Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الحادى عشر 11 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الحادى عشر 11 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الحادى عشر 11 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الحادى عشر 11 بقلم زيزي محمد

تبادلوا النظرات جميعًا ولم يفهموا ما يرمي إليه، حتى لاحظ الغرفة المغلقة وربط الاحداث ببعضها..فانطلق نحوها وبدون سابق انذار اندفع بكل قوته حتى كسر الباب، وهنا كانت الصدمة لهم جميعًا بما فيهم سليم فنطق بكلمة واحدة، ارتفعت نبرته وأثارت الرعب في نفوسهم خوفًا من القادم.
– شــــمــس.
ركضت شمس تختبئ خلف زيدان بخوف، لم ترى زوجها من قبل بهذه الحالة الثائرة فحالته تشبه إعصار تسونامي، حيث اقتلعت قلوبهم من فرط توترهم…
خرج سليم من الغرفة باحثًا عنها بعينيه القاتمة، فاختبئت أكثر منه، وكأن جسد زيدان يمثل حصنها المنيع ضد غضب متهور قد يطالها من زوجها والتي تجهل الآتي منه حتى الآن.
ازدادت أنفاس سليم الهائجة وكأنه في حلبة مصارعة، يصارع من أجل التقاط أنفاسه الأخيرة بعد ضربات موجعة من جميع الجهات، لقد خارت قواه..ولم يعد لدية ذرة تعقل بعد هذه الصدمات ولكنه سيتمسك بأخر ذرة هدوء زائفة قبل الانفجار بها.
– افهم إيه من اللي عملتيه ده…بتعملي اللي أنا رفضته من ورايا ليه؟!
تفوه بها وصوته يحمل قهرًا مزق نياط قلبها لاشلاء، يبدو أنه يجاهد أمرًا ما بداخله، بل ارتجفت نظراته للحظات وهو ينظر في عمق عيناها، يبحث عن دوافعها لتخفي عنه شيئًا هكذا..ولكن الصمت الطويل من جانبها جعله يدور بنظراته عليهم جميعًا..كانت أجسادهم في وضع دفاع وكأنهم يعلمون بما فعلته، انفلتت ضحكة ساخرة صغيرة منه.. بعدما توالت التراكمات داخله وكأن القدر خطط في أجندته رسومات الغدر، رفع يده المرتجفة يضغط بها على جانبي رأسه بقوة وكأنه يريد الفتك بعقله الذي يعمل جاهدًا معطيًا انذارات للخيانة منهم جميعًا..ومع استمرار صمتهم وارتفاع صوت أنفاسهم..خرج صوته الجهور ينفجر بها..
– بقولك ليه عملتي كده..ردي دافعي عن نفسك..افهم ايه من العصيان اللي انتي بتعمليه ده؟!
لم تستطيع الرد عليه..فاقترب يزن خطوة للأمام بحذر، وبصوت هادئ يحاول امتصاص غضب أخيه:
– انت فاهم الموضوع غلط، اهدى علشان نفهمك.
وبحركة غير متوقعه، أرجعه سليم بيده للخلف، وهو يتساءل بنبرة غليظة تخرج النيران من بين حروف كلماته:
– أنت بتتدخل ليه، كنت بتساعدها في حاجة غلط، مبسوط وأنت بتعمل كده في أخوك؟
هربت الكلمات من يزن، واستمر بالتحديق بأخيه يبحث عن تبرير قوي يستطيع جذب سليم به من كنف الغضب والحقد البادي بعينيه، ولكن قرر زيدان التحدث بنبرة دافعية استفز بها سليم.
– شمس معملتش حاجة غلط..علشان تدافع بيها عن نفسها.
رفع سليم يده نحو زيدان يشير بعصبية مفرطة نحوه:
– الله..أنت كمان كنت عارف..وأنا الاهبل اللي عايش في عالم تاني لوحدي.
ابتعد زيدان بعينيه بعيدًا عن مرمى بصر أخيه المعتاب له وازدادت الفجوة اتساعًا وغلفت مشاعرهما بنيران الكره… انتقلت يد سليم نحو والدته ووالده بالتتابع يسألهم بقلب مفطور ولكن نبرته تعكس ذلك فكانت تحمل الكبر والحقد:
– وأنتوا كنتوا عارفين!.
صمت طالهم وأخمد عقولهم… فأشار على نفسه بصوت يحاول اخفاء نبرة الانكسار به، بعد أن تلقى الخيبات على يدهم وأصبحت نفسه شاردة لا تجد المأوى أمام نظراتهم المحملة بالبرود:
– يعني أنا كنت المغفل الوحيد بينكوا، بتتفقوا عليا…عايش وسطكوا وبتغفلوني..طب ليه؟!
فرك والده وجهه بحزن، وارتمى بجسده فوق الاريكة بعدما فقد القدرة على الاتزان أمام مواجهة حذرهم جميعًا منها ولكن لم يستمع له أحد.
شدد سليم على خصلات شعره بعنف ودار حول نفسه كالمجنون، لا يصدق ما يفعلونه، يتعاملون معه وكأنه عدو..منبوذ..يلقون اللوم عليه..حتى أنه رأى في عيونهم أن غضبه غير مبرر..لا يشعرون به بالمرة..وكالعادة يتجرع الخيبات منهم مرارًا وتكرارًا.
لم يشعر بنفسه سوى وهو يتجه صوب المكتبة التي تحتوي على تحف ثمينه وهو يقوم بتكسريهم واحدة تلو الأخرى..الأمر هنا ليس غضب من زوجته فقط بل منهم جميعًا..فصدره عج بالتراكمات المؤلمة ولم يعد قادرًا على دفنها..فانفجر على أبسط شيء وظهر داخله بما يكنه من مشاعر غير سويه.
اغلقت شمس عيناها برعب، تجاهد الحفاظ على نفسها قبل الانهيار الأخير، لقد جنت ثمار فاسدة من حلم لم يكن أساسه صحيحًا، كانت حياة وهمية خلقتها بدافع الهروب من أخطاء الماضي..لو أنها اعطت لنفسها الفرصة من التعلم من أخطائها لم تعاني ما تمر به الآن… يبدو أن عقلها الباطن كان يشتاق للذة النجاح..فسارت في طريق مزين بورود باطنها أشواك قاسية.
كان جلد الذات يتزامن مع انفعال سليم..تنتظر هجومه عليها في أي وقت..فانتبهت لاقتراب والدته منه تحاول تهدئته..بعد أن القت نحوها نظرة رجاء تستنجد بها كي تتدخل وتهدأ زوجها بعد فشل زيدان ويزن والتزام كلاً منهما الصمت أمام غضبه.
– اهدى يا سليم…شمس معملتش حاجة تسيء ليك يابني…
صرخ بها بعنف:
– انتي بالذات تسكتي، مش كفاية اللي عملتيه زمان..بتبوظي حياتي تاني.
تلعثمت منال وهي تعطي مبررًا كان بغير محله:
– ده حلمها ولازم تكمله..
– وحلمي أنا قتلتيه وقتلتيني.
بصوت منكسر أخبرها جزء ما يكنه بداخله، حافظ على ابقاءه داخله كي لا ينفلت ويجرحها..أو يعلم أحد من اخوانه ويلقون اللوم على والدتهم..يجاهد للحفاظ على مشاعرهم واحدًا تلو الأخر ولكن كانت الصدمة الكبرى لدية حينما دافع زيدان عن والدته بشراسة:
– انت اخترت طريقك زمان يا سليم بإرادتك..مفيش حد قتل حلمك..بلاش ترمي علينا كل أحزانك..امك مغلطتش وشمس مغلطتش.
– وانا اللي ساكت علشانك..طلعت عارف وساكت ومغلطني كمان.
نطق بها سليم غير مصدقًا مستنكرًا رد فعل أخيه المفاجيء، يبدو ان الغرق في أحزانه أبعده عن عائلته.. يسيرون في اتجاه وهو يمضي في اتجاه معاكس، لقد جاهد الحفاظ على أوجاعه كي لا يحزنه..تذوق مشاعر لأول مرة يمر بها من أجل فقط الحفاظ عليهم..حارب نفسه التي كانت أحيانًا تدفعه للغيرة منه…وبالأخير من يحارب من أجله لا يستحق بل يقف ويتابع من بعيد حزنه دون حتى معالجة جروحه.
صارع زيدان مشاعره المنجرفة نحو أخيه، لن ينسى قط تلك الصفعة التي هبطت فوق وجهه دون مبرر..وكأن الكره هو من دفع أخيه لذلك، لم يستطع السكوت لمعرفته بجبن شمس أمام سليم..وعلاقة والدته المضطربة معه..فاستمر بالحديث.
– اقعد ونتكلم بالهدوء..انت مكبر الموضوع زيادة عن اللزوم.
اقترب سليم منه وعيناه تسرد كم كانت مشاعره قاسية في ذلك الوقت..وبنبرة خافتة للغاية أخبره بكره وحقد:
– مراتي خانت عهد ما بينا..فاهم يعني إيه خانت العهد ما بينا، وبعدين انت بالذات تقعد زي الكرسي..فاهم.. انت مالك أصلاً…موضوع مابيني وبينها.
وقف زيدان بوجهه يواجه طوفان غضبه.
– ياعني إيه وأنا مالي..انت ليه دايمًا بتخرجنا من حياتك.
صرخ به سليم بنبرة غاضبة:
– أنا مبخرجش حد لان مفيش حد اهتم انه يدخل أساساً.
– أنت عايش دور المضحي على طول..زي مانت خسرت احنا كمان خسرنا..
اختصر سليم المسافة بينهما..وقبض فوق ياقة قميصة بعنف وبنبرة حاقدة سأله:
– انت خسرت ايه، تقدر تقولي؟!
أجابه بصوت مرتجف خافت من شدة حزنه:
– كفاية ان خسرتك انت.
لم يهدأ سليم قط..بل زادت قسوته وهتف بحنق اتجاهه:
– انت خسرتني بمزاجك مش غصب عنك.
اقتربت شمس منه بقلق بعدما تطور الوضع وأصبح سيئًا للغاية..مدت يدها تقبض على مرفقه..تجذبه نحوها كي يترك زيدان على خير.
– سليم..كلميني أنا.
– إيـــــــه..يا كذابة.
اهتزت مشاعرها، ونهرته بحذر:
-متقوليش يا كذابة.
– احمدي ربنا ان مقولتش يا خاينة..انتي واحدة خاينة للثقة والأمانة.
تراجعت شمس للخلف بصدمة بعدما تجرأ سليم ونعتها بالخيانة راقبت حالته الانفعالية، فعاد الصمت يلجم لسانها من جديد ..اقترب منها بخطوات سريعة تزامنًا مع تراجعها للخلف، فقالت بصوت مرتجف باكي.
– أنا معملتش حاجة غلط..أنا كنت بحقق حلمي اللي أنت منعته عني زمان.
– أنا منعته عنك..ولا ده كان اتفاق ما بينا وانتي وافقتي عليه.
أشار نحوه يستمع لأحاديث لاول مرة يعلمها..فهزت رأسها تؤكد على كلامه.
– ايوه..بسبب غيرتك وقسوتك معايا اضطريت ان أخبي عليك..انت السبب يا سليم في كل ده.
ردد خلفها غير مصدقًا حديثها:
– أنا السبب…اللي عملتيه ده خيانة ليا يا هانم.
زعق بها ولكنها لم تصمت شمس، بل انطلقت تدافع عن نفسها أمام اتهام بشع طالها.
– دي مش خيانة..عمرها ما كانت خيانة، لما اعمل حاجة نفسي فيها.. ابقى بخونك من انهي اتجاه دي…انت للاسف مش شايف غير نفسك.
اندلعت بصدره نيران لن يقوَ أحد على إخمداها..حتى أن عيناه أصبحتا مخيفتين وتحولتا إلى أعين دموية..
– خيانة في قاموسي..أنتي أنانية ومفكرتيش غير في نفسك وبس..مفكرتيش انتي ممكن تهدي حياتنا بسبب اللي عملتيه.
لم تهتم لِمَ يعانيه..بل استمرت بالضغط على ندبات فؤاده..تعيد فتح جراح الماضي لتنخرط بالحاضر..ويزداد غيظه الضعف اتجاههم.
– كل حاجة أنت..أنت…مبتفكرش غير في قوانينك ونفسك..عايزني أكون جارية ليك انفذ وبس، عايز تدفني وخلاص، أنت بتهد حياتي من غير ما تحس.
رفع يده وكاد أن يصفعها كي تستفيق من اتهامات تلقيها عليه دون ادنى الشعور بما يتذوقه الآن..لقد كذبت وأخفت..بل رسمت عالم وهمي لها مع عائلته وعاملته كالمغفل..وهذا أمرًا لن يقبل به أبدًا.. بل أنها مست رجولته التي انهارت أمام عائلته بالكامل..يبدو أن حبهما كان زائفًا منذ البداية..ومع استمرار رفع يده لأعلى رفعت يدها لكي تحمي وجهها..فهبط بيده نحو فمه يضغط عليها بأسنانه ينفث عنفه على جسده هو..لن يتحمل أن يترك اثرًا جسدي لزوجته التي اقسم على حمايتها حتى من نفسه.
اقتربت والدته منه وربتت فوق كتفه قائلة:
– يابني اللي شمس تقصده أن الغلط كان من ناحيتك أنت الاول…هو ده اللي دفعها انها تخبي.
التفت برأسه ناحيتها يبتسم بقهر..ثم عاد ببصره نحو شمس وشملتها نظراته لثواني شعرت وكأنها داخل غيوم من الدخان:
– أنتي صح..وأنا هصحح غلطتي حالاً.
ابتسمت والدته براحة..وتنفس أخيرًا زيدان ويزن بعد مواجهة حبست أنفاسهم بها داعين الله أن تمر على خير..ولكن الوحيدة التي انتفض قلبها رعبًا وعلمت أنها نهاية حكايتهما هي شمس، وانسدل الستار عن المشهد الأخير لمسرحية وضعت حروفها كي تنهي نتيجة فعلها.
– أنتي طالق.
***
انزوت ليال بفراشها ليلاً..تكتفي بضوء بسيط في الغرفة يمثل لها الأمان الذي اختفى فجأة وانفلت من لجام سيطرتها..وكأن مرسى سفينتها كان وهمًا منذ البداية..اضطربت مشاعرها ودخلت في حالة صعبة من الصراع النفسي..لحظة فارقة جعلتها تتمسك بأرجوحة ذات ثوابت واهية تتمايل بها في الهواء بلا أمان، مازالت النفس تريد ضالتها..بعدما فقدت قدرة التمييز ما بين الصواب والخطأ.
خاصم النوم جفنيها..وكأنه اتفق مع ضميرها تاركًا له المساحة في جلدها..كي تغفو من وهمًا تبحر به بلا سترة للنجاة، لقد كانت تتذوق حلاوة النجاح وما تجنيه من خلال كسب مال أكثر، معتقدة بأن المال هو السد المنيع لأي انقلاب قد يزلزل حياتها، فركضت خلفه وتركت إنسانيتها جانبًا..المهم هو تحقيق آمالها.
تبعثرت هنا وهناك في لحظة خابئها القدر لها، ولولا سيف لكانت في وضع لا يحسد عليه..بل كانت ستصبح بوصمة عار للأبد..تذكرت كيف كان لها العون منذ خروجها من قسم الشرطة..ولن تنسى يده التي تمسكت بها حينما كادت أن تسقط بعد اصطدامها بحجر صغير.
***
– حاسبي.
تمسكت بيده التي حاوطت مرفقها بخوف..لامست ذعرًا كان يقفز من عينيه يخبرها بأنه يحمل مشاعر خاصة اتجاهها ولكنها مازالت تجهل هويتها..ورجحت سبب جهلها هو الحالة التي تمر بها الآن..حالية مزاجية ممزوجة بالندم والحزن والغضب..مشاعر متضاربة تضرب صدرها بعنف ونفسها الضائعة تقف دون ساتر أو حماية تصطدم بواقع أليم.
-شـ..شكرًا.
هتفت بها ليال في تلعثم وخجل انبثق من عينيها..فسارع سيف بالابتعاد عنها..واضعًا يده في جيوب سرواله محتفظًا بلمسة أصابعها الرقيقة فوق يده..لامسة أشعلت خلايا جلده..والهبتها بنيران الحب التائه.
تحركت ليال لأمام.. لا تعلم وجهتها..لا تريد الذهاب لشقتها التي دائمًا تستعيد بها ذكريات وحدتها الاليمة..ولا تريد الاختلاء بنفسها كي لا تنخرط في بكاء يظهر مدى ضعفها..لِمَ تعاندها الحياة وتصر على وحشيتها معها..فلم تجد الأم أو الاخ أو الصديقة التي تركض نحوهم تخبرهم بأحاسيسها المدفونة.
انتبهت حواسها لسيف الذي أخبرها بعرضه وكأنه ينقذها من هلاكها:
– تحبي نشرب حاجة في أي مكان..تهدي لغاية ما تقدري تروحي.
لم تجيب بالايجاب أو النفي..بل وقفت حائرة لا تجيد الاختيار الصحيح الذي يريح نفسها..خوفًا من تفكير سيف اتجاهها..فمازالت تجهل سبب دفاعه عنها وهو يظهر لها الكرة الدائم ناحيتها.
اعتبر سيف صمتها دليلاً على موافقتها..فأشار على الجانب للأخر بنبرة هادئة رزينة تمتص خوفها منه بذكاء:
– في كافية هنا..تعالي نقعد فيه.
تحركت معه كالمسلوبه…تحاول الرفض ولكن لسانها لا يقو على التفوه به..بل شعرت بأن حاجتها الشديدة له تفوق أمر معارضتها النابع من عقلها.
وبعد مدة لا تعلمها..وجدت نفسها تجلس أمامه وجهًا لوجه..يبدو أن مواجهته ستبدأ الآن..لن يصمت لسانه كثيرًا بواقع خبرتها القليلة معه..وتوقعت كلمات قاسية تضرب ضميرها الذي أخمدته لسنين طويلة، فبادرت بالحديث بصوت يحاول التمسك بنبرته الثابتة:
– أنا معملتش كده…أنت سمعت بودانك هي قالت إيه..
قاطعها متفهمًا ما تمر به الآن من تشوش لمشاعرها..لدرجة أنها فقدت الثقة في نفسها.
– عارف ومتأكد من قبل ما هي تحكي..بس ده مش هيمنع ان ده نتيجة لاخطائك.
هزت رأسها بتفهم مرير وهي تبعد بصرها عنه..تخبره في انكسار سيطر على نبرتها:
– صح..كان لازم مدخلش البيت وهي مش موجودة…
زم شفتاه بضيق حينما لم يصل إلى مبتغاه في الحديث معها..واستطرد موضحًا:
– مش بس كده يا ليال..لبسك الضيق..شعرك اللي طالع من طرحتك… مكياجك دي كلها حاجات غلط بتعمليها وبتتمسكي بيها، مع إن شايف ان مفيش مبرر لكل ده.
انهمرت دموعها بحزن ولم تستطيع الرد..شعر سيف بحدته في الحديث معها وهي في الوقت الحالي في حالة غير متزنة..قد تستجيب أو تعاند..فالأمر يشبه بالانتحار الفكري..يلقي الكورة في ملعبها والوقت غير مناسبًا.
وضع النادل العصير واستئذن منهما..فحرك سيف الكوب نحوها متمتمًا بصوت خافت حاني داعب أوتار قلبها المضطربة:
– اشربي..واهدي..احمدي ربنا أنها عدت على خير.
***
عادت من شرودها وعقلها يعمل بجهد في مواجهة درسًا قاسيًا من أهم نتائجه أن المال لن ينجي الأمان.
أغلقت عيناها واستسلمت أخيرًا للنوم علها تجد مثوى آخر بعد توهم زعزع استقرارها.
***
جلست شمس وحدها بغرفتها تضم ركبتيها معًا نحوها..تنظر أمامها بشرود يصطحبه بكاء وشهقات أحيانًا ترتفع وأخرى تنخفض.
لقد انقطع الوصال بينهما، وغلفت القسوة حياتهما، حتى أنها شعرت وكأنه شخصًا آخر أمامها..تلبسه رداء اللاوعي وخرج عن طور تعقله في لحظة فرقت بينهما.
آه كم من أحاسيس موجعة تضرب قلبها، وتجعله دون حماية أمام عاصفة قلبت حياتها، لم يكن في مخيلاتها أن الانفصال سيكون نهاية طريقهم..لقد ظنت أن الحب بينهما قادر على هدم أي عواقب قد تعيقهم، ولكن يبدو أنها خاطئة…سطحية في نظرتها، وأعمها العشق عن قسوة الواقع.
مسحت دموعها حينما أنذرها عقلها بأن أمر انتظارها هنا بغير محله..نهضت بجسد مرهق خالي من الحياة بعدما تركها نصفها الآخر والذي كان يمثل لها كل شيء.
جذبت حقيبة كبيرة وبدأت في وضع ثيابها بدموع تنهمر فوق صفحات وجهها..تشوشت الرؤية أمامها كحال تشوش عقلها، لا تعلم أين المأوي من بعده..لن تنكر أن هناك احساس بالخوف من العالم الخارجي الذي ستقابله الآن..ولكن لن يهم فمن تركها في مهب الريح هو السبب في ذلك، هو من قطع وتد المودة والرحمة بينهما، دون أي انتباه أن ليس لها مأوى آخر.
دخلت منال للغرفة بوجه حزين، وما إن رأتها وهي تمليء حقيبتها بالثياب حتى اردفت بنبرة مذعورة:
– انتي بتعملي إيه يابنتي.
– بلم هدومي علشان أمشي.
قالتها شمس بصوت مبحوح اثر بكائها الطويل منذ خروج سليم منذ المنزل، اقتربت منال منعها ومنعتها مما تفعله.
– تمشي فين..ينفع حد يسيب بيته ويمشي.
عاتبتها منال بهدوء، فردت شمس بنبرة يتخللها البكاء:
– مبقاش بيتي خلاص…هقعد هنا بصفة إيه!.
سارعت منال بالتحدث، تنفي حديثها :
– بصفة مرات سليم..يا حبيبتي سليم هيرجع وهينهي الخلاف ده، ميقدرش على بعدك وبعدين ده بيموت فيكي..اخره ساعة ولا ساعتين كمان..ولو الزعل طول اوي هيفضل لبكرة وتلاقيه جاي.
فتحت فمها كي تتحدث وتصر على رأيها لعلمها بشخصيته الجامدة..ولكن طرقات الباب جعلتها تصمت..تراقب دخول يزن مشيرًا بالهاتف أمامها:
– سليم اتصل وقال متخرجيش برة البيت، وتفضلي قاعدة في شقتك.
ابتسمت منال بحزن وهي تقول بصوت يغلبه البكاء:
– شوفتي قولتلك..ده اطيب واحد فيهم هما الكل..بس هو زعلان وحقه يزعل شوية.
– بس مش يطلقني يا ماما.
قالتها شمس وهي تنخرط في بكاء حار مجددًا، جذبتها منال نحوها تربت فوق ظهرها بحنو:
– معلش ياحبيبتي..من زعله بس، بكرة هيرجعلك تاني.
– محدش هيسمحلك يا شمس تمشي، اقعدي…كلها ساعات وسليم يرجع ونتكلم معاه.
أخبرها يزن برزانة..فأومأت له بهدوء وتركت الثياب من يدها، قررت ترك نفسها للأيام تعطيه فرصة أخيرة كي ينقذ حياتهما من هلاك مظلم، فمازال القلب يحيا من أجله..وبُعده عنها يعني دفنه في طيات الالم.
***
– ارتحت انت كده!.
قالها سيف بضيق من صديقه والذي كان يجلس أمام مكتبه في ورشته..واضعًا رأسه بين يده يخفي وجهه الحزين الغارق في أوجاعه.
– افرض مقعدتش وأصرت تمشي.
رفع وجهه في بطء، وبنبرة تخلى منها الحياة:
– هتقعد.
طرق سيف فوق سطح المكتب الخشبي المتهالك، قائلاً:
– يا سليم انت هديت حياتك، الغلط من أهلك انهم اتدخلوا في الكلام ما بينكوا كنت خدها بعيد واتكلموا، مكنتش الأمور هتوصل لكده.
– كانت بتتحامي في زيدان مني.
أجابه سليم ببساطة ونبرته محطمه، صمت ساد المكان بعد حديثه..ولكن قطعه سليم بنبرة بالكاد تخرج منه:
– مع أني عمري ما أذتها، طول عمري بحميها، بخاف عليها من أي حاجة، بحافظ عليها بكل قوتي، أنا كنت مغفل يا سيف..كنت عايش في وهم..فسرت حبي ليها على أني بقهرها..حتى شمس طلعت زيهم.
أردف سيف بنبرة هادئة، يحاول امتصاص غضب صديقه المتفاقم داخله وحتى إن أظهر العكس.
– أهلك بيحبوك يا سليم.
رد سليم بنبرة مريرة تشرح كم يتجرع من الألم أضعافه على يدهم.
– لا..مفيش حد فيهم بيحبني وواقف معايا، دول ساعدوها تخبي وتكذب على جوزها..ساعدوها في الغلط، وبيجبوا اللوم عليا..أنا دايمًا الغلط وهما الصح..أنا الوحش اللي بكرههم مع اني بستحمل حاجات علشان راحتهم.
وقف سيف عاجزًا أمام صديقه، ناقمًا على أهله بسبب ترك جروحه الماضية دون معالجتها.
– طب اهدا النهاردة…وبكرة اتكلم معها لوحدكوا وفهمها الغلط اللي عملته.
رمقه ببرود ينافي المراجل المشتعلة في صدرة، قائلاً بصوت مختنق يتخلله الحدة:
– مفيش كلام ما بيني وبينها تاني يا سيف، أنت أكتر واحد عارف لما بقول كلمة مبرجعش فيها..الحياة اتقطعت ما بيني وبينها.
نبرته كانت تحمل الاصرار، لن يقبل بأمورًا خارج حدوده..حتى لو كان ذلك على حساب قلبه.
____________________
يتبع ……
لقراءة الفصل الثانى عشر : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!