Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل العاشر 10 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل العاشر 10 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل العاشر 10 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل العاشر 10 بقلم زيزي محمد

” الشك سلاح ذو حدين أحيانًا يدفعك للسقوط في مستنقع أوهامك أو يقودك نحو الحقيقة!”.
في اليوم التالي…
في شقة والد سليم..توقف سليم على بعد خطوات من الغرفة، ينظر لها بتفكير، هروبهم جميعًا من أسئلته عن المفتاح تسير الشكوك بداخله، ولأول مرة يشعر بشعور غريب تجاه شمس، تبعد عيناها دائمًا عنه وكأنها تخفي أمرًا يصعب البوح به…بدأ سلاح الشك يسيطر عليه ويشعر كأنه داخل لعبة تشبه المتاهة.
مرت الكورة بجانبه، فانتبه لأنس خلفه، أشار إليه بصمت، ركض الصغير ناحيته مبتسمًا، قبله سليم بحب، ثم مد يده ومررها على خصلات شعره الشقراء بحنو، مستغلاً هدوء المكان، وانطلق يسأله في تريث:
– متعرفش فين مفتاح الاوضة دي.
– لا.
قالها أنس وسكت بعدها، فعاد سليم وكرر سؤاله:
– بس هما قالوا أنك بتلعب به كتير.
نفى أنس حديثهم بحنق طفولي:
– لا أصلاً هما مبيرضوش يدخلوني الاوضة دي يابابي.
رفع سليم عيناه نحو الغرفة مرة أخرى بتفكير مع استمرار حديث أنس الذي جلجل تفكيره:
– بيزعقولي لو جيت ادخلها ورا مامي.
ضيق سليم عيناه بتركيز، فسأله:
– هي مامي بس اللي بتدخل!.
– ايوا هي بس، اروح العب بالكورة.
قبله سليم مرة أخرى بقوة، مبتسمًا في وجهه:
– روح يا بطل.
استقام سليم بعد ابتعاد أنس عنه، وبعد تفكير استمر لدقائق، قرر مغادرة المنزل،
لم يكن شيئًا عاديًا على سليم أن يمر تلك الافعال المريبة مرور الكرام، أحيانًا يظهر لهم التجاهل..وأحيانًا أخرى يبين لهم أنه رضخ لِمَ يردونه، والعكس كان يكمن داخله، فمن أهم مميزاته أنه شديد الدهاء وعمله بالتجارة ساعده على التركيز بالاحداث، صمته الطويل ليس ضعفًا ولا قلة تركيز، بل هو شيئًا أشبه بالمراقبة الصامتة لافعال تثير انتباهه.
تدرجت افعالهم المريبة خلف بعضها، معطيًا لنفسه الوقت الكافي للتفكير الصحيح، وعندما فشل في إيجاد إجابة يريح بها هياج ذهنه، قرر تنفيذ ما آل إليه عقله الفترة الأخيرة.
أخرج الكارت الخاص بباقة الورد التي أتت من قبل للمنزل، ودقق النظر به، متذكرًا كيف حاول بعدها معرفة رقم المُرسل ولكنه فشل، بسبب سياسية المحل بعدم التفوه بأسرار زبائنهم، وبعد تفكير طويل قرر كشف لغز الكارت بوضع خطة ما، ولكنه قرر تأجليها قليلاً…فما حدث حينها من خوف شمس الشديد وتبرير يزن غير المنطقي جعله في حالة من التفكير المستمر.
رفع هاتفه وقرر الاستعانه بسيف صديقه
لعلمه أن ما يقدم عليه لن يكن جيدًا به، بعد لحظات أجاب سيف بنفس نبرة الصوت الحماسية التي لم يتخلى عنها لسنين رغم ما مر به:
– سليم باشا.
– يلا انا قررت انفذ اللي قولتلك عليه قبل كده.
– اللي قولته كتير، فكرني بس، علشان حكم السن وانا بنسى.
مازحه سيف كعادته، ولكن صوت سليم الجاد جعله ينتبه بتركيز:
– هنروح نقابل زيدان.
وصله صوت سيف الهادئ:
– أنت ناوي بردوا على اللي في دماغك.
– ايوا يلا قابلني.
**
تحركت شمس بالغرفة يمينًا ويسارًا وهي تتحدث بالهاتف مع يزن وصوتها يعبر عن مدى القلق التي تمر به.
– ياعني سألك وسألني وسأل ماما الصبح، أكيد شاكك في حاجة.
حاول يزن تهدئتها، فقال:
– هو سليم طبعه كده، لو حصل قدامه حاجة جذبت انتباهه مبيعدهاش..
– أنت بتخوفني اكتر.
قالتها شمس بسخط، فرد يزن مبررًا حديثه:
– يابنتي اقصد ان ده أمر طبيعي…عادي يعني.
بلعت ريقها بتوتر وسألته بصوت مبحوح:
– بجد يا يزن.
– بجد والله متقلقيش انتي.
اغلقت شمس الهاتف، وقبضت عليه بانفعال وقلق مرت به منذ ليلة أمس، شعرت بإستنفاز طاقتها، وادركت مرارة ما تخفيه، حتى أن شعورها بـ لذة السعادة في بادئ الامر تحول إلى أمرًا ماسخ لا تريده.
لن تنكر أنها للحظات فكرت بمصارحته، ولكن هي أجبن من أن تقابل من عينيه نظرات تمزق فؤادها، مدركه أن مصارحته بأمرًا كهذا سيعيق مجرى حياتهم لفترة طويلة.
***
توقفت سيارة سليم على بعد أمتار بسيطة من قسم الشرطة الذي يعمل به زيدان، شمل المبنى من بعيد مرتبًا افكاره وكلماته التي من المفترض أن تجذب زيدان معه لمكان ما يريده، ولعلمه بفشله الدائم بإقامة حوار هادئ يخلو من الاحاديث الصادمة مع أخيه، فكر بطلب المساعدة من سيف كي ينقذ الموقف ولا تتحول الخطة إلي شيئًا كارثي.
تململ سيف في جلوسه بجانبه، وانفجر غاضبًا:
– انت جايبني نتأمل في القسم، يعم اخلص.
حدجه سليم بعصبية :
– متعصبنيش قبل ما انزل، وفي الاخر ترجع تغلطني لما ادبش مع زيدان.
سارع سيف بالنفي، قائلاً برجاء:
– لا ابوس ايدك متهزرش، سيبني أنا اتصرف.
أومأ سليم عدة مرات، والتفت برأسه مرة أخرى نحو المبنى فلاحظ وقوف زيدان أمام إحدى سيارات الشرطة وبجانبه زميله يتحدثان، لمعت فكرة برأسه وقرر تنفيذها،
أشار لسيف سريعًا، وغادرا السيارة متجهين صوب زيدان الذي ما إن وقعت عيناه عليهما، حتى تفاجئ وأصابته ربكة بسيطة.
تبادلوا التحية، وبدأ زيدان بتعريفهم بهدوء نسبي يخالف التوتر الذي هاجمه، فوجود سليم في مقر عمله أمرًا مستحيلاً.
– ده سليم أخويا الكبير يا أمجد، وده سيف صاحبه وزي أخويا بردوا.
ربت سيف فوق كتف زيدان بامتنان، قائلاً:
– حبيبي يا زيزو.
وتابع زيدان تعريفهم ببعض، متوجهًا نحو أمجد صديقه بقسم الشرطة وقام بتعريفه، وبعد انتهائه ساد الصمت للحظات حتى قاطعه أمجد بابتسامة بسيطة:
– أسيبك أنا يا باشا علشان عندي شغل.
غادر أمجد بينما ظل الثلاثة ينظرون لبعض في صمت، سليم يبحث في عقله عن سبب قوي يجعل زيدان يتحرك معهما دون أن يتفوه بأسئلة تربكه، وزيدان ينظر بعدم فهم نحوهما، أما سيف كان ينتظر بدأ سليم بالحديث كي يسانده، واثناء انتظاره جذب انتباهه شيئًا ما وتحولت ابتسامته لعبوس قلق، فانطلق يهرول صوب القسم، حتى قاطعه سليم بصوته المرتفع.
– سيف رايح فين؟.
بعيون قلقة، وأنفاس هائجة، ونفس مضطربه أجاب:
– كمل أنت، أنا لازم امشي.
حرك زيدان رأسه يتابع ما يحدث، فقال مستفسرًا:
– في ايه، إيه اللي حصل؟.
هز سليم كتفيه بنفي، وتفوه بخفوت:
– معرفش..
حقيقةً لأول مرة يصاب سليم بالتوتر أمام أخيه، حيث اعتمد كليًا على صديقه، والذي فر هاربًا من الخطة في اخر لحظة وجب عليهما التنفيذ بها.
انتبه لصوت زيدان المتسائل:
– خير..جايين هنا ليه؟!
حمحم وهو يجيب في جدية:
– عايزك في موضوع.
تأهبت حواس زيدان له، ولكن دفعه سليم له نحو سيارة الشرطة جعلته غير مدركًا ما يحدث من قبل أخيه..
– هنركب دي ليه، تعال نركب بتاعتك ولا بتاعتي.
قالها زيدان وهو يقبض على المقبض، فأصر سليم على رأيه:
– خلينا نركبها وخلاص، لسه هنجيب عربيتك ولا عربيتي.
اطمئن سليم على وجود زيدان بالسيارة، واتجه صوب الاتجاه الاخر، كي يجلس به، وعقله يحيك فكرة ما بديلة عن الاولى، فما فعله سيف زلزل أسس خطته.
– نروح نقعد في مكان.
سأله زيدان بهدوء زائف لِمَ يشعر به تجاه أخيه، فأجاب سليم برفض:
– لا نروح العنوان ده”………”.
امتعض وجه زيدان من الغموض المسيطر على أخيه، ولكنه قرر الصمت مؤقتًا، فالوقت كفيل باخراج ما في جبعة أخيه.
***
انطلق سيف لداخل قسم الشرطة، يتحرك بخطوات واسعه نحو أخر الممر حتى اوقفه احد العساكر يسأله بوجوم:
– عايز إيه، بتجري ليه كده؟.
بلع لعابه باضطراب، مشيرًا نحو فتاة تدخل عنوة لداخل غرفة ما ومعاه رجل وامرأة..
– هي دي جاية في ايه؟.
– وانت مالك، هو أنت صحفي؟.
هز رأسه بنفي، مجيبًا بنبرة مرتبكة من شدة خوفه على تلك المتهورة التي بالتأكيد زجت نفسها في ورطة ما.
– أنا قريبها، بسرعة الله يكرمك جاية في ايه.
هز الشرطي رأسه عدة مرات متفهمًا سبب ذعره البادي على وجهه، مقررًا اخباره في خفوت:
– دي جاية في آداب.
– إيه.
قالها سيف وعيونه تتوسع من شدة صدمته وملامح الزهول تسيطر على وجهه، وقبل أن يغلق الباب انطلق سيف يدخل حشرًا لداخل الغرفة…
***
قبل هذا الحدث بساعة….
خرجت ليال من المصعد، وتوجهت في الممر الطويل متوجهه صوب شقة أحد تلاميذها في المدرسة، كي تعطيه درسه اليوم، ورغم أنها تكره والدته فهي امرأة متعجرفة، قليلة الذوق، إلا أن المبلغ التي تأخذه منها يصعب التخلي عنه في الوقت الحالي.
قرعت الجرس وتمنت ألا تقابلها، وللحظات فكرت كيف لتلك المرأة ذات الملامح الحادة والبارزة بأن تتزوج برجل وسيم، ذو ذوق رفيع جدًا في التعامل معها أو مع غيرها، رغم انها لا تقابله إلا مرات قليلة، إلا أنه يثير انتباهها من شدة وسامته، و أسلوبه الراقي في التعامل وأثناء تفكيرها تفوهت بحماقة” راجل جنتل” تزامنًا مع فتح الباب أمامها، فظهر والد الطفل بابتسامته المهذبة.
– أهلاً يا مس، اتفضلي..
توردت وجنتاها خجلاً، وكأنها لم ترى رجل بوسامته من قبل، دخلت على استيحاء، فلم ترى الطفل، التفتت نحوه تسأله بصوت رقيق:
– هو أحمد فين؟.
وضع أمير يده في جيب سرواله متحدثًا بلباقة:
– اسف جدًا أنا خليت الناني تاخده وتنزل تشتريله من السوبر ماركت، مامته مش هنا ومبطلش زن.
تفهمت الموقف وتبسمت بلطف، بينما أشار إليها نحو الصالون قائلاً:
– اتفضلي اقعدي خمس دقايق وجايين، عن اذنك.
– اوك.
تحركت ليال لداخل بينما دلف هو لاحدى الغرف، مرت الخمس دقائق ولم يأتي الطفل، راقبت ليال الباب بفتور وملل، فكرت بالمغادرة ولكن شجار والدته معها منعها عن ذلك، واثناء تفكيرها خرج أمير مقررًا الذهاب لعمله، تفاجئ بغياب ولده كل هذا الوقت فقال بضيق:
– هو لسه مجاش.
– لا لسه، ياريت تشوفهم فين؟.
أومأ برأسه ثم أخرج هاتفه وقرر الاتصال بمربيته، ولكن فتح الباب، فالتفت بجسده ليرى من، وجدها زوجته..وما إن وقعت عيناها على زوجها وخلفه ليال المعلمة الخاصة بابنها، حتى اتسعت عيناها بصدمة وقهر، تحركت نحوهما بخطوات واسعه تشير عليهما بصوت مرتفع:
– اه يا خاين في بيتي!.
– نعم!.
تفوهت ليال بعدم فهم، وعيناها تنتقل بين الرجل وزوجته بسرعة كبيرة، فاسكتها أمير بصوت صارم:
– استنى انتي يامس، من الواضح ان المدام عندها سوء فهم.
شهقت بزهول، مشيرة نحو نفسها وهي ترمقهما باشمئزاز:
– انا اللي عندي سوء الفهم، آه انا هقول لمين، اللي مخطط ومظبط علشان يقابلها من ورايا في بيتي.
جز أمير فوق أسنانه بعنف شديد، محذرًا إياها من التمادي لعلمه بمدى جنونها به وعشقها له وغيرتها التي تسيطر على عقلها فتمنعها من التريث والهدوء، بل إن رأته يتحدث مع امرأة يجن جنونها، وتسبب له مشاكل عديدة..
– اقابل مين من وراكي، دي المس بتاعت ابنك اللي جايه تديله الدرس.
ضحكت ساخرة بصوت مرتفع وهي تتحرك كالمجنونة حول نفسها، تسأله باستهجان:
– هو فين ابني ده؟!، انت فاكرني مختومه على قفايا.
فقد اعصابه وهو يشير نحو الاسفل، قائلاً:
– ابنك بيزن نزلته مع الناني يشتري، والمس جت…
قاطعته بغضب عارم وعيون تشتعل بنيران الغيرة والشك:
– فنزلته علشان يفضى الجو ليك أنت وقليلة الادب دي، والله أنا شكيت من المرة اللي فاتت لما وقفت وسلمت عليها مخصوص..
وهنا الغضب كان من نصيب ليال التي اندفعت نحوها، تتحدث بصوت مرتفع ووجه ينتفض باحمرار:
– انتي مجنونة ولا بتتخيلي ولا نظامك إيه..
اندفعت نحوها انجي ودفعتها ارضًا وقررت تربيتها من جديد، فمنعها زوجها بتحذير قاسي:
– انجي، لمي الدور ده..ابعدي عنها احسنلك.
– انت بتدافع عنها..
فاتجهت صوب الباب وقررت تأديبهما بعدما تأكدت شكوكها اتجاهما:
– يا ناس..تعال شوفوا…شوفوا البيه اللي مغفلني.
ظلت تكرر حديثها بنبرة صارخة، فخرج السكان في لمح البصر وتجمهر البعض على السلم العلوي والبعض الاخر امام الشقة، يحاولون التقاط اي منظر مخل للاداب، وفي ظل تلك الأجواء النارية سألت احدى السيدات جارتها بفضول بعدما لم تستطيع الوصول للباب الشقة لرؤية ما يحدث..
– هو في ايه؟!.
ردت الاخرى قائلة بتبرم:
– انجي اكتشفت ان جوزها بيخونها مع واحدة في البيت.
تدخل رجل في الحديث، مندهشًا مما يحدث:
– هي الدنيا حصل فيها إيه، انا لازم اتصل بالشرطة..انا لا يمكن اسكت عن المهزلة دي في البيت، البرج هيبقى سمعته زي الزفت.
حثته زوجته على ذلك قائلة بعدم رضا:
– ايوا اعمل كده، ده زنا والعياذ بالله.
بينما في الداخل كان أمير يحاول ابعادهم عن الشقة، غاضبًا على زوجته التي افتعلت شيء لم يحدث، وكأنها مريضة أو مجنونة تختلق أمورًا وتصدقها، انفجرت ليال بها وبدأت بالشجار معها، نافية التهمة عن نفسها، وقد تحول الوضع لأكثر سوءًا وانقلبت الآية فجأة وذلك مع ظهور الشرطة
تأمر السكان بالابتعاد وصولاً للشقة..
تجمدت اطراف ليال وأمير، ووقعت الدهشة فوق انجي، عندما رأت العساكر يدخلون للشقة ومعهم الضابط يتجول ببصره عليهم جميعًا، فادرك أمير أن احد السكان هو من قام بالتبليغ فتوجه على الفور نحوه:
– حضرتك حصل سوء تفاهم، انا دكتور محترم و….
قاطعه الضابط بجدية ووجوم:
– الكلام ده هناك في القسم قدام الباشا، احنا قدام بلاغ يخص الاداب، اتفضلوا معانا.
ودون تفاهم تحركوا جميعًا نحو قسم الشرطة….
***
عودة للوقت الحالي..
دخل سيف عنوة للغرفة، فرفع الضابط المسؤول عن التحقيق عيناه بغضب، ولكن تحولت ملامحه للهدوء وهو يرى سيف صديق زيدان والذي عرفه زيدان عليه قبل قليل، فوقف له متحدثًا بأسلوب لبق:
– خير يا باشا..
توقف سيف في منتصف الغرفة يمر ببصره على المتواجدين جميعًا بما فيهم ليال التي نكست رأسها حرجًا وحزنًا مما تمر به، ناهيك عن الزلازل الذي أصاب هيكل ثباتها أثناء ركوبها لسيارة الشرطة كمتهمة في قضية أداب، لقد شعرت بكم من الطاقة السلبية تحيط بها، تهوي بها في بقعة من الجحيم الهالك، يالسخرية القدر، هي تركض في اتجاه المكسب والغنى…وهو يخفي لها واقع مرير ممزوج باتهام بشع يخص الشرف، حاصر الخوف مكنونات قلبها وهي تتابع حديث سيف مع الضابط وتعريفه بأنه احد اقاربها، انتبهت لترحيب الضابط به ترحيب شديد وكأنه شخص مهم ذو سلطة.
جلس سيف بالكرسي معطيًا ظهره لها، فارتاحت قليلًا حينما أدركت أن سلطة عيناه ستبعد عنها، ولن تلتقي باللوم الدائم منها، لن تجد العتاب الحائر بينهما والذي يمزق قلبها، في كل مرة كانت تعاند وتطلق براثينها في مهاجمته ولكن تلك المرة ستصمت وتبتلع أي حديث لن يكن كافيًا للتبرير له عما تمر به الآن حتى لو ثبتت برائتها من تهمة بشعة قاسية تدفن الحاضر وتجعل المستقبل في طريق مجهول.
مسحت دموعها الكثيرة، وتابعت حديث الضابط الموجه لوالد الطفل:
– في حد من جيرانكوا بلغ أنك كنت مع واحدة في البيت ومراتك اكتشفت خيانتك…
قاطعه أمير بضيق وجدية:
– حضرتك متكملش، أنا دكتور محترم..
قاطعه أمجد بانفعال واضح:
– اسمع انت ومتقاطعنيش تاني، انت متهم يا دكتور…على حسب ما عرفت ان مراتك صوتت ولمت عليك الجيران علشان تثبت واقعة خيانتك، صح ولا لأ يامدام.
توترت انجي وهربت الكلمات من فمها، وتوقف عقلها عن التفكير، فهي أمام قرار مصيري، لا تجيد الاختيار، يبدو ان شكوكها على حافة الهاوية..هي تعلم أنهما كانا في وضعًا عاديًا ولكن لم تقتنع بما قاله زوجها..لعنت في تلك اللحظة حبها الشديد له والذي جعلها غير قادرة على التمييز..فوسامته المفرطة جعلته صيدًا للنساء، لقد رأت ذلك بنفسها..حتى انها تستمع لاحاديثهن الوقحة، فصارت تتخيل
خيانة زوجها في كل لحظة، وبدأت مؤخرًا في ارتداء رداء اللاوعي وتفقد سيطرتها على نفسها.
انتبهت لحديث زوجها المنفعل، فكان نبرته لا تبشر بخير أبدًا، يبدو أنه طفح الكيل به من أفعالها المتهورة:
– واقسم بالله يا انجي ان ما قولتي الحقيقة، لاكون مطلقك.
تلعثمت وهي تتحدث بخجل وتخبرهم بما حدث بالتفصيل، فقال أمجد بعدها بغيظ:
– تصدقي بالله لولا انك ست كان زماني قولتلك لفظ مش تمام، ايه الجنان ده…ياعني تجرجري جوزك وراكي وتتهمي واحدة بتهمة زي دي، وتفضحيهم كده ده انا هاين عليا اسجنك انتي.
بكت انجي بقهرة حقيقة لِمَ تعانيه مع وسامة زوجها وخوفها الدائم عليه من النساء، ولكن لم تظهر ذلك بل وجهت اللوم على ليال الواقفة في صمت باكي.
– هي اللي غلطانه المفروض مكنتش تدخل بدام مكنتش موجودة..
وهنا وقف سيف يقول في استنكار قاسٍ:
– لا لغاية هنا وتسكتي، كفاية اوي اللي عملتيه معها، انا المفروض اخليها تقدم فيكي بلاغ، بس علشان جوزك المتبهدل معاكي ده، فانا هعديها.
اغلق امير عيناه بنفاذ صبر قائلاً بنبرة مكتومة غاضبة من زوجته:
– ياريت نقفل المحضر يا باشا..وانا بعتذرلك يا أنسة ليال على اللي حصل.
لم ترد ليال بل كانت في عالم اخر من جلد الذات، فواقع كلمات انجى اللائمه ألهبت ضميرها، فكان اللوم من نصيبها، بسبب خوفها من خصم انجي لها جزء من المرتب دخلت دون الاخذ بمعايير الدين وتقاليد المجتمع..وكأنها لغت عقلها وزجت به في بئر الطمع والركض خلف المال.
تابع سيف انتهاء المحضر مع امجد وامير باهتمام بالغ، خوفًا عليها..من بداية الأمر كان يصدق برائتها، هو يعرف كم هي جشعة ومحبة للمال ولم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بسبب جريها ورائه ولكنها لن تبيع نفسها في مقابل هذا المال أبدًا فلم تفقد ما تبقى من تربيتها واحترامها لهذه الدرجة بعد.
***
وقف زيدان ينظر لمحل الورود من الخارج بعدم فهم، فحركه سليم للامام قائلاً:
– يلا ندخل..
توقف زيدان على أعتاب الباب الزجاجي بضيق:
– هو في إيه، ادخل فين؟!، ماتتكلم يا سليم.
ظهر شبح ابتسامة خبيثة فوق شفتاه قائلاً:
– عايزك تدخل تختار معايا ورد لشمس.
– نعم؟!.
قالها زيدان باندهاش، فتابع سليم حديثه ساخرًا:
– ايه مش أنا معنديش ذوق ومبعرفش اعمل حاجة صح واكملها للاخر، ودايما مش عجابك عمايلي…
تفاقم شعور بالغضب لدى زيدان، ونجح سليم في استفزازه كما يريد، لامحًا بطرف عيناه متابعة صاحب المحل لِمَ يحدث بينهما، يبدو ان الخوف سيطر عليه..
– انت جايبني هنا تهزقني وتعصبني، كنت وفر كلامك ده لبليل لما اروح.
– كنت فاكرك عايز تساعدني.
مازالت صوته الساخر يغلب على حديثه فقال:
– أنا هساعدك بجد لما أحس منك انك بدأت تتغير من ناحيتنا، انا مستنيك في العربية علشان اوصلك تاني.
انطلق زيدان صوب عربية الشرطة، بينما ابتسم سليم حينما حقق مراده، دخل إلى الدكان واضعًا يده في جيب سرواله بثقة ان ما يريد الحصول عليه سيحدث لا محال.
– في إيه ياباشا.
قالها الرجل في توتر بالغ، أخرج سليم الكارت مشيرًا له في صمت، جلس الرجل فوق الكرسي وعيناه تتابع سيارة الشرطة الواقفة امام الباب، فابتلع لعابه سائلاً بترقب:
– هو انا علشان مرضتش اديك معلومات المرة اللي فاتت، جاي وجايبلي الشرطة يابيه، رغم ان قولتلك ان دي من سياسة المحل.
– انت شيـ..وعي ياله؟!.
سأله سليم بخبث، فأجاب الشاب ببلاهة:
– ها؟!
– عايز انادي على الظابط صح، هو كان متعصب وعايز يدخل يشدك على القسم، قولتله لا استنى هو هيدني عنوان اللي بعت الكارت..اللي بعت الكارت ده خاين ومتورط في مصيبة كبيرة، قول أحسنلك.
فقد الشاب هدوئه الزائف، قائلا:
– والله ما معايا العنوان..
التفت سليم بجسده نحو الباب، قائلاً بصوت مرتفع:
– ياباااااا…
قاطعه الشاب بنفاذ صبر:
– معايا رقمه.
– رقم مين؟!.
سأله سليم في ترقب، فأجاب الشاب بجدية صادقة:
– رقم اللي طلب الورد!.
– طيب هاته.
حصل سليم على مراده وخرج من المحل مفكرًا للحظات بالرقم وكذب يزن عليه، الرقم يخص رجل وليس فتاة كما أخبره… ازدادت شكوكه اكثر ولكنه التزم الهدوء وقرر الذهاب لزيدان متعللاً بأي حجة لابعاده مؤقتًا ورغم ان زيدان قادرًا على إيجاد التفاصيل كاملة للرقم المدون معه في الورقة، إلا أن كبريائه منعه من الاستعانه به أكثر من ذلك، ناقمًا على سيف وتركه وحده هكذا في منتصف الاحداث.
– روح انت شغلك يا زيدان..انا مطول هنا.
لم يتحدث زيدان بل انطلق في وجهته بضيق تام من أفعال أخيه الغريبة.
***
بعد مرور عدة ساعات عليه في المحل الخاص به، قلب سليم الورقة المدون بها الرقم يمينًا ويسارًا بتفكير، على الرغم
من حصوله أخيرًا على اسم صاحب الرقم وحسابته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي الا أنه مازال مقيدًا لا يدري اي خطوة منهما صحيحة..فكر مليًا فوجد انسب حل هو مراقبة ذلك الرجل من خلال حساباته الشخصية أولاً قبل مواجهته.. فتح تطبيق” الفيس”
وبدأ في البحث في حسابه بالتفصيل الممل لم يترك منشورًا الا ودقق به، فلاحظ دائمًا أغلب منشوراته هي الدعاء لاخته المريضة بالقلب ومن خلال الانتقال هنا وهناك..وجد نفسه على حساب اخته الشخصي، وبالتمرير المستمر به وجد فيدوهات مشاركة من حسابات أخرى بعنوان منفصل ” شمس” جذب الاسم انتباهه..وفتح احد الفيدوهات وتابع بتركيز فوجد يد للفتاة ترسم في بداية الأمر لم يتعرف على يدها ولكن مع تكرار اللقطات المصورة لاحظ أشياءًا كانت غائبة عليه، بداية من لون يدها، وتلك الشامة البسيطة التي تتوسط أحد أصابعها.
للحظات لم يستوعب ما يحدث، بل وكأن هناك قنبلة وقعت فوق رأسه فجرت عقله المصدوم، انطلق كالمجنون يتابع حسابات المدعوة شمس..وانطلق بين مواقع التواصل بسرعة يبحث بين معلوماتها الشخصية الوهمية وفيدوهاتها حتى تأكدت ظنونه..في إحدى الفيدوهات كانت ترسم بخاتم خاص ومميز بينهما، فقد أهداها إياه في إحدى المناسبات.
لقد كان شاردًا لا يجيد التفكير، لم يفكر سوى بالصفعة التي تلقاها منها، صفعة زلزلت كيانه، فبدا كالأحمق المغفل..وهذا شيئًا لا يمكن السماح به أبدًا.
جذب متعلقاته بغضب وعيون تشتعل بنيران القسوة، وانطلق بسيارته صوب منزله، لم يعلم المدة التي وصل بها للمنزل بسبب تفكيره الذي لم يهدأ قط، هو دليل أخر إن وجده ستنقلب حياتهم وتنقطع بلا رجعه.
صعد لشقته اولاً وبحث في كل زاوية عن الكاميرا او عن ادواتها لم يجد، توقف في منتصف الشقة كالأسد الثائر يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة، شاعرًا بانقباض جدران شقته عليه.
هبط لشقة والده..ودخل بسرعة جعلتهم جميعًا يراقبون دخوله في قلق، لم ينظر لأحد بل كان متوجهًا صوب الادراج يفتحها بعصبية بالغة، وجملة واحدة كان ينطق بها دون انقطاع:
– هما فين…هما فين.
تبادلوا النظرات جميعًا ولم يفهموا ما يرمي إليه، حتى لاحظ الغرفة المغلقة وربط الاحداث ببعضها..فانطلق نحوها وبدون سابق انذار اندفع بكل قوته حتى كسر الباب، وهنا كانت الصدمة لهم جميعًا بما فيهم سليم فنطق بكلمة واحدة، ارتفعت نبرته وأثارت الرعب في نفوسهم خوفًا من القادم.
– شــــمــس.
_____’__________
نقول أهلاً بالاحداث الجديدة ????♥️
يتبع ……
لقراءة الفصل الحادى عشر : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!