Uncategorized

رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم فاطمة أحمد

  رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم فاطمة أحمد

رواية ملك للقاسي الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم فاطمة أحمد

الحقيقة ؟
___________________
بعد حضن دام دقائق انسل من بين ذراعيها أخيرا و طالعها بشرود فوضعت يارا يديها تضم وجنتيه هامسة :
– في ايه يا حبيبي مالك عامل كده ليه في حاجة حصلت ؟
نفى برأسه لتسأله مجددا بترقب :
– انت لسه زعلان من كلامي امبارح ؟ والله يا ادم انا مبقصدش ومعرفش الكلام ده طلع مني ازاي انا اا…
قاطعها بهدوء متمتما :
– عارف يا يارا … انا عارف ومش زعلان منك لا انا زعلان من نفسي.
قضبت حاجبيها بحيرة فإستطرد ادم :
– زعلان من نفسي لاني مفهمتكيش و مقدرتش احميكي ، من يوم ما اتجوزنا وانتي عايشة في مشاكل حياتك قبل ما ادخل انا عليها كانت أسهل بكتير.
زادت استغراب يارا لكنها رغم ذلك أجابته بإبتسامة :
– بالعكس انت احسن حاجة حصلتلي لولاك مكنتش هعرف يعني ايه حب و حماية ولا اعيش احساس الأم ولا اعرف ان عندي سند قوي من بعد ربنا و بابا الله يرحمه يعني رغم كل المشاكل اللي عشناها بس احنا مع بعض اهو و انت لسه مستحملني …. و مستحمل جناني و عياطي و مصايبي.
نطقت الجملة الأخيرة بألم متذكرة ما كانت تعيشه قبل ساعات وهي بمفردها هنا ف انتقض ادم بحدة و تحذير :
– انتي مش مجنونة ، انتي أعقل و اقوى واحدة شوفتها فحياتي متقوليش على نفسك كده !!
اومأت بإبتسامة لم تصل لعينيها و سألت :
– مش هتقولي ع اللي حصلك ؟ صحيح كنت فين طول اليوم عمو ابراهيم راح للشركة النهارده و قال مشافكش هناك.
تنهد ادم بإرهاق :
– كان عندي شغل برا المكتب خلصته و رجعت ع الطول.
لم ترد الضغط عليه و إغضابه لذلك ربتت على كتفه متمتمة بحنو :
– طيب ادخل اغسل وشك و البس هدوم مريحة و انزل المطبخ ، انا و ماما حنان عملنا كام أكلة هتاكل صوابعك وراها وياريت متعندش عشان عارفة انك مكلتش حاجة طول اليوم.
لم يستطع ادم الرفض فهو حقا لم يذق الطعام منذ مساء البارحة و هذا الصباح اكتفى بشرب كأس عصير لذلك يشعر بالجوع الشديد كما انه يريد الجلوس مع يارا و محاولة سحب الكلام منها لعلها ترضي اسئلته فهز رأسه بإيجاب :
– تمام ماشي.
دلف للحمام و استحم ثم توضأ و أدى فريضته التي فاتته و نزل اليها ، جلس بجانبها وهو يتذكر تفاصيل حديثه مع الطبيب حتى سألها على حين غرة :
– صحيح انتي بتاخدي ادويتك و الفيتامينات اللي ادتهملك دكتورتك ؟
ردت عليه ببساطة :
– ايوة طبعا انا منتظمة فيهم ومبخالفش ميعاد اي دوا.
سكب لها ادم كأس عصير و أكمل بنبرة حسابية :
– حلو …. كنتي ملتزمة بالعلاج وانتي في البلد ؟
نظرت له يارا بهدوء مردفة :
– اه كنت باخد العلاج اللي دكتورة سلمى بتبعتهولي .. انت عارف يعني كنت بروح اكشف عندها في السر و اوصيها تجيبلي الأدوية من الصيدلية و تبعتهالي بس انا وقفت العلاج اياه و بقيت باخد الدوا اللي بتديهولي الدكتورة اللي متابعين عندها حاليا.
كانت تبدو وهي تتكلم في غاية السلاسة و الثبات لم تظهر و كأنها تحاول اخفاء شيء ما و هذا ما طمأنه وبعث فيه القليل من الراحة … و قبل ان يتابع قاطعته يارا مرتبكة :
– صحيح انا فكرت باللي انت قولته امبارح ويعني …
انتبه لها ادم و اومأ يحثها غلى الإكمال فبللت شفتيها و اردفت بنبرة شابها الارتجاف :
– شايفة ان معاك حق انا في الفترة ديه بتصرف بغرابة و بتوهم و بسمع ااا اصوات …. ادم انا متقبلة حالتي و مش عايزاها تسوء علشان كده موافقة اتابع عند دكتور نفسي يعني ممكن يفيدني بس ….
زمت شفتيها و قطرات العرق تظهر على جبينها و عنقها و تزداد بمرور الثواني ، تهز قدميها في رعشة غريبة وتعبث بأصابع يديها ، أجفلت عندما شعرت ب ادم يمسك كفها و يهتف بثبات :
– بس ايه ؟
ترقرقت عيناها بالدموع و ردت عليه ، بصوت مختنق مرير :
– خايفة يكون اللي بعاني منه مش مجرد تعب نفسي و الدكتور ميقدرش يفيدني اا انا خايفة اكون اتجننت ووو ادخل مصح معرفش اطلع منه بعدين ااا….
– ششش خلاص اهدي اهدي.
نطقها ادم بلهجة ثابتة بعدما زاد اضطرابها النابع من شعور داخلي بالخوف والضياع ، ضغط على يديها بقبضته و رفعهما لفمه يلثمها برقة ثم ابتسم مرددا :
– متخفيش ربنا معاكي و انا معاكي باذن الله هنتجاوز كل صعب مع بعض انتي دلوقتي متفكريش بأي حاجة وحشة لازم ترتاحي وانا كمان لأن عظامي مكسرة خلي الكلام ده لبكره ماشي. 
هزت رأسها بنعم و علقت :
– صحيح في واحد كان بيتصل بيك ع تلفون المكتب وانا رديت عليه.
عقد ادم حاجباه بتجهم :
– وانتي من امتى بتردي على الاتصالات اللي بتجيلي ؟
– مكنتش عايزة ارد بس التلفون رد اكتر من 6 مرات وانا قلقت خاصت اني كنت بتصل بردو و مردتش عليا.
قالتها بسرعة مبررة تصرفها لكي لا يعتقد انها ربما تتطفل على خصوصياته و اتصالاتها ف استطرد مهدئا اياها :
– مفيش مشكلة بس ياريت تاني مرة مترديش عشان انا مبحبش مراتي تتكلم مع رجالة غربا فاهماني ؟
اومأت يارا ليسألها :
– المهم معرفتيش مين ؟
– واحد بيقول انه صاحبك و اسمه مروان اضطر يتصل ع المكتب لانه مقدرش يوصلك لما رن ع تلفونك الخاص و اه قال لما تفضى ارجع اتصل بيه عشان عايزك ضروري.
رفع حاجبه بتعجب لكنه استدرك نفسه و قال كأنه يتذكر شيء :
– اه اه صح انا كنت متفق معاه على ميعاد نلتقي فيه بس نسيت المهم انا هطلع فوق اتصل ماشي.
– تمام وانا هغسل المواعين ديه و اختار فيلم كرتون نشوفه مع بعض.
قالتها بحماس ف ابتسم مومئا و صعد لغرفته ، اتجه مباشرة الى درج الكوميدينو و اخرج أدوية يارا و بدأ بفتحها و أخذ قرص من كل علبة و وضعها في كيس بلاستيكي معقم بإنتباه شديد ، اغلق الدرج و فتح الآخر الذي يحوي على العلاج القديم حسنا هو لا يختلف كثيرا عن ما تأخذه زوجته الآن لكن لا مانع من التدقيق فيها و اجراء تحاليل لكل قرص شربته في الماضي او حتى ما تستهلكه حاليا.
– المفروض ديه كل الحبوب اللي بتاخدها.
همس بها ادم في صلابة قبل ان يخفي الكيس البلاستيكي و يعيد كل شيء لمكانه ، أخرج هاتفه و طلب إحدى الأرقام ليتكلم بعد ثوان :
– اهلا سيادة الضابط.
أجابه مروان بجدية :
– بشمهندس ادم انا اتصلت بيك كتير النهارده مرديتش ليه و صوتك باين عليه التعب كده ليه ؟
دعك رأسه بألم و رد بإيجاز :
– كان عندي مشوار مهم مقدرتش الغيه و طولت فيه عشان كده تعبت شويا ، المهم ايه سبب الاتصال انا قلقت في جديد يخص القضية ؟
تنهد و غمغم بثبات :
– ايوة وصلنا لمعلومات مرتبطة ب عمك و ابنه و بتوقع اكيد انت هتحب تسمعها يا بشمهندس.
– واللي هي ؟
– الكلام ده مش على التلفون انا كنت عايز اشوفك النهارده بس بما ان مقدرناش هنأجل المقابلة لبعد 3 ايام لان عندي قضية جديدة هنشغل فيها.
أدرك ادم من كلامه مدى خطورة المعلومات التي وصلت اليها المباحث و أنها تتعلق به هو على وجه الخصوص لكن رغم ذلك لم يصر عليه بل أردف بتفهم :
– تمام ماشي يا ضابط مروان ميعادنا بعد 3 ايام.
كاد يغلق لكن اوقفه الآخر :
– صحيح لما كنت بتصل ردت عليا مرات حضرتك وانا قولتلها اني صاحبك المفروض تكون فهمت قد ايه القضية ديه سرية و محدش لازم يعرف انك بتتعاون معانا والا هيأذوك انت و اللي بيخصك.
– طبعا.
اغلق ادم الخط و رمى الهاتف على السرير مهمهما بسخط :
– خلاص هما أذو اللي بيخصوني و فات الأوان.
زفر و استغفر مرارا ثم أجرى اتصالا بمركز التحاليل و اتفق معهم على ان يرسل العينات الآن و يتم تحليلهم قبل الجميع لم يكن هذا سهلا بالطبع لكن مع القليل من الأموال و شرح كم الأمر طارئ و عاجل وافقوا على وعد بأن تصدر النتائج غدا صباحا.
بعد دقائق حضر العامل و أعطى له ادم الكيس البلاستيكي و غادر ، خرجت يارا من الصالون متسائلة بتعجب :
– مين اللي جه في الوقت ده ؟
رد عليه ببرود :
– واحد من الموظفين بتوعي اديته ملف يراجعه قبل ما يروح ع بيته.
اندهشت منه و علقت :
– شغل في الساعة ديه والله انت مفتري ارحم الناس اللي شغالة عندك بقى.
إبتسم ادم و اراد تغير مجرى الحوار لأنه لم يحب الكذب عليها أكثر ف انحنى طابعا قبلة رقيقة على وجنتها يتبعها همسه ذو البحة المغرية :
– ارحميني من جمالك ده بقى.
توردت وجنتاها بخجل لطيف و تمتمت :
– اا … يلا نشوف الفيلم.
جلس على الأريكة مقابل التلفاز و هي في حضنه تتركز عيناها على الشاشة ، و رغم مرحها و ضحكاتها إلا ان الإثنان غرقا في بحر عميق و تلاطمت افكارهما ببعضها حتى عجزا عن النجاة ، يارا كانت تدعي الراحة لكن في باطنها تتذكر الاشياء السيئة التي عاشتها اليوم بداية من توهمها وجود ادم ووالديها ثم سماع اصوات غريبة تناديها و شعورها بأحد يقف خلفها و أخيرا عصبيتها التي انفجرت فجأة عندما لم يرد زوجها على اتصالاتها و ظلت بعدها تصرخ بغضب و ألم سيطر على رأسها و عضلات جسدها و للحظات فكرت بأن تعود لمنزل عمها ابراهيم لكن خشت ان تستفسر حنان و تتصل بإبنها تخبره فيزداد قلقه و همه بها .
اما ادم فكان يدرك جيدا ان يارا قد عاشت نوبة أخرى من نوباتها اليوم و سحقا له لأنه لم يكن موجودا معها يساندها ، ومن جهة أخرى هو قلق من نتائج التحليل التي ستصدر غدا ف إذا كانت المهلوسات تكمن في أدويا يارا القديمة هذا يعني ان عمه من غيرها بكل تأكيد … و اذا كانت توجد في أدويتها الحالية يعني هذا بأن كلام الطبيب حقيقي و يارا تبتاع ادوية الإكتئاب … و في كلتا الحالتين ردة فعله لن تعجب أحد … حتى نفسه !!!
– ممكن سؤال.
أخرجته همستها الخافتة من دوامة أفكاره لينظر لها بطرف عينه :
– اسألي.
رفعت يارا أصابعها تمررها على صدره الذي يحتضنه تيشرت رمادي خفيف و رددت :
– انت امتى عرفت انك بتحبني … قصدي يعني امتى اعترفت لنفسك انك بتحب يارا .
– و ليه السؤال ده فجأة ؟
– عادي فضول عايزة اعرف امتى مشاعرك اتحركت اتجاهي.
اعتدل في جلسته و حدجها بنظرات عميقة متمتما :
– اممم انا الاول كنت منجذب ليكي زي اي راجل بيبقى عنده انجذاب لست حلاله ، يعني انتي حلوة و مثقفة و دمك خفيف و بتحبي تهزري و تضحكي كتير انا كنت بحب التصرفات ديه منك.
قاطعته بعتاب وهي ترمش عينيها بدلال :
– ازاي وانت كنت بتزعقلي لما تلاقيني بضحك او انادي رهف تطلع معايا مشوار … كنت بتقولي متبوظيش اختي و تخليها زيك.
مطت شفتها بحزن حقيقي وقد عادت ذاكرتها للوراء محملة معها شريطا يخزن تصرفاته السيئة و القاسية معها دون أدنى سبب و أكملت :
– كنت بتجرحني و بتحسسني اني بنت وحشة و معنديش اخلاق و بتخليني اعيط.
زم ادم شفتاه معلقا :
– انا عمري ما شوفتك بنت سيئة بالعكس كنت بطمن على اختي وهي معاكي و في نفس الوقت بدايق لما تعمل رهف الغلط وانتي تتحملي مسؤوليته … ولا حضرتك مش عارفة اني كنت كاشف كل مصايبها و انعدام مسؤوليتها ؟
شهقت يارا بدهشة من كلامه و تلعثمت مرتبكة لكنه تابع :
– و كمان كنت بدايق من نفسي لأني منجذب ليكي و اكتر من مرة وقفت قدام المرايا و اتعصبت و اتنرفزت و حذرت نفسي ابعد تفكيري عنك لانك مش مناسبة ليا و اتجوزتك عشان احميكي بس كل مرة بفشل و برجع غصب عني اتأمل فيكي وشك عينيكي شفايفك جسمك لبسك ضحكتك طيب هعترفلك بسر.
أشارت له بعينيها ف ابتسم ادم و تركزت عيناه على خاصتها قبل ان يهتف بخبث :
– انا فكرت ابوسك اكتر من مرة كل ما كنا بنتخانق تلقائيا بلاقي نفسي ببص على شفايفك اللي بتتحرك كتير حتى يوم اللي شوفتك مع عمر في المطبخ و سحبتك على اوضة مكتبي فاكرة ؟
هزت رأسها بإيجاب ليضحك وهو يردف :
– لما رفعتي ايدك عليا وانا زنقتك في الحيطة و هددتك ب الانتقام ساعتها كل انتقامي كان بيتلخص ف اني ادوق طعم شفايفك اللي مجنناني و احط ايدي عليكي و اشوف شعرك و اشم ريحته صورتك مكنتش بتروح من بالي و من كتر غضبي على تفكيري بيكي طلعتهم عليكي كأني بنتقم منك عشان شغلتي عقلي و لقيت نفسي بزعقلك و اهزقك و اشدد الخناق على حريتك انتي و رهف.
انصدمت يارا منه و تشدقت :
– معقول كنت منجذب ليا قبل ما ابدا انا افكر فيك ؟! و مشاعرك ديه … قصدي يعني انجذابك ليا امتى اتحول و بقى حب.
نطقت آخر جملة في خجل محبب لقلبه فأجابها دون تكلف :
– الإنجذاب قلب اهتمام لما عرفتي انتي بجوازنا و قربنا من بعض عرفت بتحبي ايه و بتكرهي ايه و بتفكري ازاي و بتخافي من ايه و ايه الالوان اللي بتحبيها و اهتماماتك و طريقة حياتك كلهم اتعرفت عليهم واحدة واحدة و قولت وماله يارا مراتك ومش حرام لو فكرت فيها بس رفضي لطريقة جوازنا وكمان فرق السن اللي بيننا خلاني اطمس مشاعري جوايا و جتى لما بقينا عايشين مع بعض زي اي زوجين اتعلقت بيكي جدا لكن مبينتش و محاولتش اغير معاملتي معاكي كفاية عليا لما ارجع من الشغل الاقيكي مستنياني او بتقري كتاب او بتصلي و طول الليل نايمة فحضني يعني هعوز ايه اكتر من كده.
مطت يارا شفتيها بغيظ و وكزت كتفه مستطردة :
– انا كنت محتاجة تبينلي اهتمامك ده و احس انك بتحبني او على الاقل شايل فقلبك مشاعر صغيرة ليا معقول يا ادم قلبك طاوعك تخبي عليا اللي انا دعيت كتير تحس بيه ! طيب وبعدين.
رفع حاجبه بخفة و رد عليها بعدما أمسك يديها و قبلهما :
– لما اتخانقنا و نزلتي البلد مع جدو و تيتا انا في الليلة اياها مقدرتش انام حسيت بشعور وحش جدا و السرير فاضي فطلعت برا البيت و قضيت الليلة في عربيتي …. و بعدها بيوم خدت حاجاتي ع اوضتي الاولانية و قعدت شهرين انام فيها و تفكيري كلله كان فيكي كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة صورتك معلقة في دماغي حسيت بالوحدة و اني غريب في البيت ده عشت الضياع و الغضب و الحزن و الاشتياق وقد ما كانت مشاعري ديه كبيرة بينت عكسها للتانيين و كأن مش فارق معايا ، لحد فيوم عرفت من رهف انك حامل قومت القيامة و زعقت و كسرت و اتنرفزت منك اوي و قولت لو شوفتك قدامي دلوقتي هقتلك بس ….
صمت قليلا بعدما ظهرت ابتسامة خفيفة على وجهه زادت شغف الأخرى في سماع تفاصيل حياته من غيرها و غرورها الأنثوي كأي امرأة قال لها حبيبها انها لا تنفك تحتل عقله و قلبه لذلك حثته على الإسترسال :
– ايوة وبعدين.
– لقيت مذكراتك اللي كنتي كاتبة فيهم عن مشاعرك ليا وقد ايه بتحبيني و متعذبة لأنك عايشة معايا من غير ما تحسي بأي اهتمام او احاسيس حب مني ليكي.
اتسعت عيني يارا في ذهول متمتمة :
– قريت مذكراتي يا ادم ؟ 
وضع يديه على وجهها و ناظرها بعشق يقطر من حدقتيه مجيبا :
– مكنتش عايز اتطفل على خصوصياتك و اقراه بس …. حسيت اني مشتاقلك لدرجة فضولي اتغلب على مبادئي و و لقيت نفسي بقرا كل كلمة و كل حرف و قلبي بيدق جامد اللي كتبتيه حسيته بيعبر عني و اتفاجأت ازاي ملاك زيك بيحبني انا و تلقائيا كده طلعت مني كلمة وانا كمان بحبك يا يارا.
اغرورقت عيناها بالدموع أكثر و حروفه تجتاحها بعنفوان جعلها تبزغ من ظلمات اوهامها كعنقاء أسروها سنين طويلة فطارت بجناحيها تحلق في الأعالي …. و هذان الجناحين كانا ادم ، هي تستمد قوتها منه دائما و أبدا !!
أسدلت جفونها و مالت تضع رأسها على صدره هامسة :
– متتوقفش عن حبي ، و متتخلاش عني ، انا مبقدرش من غيرك ! الفترة اللي عشتها بعيدة عنك حسيتها سنين و قرون مش شهرين ، كل ليلة بنام و دموعي مبللة المخدة و وشك مبيروحش من بالي كنت ببقى متعصبة منك اوي و بوعد نفسي مفكرش فيك خالص بس اول ما الشمس تطلع بقعد قدام الشباك ابص للطريق ع أمل الاقيك جاي تاخدني ، لولا إيماني بربنا و دعائي في كل صلاة يصبرني على الوجع ده كنت جنيت.
و ربما جنت حقا ، فما تعيشه هي الآن لا يثبت شيئا سوى الجنون ! اما ادم فكان يقبض عليها بذراعيه و داخله يفكر ، يارا من النوع الذي يلتجئ لله عندما تضيق به الحياة حتى لما توفى والدها كان إيمانها بالقضاء و القدر هو من سحبها من قعر السخط و الحرقة اذا يستحيل ان تلجأ للأدوية و تؤذي نفسها و طفلهما ، ادم يثق تمام الثقة بأنها لا تفعل !!
_________________________
اليوم التالي.
في مركز التحاليل.
دخل بخطوات ثابتة و وجهه لا يفسر كانت عيناه تمران على كل زاوية في المكان ببرود ظاهري أما داخله فيريد الركض و نزع الأوراق من مكانها و رؤية النتائج ! وصل الى الغرفة المنشودة أخيرا إنه مكتب صديق الطبيب رفعت التابع الى هذا المركز الضخم و لديه توصية خاصة عليه و لعل هذا ما جعل النتائج تظهر في وقت قياسي ، حسنا من الخطأ استعمال النفوذ و رفض الإنتظار خلف طابور التحاليل الكثيرة لكن كما يقال الغاية تبرر الوسيلة !
طرق الباب مرتين و دخل مغمغما :
– دكتور عادل ؟
هز رأسه بإيجاب :
– اتفضل يا بشمهندس.
جلس على الكرسي بإنضباط فتابع الآخر :
– الدكتور رفعت كلمني عنك امبارح و انا طلبت يبعتولي التحاليل من المركز لهنا على طول عشان نعرف نتصرف بناء على النتيجة.
لم يكن ادم يحبذ هذه المقدمات على أي حال فهو لا يملك من اتساع القلب ما يكفي لسماع المجاملات و ماشابه فقال مباشرة :
– اتشرفنا ، التحاليل طلع فيها ايه انهي دوا فيه مواد مخدرة ؟
– ولا واحد.
نطقها ببساطة فأغمض الأخير عيناه لثانيتين قبل ان يفتحهما و يهتف بحدة :
– ولا واحد منهم ايه ؟ رفعت قال ان مراتي بتاخد ادوية من اللي بتخلي البني ادم يهلوس و انا جبت العلاج بتاعها القديم و الجديد عشان تتحلل انت بتقول ايه يعني كلامه غلط !!
تشدق الطبيب عادل متفهما عصبية ادم و أردف بتريث :
– كلامه مش غلط لانه بعتلي تحاليل دم مراتك ع الايميل و للأسف بتأكد ان المادة المخدرة موجودة ب….
– بنسبة 55٪
قاطعه ادم و أكمل ساخطا :
– بس لو المواد ديه موجودة فعلا امال مظهرتش ف الأدوية ليه ؟ العلاج يارا بتاخده كل يوم قدامي و انا عارف كل تفصيلة عنه بتشرب ايه و امتى و بيفيد في ايه و جبت عينة من كل علبة و عملنالها تحاليل و طلعت سلبية يبقى احنا دلوقتي بنتكلم ع ايه بالضبط مش فاهم !!
وضع القلم بجانبه و قال محاولا قدر الإمكان اخماد نيران البركان الذي يجلس أمامه و يبدو انه على وشك قلب المكتب بما فيه :
– بشمهندس ادم انت قولت مراتك مستحيل تاخد دوا بيضرها هي و الجنين و ممكن العلاج اللي بتاخده عنده آثار جانبية و قولنا ماشي هنتأكد يمكن كلامك صحيح بس زي ماانت شايف النتايج متعاكسين بس اللي متأكدين منه ان مراتك فوضع خطير ولو فضلت تاخد الدوا اياه بالسر حالتها ه ….
قاطعته ادم هادرا بعصبية :
– قولتلك مراتي مبتاخدش حاجة بالسر انا مش عارف ليه مصممين تقولو عليها بتاخد حبوب هلوسة اساسا التحليل بتاع امبارح كنت شاكك فيه و دلوقتي اتأكدت انه غلط مراتي مرهقة نفسيا و هتبقى كويسة اول ما تتعالج عند دكتور نفسي و خلصنا على كده.
ضرب بيده على سطح المكتب و نهض مغادرا لكن بمجرد فتحه الباب وصله كلام الطبيب محذرا :
– مراتك لو موقفتش الأدوية ديه ف اقرب وقت مش هنقدر نساعدها بعدين لازم تلاقي اللي بتشربه عشان نبدأ العلاج يا بشمهندس.
نظر له بطرف عينه و أكمل طريقه للخارج و هو لا يبصر شيئا من شدة انفعاله بدت عروق رقبته نافرة على وشك الانفحار فلم يصعب على أي احد يراه معرفة مدى غضبه ، وقف ادم امام سيارته هامسا :
– هتجنن … هتجنن !
ضرب العجلة الأمامية بقدمه بقسوة ثم ركب و انطلق بها نحو وجهة غير محددة لكن كل ما أراده هو الإبتعاد فقط ….
_____________________
جلست يارا على الأريكة بإرهاق متمتمة :
– ادم انت فين ليه مصحتنيش قبل ما تمشي ، بذمتك هيصحيكي ازاي وانتي نايمة لحد الساعة 10.
زفرت بخنق و فجأة توقفت عن الحركة عندما شعرت بأحد يضع يده عليها و انفاس ساخنة تلفح بشرتها … ارتجفت اضلاعها و تصلبت مكانها محاولة طرد تلك الهواجس بالإستغفار لكنها لم تتحسن بل زادت الاوضاع سوءا عندما بدأت الصور أمامها تتحرك و رؤيتها تتشوش ثقلت انفاس يارا و همست بصوت يكاد يسمع :
– انا بتخيل … مش حقيقي … ديه تخيلات ااااه.
صاحت بألم تضع يدها على رأسها الذي تشعر أنه سينفجر في أي لحظة و تكاد تجزم أن دماءها تغلي داخل جسدها الآن ، جربت سحب الهواء ببطئ و تهدئة نفسها لكنها فشلت فنزلت دموعها مرددة :
– ليه بيحصلي كده يا ربي انا تعبت !
ازداد صوت الهمسات و أصبحت تتعرق قبل ان تشهق بعنف عند رؤيتها لصورتها تتجسد أمامها لكنها ذو وجه مشوه … جسد هزيل و شعر طويل بشكل مخيف و عينان حمراوتان تقطران دما بإبتسامة جمدت الدماء التي كانت تغلي منذ لحظات فقط ، هذه كانت صورة يارا المرعبة ولكنها لا تعلم ان كانت تنظر للمرآة و ترى حقيقتها أم هي أوهام … حتى لا تدرك ان كانت ترى كابوسا مجددا أو هذه المرة تعيش واقعها …
ازدردت ريقها و تراجعت للخلف تهمس بهستيرية مهووسة :
– ابعدي عني … لا متقربيش مني … اا ادم…
اطبقت يارا جفنيها و سدت أذناها عن تلك الهمسات التي تردد ” أنت مجنونة ، لن يقبل العيش مع امرأة مجنونة ، سوف يتركك ، سوف يتركك “
هزت رأسها و صرخت حتى تمزقت أحبالها الصوتية :
– خلاااااص كفااااية كفاااااية انا مش مجنونة مش مجنووووووونة !!
تابعت صياحها وقد سقطت من الأريكة تفترش الأرضية و تكوم نفسها تهز جسدها بريبة ، ظلت تصرخ و تصرخ حتى شعرت بأحد يلمسها لكن هذه المرة كانتا ذراعان تحتجزها لتتوسع عيناها بذعر و تزمجر :
– اااابعد عني متلمسنييش ماااامااا ااابعد عني…
– خلاص اهدي اهدي.
كان هذا صوته الذي تغلغل داخل أذنيها متغلبا على باقي ما تسمعه ورغم ذلك تشجنت مرددة :
– انا عارفة اني بتخيل خلاص يا رب تعبت والله تعبت مش عايزة ابقى مجنونة ….
احتضنها جسده الدافئ ليلتصق ظهرها بصدره و همسته الحانية تحط عليها :
– ده مش خيال انا هنا … حبيبك معاكي ومش هيسيبك اطمني …
امتزجت دموعها مع شهقاتها المتقطعة و صوتها يخرج متحشرجا :
– ادم … انت هنا معايا …
الصق وجهه بوجهها هاتفا بحرقة و دموع تجمعت في عينيه لأول مرة :
– دايما …. هي ديه الحقيقة الوحيدة …
يتبع…
لقراءة الفصل الأربعون : اضغط هنا
لقراءة جميع فصول الرواية : اضغط هنا

اترك رد

error: Content is protected !!