ومُرّة.
يتبع…..
لقراءة الفصل الخامس عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد