Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث 3 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث 3 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث 3 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثالث 3 بقلم زيزي محمد

لحظات من السكون سيطرت على المكان بأكمله، كلاً من شمس ووالدي سليم أصابتهم الصدمة، حتى خرست ألسنتهم، وغرقت عقولهم في إيجاد تبرير قوي لوحش كان يحتضر أمامهم بداية من صوت أنفاسه المرتفعة المشحونة بأعلى درجات الغضب، وجسده المتشنج نتيجة لانتفاض عقله بسبب باقة الورد الخاصة بزوجته المصون.
تراجعت شمس عدة خطوات للخلف، تلتصق بباب المطبخ وهي تراقب الوضع بأعين مذعورة، وكأنها تشاهد فيلم رعب.
التفت سليم إليها ينطق في همس شديد ولكنه اخترق كل خلية بجسدها:
– انسة..
حركت رأسها في نفي، وعيناها تطلب هدنة قصيرة تستطيع بها خلق أي تبرير له، ولكن الصلابة والجحود سيطر على عينيه التي كنفتها تحت وطأة غضبه وقسوته، فأدركت ما سيحدث لها في الخطوة التالية.. فاجأها حينما كرر كالمجنون لقب ” أنسة” بنغمات متأرجحة ما بين الهدوء الخافت والانفعال المفرط..
اقترب منها بخطوات واسعة وهو يردد ما يفعله…وسألها بنبرة حادة مرتفعة بعض الشيء، جعلت جسدها يرتجف تحت قبضة يده التي قبضت فوق مرفقها.
– أنسة؟.
– وربنا مدام.
ردت بعفوية شديدة، تشبه طفلة صغيرة تنفي فكرة سيئة التصقت بها من العدم.
وقبل أن يفتح سليم فمه، اوقفه يزن حيث ظهر فجأة..والتقط باقة الورد عنوة منه..
قارئًا الورقة في صمت، ثم ابتسم باستهزاء مردفًا بصوت خافت:
– شوف حركات البنات ياأخي .
امتلئ وجه سليم بالضيق وعلامات الاستفهام، حيث وقف يزن حائلاً بينه وبين شمس التي مازالت على حالة الارتجاف والتوتر..
– متعليش صوتك قدام ابوك، علشان هيديني دروس في الاخلاق، الورد يخصني.
للحظة هُيء له انه استمع صوت صكيك أسنان سليم، راقب ملامحه المهدده بإنفجار بركان غضبه..فسارع يزن بكلماته المرتفعة يخبر شمس في مزاح ..
– بواقع خبرتي، أكيد غلطوا في العنوان..يلا يابنتي حضريلنا العشا.
وفي اللحظة التالية، قبض فوق يد سليم يشده خلفه رغمًا عنه، حتى خرجا معًا من باب المنزل.
– اطلع بس هقولك.
توقف سليم في المنطقة الفاصلة ما بين باب الشقة والحديقة الصغيرة، طالع أخيه وهو يشير نحو باقة الورد في برود تام، وكأنه لا يدرك حجم غضبه.
– الورد يخصني، في واحدة بعتته ليا..
في لحظة شعر يزن باندافعه للخلف، حتى اصطدم بالجدار بعنف، ونظرات سليم تشتعل بجنون، تزامنًا مع خروج صوته المكتوم يهدد بانفجار جامح:
– انت فاكرني غبي، عارف أنا ممكن اتجنن من إيه.. من اللي يفكر بس مجرد التفكير انه يستغفلني..
ابعده عنه بصعوبه، مجيبًا بصوت خافت يشوبه القلق من تصرفات اخيه الجنونية.
– ياسليم افهم ابوك لو عرف ان بكلم بنات، وفي منهم بيبعتلي هدايا وورد على البيت، هـيديني دروس في التربية والاخلاق، وانا الصراحة يعني قدام كرمهم ولطفهم مبقدرش ارفضلهم طلب، فبخليهم يبعتولي اللي نفسهم فيه هنا على البيت باسم شمس مراتك.
اخشن صوت سليم متسائلاً:
– كرم ولطف مين؟!
رد يزن في اعتيادية :
– المزز..
ولكنه ابتلع باقي حديثه، مردفًا بجدية زائفة:
– البنات..أصحابي.
وتحولت نظراته للبراءة تعاطفً معهن، حك سليم ذقنه وهو يراقب انفعالاته التي تحولت لشيء لم يريحه قط.
– وليه مبيعتوش على المعرض عندك..
سأله سليم في شك، فأجاب يزن على الفور بثقة:
– علشان عم سعيد هيروح يقول كل حاجة لابوك، لكن هنا محدش هياخد باله اوي.
زمجر سليم في حدة:
– الحوار ده مش داخل دماغي.
– يعم يعنى هتصدق لما اجبلك البت، وبعدين تعال قولي هنا، هي شمس بتخرج من باب البيت الا معاك او معانا، مين هيعرفها، ده الشارع كله بيتكهرب لما بتعدي بيها في العربية.
رمقه سليم بنظرة مطولة، حافظ يزن على ثباته امامه، بل ازداد من حديثه مردفًا:
– انت الصراحة عكيت الدنيا.
عنفه سليم بصياح محذرًا إياه:
– الزم حدودك، اعرف بتكلم مين.
– رئيس مراجيح مولد النبي.
قالها يزن بداخله بعدما ارتفعت لديه وتيرة الاعتراض الصريح المخلوط بالتهكم..
ولكنه كتم اعتراضاته وسخريته على مضض، مقتربًا منه بهدوء واعتلى ثغره ابتسامة هادئة:
– بكلم اخويا، اللي المفروض اعرفه انه غلط بزعيقه.
– هو انا زعقت!.
تسأل سليم في وجوم:
– انت تقريبا كنت هتقتلنا، يا سليم كانك بتقول لشمس انا شاكك فيكي.
تجمدت نظراته وهو يلقي بكلماته النابعة من اعماقه.
– انا استحاله اشك في شمس، انت مجنون.
للحظة نظر إليه يزن ببلاهة شديدة، وفم مفتوح، لم يعد قادرًا على فهم مكنونات أخيه..طال صمت يزن.. فتحرك سليم نحو الباب مردفًا بلامبالاة:
– أنا شايف ان معملتش حاجة، من حقي اسال وافهم ايه ده، حتى لو أنت بتقول ان زعقت.
– بس مش على شمس اللي بتحبك، من رأي لازم تصالحها وتراضيها بهدية..
قالها يزن وهو يعقد ذراعيه أمامه بضجر، فاقدًا الامل في أخيه الاكبر.
– انت تقول رأيك ليه هو في حد كان طلبه، حاجة متخصكش.
دخل سليم وأغلق باب الشقة بعنف خلفه، فانفجرت ملامح الغيظ على وجه يزن، مراقبًا فعل أخيه الخالي من الذوق.
استمع لصوت ضحكات ساخرة بجانبه، فالتفت برأسه يطالع زيدان الواقف بجانب الباب الحديدي المؤدي للحديقة..
– أنت بتضحك!.
اقترب زيدان وهو يضع يده في جيب سرواله، متحدثًا بصوت تمثيلي يتخلله الحكمة الزائفة:
– عيب يا يزن، ده اخوك الكبير، ابوك لو شافك بتبصله كده هيزعل جامد، ده مهما كان…
قاطعه يزن بعصبية خفيفة من فرط احراجه، حيث وقع الحق كله في كافة زيدان:
– خلاص..هو حر، المهم اننا انقذنا الموقف.
أخرج زيدان تنهيدة قوية، وهو يحرك رأسه موافقًا:
– صح، لولا أن سمعت عم عبده، كانت شمس اعترفت مع أول قلم.
رفع يزن يده نحو عنقه، وحكه بلطف بعد قبضة سليم التي كانت تخنقه بقوة وكأنه عدو..
– وأي قلم..ده دراوكلا.
***
وقف سيف أمام شقة ” ليال” بوجه جامد لا يخلو من التحدِ، متوعدًا بداخله لتلك الشرسة بعدما تجرأت بحديثها صباحًا وضربته بنظراتها الحادة التي لا تخلو من العناد.
حرك أصابعه فوق خصلات شعر ابنة اخته الواقفه بجانبه تحمل كراستها الوردية وقلمها ذو الفراشات الصغيرة المتناثرة فوقه..
تململت الصغيرة وهي تراقب خالها الذي كان يقف كالصنم يراقب باب الشقة بصمت تام، رفرفت بأهدابها الكثيفة وهي تقول:
– خبط بقا يا خالو.
انتبه سيف لصوتها، فحك مؤخرة رأسه وهو يرمقها بهدوء:
– حاضر هنخبط.
ورفع يده الاخرى يطرق على الباب عدة طرقات، وانتظر ثوانٍ حتى فتحت ليال التي كانت ترتدى منامة حريرية باللون الأحمر، وشعرها الأشقر متناثر حول وجهها في فوضوية تامه، انعقد لسانه فجأة وكأنه فقد أبجدية الحديث..وقد غرق كالمسلوب في بحر غرامها المُهلك..والهلاك هنا يكمن داخل عيناها القاتلة لجموده الظاهري أمامها..وأي ثبات قد يجده أمام منظرها الأنثوى ذاك.
شعر باغلاق الباب في وجهه بقوة، فعاد تركيزه الذى غاب عنه ربما لدقائق أو ثواني، لا يعلم منذ أن وقع أسيرًا لطلتها المولعه لمشاعره.
فتحت ليال وهي ترتدى حجاب ” طرحة ” قصيرة للغاية تغطى بعض شعرها..
ارتسمت بسمة ساخرة فوق شفتاه ممزوجة بالسخط منها، ولم يمنع نفسه من اعتراضه المتهكم:
– بارك الله فيكي يا ست الشيخة.
وحدجها بنظرات استحقار تشملها من أعلاها لأسفلها.. مشيرًا بأصبعه عليها:
– وبالنسبة للبجامة مكنتش مفروض تلبسي حاجة تغطيها!.
دهشة سيطرت على ملامحه، حينما تخصرت وهتفت بنبرة تلمؤها التحدِ:
– وأنت مالك.
رفع جانب شفتاه عقب وقاحتها التي زادت عن حدها، ومنع لسانه من توبيخها بأقذر الالفاظ حتى تستفيق من غفوتها.
منع نفسه بصعوبه وهز رأسه موافقًا، مغيرًا مجرى الحديث كلياً، وهو يدفع توته للداخل:
– ادخلي يا توته خدي الدرس مع المس، ولما تخلصي المس عارفه هتعمل ايه.
أدخل الصغيرة دفعًا نحوها، ثم أغلق الباب، فبقيت ليال بالداخل وهي مصدومة من فعلته، لم يسعفها عقلها بأي شيء وبقيت مندهشة من جرأته لفترة قصيرة، حتى انتبهت لصوت الصغيرة تسألها في براءة خالطها الاشمئزاز وهي تنقل بصرها في أرجاء الشقة:
– مس هو انتي بيتك مش نضيف ليه!.
ابتلعت ليال لعابها حرجًا من تلك الوقحة التي تماثل خالها في جرأته واشمئزازه الدائم على وجهه كلما حادثها وكأنه رئيس جمهورية وليس مجرد مكيانيكي يرفض الاعتراف بشهادته العليا ويصر على العمل في ورشة بأحدى المناطق الشعبية!.
تحركت توته نحو اريكة ومدت يدها الصغيرة تزيح بها الثياب الموضوعه بأهمال فوقها، ثم جلست بتعالِ أدهش ليال التي كانت تحت تأثير ما فعله سيف وما تفعله تلك المصيبة..
– يالا يا مس نبدأ.
هزت ليال رأسها بيأس واستسلام وهمست لنفسها بغيظ:
– بتتأمر عليا وكأن البيت بيتها.
بينما كان يقف سيف بالخارج في احدى زوايا السلم ينتظر فتح الباب وطرد صغيرته، فوقحة مثلها تفعل أي شيء كان، ولكنه كان واثقًا أنها سترضخ للوضع الذي يريده، فشخصية مثلها يجب أن يتعامل معها بحزم وقوة أكثر، كي تترك تمردها جانبًا.
وما ان اطمئن على استمرار توته بالداخل حتى هبط نحو شقته، وصدره ينتفخ بفخر عما فعله بها، شاكرًا نفسه على اختصار مناقشات عديدة كانت ستندلع بينه وبين اخته إن رفضتهما ليال.
***
وقفت شمس في احدى زوايا المطبخ، تفتح النافذة الزجاجية، كي تلتقط بعض من ذرات الهواء تعيد مجرى الحياة داخلها، بعدما انسحبت الدماء من شراينها خوفًا من اكتشاف سليم لأمرها.
– كنتي هتروحي فيها يا شمس.
همست بها بنبرة يتخللها الخوف، ولسان حالها ينطلق موبخًا عما أقدمت عليه في الخفاء دون علمه، وراحت تتخيل رد فعله اذا ادرك فعلتها الحمقاء، حتمًا كان سينهي أمر زواجهما دون أن يرمش جفنه.
– اهي حالتك دي هتودينا في داهية.
التفتت شمس تطالع يزن وزيدان الواقفان على أعتاب المطبخ، فانطلقت نحوهما تهرول بلهفة اكتسحت ملامح وجهها:
– صدقكوا.
أومأ يزن وابتسم بثقة:
– عيب يابنتي، أنا زيزو يعني أدخل في أي موضوع اخلصه.
التوى فم زيدان متهكمًا:
– أنت هتقولي!.
زفر زيدان وراح يصفق بتمثيل:
– عرفنا انك انت اللي فكرت وقولتيلي اعمل ايه، لولا مجهودات سيادتك كنا ضعنا.
– انتوا بتهزروا ومش حاسين بيا، أنا خايفه اوي، سليم لو كلمني هقول كل حاجة.
هتف زيدان محذرًا:
– لا اهدي، الموضوع بسيط وعدى، كل اللي عليكي لو قالك انتي عارفة بموضوع صحاب يزن البنات قوليله..
قاطعته وهي تشير له بحماس كاد أن يخرج من بؤبؤ عيناها وعقلها يحيك ماتبقى من الخطة.
– هقوله لا معرفش يا سليم وكده يعني..
اتسعت أعين يزن في صدمة وهو يقوم بتقلديها:
– وكده يعني.
هزت رأسها تباعًا لحديثه وحركاته، فقال زيدان:
– لا يا شمس، قوليله اه عارفه، انتي كده هتبوظي الدنيا.
شهقت بخفة وهي تضع يدها فوق صدرها مشيره نحوها بأصابع مرتجفه:
– أنا اقوله اه كنت عارفه، يالهوووي على اللي هيعمله فيا.
صمت كلاً من زيدان ويزن مشفقين عليها مما تعانيه، بينما تحركت بضعف وجسد قد خارت قواه حينما تعرض لأول عقبة قد يكشف أمر ما تخفيه..جلست فوق الكرسي ووضعت يدها فوق رأسها في حزن:
– أنا احسن حاجة اعترف.
– وليه تنكدي على نفسك وعلينا، بطلي التوتر والخوف ده، أنتي مبتعمليش حاجة غلط.
رفعت عيونها تطالع زيدان عقب حديثه والذي عبر عن مدى ضجره من خوفها الزائد، وقبل أن يغادر المطبخ هو ويزن، قال بخشونه:
– أنتي مبتعمليش حاجة غلط يا شمس، حطي ده في دماغك قبل ما تتصرفي وتقولي أي حاجة لسليم.
غادرا معًا، بينما هي باتت تحدق في اثرهما بشرود، حيث قد وقعت في حيرة الصواب والخطأ بعدما فقدت قدرة التمييز بينهما بسبب أفعال سليم التي أحيانًا تتسم بالعدائية.
***
أنهت ليال الشرح ووضعت القلم فوق الدفتر وهي تقول بنفاذ صبر.
– خلصنا.
– طلعتي بتشرحي كويس زي ما ماما قالت.
قالتها توته وهي تمعن النظر في ليال، والتي تفاجئت كثيرًا وهمست بحنق:
– انتي وامك وخالك رخمين.
رفرفت الصغيرة برموشها والفضول كاد أن يقفز من عينيها:
– بتقولي إيه يا مس.
– مبقولش، قومي روحي لخالك.
رفعت توته ساقيها تحركهما بعشوائية:
– خالو قالي المس تجبيك لغاية باب البيت.
نهضت ليال بعصبية شديدة من برود ذلك السمج:
– كده كتير، انا استحملت فوق طاقتي قومي معايا.
وقبل أن تبدى توته اعتراضًا، كانت ليال تمسك بيدها وتجرها خلفها، فلم تستطع الصغيرة ادراك ما يحدث لها، سوى أنها رُفعت فجأة من درجات السلم وتعلقت بيد ليال التي كانت تهبط بسرعة كبيرة وصوت أنفاسها يعلن عن غضبها..
بعد ثوان استمعت توته لصوت خالها والذي فتح الباب وبيده كوب الشاي، مرتشفًا منه بتلذذ.
– خلصتي يا قمر درسك.
هزت الصغيرة رأسها بصمت، فتابع سيف حديثه ببرود:
– والمس عجبتك ولا نشوفلك واحدة غيرها.
وقبل أن تفتح فمها كانت ليال تدفعها للداخل، وهي تردف من بين أسنانها:
– ادخلي عند أمك.
دخلت الصغيرة وهي تركض، كي تخبر والدتها بما رآته وسمعته، فبقيا ليال وسيف وحدهما، يتواجهان في معركة من الصمت، هي تتوهج من فرط انفعالها، وبالمقابل كانت عيناه عبارة عن كتلة ثلجية وبملامحه الجامدة التي لم تخلو من عنجهيته المتأصله به.
– اسمع ما اقولك أنا عماله استحملك، واستحمل طريقتك الزفتة علشان بس احنا جيران، بس والله بعد كده ماهعمل حساب لحاجة.
هز كتفيه بلامبالاة:
– متعمليش.
اتسعت عيناها بصدمة، وتحولت ملامحها للذهول، فاغتاظت منه ودبدبت بقدمها أرضًا قبل أن تعود للاعلى تجر اذيال الخيبة خلفها.
أغلق سيف الباب بعد أن صعدت للاعلى، والتفت بجسده يبحث عن صغيرته، فاقترب من باب غرفتها هي ووالدتها واستمع لحديثهما:
– بيتها مش نضيف خالص يا ماما، بس ايه عندها مونكيرررررات كتير.
– ملناش دعوة يا توته، واتعودي متبصيش في بيوت حد.
– حاضر يا ماما.
هز سيف رأسه بيأس وانطلق صوب ورشته يفرغ طاقته بها، منتظرًا ميعاد صديقه المسائي.
***
اغلقت شمس باب غرفة طفلها بعد جدال طويل حول احقيته في اللعب واللهو ليلاً، لقد انتهت جميع قواها ولم يعد لديها القدرة على مواكبه الساعات المتبقيه في ليلتها البائسة تلك.
جلست فوق اريكتها المفضلة بانهاك، وشعرت بحاجتها الشديدة للراحة، فـ فضلت الجلوس قليلاً وحدها قبل مواجهة سليم..
انتبهت لصوت فتح باب غرفتهما وخروجه من الغرفة، باحثًا عنها بعينيه، تقابلت عيونهما في لحظات من الصمت، قاطعها سليم بنبرته الجافة:
– أنا خارج.
هزت رأسها بالموافقة، دون ابداء اي رأي، وداخلها كان يتهكم من نفسها الضعيفة، حيث كانت تنتظر اعتذراً عما بدر منه بالأسفل، وما زادها أملاً حديث يزن عن رؤية الأسف يتوارى خلف نظرات سليم.
عادت بجسدها لتستند على ظهر الأريكة، تطالب بهدنة قصيرة للم شتات نفسها الضائعة بين ما تخفيه، ومعاملة سليم لها والتي تزداد جمود، فأصبحت حياتها جرداء، كبستان ذبلت زهوره بسبب إهمال صاحبه.
ولكنها تفاجئت بصوت سليم يصدح في المكان مجددًا، وكأنه عاد خصيصًا كي يقضى على أي ذرة تماسك لديها.
– انت ازاي تسمحي بحاجة زي دي تحصل!.
اعتدلت في جلستها، وبدأ عقلها يدور بسرعة يبحث عن إجابة تمثل طوق النجاة من بحر عيناه المظلم:
– مش فاهمة.
زفر بحنق شديد، وقد ظهرت بوادر انفعاله على ملامحه:
– شمس انتي فاهمة قصدي كويس.
حركت رأسها بنفي، قائلة بخفوت متلجلج:
– وضح كلامك يا سليم.
احتدت نظرات وهو يردف:
– انتي ايه علاقتك بالبنات اللي بيكلمهم يزن.
لن تنكر أن مشاعرها الثائرة من شدة خوفها، هدأت قليلاً حينما تبين لها محور حديثه، فقالت بلامبالاة:
– عادي بصاحبهم فيها أيه دي.
كور يده بعصبية بالغة وقد تجمهت قسماته، ناطقًا حروف كلماته بغضب:
– لا فيها كتير، بلاش جنان على كبر.
اتسعت حدقتيها بصدمة، مشيرة نحو نفسها بامتعاض:
– قصدك إيه إن أنا كبرت.
ارتفع حاجبيه باندهاش:
– ده اللي فهمتيه من كلامي، أنا اقصد انك ام ومتجوزه وعندك مسؤولية، والكلام ده ممكن يمس سمعتك.
– انت معقد الأمور اوى على فكرة، وبعدين بدل المحاضرة دي في المسؤولية، كنت قولها لنفسك يا سليم وانت بتزعقلي تحت قدامهم.
ثارت ثائرته قائلاً:
– أنا مغلطتش، والغلط كله منك.
أشارت بيدها قائلة بحزن، وعيون ممتلئة بدموع الكسرة:
– طيب ماشي خلاص، انت مغلطتش، وانا غلطانه، اتفضل روح شوف انت رايح فين.
وقبل أن يتحدث، كانت تهرول نحو غرفتها، ثم أغلقت الباب خلفها بقوة، جعلت احد حاجبيه يرتفع في غير رضا عما تفعله.
***
صباحًا..
استيقظت شمس على مداعبة لطيفة فوق وجنتيها، ففتحت عيونها الناعسة بسبب استمرار تلك اللمسات التي أشعلت مشاعرها المشتاقة لجرعة من الحب.
– سليم.
نطقت بها في همس، ونظراتها تنتقل بين قسمات وجهه الوسيمة، تبحث عن ذاك القاسي الذي كان يرميها بكلماته الحادة الجافة أمس.
– جيت امبارح متأخر لقيتك نمتي.
رمشت عدة مرات تطالعه بعدم فهم، ستفقد عقلها بسبب تصرفاته المتقلبه بين ليلة وضحاها.
– ساكته ليه؟!
اعتدلت بجلستها، وأخرجت تنهيدة قوية تعبر عن مدى ضجيجها من تغير حالته المزاجية.
– مبقتش فاهمك، انت امبارح كنت بتزعقلي، ودلوقتي…
قطعت حديثها حائرة، لا تجيد التعبير عما تعانيه معه، بينما تحدث هو بدفء أثار عاطفتها:
– دلوقتي انتي وحشاني.
لمعت عيناها بوميض الاشتياق لهمساته القليلة ولكنها تحفر في عقلها، كلما تضايقت منه، تتذكرها كي تهدأ ثورتها.
وكالمغيبه قالت بصوت يرتجف، اثر دقات قلبها:
– سليم هو أنت بتحبني صح!.
لم يتحدث بل اقترب منها مقبلاً إياها بنعومة داعبت أوتار فؤادها، ويده تتحرك بدرايه مدروسه فوق منحنيات جسدها الممشوق، يغمرها بمشاعر صامته لا يجيد البوح عنها، لقد كان بخيلاً في اغداقها بكلمات الحب، مناقضًا تماما افراطه في التعبير عن حبه من خلال تلاحمها الجسدي، فـ هو يدرك مدى واقع تأثير لمساته عليها، وكيف تحلق كالفراشه بين يده القابضة على جسدها في تملك، متمنيًا أن يدخلها بين ضلوعه مغلقًا عليها للأبد.
_______________
يتبع ……
لقراءة الفصل الرابع : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد