روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الرابع والخمسون

رواية امرأة العقاب الجزء الرابع والخمسون

رواية امرأة العقاب الحلقة الرابعة والخمسون

انحبست أنفاسها وخرجت روحها مع خروج الرصاصة من السلاح واستقرارها بجسده .. كان قلبها يدق بقوة من الخوف والآن توقف عن النبض وشعرت بأن الرصاصة اخترقتها هي وليس هو ! .
اختل توازن آدم وسقط من فوق عامر ورفع يده يضعها فوق الدماء التي تسيل بغزارة من بطنه بينما عامر فوثب واقفًا بزعر وراح ينقل نظره المرتعد بينها وبينه !! .
اندفعت نحوه مهرة وجثت أمامه ثم رفعت رأسه ووضعت ذراعها أسفلها وبيدها الأخرى راحت تضعها فوق جرحها وتهتف برعب وبكاء هستيري :
_ بسببي .. بسببي .. ليه جيت يا آدم .. ليييه
تعلقت نظرات آدم الواهنة على عامر الذي كان يتقهقر للخلف ينوي الهرب فخرج صوته الضعيف والمكتوم :
_ متخلهوش يهرب يامهرة البوليس جاي دلوقتي
صاحت وسط بكائها ويداها وجسدها الذي يرتعش كله من الخوف :
_ ما يهرب ولا يغور في داهية إنت الأهم دلوقتي .. فين تلفونك هتصل بالإسعاف فورًا
ثم راحت تعبث بيدها المرتعشة والمتلطخة بدمائه تبحث في جيبه عن هاتفه .. استغل عامر الفرصة وهرول راكضًا للخارج ينوي الفرار غير مدركًا ما ينتظره بالأسفل ! .
شعر آدم بضيق تنفسه وعيناه أصبح لا يقوى على فتحهم جيدًا لكن نظراته مازالت ثابتة عليها يتطلعها بحزن وغرام بينما هي فكانت تبحث عن هاتفه وتبكي بشدة ويداها المرتعشة لا تستطيع إمساك أي شيء .. فجأة وجدته يقبض على كفها ويحتضنه بقوة رغم ضعف أعصابه وينظر في عيناها بعمق هامسًا في صوت خرج واضحًا بصعوبة :
_ أنا بحبك يامهرة !
تجمدت يداها وصابتها الدهشة لبرهة قبل أن تراه يغمض عيناه ببطء وارتخت قبضة يده فوق كفها حتى تركها تمامًا وبقى بين ذراعيها ساكنًا بلا حركة كالجثة الهامدة !! .
انتابتها حالة من الهلع والزعر فراحت تهز وجهه بقوة وتصيح بصوت مرتجف وبكاء حارق :
_ آدم افتح عينك ابوس إيدك .. آدم متسبنيش أنا كمان بحبك والله .. أنا مش هسامح نفسي .. آدم متومتش .. آدم عشان خاطري رد عليا
لكن لا حياة لمن تنادي لا رد ولا حركة مما جعلها تدفن وجهها في صدره وتبكي بنحيب مرتفع وسط همساتها المتكررة بأسمه .
بعد لحظات اقتحم الضباط المنزل وكان من ضمنهم صديقه الذي زعر واسرع لآدم وأول شيء فعله أنه قام بالتحقق من نبضه ومن ثم حاول إبعاد مهرة عنه هاتفًا بجدية :
_ ابعدي يا آنسة مهرة لو سمحتي لازم ناخده على المستشفى حالًا
هتفت ببكاء حار وهي تهز رأسها بالنفي :
_ لا أنا مش هسيبه .. هو عايش صح .. عايش ؟
أجابها بإيجاز وقلق :
_ عايش عايش بس لازم نلحقه
ابعدته عن أحضانها مجبرة ورأتهم وهم يحملونه ويغادرون به بعد دقائق معدودة فور وصول الإسعاف .. وكانت هي خلفهم تمامًا وأصرت على البقاء بجانبه بسيارة الإسعاف ………..
                                  ***
فتحت جلنار عيناها بانزعاج على أثر رنين الهاتف الصاخب .. ثم مدت يدها له وهزته برفق هامسة :
_ عدنان .. عدنان .. قوم شوف مين بيتصل
أصدر تأفف عاليًا بخنق وتمتم بخمول دون أن يفتح عيناه :
_ سيبك منه ياجلنار
ثم مد يده للهاتف وكتم صوت الاتصال .. لم تلح عليه وعادت تكمل نومها من جديد لكن المتصل كان مُصرَّ .. حيث عاد يصدح صوت الهاتف من جديد .. وهذه المرة أصدرت تأففًا قوي واعتدلت في نومها لتقترب منه وتميل من فوقه حتى تلتقط الهاتف وفور رؤيتها للرقم المصري المجهول ضيقت عيناها باستغراب وقلق لتهزه مجددًا بقوة وتهتف في جدية :
_ ده رقم مصري !! .. قوم ياعدنان رد شوف مين ؟
فتح عيناه بعدما اخترقت أذناه جملتها الأولى واعتدل في نومته بسرعة ليجذب الهاتف من يدها ويجيب :
_ الو
وصله صوت نشأت المريب على الجهة الأخرى من الهاتف :
_ عدنان تركب الطيارة حالًا وترجع إنت وجلنار وهنا
استقام جالسًا بفزع وقال بصوت مترقب لرده :
_ في إيه يا نشأت حد جراله حاجة ؟!
نشأت بهدوء مزيف :
_ لما تيجي هقولك .. اعمل زي ما بقولك بس وتعالى حالًا
أبعد الغطاء عن جسده وهب واقفًا ليجيبه ببعض العصبية بسبب قلقه :
_ ما تتكلم يا نشأت في إيه ؟!!
تنهد الصعداء بعدم حيلة ورد مغلوبًا بأسف :
_ آدم في المستشفى وحالته صعبة جدًا
انتفض قلبه زعرًا على أخيه وصاح :
_ إيه .. مستشفى إيه إزاي وامتى حصل الكلام ده ؟!!
نشأت بصوت رجولي حازم :
_ مش وقته يا عدنان تعالى وهفهمك كل حاجة لما توصل .. أنا في المستشفى معاه دلوقتي
لم يجيبه وانزل الهاتف والقى به فوق الفراش ليندفع نحو الحمام مهرولًا لكن جلنار قبضت على ذراعه وسألته بفزع :
_ مين في المستشفى ياعدنان ؟!
_ آدم .. جهزي الشنط والبسي إنتي وهنا فورًا عشان هنرجع دلوقتي
شعرت بوغزة ألم وخوف عندما سمعت اسمه .. و استحوذت عليها صدمتها لبرهة حيث بقت متسمرة بأرضها لدقيقتين كاملتين حتى بالأخير استعادت وعيها واندفعت إلى الخزانة وجذبت الحقيبة تضعها فوق الفراش ثم تخرج الملابس من الخزانة وتضعها في الحقيبة بعشوائية وعدم تنظيم .. أما ذلك العضو الذي في يسارها فلا يتوقف عن الدق بعنف من فرط القلق والهلع !!  ……..
                                  ***
اقترب نشأت بخطواته من تلك المسكينة المنزوية في أحد الأركان بمفردها وترفع كفيها أمام أنظارها تتطلع بيديها المتلطخة بدمائه وتبكي بحرقة !! …
جلس بجوارها وهمس في خفوت ونظرة مشفقة عليها :
_ قومي يابنتي اغسلي ايدك ووشك .. متقلقيش إن شاء الله هيطلع بالسلامة
تطلعت مهرة بنشأت رغم أنها لا تعرفه لكنها رمقته بوهن وقالت ببكاء :
_ هو جوا دلوقتي بسببي .. لو حصله حاجة مش هسامح نفسي أبدًا .. مش هقدر اخسره كمان زي ماما وبابا
رفع كفه ورتب على كتفها بلطف متمتمًا في صوت رزين :
_ ادعيله .. وبإذن الله هيطلع من العمليات ويرجع زي الأول واحسن
تطلعت في يديها بعدم وعي وراحت تبكي بشدة وتقول :
_ قولتله يبعد عني مسمعش كلامي .. أنا كنت حاسة أنه هيتأذي بسببي عشان كدا كنت ببعده .. أسمهان مش هي وحدها السبب
ضيق عيناه بحيرة فور سماعه لاسم أسمهان وكان سيهم بطرح سؤاله لكنه لمح أسمهان تهرول من بداية ردهة الطابق بهلع ودموعها تملأ وجهها كله .. استقام واقفًا وتقدم لها حتى وصل لها فوجدها تردف برعب غير طبيعي وبكاء حار :
_ ابني يا نشأت .. ابني جراله إيه .. أنا عايزة اشوفه واطمن عليه
امسكها من ذراعيها ليهدأها وينظر في عيناها بقوة هاتفًا :
_ اهدي يا أسمهان .. مينفعش تشوفيه هو في العمليات دلوقتي
كأنها لم تسمع كلمة واحدة مما تفوه به حيث حاولت إبعاده عنها وصاحت باكية :
_ أنا لازم اشوفه .. مين اللي عمل فيه كدا .. ابني لو جرالته حاجة مش هقدر اعيش من غيره
جذبها بقوة حتى تقف وتستوعب ما يقوله حيث هدر بلهجة مرتفعة نسبيًا :
_ هيبقى كويس يا أسمهان اهدي .. مينفعش كدا خليكي قوية وان شاء الله هيقوم بالسلامة
نبرته ايقظتها قليلًا لكن نظراتها لا تزال تائهة فقالت بألم وصوت مرتجف :
_ أنا مليش غيره هو وعدنان .. أنا عايزة اشوف ابني يا نشأت .. ابوس إيدك خليني اشوفه
لانت حدة نبرته وظهر الدفء في نظراته مشفقًا عليها ليملس فوق ذراعها بحنو ويهمس :
_ اخليكي تشوفيه إزاي بس مينفعش .. استهدي بالله وادعيله هو اكتر حاجة محتاجها دلوقتي الدعاء
لا تتوقف عيناها عن ذرف الدموع بغزارة وعلى حين غرة ارتمت بين ذراعيه تبكي بنحيب مرتفع وسط همسها :
_ يــارب .. يارب احفظ لي ابني
لم تدهشه بتصرفها أبدًا ولم يبعدها بل رفع كفه وملس على ظهرها برفق دون أن يتفوه بكلمة واحدة .. يستمع لصوت بكائها الحار فوق صدره بصمت !! …
                                   ***
بعد مرور ما يقارب الأربع ساعات تقريبًا …….
كان عدنان بالسيارة أمام مقر المستشفى بالقاهرة ونزل ليقود خطواته شبه ركضًا للداخل ولحقت به جلنار وهي ممسكة بيد صغيرتها معها التي تستمر بطرح الأسئلة على أمها في خوف من الأجواء المشحونة بالتوتر وحالة والدها الغريبة !! .
انتبهت أسمهان لابنها وهو يهرول باتجاههم فهبت واقفًا وفور وصوله عانقته بقوة تهتف بصوت مرتجف :
_ آدم لغاية دلوقتي مطلعش من العمليات يا عدنان .. ابني بيضيع مني
اتسعت عيناه بصدمة وراح يتجول بنظره بينها وبين نشأت ثم قال :
_ ازاي مطلعش لغاية دلوقتي .. ده ليه اكتر من أربع ساعات
ازداد نحيبها وبكائها أكثر بين ذراعيه ليضمها إليه أكثر ويتمتم في حنو وثبات مزيف :
_ اهدي ياماما اهدي .. ان شاء الله خير ويطلع الدكتور دلوقتي يطمنا عليه
كانت نظرات جلنار عالقة عليهم تقف بسكون وعيناها ممتلئة بالدموع حتى شعرت بذراعين والدها يضمها إلى صدره لاثمًا شعرها بقبلة رقيقة وبذراعه الآخر ضم الصغيرة التي انهمرت دموعها دون سبب فقط لرؤيتها الجميع يبكي !! ….
ابتعد نشأت عن ابنته حين أشار له عدنان أن يأتي معه ليتحدثوا بعيدًا عن مسامعهم .. بينما جلنار فبقت واقفة تتطلع بأسمهان بتدقيق .. ولوهلة شعرت بالإشفاق عليها فهي أيضًا أم وتدرك جيدًا حجم ألمها الآن ! .. حثتها عاطفتها الامومية على مواساتها فاقتربت وجلست بجوارها ثم رفعت كفها وملست على كتفها برفق هامسة :
_ هيبقى كويس أنا واثقة متقلقيش
اطالت أسمهان النظر إليها بصمت في وجه خالي من المشاعر ثم ابعدت يدها عنها وردت بخنق :
_ متشكرة على اهتمامك يابنت الرازي
لوت جلنار فمها بعدم حيلة ومالت برأسها للجهة الأخرى تقول في ابتسامة ساخرة :
_ مفيش فايدة يا أسمهان .. الحق عليا إني حاولت اواسيكي واهديكي شوية .. قولت اكون أنا اللي احسن منك رغم كل اللي عملتيه معايا
التهبت نظرات أسمهان وقال بغضب وعين حمراء من فرط البكاء :
_ وتواسيني ليه .. أنا ابني كويس وهيطلع بالسلامة وزي الفل .. اجلي المواساة وسبيها عليا أنا لما اخلص عدنان منك سعتها أنا اللي هواسيكي
استقامت جلنار واقفة وطالعتها مشفقة وباستنكار تقول :
_ أنا حقيقي بشفق عليكي .. إنتي لا يمكن تكوني طبيعية !
ابتعدت عنها وقادت خطواتها تجاه الحمام .. وفور دخولها تركت العنان لدموعها ليس فقط خنقًا من كلمات أسمهان ولكن أيضًا خوفًا وحزنًا على آدم !! .
خرجت بعد دقائق قصيرة وكانت في طريقها للعودة قبل أن تلمح مهرة وهي تجلس بركن منعزل وتحدق في اللآشيء أمامها بنظرات تائهة وعيناها تذرف الدموع بصمت .
تحركت نحوها ببطء حتى جلست بجانبها .. اخفضت نظرها ليديها المتلطخة بالدماء وطالت التحديق بهم حتى تنهدت بعمق وهمست بصوت مختنق :
_ مهرة إنتي كويسة ؟!
رأتها تهز رأسها بالنفي دون أن تحيد بنظرها إليها فالتصقت بها ولفت ذراعها حول كتفيها ترغمها على الوقوف هامسة :
_ طيب تعالى نروح الحمام وتغسلي إيدك ووشك مينفعش تفضلي قاعدة كدا
خرج صوتها المبحوح والضعيف تقول :
_ هو مسمحليش ابعد عنه لما أنا رفضته ودلوقتي أنا مش هسمحله يسيبني .. ملحقش يسمعني ويعرف إن أنا كمان بحبه .. قالي بحبك ياجلنار وكانت آخر كلمة اسمها منه .. أنا السبب في اللي حصله
لم تتمكن من حجب دموعها حيث انهمرت فوق وجنتيها غزيرة وراحت تملس على ذراع الأخرى بحنو متمتمة :
_ إنتي ملكيش ذنب يامهرة .. وهو مش هيسيبك ياحبيبتي ولما يفوق هتقوليلوا بنفسك إنك بتحبيه كمان
أرتجف صوت مهرة المحتقن وهي تجيبها ببكاء صامت :
_ نظرته ليا لا يمكن انساها .. قالي بحبك كأنه بيودعني .. أنا مش هستحمل اخسره هو كمان .. مش هقدر اتحمل ألم فقدان جديد
اجهشت جلنار  في البكاء فراحت تفرد ذراعيها وتعانقها بقوة .. لتسمع صوت نحيبها وبكائها المرتفع وسط صوتها الموجوع :
_ وحشني وعايزة اشوفه .. أنا مكنتش أتخيل إني بحبه بالشكل ده
ملست جلنار على ظهرها بحنو وهمست من وسط بكائها باسمة :
_ وهو بيحبك جدًا  .. تعرفي إنه طلب مني اكلمك عشان اخليكي مبتعدهوش عنك وكان خايف جدًا يخسرك .. وقف قصاد مامته عشانك .. وأنا متأكدة أنه مش هيسيبك
ازدادت حدة بكائها بين ذراعيها .. وجلنار رغم كل شيء مازالت تحاول البقاء ثابتة حتى الآن .. لكن فجأة انتفضت مهرة وابتعدت عن جلنار حين سمعت صوت أسمهان الملتهب وهي تصيح بها :
_ إنتي بتعملي إيه هنا ؟!!
لم تجيبها مهرة وبقت تتطلعها بصمت حتى وجدتها تنحنى عليها وتجذبها من ذراعها بعنف صارخة بها :
_ اطلعي برا مش عايزة اشوف وشك هنا واياكي تقربي من ابني تاني أبدًا فاهمة ولا لا
وثبت جلنار واقفة ونزعت ذراع مهرة من قبضة أسمهان ثم حدقتها بغضب وهتفت :
_ إيه اللي بتعمليه ده !!
ثم جذبت مهرة من ذراعها واوقفتها خلفها لتصمد هي بثبات أمام أسمهان هاتفة بانفعال وعصبية :
_ إنتي إيه مفيش في قلبك رحمة .. مش مكفيكي المشاكل اللي عملتيها بيني أنا وعدنان ومحاولاتك إننا ننفصل .. كمان حتى آدم مش عايزة تسبيه يعيش براحة وسعادة مع البنت اللي بيحبها
رمقت مهرة شزرًا وصاحت :
_ البنت اللي بيحبها !!! .. ابني في العمليات ليه اكتر من أربع ساعات بسببها دلوقتي .. هي دي اللي بيحبها !!
وصل عدنان ونشأت على أثر صوتها فاندفع إليها بسرعة يهتف في سخط هادر :
_ احنا في إيه ولا إيه دلوقتي .. ده وقت خناق ياماما .. احنا في مستشفى !!
أشارت بسبابتها على مهرة وهتفت بغضب :
_ البنت دي تمشي وتغور من هنا مش عايزة اشوف وشها قدامي
ردت مهرة بثبات ونبرة محتقنة بالدموع :
_ أنا مش همشي غير لما اطمن على آدم
قبض عدنان على ذراع أمه يحثها على السير معه هاتفًا في حدة :
_ ماما تعالي يلا .. يلااااا
ألقت نظرة أخيرة كلها وعيد وغل على مهرة وهتفت :
_ لو ابني جراله حاجة هوديكي ورا الشمس إنتي وعيلتك كلها
التفتت جلنار لمهرة وجذبتها معها للحمام هامسة بلطف في محاولة. لتجاهل أسمهان تمامًا  :
_ تعالي ياحبيبتي نروح الحمام عشان تغسلي ايدك ووشك وتهدي شوية
سارت معها مهرة مرغمة وهي تبكي بصمت .. بينما جلنار فكانت تتلفت خلفها تتابعهم بنظراتها فتقابل أعين أسمهان النارية عليهم !! ….
                                  ***
رأته يجلس على أحد المقاعد ويدفن رأسه بين راحتي كفيه ومتكأ بساعديه على فخذيه .. فتحركت نحوه بتريث وجلست بجواره للحظات تتطلعه بصمت ثم مالت عليه واستندت برأسها فوق كتفه ويدها مدتها لذراعه تملس عليه بحنو .
اعتدل في جلسته ورفع رأسه ليتطلعها بأسى وعينان ممتلئة بالدموع جعلتها تدمع تلقائيًا وترفع أناملها تملس فوق وجنته بدفء ثم تسمع همسه :
_ حاسس أن عاجز وعقلي اتشل مش عارف افكر .. كل ما الوقت بيمر وهو جوا بحس أن صدري بيضيق عليا أكتر
مالت عليه وعانقته فهو ليس بحاجة لكلامها .. بل يحتاج قربها .. تمتم ببحة رجولية حزينة :
_ آدم مش اخويا يا جلنار ده ابني
_ عارفة .. عارفة ياحبيبي .. ربنا يقومك بالسلامة يارب
ابتعد عنها وألقى نظرة خانقة على مهرة الجالسة بمفردها في أحد الزوايا .. فالتفتت جلنار برأسها تبحث عن ما ينظر له وعندما استقرت نظراتها على مهرة عادت له فورًا وطالعته بعتاب وضيق تقول :
_ بتبصلها كدا ليه ياعدنان .. هي ملهاش ذنب !!!
عدنان بغضب ونظرات حمراء نابعة من اللاوعي بما يحدث لأخيه :
_ ملهاش ذنب إزاي واخويا اللي في العمليات لغاية دلوقتي ده بسبب مين
جلنار بحزم :
_ أي حد مكانه كان هيعمل كدا عشان حبيبته
غصن حاجبيها بدهشة مجيبًا :
_ حبيبته !!!
_ أيوة آدم بيحبها وطبيعي كان هيحاول ينقذها ياعدنان بلاش تظلمها بالشكل ده إنت مش شايف حالتها إزاي
طال النظر إليها ليدقق على ملامحها المنطفئة وعيناها المنتفخة من أثر البكاء وهي شاردة كأنها بعالم آخر لا ترى فيه أحد منهم .. ليزفر بخنق مما تفوه به مستغفرًا ثم يرفع كفه يمسح على وجهه بعنف متمتمًا :
_ أنا اعصابي تعبانة ومش قادر لا أفكر ولا اتكلم ياجلنار
مدت يديها واحتضنت كفه الصلب والكبير مقارنة بيدها الناعمة والرقيقة لتهمس في قوة تليق بها :
_ وأنا جمبك ومش هسيبك لغاية ما يطلع الدكتور ويطمنا علي آدم ان شاء الله
رمقها مطولًا بحب ثم رفع كفه ولفه حول رأسها من الخلف ليقربها من شفتيه ويلثم جبهتها بعطف ……
خرج الطبيب أخيرًا بعد ساعات طويلة من الانتظار .. فهرولت إليه أسمهان اولًا ومن خلفها فورًا كان عدنان ..
ثم طالت نظراتهم المذهولة للطبيب بعد جملته التي تفوه بها !!! ………
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!