Uncategorized

رواية أتحداك أنا الفصل السابع عشر 17 بقلم أميرة مدحت

     رواية أتحداك أنا الفصل السابع عشر 17 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل السابع عشر 17 بقلم أميرة مدحت

رواية أتحداك أنا الفصل السابع عشر 17 بقلم أميرة مدحت

تحدث عن حزنك بسخرية، كي لا يشفق عليك أحد.
منذ وفاة والدتها لم تستمع إلى تلك الكلمة العظيمة رغم بساطتها، “الصلاة”، لم تفكر مرتين وهي تنهض من على الأريكة، متوجه بخطى ثابتة نحو المرحاض كي تتوضئ، وقد عزمت إلى الذهاب إلى باب الله، فحينما شردت قليلًا وجدت جميع الأبواب مُغلقة إلا هو، فـ لتلجئ إليـه، فهي على ثقة بأن الله ألطف من أن يحزن قلبهـا ثم ينساه، وأكرم من أن يعطيها الحزن الطويل لا يعقبه الفرح، الله أعظم من أن يزرع فيهـا أمل ثم يميته.
دقيقة وأخرى وأخــرى، وكانت أرتدت زي الصلاة الخاص بـ”ريمـا”، أغمضت عيناها للحظةٍ مستشعرة تلك الراحة الغريبة التي أجتاحت قلبهـا، قررت أن تبدأ من جديد، تبدأ حياة خالية من الذنوب، ولكن هل سيحدث كما تتمنى؟!.. أم أن هناك لعبة قدر جديدة؟!..
******
في الجهة الأخرى حيثُ يوجد مكان للسعادة، خرجت “مريم” من ذلك المكان بخطواتٍ راكضة وهي ترتدي سترتهـا، شهقت بخوف حينما وجدت “آريان” يربت على كتفهـا يعقبـه سؤالــه المدهوش:
-إنتي جريتي ليه؟!.. الحق عليا إني لحقتك وبعرفك على نفسي؟!..
أشاحت عينيها بعيدًا عنه بتوتر، وهي تعض على شفتها السفلى بحرجٍ، تفهم “آريان” موقفهـا.. فبدون شعور إبتسم بمكر وهو يقول بشقاوة:
-آه مكسوفة، عشان معاكستك ليا آآ..
هدرت فيه بخجل:
-بس متكملش.
ضحك بخفة وهو يقول:
-من زمان مشوفتش بنت مكسوفة.
تابع كلماته وهو يمد يده لها للمصافحة:
-آريان.
صافحتـــه “مريم” في شئ من الإرتباك:
-مريم.
أومئ له برأسه وهو يتمتم إبتسامتــه الجذابة:
-إسم جميل زيك كدا.
-آه ده إنت بتردلي المعاكسة بقى؟!.
-تؤ، أنا مبعرفش أجامل.
هزت رأسهـا وهي تلقي نظرة سريعة على ساعة يدهـا، قبل أن تقول بجدية:
-طيب شكرًا على إنقاذك ليا، أنا لازم أمشي.
قالت كلماتهـا سريعًا ثم غادرت من أمامه دون أن تنتظر الرد، أتسعت إبتسامتـــه وهويتمتم بخفوت:
-هبلة.
وضع يديه بداخل جيوب بنطالــه مقررًا أن يمشي سيرًا، وأن يتوجه إلى البحر، فهو صديقه الثاني بعد “لينا”، فكر قليلًا في حياتــه الغامضة، وكيفية البدء بحياة نظيفة، شعر بأن هموم الدنيا تتثاقل فوق كتفيــه ولكن تلاشى كل ذلك ما أن رأها مجددًا تقف وحدهـا أمام البحر، مغمضة عينيهــا وكأنها تحاول أن تداوي شيئًا ما في روحها، وقف خلفهـا وهو يقول بصوتٍ أجش:
-هو إنتي؟!..
أستدارت نحوه وهي تقول بدهشة:
-آريان؟!.. بتعمل إيه هنا؟!..
-جاي لصديقي التاني.
قال كلمته وهو يشير نحو البحر، لم تجيبـه بل عاودت النظر إلى البحر وأمواجه، خرجت من شرودها على سؤاله:
-معلش بس الفضول هياكلني، إنتي سرحانة في إيه؟!..
-حلو البحر أوي.
-بتحبيـه؟!..
صمتت قليلًا قبل أن تقول بشرودٍ:
-مختلف، يقدر يفرحك بموجة ويبكيك بإعصار، يقدر يحتوي دموعك بمايته الدافية، ويمسحها ببرودته، فاتحلك دراعته في أي وقت ودايمًا.
ظهرت ابتسامة متعجبة على جانبي ثغره قبل أن يؤديه:
-حلوة الفلسفة دي.
-كلنا فلاسفة، لكن وقت الفعل بنختلف.
قال مبتسمًا بعد صمتٍ دام للحظاتٍ:    
-معاكي حق.
ثم السلام على الزمان بما معنى.
*****
ظلت “دينا” جالسة مع “أدهم” لفترة طويلة يتحدثان معًا عن حفل زفافهمـا، موضوع وآخر يتحدثان معاًا فيه بضحك ومرح إلا أن أتى موضوع الخاص بـ”مراد” وحبيبتـــه التي في عالم آخر، هنا.. أعتدلت “دينا” في جلستهـا وهي تتنهد بحرارة قبل أن تقول بجمودٍ:
-نهاية لينا كانت هتبقى كدا فعلًا، سواء إمبارح أو النهاردة .. بكرا، كانت نهايتها هي الموت يا أدهم، إللي زيها مينفعش يعيش، أنا مش عارفة.. مراد إزاي فكر يحب واحدة زيهـا.
رفع رأسه ليخاطبها بهدوء:
-دينا، خدي بالك إنتي بتتكلمي عن واحدة ميتة، وبعدين لينا أتفرضت عليهـا الظروف دي، آه كانت شيطانة، لكن رجعت للحق، ولو هي ماتت، فهي ماتت شريفة قدام العالم كله بعد ما سلمت أبوها وأكبر مافيا للإنتربول.
أشارت “دينا” له بنظراتها، وأخبرته بهدوءٍ زائف:
-إنت بتقول إيه يا أدهم؟!.. حية أو ميتة هي زي ما هي، البني آدم مننا ملوش غير سمعتـه وإسمه، وهي لو كانت عايشة كانت سمعتها وبلاويها هتفضل تطاردنا، وهتبوظ سُمعة أبويا النائـــب العـــام، لمجرد أنها بنت أكبر تاجر مخدرات.
حاول “أدهم” أن يضبط إيقاع تنفسه ليخرج صوته هادئًا وهو يتابع بتمهلٍ علها تتخلى عن عنادها الأهوج:
-دينا، إنتي متعرفيش حاجة عن حياتهـا فمن الأفضل تقفي لحد هنـا، إنتي أصلًا بتتكلمي عن واحدة ميتة، لكن لسه عايشة في قلب أخوكي، لازم تراعي مشاعره.
نظرت إليه بجدية وهي تقول بتهكم:
-مع الوقت هيكتشف أن حبه ده وهم، وأن ده مجرد ذنب حسه لما ضربها بالنار.
صمتت للحظةٍ وهي تضيف بشرودٍ:
-إللي تستاهل واحدة زي مراد هي “سلوى”، بتحبـه وعندها كرامة، وعيلتهـا محترمة جدًا، هي دي إللي تناسبنا، وإللي تستاهله يا أدهم، غير كدا لأ.
رد “أدهم” بهدوء وهو يشبك كفيه على الطاولة ناظرًا لعينيهــا بنظرة العارف:
-مع الوقت هتكتشفي إنك غلط، وأن كلامك عن العيلة وإللي يناسب وميناسبش كلام فاضي، وأن إللي زي لينا يستاهلوا فرصة تانية.
هو فقط ألقى تلك الكلمات بهدوء بارد خالي من أي أنفعالات.
*****
عاد “حاتم” أخيرًا بعد يوم طويل من العمل، ألقى سلسلة المفاتيح وهاتفه على أقرب طاولة، قبل أن يعقد ما بين حاجبيه بإستغراب حينما وقعت نظراته على “لينا” برفقة شقيقتـه، توجه نحوهمـا ثم صافحهــا ببسمة مجاملة، وجلس قبالتهم، إنتبه إلى سؤال شقيقته وهي تقول بإهتمام:
-إيه يا حاتم، عرفت تتصرف في موضوع السكرتيرة ده؟!..
مسح على وجهه بإرهاق وهو يجيبهـا:
-للأسف لأ، السكرتيرة من يومين مشيت خلاص عشان فترة الولادة قربت، وأنا مش عارف أجيب مين مؤقت مكانهـا.
تعلقت عيني “لينا” عليه قليلًا تفكر بعمق، قبل أن تقول فجأة:
-أنا ممكن أبقى مكانهـا.
إبتسم “حاتم” بسخرية وهو يسألهـا ببرودٍ:
-يا سلام وده إزاي بقى؟!..
إبتسمت له بثقة وهي تضع ساقها فوق الأخرى قبل أن تجيبــه:
-أنا بعرف أتكلم أربع لغات، إنجليزي وفرنساوي وألماني وصيني، وشوية إيطالي، وبالنسبالي الشغل ده سهل لأنه تخصصي.
رأت بوضوح ذلك البريق الامع بعينيه، وما كان إلا بريق إعجاب، نظرت له بثقة لتجده ينهض من مكانــه، ثم يقول بلهجة هادئة لكن أمتلأت بنبرة الحزم الذي لا يقبل الجدل:
-بكرا تكوني في مكتبي الساعة 7 الصبح، ومعاكي أوراقك وشهادة تخرجك، هستناكي.
قالهـا وهو يشير بإصبعه قبل أن يولي لها ظهره متوجهًا نحو الدرج يصعد عليه نحو غرفتـه، نظرت لهـا “ريما” بإنبهار وهي تقول:
-معاكي 4 لغات!!.. لأ إنتي كدا تعلميني بقى.
إبتسمت لهـا “لينا” بخفة، قبل أن تقول ببسمة صغيرة:
-إنتي متعرفيش أنا أرتحت أد إيه معاكي، أنا عمري ما أتكلمت كتير أد ما أتكلمت النهاردة.
أتسعت إبتسامتها السعيدة وهي تقول:
-بجد؟!.. طب طالمًا كدا، ليه عنيكي فيها حزن؟!..
سحبت نفسًا عميقًا وهي تجيبهـا بإبتسامة تخفي ألمها:
-النصيب، لسه في جوايا حتة مدفونة، صعب أنها ترجع تحيا تاني.
تبًا كم هي بارعة في إخفاء ألمها، مسحت “ريما” على خصلات شعرها بحنوٍ وهي تقول:
-إنتي جميلة أوي يا لانا، وصدقيني مهما كان إللي حصلك ربنا هيعوضك.
أومأت برأسهـا وهي تقول بثقة غريبة:
-أنا واثقة من ده، وهعيش أستنى العوض ده، لأني محتاجة حاجة ترجع قوتي من جديد، عشان أعرف أبدأ من جديد.
بلعت ريقهـا بصعوبة قبل أن تهب واقفة وهي تقول:
-أنا لازم أمشي.
-تمام يا حبيبتي، المهم متنسيش ميعادك في شركة أخويا، هبعتلك اللوكيشن على الوتساب.
ستشفي جراحك، وتضحك من أعماقك، ستمضي ناسيًا وليس متناسيًا.
*****
كان جالس على مقعده الجلدي، يضع رأسه بين يديه، والشرود والألم يبقيان معًا بجواره، قست عينا “مراد” وهو ينظر أمامه، لا يعرف كم ظل جالسًا هنا، تجرفه ذكرياتٍ وترميه أخرى، لكن كل موجةٍ منها كانت تعود به إلى نفس الشاطئ، “لينــا”.. بره الآمن.
يريدها أن تعود إليه حتى تصبح ملكه، كي يقيدها به للأبد، فهي أرضـه.. وطنـه.. أمانــه من ذلك العالم الأسود الذي يحيط به، قال بعد فترة طويلة وهو يبتسم بعمق متوحش:
-تبقي أكبر غبية ومغفلة لو فكرتي إني ممكن أسيبك، أنا بحبك يا غبية، لازم تفهم ده، مش بالسهولة دي تمشي وتسبني، أنا مع كل القسوة إللي فيا والتحدي بحاول أحاربهم عشانك، لأن بإختصار مقدرش أخرجك من حياتي.
مرر يده عل شعره وهو يقول بألم:
-لازم ألاقيهـا.
*****
وصلت “لينا” إلى منزلهــا بعد يوم طويل من الألم وقليل من المرح، تنهدت بحرقة، وما التنهيدة إلا هي صراخٍ مكبوت، قاطع الصمت في منزلها صوت رنة هاتفهـا معلنًا عن وصول رسالة، أمسكت الهاتف ظنًا أنها من “ريما” ولكن تعجبت حينما رأت أن الرقم غريب وغير مدون لديهـا، فتحت الرسالة لتتسمر في أرضهـا وهي تقرأ ما كتب فيهـا بالإنجليزية:
-“المرة القادمة لا تعودي إلى المنزل متأخرة هكذا، فنبضات قلبي أرتفعت قلقًا عليكي يا حوريتي الجميلة”
يتبع…..
لقراءة الفصل الثامن عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد