Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الأول 1 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الأول 1 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الأول 1 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الأول 1 بقلم زيزي محمد

توقفت سيارة سوداء اللون في أحدى المناطق الراقية، تحرك ” سليم ” خلف المقود يتابع هدوء الطريق في ملل اكتسح ملامح وجهه الجامدة، أرخى يده عن المقود، وكالعادة التزم جلوسه في السيارة مغلقًا عيناه لدقائق بسيطة قبل دخوله للمنزل.
وحقيقةً هو لم يدرك سبب تمسكه بتلك العادة، سوى أنها تشعره بالراحة التي يحتاجها، ولا شك أن يتغلغل ثناياها شرود قصير في ماضِ يلعب فوق أوتار تماسكه.
قرر ينهى لحظات الانتظار، مستسلمًا لجولة اعتياديه فُرضت عليه بسبب ذكريات تركت ندوبً في شخصيته.
وآه من شخصيته التي لم يستطيع تخطي حواجزها مع عائلته وزوجته، وهنا توقف العقل عند ذكرها، وبدأ القلب يتلوى كالضائع في عشقها، جميلته التي يتوق فؤاده لرؤيتها، ويشبع روحه من نظراتها البريئة المفعمة بالحياة والحب، وبالمقابل يعاملها بجفاء، ورغم محاولاته المستميتة في تكسير تلك الحواجز إلا أنه يفشل عند أول محاولة، مكتفيًا بحنانها الذي تغرقه به منذ دخوله للمنزل، فهي عطاء بلا مقابل، حتى أن المقابل من ناحيته أصبح شبه معدومًا.
هبط من سيارته في خطوات رزينة هادئة، تناسب شخصيته القوية والصامدة والتي مرت بنوائب كانت كفيلة بتدميره، متمسكًا بشموخه وثقته في نفسه واستطاع بكل صبر اجتيازها.
قبل أن يصعد لشقته في الطابق الثاني، دخل لشقة والديه كي يطمئن عليهم، فتح الباب بمفاتيحه الخاصة ودلف في هدوء ينافي اشتعال صدره والذي التهب فجأة بسبب صوت ضحكاتها المرتفع.
هل جنت كي تضحك بهذا الشكل في شقة والديه، هل تخلت عن رداء الحياة دون علمه، انتفخ صدره بعواصف الغضب، جاذبًا أنفاسًا عميقة كي يحاول تهدئة انفعاله والذي ظهر جليًا على ملامحه.
تقدم من الصوت أكثر فوجد زوجته تجلس في أرضية الشرفة بجانب والدته ووالده، وبالمقابل أخويه ” زيدان “..” ويزن”.
تابع بنظراته النارية اقتراب “زيدان” منها، معطيًا إياها هاتفه، متابعًا معها إحدى الفيدوهات، كور يده بغضب شديد، وود أن يفتك بأخيه عما يفعله بكل وقاحة متناسيًا أنها زوجة أخيه الاكبر.
وفي لحظة خرج صوته يهز أرجاء المكان في عصبية مفرطة تعجبت على اثرها عائلته بالكامل :
– شــــمــس.
وقفت شمس في فزع وهي تتابع تغير انفعالاته للأسوأ، متسائلة بداخلها تُرى ما سبب غضبه غير المبرر!.
– نـ…نعم.
خرج صوتها مهزوزًا وهي تجيبه بقلق وخوف وخاصةً حينما لاحظت انتقال نظراته القاتمة نحو زيدان، فأدركت على الفور أنها تخطت إحدى الخطوط الحمراء والتي وضعت لها منذ بداية زواجهما.
انتبه سليم على صوت والده وهو يدعوه للجلوس معهم، تفهم نظرات والده التي كانت تحاول جذب انتباهه لجفائه والذي أصبح عادة طبيعية في معاملتهم، انتقل ببصره نحوهم فلاحظ تجهم ووجوههما، حتى أنه أحس للحظات بعدم رغبتهما في الجلوس معه في مكان واحد، انغرس نصل حاد في قلبه، حينما ظهرت اعتراضاتهما للعلن مكتفين بانسحابهما من المكان في هدوء.
تفاقم لديه شعور بالغيظ اتجاههما، فضغط فوق شفتاه يكافح مشاعره التي بدأت تتبلور اتجاه اخوية في منحنى لم يعجبه، هز رأسه في ضيق محاربًا أفكاره وذكرياته التي بدأت تتدفق بذهنه، فاقدًا الأمل في التخلص منها، منساقًا خلف مشاعره الناقمة عليهما، وخاصةً بعد تعامل زيدان معه في الآونة الأخيرة.
انتبه على صوت والدته وهي تربت فوق كتفه، قائلة بهمس :
– ما تجرب تسألهم هما زعلانين منك ليه!.
رفع حاجبيه وهو يتابع نظراتها التي تحمل رجاء خاص، فود الصراخ بوجهها، معترضًا على طريقتها معه، لِمَ يقع فوق عاتقيه اللوم دائمًا، لِمَ هو دائمًا من يحاول الركض خلفهما، حتى أن دور المُضحى وقع فوق رأسه منذ اوائل شبابه، متخليًا عن حلمه من أجلهما، وبعدها انتظر الاهتمام..أو الشكر ..أو الامتنان، أي شعورًا منهما كان كفيلاً باطفاء نيران وجعه، ولكن فوجئ بلامبالاة… وكأنه لم يفعل شيء، وأن ما فعله ليس سوى واجبًا لا يستحق التقدير عليه.
أخشن صوته وهو يرمي بكلماته الحادة الخالية من الادب والذوق :
– يتفلقوا، مش عايز وجع دماغ.
ازاح يدها بعيدًا عنه، وغادر الشقة رافعًا رأسه وكأنه يحارب من أجل الحفاظ على كبريائه، والذي دُهس بفعل انسحاب اخويه غير اللائق به ولا بمكانته.
ورغم وقوع جام اهتمامه على معاملة عائلته له، إلا أنه لاحظ اختفائها المفاجئ، فالصغيرة الجميلة قررت الهروب منه، بدلاً من مواجهته، ابتسم باستهزاء وهو يتحرك لداخل شقته باحثًا عنها بعينيه في لهفة فسرها بأنها ليست سوى تلذذًا كي يعاقبها عما بدر منها بالأسفل، دافنًا بداخله مشاعره الحقيقية والتي تندلع بسبب اشتياقه لها طيلة اليوم.
****
قبل دقائق…ركضت شمس نحو غرفتها تحتمي بها من غضب زوجها المستبد القاسِ، انتظرت لثوان تجيد اختيار كلمات أخرى كي تعبر عن مدى شخصيته الجامدة التي تخلو من الحياة.
أغلقت الباب جيدًا واطمئن قلبها من أمر مواجهته القاتلة لخلايا فؤادها المسكين..
جلست فوق الفراش تتنهد بصمت حينما تذكرت نظراته القاتمة وهو يتابع ضحكاتها المرتفعة مع زيدان.. زفرت بحنق حينما تسرب شعور بالخوف منه، فهزت رأسها يمينًا ويسارًا وهي تحاول اخراجه من عقلها.
وهدأت نفسها بالباب المغلق أمامها، فهو لن يطالها اليوم، حتى ينطفئ غضبه والذي كان بغير محله، فـتبًا لغيرته الحمقاء، لقد كانت تظن أن شعلة الحب والغيرة بينهما ستنطفئ مع أول زواجهما ولكن هيهات فغيرته تزداد بشكل لا يُحتمل، حتى أنها شعرت وكأنها بمثابة حبل يلتف حول عنقها رويدًا، ومع مرور الوقت تشعر بانحسار انفاسها وقلة حيلتها وهي تواجه طوفان غضبه.
وقع بصرها فوق التلفاز، فشعرت بحاجتها لاستماع أغنية صاخبة، تنفصل بها عن الواقع، وتصبح حجة قوية له يبرر عدم استماعها لطرقاته.
نهضت في خفة، واختارت أغنيتها وبدأ جسدها يتمايل على نغماتها… حينها شعرت بمدى فقدانها لعقلانيتها حيث أصبحت معتوهه على يده.
انتفض جسدها حينما اخترقت طرقته أذنها..
نفت برأسها قائلة بهمس :
– كأني مش سامعه ..
ازدادت طرقاته وبدأت تشعر بحدتها الواقعة على الباب الخشبي، فنظرت للباب بعطف وكأنها تواسيه من خشونة زوجها المستبد…
هبطت بخصلات شعرها للأسفل ثم ارتفعت بها مرة واحدة، وهي تحاول تقليد تلك الراقصة والتي رأت حركاتها الانسيابه من قبل على التلفاز..ابتسمت لنفسها بفخر ولمنحنيات جسدها ولعقلها الذي اختلق فكرة للهروب عظيمة جدًا…
انتفضت بفزع حينما رأت سليم يقف أمام مكتبته التي كانت تقبع بإحدى زوايا الغرفة..
فصرخت خائفة وهي تتراجع للخلف، قائلة بهمس :
– بسم الله الرحمن الرحيم، ازاي ده..
كانت ملامحها تصرخ بـ ذهول ممزوج بخوف، فحولت بصرها بين الباب المغلق والمفتاح الموضوع بين أصابعها.
وقفت حائرة عاجزة عن التفكير، وخاصةً حينما أغلق التلفاز تحت صدمتها ومراقبتها لخطواته نحوها، مردفًا بخفوت يحمل التهكم :
– هايل يا فنانة!.
وحينما استوعبت وجوده معها وأن سر دخوله يكمن خلف مكتبته السرية والتي لم ترتاح لها قط، تراجعت للخلف حتى التصقت بباب المرحاض، وخرج صوتها متلعثمًا :
– سـ…سليم.
مازالت خطواته تقترب أكثر فأكثر، تزامنًا مع نظراته الغامضة التي لمعت بها وميض أشعل مشاعرها تجاهه، ونبرة صوته المهلكة لثباتها خرجت من جوفه قويه حادة:
– نعم يا شمس هانم.
ابتلعت لعابها بصعوبة وهي تهمس مبررة كالأطفال حينما تخطأ :
– أنا مكنتش اقصد حاجة برة، زيدان قال نكته وانا ضحكت، مش انت زعلت علشان ضحكت بصوت عالي صح.
رمشت عدة مرات وهي تلقي بنظراتها البريئة والتي يندثر منها الأسف، معتقدة بذلك إنهاء حالة التوتر بينهما، استند سليم بيديه على الباب من خلفها قائلاً:
– نكته!.
كانت نبرته تحمل السخرية منها، متعمدًا تجاهل رفاهيتها التي من المفترض أن تكون معه ولأجله فقط.. فاعتدل بوقفته ووضع يده في جيب سرواله قائلاً بخشونة :
– لما انتي محتاجة تسمعي نكته مقولتيش ليه وأنا اقولك!.
رمشت ببلاهة وهي تنظر له، بحثت بين تقاسيم وجهه الحادة أو في شخصيته الجامدة عن خفة الظل، ولكنها لم تجد فقد كانت معدومة لديه.
– أنت بتقول نكت!.
هز رأسه مجيبًا بسلاسة أدهشتها :
– اممم تحبي تسمعي.
أومأت برأسها تجيب بالإيجاب، وهي مازالت تحت صدمتها المرهونة بفعل دقائق بسيطة تنتظر بها التفوه بمزحة، فكانت ملامحها تتأهب وكأن شهادتها ستعلن التو، وبالطبع خالف انتظارها، وفتح باب المرحاض من خلفها..حتى كادت أن تسقط لولا يده حاوطتها وقربتها من صدره العريض، لم تستفيق سوى وهي مستنده بظهرها على الباب وأصابع يده تداعب عنقها من الأسفل ببطء، حتى ارتفعت تدريجيًا لمنتصف وجنتيها وبدأ في تحريكهما بعشوائية اذابتها فمدت يدها تقبض فوق يده قائلة بتلجلج :
– بتعمل إيه.
– بقولك نكت..
هبطت ببصرها للاسفل، فوجدت أصابعه تتحرك في استمرار انحسرت أنفاسها له، حاولت إدراك ما يحاول فعله، فاقتصر عليها التفكير حينما همس بجانب اذنها بجملة قصيرة خافتة للغاية، احمر وجهها لها، فقالت بتوبيخ طفيف ممزوج بالتلعثم والتردد :
– سليم كده عيب على فكرة.
– هو أنا قولت إيه!.
سألها بصوته الجامد والحاد، فنظرت له بنصف عين، وكأن نظراتها وحدها كفيلة بتوضيح ما يحاول الوصول إليه..
– ياريت ننهى كلامنا في الحمام، علشان العفاريت وكده.
– من امتى وانتي اللي بتنهى الكلام يا شمس.
ضغط فوق حروف اسمها في تمهل وكأنه يذكرها بمن قائد هذه العلاقة، فاغتاظت منه ولكن أظهرت عكس ذلك حينما ردت ببساطة جعلته يبتعد عنها.
– من النهاردة يا سليم.
وكادت أن تلتفت بجسدها تغادر المرحاض بعد حصاره المهلك لها، إلا أنها لم تدرك متى وكيف أصبحت بين يديه مجددًا، لاثمًا شفتيها بتروٍ أثار مشاعرها في حالة هياج شديد، لم تستطيع مجاراته في قبلاته أو لمساته لبشرتها الرقيقة.
فهمست بجانب أذنه بخجل :
– سليم كفاية.
ابتعد عنها يرمقها بهدوء الهب مشاعرها، فـ آه من نظراته والتي تكشف مدى عشقه لها، فكان له سحر خاص يجعلها تنزوي في كنف غرامه بكل استسلام ورضا..
خرجت من شرودها على صوته الرجولي المفعم بالمشاعر الجياشة :
– أنتي تعرفي عني كده..
هزت رأسها بنفي، والقت نظرة توسل طفيفة حينما مد يداه يداعب خصلات شعرها السوداء..
– طب اطمن على أنس.
ابتعد في ضيق، وأشار للخارج بوجوم، حينما أبدت ابتعادها عنه، وكأنه شخص غير مرغوب لدى من حوله :
– اتفضلي روحي.
ابتلعت لعابها في ترقب :
– زعلت مني صح!.
خرج من المرحاض، يحدثها بنبرة غليظة خشنة غير التي كان يتحدث بها منذ قليل، وكأنه يعاني من انفصام شخصية.. فقال بسخرية :
– وازعل منك ليه، أنتي بتعملي حاجة تزعلني، انتي ما شاءالله عليكي بتحترميني جدًا.
كادت أن تنفلت أعصابها وتتشجار معه، راميه بمنطق عقلانيتها عرض الحائط وخاصةً أمام كلماته الجارحة، ولكن كعادتها تراجعت أمام عاصفته الغاضبة، وحاولت بقدر الامكان امتصاص مشاعره الحانقة، فقالت بهدوء :
– أنا فعلا بحاول مزعلكش مني، وبحترمك جدًا يا سليم سواء في وجودك او في غيابك، ومش هعقب على سخريتك في الكلام دلوقتي الا لما تهدا، وتعرف ان زيدان ويزن مجرد اخواتي.
قالت كلماتها دفعة واحدة، وغادرت الغرفة في سرعة أشبه بالهرب من اعصاره التالي، استمعت لصوت الشرفة التي فتحت بقوة بسبب عصبيته، فأدركت انه اختار سجائره طريقًا لتهدئة نفسه.
***
دخلت “ليال” منطقتها الشعبية في خطوات متمهله، غير عابئه بدقات الساعة التي كانت تشير للحادية عشر مساءًا، ضاربة بنظرات السكان عرض الحائط، حيث اعتادت على استقبال سموم نظراتهم بصدر رحب.
رفعت أنفها للأعلى بشموخ وثقة، وبدأت تتمايل في خطواتها في عجرفة أصبحت ملازمة لها، قاصدة كل حركة تصدر منها.
مالت نظراتها للاشمئزاز كأنها تريد إخراج مشاهد الحارة الشعبية من عقلها، فأنثى مثلها تستحق الافضل، ناقمة بشدة على حياتها التي اندرجت في هذا الحي رغمًا عنها، للحظة كادت أن تفقد الشغف نحو مستقبلها الذي طالما كانت تسعى لتخطيط له بكل تفاصيله، ولكنها كانت تعود تتمسك به وكأنه أخر وسيلة قد تضمن لها حياة سعيدة.
انتبه عقلها لقرب ” ورشة مكيانيكا” المالكه لجارها الوسيم ” سيف “، للحظات تتمنى أن يصبح ثري كي ينتشلها من ذلك الشقاء الذي أصبح ملاصقًا لها.
ورغم أن سيف يحمل جميع صفات فارس أحلامها، إلا أنه شخص غامض، مرات تنتفخ أنوثتها حينما يرمقها بنظرات الاعجاب، ومرات يضرب وجهها بنظراته التي يقطر منها الاشمئزاز، ولأول مرة أصبحت شبه تائهة في تحليل أفعاله، حتى أنها أحيانًا تشعر بالخجل منه رغم أن تلك الصفة بعيدة كل البعد عنها، بعدما سلكت طريق الطموح داهسة جميع القيود التي من الممكن أن تعيقها في تحقيق احلامها..
مرت بجانب ورشته ولم تمنع نفسها من القاء نظرة خاطفة نحوه، تاركه لفضولها حرية التصرف، فوجدته يجلس أمام الورشة واضعًا ساقًا فوق الاخرى وكأنه مدير بنك أو رئيس شركة، تساءلت داخلها بتعجب بات واضحًا على ملامحها من أين له تلك الثقة وهو لا يمتلك إلا هذه الورشة وشقة يتقاسمها معه اخته المطلقة وابنتها الصغيرة!.
تقابلت عيونهما في نظرة قصيرة، قطعها ” سيف” عندما استقام بطولة الفارع وثيابه الملطخة بزيت السيارات.
تبطأت خطواتها وتابعت تقدمه منها، فوقفت حينما أشار إليها بيده في عجرفة تقتل ثقتها الزائدة آلاف المرات، كتمت ذهولها مؤقتًا، ووقفت تنتظر قدومه المتمهل..
– ازيك يا أنسة ليال؟!
تسأل ” سيف ” بصوت قوي خشن حينما وقف أمامها، فردت بصوت رقيق :
– تمام يا بشمهندس!.
ارتفع جانب فمه في استهزاء واضح، حيث استطاع منذ اللقاء الأول قراءة اعتراضها على عمله بورشته، مندهشة لعدم عمله بشهادة الهندسة، وكأن تلك المسميات هي من ستطعمه هو وأخته التي مثلت عبأ جديد فوقه حينما انفصلت عن زوجها في شجار بسبب والدة زوجها.
قطعت تفكيره حينما تسألت في ضيق احتل ملامحها الرقيقة :
– انا قولت حاجة غلط!
هز رأسه نافيًا وهو يجيبها بنبرة غليظة :
– أصل مستغرب سر تمسكك ببشمهندس، مع أني قايلك أن بحب لقب أسطى اكتر.
كان التهكم من نصيبها وهي ترميه بنظرات غير راضية عما يتفوه به، حتى أنها كانت تحدق به وكأنه ابله غير مدرك لعظمة شهادته!.
انتبهت ليال له حينما حمحم بخشونة، مردفًا بعدها :
– كنت عايزك تيجي تدي توته بنت اختي درس.
ولوهلة كانت ستوافق كالمعتوهة على طلبه، ولكنها تراجعت تهز كتفيها في رفضٍ، قائلة برقة:
– سوري مينفعش.
ارتفع جانب شفتاه لأعلى وهو يتابع حديثها المدلل والذي استفزه بطريقة لو فك لجام لسانه، ستفر باكية من أمامه، ولكنه نفضها من رأسه، بالنهاية هي ليست سوى جارته فقط، وأكد لسان عقله على كلمة ” فقط ” عدة مرات، هي وهو لن يجتمعان عند نقطة واحدة، رغم تشابه حالتهما الاجتماعية، إلا أن شخصيتهما بها فرق شاسع كمثل السماء والارض..
– مش هينفع ليه؟!
لم يمنع نفسه من سؤال تردد بداخله، وأدرجه تحت بند إصرار اخته عليها، وكأنها ليس لها مثيل، فهو حتى الآن يتذكر اثناءها عليها، ومدى عبقريتها في التدريس، وبالطبع سؤاله ينتظر إجابة يريح بها أخته، ليس هو لسمح الله!.
– أصل أنا مبدخلش في بيت في عازب عايش لوحده.
فجرت الاستهجان فوق ملامحه حينما نطقت في دلال ممزوج بمبدأ الاحترام، والذي حقًا جهل أساسه لديها، فأين الاحترام وهي ترتدي ثياب تلتصق بجسدها تنافي حجابها الذي يتوسط منتصف رأسها يغطي نصف شعرها فقط، غير مدركه لنيران صدره التي أضرمت بخلاياه حينما وقع بصره عليها تتبختر في غنج استفز رجولته، ناهيك عن مواعيدها المتأخرة دومًا..
– بس بتخرجي وبتدخلي المنطقة متأخر عادي.
ضحكت بسخرية :
– معلش يعني وأنت مالك!.
كاد أن يلقنها درسًا قاسيًا، ولكنه تراجع وهتف في استسلام خبيث اغاظها :
– صح وأنا مالي، المهم يا أنسة يا ليال، أنا مش عايش لوحدى..
انتظر برهة يرمقها بنصف ابتسامة صفراء :
– اختي عايشه معايا، وانتي عارفة كده.
زحف الحرج نحو وجهها، فقالت بتلعثم طفيف :
– هحاول اشوف معاد، عن اذنك.
افسح لها المجال بيده، والتزم الصمت في تودعيها، وعادت نظراته الجامدة والغامضة تحتل مقلتيه.
غادرت ” ليال” في عجالة تنافي خطواتها البطيئة من قبل، ودخلت لبنايتها ومنها صعدت سريعًا لشقتها..عازمة على رفضها لطلبه، إلا بعد أن يكرره بكثره، وأوهمها عقلها أنه وسيلة ممتازة لانتقام من كلماته الحادة.
القت حقيبتها بعنف، وخلعت حذائها العالي تلقيه بأهمال فوق الأرضية، متجاهلة العبث والذي عاث في شقتها بسبب ثيابها الملقاه في كل مكان دون ترتيب، فكان يبدو المنظر من حولها كئيب ومقزز.
وارتمت بجسدها فوق الأريكة، تغوص بتفكيرها في تحليل شخصية جارها المتعجرف، والذي دومًا يثير بلبلة بمشاعرها نحوه!.
يتبع ……
لقراءة الفصل الثانى : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد