Uncategorized

رواية سرغائب الفصل السادس والأربعون 46 بقلم سماح نجيب

                                           رواية سرغائب الفصل  السادس والأربعون 46 بقلم سماح نجيب

رواية سرغائب الفصل  السادس والأربعون 46 بقلم سماح نجيب  

 رواية سرغائب الفصل  السادس والأربعون 46 بقلم سماح نجيب

شعرت
بالسخط الشديد من نبرة صوته الغير مكترثة بما هو فيه فهى تريد أن تذيقه
الويل جراء ما فعله والده بأشقاءها فهى تريده أن يتجرع من كأس الحسرة
والندم الذى تجرعت منه هى سابقاً

أقتربت منه بشرار يتطاير من عينيها قائلة بنزق:
–ليه هو أبوك مقلكش أن شريف وسيرين أنتحروا فى السجن وماتوا بعد دخولهم السجن بشهر واحد

ُبُهت
شهاب بعد سماع ما قالته سالى فهو لم يكن على دراية بما حدث مع سيرين
وشقيقها فما يعرفه انه تم الحكم عليهم بالسجن لمدة ٧ سنوات لتنقطع بذلك
صلته بذلك الأمر فهو حتى لم يتقصى من والده بشأنهم طوال تلك الأعوام
الماضية

هتف شهاب بنبرة صوت مذهولة:
–أنتحروا ! طب ليه عملوا فى نفسهم كده

إبتعدت
سالى عنه لتقترب من الحافة الغير مكتملة البناء تنظر للخارج ركلت بقدمها
بعض الحصى من الأرض ليتطاير وتسمع صوت ارتطامه بالأرض التى تبعد عن مكان
تواجدهم بحوالى ثلاث طوابق

إبتسمت سالى بسخرية قائلة:
–بتسأل
عملوا ليه كده يا ابن عزام علشان شريف مستحملش أنه يرجع السجن من تانى
ويقضى فيه سنين وسيرين اللى مستقبلها اتهد ولقت نفسها عايشة وسط مجرمين
وقتالين قتلة أنت عارف تمارا دى كانت معاها فى السجن وهى اللى سيرين
قالتلها أنها تجيلى علشان أخد حقهم من أبوك

قطب شهاب حاجبيه قائلا:
–أنتى
ليه بتتكلمى عن اخواتك كأنهم كانوا ملايكة واحنا ظلمناهم أخوكى كان عايز
يأذى عمى جمال وبنته واختك كانت متفقة معاهم وكمان كانوا بيبتزوا أبويا
وياخدوا منه فلوس يعنى أخواتك هم كمان جانين مش مجنى عليهم أنا اه مقدر أن
حاجة صعبة أنك تفقدى أخواتك مرة واحدة بس برضه ده مش دافع أن يخليكى تقتلى
حد ولو زى ما بتقولى تمارا كانت مع اختك وجاتلك عملتلها إيه قتلتيها يعنى
إنتى كمان من نفس طينة وعينة اخواتك عندك إستعداد تقتلى غيرك فى سبيل
مصلحتك بس أنصحك تفكينى وأمشى من هنا وإلا هتخسرى حياتك فى المقابل

إستمعت سالى لحديثه كاملا ً فأنتظرت حتى فرغ من كلامه اشهرت سلاحها النارى تطلق منه رصاصة أصابت بها ذراعه الأيمن

أطلق شهاب صرخة ألم جراء إستقرار الرصاصة بذراعه فهتف بها قائلا:
–إيه اللى إنتى عملتيه ده

أنكمشت ملامح وجهه بألم فصارت الدماء تتدفق من ذراعه حتى أستحال لون قميصه من على ساعده للون الاحمر فصار مغموس بدماءه النازفة

حدقت
به بإبتسامة شامتة تعقد إحدى ذراعيها أمام صدرها وذراعها الآخر تلوح به
بسلاحها النارى فأقتربت من شهاب تضغط بفوهة السلاح على مكان إستقرار
الرصاصة بذراعه فلم يتحمل شهاب ألم إحتكاك السلاح بذراعه المصابة فصرخ بصوت
عالى

هتفت سالى بشماتة قائلة:
–صرخ كمان يا ابن عزام عيزاك تصرخ
لحد صوتك ما يروح أنا كده كده قعدالك لسه ميعاد الطيارة كمان ساعتين فإحنا
قاعدين نتسلى مع بعض لحد ما أمشى ومتقلقش مش هموتك مرة واحدة كده لاء دا
أنا هموتك بالبطئ لحد ما يخرج منك أخر نفس وتودع الدنيا دى

رد شهاب قائلا بوهن وإبتسامة هازئة:
–أنتى متأكدة أن أنتى خلاص هتقتلينى ليه متقوليش أنك مش هتلحقى تعملى كده علشان زمان فى حد جاى ينقذنى دلوقتى

لم
تفهم سالى مغزى تلك الابتسامة ولا مغزى حديثه فمن سيأتى لإنقاذه؟ فهى حرصت
على أن تأتى به إلى هنا تحيط الأمر بالسرية التامة حتى لا ينكشف أمرها

زمت سالى شفتيها قائلة:
–حلوة الكدبة دى يا ابن عزام ثم مين ده اللى هيجيلك دلوقتى العب غيرها يا شاطر علشان أنا…

لم
تنهى جملتها حتى سمعت صوت إطلاق الرصاص بالخارج ،أجفلت سالى من ذلك الصوت
المدوى ،بعد برهة وجيزة ،وجد شهاب أيسر يدلف برفقة رجال الشرطة

أشهر أيسر سلاحه هو الآخر قائلا:
–إبعدى عنه يلا

تقدم الضابط من خلف أيسر قائلاً:
–أحسنلك ترمى المسدس ده من إيدك دلوقتى

لاتصدق
سالى ما تراه فكيف حدث كل هذا ؟ فهى لا تعى مايحدث فكيف وصل هؤلاء الأفراد
إلى تلك المنطقة التى تشبه الخراب فالمكان غير مأهول بالسكان حتى تقول أن
أحد الجيران هو من قام بتبليغ الشرطة عما يحدث

خرجت من دائرة أفكارها لترفع يدها تصوب بسلاحها لرأس شهاب قائلة:
–لو مبعدتوش برصاصة واحدة وهخلص عليه فاهمين

ولكن
قبل أن تطلق الرصاصة سبقها الضابط فى إطلاق رصاصة أصابت يدها التى تحمل
السلاح فسقط أرضاً ظلت سالى تتراجع بخطواتها للخلف وهى ترى رجال الشرطة
يقتربون منها لم تدرى أنها تسير إلى هلاكها فعندما صرخ بها أيسر قائلاً:
–حاااااسبى

وجدت نفسها على حافة تلك البناية فأختل توازنها لتسقط على بعض الأدوات الحادة التى أنغرست أحدها بجسدها لتلفظ أنفاسها الأخيرة

أقترب أيسر سريعاً من شهاب يحل وثاقه يطالعه بقلق قائلاً:
–شهاب أنت كويس فى أى إصابة تانية فى جسمك غير الرصاصة دى

حرك
شهاب رأسه بضعف فالألم يشتد بساعده فهو يشكر الله على أن أستطاع أحد
إنقاذه قبل أن تكمل سالى ما تريد وكان السبب فى إنقاذه هو فتح جهاز التتبع
بهاتفه فتذكر ما حدث قبل رؤيته تمارا

عودة إلى الماضى
بعد أن أنتهى من عمله لملم أغراضه وفتح هاتفه يريد الاطمئنان على ضحى مثلما يفعل يومياً منذ عقد قرانهم
جاءه صوتها الرقيق قائلة:
–السلام عليكم يا شهاب

رد شهاب قائلا بابتسامة:
–وعليكم السلام وحشتينى

تناهى إلى مسامعه صوت شهقتها الخافتة بعد سماعها ما قاله فصمتت فهتف قائلا:
–هو أنا كل ما أقولك وحشتينى تتكسفى ومترديش أنا والله دلوقتى جوزك بس الصراحة بموت فى خجلك ده ووشك اللى بيجيب الوان الطيف

طال صمتها فأستطرد هو قائلاً:
–خلاص يا ستى هسكت أهو بس المهم أنا جايلك دلوقتى علشان أوصلك البيت

طالعت ضحى الهاتف قائلة:
–أنت
لسه فى الشركة ومخرجتش الجى بى إس ظاهر عندى أنك لسه مخرجتش من الشركة بس
مش عارفة إيه تصميمك أنك توصل أجهزة التتبع بتليفونتنا ببعض

جاءها رده قائلاً بصوت متهدج:
–علشان
تعرفى أن جوزك راجل مستقيم من البيت للشركة ومن الشركة للبيت وكمان أبقى
مطمن عليكى أنا كمان على العموم مش هتأخر مسافة السكة وهجيلك

عودة للوقت الحالى
حدق شهاب بأيسر رفع ذراعه السليمة يضغط بيده على ذراعه المصابة فإنكمشت ملامحه أكثر فأكثر إلا أنه أستطاع القول قائلاً:
–هى ضحى اللى كلمتك يا أيسر

سحبه أيسر من مرفقه ليسير معه فهو يجب أن يذهب للمشفى فى الحال فرد عليه قائلاً:
–لما
فضلت مستنياك ومروحتلهاش وكمان جهاز التتبع عندها ظهر فيه أنك مش فى
الطريق للمحل بتاعها فقلقت وكلمت ثراء وعرفت وروحنالها وخدت التليفون منها
ولما قلقنا زيادة بلغنا البوليس وعلى فكرة هم موجودين فى العربية تحت
خليتهم يستنونى تحت بصعوبة وكويس أن اللى خطفوك ما اخدوش بالهم من تليفونك
واخدوه منك وإلا كان زمانا دلوقتى معرفناش نوصلك فيلا بينا علشان نلحق نروح
نوديك المستشفى وبعدين نعرف إيه الحكاية بالظبط

أستند شهاب على
أيسر حتى خرجوا من تلك البناية المهجورة ،لم تستطع ضحى الإنتظار أكثر خاصة
وهى ترى شهاب يخرج برفقة أيسر ورأت أيضاً ثيابه الملطخة بدماءه فترجلت من
السيارة تسير إليهم شبه راكضة فطفقت تردد بلهفة:
–شهاب إيه اللى حصل ومين اللى عمل فيك كده رد عليا

أنزلقت دمعة من إحدى عينيها فوجدت ثراء تصل إليهم تربت على كتفها تطالع شهاب بقلق هى الآخر إلا أن أيسر حسم ذلك الجدال قائلا ً:
–مش وقته الكلام ده دلوقتى لازم نوديه المستشفى علشان الرصاصة اللى فى دراعه وبعدين هنعرف كل حاجة

أدار
أيسر محرك السيارة ينطلق بها سريعاً جلست بجانبه ثراء وجلست ضحى بالخلف
بجوار شهاب الذى بدأ بفقدان وعيه ولكنه يجاهد على أن تظل عيناه مفتوحتان
ولكن ذلك الظلام بدأ يزحف إليه ببطئ حتى أسلم أمره له بالأخير
__________
جالسة
أمام تلك النافذة بغرفتها ،تستند بوجنتها على كف يدها تنظر للقمر الذى
أنار السماء ببداية تلك الليلة ،فرت دموعها من عينيها التى لم تكف عن ذرفها
منذ اليومين الماضيين فهى حتى لم تذهب إلى العيادة بل فضلت الجلوس بالمنزل
تبكى بمرارة على تلك الذكرى المأساوية التى تعرضت لها على يد رجل لا يمت
لصفة الرجولة بصلة بل رجل دنئ يبحث عن رغباته بطرق ملتوية فكان بإمكانه أن
يدمر لها مستقبلها وسمعتها ورغم أن القدر نصفها بالتخلص منه قبل أن يصل
لمبتغاه إلا أن ذلك الخوف الذى سكنها منذ ذلك اليوم لم تستطيع أن تتخلص منه
لمحت دلوف والداتها الغرفة التى أقتربت منها تربت عليها بحنان قائلة:
–وبعدين
يا سما هتفضلى حابسة نفسك هنا فى أوضتك حتى العيادة مش بتروحيها ليه دا
كله يا حبيبتى أنسى بقى يا سما أنتى مش هتعيشى عمرك كله كده

حملقت بها سما بصمت فأقتربت منها تريح رأسها على صدرها فضمتها والداتها تحتويها بين ذراعيها بعطف وحنان فأستطردت قائلة:
–حبيبتى
لازم تحاولى تنسى بقى وتشوفى حياتك خلاص أهو غار فى ستين داهية وبعد عنك
ثم مش كل الرجالة وحشة زيه أنتى كنتى شايفة باباكى الله يرحمه كان حنين
إزاى يعنى زى ما فى الوحش فيه الحلو برضه أدى نفسك فرصة تطلعى من اللى إنتى
فيه ده

زفرت سما بتعب قائلة:
–مش عارفة يا ماما يعنى لما فى واحد لمحلى أنه بيحبنى أفتكرت كل اللى حصل وأتخيلت أنه زيه زى اللى قبله

ضمت والداتها حاجبيها فسما لم تخبرها بهذا الأمر فنظرت إليها قائلة:
–واحد مين ده وحصل إمتى ده مقولتليش يعنى يا سما على الموضوع ده

رفعت سما رأسها عن صدر والداتها وقصت عليها ما حدث بينها وبين أمير وأختتمت حديثها قائلة:
–دا كان فاضل بس شوية وأعوره لما قالى الكلام ده

لم تمنع والداتها ضحكتها على ما تفوهت به ،فتبسمت سما هى الأخرى ومدت يديها تمسح وجهها وهى تزفر قائلة:
–منه
لله اللى كان السبب فى أن أنا أعيش كده أشوف أى راجل بيقول كلمة حلوة
اتخيل أنه ممكن يتهجم عليا أنا مش عارفة أعمل إيه يا ماما تفتكرى أن لازم
أروح أتعالج نفسى

ربتت والداتها على ذراعها قائلة:
–حبيبتى علاجك
فى أن تقوى ثقتك بنفسك وتتخطى اللى حصل ده حتى لو عايزة تروحى لدكتور نفسى
روحى أنا كلمتك فى الموضوع ده زمان وأنتى رفضتى وكنتى مقفلة على نفسك يعنى
حتى بتروحى العيادة وترجعى البيت مبتخرجيش مع أصحابك ومبترضيش تخرجى معايا
لأى مكان كتر القاعدة لوحدك هتسوء من حالتك النفسية مش هتحسنها يا سما

فكرت
سما فيما قالته والداتها فهى محقة فلابد أن تبدأ بالخروج من تلك القوقعة
التى أغلقتها على ذاتها ، فأومأت برأسها إيماءة خفيفة قائلة:
–حاضر يا ماما هفكر فى كلامك وهحاول أخرج من اللى أنا فيه بس ياريت متصدمش من تانى

جذبتها
والداتها إلى أحضانها ثانية تحاول بعث الإطمئنان بنفس إبنتها
المضطربة،راجية من الله أن يرشد إبنتها إلى الصواب وأن تتخطى ذلك الأمر
المؤسف
_________
تجمهرت عائلة الرافعى أمام باب غرفة العمليات
بالمشفى الخاص بجمال فعلم كل أفراد العائلة بما حدث لشهاب من خطف وإصابة
بطلق ناري ،ظل عزام يذرع الرواق ذهاباً وإياباً وصوت عصاه تنقر الأرض يتردى
صداها بأذن الجالسين وخاصة زوجته التى لم تكف عن البكاء منذ سماع ماحدث
لإبنها

أقتربت ميرا من لبنى رابتة على ذراعها بحنان قائلة:
–أهدى يا ماما إن شاء الله خير والرصاصة هتخرج دى فى دراعه مش فى أى مكان تانى الحمد لله

تحاول أن تطمأن والداتها ولكنها هى الأخرى بحاجة لأن تطمئن على شقيقها ،فتلك الكوارث التى تحل على رأسهم تباعاً لا تعرف متى ستنتهى ؟

خرج جمال من غرفة العمليات وجد الجميع يتركون مقاعدهم يقتربون منه فشق عزام الجمع يقترب من شقيقه قائلاً:
–شهاب عامل إيه دلوقتى يا جمال رد عليا

شعر جمال بإرتجاف صوت شقيقه النابع من خوفه المتعاظم بداخله على ما حدث لإبنه فربت جمال على ذراعه قائلاً بإبتسامته الهادئة:
–إهدى
يا عزام هو كويس وخرجناله الرصاصة وهو كويس بس علشان هو نزف من دراعه كتير
فعلشان كده اغمى عليه لما وصل المستشفى بس الحمد لله شوية وهيفوق ويبقى
كويس

ندت عن عزام زفرة إرتياح بعد سماع ما قاله جمال فجلس على أقرب
مقعد وصلت إليه قدميه،تهللت أسارير الجميع بعد سماعهم أن شهاب بخير الآن

طفقت ضحى تردد هامسة:
–الحمد لله الحمد لله يارب أنه بقى كويس

أنتبهت على يد ثراء تحيط كتفها قائلة:
–تعالى بقى أقعدى وأرتاحى أعصابك كانت مشدودة على الاخر للدرجة دى بتحبيه

تعمدت
ثراء إغاظتها بتلميحها فهى تعلم ما يصيب صديقتها عندما تحمر وجنتيها من
الخجل فهى تحاول الترويح عنها بعد تلك الساعات المرهقة التى عاشتها منذ
علمها بإختفاء شهاب حتى وصولوهم إلى المشفى

حدجت ثراء زوجها الجالس
خافضاً رأسه يضعها بين راحتيه بنظرة إعجاب فهو بعد علمه بما حدث لشهاب لم
يتوانى عن تقديم يد المساعدة له ،فتركت ثراء مكانها بجوار ضحى لتقترب من
أيسر
جلست بجواره سحبت إحدى يديه من على جانبى رأسه ،فرفع وجهه إليها يطالعها باهتمام ،سمعها تهتف به قائلة:
–حبيبى لو تعبان روح البيت إرتاح وأنا هطمنك على شهاب

أستند أيسر بظهره للمقعد يعتدل بجلسته قائلاً:
–أنا كويس يا حبيبتى مفيش حاجة أنتى لازم تروحى علشان كوكى لوحدها مع الدادة فى البيت وممكن تكون بتعيط دلوقتى

قبل
أن تقول ثراء شيئاً،خرج شهاب من غرفة العمليات يستلقى على سرير المشفى
المتحرك بمجرد رؤيته تجمع حوله الحاضرين إلا أن جمال أشار إليهم بإلتزام
الهدوء قائلاً:
–أهدوا يا جماعة أنا قولتلكم هو كويس بس لسه مش هيفوق دلوقتى فيلا كلكم روحوا أرتاحوا ملهاش لازمة قعدتكم كده وياريت تسمعوا الكلام

رفضوا
الإنصراف إلا أن جمال شدد عليهم بضرورة الرحيل على أن يأتوا بوقت لاحق
فأخذ كل منهم زوجته وعادوا لمنازلهم عدا عزام ولبنى فضحى أيضاً أرادت أن
تظل بجوار شهاب ولكن ثراء أصرت عليها بضرورة نيل قسط من الراحة

أخذ
أيسر ثراء ليعودا إلى منزلهم فجلست بالسيارة صامتة فهى حتى غير قادرة على
فتح جفونها فتلك الليلة العصيبة جعلت النوم مستعصياً على أعين الجميع ،وصلا
للمنزل فترجلا من السيارة ولكن تناهى إلى مسامعهم صوت بكاء صغيرتهم
فأسرعوا الخطى للداخل ،فوجدا مليكة تبكى تحاول المربية تهدئتها لتكف عن
البكاء

فأقترب منها أيسر قائلا بقلق:
–حبيبتى بتعيطى ليه فى إيه

سمعت الصغيرة صوت أبيها فركضت إليه ترتمى بين ذراعيه فرفعها عن الأرض رابتاً عليها بحنان فهتفت به مليكة قائلة ببكاء:
–بابى أنت ومامى سبتونى وروحتوا فين

جلس أيسر ووضع مليكة على ساقه يضمها إليه فقبلها على رأسها قائلاً بحنان:
–معلش يا روحى كان عندنا مشوار مهم ثم مش كوكى شطورة ومش بتعيط

حركت الصغيرة رأسها بعنف نافية حديث والدها فأستندت برأسها على صدر أبيها قائلة:
–لاء كوكى بتخاف لما بتكون لوحدها

جلست ثراء بجوارهم فأخذت مليكة تضمها إليها فتشبث الصغيرة بعنق والداتها فطوقتها ثراء بذراعيها بحب قائلة:
–حبيبة قلبى متزعليش ويلا علشان تنامى بقى كفاية عليكى كده النهار قرب يطلع

حملت ثراء الصغيرة يتبعها أيسر والمربية فقبل أيسر مليكة قبل ذهابه لغرفتهم ، وضعتها ثراء بفراشها تمسد على رأسها بحنان قائلة:
–يلا يا قلب مامى نامى بقى

زحف
النوم لعين الصغيرة سريعاً فكثرة البكاء قد أنهكت قواها وجعلتها تستسلم
للنعاس بدون مجادلة، جرت ثراء قدميها بثقل فهى تحمد الله على أن تلك الليلة
قد مرت بسلام ،وصلت للغرفة أرتمت على الفراش فندت عنها زفرة هواء قوية قبل
أن تعتدل لتخلع حذاءها ،رآت زوجها يخرج من الحمام بعد أنتهاءه من إغتساله
فعادت وأستلقت ثانية على الفراش

تنهدت ثراء قائلة بإرهاق:
–حاسة أن عايزة أنام يومين على بعض حتى مش قادرة أقوم اغير هدومى
نزعت عنها حجابها تلقيه على الكومود بجوارها رأت زوجها يستلقى على الفراش هو الآخر ولكن لاحظت صمته

–مالك يا أيسر
قالتها ثراء وهى تمد يدها تدير وجهه إليها فطالعها بصمت لم يدوم طويلاً فزفر قائلاً:
–كنت
بفكر فى اللى حصل يعنى لو شوية تأخير كمان كان ممكن شهاب جراله أفظع من
كده وده كله برضه بسبب أبوه مش عارف لحد أمتى هنفضل كلنا نعانى من ماضى
عزام الرافعى

لم تجد ثراء ما تقوله ،فماذا تقول ؟ فحقاً جميعهم
عانوا بشكل أو بأخر من أفعال عمها بماضيه ،فأقتربت منه تتوسد كتفه وباتت
تفكر متى ستأتى أيامهم الخالية من الحزن ؟ ،لم يفعل شئ سوى أنه ظل يمسد على
رأسها حتى سمع صوت إنتظام أنفاسها ،فقبلها على جبينها ثم أغلق عينيه ليغفو
هو الآخر
____________
نجح متولى فى تهدئة ذلك العجوز الذى لا يكف
عن التذمر والتبرم مما يفعلونه ،فهو رأى انه من الأفضل مسايرته فيما يريد
،حتى ينجو بنفسه من توبيخه له

هتف متولى من بين أسنانه قائلاً:
–أتفضل يا عم مدبولى عملتلك كوباية الشاى اللى طلبتها

ناوله متولى قدح الشاى ،فأخذه متولى ينظر إليه قبل أن يرفعه لفمه يرتشف منه فطالع متولى قائلا بغرابة :
–غريبة يعنى عملت كوباية الشاى بسرعة النهاردة

إبتسم متولى من بين شفتيه قائلا:
–أصل الصراحة مش عايز أتزهق النهاردة يا عم مدبولى

أحتسى مدبولى من قدح الشاى فعاود النظر لمتولى قائلاً بهدوء:
–قولى يا واد يا متولى أنت باين عليك طيب مش زى الشيطان اللى اسمه عباس ده ايه اللى مخليك ماشى وراه

–علشان أنا حمار يا عم مدبولى
قالها متولى وهو يشعر بالاسف للحال الذى وصل إليه إلا أنه نهض من مكانه فأستوقفه مدبولى قائلاً:
–تعال
يا متولى وقولى حكايتك إيه بالظبط وأدينا بنفضفض على ما نشوف الشملول اللى
اسمه عباس ده خرج وراح فين بقاله كام يوم بيغطس ومبيقبش إلا أخر النهار
قلبى بيقولى أنه بيدبر لمصيبة

أومأ متولى برأسه وهو يفكر هل لاحظ
العجوز أيضاً ما يفعله عباس ؟ روى له بداية صداقته بعباس الذى أفضت
بالنهاية بذهابه للسجن وخسارته زوجته وأبنائه حتى مكوثهم برفقته

فزفر متولى بقلة حيلة قائلا:
–وأدينا أهو قاعدين يا عم مدبولى حتى كل الأبواب أتقفلت فى وشنا محدش عايز يشغل ناس سوابق وخارجين من السجن

حك مدبولى جبهته وضيق ما بين عينيه فظهرت تجاعيد وجهه بوضوح فتمتم قائلاً:
–مش لاقين شغل أومال الواد عباس قال أنه لقى شغل ليه علشان كده بيتأخر كل يوم هو بيضحك عليا

عندما فتح متولى فمه لسؤاله عما يقول وجد عباس يولج الشقة فهتف بصوت جهورى:
–أنتوا أكلتوا ولا لسه أنا واقع من الجوع

حدق به مدبولى قائلاً:
–همك على بطنك على طول عملت إيه فى الشغل النهاردة يا عباس
حول
عباس بصره سريعاً لمتولى الذى يطالعه بغرابة فهو لم يخبره بشأن العثور على
عمل،فهو يوهم العجوز بهذا الكلام حتى يستطيع الخروج من المنزل بدون أن
يستقصى عما يفعله

أزدرد عباس لعابه يهتف بصوت هادئ:
–كويس يا عم مدبولى

وضع متولى يده أسفل فكه قائلاً:
–مبروك يا عباس مقولتليش يعنى أنك لقيت شغل

غمزه عباس بعينيه أن يكف عن طرح الأسئلة الآن، رأى مدبولى يولج لغرفته فأرتمى عباس على المقعد المقابل لمتولى فهتف بضيق:
–فى إيه يا متولى طب أنا بقوله كده علشان ميوجعش دماغى أنا لا لقيت شغل ولا نيلة

صح
ظن متولى فهو يعلم أن عباس يخطط لأمر ما منذ سماعه يتحدث بشأن خطف فتاة
صغيرة ،ولكنه لم يشأ أن يكتشف معرفته بهذا الأمر الآن ؟ فترك متولى مكانه
يتجه نحو المطبخ ،أسرع عباس فى الولوج للغرفة وأخرج هاتفه، جاءه الرد على
الطرف الآخر قائلا:
–أيوة يا عباس أنت بقالك فترة يعنى مببتصلش أنت صرفت نظر عن الموضوع ولا إيه

رد عباس قائلاً:
–لاء
مصرفتش نظر ولا حاجة بس دلوقتى فى حراسة على البيت وحراسة ماشية ورا البت
وأمها ودى مش اى حراسة دا ممشى وراهم جيش حرس يعنى لو فكرنا بس نقرب منها
هيقتلونا فى ثانية

–طب وهنعمل إيه ولا خلاص كده نفكنا من الموضوع ده بقى وخلاص ومنوجعش دماغنا
هكذا رد الرجل الآخر على عباس ، حك رأسه بتفكير قائلا:
–هو فى فرصة قدامنا بس اللى يعرف يستغلها كويس

هتف الرجل متسائلاً:
–وفرصة إيه دى يا عباس قولى عليها

أفتر ثغر عباس عن ابتسامة قائلا:
–عرفت
أن أبو البت هيفتتح مستشفى وعامل حفلة إفتتاح كبيرة أوى وأكيد هيبقى فى
ناس كتير وهتبقى هيصة لو عرفنا نأخد البت والكل مشغول تبقى دى فرصتنا وأنا
هقولك نعمل إيه

أخبر عباس الرجل بالخطة التى وضعها من أجل خطف مليكة
بالتزامن مع إفتتاح أيسر المشفى ،ظلا وقتاً طويلاً يتحدثان عبر الهاتف حتى
لا ينسى شيئاً مما يريد أن يفعله
_________
فتح شهاب عينيه ببطئ بعد سماع صوت بكاء والدته الجالسة على المقعد بجوار الفراش ممسكة بيده تارة وتمسد على رأسه بحنان تارة أخرى

دمدم شهاب بصوت منخفض:
–ماما هو أنا فين

أبتسمت لبنى من بين دموعها قائلة:
–حمد الله على سلامتك يا شهاب ،أنت دلوقتى فى المستشفى قدر ولطف يا حبيبى

أقترب عزام بعد سماع صوت شهاب فأنحنى بجزعه قليلاً للأمام قائلاً:
–شهاب أنت كويس يا إبنى

أعتدل شهاب بجلسته وهو يجيب والده قائلاً:
–الحمد لله يا بابا أنا كويس متقلقوش

نظر شهاب لذراعه المصاب وللضماد الأبيض حوله فأرتد برأسه قائلاً:
–هى ضحى فين أنا أخر حاجة فاكرها أنها كانت جمبى فى العربية هى راحت فين

ربتت لبنى على كتفه بحنان قائلة:
–هى
كانت هنا بس روحت ترتاح شوية هى مكنتش عايزة تمشى بس عمك جمال مسمحش لحد
يفضل هنا غيرى أنا وباباك وكلهم زمانهم جايين يطمنوا عليك دلوقتى

جلس عزام على طرف الفراش يحدق بشهاب بإهتمام فهتف قائلا:
–هى كانت مين الست اللى خطفتك دى يا شهاب

ندت عنه زفرة قوية قبل أن يقول:
–كانت أخت سيرين نصار

أخترقت جملته مسامع والديه فرفعت لبنى وجهها تطالع زوجها الذى ضم حاجبيه بدهشة مما يسمعه فهتف بصوت مذهول:
–أخت سيرين هى سيرين كان ليها أخوات تانين غير شريف أنا أول مرة أسمع الكلام ده

غرز شهاب أصابعه بشعره يغمغم بصوت منخفض:
–هو ده اللى عرفته وكمان قالتلى أن سيرين وأخوها أنتحروا فى السجن بجد الكلام ده يا بابا

نقر عزام الأرض بعصاه قائلاً بهدوء:
–أيوة
يا شهاب هم فعلا ماتوا وأنا عرفت بس مقولتش لحد الظروف اللى كنا فيها
مكنتش مخليانى أفكر فى حاجة تانية غير العيلة اللى أنا دمرتها

يبحث
عن الراحة ولا يجد لها سبيل، فهل آثامه وذنوبه هى من تحول بينه وبين راحته
وراحة ضميره الذى بمجرد النظر لأى فرد من أفراد عائلته يعود إليه مأنباً

ألتفتوا برؤوسهم بعد سماعهم تلك الطرقات المهذبة ،فتهللت أسارير شهاب بعد رؤيته ضحى تقف على الباب ،فتقدمت خطوتين قائلة بخجل:
–السلام عليكم

رد الجميع التحية فاشارت لها لبنى بالدخول قائلة:
–تعالى يا ضحى أقعدى أنتى جنبه علشان عايزة أرتاح شوية

قالتها لبنى ممازحة وهى تهم بمغادرة الغرفة برفقة زوجها ،اقتربت ضحى قليلا من الفراش تفرك يدها بتوتر قائلة:
–أنت عامل إيه دلوقتى كويس

شقت إبتسامة واسعة شفتيه من رؤية وجهها التى أعتلت قسماته ملامح الخجل فرد قائلاً:
–أنا
كويس وبقيت كويس لما شوفتك يا ضحى وبحمد ربنا أنك كنتى السبب فى أن أيسر
يلحقني وإلا كان زمانى المرحوم دلوقتى بدل ما كنت أدخل دنيا كنت هدخل
الاخرة

–بعد الشر عليك يا شهاب
قالتها ضحى وخفضت وجهها سريعاً
تحملق بالأرض فهى تريد الفرار الآن،فهى تحمد الله على نجاته ،سحبت مقعد
تجلس عليه يبعد قليلاً عن السرير فظلت تثرثر معه بمرح ، فهو لا يريد أن يمر
الوقت وتذهب فهو يريدها أن تظل جالسة معه تحدثه عن كل شئ وعن أى شئ فهو
سعيد برؤيتها وهى تمزح معه مثلما كانت تفعل بالسابق عندما كانت لا تكف عن
مشاكسته
__________

نقر أمير مقود السيارة بأصابعه وهو مازال
جالساً بالسيارة منذ ما يقارب العشر دقائق ،تتقاذفه رغبته فى أن يترجل من
السيارة ويلج للعيادة لكى يراها وبين أن يدير المحرك ينطلق بها يعود إلى
منزله

تأفف بصوت مسموع قائلاً:
–وبعدين أدخل ولا ما أدخلش أنا حاسس أنها لو شافت وشى المرة دى هتطلبى البوليس أنا مش عارف إيه حظى ده

أستند برأسه على المقود يحاول إستجماع شجاعته فوجد نفسه يفتح الباب المجاور له يترجل من السيارة قبل أن يلح عليه عقله بالرحيل

ولج للداخل أقترب من مكتب الممرضة قائلاً بهدوء:
–أنا كان معايا ميعاد مع الدكتورة النهاردة بخصوص الحشو النهائى

إبتسمت الممرضة بهدوء قائلة:
–أتفضل حضرتك أدخل الدكتورة سما حالياً فاضية مفيش حد معاها جوا

أغلق أمير أزرار سترته يتأهب للدخول فدمدم هامساً:
–حتى مفيش حد يلحقني لو هى أتهورت وعورتنى

إبتسم
أمير على ما همس به لنفسه ومن تخيله هجوم سما عليه ولكن تلك المرة بألة
أكثر حدة ،طرق الباب بتهذيب ليستمع لصوتها تأذن له بالدخول

فتح الباب ليلج بخطى ثابتة قائلاً:
–أنا جيت يا دكتورة سما

تركت سما القلم من يدها ،تستند بمرفقيها على حافة المكتب تشير له بيدها قائلة بهدوء:
–أهلا يا أستاذ أتفضل أنت كنت جاى علشان نعمل الحشو النهائى مش كده

–لاء مكنتش جاى علشان كده يا دكتور سما
هتف بها أمير وهو مازال واقفاً بمنتصف الغرفة فزفرت سما قائلة:
–أومال
جاى ليه وعايز إيه علشان أنا مش عايزة اسمع كلام فاضى زى اللى قولته المرة
اللى فاتت لأن المرة دى هطلبلك البوليس يا أما مستشفى المجانين

تقدم
أمير بخطواته حتى جلس على المقعد أمام مكتبها فأستندت هى على مقعدها
فالمكتب صغير وأصبحت تشعر بضألة حجمه وخاصة عندما جلس هو أمامها على الطرف
الآخر كأن كل شئ أصبح يضيق عليها الخناق

حدق بها أمير حتى شعرت بالحرج وخفضت بصرها فبادر بالقول:
–أولاً
أنا أسف على اللى حصل المرة اللى فاتت مكنش قصدى أضايقك أو أخوفك بس
والله ما كان قصدى حاجة وحشة أنا بجد حاسس أن مشدود ليكى ليه أو إزاى مش
عارف بس من ساعة ما شوفتك مبطلتش تفكير فيكى وعايزك بس تدينى فرصة أثبتلك
حسن نيتى

ازدردت سما لعابها حتى شعرت بجفاف حلقها من ذلك الخجل الذى
جعلها تشعر بتوهج بمسام وجهها فرفعت يدها تحك جبهتها التى تشعر بتعرقها
فغمغمت قائلة:
–وأنت عايز تثبت حسن نيتك إزاى يعنى

رد أمير قائلاً:
–أن أجى أطلب إيدك من مامتك أنا مش هكدب عليكى أو اغشك أنا عرفت عنك كل حاجة حتى خطوبتك اللى كانت قبل كده

أتسعت حدقتيها بعد سماع ما تفوه به فشدت على أصابعها تحاول أن تهدأ من فوران دماءها بعروقها فهتفت متصنعة الهدوء:
–أه وعرفت إيه عنى تانى عرفت أن انا بقى عندى رهاب من أى راجل بسبب أن خطيبى الندل كان عايز يعتدى عليا وجابلى عقدة

صح ظنه الآن ،فمنذ المرة الماضية عندما رأى هجومها المفاجئ عليه،علم أن ربما السبب بتصرفها العدوانى حادث أليم ترك اثره بنفسها

أومأ أمير برأسه قائلاً:
–أنا
خمنت كده لما لقيتك اتعصبتى جامد وخوفتى منى بس عايز أقولك أن أنا مش زيه
أو كلنا مش زى بعض هى صوابعك كلها زى بعضها زى ما فى الوحش فى الحلو

عقدت سما حاجبيها فهو يتحدث مثل والداتها إلا أنها أستطاعت القول:
–وأنت عايز تقنعنى أنك من مرتين شوفتنى فيهم انك معجب بيا وعايز تتجوزنى

إبتسم أمير قائلاً:
–مسمعتيش عن الحب من أول نظرة يا دكتورة سما مع أن باللى عملتيه المرة اللى فاتت كان لازم اصرف نظر قبل ما تطيرى رقبتى المرة دى

أفلتت منها ضحكة على وصفه لها فخفضت رأسها وهى تتمتم قائلة:
–هو
أنا كنت شريرة أوى كده ما علينا لو اللى أنت بتقوله ده صح أو أنت معجب بيا
وبتقول عرفت عنى كل حاجة ممكن تقدر تكلم ماما مبدأياً معنديش مانع وهنعمل
خطوبة علشان أدرس أخلاقك لقيتك زى اللى قبلك يبقى متلومنيش على اللى هعمله
فيك

لاتعرف من أين أتتها هذه الجرأة ؟أن تجلس معه وتحاوره وتخبره
بشأن موافقتها المبدأية فربما أصاب عقلها الجنون ولكن لن تستطيع إيهام
نفسها أكثر من ذلك فمن يجلس أمامها الآن لا يمت بصلة لذلك الشخص القمئ الذى
كان يسمى خطيبها ،فربما هو فرصتها المنتظرة للتخلص من خوفها وجبنها وأن
تعود لحياتها من جديد
_________

فتحت ثراء غرفة إبنتها لتبحث عن
أيسر فهى لاحظت أختفاؤه منذ عودتهم من المشفى بعد زيارة شهاب ،وجدت مليكة
تغط بنوم عميق ولكنه ليس بالغرفة فتمتمت بغرابة:
–هو أيسر راح فين حتى مش هنا فى أوضة مليكة ولا حتى فى أوضتنا راح فين

أغلقت
الباب ثانية فهبطت الدرج حتى وصلت للطابق السفلى ولكنها لم تجده ،استبد
بها القلق فخرجت للحديقة تفتش عنه حتى وصلت لحظيرة الخيول وجدته يستند على
السياج الخشبي يداعب جواده المفضل

فأقتربت منه تهتف بصوت هادئ:
–أيسر أنت موجود هنا وأنا عمالة أدور عليك جوا

أستدار أيسر برأسه إليها بعد سماع صوتها فرد قائلا:
–قولت أنزل أشوف رهوان بقالى كام يوم كنت مشغول عنه كنتى بتدورى عليا فى حاجة

وقفت بجواره وأستندت بذراعيها على السياج فتبسمت قائلة:
–لاء مفيش حاجة بلاش يعنى أدور عليك

فتح
الباب الخشبى للسياج أخذها من يدها ووقف بجوار” رهوان” فحملها ووضعها على
ظهر الجواد وقفز يجلس خلفها سار بروية فأنكمشت بين ذراعيه وجدته يهمس
بأذنها قائلاً:
–ثراء قوليلى الخمس سنين اللى بعدتى فيهم عنى كنتى بتعملى إيه أو بتقضى يومك إزاى

رغم تعجبها من سؤاله إلا أنها قصت عليه ما فعلته بتلك الاعوام الخمس الماضية فبدأت حديثها قائلة:
–كانوا
أصعب خمس سنين فى عمرى كله لما أعيش متعذبة بحبك وفى نفس الوقت عايزة
أنساك وأكتشفت كمان حملى فى مليكة مكنتش مصدقة أن بالرغم من أن حاولت أهرب
منك وأبعد عنك ألاقى نفسى شايلة حتة منك زى ما يكون القدر بيقولى ريحى
دماغك مش هتقدرى تنسيه أو تشليه من قلبك لدرجة أن روحت أتعالج علاج نفسى
تخيل كده كنت بدور على أى حاجة أنساك بيها ومكنتش لاقية زى اللى بتلف فى
دايرة مقفولة ألف وأرجع لنفس نقطة البداية من تانى أنت زى ما قولتلك يا
أيسر بدايتى ونهايتى ،بس لما ولدت مليكة ولما كنت أبص فى عينيها وأشوفك
فيهم كنت أفضل أحضنها وأضمها جامد وقلبى يفضل ينادى بإسمك كنت عاملة نفسى
شجاعة وأن نسيتك وكل اللى حواليا واخدنى على قد عقلى لأنهم كانوا عارفين أن
لسه بحبك ، كتير كنت بسأل نفسى أنا ليه بحبك اوى كده أو ليه متعلقة بيك بس
تصدق مش لاقية جواب على سؤالى ده غير أنك فى عينيا مش زى أى حد ولا فى حد
ينافسك

مد يده يداعب وجنتها قائلا :
–أنا بقى كنت عايش بكلم
نفسى ،ويوم فرح أخوكى حسام لما باباكى ومامتك شافوا صافى وأضايقوا منى جيت
البيت هنا وكنت بفكر أغرق نفسى فى حمام السباحة

أرتجف بدنها بعد سماع ما قاله هو وصل به الأمر للتفكير بالانتحار فهتفت بذهول:
–كنت عايز تنتحر يا أيسر معقولة الكلام ده

أومأ أيسر برأسه فندت عنه زفرة قوية قائلاً:
–فى
الوقت ده كان كل حاجة أسودت فى عينيا محدش راضى يسمعنى وأنتى سبتينى
ومكنتش قادر أستحمل وجع قلبى بس فى أخر دقيقة رجعت لعقلى وأستغفرت ربنا بس
الحمد لله دلوقتى أنتى رجعتيلى وكمان بقى عندى بنت منك يا حبيبتى

أغمضت ثراء عينيها تتذكر بأسف سنوات أضاعتها من عمرها وعمره فردت قائلة:
–إحنا الاتنين أتعذبنا جامد بس خلاص وقت العذاب أنتهى وأوقاتنا الحلوة هى اللى جاية

همس بأذنها قائلاً:
–أنتى أحلى ما فى العمر يلا علشان نطلع ننام بكرة إفتتاح المستشفى

طوق
كتفها وهى تسير بجواره يدنيها من قلبه فكم يهفو هو إليها الآن ، وصلا
لغرفتهم فأشتدت عواصف قلبه نابضاً بتناغم مع صوت دقات قلبها المتلاحقة التى
تكاد تنهى أنفاسها
نسيم الحب ،وعناق دافئ ،وأريج الزهور ،ورائحتها
العبقة جعلوا عقله يستكين ،ليهدر قلبه بطوفان العشق الذى جرف معه كل آلامهم
وأحزانهم ،لتشرق شمس السعادة من خلف غيوم التعاسة، تلقى بنورها على نهر
الحب الصافى الذى نبتت على ضفافه ورود الغرام ،يفوح منها عطر الأشواق
والمحبة
فى صباح اليوم التالى….
وقف أيسر أمام قبر والداته تقف
بجواره ثراء وهى ممسكة بيد مليكة ،رفع يده يدعو الله لها بالرحمة والمغفرة
ولكن لم يمنع تلك الدموع التى أنزلقت من عينيه ،فرفعت ثراء يدها تربت على
ذراعه قائلة:
–الله يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته

مسح براحتيه على وجهه قائلا:
–اللهم
أمين يارب العالمين دى وحشتنى أوى يا ثراء كان نفسى أقدر أعملها حاجة وهى
عايشة كان نفسى أخفف عنها الحزن اللى عاشت عمرها كله فيه بس ملحقتش ملحقتش
يا ثراء

قضم شفتيه ليوقف إرتجافها فحدقت به ثراء مشفقة على تلك
الحالة التى أنتابته منذ مجيئهم لزيارة قبر والداته ،فتلك هى المرة الأولى
التى تراه بهذا الضعف أو ترى دموعه

أخذت يديه بين يديها قائلة بحنان:
–حبيبى إهدى ربنا عايز كده ومتفضلش تلوم نفسك لأن أنت مكنش بإيدك حاجة واللى كنت تقدر عليه عملته بس أمر الله نافذ

أقتربت مليكة منه ترفع ذراعيها قائلة:
–بابى شيلنى

حمل الصغيرة على ذراعه فمدت يدها الرقيقة تمسح دموعه من على وجنتيه مستطردة بإبتسامة:
–بابى مش تعيط خد الشيكولاتة دى ومتعيطش

أخرجت قطعة الشيكولاتة من جيبها تلوح بها أمام وجهه فإبتسم أيسر رغما عنه فطوقها بذراعيه يشدد من ضمها له يقبلها على وجنتيها قائلا:
–حبيبة قلب بابى أنتى أنتوا أغلى ما فى حياتى كلها

أخذ زوجته وطفلته وهو يرمق القبر بنظرة أخيرة قبل أن يدير عجلة القيادة ينطلق بالسيارة فاليوم يوم إفتتاح المشفى
ترجل أيسر من السيارة تتبعه ثراء ومليكة ،فوجدوا عدد لا بأس به من الحضور منهم أطباء وممرضات والعاملين بالمشفى

ركضت مليكة قائلة بصياح:
–جدو

أرتمت بين ذراعى جمال فرفعها عن الأرض يقبلها على وجنتيها قائلاً:
–حبيبة جدو يا كوكى

أقتربت ثراء منه قائلاً:
–بابا أنت جيت لوحدك فين ماما وحسام وميرا وريان

لمحت ثراء خروج باقى أفراد العائلة من الداخل فجميعهم أصروا على الحضور فى هذا اليوم الهام

نظر جمال لأيسر قائلاً:
–المحافظ زمانه على وصول دلوقتى وأنا أطمنت على كل حاجة فاضل بس الإفتتاح

–وليه تتعبوا المحافظ ما أفتتحها أنا هو أنا هقولكم لاء يعنى
قالها حسام متفكهاً كعادته ،فوكزته ميرا بكتفه قائلة:
–بطل خفة دمك النهاردة يا حسام أحسن يتقبض علينا يا حبيبى

علت
أصوات الضحكات التى ملأت افواه الجميع على مزاح حسام وميرا،دقائق ووصل
المحافظ تتبع سيارته موكب من الحراسات، تقدم منه جمال مصافحاً له يتبعه
أيسر يعرب عن إمتنانه لحضوره ،تم قص الشريط وصفق الجميع وولجوا للداخل
يتفقدوا المشفى والأجهزة الطبية وكافة الاستعدادات اللازمة لاستقبال المرضى

ركضت مليكة مع بعض الصغار بالرواق ولكن وجدت نفسها تصطدم برجل لا تعرفه فرفعت رأسها قائلة:
–أنت خبطتنى جامد قولى أسف علشان أسامحك

ارتسمت
إبتسامة على ثغره ،فأنحنى إليها قليلاً يمسد على رأسها فوجد عقد يتدلى من
عنقها يحمل إسمها فرفعه بين أصابعه يتأمله فهتف قائلاً:
–أنتى بقى مليكة

يتبع…

لقراءة الفصل السابع والأربعون : اضغط هنا 

     لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد