Uncategorized

رواية أتحداك أنا الفصل الخامس عشر 15 بقلم أميرة مدحت

   رواية أتحداك أنا الفصل الخامس عشر 15 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الخامس عشر 15 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل الخامس عشر 15 بقلم أميرة مدحت

أنا فقط بحاجة إليك ولو للحظة.
وحياة تمنتهـا وعندما أمتلكتها فقدت رونقها ككل ملكية خاصة باتت داخل حدود المتاح، ظلت تسير في غرفتها ذهابًا وإيابًا، وهاتفهـا بين يديها تنتظر مكالمة اللواء “سامي”؛ بشأن حادثة “مراد”، ظلت لفترة طويلة تتحرك بتوتر وعيناها تتقلب فيما حولها بإرتباك، ما أن تعالى رنين هاتفهـا حتى أجابت بلهفة دون عمدٍ:
-أيوة، ها إيه الأخبار؟!..
تنهد اللواء “سامي” بضيق قبل أن يُجيبهـا بهدوء:
-لانـا، إسمعي كويس إللي هقوله، الناس إللي إنتي كنت معاهم وإللي بينفسوكي، مش هيقدروا يعملوا حاجة لمراد، لأنه يدوب ميعرفش غير الناس إللي أتقبض عليهم، لكن لو حسوا منه إنك عايشة حياته هتبقى في خطر، هما بيتابعوا حالته، أستوعبي الكلام ده وأركني عواطفك على جنب.
قطبت جبينهـا بقوة وهي تتسائل بحدة:
-يعني إيه؟!..
من جديد أجابها بهدوئه:
-يعني مش أقل أسبوعين، أقل حاجة.
صرخت فيه “لينا” بقهر:
-كدا مراد حياته في خطر بسببي، لو جراله حاجـة أنا آآ…
قاطعهـا اللواء “سامي” بجدية وهو ينهض من مكانه:
-يا لانا، الموضوع دلوقتي مش بإيديا، أنا أتواصلت مع المستشفى، ولما بلغت الدكتور إللي ماسك حالته، قالي لو عرف أساسًا دي هتبقى صدمة تانية في حالته مش هستحملهـا، لأنه مش مستوعب، هيستوعب لو ظهرتي قدامه، وده شئ مستحيل يحصل، لأنك مش هتنزلي مصر إلا بعد سنة.
عقدت ما بين حاجبيهــا بقوةٍ وهي تقول بغضب:
-سنـة!!.. ده مستحيل يحصل.
حتى ينهي ذلك النقاش قال بنفاذ الصبر:
-سبيهـا لوقتهـا، المهم الفترة دي تعدي وبعدين هنتفق.
أنهى مكالمتـه معهـا، فصرخت بغضب وهي تلقي هاتفهـا على الفراش، وضعت يديهـا على رأسهـا تحاول السيطرة على ذلك الصداع الذي بدأ يغلبهـا، تنفست بغضب جامح وهي تحرك رأسهـا بالسلب متمتمة بحزم:
-مش هيحصل، مش هفضل سنة هنا، كلهـا أسبوعين وهقوله.
*****
خمسة أيامٍ أُخرى مرت بأحداث حزينة.. جامدة.. مؤلمـة، خرج “مراد” أخيرًا من المشفى وهو ينظر حوله بجمودٍ، وبجواره كل من “أدهم” وشقيقتـه، تحركوا به نحو السيارة، فبدون حديث طويل هتف برفيقه بصيغة آمرة التوجه إلى شركتـه ثم أن يذهب بشقيقته إلى المنزل، فما كان من الأخير إلا أن يستجيب لرغبتـه.
قبل أن يدخل الشركة وجد يد تقبض على كفه، إلتفت بعينين حادتين سرعان ما ترخت  عندما وجد إبن خالتــه أمامه ينظر له بسمة واسعة وعينين قلقتين تتأمله بدقة، دون شعور أحتضن رفيقــه متنفسًا بعمق ما أن رأه يقف على قدميـه، أغمض “مراد” عينيه للحظة قبل أن يفتحهما وهو يتراجع للخلف، إبتسم له بشحوب متسائلًا:
-آخر حاجة أتوقعها هو نزولك يا جاســر.
إبتسم له “جاسر” وهو يربت على كتفــه قائلًا بجدية:
-إزاي أسيبك لوحدك في أزمتك، إحنا طول عُمرنا على الحلوة والمُرة، هسيبك دلوقتي؟!..
أومئ “مراد” برأسه إيماءة خفيفة، فتابع “جاسر” بقلق وهو ينظر له بعدم تصديق:
-إنت إيه إللي جرالك؟!.. شكلك أتغير، وشك كله تعب وجسمك كمان، إيه إللي يستدعي لكل ده.
مسح “مراد” على وجهه وهو ينظر أمامه بشرود قبل أن يتمتم بحرقة وعيناه تلتمعان:
-أي حاجة بنعملها يا جاسر بيكون ليهـا ضريبة، أنا دلوقتي بتدفع ضريبة الندم، وذنب في رقبتي هفضل شايله، ووجع في قلبي لو حكيت عنه من هنا لبكرا مش هعرف أوصفلك.
تألم “جاسر” لحاله وقبل أن يسأله، وجده يُضيف:
-عارف إنك عاوز تعرف قصدي والحكاية كلهـا، أنا معنديش طاقة أحكي، لما أدهم يوصل أبقى أقعد إسمع منـه، أنا محتاج أهرب شوية.
دون أن ينتظر رده تحرك صوب داخل الشركة، زفر “جاسر” بحنق وهو يضع يديه بداخل جيوب بنطاله، صمت قليلًا وهو يقول بإمتعاض:
-يعني ملقيتش غير أدهم، ده أنا مش بطيق أقعد معاه مع بعض ولا هو، أقعد أسمع منه الحكاية!!..
سحب نفسًا عميقًا قبل أن يقول بإبتسامة ساخرة:
-وهو ما هيصدق، ويتفشخر بقى بنفسه ويحط رجل على رجل ويطلع طاقة الخامة إللي مش بيطلعها على أي حد غيري، ماشي يا أدهم الزفت.
*****
بعد قليل.
دخل “أدهم” غرفة مكتب “جاسر” وإبتسامة بلهاء مرتسمة على شفتيـه، ما أن رأه “جاسر” حتى أغمض عينيـه بقوة وهو يمسح وجهه بقوة، متمتمًا من بين أسنانه:
-يالهوي بقى.
تحرك “أدهم” نحوه وهو يجلس المقعد ثم قال بإبتسامة واسعة تثير غيظه:
-جـاسو حبيبي، حمدلله على السلامة وصلت إمتى؟!..
رمقه “جاسر” من طرف عينيه مجيبًا بحنق:
-نص ساعة.
-لما قالولي إنك وصلت جاسو مصدقتش، بصراحة طول السنين دي ملقتش حد أرخم عليه غيرك، كنت أرخم على مراد لكن إيده بتسبقه، فضلت أقول فين أيامك يا جاسو فيــن أيامك يا جاسو وفضلت أصرخ وآآ..
قاطعـــه “جاسر” بغضب وهو يضرب بقبضة يده على سطح المكتب، أنتفض “أدهم” من مكانه ينظر له بدهشة، رفع سبابته نحو وهو يقول بصرامة:
-إيه جـاسو دي؟!.. قولتلك 100 مرة متقولش أي اسم دلع ليا، بتنرفز.
أتسعت إبتسامة “أدهم” وهو يحرك كتفيه قائلًا:
-ده أحلى دلع يابني، هو حد طايل ولا إيه جوجو؟!..
توسعت عينــاه وهو ينطق بصدمة:
-جوجو!!..
-ده في كمان ساسو وسورو، وفين 3 تانين بس يليقوا على البنات، هيبقى شكلك وحش لو قولتلهملك.
هب “جاسر” واقفًا وهو يدور حول مكتبـه هادرًا بغيظ:
-بس بقـــى قولتلك بتعصب.
وقف “أدهم” قبالتــه وهو ينظر له بذهول:
-بيعصبك الدلع ده؟!..
-أيوة، فياريت تتنيل على عينك تقعد وتحكيلي عن موضوع مراد.
أومئ رأسه سريعًا وهو يقول ببسمة باردة مستفزة:
-هحكي يا جاسو ولا جسوري، جسوري ساسو، سورو جاسر، جـ… آآآه…
سدد له لكمة عنيفة في فكه وقبل أن يستوعب وجده يسدد له لكمة أخرى أشد أسقطتـه أرضًا، جثى فوقه وهو يرفع يده كبضة يستعد لتسديد لكماتــه، رفع “أدهم” يديه يحمي وجهه وهو يقول:
-خلاص خلاااص حرمت، بلاش إيديك وحياة عيالك يا شيخ، المرة إللي فاتت فضلت بايت في المستشفى.
تنفس “جاسر” بغضب وهو يخفض يده، وثب واقفًا وهو يقول:
-أيوة كدا أتعدل.
حرك “أدهم” رأسه ببراءة وهو يجلس على المقعد وقبالتـه “جاسر”، عدل من هيئتـه قبل أن يقول وهو يشير بيده:
-يالا إطلع بـ200 جنية.
رفع “جاسر” وجهه نحوه وهو يسأله بحنق:
-نعم!!.. بتوع إيـه؟!..
أستخدم “أدهم” يده في الإشارة قائلًا بثقة:
-لأ ما أنا لازم أستغلك، 200 جنية قصاد إني أحكيك الحكاية بالتفصيل الممل، هتجيب ولا أقوم وساعتها أبقى قابلني إن عرفت.
دس “جاسر” يده في جيب بنطاله وهو يخرج محفظته الجلدية الثمينة، أخرج منها ورقة بمئتي نقدي وأعطاها له بوجهٍ ممتعض، أخذهـا منـه “أدهم” بإبتسامة شامتة، قبل أن يضع ساقه فوق الأخرى ويرخي ظهره على مسند المقعد بفخر، ثم بدأ بسرد ما حدث منذ البداية، والأخير يستمع إليه بإنتباه.
*****
خمسة أيامٍ مرت دون أي جديد، لقد حفر السواد تحت عينيه ونحل وجهه بشدة، بل نحل جسده كله، وفوق كل هذا يتحتم عليه.. العيش بشكل.. طبيعي!! يتوجب عليه التعامل مع هذا وذاك، تحية هذا، الابتسام لرجل الأمن، القيام باجتماعات مهمة يكاد لا يفقه منها شيئًا لذا لا يتركه كل من “جاسر” و”أدهم” في أي منهم.
في حين كانت “لينا” جالسة تتابع أخباره بإهتمام، تقص ملامحه من فوق الأوراق وتحتفظ بها في ألبوم مميز كبير خاص به وحده، ووقت الحنين، حين الأشتياق لا تملك إلا أن تضمه بين أحضانها، القلب يئن بألم، العين تدمع بتوسل لقاء، والروح تستجدي قربًا لم تنلـه وربما لن تفعل.
*****
أيام وأيام أخرى، ليس بها سوى الألم، ولكن منذ متى والألم يدوم؟!.. كابوس جديد ككل ليلة، سلاح.. تصوبيه نحوهـا.. إصابتها بطلق ناري.. ثم الندم.
حرك رأسه بعنف وكأنه يحارب، يحاول التنفس ولكن ثقل عنيف على جسده، صورتها وهي غارقة في دمائها ومن ثم الإشتعال بحريق هائل في قصرها جعلت جسده يرتجف أكثر، ومن ثم أخيرًا فتح عينيـه فجأة ينظر حوله بخوف وعدم إستيعاب.
ظل على ذلك الحال لدقائق معدودة، قبل أن يعتدل في جلستـــه ويغادر فراشــه، نومه أصبح متقطع، ظل ينهت بقوة وحبات العرق الباردة قد تصفدت من جبينه، وفجــأة بدأ بالصراخ؛ وكأنه يريد إخراج ما بداخله منذ أول يوم.
كان يصرخ بصوت مبحوح وهو يضرب كل ما تطاله يده، لا يرى إلَّا حُمرة الغضب تُغشي عينيه، أو ربما هو دمه الذي يغلي! انهار على الأرض متهالكًا ثانية هاتفًا برجاء، بصوت مذبوح ينحره سكين الألم:
-مش قـادر، الندم معاكي صعب، ليه دبختيني يا لينـــا بموتك، ليـــــه؟!..
أخذ يضرب رأسه برتابة في الحائط خلفه، عدة ضربات هادئة ليعقبها بصرخة ألم محملة بكل حرقة العالم.. شقت دياجير الليل، من حنجرته المذبوحة، ولكن هل للألم ذاك علاج؟!..
فتحت شقيقتــــه الباب بقلق تزامنًا مع أنتهاء صرخته لتجده متهالك أرضًا في حالة يرثى لها، يلهث بقوة واضعًا يده على صدره موضع قلبه الهادر، عيناه حمرواوتان كما بركتان من الدماء والأسوأ كانت تلك النظرة فيهما.. نظرة خواء شديد، ضياع وتيه، نظرة رجل مقهور!
دنت منــه بصدمة وهي تضع يدها على فمها تمنع ذاتها من البكاء، أقتربت منه ثم جلست على الأرضية الصلبة تجذبه بداخل أحضانهـا، حاول أن يغمض عينيـه ولكنه فشل، يرى صورتها حينما يغمض عينـاه وهذا يؤلمــه، مسحت على خصلات شعره ودمعاتها تهبط على وجنتيها قبل أن تهمس بإختناق:
-عمري ما شوفك بالضعف ده.
كان جسده يرتعش  رغم أحضانها الدفائة، قال بصوب شارد بعيد… بعيد جدًا:
-دبحتني يا دينا، دبحتني بموتهـا، كنت عاوز أعتذرلهـا، أعوضهـا، أقضي إللي باقي من عمري معاهـا، مش عارف أعيش من بعدهـا.
أخفضت وجهها تنظر لمعالم وجهه الشاحبة وهي تقول بشهقة بكاء:
-هتكمل حياتك، لازم تكمل، مش هستحمل أفضل شيفاك كدا.
فقال هامسًا بذات الصوت المختنق المعبأ بالألم:
-أول ما النهار يطلع هزور قبرها، وحشتني أوي، يمكن أرتاح بإحساسي أنها في نفس المكان إللي أنا فيه.
*****
في اليوم التالي، جلس “مراد” أمام قبرهــا بعيون حمراء.. متألمة، كادت أن تهبط دموعه لكن تمالك ذاته، ورفيقـه “جاسر” يقف خلفه ينظر له بألم مثله، يربت على كتفيه كنوع من الدعم، وضع “مراد” الورد الأحمر والأبيض على قبرهـا قبل أن يبتسم بشحوب:
-وحشتيني أوي، أنا عارف إنك حاسة بيا، شوفتي وصلت لفين؟!.. موتك غير حاجات كتير أوي جوايا، كنت فاكر أني أقدر أخضع الكل بقوتي وهيبتي، لكن إنتي هديتي كل إللي بنيته في أيام في لحظة واحدة، كان نفسي أعرف إنتي مين من الأول، كنت هاخدك في حضني وأهربك من الدنيا كلها، بس نكون سوا.
صمت قليلًا قبل أن يضيف بصوت متحشرج:
-قلبي مدقش غير ليكي، مش هقدر أعيش كدا، كل لحظة بعيش في تعب وندم، قلبي محروق ومش عارف أهدى، إنت سمعاني صح؟!.. أرجوكي تسامحيني، قلبك إللي أدتهولي أنا دوست عليه بشغلي، لكن موتك قتلني يا لينـا، سامحينـي.. أنا بحبك.
أخض رأسه تنهمر دموعه الحارقة على وجنتيـه، تنفس بعمق وهو يمسحهم بعنف، وثب واقفًا بهدوء وهو ينظر لقبرهــا نظرات مؤلمة، شعر بألم حاد في قلبــه، فوضع يده يسحب نفسًا عميقًا ويزفره بحرقة، ربت رفيقه على كتفه وهو يتمتم بشفقة:
-يالا يا مراد.
أومئ برأسه ولكن تصلب جسده فجـأة في مكانـــه، رائحة عطرهــا المميزة، فغر شفتيه قليلًا وهو يرمش بعدم إستيعاب، إستمع إلى صوت رفيقه وهو يتسائل بخشونة لفتـــاة ما ترتدي النقاب:
-مين حضرتك؟!..
أستدار “مراد” بعنف وعيناه متسعتان بذهولٍ صادم، لم يرى سوى عيناهـا، ولكن كفى بهمـا، في عينيهـا أغلال وأصفاد معلقة، أرتجف جسده لوهلة حتى شعر أنه سيقع لولا رفيقه الذي أسنده وهو ينظر إليه بخوف وحيرة نحو تلك الفتاة صاحبة العينين الدامعتين رغم صلابتهمــا.
دنت “لينا” منـه خطوة واحدة وهي تناديــه بألم وعيناها تلتمعان بشدة:
-مراد.
أبعد “مراد” رفيقه عنه وهو يتحرك نحوها بعينيه الذاهلتين، وقف أمامهــا يحدق فيهـا بعيون بداخلهما ألم وغضب يكاد أن يفجر العالم بأكمله، رفعت “لينا” النقاب حتى يراهـا ويتأكد، قطب جبينـه بوجع وهو يشعر بأن قدماه لم تعد تتحمل الوقوف، فجثى على ركبتيه بضعف وهو ينظر حوله وكأنه تائه، جثت على ركبتيهـا أمامه قبل أن تنهمر دموعهـا وهي تلمس وجنتـه هاتفة:
-مراد، أنا عايشة، مموتش، عايشة وجيتلك.
نظر لهـا بذهول وعيناه تلمعان، رفع يده نحوها يلمس وجهها، يريد التأكد من وجودهــا، خفق قلبــه بشدة وهو يتمتم بإسمها وكأنه يتذوق حروفهـا:
-لينا؟!.. إنتي عايشة بجد، عايشـة.
يتبع…..
لقراءة الفصل السادس عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد